الأحد، 25 مارس 2012

موسوعة العقيدة - أسماء الله الحسنى : النور

النور

 مع الاسم الرابع والثلاثين من أسماء الله الحسنى، والاسم هو النور، النور من أسماء الله الحسنى التي وردت في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة.
 في اللغة النور هو الضوء أياً كان، لا نحب أن ندخل في تفسير النور العلمي الذي يعني:" إشعاع "، تفاعل في بنية الذرة، موجات تخرج من الذرة إلى الفضاء، وكيف أنَّ الجسم إذا سارَ بسرعة الضوء أصبحت كتلته صفراً وحجمه لا نهائي، هذه موضوعات في الفيزياء لها مجال آخر.
 على كُلٍ في اللغة النور هو الضوء أياً كان أو شعاعه، موجاته أو سطوعه، تألقّه، هناك موجات لا تُرى بالعين، النور هو الضياء والسناء الذي يُعين على الإبصار، أنتم موجودون ولكم أعين ولكن هذه الأعين لا قيمة لها من دون هذا الضوء الذي يُعَدّ وسيطاً بينكم وبين المرئيات، النور والضياء والسناء الذي يُعين على الإبصار.
 النور نوعان: دنيوي وأخروي.
 الدنيَوي نوعان: 1- معقول بِعَيْن البصيرة.
 2- محسوس بعَيْن البصر.
 معقول بعين البصيرة: أحياناً تكون الفكرةُ الواضحةُ أو الأسلوب الذي تَعلَّمه الإنسان في حل المشكلات، يُعَدّ نوراً مجازياً، أحيانا يعاني إنسان من مشكلة في آلة وعنده خبرة، يجعل هذا الشيء مكان هذا الشيء ويصل هذا الشيء بهذا الشيء فتعمل هذه الآلة، هذه الخبرة التي يملكها، أو هذا الأسلوب الجاهز في حل هذه المشكلة يمكن أن نسميَه نوراً.
 فالنور نوعان: نور معقول بعين البصيرة، قد يواجه الإنسان مشكلة لا يستطيع أن يفعل شيئاً إزاءها كأنه في ظلام ثم تلمع في ذهنه فكرة فتُحل تلك المشكلة بهذه الفكرة، - فالفِكْر مُحاكمة، حكم استنباط استدلال - فتُحل له المشكلة فإذا شبهناها بالنور فالتشبيه صحيح، فالنور معقول بِعَين البصيرة، ومحسوس بعين البصر، مِن هنا قالوا العلم نور، العلم يحرسك وأنت تحرس المال والمال تنقصه النفقة والعلم يزكو على الإنفاق.
 العقل نور، القرآن الكريم نور، أوضح مَثلٍ قارورة تحوي مادة كيميائية أنت لا تعرف هذه المادة، يا ترى أهي مادة تلتهب !؟ تنفجر ! سامة ! مادة مؤذية ! نافعة ! مخدّرة ! مسلطنة ! مادة في قارورة إذا كُتب على هذه القارورة لُصاقة كلور الصوديوم هذه الكلمة كأنها نور كأن شيئاً لا تراه سلّطت عليه ضوءاً فعرفته كذلك هذه اللُصاقة نور،فالنور مادة: محسوس ؛ معنوي ؛ معقول.
 المحسوس كنور القمر وضوء الشمس، ومن النور المعقول قوله تعالى:
﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15)﴾
(سورة المائدة)
﴿ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ ﴾
 الإنسان خُلق في الأرض لماذا خُلق؟ ماذا ينبغي أن يفعل ؟ أيأكل ويشرب وينام وانتهى الأمر ؟!، أم عليه مهمة لا يعرفها ؟ متى يموت ؟ لماذا يموت ؟ لماذا يعيش ؟ يُحسن، يُسيء يصدق يكذب، يُؤتَمن يخون ماذا يفعل ؟ يأتيه كتاب من الله يقول له أنت خُلقت لجنة عرضها السماوات والأرض أنت خُلقت في الدنيا لتعمل عملاً صالحًا يدخلك الجنة، أنت لا يُسعدك إلا أن تتصل بالله عزّ وجل، لا تَسلمَ إلا إذا أطعت الله، لا تسعد إلا بِقُرب الله، الله الذي خلق السماوات والأرض هو إلهٌ عظيم، ربٌ كريم، سميعٌ بصير، عليم قوي، مُجيب، هذا القرآن عرّفك بالله، عرّفك بالكون، عرّفك بحقيقة الحياة، عرّفك بحقيقة الإنسان، قال لك افعل ولا تفعل، بيَّنَ لك الحلال والحرام، الخير والشر، الحق والباطل، ما ينبغي وما لا ينبغي، نشأةُ العالَم ومصيرُ العالَم، تاريخ الأمم والشعوب، قصص الأنبياء، مشاهد يوم القيامة. النور للمؤمن يورثه راحة لا يعرفها غيره إطلاقاً، كل الأمور واضحة عنده جلية، كل شيء واضح، يعرف أن لهذا الكون خالقاً ويعرف أن لهذا الكون مربِّياً ولهذا الكون مسيِّراً، وأن الله موجود وواحد وكامل وأنَّ أسماءَه كلها حُسنى، وأنَّ صِفاتِه كلها فُضلى، وأنَّ الله عزّ وجل سميعٌ قريب، مجيبٌ رحيم، ودود، الدنيا مزرعة الآخرة، الإنسان يسعد بطاعة الله يشقى بمعصية الله هذا الكتاب الذي بين أيدينا يقدِّم لنا راحة لا تُعدّ ولا تُحصى لا تُوصف، راحة التوازن، أحيانا يعتري الإنسانَ غموضٌ فيبقى في قلق منه فإذا أتضح تبدد القلق، فالله سبحانه وتعالى يقول:
﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15)﴾
( سورة المائدة)
 هذا الكتاب هو النور،أحيانا تشتري آلة ولها تعليمات مثلا اضغط على المفتاح يحدث كذا ثم الثاني ثم الثالث فتظهر على الشاشة هذه الكلمة، افعل كذا افعل كذا، كأنك تمشي على طريق واضح مستقيم، فذلك القرآن الكريم نور، ومن النور المحسوس ذاك، والنور المعقول القرآن الكريم فهو نور معقول، فمن المحسوس كما علمت قوله تعالى:
﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5)﴾
(سورة يونس)
﴿ جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُوراً ﴾
 والإنسان قد يقف عند الشمس قليلاً، يُقدّر علماء الفلك أن عُمر الشمس لا يقل عن خمسة آلاف مليون عام وأنها لن تنطفئ قبل خمسة آلاف مليون عام وأنها تُصدر من الطاقة الحرارية والضوئية ما لا سبيل إلى وصفها، فبيننا وبين الشمس مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر ومع ذلك لا تستطيع أن تتعرض لأشعة الشمس طويلا في الصيف فكيف أشعتها هناك ؟، لِسان اللهَب لا يقل عن مليون كيلو متر، الحرارة ستة آلاف درجة على سطحها، بينما في مركزها عشرون مليون درجة هذه تتسع لمليون وثلاث مئة ألف أرض من حجم أرض هذا جوفها، كنت أذكر دائما أنَّ في بُرج العقرب نجماً أحمر اللون اسمه قلب العقرب يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما:
﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُوراً ﴾
( سورة يونس آية 5)
 مَن أبدع أصل النور ؟ الله عز وجل. إنَّ النور تفاعُل يجري في مادة في بُنيتها النووية، هذا التفاعل يُنتج موجات، هذا النور ينتشر، هل له وزن ؟ ليس له وزن، حجمه لا نهائي كتلته صفر، بل إنَّ بعض علماء الفيزياء يقولون إنَّ أيَّ جسم لو سار بسرعة الضوء، الضوء سرعته ثلاثمائة ألف كيلو متر بالثانية، أيُّ جسم لو أتينا بكتلة حديد استطعنا أن نقذفها بسرعة الضوء فتصبح نوراً وكتلتها صفر وحجمها لا نهائي، موضوع النور يحتاج لجلسات علمية خاصّة.
 على كلٍ النور المحسوس كضوء الشمس والقمر فنورهما نور محسوس، والقرآن الذي فيه تعليمات الصانع نور معقول، التعليمات النظرية نور، البيان نور، الدليل نور، التفصيل نور، التوجيهات نور، الإمام الغزالي رحمه الله له تفسير عميق للنور: فهو يعرف النور في حق الله تعالى بأنه ظاهر، النور شيءٌ ظاهر، أحياناً ضوءٌ صغير جداً ضئيل جداً في الظلام الدامس يكون ظاهراً جداً، بعض الآلات نقطة مضيئة واضحة من بُعْد، فالنور الشيء الظاهر. أمّا أيُّ شيء ليس له إشعاع ليس ظاهراً، أحيانا يقود الإنسان سيارته بالليل يصدُر ضوءاً بعيداً، يرى نُقاط مُضيئة هذه بعض الحيوانات فالنور الشيء الظاهر، يقول الإمام الغزالي " هو الظاهر الذي به كل ظهور، ظاهر مُظهِر " لعلَّ النور الخافض جداً ظاهر لكنه ليس مُظهر، أحيانا قطعة فحم متأججة واضحة لكن هذه القطعة المتأججة لا تنير غرفة، أما مصباح كهربائي ينير غرفة.
 فالإمام الغزالي يقول: النور هو الشيء الظاهر الذي به كل ظهور، فالنور هو الشيء الظاهر في نفسه المُظهر لغيره، مصباح تُسلِّطه على مكانٍ فترى السُجاد والكُرسي والقلم والورقة والمِحبرة والمُسجّلة فهذا المصباح أظهر غَيْرَهُ، ثم يقول هذا الإمام: العدم ظلام والحادِث نور، الشيء الموجود نور، والمعدوم ظلام،هذا معنى أعمق.
 من لوازم الشيء الموجود أنه ظاهر مُنير من لوازم الشيء المعدوم أنه مُختفٍ، قال: مهما قوبِل الوجود بالعدم كان الظهور علامة الوجود والخفاء علامة العدم، إذا قابلنا الوجود بالعدم كان الظهور علامة الوجود والخفاء علامة العدم، وقال:ولا ظلام أظلم من العدم، فالبريء عن ظلمة العدم بل عن إمكان العدم المُظهر لِكُلّ الأشياء من ظلمة العدم إلى نور الوجود يُسمى نوراً ؛ وهو الله المُنزَّه عن ظلمة العدم، بل عن إمكان العدم، الظاهر لنفسه المُظهِر لغيره من ظلمة العدم إلى نور الوجود يسمى نوراً وهو الله عز وجل وهو معنى قوله تعالى:
﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35) ﴾
(سورة النور)
﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ ﴾
 ظاهر بذاته مُظِهرٌ لغيره ظاهر بذاته مُنزَّه عن العدم، بل عن إمكان العدم، مُظِهرٌ غيرَه من ظُلمة العدم إلى ظُلمة الوجود، إنَّ الذات الظاهرة المُظهرة هي النور وهي الله عزّ وجل والوجود نورٌ فائض على الأشياء كلها من نورِ ذاته، إذاً هو نور السماوات والأرض.
 الإمام ابن عباس رحمه الله تعالى يقول: النور الهادي الرشيد الذي يُرشد بهِدايته من يشاء فيُبّين له الحق ويُلهمه اتباعه، هُناك أشياء عويصة جداً يأتي مُخترع فيُعمِل ذهنه سنوات طويلة وفجأة تلمع أمامه فِكرة جديدة، هذه الفِكرة التي لمعت أمامه في رأي أهل الدين من إلهام الله عزّ وجل لأنَّ الله نور قذف في قلبه وذهنه هذه الحقيقة فالتَمَعَتْ فسُمِي عند الناس مُكتشفاً أو مُخترعاً، وفي الحقيقة لقد تلقّى هذه الومضة من الله عزّ وجل.فالاختراع إذًا بارقة.
 حدثني صديق عما يُسمّى بزرع الأسنان، جسم الإنسان كما تعلمون يرفض الأجسام الغريبة. مرةً وضع عالمٌ مِلقطًا من معدن معين على قطعة عظم ونسيه في المخبر، بعد حين التأم العظم حول المعدن فانتبه هذا العالم إلى أن هذا المعدن يمكن أن يدخل في فك الإنسان ويلتئم النسيج العظمي حوله هذه بارقة، فلقد أمكن الآن زراعة الأسنان بأن نضع وَتَداً ضمن الفك فنبني عليه سِناً فهذا إذاً بارقة، نظر هذا العالم إلى هذا المِلقط وقد وُضع على قطعة عظم بعد حين نما العظم عليه، لذا يقولون: إن الاختراع أو الإبداع قفزة في المجهول، لمعة في الذهن، إلهام من الله عزّ وجل والدليل كما قال الله عزّ وجل:
﴿وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآَنٌ مُبِينٌ (69)﴾
(سورة يس)
﴿ وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ ﴾
 نفى عن نبيه الشِّعر بالمعنى المُخالف من أن الذين يُبدعون الشِّعر يُلهَمون من الله عزّ وجل معنى ذلك أنَّ كُلَّ اختراع وكُلَّ اكتشاف هو في الحقيقة إلقاء من الله عزّ وجل في ذهن هذا العالم كبارقة أو ومضة إلاّ أنَّ هذا الإلقاء يحتاج إلى ثمن، الثمن هو الصدق في البحث، لذلك قال بعض العلماء العبقرية تسعة بالمئة منها جهد وعرق وواحد بالمئة إلهام، فثمن هذه البارقة ثمن هذه الومضة ثمن هذه الفكرة الرائعة ثمن هذا الاكتشاف هو البحث الدؤوب، فالبحث الدؤوب هو ثمن هذا الاختراع.
 وهذا ينتهي بنا إلى معنى آخر، هو معنى الصدق. الله عزّ وجل لا يتعامل مع الناس بتمنياتهم ولكن يتعامل بصدقهم وإخلاصهم، قال بعض العلماء: " النور هو الهادي " لو أن إنساناً أضاع إبرة في الليل ولا يوجد ضوء فلَن يراها في الليل أما في النهار فسوف يراها لأنه اهتدى بنور الشمس، إذا اهتديت إلى حقيقة الإنسان وإلى سِرِّ وجوده وإلى غاية وجوده فمن الذي هداك ؟ هو الله، إذاً الله نور وهو الهادي لا يَعْلَم العباد إلا ما علَّمهم الله عزّ وجل ولا يُدرِكون إلا ما يَسَّرِ الله لهم إدراكه، فالحواس والعقل، وفطرته، وخلقه، وعطيته. النور هو الظاهر الذي ظهر به كل ظهور، فإن الظاهر في ذاته المُظهر لغيره يسمى نوراً وهو الله عزّ وجل.
 قال بعض العارفين: " النور هو الذي نوَّر المعالم فأوجدها من العدم"، فنقلُ الشيء من العدم إلى الوجود نور، وخصّصها بِتِلك المواهب في حضرة القِدم، الشيء له خصائص كُلُّ نبات، كُلُّ حيوان، كُلُّ جماد، كل المعادن ؛ لها خصائص، الله عزّ وجل الذي أبدعها من عدم وأظهرها إلى حيِّز الوجود وأعطاها خصائِصها:
﴿قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى (49) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50)﴾
(سورة طه)
 الذهب مثلا لا يتأثر بِكُل العوامل المحيطة به لا بماء ولا بملوحة ولا برطوبة ولا يتأكسد ولا يتأثر، أنا قرأت مقالة عن سفينة غَرِقَتْ قبل مئة وعشرين عاماً، وعليها خمسة أطنان من الذهب استطاعوا أن يصلوا إليها الآن وأن يستخرجوا تلك السبائك، ولما استخرجت هذه السبائك صدِّقوني أيها الإخوة فكأنها صُبَّت الآن، مئة وعشرون سنة في قاع البحر والذهب هو هو لم يتأثر، الله عزّ وجل أعطى الذهب خصائص، أعطى الألماس خصائص، أعطى الفضة خصائص، أعطى الرصاص خصائص، أعطى الحديد خصائص، هناك شيء جديد، بالنور أَظَهَر وخَصّص. الحديد لا يُصهر إلا في ألف وخمسمئة درجة، بينما الرصاص يُصهر في مئة درجة على موقد عادي ينصهر معدن الرصاص فكُل معدن ظهر وخُصِّص نُقِلَ من العدم إلى الوجود فأُعطيَ خصائصه، والنور هو الذي نوَّر الموجود الظاهر بالشمس والكواكب، ونوَّر عالم الأرواح برسول الله صلى الله عليه وسلم، العوام يقولون والحق معهم: هذه جلسة فيها نور فيها سرور فيها تجلٍّ، أحياناً تجد إنساناً موصولاً بالله عزّ وجل تشعر بأُنسٍ معه وبسرور كأنه يُنعِشُك، هذا نور الله عزّ وجل، الله عزّ وجل خلق نوراً محسوساً نور الشمس والقمر وفي الليل عندنا إضاءة اصطناعية لكنه إذا تجلّى على قلب الإنسان تألّق هذا القلب، طبعاً هناك آيات، وأدعوك ألاَّ تقبلْ مني شيئاً ما بدون دليل:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)﴾
(سورة الأنفال)
 وقال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ(28)﴾
(سورة الحديد)
 فإذا طلبت مني أن أضغط الدين كله في كلمة قلت: المؤمن ذو نور والكافر أعمى قال الله:
﴿نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8)﴾
(سورة التحريم)
 أما هؤلاء الكفار فهم في ظلمات بعضها فوق بعض، إذا أخرج يده لم يكد يراها، فالكافر في ظلام:
﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124)﴾
(سورة طه)
 ما كنتَ أعمى العينين في الدنيا ؛ فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور، نوَّر القلوب برسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك:
﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)﴾
(سورة التوبة)
 الذي شعر به أصحابُ رسول الله من رسول الله شيءٌ لا يٌوصف كانوا إذا جلسوا معه ارتاحت قلوبهم واطمأنت نفوسهم وكأنهم في جنة حتى إن بعض الصحابة رآه الصديق يبكي - اسمه حنظلة - قال له يا حنظلة ما لك تبكي ؟ إذا كنا مع رسول الله فنحن والجنة كهاتين وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى مقترنتين قال له: فإذا عدنا إلى بيوتنا وعافسنا الأهل ننسى النبي صلى الله عليه وسلم فقال عليه الصلاة والسلام لما رفع الخبر إليه:
(( نحن معاشر الأنبياء تنام أعيننا ولا تنام قلوبنا ))
((عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ حَنْظَلَةَ قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْنَا الْجَنَّةَ وَالنَّارَ حَتَّى كَانَا رَأْيَ عَيْنٍ فَقُمْتُ إِلَى أَهْلِي فَضَحِكْتُ وَلَعِبْتُ مَعَ أَهْلِي وَوَلَدِي فَذَكَرْتُ مَا كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجْتُ فَلَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ فَقُلْتُ يَا أَبَا بَكْرٍ نَافَقَ حَنْظَلَةُ قَالَ وَمَا ذَاكَ قُلْتُ كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْنَا الْجَنَّةَ وَالنَّارَ حَتَّى كَانَا رَأْيَ عَيْنٍ فَذَهَبْتُ إِلَى أَهْلِي فَضَحِكْتُ وَلَعِبْتُ مَعَ وَلَدِي وَأَهْلِي فَقَالَ إِنَّا لَنَفْعَلُ ذَاكَ قَالَ فَذَهَبْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ يَا حَنْظَلَةُ لَوْ كُنْتُمْ تَكُونُونَ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا تَكُونُونَ عِنْدِي لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلائِكَةُ وَأَنْتُمْ عَلَى فُرُشِكُمْ وَبِالطُّرُقِ. يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً ))
[رواه ابن سعد]
 فالله نور إن اتصلت به أخذت من نوره المعنوي شعرت براحة، لك رُؤية صحيحة، الأمر كله ؛ أنَّ إنساناً مؤمنا يرى رؤية صحيحة وإنساناً كافرًا أعمى، فالأعمى في متاهة والذي يرى رؤية صحيحة يتحرك على هُدى من ربه، قال العلماء: نوَّر الله عالم الأرواح برسول الله صلى الله عليه وسلم ونوَّر القلوب بأنواع الكتب، و نوَّر العارفين بأنوار التجليّات، النور هو الذي نوَّر قلوب الصادقين بتوحيدهم و نوَّر أسرار المحبين بتأييده، وقيل: هو الذي حسَّن الأبشار بالتصوير فأعطاك شكلاً جميلاً والأسرار بالتنوير، وقيل: هو الذي أحيا قلوب العارفين بنور معرفته و أحيا نفوس العابدين بنور عبادته، وقيل: هو الذي يَهدي القلوب إلى إيثار الحق واصطفائه ويَهدي الأسرار إلى مناجاته واجتبائه قال الله:
﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35)﴾
(سورة النور)
 المشكاة: كُوَّةٌ في الجدار، فيها مصباح، المشكاة هي الصبر والمصباح هو القلب ؛ لا قلب الجسد بل قلب النفس:
﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ(46)﴾
(سورة الحج)
﴿الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ ﴾
 أرجو الله سبحانه وتعالى أن ينوِّر قلوبنا بنوره، المؤمن رؤيته واضحة تماماً مُرتاح من أيُّ مشكلة يُحسن التصرف، يملِك زِمام الأمر، ينظر بنورٍ ساطع يكشف دقائق الأمور ملابسات الحوادث، يقف الموقف السليم، ينطِق بالكلمة المُناسبة، يفعل الفِعل المناسب، مرتاح ويُريح الآخرين، الإنسان إذا كان في عمىً أساء التصرف، أساء الكلام وأساء الحركة وأساء الموقف، يتخبّط خبطةَ عشواء، وهذا كله واضح.
 قال بعض العارفين: " النور معناه الظاهر في نفسه"، بوجوده الذي لا يقبل العدم، المظهر لغيره بإخراجه من ظلمة العدم إلى نور الوجود، وجوده سبحانه وتعالى نورٌ فائض على الأشياء كلها وهو الذي مدَّ جميع المخلوقات بالأنوار الحِسيّة والمعنوية، فعينك تحتاج إلى نور حسي وقلبك يحتاج إلى نور الوحي.
 أيها الإخوة القراء الكرام: لقد وصلنا إلى موضوع أنا أَعُدَّهُ من أخطر الموضوعات، فأنت لك عين ترى بها الأشياء ولك عقلٌ تُدرك به الحقائق، فإذا قُلت لك المعادن تتمدد بالحرارة، فأنت ترى ميزان الزئبق، ضع يدك عليه فالخط يرتفع وترى بعينك أنَّ هذا المعدن الرجراج الزئبقي يتمدد بالحرارة لكن تقول: رأيت العِلم نافعاً فكيف ترى العِلم ؟ لا يُرى بالعَين لكن ترى إنساناً مُتعلماً مُتزّناً يُحسن التصرّف حكيماً سعيدًا في بيته يُحسن معاملة زوجته، يُحسن كسب المال، يُحسن معاملة الناس، مورده المالي حلال، تراه صادقاً أميناً محبوباً مُعززاً مُبجلاً، لأنه مُتعلّم، لأنه حصّل عِلماً دينياً، لأنه عَرَفَ الله عزّ وجل فهو في سعادة، فتقول إذًا رأيت العِلمَ نافعاً، أما إنْ رأيت معدن الزئبق يتمدد فهذه رؤية حِسيّة، أما رأيت العِلمُ نافعاً فهذه رؤية قلبية.
 لذلك رأى نوعان: القلبية تتعدى إلى مفعولين والحسية تتعدى إلى مفعول واحد، رأيت الشمس ساطعةً، ماذا تُعرب كلمة ساطعةً ؟ حال، رأيت العِلمَ نافعاً مفعول به ثانٍ لأنَّ رَأى القلبية تنصب مفعولين بينما رأى البصرية تنصب مفعولاً به واحداً والاسم المنصوب الثاني يُعدُّ حالاً، فالرؤية الحسية أساسُها ضوء الشمس أو القمر أو الكهرباء، والرؤية العقلية المعنوية أساسُها نور الله عز وجل.
شكَوْت إلى وكِيع سوء حفظي  فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأنبأني بأن العلم نــــور  ونور الله لا يُهدى لعــاص
***
 إذاً أنت بحاجة لنور الشمس لترى عَينك الأشياء وأنت بحاجة لنور الله ليعرف عقلك حقائق الأشياء ماذا نستنبط من هذا ؟ أنَّ الإنسان مهما كان ذكياً، مهما كان عبقرياً، مهما كان ألمعياً، إن لم يستعن بنور الله فهو في عمى، لذلك تجد بعض الناس وهُم في أعلى درجات الذكاء يرتكبون حماقات لا توصف، والإمام القشيري يرى أن الله تعالى سمَّى نفسه نوراً لأنَّ منه النور، هو منوِّر الآفاق بالنجوم والأنوار ومنوِّر الأبدان بآثار العبادات ومنوِّر القلوب بالدلائل والحُجج.
 سبحان الله، فإذا اتصل الإنسانُ بالله تجد على وجهه نوراً وقد يكون ملوناً، لكن يوجد نور في وجهه، فالنور الذي في وجه الإنسان - سيماهم في وجوههم من أثر السجود - بعضهم يفهم أن في جبهته أثر. لا، ثُمَّ لا -كان النبي عليه الصلاة والسلام له وجه كالشمس، وتَصف بعض الأحاديث الشريفة أن الواحدة من الحور العين لو أطلَّت على أهل الأرض لَغَلَبَ نور وجهها ضوء الشمس والقمر. ثم ها نحن قد انتهينا إلى معنى ثالث وهي أن العِبادة تُكسب الوجه نوراً لذلك
﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)﴾
(سورة القيامة)
﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (38) ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (39) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (40) تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ (41) أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ(42)﴾
(سورة عبس)
 إذاً العبادات تنوِّر الوجه.
 قالوا الطاعة هي زينة النفوس والأشباح، والمعارف زينة القلوب والأرواح، والله عزّ وجل يزيد قلب المؤمن نوراً على نور يُؤيده بنور البرهان ثم يؤيده بنور العرفان قال تعالى:
﴿نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35)﴾
(سورة النور)
 لتعلم أيها الأخ الكريم أن هناك برهانًا بيانيًا كما أنَّ هناك عرفانًا إشراقيًا، أنت ممكن أن تعرف أن هذه المادة كلور الصوديوم من لصاقة، لكن هناك من يعرف هذه المادة من دون لُصاقة، هذه أرقى وأدق هناك إنسان عِلْمه أعمق يعرف كل خصائصها وكل مؤداها، هُناك نور إشراقي ونور بياني وقال بعضهم: الله جلّ جلاله يهدي القلوب بنوره إلى محاسن الأخلاق ليُؤْثِر العبد الحقَّ ويدع الباطل.
 إنَّ للنور معاني كثيرة، ومن معاني النور الفرعية نور العِلم والمعرفة ؛ وهو انبلاج الحقيقة لنور المؤمن، لذلك عندنا في اللغة ظاهرة تُسمى الاشتقاق. فكما تعلمون أنَّ في اللغة اسم وفعل، والفعل ماضٍ ومضارع وأمر والاسم: اسم ذات واسم معنى واسم الذات: هو أسماء الأشياء إنسان نبات حيوان جماد وأسماء المعاني هي المصادر، لكن عِندنا شيء اسمه اشتقاق كُبَّار.فمثلا كلمة: عَلِمَ - عَين لام ميم - إذا غيَّرت ترتيب هذه الحروف عَلِمَ لمع ملع أيضا عمل فهي ستة تقاليب كل هذه التقاليب الستة لابُدَّ من أن يكون لها قاسمٌ مشترك بينها وهو الظهور بعد الخفاء عَلِمَ لمع ملع قاسمٌ مشترك بين كل التقاليب الثُلاثية هو الظهور بعد الخفاء هذا هو العلم ؛ إنه إشراقة معينة تشرق على قلوب مؤمنة.
 إذًا هناك نور العلم والمعرفة وهو انبلاج الحقيقة إلى نور المؤمن العارف كأنها مشهودة أمام عَين اليقين كما يُعبّر أهل التصوف وقد ذُكر اسم النور منسوباً إلى الله تعالى في مواطن من كتاب الله وأشهرها قوله تعالى:
﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾
(سورة النور آية35)
 قال بعضهم نوَّرها بالشمس والقمر ونوَّر القلوب بالحقائق:
﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1)﴾
(سورة الأنعام)
 نوَّرَها بالشمس والقمر، هذا النور الحسي و نَّور قلوَب المؤمنين بأنواره التي كشفت لهم الحقائق.
 يقول الإمام ابن عباس رضي الله عنه: الله هادي أهل الأرض والسماوات. مَثَل هُداه في قلب المؤمن كما يكاد الزيت الصافي يُضيء قبل أن تمسه النار فإذا مسته النار ازداد ضوءًا على ضوءٍ فيزداد نوراً على نور، في سورة التوبة قال تعالى:
﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32)﴾
(سورة التوبة)
 إذا أراد إنسان أن يقاوم الحق فكأنه أراد أن يُطفىء نور الله عزّ وجل، وفي سورة الزُمر قال تعالى:
﴿أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (22)﴾
(سورة الزمر)
 وفي السورة نفسها:
﴿وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (69)﴾
(سورة الزمر)
 وفي سورة الصف:
﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8)﴾
(سورة الصف)
 " مادة النور" وردت في كتاب الله في أكثر من أربعين مرة، بعض العلماء يرى أن النور هو اسم الله الأعظم، لكن يَرِد علينا سؤال وهو:
((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ))
(رواه الترمذي)
 مِن بين هذه الأسماء اسم الله الأعظم لكنه غير معروف وغير مُحدد بعضهم قال: " رب العالمين " اسم الله الأعظم، وبعضهم قال: " الرحمن " اسم الله الأعظم، وبعضهم قال:" الله " اسم الله الأعظم، وبعضهم قال: " النور " اسم الله الأعظم، لماذا لم يُحدِّد ربنا اسمه العظيم ؟ من أجل أن تتعمق في كل أسمائه فيغلب على ظنك نتيجة المعالجة والتعمق في دراستها أن أحدها اسم الله الأعظم.
 أيها القارئ الكريم:الإنسان يطلب العِلم ليكون قلبه منوَّراً، كان عليه الصلاة والسلام يقول في دعائه:
((عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَلِيٍّ هُوَ: ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ سَمِعْتُ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَيْلَةً حِينَ فَرَغَ مِنْ صَلاتِهِ: اللَّهُمَّ اجْعَلْ لِي نُورًا فِي قَلْبِي وَنُورًا فِي قَبْرِي وَنُورًا مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ وَنُورًا مِنْ خَلْفِي وَنُورًا عَنْ يَمِينِي وَنُورًا عَنْ شِمَالِي وَنُورًا مِنْ فَوْقِي وَنُورًا مِنْ تَحْتِي وَنُورًا فِي سَمْعِي وَنُورًا فِي بَصَرِي وَنُورًا فِي شَعْرِي وَنُورًا فِي بَشَرِي وَنُورًا فِي لَحْمِي وَنُورًا فِي دَمِي وَنُورًا فِي عِظَامِي اللَّهُمَّ أَعْظِمْ لِي نُورًا وَأَعْطِنِي نُورًا وَاجْعَلْ لِي نُورًا))
(رواه الترمذي)
 إقبالُكَ على الله، اتصالُكَ به، دعاؤك له، طاعتك إياه، تُكسبك هذا النور وهذا النور من أثمن عطاءات الله عزّ وجل، إنسان منوَّرٌ يرى الحقيقة أي أن قلبه مُنير، كذلك شخص سمعه منوّر فإذا استمع إلى كلام ما، فكأن عنده ميزانًا فيقول لك: هذا الكلام غلط وهذا صواب، بصره منوَّرٌ إذا نظر إلى الجبل يرى عظمة الله عزّ وجل بينما الكافر ينظر إلى أعلى جبل يرى مناسيبة جميلة جداً كي يتزحلق على الثلج، لا يتعامل مع الأشياء إلا بالنفع، أما المؤمن يتعامل معها بالمعرفة، فإذا رأى نوراً إذْ في نظره عِبرة، إذا استمع قيَّم تقييماً صحيحاً، فما كل شيء يسمعه يقبله، إذا تحرك فإلى الخير، في يده نور إذا أعطى يعطي بالعدل، في رجله نور إذا مشى مشى إلى طاعة الله عزّ وجل فمعنى النور أن يهديَك إلى ما يُرضي الله وثانياً: ويكون عندك ميزان فالنور ميزان وهدىً.
 ورد في بعض الأدعية: إلهي أنت النور، والكُل في ظلام العدم، وأنت الظاهر وليس في الحوادث تأثير في القدم، أشرقْ على قلبي معنى اسمك النور، فأشهدَ بنورك الحقائق وأتجمل بالمعارف، وأدلهم على الرب الجوّاد إنك على كل شيء قدير وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم