الأحد، 25 مارس 2012

موسوعة العقيدة - أسماء الله الحسنى : الله

لفظ الجلالة : الله

 
اسم ، علم ، مفرد ، موضوع على ذات واجب الوجود.
 وقال الغزّالي  : الله اسم للموجود الحق ، الجامع لصفات الإلهية ، المنعوت بنعوت الربوبية ، المتفرّد بالوجود الحقيقي ، فإن كلّ موجود سواه غير مستحقّ للوجود بذاته ، وإنّما استفاد الوجود منه
 وقيل : الله اسم لمن هو الخالق لهذا العالم والمدبر له.
 وقال الشهيد في قواعده : الله اسم للذات لجريان النعوت عليه ، وقيل : هو اسم للذات مع جملة الصفات الإلهية ، فإذا قلنا : الله ، فمعناه الذات الموصوفة بالصفات الخاصة ، وهي صفات الكمال ونعوت الجلال.
 قال رحمه الله : وهذا المفهوم هو الذي يعبد ويوحد وينزه عن الشريك والنظير والمثل والند والضد
 وقد اختلف في اشتقاق هذا الاسم المقدّس على وجوه عشرة
 الأول : أنّه مشتقّ من لاه الشيء إذا خفي ، قال شعر:
لاهت فما عرفت يوماً بخارجةٍ * ياليتها خرجت حتى عرفناها
 الثاني : أنّه مشتقّ من التحيّر ، لتحيّر العقول في كنه عظمته ، قال :
ببيداء تيه تأله العير وسطها * مخفقـة بالآل جرد وأملق
 الثالث : أنّه مشتقّ من الغيبوبة ، لأنّه سبحانه لا تدركه الأبصار ، قال الشاعر :
لاه ربّي عن الخلائق طـراً * خالق الخلق لا يُرى ويرانا
 الرابع : أنّه مشتقّ من التعبّد ، قال الشاعر :
لله درّ الغانيــات المُـدَّهِ * آلهن واسترجعن من تألّهي
 الخامس : أنّه مشتق من أله بالمكان إذا أقام به ، قال شعر :
ألهنا بدارٍ لا يدوم رسومها * كأن بقاها وشامٌ على اليـدِ
 السادس : أنّه مشتقّ من لاه يلوه بمعنى ارتفع.
السابع : أنّه مشتقّ من وَلَهَ الفصيلُ باُمّه إذا ولع بها ، كما أنّ العباد مولهون ، أي : مولعون بالتضرّع إليه تعالى.
 الثامن : أنّه مشتقّ من الرجوع ، يقال : ألهت إلى فلان ، أي : فزعت إليه ورجعت ، والخلق يفزعون إليه تعالى في حوائجهم ويرجعون إليه ، وقيل للمألوه [ إليه ] إله ، كما قيل للمؤتمّ به إمام.
 التاسع : أنّه مشتقّ من السكون ، وألهت إلى فلان أي : سكنت ، والمعنى أنّ الخلق يسكنون إلى ذكره.
 العاشر : أنّه مشتقّ من الإلهيّة. وهي القدرة على الاختراع
واعلم أنّ هذا الاسم الشريف قد امتاز عن غيره من أسمائه ـ تعالى ـ الحسنى بوجوه عشرة :
 أ : أنّه أشهر أسماء الله تعالى.
 ب : أنّه أعلاها محلاًّ في القرآن.
 ج : أنّه أعلاها محلاًّ في الدعاء.
 د : أنّه جعل أمام سائر الأسماء.
هـ : أنّه خصّت به كلمة الإخلاص.
 و : أنّه وقعت به الشهادة.
 ز : أنّه علم على الذات المقدّسة ، وهو مختصّ بالمعبود الحقّ تعالى
يطلق على غيره حقيقةً ولا مجازاً ، قال تعالى : ( هل تَعلَمُ لهُ سَميّاً ) أي : هل تعلم أحداً يسمّى الله ؟ وقيل : سميّاً أي : مثلاً وشبيهاً.
 ح : أنّ هذا الاسم الشريف دالّ على الذات المقدّسة الموصوفة بجميع الكمالات ، حتى لا يشذّ به شيء ، وباقي أسمائه تعالى لا تدلّ آحادها إلاّ على آحاد المعاني ، كالقادر على القدرة والعالم على العلم. أو فعل منسوب إلى الذات ، مثل قولنا : الرحمن ، فإنّه اسم للذات مع اعتبار الرحمة ، وكذا الرحيم والعليم. والخالق : اسم للذات مع اعتبار وصف وجودي خارجي. والقدّوس : اسم للذات مع وصف سلبي ، أعني التقديس الذي هو التطهير عن النقائص. والباقي : اسم اللذات مع نسبة وإضافة ، أعني البقاء ، وهو نسبة بين الوجود والأزمنة ، إذ هو استمرار الوجود في الأزمنة. والأبديّ : هو المستمرّ في جميع الأزمنة ، فالباقي أعمّ منه. والأزلي : هو الذي قارن وجوده جميع الأزمنة الماضية المحقّقة والمقدّرة. فهذه الاعتبارات تكاد تأتي على الأسماء الحسنى بحسب الضبط 
 ط : أنّه اسم غير صفة ، بخلاف سائر أسمائه تعالى ، فإنها تقع صفات ، أمّا أنّه اسم غير صفة ، فلأنّك تصف ولا تصف به ، فتقول : إله واحد ، ولا تقول : شيء إله ، وأمّا وقوع ما عداه من أسمائه الحسنى صفات ، فلأنّه يقال : شيء قادر وعالم وحيّ إلى غير ذلك.
 ي : أن جميع أسمائه الحسنى يتسمّى بهذا الاسم ولا يتسمّى هو بشيء منها ، فلا يقال : الله اسم من أسماء الصبور أو الرحيم أو الشكور ، ولكن يقال : الصبور اسم من أسماء الله تعالى.
 إذا عرفت ذلك ، فاعلم أنّه قد قيل : إنّ هذا الاسم المقدّس هو الاسم الأعظم. قال ابن فهد في عدّته : وهذا القول قريب جداً ، لأنّ الوارد في هذا المعنى
____________
لا إله إلا الله "، هذه الكلمة هي كلمة التوحيد فالإسلام كله والإيمان كله والإحسان كله جُمِعَ في هذه الكلمة، والمسلمون يرددون هذه الكلمة ترداداً كثيرا في كل وقت، وفي كل مناسبة إلى درجة أنهم غفلوا عن معناها، وحينما نقول أنّ هذه الكلمة شعار الإسلام فمعنى ذلك أن الدين كله أساسه قائم على هذه الكلمات، ألَم يقل المولى عز وجل:
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾
(سورة الأنبياء)
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾
 لا إله إلا الله فحوى رسالات الأنبياء جميعاً، فالشيء الدقيق هو أنْ تضغط دينا بكامله، وأنْ تجمع الأديان السماوية، وأنْ تجمع رسالات الأنبياء جميعاً في كلمات معدودة وكلمة التوحيد هذه "لا إله إلا الله" نرددها كل يوم عشرات المرات بل مئات المرات ولو عرفنا حقيقتها لكنا في حال آخر غير هذا الحال، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول:
((عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ كَرِيزٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَأَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ))
 أفضل ما قلت أنا والأنبياء من قبلي:" ولا إله إلا الله " ولا إله إلا الله حِصنٌ مَن دخلها أَمِنَ من عذابه، لا إله إلا الله كلمة التوحيد وينبغي أن نقف عند هذه الكلمة ولستوحي منها دروسا كثيرة، لكن بادىء ذي بدء نقف عند المعنى اللغوي لهذه الكلمة ؛ لا إله إلا الله، يقول علماء التوحيد: " الله عَلَمٌ على الذات الكاملة، علم الواجب الوجود وهو الله،وفي الكون ممكن الوجود وهو ما سوى الله وفي الكون مستحيل الوجود "، فالله عَلَمٌ على الذات الكاملة على واجب الوجوب، عَلَم على الخالق،عَلَم على البارىء المصورالمسير العزيز الجبار المتكبر، أسماء الله الحُسنى كلها جُمعت في لا إله إلا الله،عَلَم على الذات، بعضهم قال: (الله) اسم الذات الأعظم على كلٍ كلمة، (الله) لها بحث مُستقلّ، لكن إذا أردت أن تشير إلى الذات الكاملة، إلى الواجب الوجود المتصف بصفات الوجود وصفات الكمال وصفات الوحدانية فهو (الله):علم على الذات جُمعت أسماء الله الحُسنى كلها في كلمة الله لذلك يا الله، يا أرحم الراحمين أو (الرحمن الرحيم) أو (الله)، بعضهم قال: اسم الله الأعظم (الله) وبعضهم قال (الرحمن الرحيم)، وبعضهم قال أي اسم تهتز له وتتفاعل معه فهو اسم الله الأعظم، على كلٍ في هذه الكلمة لا إله إلا الله، الله علم على الذات الواجب الوجود أي أسماء الله الحُسنى كلها مجموعة في (الله) وبعدُ فما معنى إله ؟
 في المعجم جاء: أَلَهَ يَأْلَهُ إِلَهَةً وأُلوهَةً وأُلوهِيَةً يعني عَبَدَ عبادة فأَلَهَ بمعنى عَبَدَ الإله المعبود، لكن أَلِهَ يَأْلَهُ أَلَهاً أيْ تحَيَّرَ، أَلِهَ إليه أيْ لَجَأَ إليه، هذه هي المعاني المستفادة من معنى أَلَهَ يَأْلَهُ إِلَهَةً وأُلوهَةً وأُلوهِيَةً أي عَبدَ، فعَبَدَ ليس معناها أطاع، بل أَطاعَ ومُضافٌ إليها معنىً آخر: أطاعَ وأحبَّ ؛ "فأطاع ولم يحب" فليست هذه عبادة ؛ وأحب ولم يطع فهذا مستحيل. فغاية الحب مع غاية الطاعة هي العبادة.
 فأحب وأطاع بمعنى (عَبَدَ)، مَن المعبود؟ هو الله، بعض ما يقوله العلماء حول هذه الكلمة: " لا معبود بحق إلا الله "، من الذي يستحق العبادة ؟ هو الخالق، إذاً لا خالق إلا الله، من الذي يستحق العبادة ؟ هو الرازق، هو المُعطي، هو المانع هو الرافع هو الخافض هو المُعِزّ هو المُذِلّ هو الفعّال لِمَا يُريد هو العزيز هو الجبار هو القهار، فإذا قُلت لا إله: لا معبود ؛ من هو المعبود ؟ هو الجبّار، مَن هو المعبود ؟ هو القوي. من هو المعبود ؟ هوالمسيّر، من هو المعبود ؟ هو الخالق هو البارىء المصور الرازق المانع هو المعطي الرافع والخافض، فالذي يستحق العبادة هو الرازق، إذاً (لا إله): أي لامعبود لا رازق إلا الله فإذا قُلت لا إله إلا الله أيْ لا مُعطي ولا مانع ولا رافع ولاخافض ولا مُعِزّ ولا مُذِلّ ولا رازق ولا وهّاب ولا مُغْنٍ ولا مُبْدٍ ولا مُعيد كُلُ الأسماء الحُسنى إذا جُمعت هي الله ؛ أيْ هو المعبود.
 إذاً: أَلَهَ يَأْلَهُ إِلَهَةً وأُلوهَةً أي عَبَد يَعبُد والعبادة هي غاية الخضوع مع غاية الحب ولن تُحب ولن تُطيع إلا إذا عرفت الله عزّ وجل فالعبادة ثلاث مراحل: معرفةٌ وطاعة مع حب وسعادة.
 المعنى الثاني: أَلِهَ، الأولى مضت وهي أَلَهَ، الثانية أَلِهَ ونحن بصددها الآن، أَلِهَ يَأْلَهُ أَلَهاً أيْ تحَيَّرَ، الإنسان يتحيّر بمَن ؟ بالصغير أم بالكبير؟ بالجليل أم بالحقير؟ بالغني أم بالفقير ؟ فالتحيُّر من معاني العظمة تَحار به الألباب تَحارُ به العقول تَحارُ به النفوس تَحارُ به الأفئدة، إذاً من جهة هو معبود، فلماذا هو معبود ؟ لأنه خالق، ولماذا هو معبود ؟ لأنه رازق، لماذا هو معبود ؟ لأنه فعّال، لماذا هو معبود ؟ لأنه قوي، لماذا هو معبود ؟ لأنه مُحيي ومُميت، مُعِزّ ومُذِلّ...إلخ هذا المعنى الأول.
 المعنى الثاني: لماذا هو معبود؟ عظمته تَحارُ فيها العقول أَلِهَ يَأْلَهُ أَلَهاً أيْ تحَيَّرَ.
 والمعنى الثالث: أَلِهَ إليه أي لجأ إليه يعني لا ملجأ لك أيها الإنسان إلا (الله)، فمعنى لا إله إلا الله لا معبود ولا عظيم ولا ملجأ إلا الله، طبعاً الإله هو الله لكن هذه اللام نافية للجنس، ما الفرق بين اللام النافية للجنس واللام النافية نفياً عادياً ؟
 قد تقول مثلاً: لا طالبَ في الصف بل طالبة، فجنس الذكور ليس موجوداً أما إذا قلت لا طالبٌ في الصف بل طالبان، في الحالة الثانية نفيت أنت ماذا ؟ نفيت المُفرد، فاللام التي تنفي المفرد تُسمى اللام الحجازية، أما اللام التي تنفي الجنس تُسمى اللام النافية للجنس، فإذا قال لك أحدهم هل عندك خُبزٌ ؟ فقلت: لا خبزَ عندي، فالمقصود لا خبز ولا قمح ولا طحين ولا أي شيء من أنواع القمح لا خبزَ عندي بل لحم أما لا خبزٌ عندي فقد نفيت المفرد وقد يكون عندك أجناس القمح أما الخبز نفيته وحده.
 إذاً (لا إلهَ) تنفي أن يكون في الكون إله غير الله عزّ وجل بعض العلماء قال: المعنى الأول قاله ابن عباس رضي الله عنه لا إله إلا الله أيْ لا نافع ولاضار ولا مُعِزّ ولا مُذِلّ ولا مُعطيَ ومانعَ إلا الله، هذا التفسير لابن عباس رضي الله عنه، وبعضهم قال: " لا إله يرجى فضله ولا إله يُخاف عدله ولا إله يُؤمن جَوْرُه ولا إله يُؤكل رزقه ولا إله يترك أمره ولا إله يُسأل مغفرته ولا إله يرتكب نهيه ولا إله يحرم فضله إلا الله الذي هو رب المؤمنين وغفار ذنوب المؤمنين وملجأ المؤمنين وستار المخطئين غاية رجاء الراجين ومنتهى مقصد العارفين ".
 أنا أتمنى من الإخوة القرّاء الأكارم أن يتحققوا ويتوقفوا مليّاً عند هذه الكلمة، فهي كلمة الإسلام الأولى، هذه كلمة التوحيد، الدين كله مجموع في هذه الكلمة، قال بعضهم: (لا إله إلا الله) إشارةُ المعرفة والتوحيد بلسان الحمد والتسديد إلى الملك الحميد، أجل ؛ إشارة المعرفة والتوحيد.
 تعلمون أنَّ نهاية العلم التوحيد ونهاية العمل التقوى، أنت إذا وحَّدتَ واتقيت ملكت زمام أمرك، والحقيقة عندما تُوحِّد أو تستقيم فلن تشعر أن هناك جِهات أخرى تملك أمرك وإنك موزّع بينها جميعاً. فمتى توحِّد وجهتك إلى الله عزّ وجل؟ ومتى تعبده وحده ؟ متى تُطيعه وحده ؟ متى تُقبل عليه وحده ؟ متى ترجوه وحده ؟ متى تخافه وحده ؟ متى تطمع بعطائِهِ وحده ؟ إذا أيقنت أنه لا إله غيره.
 قضية دقيقة جداً ما دام هُناك شعور بوجود جهة في الأرض بإمكانها أن تنفعك أو أنَّ جهةً أخرى بالأرض بإمكانها أن تضرك، فأنت في هذه الحالة لن تستطيع أن تعبد الله وحده، لذلك الله عزّ وجل لم يأمُرْكَ أن تعبده إلا بعد أن طمْأنك أنَّ الأمر كله عائد إليه فلا إله إلا الله لك أن تفهمها على النحو التالي: الإله هو المعبود، ومن الذي يعبد الخالق:
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21)﴾
(سورة البقرة)
 إذاً (لا إله إلا الله) أي لا معبود بحق إلا الله من الذي ينبغي أن يُعبد ؟ هو الرازق، من الذي ينبغي أن يُعبد ؟ هو المُعطي والمانع والرافع والخافض والمُعِزّ والمُذِلّ والقوي والقهّار والجبّار، فكُلُّ الأسماء الحُسنى بمجموعها تدل على أن صاحب الأسماء الحُسنى يستحق العبادة فهو المعبود هذا هو المعنى الأول.
 أَلِهَ يَأْلَهَ أَلَهاً تحيَّر، عظيم: الله عزّ وجل لا نهاية لقوته مهما عرفت عنه فهو أعظم، لا نهاية لجبروته لقوته لجماله لرحمته لعدالته لحبه لعباده أيْ منتهى النهايات هو الله سبحانه وتعالى.
 والمعنى الثالث: لا ملجأ لك إلا الله أَلِهَ إليه أيْ لجأ إليه وقال بعضهم: (لا إله) للرغبة إذا رغبت فالله وحده هو الذي ينبغي أنْ ترغب فيه و(لا إله) للرهبة إلا الله وإذا خِفت فينبغي ألاّ تخاف إلا الله، فإذا حدّثتْك نفسك أن تخاف فليس في الكون كله جهة ينبغي أن تخاف منها إلا الله، وإذا حدَّثتْك نفسك أن تُحب فهناك في الكون أشياء جميلة وهناك أشخاص وهناك نساء وهناك أماكن وهناك بيوت وهناك مركبات إذا حدَّثتْك نفسك أن تُحب شيئاً ينبغي ألاّ تُحب إلا الله.
 هذا المعنى الرابع أي لا إله للرغبة إلا الله ولا إله للرهبة إلا الله، فهو الذي يكشف الكُربة والدليل ما قاله النبي عليه الصلاة والسلام: " لا يخافنَّ العبد إلا ذنبه ولا يرجُوَنَّ إلا ربه " فَحَالَة التوحيد مع المؤمن حالة مريحة، بالعكس حالة التوحيد هي الصحة النفسيّة وخِلاف التوحيد مرض فحينما يشعر شخص أن إنساناً من بني جلدته أمْره بيده وهو لا يُحبه وهو يتمنى تحطيمه هذا الشعور وحده شعور مَرَضيّ، شعور يسحق، شعور مُدمّر، أنت إذا أيقنت أن أمرك بغير يد الله عزّ وجل فهذا اليقين وحده يكفي لِسحق الإنسان، فينبغي إذا أردت أن تُحب ألاّ تُحب إلا الله وإذا راودك خوف فلا تخف إلا من الله وإذا أردت أن تعتمد على جهة فلا ينبغي أن تعتمد إلا على الله وإذا أردت أن تثق بجهة فلا ينبغي أن تثق إلا بالله.
 كلمة معبود، تكفي لا معبود بحق. علماء السلف الصالح ضغطوا كل هذه المعاني بكلمة معبود، الذي يستحق العبادة، هل يستحق العبادة إنسانٍ فانٍ ؟ إنسان سَيَموت ؛ إنسان كان في العَدَم ثم حَدث ثم سيَنْتهي إلى عدم هذا لا يستحق العبادة.
 رُوي عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لي - قبل أن يُسلم - يا حصين كم تعبد من إله ؟ فقال أعبد ستاً أو سبعاً في الأرض وواحداً في السماء فقال عليه الصلاة والسلام وأيهم تعبد لرغبتك ورهبتك ؟ فقال الذي في السماء فقال عليه الصلاة والسلام فيَكْفيكَ إله السماء.
 لا تحتاج أنت إلى آلهة الأرض، هذا هو سبب الصحة النفسية، فالإنسان أمره كله بيد جهة واحدة يسعى إليها، يُرضيها يخافها، يرجوها يُطيع أمرها، ثم قال يا حصين لو أسلمْتَ علَّمتك كلمتين يَنفعانك فأسلَمَ حصين ثم قال يا رسول الله علّمني هاتين الكلمتين؟ فقال اللهم ألهمني رشدي وأعذني من شر نفسي، ونص الحديث:
((عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَبِي يَا حُصَيْنُ كَمْ تَعْبُدُ الْيَوْمَ إِلَهًا قَالَ أَبِي سَبْعَةً سِتَّةً فِي الأَرْضِ وَوَاحِدًا فِي السَّمَاءِ قَالَ فَأَيُّهُمْ تَعُدُّ لِرَغْبَتِكَ وَرَهْبَتِكَ قَالَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ قَالَ يَا حُصَيْنُ أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَسْلَمْتَ عَلَّمْتُكَ كَلِمَتَيْنِ تَنْفَعَانِكَ قَالَ فَلَمَّا أَسْلَمَ حُصَيْنٌ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِيَ الْكَلِمَتَيْنِ اللَّتَيْنِ وَعَدْتَنِي فَقَالَ قُلِ اللَّهُمَّ أَلْهِمْنِي رُشْدِي وَأَعِذْنِي مِنْ شَرِّ نَفْسِي))
(رواه الترمذي)
 هذه بعض معاني كلمة لا إله إلا الله.
 هناك موضوع لطيف حول هذه الكلمة، كلمة التوحيد، فلو أننا جمعنا الأحاديث التي تتحدث عن فضل لا إله إلا الله وهناك أحاديث كثيرة جداً كما أن هناك آثاراً عند السلف الصالح كثيرة جداً، طبعاً كما قلت في بداية البحث لا إله إلا الله لا يسبقها عمل ولا تترك ذنباً، كيف ؟ ننظر بالشِرك، فقبل أن تتحقق من أنه لا إله إلا الله أنت في حياتك آلهة كثيرة دعْك مما ينبغي أن يُقال في العالم الإسلامي، كُن مع الحقيقة هناك شخص مثلاً توحيده ضعيف في حياته، أشخاص كثيرون لهم تأثير عليه فإذا توجّه إليهم وسعى إلى إرضائهم وخاف من غضبهم وعلّقَ عليهم الآمال فهذا هو الشِرك، فإذا كنت ترجو زيدا وتخشى عُبيدا وتطمع بما عند فلان وتخاف من عِلاّن فالعمل الصالح الخالص لن يكون لله عزّ وجل.
 لا يسبقها عمل، قبل أن تؤمن بلا إله إلا الله عملك مَشوبٌ بالشِرك ترجو غير الله وتخاف غير الله وتُعلّق الأمر على غير الله، وإذا تحققت منها لا تترك ذنباً، لماذا تعصي الله من أجل أن يرضى عنك زيد ؟، فَزَيْد بِيَدِ الله.
 ولا أعتقد أن أحداً من القراء الكرام يخفى عليه ما رويته من قبل من أنَّ أحد خلفاء بني أمية وهو يزيد بن معاوية أصدر توجيها إلى والي البصرة، وكان عند هذا الوالي حين وصل التوجيه الحسنُ البصري وهو من كبار التابعين فجاء التوجيه مخالفاً لِما ينبغي أن يكون، مخالفاً للحق فوقع الوالي في حيرة من أمره ! هذا الوالي قال للحسن البصري، ماذا أفعل ؟ أجابَهُ بكلمة واحدة تتلخص بكامل التوحيد، قال له " اعلم أن الله يَمْنَعُك من يزيد، ولكن يزيداً لا يمنعك من الله ".
 إذاً هو المعبود فأنت حينما ترى إنساناً يعصي الله ليُرضي فلاناً ويُقصّر في أعماله الصالحة ليُرضي زيداً ويقترف الآثام ليُرضي عبيداً هذا توحيده ضعيف جداً، إذاً في الحياة اليومية أشخاص يراهم آلهة يراهم يستحقون العبادة ويستحقون الطاعة و يستحقون الخضوع ويستحقون الحب فما هو التوحيد ؟ أن تتخلص مما سِوى الله عزّ وجل مُطلقاً، لا حباً ولا كراهيةً ولا خوفاً ولا طمعاً ولا أملاً ولا إرضاءً.
 أفضل الذِكر لا إله إلا الله، فالعدوُّ لما جاءته المِحنة فَزِعَ إلى هذا الذِكر، من هو هذا العدوّ ؟ فرعون، حينما أدركه الغرق فَزِعَ إلى كلمة التوحيد قال " آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو اسرائيل " أحياناً الكافر باعتبارأن بين يديه أوراقاً رابحة كثيرة ومنها أن ماله ينقذه، مركز قوي يُنْقذه، أتباعه يعينونه، فهؤلاء كلهم في نظره آلهة، فحينما يُقدّر الله له شيئاً كريهاً وكل هذه الآلهة التي توهّمها لا تستطيع أن تفعل شيئاً عندئذٍ يُسْقَط في يده ويندم ويقول: لا إله إلا الله.
 قد يظن الإنسان أن المال كل شيء في مقتبل حياته لكنه كلما امتد به العمر يرى أن حجم المال يصغُر إلى أن يُعِدّهُ شيئاً، ولكن ليس كل شيء فإذا جاء الموت لا يرى إلا الله وأن هذا المال عاريَّة مسترَدَّة وأنَّ الله ملَّكَه إياه ليتقرّب إليه، أُريد أن أُوسع معنى الألوهية قال تعالى:
﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً (43)﴾
(سورة الفرقان)
 " أرأيت من اتخذ إلهه هواه " إذا أحببت شيئاً وعصيت الله من أجله فقد عبدته، والعوام يقولون تزوج فتاة يعبدها، ما معنى يعبدها ؟ يُحبُها ويثق بها وَيْمَحضها كل إخلاصِهِ فيه وكل طاعته ولو أمرتْه بمعصية فالعِبادة كما أقول دائماً غاية الحب مع غاية الطاعة فإذا مَنَحت تلك الطاعة وذاك الحب لغير الله عزّ وجل فذاك هو الجهل، ولذلك فحينما قالوا: نهاية العلم التوحيد، فعندها ترى أن كل الخلق دُمىً يحركها الله عزّ وجل:
﴿فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(56)﴾
(سورة هود)
 فقال إنّ هذا العدو، عدو الله عزّ وجل حينما أدركه الغرق لجأ إلى الله وقال:
﴿وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90)﴾
(سورة يونس)
 أمَّا ولي الله سيدنا يونس حينما ابتلعَهُ بطنُ الحوت ودخل في ظلمات ثلاث قال تعالى:
﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ(87)﴾
( سورة الأنبياء)
 لماذا قُبِلَت هذه الكلمة من سيدنا يونس ولم تُقبل من فرعون ؟ كلاهما في المحنة قال: لا إله إلا الله، العلماء قالوا: " فرعون ما عَرَفَ الله قبل المحنة لذلك ما نفعته عند المحنة، سيدنا يونس عَرَفَ الله قبل المحنة فلما جاءت المحنة نفعته هذه الكلمة هذا أول فرق "، فرعون ماذا قال:
﴿فَحَشَرَ فَنَادَى (23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24)﴾
(سورة النازعات)
 أما يونس نادى وهو مكظوم:
﴿فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144)﴾
( سورة الصافات)
 عزيزي القارئ إني أدعوك لتلاحظ، جميع الناس، فحينما يقع أحدهم في مأزق، أو يعاني من مرضٍ عُضال، أو يتعرض لمشكلةٍ كبيرة أو أمامه شبح مصيبة، ينسى كُلَّ الشركاء ويتجه إلى الله وحده، فليته عرف هذه الحقيقة وهو في الرخاء! أما حينما تداهمه المصيبة وحينما تحدق به مد لهمات الأمور وحينما يُسْقَط في يده فهو لا يرى إلا الله.
 حدثني أخ صديق أنّ طائرة تُقِلُّ خبراء من بلاد ترفع شعار "لا إله" أي ؛ الله غير موجود، مُلحِدون، فهذه الطائرة مرت بسحابة مكهربة وفي أجواء هوائية عاصفة وفي طقس قاسٍ فصار بعضهم يقول يا الله، والقرآن ذكر ذلك الإنسان الذي إذا ركب البحر وهاج البحر وماج وأصبحت السفينة العظيمة كأنها ريشة في مهب الرياح فعندئذٍ ما رأى إلا الله، إذاً فواقعياً أنَّ المؤمن يرى أن الله وحده بيده كل شيء هذا يؤكده قوله تعالى والآية دقيقة الدلالة جداً:
﴿صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (53)﴾
(سورة الشورى)
 لنتساءل الآن: بِيَدِ مَن كانت الأمور؟ كانت بيد الله ولا تزال بيد الله وهي دائماً بيد الله ولكن أهل الدنيا المُعرِضون يرَوْن الأمر بيد غير الله، أما المؤمن وهو في الدنيا يرى دائماً أن الأمر بيد الله، لذلك ماتعلّمت العَبِيد أفضل من التوحيد.
 هناك شيءٌ آخر: وهو أنَّ سيدنا يونس قال " لا إله إلا أنت سبحانك" كلمة (أنت) يخاطبه وجهاً لوجهٍ، أما فرعون فماذا قال: " لا إله إلا الذي آمنت به بنو اسرائيل "، سيدنا يونس قال: "لا إله إلا أنت" وكأنه يرى الله معه، أما فرعون سمع أنه يوجد إله لموسى بيده كل شيء فلما شرع في الغرق شعَر أن إله موسى هو الذي أغرقه فقال " آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو اسرائيل "، فذِكرُ ضمير الغائب دليل على أنه غير مُتحقق، لذلك اِعرفْني في الرخاء أعرفْك في الشِدّة، قُبلتْ (لا إله إلا الله) من سيدنا يونس لأنه كان من المُسبحين ولم تُقبل من فرعون لأنه لم يكن من المُسبحين.
 حينما تقع في محنة مهما كان مستوى إيمانك ومهما كان نوع عقيدتك ومهما كان مستوى توحيدك تقول: يا الله، لكن إذا كان إيمانك قبل المحنة عظيماً تقول يا الله لا إله إلا أنت، لك عنده رصيد، لك عنده سابقة عمل صالح، لك عنده معرفة برحمته، لك عنده معرفة بعَفوِه بقُدرَته بِحُبِّهِ، قال العلماء: فرعون حينما ذكر هذه الكلمة (لا إله إلا الذي آمنت به بنو اسرائيل)ما قالها تعبداً بل قالها من أجل خلاصِه، شتَّان بين من يضطر إلى الإيمان بالله وبين من يؤمن بالله طواعية.
 إن كل إنسان يعلم أن العالم كان مقسوماً إلى شرق وغرب وإلى أُمم تقدّس الفرد وإلى أُمم تقدّس المجموع كِلا الفريقين تطرَّفا وعادا إلى الوسط، والإسلام وسَطي لم يعودا إلى الإسلام إيماناً به ولا اعتقاداً بأنه منهج الله عزّ وجل ولكن طبيعة الظروف التي رافقت هذا التطرف ألجأتْهم إلى الوسَطيّة، فالذين آمنوا بالفرد إيماناً مطلقاً على حِساب المجموع اضطروا أنْ يعودوا إلى حقوق المجموع، والذين آمنوا بالمجموع على حِساب الفرد اضطروا إلى أن يرعوا حقوق الفرد، إذاً عادوا إلى الوسط هذا معنى قوله تعالى:
﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ(143)﴾
(سورة البقرة)
 "وكذلك جعلناكم أمة وسطاً "، ففِرعون حينما قال:لا إله إلا الله قبل أن يغرق قالها ليتخلّص من الغرق، هذا يُفسّر لنا أن بني إسرائيل حينما خرجوا من البحر رَأَوْا قوما يعكُفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة ؟ ألم تروا أن البحر أصبح طريقاً يبَساً قال العلماء: إنهم آمنوا بموسى ليتخلصوا من فرعون، إيمانهم مشوب بمصلحة لذلك أرقى أنواع الإيمان أن تؤمن بأن الله عزّ وجل هو الخالق ويستحق العبادة، هذا ما قالته رابعة العدوية: " إلهي ما عبدتك خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنتك ولكنني رأيتك أهلا للعبادة "
وما مقصودهم جنات عـدن  ولا الحور الحسان ولا الخيام
سوى نظر الحبيب فذا مُناهم  وهذا مطلَبُ القومُ الكـرام
 قال بعضهم إن كل الطاعات يرفعها مَلَكٌ إلى رب العِزة إلا كلمة لا إله إلا الله فتصعد وحدها وهذا معنى قوله تعالى:
﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ (10)﴾
(سورة فاطر)
 هناك نقطة دقيقة الدلالة جداً مرت معي في حديث شريف - وقد ذكرته سابقا - " من ازداد علما ولم يزدد هدىً " - كأنّ هناك خطَ العلم وخط الهدى - خطَ العلم أن تقرأ كتاباً وتفهمه وتستوعبه وتحفظه، أن تستمع إلى محاضرة وأن تقف عند دقائقها وخطوطها الرئيسة والأدلة التي قيلت حول أفكارها، هذا هو العِلم: أن تقتبس معلومات، حقائق، أفكار، تصورات قناعات، فما هو الهدى إذاً ؟ من ازداد علماً ولم يزدد هدىً، خط الهُدى مُقصّر عن خط العِلم كأن الهُدى أن تعرف أن الله سبحانه وتعالى: لا إله إلا الله، لا إله إلا هو، أنْ توحده وتعبده، يمكن أن أقول لكم الدين كله أن توّحد الله وأن تعبده. في القرآن وردت قصص أنبياء كثيرين " وكلهم يول لومه أن اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ":
﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آَيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(73)﴾
(سورة الأعراف)
 هذه الآية وردت مكررةً عشر مرات أو أقل: " اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ "، فصار ديننا أن تؤمن أنه لا إله إلا الله وأن تعبده، نهاية العلم التوحيد ونهاية العمل طاعة الله عز وجل.
 روي في الأثر أن العبد إذا قال: لا إله إلا الله أعطاه من الثواب ما كان مقسوماً لكل كافر وكافرة من الجنة لو أنهما لم يكفرا، والسبب أنه عندما قال هذه الكلمة فكأنه قد رد على كل كافر وكافرة فلا جرم أن يستحق الثواب ماذا أمرنا الله عزّ وجل بالقرآن ؟
﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)﴾
(سورة محمد)
 " فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ " والعِلم يقتضي البحث والدرس واليقين والتدقيق والتمحيص واستحضار الأدلة وانتهاء بقناعة ثابتة، أما الذي يبقى علمه في ترددٍ وفي شك فهذا ليس علماً:
﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15)﴾
(سورة الحجرات)
 بعضهم قال في تفسير:
﴿حم (1) عسق (2)﴾
(سورة الشورى)
 قال: الحاء حلمه وحكمه وحجته، والميم ملكه ومجده، والعَين عظمته وعلوه وعزته وعلمه وعدله، والسين سناؤه وسره، والقاف قهره وقدرته، يقول الله تبارك وتعالى: بحلمي وحكمتي وحجتي ومجدي وملكي وعظمتي وعدلي وعلمي وعزتي وعلوي وسري وثنائي وقدرتي وقهري لا أعذب في النار من قال لا إله إلا الله، لماذا لا يعذب ؟ لأنه عرف أن الأمر كله بيد الله عزّ وجل فاستقام على أمره،خلاصة هذا الدين أن عرف أن الأمر كله راجع إليه.
 بالمناسبة أذكر للقراء الكرام بعض آيات التوحيد فهناك في القرآن آيات في التوحيد رائعة في الدلالة والبيان فمنها قوله تعالى:
﴿وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)﴾
(سورة هود)
 وقوله تعالى:
﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(26)﴾
(سورة آل عمران)
 " بيدك الخير إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " هذه الآية دليل على فكرة دقيقة جداً أنه لا يوجد في الكون شرُ مُطلق ومعنى الشر المُطلق الشر المُراد لذاته. أيضاً:
﴿بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66)﴾
(سورة الزمر)
 وقوله تعالى:
﴿فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(17)﴾
(سورة الأنفال)
 وقوله تعالى:
﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)﴾
(سورة الأعراف)
 (الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل ) أيُّ شيءٍ خَلقَه أمره عائد إليه. وقوله تعالى:
﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)﴾
(سورة الإخلاص)
 وقوله تعالى:
﴿وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (22)﴾
(سورة العنكبوت)
 وقوله تعالى:
﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً(110)﴾
(سورة الكهف)
 وقوله تعالى:
﴿وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (22)﴾
(سورة لقمان)
 وقوله تعالى:
﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ(41)﴾
(سورة الرعد)
 وقوله تعالى:
﴿وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ(123)﴾
(سورة هود)
 وقوله تعالى:
﴿مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(2)﴾
(سورة فاطر)
 وقوله تعالى:
﴿أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ(63)﴾
(سورة النمل)
 وقوله تعالى:
﴿وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84)﴾
(سورة الزخرف)
 ومن الأحاديث:
((عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ كَرِيزٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَأَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ))
(موطأ مالك)
((عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ يَا غُلامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتِ الأَقْلامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ ))
(رواه الترمذي)
 فإذا الإنسان قام بجمع الآيات التي في التوحيد وحفظها فهذا كنز قرآني كبير يبُّث في المرء الاطمئنان، ويدرأ بعيداً أسباب الخوف دائماً فلا يشعر أن جهة في الأرض يمكن أن تلحق به الأذى وإذا شعر أن الله وحده بيده كل شيء وهو رحيم غني ودود قدير عليم فهذا الشعور مُسعد ومُطمئن.
 من فوائد هذه الكلمة أن النبي عليه الصلاة والسلام فيما رواه ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ليس على أهل لا إله إلا الله وحشة عند الموت وكأني أنظر إلى أهل لا إله إلا الله عند الصيحة ينفضون شعورهم من التراب يقولون الحمد الله الذي أذهب عنا الحزن ".
 إذاً فالشيء المخيف جداً وهو القبر تحت التراب، الشيء المخيف حقاً الوحشة والغربة في القبر، ألم يقل المولى عز وجل:
﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)﴾
(سورة غافر)
 من ستة آلاف سنة: يعرضون عليها غدواً وعشياً، أما أهل (لا إله إلا الله) فلا وحشة في قبورهم، والقبر المُخيف يغدو روضة من رياض الجنة، لماذا ؟ لأنهم عرفوا الله فاستقاموا على أمره، ووحّدوه فاستقاموا على أمره.
 كثيراً ما كنت أضرب المثل التالي: دخلت إلى دائرة حكومية فيها مئة موظف ومعك معاملة، لن يستطيع أحد أن يكتب لك موافق وتأخذ ثمار هذه المعاملة إلاّ المدير العام فهل يمكن أن تتجه لمن سواه ؟ كأنْ ترجو آذِناً أو أن ترجو موظفاً بسيطاً ؟ مادامت صلاحية التوقيع للمدير فقط فأنت تتجه إليه وحده، وذكرت وما أكثر ما ذكرت لكم سابقا أن الله قال:
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً(48)﴾
(سورة النساء)
ومن الممكن أن يكون لك مبلغٌ كبيرٌ في مدينة، وأن تركب القطار الذي يوصلك للمدينة ويمكن أن ترتكب ألف غلطة في القطار، لكن القطار في طريقه إلى المدينة وسوف يصل في الوقت المحدد وسوف تقبض هذا المبلغ، قد تركب في الدرجة السادسة وتكون ابتعت بطاقة من الدرجة الأولى قد تختار عربة فيها شبان أخلاقهم شرسة، قد تركب في جهة مخالفة لجهة سير القطار هذا ممكن ! قد تُحِس بالجوع الشديد ولا تدري أنه في بعض القاطرات مطعم، هذه كلها غلطات ولكن القطار في طريقه للمدينة وسوف يصل في الوقت المناسب وسوف تقبض هذا المبلغ.
 إذاً: " إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا " لكن هناك غلطة لا تُغتفر كأن تتجه إلى قطار خط سيره باتجاه معاكس ولا يوصلك إلى هذه المدينة المطلوبة، أو قطار متوقف لا علاقة له بالحركة إطلاقاً، هُنا المشكلة فالشِركُ بالله خطير، فلماذا خطير؟ لأنك تتجه لِمَا سِوى الله عزّ وجل، وما سِوى الله لن يغني غنك شيئاً ن فلماذا الإيمان إذاً عظيم ؟ لأنك تتجه لمن بيده كل شيء.
 إذاً: إذا أردتم أعزائي القراء الكرام التفصيل ففصلوا، و إذا أردتم الإيجاز فأوجزوا الإيجاز " لا معبود بحق إلا الله "، لا يستحق أحد أن تعبده إلا الله ولا إله إلا الله نهايةُ العلم، وطاعتُه نهايةُ العمل:
((عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ أَوْ يُمْسِي اللَّهُمَّ إِنِّي أَصْبَحْتُ أُشْهِدُكَ وَأُشْهِدُ حَمَلَةَ عَرْشِكَ وَمَلائِكَتَكَ وَجَمِيعَ خَلْقِكَ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ أَعْتَقَ اللَّهُ رُبُعَهُ مِنَ النَّارِ فَمَنْ قَالَهَا مَرَّتَيْنِ أَعْتَقَ اللَّهُ نِصْفَهُ وَمَنْ قَالَهَا ثَلاثًا أَعْتَقَ اللَّهُ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ فَإِنْ قَالَهَا أَرْبَعًا أَعْتَقَهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ ))
(رواه أبو داود)
 " ما من عبد يقول أربع مرات اللهم إني أُشهدك وكفى بك شهيدا وأُشهد حملة عرشك وملائكتك وجميع خلقك وإني أَشهد أنك لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك وأشهد أن محمداً عبدك ورسولك إلا كتب الله له به عتقاً من النار "
 ينقذه من النار، في الحقيقة بالعصور الأخيرة صرت تسمع كلاماً ليس له معنى، وصارت هناك شهادات مزوّرة، أما في الأصل حينما تشهد أنه لا إله إلا الله فهذا تراه رؤية حق وتؤمن إيمان صدق به وعندئذٍ تُطبّق أمَرالله عزّ وجل، وإذا كان آخر الزمان لم يكن لشيء من طاعة الناس فضل كفضل لا إله إلا الله لأن صلاتهم وصيامهم يشوبها أنواع من الرياء والسمعة ولا إخلاص في شيء منها، أما كلمة لا إله إلا الله فهي ذِكرُ الله والمؤمن لا يذكرها إلا من صميم قلبه، هذه من فوائد لا إله إلا الله والحقيقة أن الإنسان كي ينال شهادة علمية فلابُدَّ من أن يبذل جهداً ملموساً ولذلك، فالكي يتحقق من هذه الكلمة فلابُدَّ من بذل جهد وعناء فإنسان بدون جهد ومن دون تضحية بجزء من وقته الثمين ومن دون متابعة و تأمل وبحث فلن يصل إلى الإيمان بهذه الكلمة وإن لم يؤمن بها حقاً فعمله مشوب بالشِرك:
﴿قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24)﴾
(سورة التوبة)
 فالإنسان متى يعصي الله عز وجل؟ إذا رأيت شيئا دون رضاه هو أثمنُ من رضاه، فمثلاً مَن يقول (الله أكبر) ويعصي ربه كأن أطاع زوجته وعصى ربه فرؤيته القلبية أنّ رضاها أثمن من رضى الله عزّ وجل، حينما تُؤْثِر شيئاً مما سوى الله على طاعة الله فأنت ترى هذا الشيء أكبر من الله لأنك جعلت إرضاء الله في الدرجة الثانية، وإرضاء هذا الشخص عندك أحق وأولى، فكلما تحقق الإنسان من كلمة لا إله إلا الله انضبط عمله واستقامت رؤيته وصحت.
 كلمةُ التوحيد هذه، هي شِعار الإسلام، وهذه الكلمة التي يقولها الإنسان إذا دخل في الإسلام (لا إله إلا الله محمد رسول الله) فيها التوحيد والإيمان بالرسالة ثم الطاعة والإيمان بأنه لا إله إلا الله والإيمان برسالة النبي صلى الله عليه وسلم ثم عبادة الله من خلال طاعة الله ورسوله ثم يستقيم على ذلك ما عاش، فهذا هو الدين.
 بقيت لدينا في البحث نقطة ذات بعد عملي تتلخص في السؤال التالي:
 إذا رأيت المُستقيم قد أكرمه الله ورأيت المُرابي محَقَه الله ورأيت المُنحرف المُعتدي دمَّره الله وإذا رأيت أن هناك أفعالاً مؤداها العدالة فهذا شيء يمكن أن يُرسّخ إيمانك( بلا إله إلا الله ) فإيماننا يزداد بهذه الكلمة عن طريق التفكُّر في الكون أولاً وعن طريق تدبُر آيات الله ثانياً وعن طريق النظر في أفعال الله ثالثاً.
 إلا أن التحفُّظ في آخر هذا البحث هو: أن الله سبحانه وتعالى جعل الدنيا دار عمل وجعل الآخرة دار جزاء، أما إذا جازى المسيء في الدنيا فهذا جزاء ردعي لبقية المسيئين وإذا أكرم المُحسن فهذا إكرام تشجيعي لبقية المُحسنين لكن الحساب الكامل نجده في قول الله تبارك وتعالى
﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ(185)﴾\