الأحد، 25 مارس 2012

موسوعة العقيدة - أسماء الله الحسنى : الكبير

الكبير

 مع الاسم الثلاثين من أسماء الله الحسنى والاسم هو " الكبير " وبادئ ذي بدء، أبيّنُ أن من قوانين النفس الإنسانية، وأنها لا تُقبل إلا على كبير، وإلا على عظيم، لا تختار إلا الكبير، لا تُعجَب إلا بالعظيم هذا من خصائص النفس البشرية، لذلك حينما يتعرّف الإنسان إلى الله عزَّ وجل ترتاح نفسه لأنَّ فِطرتها كذلك، اختارت الكبير، اختارت الملك اختارت العظيم، اختارت الرحيم، اختارت القوي، اختارت العليم اختارت السميع، هذا معنى قول الله عزَّ وجل:
﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)﴾
( سورة الأعراف: 180 )
 هناك توافق بين خصائص النفس البشرية وبين أسماء الله الحسنى بمعنى أنّ في جِبِلَّتِكَ تعظيماً للكبير، والله هو الكبير، وأنّ في جِبِلَّتِكَ ميلاً للرحيم، والله هو الرحيم، وأنّ في جِبِلَّتِكَ إقبالاً على الكريم والله هو الكريم، يعني كل أنواع الاضطراب وأنواع الضياع وأنواع التشتت تتبددُ إذا تعرفْتَ إلى الله عز وجل وتطمئن بعدها نفسك، هذا معنى قول الله عزَّ وجل:
﴿الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)﴾
( سورة الرعد: 28 )
 وإني لأقول دائماً وأُردد، ما من رجل على وجه الأرض إلا ويبحث عن شيئين، عن سلامته، وعن سعادته، ولو عَلِمَ الإنسان أن جِبِلّتَهُ، وطبيعته، وخصائص نفسه، ومبادئ تركيبة، قائمةٌ على حُب الكمال، والله هو الكامل كمالاً مطلقاً، لاتضحت له الحقيقة، وانتهى كل إبهام، فما الذي ينفّر النفس ؟ أن تتوقع الكمال في جهة ثم تفاجأ بأنها ليست كاملة، هؤلاء الذين يتعلقون بأشخاص ادَّعوا الكمال وهم ليسوا كذلك يصابون بنكسة في حياتهم كبيرة جداً، لكن الإنسان إذا تعلّق بالله عز وجل لن يُفاجأ بأن الله ليس كما اعتقد:
﴿وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (56)﴾
( سورة المدثر: 56 )
 أريد قبل أن نتحدث عن اسم الله الكبير، أن أُبيّن للقراء الكرام هذه الحقيقة: وهي: أنّ طبيعة النفس، وخصائص النفس، وجبلّة النفس وفطرة النفس، مفطورةٌ ومجبولة ومصنوعة ومبنية ومخلوقة على حُب العظيم، على حُب الكريم، على حُب القوي، على حُب العليم، على حُب الرحيم، فإذا تيّقنتْ أنَّ الله سبحانه وتعالى أسماؤه كلها حُسنى تعلّقتْ بها، وارتاحتْ نفسك واطمئن قلبك وسَعِدْتَ في دنياك وأخراك، إذا توهمتَ أنه بالإمكان أن تسعد لثانية واحدة بغير الله فأنت واهم، هذا الذي يدعو إليه الدين قال سبحانه:
﴿كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (54)﴾
(سورة المدثر: 54 )
 الدين يُذكّر بأصول الفطرة ويجليّها، فمثلاً هذه السيارة، مصممة على أن تسير على طرق معبدة، كل شيء فيها ينتظم، وأنت ترتاح في قيادتها، ترتاح في تحريكها، تتملك زمامها، إذا هي سارت على طريق معبدة، فإنها صنعت لهذا الطريق، وصنع هذا الطريق لها، فحينا تخرج عن الطرق المعبدة، تشعر باضطراب، بخلل، باختلال توازن، بأصوات بعثرات، بمتاعب لا حصر لها، يعني أريد أن أقول ؛ إذا عرف الإنسان اللهَ عز وجل اهتدى إلى فطرته، ووجد نفسه وجدتُ نفسي حينما أتعرف إلى ربي، خصائص النفس أساسها أنها تطمئن إذا عرفت العظيم لاحظ نفسك، في مجلس، مع أشخاص متعددين المُتكلم المُتألق الذكي القوي تجد نفسك طوال السهرة متجهاً إليه وأنت لا تدري قد تُغفل كل الحاضرين، قد لا تعبأ بهم، قد لاتنظر إليهم، لأنك مُركّب على حب العظيم، حُب الكبير، فإذا أيقنتَ أن الله هو الكبير وهو العظيم وهو الرحيم، وأن أسماءه كُلُها حُسنى توجهت إليه، ما هو الدين في حقيقته ؛ التفات إلى الله عز وجل، من هو الكافر، الذي أعرض عن الله وتوجّه إلى ما سِواه، هذا متجه إلى دنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها، أو مالٍ يجمعه، أو منصبٍ يُحَّصله، أو وجاهةٍ يُحققها، وهذا المؤمن مُتجهٌ إلى الله عز وجل.
من الآيات الدالة على هذا الاسم العظيم قوله تعالى:
﴿عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ (9)﴾
( سورة الرعد: 9 )
﴿وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ(23)﴾
( سورة سبأ: 23 )
 مرةً ثانية: فإذا كُنت في مجلس، وإذا كُنت في ندوة، أو كُنت مع مجموعة من الناس، وأنت لا تدري وأنت لا تشعر تتجه نحو العظيم نحو الأكثر عِلماً والأكثر فصاحة، والأكثر ذكاءً، والأكثر قُدرةً على إقناع الآخرين والأكثر شأناً، والأكثر جمالاً، هكذا، هذه جِبِلُّة النفس وهذه طبيعتها، فإذا عرفت من هو الكبير أقبلت عليه، فكل سعادتك تتحقق إذا عرفت الكبير وأقبلت عليه.
﴿انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً (21)﴾
( سورة الإسراء: 21 )
 الممرض غير الطبيب، والجندي غير اللواء، والبائع المتجول غير التاجر الكبير، فالتجار درجات، أهل العلم درجات، الممرض غير مدير المشفى:
﴿انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً (21)﴾
 عدد الدرجات أكبر، والمسافات بين الدرجات أكبر، نحن في الدنيا يستوي عظيم الشأن مع حقير الشأن في الطعام والشراب، كلنا تُشبِعُهُ لقيمات، كلنا يرتاح إذا دخل غرفة دافئة في الشتاء، هناك قواسم مشتركة كثيرة جداً بين أنواع الناس وأقسامهم، ولكنَّ الله عز وجل يُبيّن أنَّ مراتب الآخرة كثيرة جداً ومتفاوتة جداً، والمشكلة أن مراتب الدنيا لا تعني شيئاً لقرب زوالها وتحولها، وأن مراتب الآخرة تعني كُلَّ شيء لدوامها وبقائها مراتب الدنيا تحول وتزول بالموت، في الموت يستوي الغني والفقير يستوي الصحيح والمريض يستوي الوسيم والدميم، يستوي القوي والضعيف، يستوي كبير القوم وصغيرهم، يستوي سُرات الناس وصعاليكهم عند الموت، إذاً هذه الدرجة التي تبوّأها لا تعني شيئاً لأنها لا تدوم، وقد يكون عظيم الشأن في الدنيا وعند الله فقيراً، وقد يكون عظيم الشأن عند الله حياته خشنة، ودخله محدود بيته صغير، وعياله كُثُر زوجته ليست كما يريد، قد يكون ذلك ولكن علو الدرجات في الآخرة تعني المقام السامي، إنها تعني مرتبته الحقيقية عند الله عز وجل، إنها تعني الخلود في هذه المرتبة إلى أبد الآبدين لذلك قال تعالى:
﴿انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً (21)﴾
 وكان عليه الصلاة والسلام يقول:
((عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنِ الْقَائِلُ كَلِمَةَ كَذَا وَكَذَا قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ عَجِبْتُ لَهَا فُتِحَتْ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ فَمَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ذَلِكَ))
( صحيح مسلم )
 هذه الكلمات كلمات الإسلام كلمة أشهد ألاّ إله إلا الله، كلمة سبحان الله، كلمة الله أكبر، كلمة لا حول ولا قوة إلا بالله، كلمة إن شاء الله هذه الكلمات لها معانٍ عظيمة، لكن الناس مع استخدام هذه الكلمات استخداماً سيئاً أفقدوها معناها، يعني إن شاء الله، إذا أردت أن تخلف وعدك، إذا أردت ألا تُسدد ما عليك، تقول له إن شاء الله، غداً إن شاء الله، ليس هذا معناها إطلاقاً.
 كلمة " الله أكبر " تقولها إذا رأيت مثلاً آلة مهولةً صنعها أجنبي الله أكبر، فقد قلتَها في معرض التعجب، هذه ليس من شأنها أنْ تُقال بهذا الموطن، بل إذا رأيت آية من خلق الله عز وجل واستعظمت خالقها تقول الله أكبر، هذه الكلمات التي نرددها الله أكبر، سبحان الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، هذه لو عرفنا معناها حقيقة لكُنا في حال غير هذا الحال لذلك ربنا عز وجل يقول:
﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً (46)﴾
( سورة الكهف: 46 )
 تساءل العلماء ما هُنَّ الباقيات الصالحات ؟ قال بعضهم ؛ سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، فإذا قرأت الآية شعرت أنّ مَن عنده مالٌ كثير أو جاهٌ عريض أو حياةٌ ناعمة، فكلَّ هذا شيء تافه أمام الله أكبر، سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ؟.. نعم لأنك إذا قلت سبحان الله حقيقة فقد سبّحته، وإن قلت الحمد لله حقيقة فقد حمدته، وإن قلت الله أكبر فقد كبَّرته، وإن قلت لا إله إلا الله فقد وحدَّته فإذا سبحته وحمدته ووحدته وكبَّرته فقد عرفته، وإذا عرفته عرفت كل شيء وسعدت بهذه المعرفة إلى الأبد وهذه لا يداينها متاع الدنيا كله ولو كثر، أيها القارئ الكريم، الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (37)﴾
( سورة الجاثية: 37 )
 إنّ الله عز وجل وصف نفسه أنه كبير، وأنه عظيم، وبأن له الكبرياء، وإذا أمرنا أن نُكبّره، وإذا أمرنا أن نُعظّمه، فإنما ذلك لكي نَسعَدَ به ونُقبل عليه، وكي نُحقق الهدف من خلقنا.
 أحياناً قد ترى إنساناً يتحدث عن نفسه تيهاً وازدهاءً من أجل أن يفتخر عليهم، من أجل أن يتيه عليهم، لكن الله سبحانه وتعالى إذا قال: وهو الكبير المتعال، وله الكبرياء في السماوات والأرض، وإذا أمرنا أن نُكبّرهُ تكبيرا:
﴿وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3)﴾
( سورة المدثر: 3 )
 لكي نعرف قدره ومن ثم نسعد بهذه المعرفة وبعد، فلا بد لنا ليكون البحث شافياً من أن نتحدث عن: اشتقاقات هذا الاسم لتكون الإحاطة به احاطة شاملة شافية، هذا الاسم وَرَدَ على صيغ متعددة، وَرَدَ الكبير، وهو العليّ الكبير.. وَوَرَدَ المُتكبر،  وثالثها الأكبر وهي صيغة مبالغة، قال تعالى:
﴿وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72)﴾
( سورة التوبة: 72 )
 وقال تعالى:
﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45)﴾
( سورة العنكبوت: 45 )
 فالكبير والمتكبر والأكبر كلها تصب في ناة واحدةٍ، لكن وُجِدَ في الأثر أنه لا يكبر عليكم شيء ما دامت كلمتكم الله أكبر، فأنت قد تكذب لأنك تخاف من إنسان كبير، ففي حياة كل إنسان شخص بإمكانه فيما يبدو أن يفعل وألا يفعل وأن يعطيك أو أن يمنعك، أنت شئت أم أبيت لك حجم محدود، لك حجم مالي محدود، لك حجم في القوة محدود، لك حجم في المراتب الاجتماعية محدود، هناك أقوى منك، هناك أكثر منك مالاً هناك أعظم منك جاهاً، فأنت كلما واجهت من هو أكبر منك، من هو أعظم منك من هو أشد منك قوةً، من هو أبرع منك حيلةً، من هو أسمى منك درجةً في العلم، وقلت الله أكبر فأنت اتجهت إلى من هو أكبر منه.
 وقف مرةً رجل بين يدي الحجاج وكان مُقدِماً على قتله، فقال هذا الرجل: أيها الأمير ؛ أسألك بالذي أنت بين يديه أذلَّ مني بين يديك، وهو على عقابك أقدرُ منك على عقابي.
 يعني لا يكبر في نفسك شيء مادامت كلمة " الله أكبر " هي الأكبر أحياناً المرض يَكبُر، فإذا قلت الله أكبر، يعني الله قادر على شفائك التام من هذا المرض، أحياناً عدوك يكبر، تقول لا نستطيع مواجهته، فإذا قلت الله أكبر صَغُرَ هذا العدو، وإذا قلت الله أكبر صَغُرَ هذا المرض، وإذا قلت الله أكبر فإن حيلَة خصمك المحكَمة تخفق، لذلك أنت معك سلاح لو عرفت قيمته لكنت في أعلى عليين، ولكن البلاء يكمن في أننا نردد بعض الكلمات، ولسنا في مستوى مضمونها ؛ تقوىً ويقيناً بل لقولها جوفاء مفرغة من مضمونها.
 الكبير والمتكبر والأكبر والكبرياء، كل هذه الأسماء وردت مشتقّة من اسم الكبير، المعنى الأول المتبادر لاسم الكبير أنه في مقابلة الصغير هذا شيء صغير وهذا شيء كبير، وهذا أكبر إلى آخره، جبل قاسيون جبل، لكنك إذا وازنته بجبل الشيخ فجبل الشيخ أكبر، وإذا وازنت جبل الشيخ بجبال الألب، فجبال الألب أكبر، وإذا وازنت جبال الألب بجبال الهملايا فجبال الهملايا أكبر.
 الكبير يقابله الصغير.. إنسان ضارب آلة كاتبة في دائرة لابأس به فهو موظف، لكن أمام المدير العام هو صغير، والمدير العام أمام الوزير هو صغير، هناك مراتب في السُلطة، يوجد موظف عنده صلاحيات وموظف صلاحياته أكبر، معلم الصف أمام المدير صغير، مدير المدرسة أمام مدير التربية صغير، لأنَّ مدير التربية يُسيطر على محافظة بأكملها ومدير التربية أمام وزير التربية صغير، الكبير ما يُقابل الصغير.
 إنسان يملك مائة ألف، أمام صاحب المليون صغير، ومبلغ المليون أمام المائة مليون صغير، ومبلغ مائة المليون أمام الألف مليون صغير، فالكبير ما قابله الصغير، هذا هوالمعنى الأول، لكن لا يستقيم هذا المعنى في ذات الله عز وجل، لأنَّ الله عز وجل تعالى عن المقدار والحجمية، ليس له مقدار وليس له حجم، الله مُنزّه عن أن يكون له حيز أو جهة أو مقدار أو حجم ؛ ليس بمتجزِّئ ولا مُتبعِّض ولا بِمُتناهٍ وكل ما خطر ببالك فالله بِخلاف ذلك.
 إذاً: ما معنى الكبير في حق الله عز وجل، قالوا: هناك الكبير في الدرجات العقلية فمثلاً قد تلتقط صورة لمجموعة أشخاص، وقد يكون أقوى إنسان بهذه الدائرة، أو أقوى إنسان بهذه المجموعة، وزنه خمسة وخمسون كيلواً وإلى جانبه معاونه ووزنه مائة وثلاثون كيلواً فأيهما الكبير ؟ الصغير بحجمه هو الكبير، الأقوى يُعين، إذاً عندنا كبير بحسب الحجم وبحسب الوزن وعندنا كبير بحسب القوة وبحسب العلم، فربنا عز وجل إذا قلنا كبير تعالى عن أن يكون له حيز أو حجم أو مقدار، لكنَّ الله سبحانه وتعالى في الدرجات العقلية هو الكبير.
 الحق من زاوية هذا الاسم هو أكمل الموجودات وأشرفها، الذات الكاملة هو الكبير، يقول لك قائل: هذا كبير القوم، يعني أوجه شخص في القوم.
 المعنى الثاني لكلمة كبير: يعني كبير بمعنى أنه كَبُرَ عن مشابهة المخلوقات، يعني الله عز وجل أكبر من أن يشبه خلقه، وأكبر من أن يشبهه أحد من خَلْقه، كل ما يخطُر ببالك فالله بِخلاف ذلك، كلمة كبير في حق الله عز وجل أنه ليس كمثله شيء، هو أكبر من ذلك.
 حينما صوروا بعض قصص الأنبياء لم يتمكنوا من أن يأتوا برجل ويجعلونه نبياً، فليس هناك فتوى أساساً تجيز ذلك، لماذا ؟ لأنَّ النبي عليه الصلاة والسلام أكبر وأعظم من أن يأتي إنسان ويمثل دوره، لذلك لا يمكن أن يظهر النبي في عمل فني، لأنَّ الذي سيُمثلُه إنسان عادي والنبي أكبر من ذلك وأعظم من ذلك، هنا معنى الكبير يعني مُنزّه عن أن يُشبه خلقه.
 أما الأكبر ؛ يعني أن الله عز وجل هو أكبر من كل خلقه، وهنا شيءٌ بديهي، لكنَّ الإنسان قد يتجه إلى بعض المخلوقين تعظيماً لهم، فإذا أخبرناهم أن الله أكبر من هذا الذي تعبدونه أو تعظمونه من دون الله فليس القصد أن نقيم موازنة بين الله وبين خلقه، ولكن القصد أن نصرف هذا الإنسان عن الشرك إلى التوحيد، وعن الاتجاه إلى ما سِوى الله ونصرفه فقط إلى الاتجاه إلى الله عزَّ وجل وأن كل مَنْ دونه لا يقارن به فإذا ذكرنا معنى الكبير من هذه الزاوية فلِكيْ نُوحّد الله ولا نُشرك به شيئاً.
لكنَّ المعنى الآخر، كلمة الأكبر، يعني أكبر مما عرفت، مهما تعرّفت إلى الله عز وجل فهو أكبر مما تظن، مهما تخيّلت قدرة الله عز وجل فهي أكبر مما تخيلت، مهما تصورت رحمة الله عز وجل فهو أكبر رحمة مما عرفت، هذه كلمة " الله أكبر ".
 لذلك فالنبي صلى الله عليه وسلم سنَّ للمصلي أن يقول الله أكبر أيْ إذا أردت أن تصلي وساورتك وساوس وانشغلت بها، فإلى أين أنت ذاهب ؟ الله أكبر، فمثلاً إذا الإنسان ـ فرضاً من باب التمثيل ـ دخل إلى غرفة وزير، فإنّ رفعةَ منصبه، وكِبَرَ شأنه يدعو مَن عنده إلى النظر إليه لا إلى سِواه، أي أنه قلَّ ما تجد إنساناً في حضرة عظيم يتشاغل عنه بسبحة أو بجريدة أو بحاجة، أو بنظر إلى أطراف الغرفة، لكنَ الذي هو معروف أنك إذا كنت في حضرة إنسان له قيمة فلا بُدَّ أن تتجه إليه، فهذا معنى القول: " الله أكبر " أي اتجه إلى الله عز وجل، والمعنى الأدق من ذلك أكبر مما عرفت، يعني كلما تعرفّت إلى الله فهو أكبر، وهو أعظم.
 قال العلماء: " حظ العبد من هذا الاسم أن يُجالس العلماء، ويُصاحب الحكماء ويُخالط الكبراء ".
 هُنا الدِقة، أنت إنسانٌ لك شخصية، هذه الشخصية لها خصائص لك علم، لك مشاعر، لك خبرات، لك ذكريات، لك تجارب فإذا صاحبت من هو دونك فهذا شيء، وإذا صاحبت من هو في مستواك فذاك شيء آخر، وإذا صاحبت من هو فوقك فذلك شيء ثالث.
 التوجيه ؛ " جالس العلماء، وصاحب الحكماء، وخالط الكبراء ".

 لماذا لتقتبس منهم.. يعني أنت إذا صاحبت من هو في مستواك ليس في إمكانك أن تستفيد منه، وليس في إمكانه أن يستفيد منك، ندٌ لِنِدْ، لذلك ففي البلاغة عندنا دعاءٌ، وعندنا التماس، وعندنا أمرٌ، فالدعاء يأتي بصيغة أمر، والالتماس يأتي بصيغة أمر، والأمر أمر أيضاً، لكن إذا توجه الأمر من صغير إلى كبير فهو الدعاء، وإذا توجه الأمر من شخص إلى نِدّه فهو الالتماس، وإذا توجه الأمر من كبير إلى صغير فهو الأمر، فأنت إذا صاحبت من هو في مستواك يمكن أن تُمضي معه وقتاً ممتعاً ولكن ربما لن تستفيد منه شيئاً، تستمتع في الجلوس معه دون أن تستفيد منه، لأنه في مستواك وأنت في مستواه، خبراتكما مشتركة، معلوماتكما مشتركة لكنك إذا صاحبت مَن هو فوقك في العلم أو في المعرفة أو في القدر أو في الكمال، أو في الخبرة في الحياة، تستفيد منه، ما دام الإنسان مجبولاً على حُب العظيم أو حُب الكبير، إذاً عليك أن تُصاحب من تراه ثقةً وأهلاً لصحبتك فتستفيد من علمه تارةً، ومن أدبه تارةً، ومن خبرته تارةً، ومن أسلوبه في الخطاب تارةً أخرى، هذِهِ بعض التوجيهات بالنسبة لحظ العبد من هذا الاسم.
 وقال المحققون: العلماءُ على ثلاثة أقسام ؛ العلماء بأحكام الله فقط فقيه متفوّق بالفِقه، فأيُّ سؤالٍ طرحته عليه، يحبْك لقد ورد في حاشية كذا وفي المصنف الفلاني وفي الكتاب العلاني، مَعَ الحكم الشرعي لهذا السؤال هذا اسمه عالم بأحكام شرع الله فقط، إذاً هؤلاء العُلماء هم أصحاب الفتوى، إذا أردت أن تستفتي في شيء فاذهب إليهم، لأنهم متفوقون في معرفة أحكام الشريعة.
 وهناك علماء بذات الله تعالى فقط، يَعرف الله عز وجل ويعرف أسماءه الحُسنى، يعرف صفاته الفُضلى، يعرف عَظَمَةَ الله عزَّ وجل مُستقيمٌ على أمره، مُقبلٌ عليه، فهؤلاء الذين عَلِموا ذات الله فقط هم الحُكماء، إذاً هناك عُلماء وهناك حُكماء، ولقد سبق أن قلت: من ازداد علماً ولم يزدَدْ هُدىً لم يزدد من الله إلا بُعداً، يعني نمى علمه الشرعي ولم تنمُ معرفته بالله عز وجل، ولم تَرقَ عبادته إلى المستوى المطلوب فقصّرَ في معرفة الله، وفي طاعته وتفوق في الأحكام الشرعية، من ازداد علماً ولم يزدد هدىً لم يزدد من الله إلا بُعداً. لابُدَّ من أن تتحرك على خطين اثنين، على خط معرفة الله ومعرفة أمره، وما أكثر ما ذكرت وكررت وأنا أتحدّث أو أكتب في هذا الموضوع، هناك عالِمٌ بالله، وهناك عالِمٌ بأمره، وهناك عالِمٌ بخلقه.
أما العلماء بخلق الله عز وجل فهم العلماء المشهورون في الفيزياء وفي الكيمياء والرياضيات والفلك والتاريخ وعِلم النفس وعِلم الاجتماع وفي هذه العلوم البحتة كالرياضيات التطبيقية كالكيماء العضوية وما إلى ذالك.
 العِلمُ بخلق الله شيء، والعِلمُ بالله شيء، والعِلمُ بأمره شيء وعلامة العِلمُ بأمره أنك تُجيب عن أيّ سؤال مُتعلّق بأمره، وأما العِلمُ بذاته فعلامته طاعتك له، حينما تعصي الله عز وجل فأنت لا تعرفه.
 فالعلماء هُم الذين عرفوا الأحكام الشرعية، وهم الذين يُقْصَدون في الفتوى، والحُكماء هم الذين عرفوا الله عزَّ وجل وعلامة معرفتهم لله طاعتهم له وإقبالهم عليه، ووصولهم إليه، أما أجمل ما في الموضوع قول العلماء: إنّ الكبراء هم الذين عرفوا أحكام الله ؛ الأحكام الشرعية وعرفوا ذاته العليّة، هؤلاء الذين جمعوا بين الشريعة والحقيقة، هؤلاء هم الكبراء، وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(( أَخْبَرَنَا زَيْدٌ الْعَمِّيُّ عَنْ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ قَالَ يَا صَاحِبَ الْعِلْمِ اعْمَلْ بِعِلْمِكَ وَأَعْطِ فَضْلَ مَالِكَ وَاحْبِسِ الْفَضْلَ مِنْ قَوْلِكَ إِلا بِشَيْءٍ مِنَ الْحَدِيثِ يَنْفَعُكَ عِنْدَ رَبِّكَ، يَا صَاحِبَ الْعِلْمِ إِنَّ الَّذِي عَلِمْتَ ثُمَّ لَمْ تَعْمَلْ بِهِ قَاطِعٌ حُجَّتَكَ وَمَعْذِرَتَكَ عِنْدِ رَبِّكَ إِذَا لَقِيتَهُ، يَا صَاحِبَ الْعِلْمِ إِنَّ الَّذِي أُمِرْتَ بِهِ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ لَيَشْغَلُكَ عَمَّا نُهِيتَ عَنْهُ مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ، يَا صَاحِبَ الْعِلْمِ لا تَكُونَنَّ قَوِيًّا فِي عَمَلِ غَيْرِكَ ضَعِيفًا فِي عَمَلِ نَفْسِكَ يَا صَاحِبَ الْعِلْمِ لا يَشْغَلَنَّكَ الَّذِي لِغَيْرِكَ عَنِ الَّذِي لَكَ، يَا صَاحِبَ الْعِلْمِ جَالِسِ الْعُلَمَاءَ وَزَاحِمْهُمْ وَاسْتَمِعْ مِنْهُمْ وَدَعْ مُنَازَعَتَهُمْ، يَا صَاحِبَ الْعِلْمِ عَظِّمِ الْعُلَمَاءَ لِعِلْمِهِمْ وَصَغِّرِ الْجُهَّالَ لِجَهْلِهِمْ وَلا تُبَاعِدْهُمْ وَقَرِّبْهُمْ وَعَلِّمْهُمْ....))
(سنن الدارمي)
 الكبير من الناس هو الذي عرف الله حقَّ المعرفة، وأقبل عليه حقَّ الإقبال، وعرف أحكامه التكليفية حقَّ المعرفة، فقد حصّلَّ المجد من طرفيه، إنك إذا رأيت عالِماً بالله ومعلوماتُه في الشريعة ضعيفةً قد لا تُعجب به، وإن رأيت عالماً في الشريعة ومعرفته بالله لا تعجبك قد لا تُعجب به، لكنك إن رأيت من يجمع بين العِلمُ بالله والعِلمُ بأحكام الشريعة فهذا الكبير في تعبير النبي عليه الصلاة والسلام، وقديماً قالوا من تفقّه ولم يتحقق، فقد تفسّق، ومن تحقق ولم يتفقه فقد تزنّدق..
 يعني إذا تركت عِلمَ الشريعة جانباً ولم تستقم عقيدتك واعتمدت على التأمُل فقط ربما نطقت بما هو زندقة أو بما يشبه الزندقة، وإذا تعرّفت إلى أمر الله فقط ولم تعرف عظمته فربما خالفت أمره.
 فنحنُ بين نموذجين، نموذج أتقن أحكام الشريعة وغَفَلَ عن أحكام الحقيقة، ونموذج عَرَفَ الحقيقة وما عَرَفَ الشريعة، لكنّ الكبراء هم الذين عرفوا الحقيقة والشريعة، تحققوا وتفقّهوا، عرفوا أحكام الله التكليفية، وعرفوا ذاته العليّة، فهذا حظ العبد من هذا الاسم، وللفائدة أرجو العودة للحديث الذي رواه زيد العمي في الصفحة السابقة.
 وجدير بنا أنْ نقف في مطالعة هذا الاسم عند: " العظيم الكبير " إنّه ذو الكبرياء، والكبرياء عبارة عن كمال الذات، وكمال الذات أي كمال الوجود، وكمال الوجود يرجع إلى شيئين اثنين، دوامه أزلاً وأبداً، فكل وجود يسبقه عدم ليس كاملاً، وكل وجود ينتهي إلى عدم ليس كاملاً، نحن كما نُسمَّى في علم التوحيد ( حادث ) لأنه سبقنا عدم وسيأتي بعدنا العدم كل شيء هالك إلا وجهه، فالكبير ذو الكبرياء، والكبرياء كمال الذات وكمال الذات هي كمال الوجود، وكمال الوجود يرجع إلى شيئين ؛ دوامه أزلاً وأبداً أمّا الثاني ؛ فوجوده ذاتي، وسبب كل وجود، أما وجود مخلوقاته ليس ذاتياً، وجود مخلوقاته متوقف على مشيئته، كُنْ فيكون زُلْ فيزول، ما شاء اللهُ كان وما لم يشأ لم يِكُنْ.
 وبعد، فالوقوف عند هذا الاسم على مخلوقاته يجلىّ الأمر واضحاً وهو مما يعين على فهم البحث: فمن تطبيقات هذا الاسم على العباد القول مثلاً: فُلان كبير، الحقيقة هنا معنى دقيق الدلالة جداً، فكلمة " كبير " إذا وصف بها الإنسان ليس الكامل في ذاته بل الذي تسري كمالاته إلى غيره يعني مُشعّاً، هنالك عُنصر خامل، وعُنصر مُشِعٌّ، وعُنصر فاعل وعُنصر منفعل، من هو الكبير من الناس، فمثلاً عالِم لكن ما عَلَّمَ أحداً كامل ما كَمَّلَ أحداً، فهذا ليس كبيراً، أما إذا كنت عالماً ووصَلَ علمُك إلى الآخرين فأنت كبير عند الله عزَّ وجل، إذا كنت كاملاً وسرى كمالُك إلى الآخرين، يعني تخلَّقوا بأخلاقك، وتعلَّموا من علمك، أيْ إذا فاض الإناء على غيره فهو الكبير، هذا معنى آخر من معاني الكبير من العباد، ألم يقل النبي عليه الصلاة والسلام الحديث:
(( أَخْبَرَنَا زَيْدٌ الْعَمِّيُّ عَنْ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ قَالَ يَا صَاحِبَ الْعِلْمِ اعْمَلْ بِعِلْمِكَ وَأَعْطِ فَضْلَ مَالِكَ وَاحْبِسِ الْفَضْلَ مِنْ قَوْلِكَ إِلا بِشَيْءٍ مِنَ الْحَدِيثِ يَنْفَعُكَ عِنْدَ رَبِّكَ يَا صَاحِبَ الْعِلْمِ إِنَّ الَّذِي عَلِمْتَ ثُمَّ لَمْ تَعْمَلْ بِهِ قَاطِعٌ حُجَّتَكَ وَمَعْذِرَتَكَ عِنْدِ رَبِّكَ إِذَا لَقِيتَهُ يَا صَاحِبَ الْعِلْمِ إِنَّ الَّذِي أُمِرْتَ بِهِ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ لَيَشْغَلُكَ عَمَّا نُهِيتَ عَنْهُ مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ يَا صَاحِبَ الْعِلْمِ لا تَكُونَنَّ قَوِيًّا فِي عَمَلِ غَيْرِكَ ضَعِيفًا فِي عَمَلِ نَفْسِكَ يَا صَاحِبَ الْعِلْمِ لا يَشْغَلَنَّكَ الَّذِي لِغَيْرِكَ عَنِ الَّذِي لَكَ يَا صَاحِبَ الْعِلْمِ جَالِسِ الْعُلَمَاءَ وَزَاحِمْهُمْ وَاسْتَمِعْ مِنْهُمْ وَدَعْ مُنَازَعَتَهُمْ يَا صَاحِبَ الْعِلْمِ عَظِّمِ الْعُلَمَاءَ لِعِلْمِهِمْ وَصَغِّرِ الْجُهَّالَ لِجَهْلِهِمْ وَلا تُبَاعِدْهُمْ وَقَرِّبْهُمْ وَعَلِّمْهُمْ ))
 إذاً الكبير الكامل في نفسه المُكمِلْ لغيرِهِ، العالِم في نفسه المعلم لغيره أنت إذا بقيت وحدك ولو كنت في أعلى مستوى لست كبيراً عند الله يعني باللغة الواقعية أناني، أنت حصَّلت معرفة واكتفيت بها، أنْتَ كمالاً واكتفيت به، لكن أين كمالُكَ ؟ إنْ لم يسرِ هذا الكمال إلى الآخرين ؟ لذلك الشيء الذي يلفت النظر أنَّ الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ(3)﴾
(سورة العصر)
 " تواصوا بالحق "، يعني جزء كبير من نشاط المؤمن الدعوة إلى الله، فمثلاً رجل مؤمن إيماناً عالياً وزوجته جاهلة، وزوجته عاصية ويقول أنا لا علاقة لي بها، هي وشأنها، ألست مؤمناً ؟ بلى وإيمان عال ولا يُعنى بأولاده ولا يهتم بإيمانهم ولا يهتم باستقامتهم، شيءٌ لا يُصدق هو مؤمن إيماناً عالياً وله شريك لا يُصلي، وشارد وتائه وترضى به وتسكت عنه ولا يُقلقك أمره، إذاً: فلست عند الله كبيراً، لن تكون عند الله كبيراً إلاّ إذا سرى عِلمُكَ، وسرَتْ أخلاقُكَ، وسرت دعوتُكَ إلى الآخرين، هذا المعنى الذي ذكره بعضهم فيما تنطوي عليه كلمة كبير من العباد.
 شيءٌ آخر مهم: هو أنَّ الله عز وجل حينما يراك تُعظِّمُهُ ولا تحفل بخلقه فأنت عنده مُقرّب، لكنه إذا رآك ترتعد فرائصك أمام كل إنسان وتنسى الواحد الديّان، تسعى إلى إرضاء الناس وتنسى رب الناس تخشى الناس ولا تخشى الله فأنت عند الله صغير.
 وهذا شيء آخر: وهذه النقطة دقيقة الدلالة جداً، أحياناً يكون الإنسان مسلماً وموحِّداً، لكنه يخاف مما يخاف الناس دائماً، ويقول: ما هذه الحياة كلها خوف ؟ إذاً هذا الذي يخاف وماله حرام ودخله حرام وأفعاله منحرفة لابد من أن يخاف، وله أن يخاف، لكن المؤمن إذا ظنَّ أنَّ الله سيُعامِلُهُ كما يُعامِل أهل المعصية والفجور فقد وقع في سوء الظن بالله عزَّ وجل، أنت تقع في سوء الظن بالله إذا ظننت أن الله سيُعامل المؤمن كما يُعامل الفاسق، وإني أقول: إذا خِفتَ أن تُعامَل كما يُعَامَل الفاسق الفاجر، فهذا الخوف عقوبة لك على سوءِ ظنكَ بالله، الله عزَّ وجل يُحبُكَ أن تعتمد عليه، يُحبُكَ أن تثق به، يُحبُكَ أن تتوكل عليه، كما يُحبُكَ أن تعتز به.
اجعل لرب كل عزك  يستقر ويثبـــــــت
فإذا اعتززت بمن  يموت فإن عزك ميت
***
 قال تعالى:
﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139)﴾
(سورة آل عمران: 138)
 يجب أن يُرافق الإيمانَ معنويات عالية، يُرافق الإيمان ثِقة بالله عزَّ وجل، يُرافق الإيمان شعور بالتفوق، رأوا أحد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يمشي مشية كأنها مشية كِبر، فقالوا: أَكِبْرٌ في الإسلام ؟ قال لا هذا عِزُّ الطاعة، يعني أنت أحياناً حينما تُطيع الله عز وجل يجب أن تعتزَّ بطاعتك،.. يقول: أنا لا أشرب الخمر لأن لديّ مغص من قرحة في المعدة، لا، بل يجب أن يقول لا أشرب لأن هذا شراب مُحرّم في ديني.. هذا أكمل، أتستحي بأمر الله عز وجل ؟ فهذا المسلم الذي يخاف الله عز وجل يذكر للناس ألف تبرير وتبرير لعدم شُربِه الخمر، على أنه مصاب بقرحة ونحو ذلك، ولا يجرؤ أن يقول: هذا حَرّمُّه الله عز وجل، وأنا ملتزم، فهو مهزوم، ولكن إذا قلت أنا لا أشرب لأن الله حرّمَ شُربَ الخمر، وافعلوا ما تريدون انتهى الأمر إرتقيت في مدارج عزة الإيمان.
 المقصود أن تعتزَّ بالله، أن تَثِقَ به، أن تعتمد عليه، أن تتوكل عليه، هذا إذا كُنت تراه كبيراً، هذا إذا كانت كلمتك (الله أكبر) حقيقة فأنت تقول ( الله أكبر )في الصلاة، وتسمع الله أكبر كل يوم خمس مرات في الأذان، وتقول الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، في كل حركة من حركات الصلاة الله أكبر، لذلك ذكرت مراراً في خطب الجمعة وأكدت على ما ذكرت إن الذي يقول (الله أكبر ) ويطيع مخلوقاً ويعصي خالِقُهُ فكأنه ما قالها أبداً، ولو قالها بلسانه مائة ألف مرة، إذا قُلت ( الله أكبر ) وخشيت الناس ولم تَخشَ الله فما قُلت الله أكبر ولا مرة، إنّ الذي نسعى إليه، أن نَدَعَ الشكليّات، والكلمات الجوفاء والكلمات المستهلَكة وأن نعود إلى أصل الدين وإلى جوهر الدين، مَن عصى خالِقَهُ، وأرضى مخلوقاً فما قال الله أكبر ولا مرة ولو رددها بلسانه مائة ألف مرة، فإن أرضى زوجتَه مثلاً وعصى ربه، فما قال الله أكبر، الحقيقة بلا مجاملة وبالكلمة الصريحة: إن رأيت رضاه أكبر عندك من رضاء الله عز وجل فلا حظ لك أبداً مما قلت، وحينما تطيع مخلوقاً وتعصي خالقك، فقد رأيت رضاء هذا المخلوق أكبر عندك من رضاء الله، وهذا واقع الكثيرين، لكن حينما تقول الله الكبير، الله الغني، ولا أفعل سوءاً ولو قُطِّعْتُ إرباً إرباً، فالآن قلت الله أكبر.
 وها نحن الآن قد دخلنا في صميم البحث، ودخلنا في التطبيق العملي ؛ فما جدوى أن تقول الله هو الكبير والمتكبر والكبير المتعال والعليّ الكبير وذو الكبرياء، والكبير الذي تعالى عن أن يشبه خلقه والكبير هو في الدرجات العقلية، فما جدوى كل هذه المعلومات الدقيقة عن اسم الكبير ما دُمتَ تتجه إلى المخلوق وتنسى الخالق، لذلك علامة المؤمن ألّا تأخذه في الله لومةُ لائم، ولا يرى أحداً أكبر من الله، وإذا قال الله أكبر فهو فعلاً أقوى الناس، لأنك إذا أردت أن تكون أقوى الناس فتوكّل على الله، لذلك هناك امتحانات دقيقة في الحياة، خلاصتها أنّ الله عز وجل يضعُكَ أمام ظرفٍ صعب، قد تُغلَقْ الأبواب كلها في وجهك، يُفتح باب واحد، باب معصية، فإذا قلت ماذا أفعل لا حول لي ولا قوة، وأرجو الله ألا يؤاخذني، معنى ذلك رأيتَ حاجتك إلى هذا الشيء أكبر من رضوان الله تعالى، ويجب أن تعلم أنَّ الآية التي قرآناها قبل قليل:
﴿قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15)﴾
(سورة آل عمران)
 هل تعلمون ما سياق هذه الآيات ؟ الحديث عن الجنة، يعني بعد أن ذَكَرَ الله لنا في القرآن الكريم الحديث عن الأشجار وعن الجنات التي تجري من تحتها الأنهار وعن أنهار اللبن وعن أنهار العسل المُصفّى وعن الحور العين وعن الوِلدان المخلدين، وعن كلَّ ما في الجنة من مباهج قال:
﴿ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾
 أيْ إذا كان الله راضياً عنك، وإحساسك بهذا الرِضى أكبر عنده من كل شيء، فهذه أكبر غاية يسعى إليها المؤمن ويرجوها عند الله سبحانه.
 وبعد فإن آخر ما ينبغي عليّ الإشارة إليه ؛ أقول: يعني إذا شعرت أن الله راضٍ عنك، فهذا الشعور أكبر غاية تتحقق لك في الأرض، كنتُ مرةً أقول ؛ حينما قال الله عزَّ وجل، وحينما قرر في كتابه الكريم أنه رضي عن أصحاب رسول الله صلى فقال تعالى:
﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً(18)﴾
( سورة الفتح: 18 )
 قلت عندها والله ما في الأرض كلها لا في قديم الزمان ولا في حديثه ولا في المستقبل، ولا في كل القارات، ولا في شتى المجالات ولا في كل المناحي، من مرتبة أعظم من أن يرضى الله عنك، وما جدوى أن يرضي عنك المخلوقون جميعاً ولم يرض الله عنك ! ! ! ؟
﴿إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (26)﴾
( سورة الغاشية: 24 ـ 26 )
 ما ينفعك أن يرضى الناس جميعاً عنك، وما ينفعك أن تكون مُعظَّماً عِندَ الناس كلهم ولست عند الله عظيماً ؟ فرضى الناس إلى زوال ولكنّ رِضى الله باق أبداً.
﴿سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ (124)﴾
( سورة الأنعام: 124 )
﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً (105)﴾
( سورة الكهف: 105 )
﴿كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15)﴾
( سورة المطففين: 15 )
﴿وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (59) أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آَدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلّاً كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62) هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (63) اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (64) الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (65)﴾
( سورة يس: 59 ـ 65 )
 ما قيمة الدنيا كلها، ولو أنك كنت تملك الدنيا بحذافيرها وليس لك عند الله شأن، سمعت عن شركة من الشركات الكبرى في العالم عندها فائض هي في حيرة من أمر توظيفه ؛ أربعة آلاف مليون دولار شركة سيارات، فائضُها النقدي الذي لا تعرف كيف توظفه أربعة آلاف مليون لو أن الدنيا كلها لك، لو أن هذه الشركة لك، لو أنَّ القارات الخمس بما فيها من مصانع هي ملك لك ولم يكن الله عنك راضٍ فما قيمة الدينا كلها كلامٌ دقيق، يعني أنت أيها المؤمن قد تكون من عامة الناس في الحياة الاجتماعية أنت إنسان عادي، فإذا كُنتَ تعرف الله عز وجل وكان الله راضياً عنك، أنت عند الله عظيم الشأن، لذلك دخل على النبي رجل النبي هش له وبش، وقال أهلاً بمن أخبرني جبريل بقدومه، قال أومثلي ؟ !! من أنا ؟ قال: نعم يا أخي خامِلٌ في الأرض عَلَمٌ في السماء.
 قد تكون طالباً، قد تكون موظفاً في الدرجة العاشرة، قد تكون مساعد كاتب، قد تكون صاحب محل صغير مساحته متر بمتر، لكنك تعرف الله ومُستقيم على أمره فأنت عند الله عظيم، لذلك حينما قال أحد العارفين بالله: " والله لو يعلم الملوك ما نحن فيه لقاتلونا عليها بالسيوف ".

 والله كلامه صحيح، لو كشف الغطاء وعَلِم ملوك الأرض ما أنت فيه من مرتبة عليّة عِندَ الله لنافسوك وقاتلوك.. أمّا أهلُ الدنيا فهانَ أمرُ الله عليهم فهانوا على الله، ترى حياته تافهة عند الله، لم يُبالِ في أي أوديتها هلك، تراه يموت ميتة سيئة بشعة حقيرة، صنائع المعروف تقي مصارع السوء يموت كالجيفة، يموت وهو يعصي الله، يموت ولا يدري به أحد، لكن المؤمن له عند الله شأنٌ كبير.
 أيها القارئ الكريم: إذا تحدثتُ عن اسم الله الكبير فمن أجل أن نعرف الكبير، ومن أجل أن نُطيعَه، ومن أجل أن نكون عنده من المقرّبين، ورأسُ القربى عند الله عزَّ وجل طاعته، آخر كلمة أقولها في بحثي هذا، قال عمر: يا سعد لا يغرَّنَّك أنه قد قيل خال رسول الله فالخلق كلهم عند الله سواسية، ليس بينه وبينهم قرابة إلا طاعتهم له.
 طاعتك عند الله هي كل شيء، وهي التي تُحدد مكانتك عند الله عزَّ وجل، وأنت كمؤمن، وتعلم أن الله كبير، يجب أن تعتزَّ بالله عز وجل وأن تثق بالله وأن توقن بأن لك معاملةً خاصّة، لقوله تعالى:
﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾