الأحد، 25 مارس 2012

موسوعة العقيدة - أسماء الله الحسنى : البديع

البديع

 مع الاسم الواحد والثلاثين من أسماء الله الحسنى والاسم هو " البديع" وقد ورد هذا الاسم في القرآن الكريم في قوله تعالى:
﴿بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117)﴾
(سورة البقرة)
 والبديع: على وزن فعيل بمعنى مُفعِل ؛ أي مُبدع السماوات والأرض. والإبداع: أن تصنع شيئاً على غير مثالٍ سابق، ومن دون أن تتلقى من أحد معلومة ما. وإذا أردنا أن نبحث فيما يصنعه الإنسان، فإنه من حيث يريد أو لا يريد، من حيث يشعر أو لا يشعر ؛ إنه يقلِّد، فإذا قال صنعت غواصة ؛ فلا شك أنها تقليد غير ناجح للسمكة. وإذا صنع طائرة ؛ فلا شك أنه تقليد غير ناجح للطائر.
 وقد وقع تحت يَديّ كتابٌ موسوعيّ عن الطيور، وفي مقدمة الكتاب يقول المؤلف: إنّ أرقى طائرة صُنِعت حتى اليوم ؛ لا ترقى إلى مستوى الطائر، فالطائرة تقليد للطائر. والغواصة تقليد للسمكة. وأيُّ شيء صنعه الإنسان لو دققت فيه لرأيته قد قلّد به شيئاً مما في الطبيعة من إبداع الله تعالى، لكنَّ الله سبحانه وتعالى خلق الكون على غير مثال سابق ؛ فمَن قال إنَّ الأرض ينبغي أن تكون كُرة ؟ ومن قال إنَّ الأرض ينبغي أن تدور حول نفسها، وأن تدور حول الشمس؟ ومن خلق الضوء ؟ من جعل الشمس منبعاً حرارياً وضوئياً ؟ من أعطى الماء صفاته وخصائصه ؟ ومن أعطى الهواء صفاته وخصائصه ؟ من أعطى كل عنصر خصائصه ؟ لو أنّ العناصر كلها تذوب في درجة واحدة ؛ أي تنصهر في درجة واحدة، لرأيت الكون كله غازاً، أو صلباً، أو مائعاً ؛ فلَوْ أنَّ هذا الكون، وما فيه من مجرات، ومن كازارات، ومن مذنبات، ومن كواكب، ومن نجوم، بعدده ومسافاته البينيّة وحركته المتوازنة، هذا الكون بدقائقه، والأرض بما عليها، يعني مثلاً: على مرأى من الخلق كلهم، أوراقُ الأشجار؛ فهل تعتقد أنه في الإمكان أن ترسم لنا ورقةً ليس لها أصل في الكون؟ أوراق كبيرة وصغيرة، مسننة وملساء وخشنة، انسيابية ومخططة، ذات لون داكن ولون فاقع وألوان متداخلة لو أردت أن ترسم أنواع الأوراق التي خلقها الله عزٌ وجل، بل إنّ أوراق أيَّةِ شجرة واحدة هل تتشابه ؟ واللهِ يارب لو تشابهت ورقتا زيتون لما سُمّيتَ الواسع هذا ما قاله أحد العارفين.
 ومثلاً آخر وجوه البشر؟! أنا أضرب أمثلة كثيرة، هل في الأرض كلها والتي يعيش ستة الآف مليون إنسان على وجهها، هل في الأرض كلها وجه إنسان مشابه لوجه إنسان آخر ؟ مستحيل، والشيء الثابت الآن أنَّ لِكُل إنسان رائحة خاصة ؛ وهذه الرائحة هي أساس معرفة الكلاب البوليسية للمُجرم، الإنسان له رائحة واحدة تميزه عن غيره ولا يتفق اثنان في رائحة جسميهما.
 الجلد له رائحة عطرية ؛ هذه الرائحة لكل إنسان رائحة خاصة به. ولِكُل إنسان إيقاع صوتي خاص به. كم موجة ؟ ولِكُل إنسان قزحية خاصة به. ولِكُل إنسان بصمة خاصة به. ولِكُل إنسان تركيب دم خاص به " البلازما " ؛ بل إنّ أحدث البحوث أنّ هناك ما يسمى بالزُمر النسيجية ؛ يعنى نسيج الإنسان خاص به فكما أن الدم زُمرٌ زُمر، ولكن زمر الدم محدودة ؛ بينما الزُمر النسيجية غير محدودة، حتى الآن وصلوا إلى اثنين ونصف مليار زُمرة يعني لا يُشبِهُكَ في الكون كله إلا إنسانٌ واحدٌ وقد يكتشفون بعد حين أنّ كل إنسان له زُمرة نسيجية واحدة. هذا الذي يدعو علماء الطب إلى تفسير ظاهرة أنّ هذا الجسم رفض هذه الكُلْية، أن هذا الجسم رفض هذا العضو لاختلاف الزُمر النسيجية، أليس هذا إبداعاً ؟.
 إبداع يعني إبداعاً لا حدود له، أما الإنسان لو أراد مثلاً أن يرسم وجهاً، فلو كلَّفنا رسَّاما أن يرسم وجهاً يرسم وجه اثنين.. ثلاثة مختلفة عن بعضها، وبعد ذلك ينضب الإبداع من ذهنه وتأتي رسوماته متشابهة، ومهندسو السيارات يصممون أشكال السيارات، مرة خطوط منحنية، مرةً خطوط متعامدة، مرةً خطوط انسيابية، وبعد حين يعودون إلى الشكل السابق فإبداعهم ينضب. أما الله سبحانه وتعالى بديع السماوات والأرض فهو واسع حكيم، أضرب بعض الأمثلة: فوجه الإنسان، ولون قزحية عينه، ورائحة جلده، وتركيب دمه، ونبرة صوته، وبصمة إبهامه هذه كُلُها هويات شخصيّة. فيما قبل كنا نعتقد أن البصمة وحدها هوية الإنسان، الآن أشياء كثيرة في الإنسان يتميّز بها عن غيره فالله سبحانه وتعالى بديع السماوات والأرض.
 شيءٌ آخر هام جداً، لو أنك اطّلعت على أنواع الأسماك التي في البحار؛ لو تصفحت كتاباً مصوراً فيه أنواع الأسماك، لأخذَك العَجَب العُجاب. فحتى الآن الإحصائيات بالنسبة للأسماك تفيد وجود مليون نوع من السمك، وأيُّ شكل يخطر في بالك موجود، سمكة على شكل كرة موجودة، على شكل سيف موجودة، شفافة موجودة، فسفورية موجودة لها أهداب موجودة، لها أرجل موجودة، سمكة على شكل مزهرية موجودة سمكة تدافع عن نفسها بأن تفرز مادة كالحبر تخفي وجودها موجودة سمكة تحارب أعداءها بالكهرباء بآلاف الفولطات موجودة، حيتان كبيرة موجودة، وأسماك صغيرة للزينة موجودة، لو أردت أن تقف عند تنوّع الأسماك فشيء مذهل ولا ينتهي، لا يُعدُّ ولا يُحصى. لو أردت أن تقف عند أنواع الطيور؛ فأشكالها، وأصنافها، وأنواعها، وسلالاتها شيء يأخذ بالألباب. أنواع الألوان، أنواع الورود، وقد أطلعني أحد الأصدقاء على كتاب مؤلف من ثمانية عشر مجلداً كل مجلّد سماكتهُ لا تقلّ عن ثمانية سنتمتر وكل ورقة مخصصة لنوع من أنواع الأبصال كل هذا المجلد لأنواع الأبصال فقط بعضهم يقول: هناك ثلاثة آلاف نوع من أنواع القمح وقرب مدينة دوما بمحافظة دمشق هناك مركز للبحوث الزراعية أطلعني مهندس أنّ في هذا المركز ثلاثمئة نوع من العنب. وما من فاكهة وما من خضرة وما من محصول وما من شجر مثمر إلاّ وهو مئات الأنواع بل آلاف الأنواع، هذا كله يُجسِّد اسم البديع، والأنواع لا تُحصى.
 مرةً كنت بمعرض للحشرات بالقاهرة وهو بناء ضخم مؤلف من مجموعة قاعات، في كل غرفة وعلى الأربعة الجدران ثُبتت حشرات مصبّرة وليس هناك حشرة مثل أختها، ولا فراشة مثل أختها تنوع في الخلق لا يصدقه عقل، هذا معنى قول الله عزّ وجل:
﴿بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾
 أوراق الأشجار، أنواع الأشجار، أنواع الأخشاب، أنواع النباتات، أنواع الروائح، أنواع الأسماك، أنواع الأطيار، أنواع الفواكه ذرات الثلج ؛ لو أخذنا ذرّة الثلج وكبرناها تحت مجهر، لرأينا شكلاً لا يُصدّق، في منتهى الروعة، وما من ذرة تُشبه أختها ؛ لو أخذت عيّنات من آلاف الأماكن التي هطل عليها الثلج، كل ذرّة ثلج لها شكل خاص أليس هذا من فعل بديع السموات و الأرض؟
 الحقيقة من معاني البديع ؛ من المعاني الأولى أنٌه بديع في ذاته ومعنى بديع في ذاته ؛ أيْ لا يُشبهه شيء، أو ليس كمثله شيء. بديع في ذاته ليس كمثله شيء. وبديع في خلقه، فهو خلَق الخلق على غير شكل وعلى غير مثال سابق، ومن دون أن يُعلِّمُهُ أحد. وبديع في أفعاله فالإنسان أحيانا يأخذ احتياطات جمّة لكن يُفاجأ بتصرف لم يكُن في الحسبان، فالبديع إذاً اسمٌ من أسماء الله، اسم لِذاتِهِ و اسمٌ لِصفاته واسمٌ لأفعاله.
 التعاريف الدقيقة لهذا الاسم: مَن فعل فعْلاً لم يُسبق إليه قيل له: أبدع. وسُميّت البدعة بدعة لأنها لا أصل لها في الدين، وقد نقف وقفةً متأنية عِندَ البدعة.
 البدعة لها معنيان: معنىً لغوي، ومعنىً شرعي ؛ فالمعنى اللغوي كل شيء جديد اسمه بدعة، والمعنى الشرعي ؛ من أحدث في الدين ما ليس فيه فهو مُبتدع: من ابتدع شيئاً يُيَسِّر على المصلين صلاتهم فهو شيءٌ جيّد، فنْقلُ الصوت بدعة، لكنها تقدم خدمات جُلى لرواد المساجد. مثلا تدفئة المكان تدفئةً مركزيةً لم تكن من قبل هذه بدعة. تكييف المكان لم يكن من قبل هذه بدعة. فهناك بدعة حسنة ؛ حينما تُقدّم شيئاً مريحاً جيداً، يَحُلْ بعض مشكلات المجتمع، من دون أن يُخالف نصاً شرعياً فهذه بدعة حسنة. وأما البدعة السيئة فهي التي خالفت أمراً محرّماً فالبدعة اللغوية قد تكون صالحةً، وقد تكون طالحةً، وقد تكون حياديةً وقد تكون موقوفةً. ما معنى صالحة ؟ ما معنى طالحة ؟ ما معنى حيادية ؟ وما معنى موقوفة ؟ البدعة الموقوفة جهازٌ قد يُستخدم استخداماً جيداً، وقد يُستخدم استخداماً سيِّئاً ؛ فمثلا لو أنٌك اقتنيت آلة تصوير وصوَّرت بها بعض المناظر الطبيعية، كبعض أنواع الأشجار، وكنت جغرافياً، وصورت بعض أنواع الخُلْجان، وأنواع الجُزر، وألَّفت كتاباً ووضعته بين أيدي الطلاب ؛ فهذه الآلة استخدمتها في نقل مظاهر الطبيعة إلى كتب مدرسية، فهذه الآلة استخدمتها استخداماً مشروعاً ؛ فهي بدعة لكنَّ استخدامها الجيّد جعلها مقبولة. ولو أنٌك صوّرت بها مناظر لا تُرضي بها الله عزّ وجلّ وطبعتها وروّجتها ؛ فهذا شيءٌ مُحرّم.
 فإذاً هذه الآلة صالحة أو طالحة، وهذا موقوف على نوع استعمالها. وهناك بدعة حيادية ؛ لو اخترعت صنفاً من الطعام ؛ لو أضفت بعض التوابل إلى بعض المطعومات، وجعلت منه طبقاً لم يُصنع من قبل هذا لا حرام، ولا حلال ؛ مُباح، بدعة مُباحة. والبدعة المُحرّمة إذا اصطدمت مع نصٍ شرعيّ. وهذا كُلُهُ متعلّق في البدعة اللغوية ؛ يعني شيءٌ جديد لم يكن من قبل.  أقرب مثل أضربه دائماً ؛ أن يجلس العريس يوم عرسه على كرسي إلى جانب زوجته أمام المدعوات، الكاسيات العاريات، المائلات، المُميلات وهو مُسلم ؛ مُسلم يجلس أمام جمعٍ غفير من النساء الكاسيات العاريات المائلات المُميلات بحكم التقليد والعادة والضرورة، هذه بدعة مُحرّمة لأنها اصطدمت مع تحريم إطلاق البصر ومع تحريم إبداء الزينة أما إذا إنساناً وفرٌ لِرواد المسجد مايريحهم ؛ ولم يكن على عهد النبي كماءٍ ساخن في الشتاء، وماءٍ بارد في الصيف، فلم يكن على عهد النبي صلى الله عليه و سلم كذلك لا جامع مكيّف، ولا جامع مدفّأ تدفئةً مركزيةً، ولم يكن هذا الأثاث المريح.
 فهذه بدعة ؛ لكنها صالحة تقدم خدمات لرواد المساجد، فرضاً لو أنه اخترع جهازاً يحلُ بعض المشكلات في بيتك لا علاقة له بالحرام والحلال هذه بدعة لكنها بدعة حسنة، أمّا وأن يقف الزوج أمام المدعوات فهذه بدعة سيئة، إذاً هناك بدعة موقوفة على نوع استعمالها، وهناك بدعة مباحة، وهناك بدعة حياديّة لا علاقة لها بالحلال والحرام.
 والخلاصة إذاً أنّ عندنا بدعة موقوفة، وعندنا بدعة محرمة وبدعة حسنة هذه البدعة اللغوية ؛ ولكن دققوا في (لكن)! (لكن) إنّ البدعة في الدين حرام مائةً في المائة لماذا ؟ لأنّ الله عزّ وجلّ حينما قال:
﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ(3)﴾
(سورة المائدة)
 الدين تام وكامل ؛ والتمام من حيث العدد، والكمال من حيث النوع. يعني عدد القضايا التي عالجها الدين تام، ولا يقبل الدين موضوعا جديداً، وطريقة المعالجة التي عالجها الدين طريقة كاملة، ولا يقبل الدين تعديلاً طفيفاً لطريقة المعالجة من قوله:
﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا فَمَنْ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾
 فإذا ابتدعنا في الدين شيئاً ؛ إنْ في العقيدة، أو في العبادة، أو في المُعاملة، أو في الأخلاق، أو في السلوك ؛ فهذا بدعة محرّمة لقول النبي عليه الصلاة والسلام:
((عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ يَحْمَدُ اللَّهَ وَيُثْنِي عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ يَقُولُ مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْهُ فَلا هَادِيَ لَهُ إِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بدعة وَكُلُّ بدعة ضَلالَةٌ وَكُلُّ ضَلالَةٍ فِي النَّارِ ثُمَّ يَقُولُ بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ وَكَانَ إِذَا ذَكَرَ السَّاعَةَ احْمَرَّتْ وَجْنَتَاهُ وَعَلا صَوْتُهُ وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ كَأَنَّهُ نَذِيرُ جَيْشٍ يَقُولُ صَبَّحَكُمْ مَسَّاكُمْ ثُمَّ قَالَ مَنْ تَرَكَ مَالا فَلِأَهْلِهِ وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا فَإِلَيَّ أَوْ عَلَيَّ وَأَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ ))
(رواه الترمذي و أحمد)
 كُلَّ مُحدثةٍ بدعة وكُلَّ بدعة ضلالة وكُلَّ ضلالةٍ في النار، إذاً لدينا شيءٌ مهم جداً وهو أن الأديان قد تزوّر، المبادئ قد تزوّر، المذاهب قد تزوّر، الذي يضمن لي أنني وجهاً لوجه أمام دين جاءني كما نزل ؟ فما الذي يضمن لي أن أتعامل مع دين هو الآن كما جاء في أوّل عهده ؟ أشياءٌ ثلاثة: ألاّ يُضاف إليه شيءٌ ؛ وألاّ يُحذف منه شيءٌ ؛ وألاّ يُؤوّل تأويلاً ما أراده المشرِّع. إذا ألغيت التأويل الفاسد، وألغيت إضافة البِدع، وألغيت حذف الأصول، فقد ضمنت أن يستمرّ الدين كما بدأ.
 نحن كما تعلمون أيها القراء الكرام: إذا تحدثنا عن حظِّ العبد اسم الرحمن الرحيم، فالعبد له حظ أن يكون رحيماً لقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم:
(( تَخَلَّقُوا بِأَخْلاَقِ اللَّهِ ))
 فحينما ندعو المؤمن أن يكون حليماً، ورحيماً، وعادلاً وعالماً ؛ هذه دعوة للتخّلُق بأخلاق الله. ولكن في هذا الاسم بالذات الدعوة المعاكَسَة، الدعوة ألاّ تكون مبتدعاً إن في عقيدتك، وإن في عبادتك، وإن في دعوتك، وإلاّ في سلوكك، وحينما تبتدع شيئاً لابُد من أن يكون هذا على حساب السنة تترك شيئاً وتأخذ شيئاً مكانه ؛ لأنّ المُسلم تَسَعَهُ السُنّة ولا تستهويه البدعة. البدعة كما قال العلماء: " ماليس لها أصل في كتاب الله، ولا في سنة رسوله ولا في إجماع الأمّة "، فمثلاً دعوة إلى الله أساسها أن تأتي بسيخ وأن تطعن به جسمك ليخرج من الطرف الآخر ؛ فإذا فعلت هذا صدّق الناس دعوتك ؟ فهل فعل هذا النّبي؟ هل ورد هذا في القرآن الكريم؟ هل ورد هذا في سنة النّبي ؟ هل ورد هذا في سيّر الصحابة ؟ هل ورد هذا في إجماع الأئِمة ؟ لا إذاً هي بدعة، وهذه الطريقة في الدعوة إلى الله بدعة يجب أن تُجتنب. فالبدعة ما ليس لها أصل في كتاب الله، ولا في سُنّةِ رسوله، ولا في إجماع المؤمنين يقول الله عزّ وجل:
﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)﴾
(سورة النور)
﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)﴾
 إذا خالفت أمره، وقعت في فتنة الابتداع. وسيدنا الصديّق رضي الله عنه يقول " إنما أنا متبع ولست بمبتدع "، وبعضهم قال نصائح ثلاث لو أردت أن تكتبها على ظفر لوسعها: اتبع لا تبتدع، اتضع لا ترتفع، الورِع لا يتسع. البذخ والترف وإنفاق المال من دون جدوى ؛ هذا من صفة الكُفار، لكنّ المؤمنين يقتصدون في كسب مالهم، وفي إنفاق مالهم.
﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)﴾
 ويقول الله عز وجل:
﴿وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا﴾
(الآية 54 من سورة النور)
 والله عز وجل يقول في آية ثالثة:
﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾
(الآية 21 من سورة الأحزاب)
 الأسوة الحسنة: أيْ اتباع السُنّة ؛ اقتدِ به في كل أطوار حياتك أي طبّق سنته، مَنْ أمَّرَ السُنةَ على نفسه قولاً وفعلاً، ونَطَقَ بالحِكمة، فقد اتّبَعَ السُنّة، وجعل النّبي عليه الصلاة والسلام أسوةً له. ومَن أمّر الهوى على نفسه نطق بالبدعة. لذلك أصحاب البِدع يُقال لهم أصحاب الأهواء إما أن تُحكِّم سُنّة النبي في حياتك، وإما أن تُحكِّم الهوى ؛ إذا حكَّمت الهوى، أصبحت مُبتدعاً، وخرجت عن طريقة الرسول عليه الصلاة والسلام. وإذا حكَّمت السنة في أفعالِك وأقوالِك وسيرتك. فقد كنت مقتدياً بِهدي النّبي صلى الله عليه و سلّم. لا تنسوا أنَّ النّبي عليه الصلاة و السلام يقول:
(( قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا بُنَيَّ إِنْ قَدَرْتَ أَنْ تُصْبِحَ وَتُمْسِيَ لَيْسَ فِي قَلْبِكَ غِشٌّ لأَحَدٍ فَافْعَلْ ثُمَّ قَالَ لِي يَا بُنَيَّ وَذَلِكَ مِنْ سُنَّتِي وَمَنْ أَحْيَا سُنَّتِي فَقَدْ أَحَبَّنِي وَمَنْ أَحَبَّنِي كَانَ مَعِي فِي الْجَنَّةِ ))
(رواه الترمذي)
(( فمن أحّب سنتي فقد أحبني و من أحبني كان معي في الجنّة ))
 بعض العارفين يقول: " أصول ديننا ثلاثة أشياء ؛ الاقتداء بالنّبي صلى الله عليه وسلّم في الأخلاق والأفعال، والأكل من الحلال، وإخلاص النيّة في جميع الأعمال " وحينما قال الله عزّ وجلّ:
﴿وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (48)﴾
(سورة آل عمران)
 الحِكمةُ: هي السُنّة. يُعلِمُه الكِتاب والحِكمة فالكتاب الأمر الإلهي، أمّا السُنّة كيف طبّق النّبي عليه الصلاة والسلام هذا الأمر الإلهي. وقال بعضهم في قوله تعالى:
﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾
(الآية 10 من سورة فاطر)
 ما هو العمل الصالح ؟ قال بعضهم: الاقتداء برسول الله ؛ العمل الصالح هو أن تقتديَ برسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وبعضهم قال: عمل قليل في سُنّةٍ خير من اجتهاد كثير في بدعة.
 أيها القارئ الكريم: إذا كان الله سبحانه و تعالى بديع السماوات والأرض، هو الذي خلق السماوات والأرض على غير صورة سابقة ومن دون أن يعلِّمه أحد، ابتدع ذوات الأشياء، وابتدع صفات الأشياء وابتدع خصائص الأشياء، وابتدع أحجامها، وأشكالها، وألوانها وحركتها، وسكونها، وابتدع الإنسان، وما حوله من حيوان، وما حوله من نبات، وأشكال لا تُعدّ ولا تُحصى ؛  من خلال تأمُلِكَ لآيات الله في الكون، تستنبط أن الله بديع السماوات والأرض. ويجب أن تعلم أيضاً أن الله سبحانه و تعالى واحدٌ في ذاته، معنى البديع: يعني الذي لا مثيل له والذي لا مُشابه له، والذي ليس كمثله شيء، ليس له مثل لا في ذاته ولا في صفاته، ولا في أفعاله، ولا في خلقه.
 ومن ثم فما حظّ العبد من هذا الاسم ؛ ألاّ يكون مُبتدعاً. لكن هناك نقطة دقيقة جداً أتمنى أن نقف عندها قليلاً، الإنسان مُكرّم عند الله عزَّ وجلّ ومن علامات تكريمه عند الله عزَّ وجلّ ؛ أنّه خلقه فرداً لا مُشابِه له، وأنّه سَمَحَ له أن يكون مُشرِّعاً عن طريق ماذا ؟ عن طريق الآيات ذات الطابع الاحتمالي أو الآيات الظنيّة الدلالة ؛ فالعلماء يجتهدون في فهم هذه الآية ذات الدلالة الظنيّة، إذاً كأنّ الإنسان سُمح له أن يُشرّع، أن يجتهد. أن يكون الإنسان مُجتهداً هذا من تكريم الله عزَّ وجلّ. وهو فردٌ لا مثيل له هذا من تكريم الله عزَّ وجلّ، وأن يُعطى الإنسان حُريّة الإرادة وهذا تكريمٌ من الله عزَّ وجلّ، ومن أنواع تكريم الله عزَّ وجلّ أنَّ طبيعة خلق اللّه عزَّ وجلّ- الآن دخلنا في ما له علاقة وشجية بالبحث طبيعة خلق اللّه عزّ وجلّ تُمكّن الإنسان من أن يُبدع في الخلق، فالآن يُقال لك هذا النبات هجين ؛ ما معنى هجين ؟ يعني هناك مخابر مستواها رفيع جداً يأخذون نباتاً ذا خصائص معينّة وِيُزاوِجُونَه بنبات آخر له خصائص معينّة يُنتج نباتاً ثالثاً بخصائص تجمع خصائص النباتين ثمّ يزاوجونه بنبات آخر إلى أن يصلوا إلى أصناف نادرة جداً.
 طريقة الخلق، أو تصميم الخلق يُتيح للإنسان أن يبتدع، لقد سمعت أن هناك بقراً شامياً أصيلاً، البقرة الشامية معروفة، وهناك بقر هولندي، من تهجين هذين النوعين وُلدَ صنف يقدّم في اليوم ما يزيد عن ستين كيلواً من الحليب ! أليس هذا إبداعاً ؟ فالله عزَّ وجلّ فيما يخص موضوع الحيوانات، موضوع النباتات أطلق يد الإنسان لتبدع، فهناك أشجار مقزّمة، شجر أرزّ كبير مقزّم في أصيص صغير، الآن هُناك أشجار مثمرة مقزّمة، الآن دخلت والقارئ الكريم في موضوع ؛ يتصل بموضوعنا من باب واحد، أنَّ من تكريم اللّه لهذا الإنسان أنْ مكَّنهُ مِن أنْ يُبدع، وهذا في الخلق، أمّا أن يبتدع في الدين ؛ فهذا محرّم لأنّ الدين كاملٌ. والدين توقيفي، فالدين هو ما جاء به النّبي ومن بعد وفاة النبي انقطع الوحي.
 فنحن مسموح لنا أن نُبدع في الخلق، وليس مسموحاً لنا أن نُبدع في الدين ؛ لأنَّ البدعة في الدين هي ضلالة قولاً واحداً ؛ كلُّ بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، كل مُحدثةٍ بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. يقول عليه الصّلاة و السّلام:
((عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ خَالَفَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا خَلَعَ رِبْقَةَ الإِسْلامِ مِنْ عُنُقِهِ ))
(رواه أحمد)
 هل يوجد ابتداع هنا ؟ من خالف الجماعة شبراً، هناك آية أخرى هي أصلٌ في إجماع المسلمين، أتعرفونها ؟ هي قوله تعالى:
﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً (115)﴾
(سورة النساء)
 فمن خالف الجماعة شبراً، فقد خَلِعَ رِبقة الإسلام من عنقه. وقال ابن عبّاس: " ما أتى على الناس عام إلاّ أحدثوا فيه بدعة، وأماتوا فيه سنّةً "
 يعني كلما جاءنا عام أُحدثت بدعة وأُميتت سنّة، إلى أن تصل إلى وقت والعياذ باللّه كُلُهُ بِدع و حقيقة الدين خافية على معظم النّاس. أحياناً تجد من يرقص بثياب فضفاضة والطرابيش على الرؤوس فهل هذا من الدّين ؟! يموت شخص فيؤتي بفرقة الميلاوية ! وعملها وهذا رقص أحياناً نجد في مجالس الذّكر ما أنزل الله بها من سلطان ابتداع في ابتداع، أهكذا فعل النّبي عليه الصّلاة والسّلام ؟ أحياناً يصبح الدّين عند بعضهم أنغاماً، وعند بعضهم رقصاً، وعند بعضهم سلوكاًغريباً، وعند بعضهم تمتمات، وعند بعضهم خزعبلات، أهذا هو الدّين ؟!
 أيّها القراء الكرام: البطولة أن تتعرّف إلى الدّين من ينابيعه الأصيلة وهي القرآن والسنّة ؛ فأي شيء جاءنا عن غير هذا الطريق فهو بدعة، ولاشك أَنّ هذا العِلم دين فانظروا عمّن تأخذون دينكم ولينظر أحد أنه راجع إلى الله شاء أم أبى فليحذر.
﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24)﴾
( سورة الصافات: 24 )
 والسؤال عسير، والموقف رهيب.
 ورد في بعض الأحاديث:
(( من مشى إلى صاحب بدعة ليُوقِّره فقد أعان على هدم الإسلام ))
 وقيل أيضاً:
((عَنْ أَيُّوبَ قَالَ قَالَ أَبُو قِلابَةَ لا تُجَالِسُوا أَهْلَ الأَهْوَاءِ وَلا تُجَادِلُوهُمْ فَإِنِّي لا آمَنُ أَنْ يَغْمِسُوكُمْ فِي ضَلالَتِهِمْ أَوْ يَلْبِسُوا عَلَيْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْرِفُونَ ))
 لا تجالس أهل الأهواء المبتدعين الذّين أحدثوا في الدّين ماليس فيه لأنّ سيّدنا الصدّيق رضي الله عنه كما قال عليه الصّلاة والسّلام:
(( لَوْ وُزِنَ إيمَانُ أَبي بَكْرٍ بِإيمَانِ أَهْلِ الأَرْضِ لَرَجَحَ بِهِمْ ))
(رواه البيهقي في الشُعب)
 وقال:
((عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ عُمَرُ لأَبِي بَكْرٍ يَا خَيْرَ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ أَمَا إِنَّكَ إِنْ قُلْتَ ذَاكَ فَلَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ عَلَى رَجُلٍ خَيْرٍ مِنْ عُمَرَ ))
(رواه الترمذي)
 " ما طَلَعت شمسٌ على رجلٍ بعد نبيٍّ أفضل من أبي بكر" ومع ذلك ماذا قال سيّدنا الصدّيق "؟ قال: " إنّني متّبع ولست بمبتدع - في خطبته الأولى - لقد وُلّيت عليكم ولست بخيركم إنْ أحسنت فأعينوني وإن أَسَأْت فقوِّموني إنّما أنا متّبع ولست بمبتدع ".
 إذاً ينبغي أن نتّبع النّبي عليه الصّلاة والسّلام، ولْنُراقب سلوكنا أيّة بدعة تأتينا يجب أن نسأل عن أصلها ؛ فإن لم يكن لها أصل فهي بدعة مردودة لا نقبلها. وقد قال بعض العلماء: " من داهن مبتدعاً سلبه الله تعالى حلاوة السُّنَن "؛ أي شخص مُبتدع بعقيدته، مُبتدع بسلوكه، مُبتدع بعبادته، حذف أشياء، وأضاف أشياء، وبالغ بأشياء، وأخفى الأشياء، وصار مبتدعاً، قال: "من داهن مبتدعاً سَلبه الله تعالى حلاوة الإيمان "، بل إنّه من ضَحِكَ إلى مُبتدع، نَزَعَ الله تعالى منه نور الإيمان مِن قلبه. من ضَحِكَ له، من جالسه، من داهنه، من صاحبه، وقال: من استهان بأدب من آداب الإسلام، عوقب بحرمان السنّة.
 إذاً نحن في كل أسماء اللّه الحسنى ؛ حظُّنا منها أن نتخلّق بأخلاق اللّه، إلاّ في هذا الاسم حظُّنا منه ألاّ نبتدع في دينه شيئاً، سمح لنا أن نبتدع في الزّراعة، في النبات، في الحيوان، في خلط الألوان أحياناً في صهر المعادن، فمثلاً نحن بحاجة لمعدن خفيف جداً متين جداً ممكن أن نصنع هذا المعدن من خلط بعض المعادن، معدن خليط، أيُّ خلائط فهذه كلها ابتداع. إبداع: اختراع يعني أنَّ اللّه عزَّ وجلّ أعطى الأشياء خصائص، وسَمَحَ بالتّزاوج، وسَمَحَ بالتفاعل والاندماج، إذاً الإبداع في الصناعة والزراعة من فضل الله علينا ؛ مثلاً تقولون هذا البطيخ الأناناس، هذا بطيخ مُطعّم على نوع لم يكن من قبل. لقد صار هناك تهجين، عملية التهجين في النبات، والحيوان ماهي في الحقيقة إلاّ نوع من الابتداع. لكن الله عزَّ وجلّ لِوجود خصائص لكل نبات ولتصميم النبات بحيث يتزاوج سَمَحَ بالابتداع. أمّا في التّشريع، وفي الدين الابتداع كلّه حرام، قال العلماء: " من استهان بالفرائض قيّض اللّه له مبتدعاً يذكر عنده باطلاً فيُوقِع في قلبه شبهةً ".
 وختام المطاف:
﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31)﴾
(سورة آل عمران)
 فأنت قد تكون محقاً في تعاملك مع الأشخاص قد تقول عن شخص: بأبسط عبارة لعله غلطان، لعله مُخطئ، وأنا لا أتورّط معه ؛ فهذا شيء جميل. لكنّك إذا ثَبُتَ لك نص عن اللّه عزَّ وجلّ، فالله عزّ وجل كتابه حقّ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. إذا ثَبتت لك عن النّبي صلى الله عليه وسلم سُنّة صحيحة ؛ النّبي معصوم. يعني أنت لك جهتان يُمكن أن تطمئنّ إليهما ؛ كتاب اللّه، وسُنّة رسوله. وما سِوى ذلك موقوف على موافقته لكتاب الله و سُنّة رسوله.
 كنت ولا زلت أضرب أمثلة دقيقة من أنّك أمام ثلاثة نصوص في حياتك ؛ لو امتدت بك الحياة قروناً طويلة فلن تتبدل ولن تتغير: أمام ثلاثة نصوص، فقط نص للّه عزَّ وجلّ كتابه، ونص لرسوله، ونص لغير رسول الله ؛ أي إنسان كان، إذاً هناك نص للّه خالق الكون وهو القرآن. ونص لرسوله المعتمد وهو النّبي عليه الصّلاة والسّلام. ونصّ لأي مخلوق بعد النّبي. عالم كبير، فهيم، مثقّف، غير مثقّف، شيخ، عَلَم من أعلام الأُمّة، أيُّ إنسان ليس النّبي ؛ فهو صنف ثالث. أنت مع القرآن ليس لك إلاّ أن تفهمه لأنّه قطعّي الثبوت، ومع السُنّة ليس لك إلاّ أن تتحقق من صحّتها، لأنّ الحديث ظنّي الثبوت، وليس لك إلاّ أن تفهمه، ولكنّك فيما سِوى هذين النّصين، ولِيكُن مَن كان القائل، فعليك أن تتحقق من صِحّته وأن تحاول فهمه كما أراد صاحبه، وأن تُقيّمه بالكتاب والسُنّة، هذا هو الدّين هذا هو المقياس. إذاً فهذا البحث قادنا إلى موضوع البِدع فنحن يجب أن نتوقّع أيّة بدعة دخلت على الدّين في غفلة الزمان ونحذر كل الحذر أنت بحاجة إلى مقياس، وبحاجة إلى مراجعة لكل معلوماتك، ولكل خِبراتك، وقياسه بالكتاب والسُنّة. أرجو الله سبحانه وتعالى أن أكون وفَّيْت بعض الشيء من مناقشة موضوع هذا الاسم وبيانه حقيقته.
 وكخلاصة مُوجِزَةٍ للبحث أعود فأقول: لقد تحدثت في الصفحات السابقة عن اسم " البديع" فالله سبحانه وتعالى أبدع السماوات و الأرض جُملةً وتفصيلاً، خصائص ماديّة خصائص معنويّة، على غير مثال سابق، ومن دون تعليم من أحد ابتدع الكون كله، وهو بديع، أي فرد في ذاته وفرد في صفاته، وفرد في أفعاله، وفرد في تشريعه، والإنسان له أن يبتدع في الخلق، في التصنيع، وفي مجال الزراعة كذلك في ما سمح الله به أن يفعله، ولكنه بالتأكيد ليس له أن يبتدع في التشريع ؛ لأنَّ كل مُحدثةٍ بدعة، وكُلَّ بدعة ضلالة، وكُلَّ ضلالة في النار. وفرّقنا بينَ البدعة بمعناها اللغوي، وبين البدعة بمعناها الديني والتي يؤكدها قول النبي عليه الصلاة والسلام:
((عَنِ الْمُنْذِرِ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً فَعُمِلَ بِهَا كَانَ لَهُ أَجْرُهَا وَمِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا لا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا وَمَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعُمِلَ بِهَا كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ لا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا ))
(رواه مسلم)
 وأمّا البدعة في الدين فسواء أن تُحدث في العقيدة، أو في العبادة أو في معاملات، أو في سُنن النبي المصطفى عليه الصلاة والسلام ما ليس فيها ؛ فهي محرمة قولاً واحداً