الخميس، 15 مارس 2012

موسوعة الفقه : باب الشركة

الشركة

تعريفها:
الشركة هي الاختلاط.
ويعرفها الفقهاء بأنها عقد بين المتشاركين في رأس المال والربح.

.مشروعيتها:
وهي مشروعة بالكتاب والسنة والاجماع.
ففي الكتاب يقول الله سبحانه: {فهم شركاء في الثلث}.
وقوله سبحانه: {وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم}، والخلطاء هم الشركاء.
وفي السنة يقول الرسول، صلوات الله وسلامه عليه: إن الله تعالى يقول: «أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه فإن خان أحدهما صاحبه خرجت من بينهما». رواه أبو داود عن أبي هريرة.
وقال زيد: كنت أنا والبراء شريكين. رواه البخاري.
وأجمع العلماء على هذا ذكر ذلك ابن المنذر.

.أقسامها:
والشركة قسمان:

القسم الأول: شركة أملاك.
والقسم الثاني: شركة عقود.

.شركة الأملاك:
وهي أن يتملك أكثر من شخص عينا من غير عقد.
وهي إما أن تكون اختيارية أو جبرية: فالاختيارية، مثل أن يوهب هبة أو يوصى لهما بشئ فيقبلا فيكون الموهوب والموصى به ملكا لهما على سبيل المشاركة.
وكذلك إذا اشتريا شيئا لحسابهما فيكون المشترى شركة بينهما شركة ملك.
والجبرية: هي التي تثبت لاكثر من شخص جبرا دون أن يكون فعل في إحداث الملكية كما في الميراث.
فإن الشركة تثبت للورثة دون اختيار منهم، وتكون شركة بينهم شركة ملك.
حكم هذه الشركة: وحكم هذه الشركة أنه لا يجوز لاي شريك أن يتصرف في نصيب صاحبه بغير إذنه، لأنه لا ولاية لاحدهما في نصيب الاخر، فكأنه أجنبي.

.شركة العقود:
هي أن يعقد اثنان فأكثر عقدا على الاشتراك في المال وما نتج عنه من ربح.

.أنواعها:
وأنواعها كما يلي:
1- شركة العنان.
2- شركة المفاوضة.
3- شركة الابدان.
4- شركة الوجوه.

.ركنها:
وركنها الايجاب والقبول، فيقول أحد الطرفين: شاركتك في كذا وكذا، ويقول الثاني: قبلت.

.حكمها:
أجاز الأحناف كل نوع من أنواع الشركات السابقة متى توفر فيها الشروط التي ذكروها.
والمالكية أجازوا كل الشركات، ما عدا شركة الوجوه.
والشافعية أبطلوها كلها ما عدا شركة العنان.
والحنابلة أجازوها كلها ما عدا شركة المفاوضة.

.شركة العنان:
وهي أن يشترك اثنان في مال لهما على أن يتجرا فيه والربح بينهما، ولا يشترط فيها المساواة في المال ولا في التصرف ولا في الربح. فيجوز أن يكون مال أحدهما أكثر من الاخر. ويجوز أن يكون أحدهما مسئولا دون شريكه. ويجوز أن يتساويا في الربح. كما يجوز أن يختلفا حسب الاتفاق بينهما. فإذا كان ثمة خسارة فتكون بنسبة رأس المال.

.شركة المفاوضة:
هي التعاقد بين اثنين أو أكثر على الاشتراك في عمل بالشروط الاتية:
1- التساوي في المال، فلو كان أحد الشركاء أكثر مالا فإن الشركة لا تصح.
2- التساوي في التصرف، فلا تصح الشركة بين الصبي والبالغ.
3- التساوي في الدين، فلا تنعقد بين مسلم وكافر.
4- أن يكون كل واحد من الشركاء كفيلا عن الاخر فيما يجب عليه من شراء وبيع كما أنه وكيل عنه، فلا يصح أن يكون تصرف أحد الشركاء أكثر من تصرف الاخر.
فإذا تحققت المساواة في هذه النواحي كلها انعقدت الشركة وصار كل شريك وكيلا عن صاحبه وكفيلا عنه يطالب بعقده صاحبه، ويسأل عن جميع تصرفاته.
وقد أجازها الحنفية والمالكية ولم يجزها الشافعي، وقال: إذا لم تكن شركة المفاوضة باطلة فلا باطل أعرفه في الدنيا لأنها عقد لم يرد الشرع بمثله.
وتحقق المساواة في هذه الشركة أمر عسير لما فيها من غرر وجهالة. وما ورد من الحديث: «فاوضوا فإنه أعظم للبركة» وقوله: «إذا تفاوضتم فأحسنوا المفاوضة» فإنه لم يصح شيء من ذلك.
وصفتها عند الإمام مالك: هي أن يفوض كل واحد منهما إلى الاخر التصرف مع حضوره وغيبته، وتكون يده كيده.
ولا يكون شريكه إلا بما يعقدان الشركة عليه.
ولا يشترط المفاوضة أن يتساوي المال ولا أن لا يبقي أحدهما مالا إلا ويدخله في الشركة.

.شركة الوجوه:
هي أن يشتري اثنان فاكثر من الناس دون أن يكون لهم رأس مال اعتمادا على جاههم وثقة التجار بهم، على أن تكون الشركة بينهما في الربح، فهي شركة على الذمم من غير صنعة ولا مال.
وهي جائزة.
عند الحنفية والحنابلة لأنها عمل من الاعمال فيجوز أن تنعقد عليه الشركة ويصح تفاوت ملكيتهما في الشئ المشترى.
وأما الربح فيكون بينهما على قدر نصيب كل منهما في الملك.
وأبطلها الشافعية والمالكية، لأن الشركة إنما تتعلق بالمال أو العمل، وهما هنا غير موجودين.

.شركة الأبدان:
هي أن يتفق اثنان على أن يتقبلا عملا من الاعمال على أن تكون أجرة هذا العمل بينهما حسب الاتفاق.
وكثيرا ما يحدث هذا بين النجارين والحدادين والحمالين والخياطين والصاغة وغيرهم من المحترفين.
وتصح هذه الشركة سواء اتحدث حرفتها أم اختلفت كنجار مع نجار أو نجار مع حداد.
وسواء عملا جميعا أو عمل أحدهما دون الاخر، منفردين ومجتمعين. وتسمى هذه الشركة بشركة الاعمال أو الابدان أو الصنائع أو التقبل.
ودليل جواز هذه الشركة ما رواه أبو عبيدة عن عبد الله قال: «اشتركت أنا وعمار وسعد فيما نصيب يوم بدر، قال: فجاء سعد بأسيرين ولم أجئ أنا وعمار بشئ». رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه.
ويرى الشافعي أن هذه الشركة باطلة، لأن الشركة عنده تختص بالأموال لا بالاعمال.
وفي كتاب الروضة الندية كلام حسن في هذا الموضوع نورده فيما يلي: واعلم أن هذه الاسامي التي وقعت في كتب الفروع لانواع من الشركة: كالمفاوضة، والعنان، والوجوه، والابدان، لم تكن أسماء شرعية ولا لغوية، بل اصطلاحات حادثة متجددة، ولا مانع للرجلين أن يخلطا ماليهما ويتجرا كما هو معنى المفاوضة المصطلح عليها، لأن للمالك أن يتصرف في ملكه كيف يشاء ما لم يستلزم ذلك التصرف محرما مما ورد الشرع بتحريمه، وإنما الشأن في اشتراط استواء المالين وكونهما نقدا واشتراط العقد، فهذا لم يرد ما يدل على اعتباره بل مجرد التراضي بجمع المالين والاتجار بهما كاف.
وكذلك لا مانع من أن يشترك الرجلان في شراء شيء بحيث يكون لكل واحد منهما نصيب منه بقدر نصيبه من الثمن، كما هو معنى شركة العنان اصطلاحا، وقد كانت هذه الشركة ثابتة في أيام النبوة ودخل فيها جماعة من الصحابة فكانوا يشتركون في شراء شيء من الاشياء ويدفع كل واحد منهم نصيبا من قيمته يتولى الشراء أحدهما أو كلاهما.
وأما اشتراط العقد والخلط فلم يرد ما يدل على اعتباره.
وكذلك لا بأس أن يوكل أحد الرجلين الاخر أن يستدين له مالا ويتجر فيه ويشتركا في الربح كما هو معنى شركة الوجوه اصطلاحا.
ولكن لا وجه لما ذكروه من الشروط.
وكذلك لا بأس بأن يوكل أحد الرجلين الاخر في أن يعمل عنه عملا استؤجر عليه كما هو معنى شركة الابدان اصطلاحا.
ولا معنى لاشتراط شروط في ذلك.
والحاصل أن جميع هذه الانواع يكفي في الدخول فيها مجرد التراضي، لأن ما كان منها من التصرف في الملك فمناطه التراضي ولا يتحتم اعتبار غيره.
وما كان منها من باب الوكالة أو الاجارة فيكفي فيه ما يكفي فيهما، فما هذه الانواع التي نوعوها والشروط التي اشترطوها؟ وأي دليل عقلي أو نقلي ألجأهم إلى ذلك؟
فإن الأمر أيسر من هذا التهويل والتطويل، لأن حاصل ما يستفاد من شركة: المفاوضة، والعنان، والوجوه، أنه يجوز للرجل أن يشترك هو وآخر في شراء شيء وبيعه، ويكون الربح بينهما على مقدار نصيب كل واحد منهما من الثمن، وهذا شيء واحد واضح المعنى يفهمه العامي فضلا عن العالم، ويفتي بجوازه المقصر فضلا عن الكامل، وهو أعم من أن يستوي ما يدفعه كل واحد منهما من الثمن أو يختلف، وأعم من أن يكون المدفوع نقدا أو عرضا، وأعم من أن يكون ما اتجرا به جميع مال كل واحد منهما أو بعضه، وأعم من أن يكون المتولي للبيع والشراء أحدهما أو كل واحد منهما.
وهب أنهم جعلوا لكل قسم من هذا الاقسام - التي هي في الاصل شيء واحد - اسما يخصه، فلا مشاحة في الاصطلاحات، لكن ما معنى اعتبارهم لتلك العبارات، وتكلفهم لتلك الشروط، وتطويل المسافة على طالب العلم وإتعابه بتدوين ما لا طائل تحته؟ وأنت لو سألت حراثا أو بقالا عن: جواز الاشتراك في شراء الشئ وفي ربحه، لم يصعب عليه أن يقول: نعم ولو قلت له: هل يجوز العنان أو الوجوه أو الابدان؟ لحار في فهم معاني هذه الالفاظ.
بل قد شاهدنا كثيرا من المتبحرين في علم الفروع يلتبس عليه الكثير من تفاصيل هذه الانواع ويتلعثم إن أراد تمييز بعضها من بعض.
اللهم إلا أن يكون قريب عهد بحفظ مختصر من مختصرات الفقه، فربما يسهل عليه ما يهتدى به إلى ذلك.
وليس المجتهد من وسع دائرة الاراء العاطلة عن الدليل، وقبل كل ما يقف عليه من قال وقيل، فإن ذلك هو دأب أسراء التقليد، بل المجتهد من قرر الصواب، وأبطل الباطل، وفحص في كل مسألة عن وجوه الدلائل، ولم يحل بينه وبين الصدع بالحق مخالفة من يخالفه ممن يعظم في صدور المقصرين، فالحق لا يعرف بالرجال.
ولهذا المقصد سلكنا في هذه الابحاث مسالك لا يعرف قدرها إلا من صفى فهمه عن التعصبات، وأخلص ذهنه عن الاعتقادات المألوفات. والله المستعان. اهـ.

.شركة الحيوان:
ويرى ابن القيم جواز المشاركة في الحيوان بأن تكون العين مملوكة لشخص ويقوم الاخر على تربيتها على أن يكون الربح بينهما حسب الاتفاق.
قال في إعلام الموقعين: تجوز المغارسة عندنا على شجر الجوز وغيره، بأن يدفع إليه أرضه ويقول: اغرسها من الاشجار كذا وكذا، والغرس بيننا نصفان، وهذا كما يجوز أن يدفع إليه ماله يتجر فيه والربح بينهما نصفان، وكما يدفع إليه أرضه يزرعها والزرع بينهما، وكما يدفع إليه شجره يقوم عليه والثمر بينهما، وكما يدفع إليه بقره أو غنمه أو إبله يقوم عليها والدر والنسل بينهما، وكما يدفع إليه زيتونه يعصره والزيت بينهما، وكما يدفع إليه دابته يعمل عليها والاجرة بينهما، وكما يدفع إليه فرسه يغزو عليها وسهمها بينهما، وكما يدفع إليه قناة يستنبط ماءها والماء بينهما، ونظائر ذلك، فكل ذلك شركة صحيحة قد دل على جوازها النص والقياس واتفاق الصحابة ومصالح الناس، وليس فيها ما يوجب تحريمها من كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قياس، ولا مصلحة ولا معنى صحيح يوجب فسادها، والذين منعوا ذلك عذرهم أنهم ظنوا ذلك كله من باب الاجارة، فالعوض مجهول فيفسد.
ثم منهم من أجاز المساقاة والمزارعة للنص الوارد فيها والمضاربة للاجماع دون ما عدا ذلك، ومنه من خص الجواز بالمضاربة، ومنهم من جوز بعض أنواع المساقاة والمزارعة، ومنه من منع الجواز فيما إذا كان بعض الاصل يرجع إلى العامل كقفيز الطحان وجوزه فيما إذا رجعت إليه الثمرة مع بقاء الاصل كالدر والنسل، والصواب جواز ذلك كله، وهو مقتضى أصول الشريعة وقواعدها، فإنه من باب المشاركة التي يكون العامل فيها شريك المالك: هذا بماله وهذا بعمله، وما رزق الله فهو بينهما، وهذا عند طائفة من أصحابنا أولى بالجواز من الاجارة، حتى قال شيخ الإسلام: هذه المشاركات أحل من الاجارة.
قال: لأن المستاجر يدفع ماله وقد يحصل له مقصوده وقد لا يحصل، فيفوز المؤجر بالمال والمستأجر على الخطر، إذا قد يكمل الزرع وقد لا يكمل، بخلاف المشاركة، فإن الشريكين في الفوز وعدمه على السواء، إن رزق الله الفائدة كانت بينهما، وإن منعها استويا في الحرمان، وهذا غاية العدل، فلا تاتي الشريعة بحل الاجارة وتحريم هذه المشاركات.
وقد أقر النبي، صلى الله عليه وسلم، المضاربة على ما كانت عليه قبل الإسلام، فضارب أصحابه في حياته وبعد موته، وأجمعت عليها الأمة، ودفع خيبر إلى اليهود يقومون عليها ويعمرونها من أموالهم بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع، وهذا كانه رأي عين، ثم لم ينسخه ولا ينه عنه ولا امتنع منه خلفاؤه الراشدون وأصحابه بعده، بل كانوا يفعلون ذلك بأراضيهم وأموالهم، يدفعونها إلى من يقوم عليها بجزء مما يخرج منها، وهم مشغولون بالجهاد وغيره، ولم ينقل عن رجل واحد منهم المنع، إلا فيما منع منه النبي، صلى الله عليه وسلم، ثم قال: فلا حرام إلا ما حرمه الله ورسوله، والله ورسوله لم يحرم شيئا من ذلك، وكثير من الفقهاء يمنعون ذلك، فإذا بلي الرجل بمن يحتج في التحريم بأنه هكذا في الكتاب وهكذا قالوا، ولا يدله من فعل ذلك، إذ لا تقوم مصلحة الأمة إلا به، فله أن يحتال على ذلك بكل حيلة تؤدي إليه، فإنها حيل تؤدي إلى فعل ما أباحه الله ورسوله ولم يحرمه على الأمة.

بعض صور من الشركات الجائزة:
أورد ابن قدامة بعض صور من الشركات الجائزة، فقال في المغني:
فإن كان لقصار أداة ولاخر بيت، فاشتركا على أن يعملا بأداة هذا في بيت هذا والكسب بينهما، جاز، والاجرة على ما شرطاه، لأن الشركة وقعت على عملهما والعمل يستحق به الربح في الشركة، والالة والبيت لا يستحق بهما شيء لأنهما يستعملان في العمل المشترك، فصارا كالدابتين اللتين أجراهما لحمل الشئ الذي تقبلا حملا.
وإن فسدت الشركة قسم ما حصل لهما على قدر أجر عملهما وأجر الدار والالة، وإن كانت لاحدهما آلة وليس للاخر شئ، أو لاحدهما بيت وليس للاخر شئ، فاتفقا على أن يعملا بالالة أو في البيت والاجرة بينهما، جاز لما ذكرناه.
قال: وإن دفع رجل دابته إلى آخر ليعمل عليها وما يرزق الله بينهما نصفين أو أثلاثا أو كيفما شرطا، صح، نص عليه في رواية الاثرم ومحمد بن أبي حرب وأحمد بن سعيد، ونقل عن الاوزاعي ما يدل على هذا وكره ذلك الحسن والنخعي.
وقال الشافعي وأبو ثور وابن المنذر وأصحاب الرأي: لا يصح، والربح كله لرب الدابة لأن الحمل الذي يستحق به العوض منها وللعامل أجر مثله، لأن هذا ليس من أقسام الشركة، إلا أن تكون المضاربة، ولا تصح المضاربة بالعروض، ولان المضاربة تكون بالتجارة في الاعيان وهذه لا يجوز بيعها ولا إخراجها عن ملك مالكها.
وقال القاضي: يتخرج أن لا يصح، بناء على أن المضاربة بالعروض لا تصح، فعلى هذا: إن كان أجر الدابة بعينها فالاجر لمالكها، وإن تقبل حمل شيء فحمله عليها أو حمل عليها شيئا مباحا فباعه، فالاجرة والثمن له، وعليه أجرة مثلها لمالكها.
ولنا انها عين تنمى بالعمل عليها فصح العقد عليها ببعض نمائها، كالدراهم والدنانير، وكالشجر في المساقاة والأرض في المزارعة.
وقولهم إنه ليس من أقسام الشركة ولا هو مضاربة، قلنا: نعم، لكنه يشبه المساقاة والمزارعة، فإنه دفع لعين المال إلى من يعمل عليها ببعض نمائها مع بقاء عينها.
وبهذا يتبين أن تخريجها على المضاربة بالعرض فاسد، فإن المضاربة إنما تكون بالتجارة والتصرف في رقبة المال، وهذا بخلافه.
قال: ونقل أبو داود عن أحمد فيمن يعطي فرسه على النصف من الغنيمة: أرجو ألا يكون به بأس.
قال إسحاق ابن إبراهيم قال أبو عبد الله: إذا كان على النصف والربع فهو جائز، وبه قال الاوزاعي قال: وقالوا لو دفع شبكة إلى الصياد ليصيد بها السمك بينهما نصفين فالصيد كله للصياد ولصاحب الشبكة أجر مثلها.
وقياس ما نقل عن أحمد صحة الشركة وما رزق بينهما على ما شرطا، لأنها عين تنمى بالعمل فيها فصح دفعها ببعض نمائها كالأرض انتهى.

.شركات التأمين:
أفتى فضيلة الشيخ أحمد ابراهيم بعدم جواز عقود التأمين على الحياة، فقال: إن حقيقة الأمر في عقود التأمين على الحياة هو عدم صحتها، ولبيان ذلك أقول: إن عاقد التأمين مع الشركة إذا أوفى الاقساط حال حياته كان له أن يسترد من الشركة كل المبلغ الذي دفعه مقسطا مع الربح الذي اتفق عليه مع الشركة.
فأين هذا من عقد المضاربة الجائزة شرعا؟.
فعقد المضاربة: أن يعطي زيد بكرا مائة جنيه مثلا ليتجر بها بكر على أن يكون الربح بينهما مشتركا بنسبة كذا على حسب ما يتفقان، لرب المال النصف وللمضارب الذي هو العامل النصف. الأول في مقابلة ماله، والثاني في مقابلة عمله.
أو يكون للاول الثلثان وللثاني الثلث أو العكس. وهكذا.
فشرط صحة المضاربة الاساسي أن يأخذ رب المال حقه مما تربحه التجارة بماله بعمل المضارب.
فإذا لم تكسب التجارة ولم تخسر سلم لرب المال رأس ماله ولا شيء له ولا للمضارب بعد ذلك لعدم الربح، عملا بحكم المضاربة.
وإذا خسرت التجارة كانت الخسارة على رب المال من رأس ماله دون المضارب، ولاشئ للمضارب في مقابل عمله لأنه في هذه الحالة شريك وليس بأجير.
أما إذا شرط رب المال على المضارب أن يأخذ رب المال مقدارا معينا فوق رأس ماله بصرف النظر عن كون التجارة كسبت أو خسرت، فهذا شرط فاسد، لأنه يؤدي إلى قطع الشركة في الربح، وهذا مخالف لحكم المضاربة، أو إلى التزام المضارب بدفع مبلغ من ماله الخاص لرب المال. وهذا من باب أكل أموال الناس بالباطل.
ثم إذا فسدت المضاربة بالشرط الذي ذكرته آنفا وهو الموجود في عقد التأمين، وربحت التجارة، كان الربح كله لرب المال.
وأما المضارب فاء على رب المال أجر مثل عمله بالغا ما بلغ، على رواية الاصل لمحمد رحمه الله لأنه انقلب أجيرا بفساد المضاربة وخرج عن كونه شريكا.
وعلى قول أبي يوسف المفتى به يكون للعامل أجر مثل عمله دون أن يتجاوز المتفق عليه في العقد.
وذلك لأن المضاربة إذا كانت صحيحة لم يكن للعامل إلا المتفق عليه مع الربح.
فإذا فسد العقد فلا ينبغي أن يستفيد المضارب من العقد الفاسد أكثر مما يستفيده من العقد الصحيح.
وقول محمد في الاصل هو القياس. وقول أبي يوسف استحسان، للمعنى الذي قلنا هذه هي المضاربة الشرعية، وهذه هي أحكامها...فهل يندرج عقد التأمين تحت المضاربة الصحيحة؟.
الجواب: لا. وإذن هو يندرج تحت المضاربة الفاسدة.
وحكمها شرعا هو ما أسمعتك هنا، وهو مخالف لحكم عقد التأمين قانونا. ولا يمكن أن يقال إن الشركة تتبرع للمؤمن بما التزمته.
لان طبيعة عقد التأمين قانونا أنه من عقود المعاوضة الاحتمالية. وإذا قيل إن ما يدفعه المؤمن للشركة يعتبر قرضا يسترده مع أرباحه إذا كان حيا، فهذا قرض جر نفعا. وهو حرام. وهذا هو الربا المنهي عنه.
وبالجملة فالموضوع على أي وجه قلبته وجدته لا ينطبق على عقد يصححه الشرع الإسلامي.
وهذا الذي قدمناه هو فيما إذا بقي المؤمن على حياته حيا بعد توفيته ما التزمه على نفسه من الاقساط، أما إذا مات قبل إيفاء جميع الاقساط، وقد يموت بعد دفع قسط واحد فقط، وقد يكون الباقي مبلغا عظيما جدا، لأن مبلغ التأمين على الحياة موكول تقديره إلى طرفي العقد على ما هو معلوم، فإذا أدت الشركة المتفق عليه كاملا لورثته أو لمن جعل له المؤمن ولاية قبض ما التزمت به الشركة بعد موته، ففي مقابل أي شيء دفعت الشركة هذا المبلغ؟.
أليست هذه مخاطرة ومغامرة؟ وإذا لم يكن هذا من صميم المغامرة، ففي أي شيء المغامرة إذن...؟ وهل يتصور أن يجيز شرع يحرم أكل أموال الناس بالباطل أن يكون موت شخص مصدرا لأن يجني ورثته أو من يقوم مقامه بعد موته ربحا اتفق عليه قبل موته مع آخر مجازف يؤديه بعد موت الأول إلى هؤلاء؟ مع العلم بأنه يجوز الاتفاق على أي مبلغ، بالغا قدره ما بلغ؟
ومتى كانت حياة الإنسان وموته محلا للتجارة، ومن الاشياء التي تقوم بالمال غير الواقف مقداره عند أي حد، بل يوكل ذلك إلى تقدير العاقدين؟ على أن المغامرة حاصلة أيضا من ناحية أخرى.
فإن المؤمن له، بعد أن يوفي جميع ما التزمه من الاقساط يكون له كذا.
وإن مات قبل أن يوفيها كلها يكون لورثته كذا.
أليس هذا قمارا ومخاطرة؟ حيث لا علم له ولا للشركة بما سيكون من الأمرين على التعيين.