الأحد، 12 فبراير 2012

شخصيات تاريخية - مسلمون - يزيد بن معاوية


يزيد بن معاية

أبو خالد، يزيد بن معاوية بن أبي سفيان الأموي، ثاني خلفاء الدولة الأموية في الشام، أمه ميسون بنت بَحْدَل الكلبية و قد عده أبو زرعة الدمشقي (ت280هـ) في الطبقة التي تلي الصحابة، وهي الطبقة العليا من التابعين.
ولد يزيد بالماطرون في منطقة الضمير قرب دمشق في أثناء ولاية أبيه على الشام في خلافة عثمان بن عفان  فنشأ في عز الإمارة ومجدها، وقد عُنيَ معاويةُ بتربيته؛ فأرسله إلى أخواله من بني كلب في البادية ليكتسب الفصاحة والقيم والعادات، ولما كبر أسند أبوه إليه قيادة الجيش الموجه لغزو بلاد الروم فوصل إلى القسطنطينية سنة 49هـ، واجتمع تحت إمرته في هذه الحملة من كبار الصحابة ابن عباس وابن عمر وابن الزبير وأبو أيوب الأنصاري، كما كان معاوية يؤمِّر يزيد أحياناً على الحج ليرفع من منزلته بين الناس.
وقد رأى معاوية[ر] ما آل إليه أمر ولاية المسلمين من منازعات واختلافات حول شخص الخليفة منذ اجتماع السقيفة، واحتدام النقاش بعد وفاة عمر  وفتنة عثمان وانقسام الناس بعد استشهاده حتى كان النزاع بين علي ومعاوية، وغدر أهل العراق بعلي، وأصبح حل قضية الخلافة ضرورة بعد موت الحسن بن علي في حياة معاوية درءاً للفتن، فقرر أن يأخذ البيعة لابنه يزيد سنة 56هـ من وجهاء الناس وساداتهم بعد أن استشار رجالات دولته من أهل الحل والعقد والرأي، ثم أمر بعرض الأمر على أهل المدينة المنورة أولاً لأن فيها وجوه الصحابة وعلماء الأمة وفيها يبايع الخلفاء، فتلقى أهل المدينة الأمر بالقَبول غير أن بعضهم اعترض أن يكون المرشح للولاية هو ابن الخليفة خشية التوريث، وتعاقبت الوفود من الأمصار المختلفة مبايعة ليزيد. ويبدو أن انقسام الناس في أمر يزيد كان أمراً سياسياً فلم يمتنع عن بيعة يزيد لولاية العهد غير الحسين بن علي  وعبد الله بن الزبير، وكانا يريان أنهما أحق بالخلافة، وكان امتناع عبد الله ابن عمر في بداية الأمر رفضاً لفكرةَ توارث الحكم.
 ونقل الطبري رواية عن عوانة أن معاوية عند وفاته ترك رسالةً إلى ابنه يزيد بشأن من بقي من معارضي ولايته يطمئنه فيها إلى زهد ابن عمر ويحذره من ابن الزبير ويستوصيه خيراً بالحسين قائلاً: «… وإن له رحماً ماسةً، وحقاً عظيماً، وقرابةً من محمد  ولا أظن أهل العراق تاركيه حتى يخرجوه، فإن قدرت عليه فاصفح عنه، فإني لو أني صاحبه عفوت عنه، وأما ابن الزبير فإنه خِبٌّ ضَبٌ فإذا شَخَص لك فالبد له، إلا أن يلتمس منك صلحاً، فإن فعل فاقبل، واحقن دماء قومك ما استطعت»، فغدا أمر أولئك الثلاثة شاغل يزيد ومؤرقه؛ فلما تولى الخلافة سنة 60هـ أمر واليه على المدينة الوليد بن عتبة أخذ البيعة منهم، فاستجاب عبد الله بن عمر مسرعاً بالبيعة لزوماً للجماعة رافضاً الفرقة والنزاع، غير أن الحسين وابن الزبير خرجا إلى مكة من دون بيعة، وتتابعت كتب أهل الكوفة ورسلهم إلى الحسين فأرسل إليهم مسلم بن عقيل ابن أبي طالب ليعلم كُنه أمرهم، فنشط مسلم بدعوته لابن عمه في ظل تسامح واليها النعمان بن بشير الذي لم يلبث أن استبدل يزيد به عبيد الله بن زياد والي البصرة بعد أن كان ساخطاً عليه ويهمّ بعزله.
واستطاع ابن زياد التخلص من مسلم بن عقيل بعد أن انفض الناس عنه، غير أن رسل ابن عقيل كانت قد وصلت إلى الحسين بأخذ البيعة له، فهمَّ الحسين بالخروج إلى الكوفة على الرغم من نصح ابن عباس، وأبي سعيد الخدري  وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب  وعبد الله بن عمر له بعدم الخروج وتحذيرهم له من غدر أهل العراق الذين غدروا بأبيه؛ لكنه أصرّ على الخروج. وفي أثناء سيره بلغه خبر مقتل ابن عمه مسلم، فثناه ذلك عن المسير، واعتزم العودة إلى مكة، لكن إخوة مسلم قالوا: «والله لا نرجع حتى نصيب بثأرنا أو نُقتَلَ؛ فقال: لا خير في الحياة بعدكم» وتابع سيره قاصداً الكوفة.
وبوصول الحسين إلى كربلاء دارت مفاوضات بينه وعبيد الله بن زياد؛ وقد رفض ابن زياد جميع عروض الحسين التي تتلخص في ثلاثة؛ إما عودة الحسين من حيث أتى إما ذهابه إلى يزيد إما إلحاقه بالثغور، وكان شرط ابن زياد أن يأخذ البيعة من الحسين ليزيد أولاً ثم للحسين ما يريد، وسرعان ما دارت معركة غير متكافئة بين الطرفين واستشهد الحسين في العاشر من محرم سنة 61هـ وأَمَرَ يزيد بحمل نسائه وإخوته وبناته وجواريه وصبيانه في مَحْمَلٍ مستورٍ على الإبل إلى الشام فأكرمهم يزيد وأدخل نساء الحسين وأهله على نساء آل معاوية، ثم أمر بحملهم إلى المدينة؛ وعندما ودعهم يزيد قال لعلي بن الحسين (علي الأصغر): «قبَّح الله ابن سمية (يقصد عبيد الله بن زياد)، أما والله لو أني صاحب أبيك ما سألني خصلة إلا أعطيته إياها، ولدفعت الحتف عنه بكل ما استطعت ولو بهلاك بعض ولدي، ولكنَّ الله قضى ما رأيت»، ثم جهَّزه وأعطاه مالاً كثيراً، وقال لعلي: «كاتِبْنِي بكل حاجة تكون لك».
وبقيت علاقة يزيد بآل البيت علاقة طيبة؛ فقد بايعه محمد بن علي بن أبي طالب (ابن الحنفية) وكان يتردد عليه ويزوره، واستمرت صلته جيدة بعلي بن الحسين بن أبي طالب، وامتنع عبد الله بن العباس وعلي بن الحسين عن عزله أيام خروج أهل المدينة، أما عبد الله بن جعفر فقد كانت صلته بمعاوية ويزيد من بعده غاية في المودة و الصداقة والولاء وكان يزيد لا يرد لابن جعفر طلباً وكانت عطاياه له تتوارد فيقوم ابن جعفر بتوزيعها على أهل المدينة، وكان عبد الله بن جعفر يقول في يزيد «أتلومونني على حسن الرأي في هذا».
وعلى الرغم من ذلك سرعان ما ظهرت بوادر التمرد في الحجاز حيث كان عبد الله بن الزبير عائذاً بالبيت يدعو إلى نفسه سرًا ويؤلب الناس على بني أمية مستغلاً فاجعة استشهاد الحسين، على الرغم من أنه لم يبايعه ولم يشاركه ثورته، فاضطر يزيد أن يستبقي عبيد الله بن زياد على الرغم من فعلته ويطمئن إلى استقرار العراق تحت قبضته القوية.
وباستقرار العراق تمكن يزيد من استكمال سياسة أبيه في الفتوح والذود عن الثغور؛ فأعاد تولية عقبة بن نافع على إفريقية؛ فانطلق عقبة إلى المغربين الأوسط والأقصى بحملة ضخمة سنة 62هـ/681م ووصل إلى شاطئ المحيط الأطلسي، وقيل إنه دخل المحيط حتى بلغ الماء بطن فرسه، ورفع يده إلى السماء وقال: «يا رب لولا أن البحر منعني لمضيت إلى مسلك ذي القرنين مدافعاً عن دينك مقاتلاً من كفر بك».
وفي الجبهة الشرقية ولّى يزيد سلم ابن زياد بن أبي سفيان خراسان وسجستان (62ـ63هـ) فتجهز غازيًا إلى ما وراء النهر، وافتتح قائده المهلب بن أبي صفرة خوارزم، ثم سار إلى بخارى فتصالحت ملكتها مع المهلب على فدية بعد معارك ضارية ، ثم إن سلمًا عبر بجيشه إلى سمرقند فصالحه أهلها، وهو أول من شتى بجيشه وراء النهر ولم تكن القادة تفعل ذلك قبله.
في تلك الأثناء استفحل أمر ابن الزبير في الحجاز؛ فأرسل إليه يزيد عشرةً من وجهاء أصحابه يبلغوه بما وصل إلى يزيد من أخبارٍ عنه، ودعوته لخلع الخليفة وأخذ البيعة لنفسه، فدعوه إلى لزوم الطاعة وعدم مفارقة الجماعة وطالبوه بالبيعة برفق، فلما رفض عبد الله بن الزبير المسالمة أمر يزيد عامله على المدينة عمرو بن سعيد ابن العاص أن يبعث جيشاً إلى مكة، فأرسل ابن سعيد إلى عبد الله بن الزبير أخاه عمرو بن الزبير لِمَا كان بين الأخوين من شحناء لكن بيعة عبد الله عمّت في المدينة ومكة مما زاد من قوته فانتصر على أخيه وأخذه أسيراً.
أكثر يزيد من تغيير ولاته على المدينة أملاً بانقضاء أزمة ابن الزبير فعزل عمرو بن سعيد وولى مكانه الوليد بن عتبة، ثم ولَّى عثمان بن محمد بن أبي سفيان، فأرسل عثمان هذا وفداً من أهل المدينة إلى يزيد ليكسب ودّهم، فأكرمهم يزيد وأظهر لهم الجوائز وأحسن إليهم، غير أنهم خرجوا من عنده يشتمونه قائلين: «إنا قدمنا من عند رجل ليس له دين، يشرب الخمر، ويعزف بالطنابير، وتضرب عنده القيان، ويلعب بالكلاب». وأخذوا يدعون الناس إلى خلع بيعته وعزله عن الخلافة، ولم يوافق أهل المدينة جميعهم على نقض بيعة يزيد؛ فيُذكَر أنه لما رجع وفد أهل المدينة من عند يزيد قصدوا محمد بن علي بن أبي طالب (ابن الحنفية) لنقض بيعة يزيد وعرضوا عليه أن يَلِيَ أمرهم؛ فأنكر عليهم ما اتهموا به يزيد وأخبرهم بما رآه عنده من تتبع للفقه ولزوم السنة وقال لهم: «لا أستحل القتال على ما تريدون عليه تابعاً ولا متبوعاً». أما عبد الله بن عمر فقد جمع حشمه وولده وقال: «… وإني لا أعلم غدرًا أعظم من أن يبايع رجل على بيعة الله ورسوله، ثم ينصب له القتال». أما سعيد بن المسيب فقد اعتزل فتنة خروج أهل المدينة ولم يدخل فيما دخلوا فيه.
أرسل يزيد النعمان بن بشير الأنصاري إلى المدينة لمكانته عند أهلها يحذرهم من إثارة الفتنة والخروج عن الجماعة ونقض البيعة، لكنهم اجتمعوا على عبد الله بن حنظلة الأنصاري وكان من رجال الوفد وبايعوه، ووثبوا على من بالمدينة من بني أمية ومواليهم ومن رأى رأيهم من قريش وحاولوا الاعتداء عليهم واجتمع الأمويون إثر ذلك في دار مروان بن الحكم فحاصروها، واستمر الحصار بعضاً من الوقت، فأرسل ابن الحكم إلى يزيد بواقع الأمر وطلب إليه النجدة.
فأوكل يزيد الأمر إلى رجل من سادات بني مُرّة وهو مسلم بن عقبة المُرّي فبعثه بجيش كبير لإخماد الفتنة، وقد ورد في الروايات أن يزيد أمر مسلماً بالترفق بأهل المدينة ومحاولة مسالمتهم، وعدم اللجوء إلى الحرب إلا في حالة الاضطرار الشديد، وفي ذلك الوقت رفع أهل المدينة الحصار عن بني أمية وسمحوا لهم بالخروج منها بعد أن أخذوا منهم العهود والمواثيق بأنهم لن يساعدوا عدوهم ولن يفشوا سرهم. نزل مسلم في موقع يقال له الحَرَّة شمال شرقي المدينة وأرسل إلى أهل المدينة يدعوهم للعودة إلى بيعتهم ولزوم عهدهم، فأبوا، ثم دعاهم ثانية فحصنوا المدينة وكانوا قد حفروا خندقاً إلى الجانب الشمالي منها، وقسموا أنفسهم أربعة أقسام ووزعوا القيادات بينهم، ودارت معركة انتصر فيها مسلم بن عقبة سنة 63هـ، أما ما تذكره بعض المصادر عن استباحة المدينة ثلاثة أيام فهو أمرٌ مشكوك فيه بل يرفضه الكثير من المحققين والمؤرخين، ذلك أن ما روي عن النهب والاستباحة إنما كان من نقل أبي مخنف الأزدي وحده، وهناك روايةٌ أخرى عن عوانة أن مسلماً دعا أهل المدينة إلى البيعة فاستجابوا له، وقتل مسلم المعارضين والمشاغبين فقط، كما وردت مبالغات في تقدير عدد القتلى عن الواقدي تزعم أن عددهم بلغ عشرة آلاف، في حين يذكر خليفة بن خياط في تاريخه أن جميع من أصيب من قريش والأنصار ثلاثمئة رجل وستة.
توفي مسلم بن عقبة وهو في طريقه إلى مكة فقاد الجيش من بعده الحصين بن نمير السكوني، ويبدو أن هذه الأحداث زادت من مكانة عبد الله ابن الزبير في الحجاز، إذ بايعه أهل مكة والحجاز وأهل الحرة، وكان حصار الحصين بن نمير لمكة سنة 64هـ، ووصل نعي الخليفة الذي توفي بحوارين (من أرض حمص) في أثناء الحصار.
ونُقل أن يزيد كان يسعى إلى الاهتمام بالمرافق العامة والاعتناء بالكعبة تقرباً من الرعية، إذ يُذكر أن ليزيد نهراً صغيراً في دمشق ينسب إليه («نهر يزيد» على سفح قاسيون) وهو فرع من نهر بردى يسقي ضيعتين، كما يُذكر أنه أول من خدم الكعبة وكساها الديباج الخسرواني، كما نقل صاحب «قيد الشريد» آخر ما تحدث به يزيد قبل وفاته إذ قال: «اللهم لا تؤاخذني بما لم أحبه و لم أرده، واحكم بيني وبين عبيد الله بن زياد».
وافترق الناس في يزيد على ثلاث فرق، فرقة تحبه وتتولاه، بل منهم من جعله نبياً كاليزيدية ، وفرقةٌ تسبه وتلعنه وتكفره، وتجعل منه قاتل سبط رسول اللهr أخذاً بثأر جده عتبة وأخي جده شيبة وخاله الوليد بن عتبة، و فرقة متوسطة في ذلك، لا تتولاه ولا تلعنه وتسلك به سبيل سائر الخلفاء غير الراشدين.