الأحد، 12 فبراير 2012

شخصيات تاريخية - مسلمون - المعتصم بالله ( محمد بن هارون )


المعتصم بالله ( محمد بن هارون )

أبو إسحاق محمد بن هارون الرشيد ابن المهدي بن المنصور، المعتصم بالله العباسي أمه أم ولد تركية تدعى ماردة، بويع بالخلافة في طرسوس سنة 218هـ/786م يوم وفاة أخيه المأمون وبعهد منه.
تذكر المصادر أن المأمون كان يميل إلى أخيه المعتصم، لشجاعته وقوة شكيمته ومتانة خلقه، وهي صفات تضمن له تنفيذ السياسة التي رسمها لدولته وتضمن له إخماد الثورات التي استفحلت في عهده، ولهذا قدّمه على ولده العباس في ولاية العهد، وتضيف المصادر أن عدداً كبيراً من الجند، رفضوا مبايعة المعتصم بالخلافة بعد وفاة المأمون، وأرادوا تولية العباس بن المأمون، ولكن العباس أسرع إلى مبايعة عمه بالخلافة حسماً للفتنة، واحتراماً لوصية أبيه. ولقد أفاض المؤرخون في وصف شجاعة المعتصم وقوته الجسدية، فهو يحمل ألف رطل بسهولة، ويمشي بها خطوات ويلوي عموداً من الحديد حتى يجعله طوقاً، ويضغط على الدينار فيمحو كتابته، وكل هذه الروايات من باب الأساطير الشعبية التي تدل على أن المعتصم كان جندياً شجاعاً بطبعه ويعتز بقوته البدنية صفة من الصفات العسكرية، غير أنه يُلاحظ أن المعتصم كان إلى جانب تلك الصفات رجلاً محدود الثقافة، ضعيف الكتابة، مما يحمل على الاعتقاد بأن تأييده للمعتزلة في رأيهم القائل بخلق القرآن، كان تنفيذاً لوصية أخيه المأمون وليس نتيجة لثقافة عالية.
أهم مايميز عهد المعتصم، ظهور الأتراك على مسرح الأحداث إذ وجد أنه لا يستطيع الاعتماد على العرب لعصبيتهم واعتزازهم بدورهم في الإسلام، ولضعف ثقته بهم، كما أنه لايستطيع الاعتماد على العنصر الفارسي لطموحه ومحاولته تحقيق مصلحته القومية، ولتنافسه مع العرب، منذ حدوث الخلاف بين الأمين والمأمون، لذلك فكر بالاستعانة بعنصر جديد، فوجد في العنصر التركي ضالته المنشودة. فهو يتصف بالقوة والشجاعة ولايحمل الأهواء السياسية التي للعرب، ولا المصالح الخاصة والمجد القديم للفرس.
اتخذ المعتصم من الأتراك حرسه الخاص، واستخدمهم في جيشه، واستقدمهم من بلاد ما وراء النهر، وخاصة من فرغانة وأشروسنة والشاش، وخصّهم بالنفوذ، ورفع من شأنهم، فقلّدهم قيادة الجيش، وجعل لهم مركزاً في مجال السياسة والحرب، وفتح باب التطوع أمامهم كمرتزقة، وأدرّ عليهم الهبات والأرزاق، وحرم العرب مما كان لهم من امتيازات وأسقط أسماءهم  من الديوان (ديوان الجند).
تأذى أهالي بغداد من أولئك الجنود الأتراك الذين بلغ عددهم بضعة عشر ألفاً لأنهم كانوا يسيرون في شوارعها راكبين خيولهم من دون أن يعبؤوا بالمارة فيصدمونهم فيموت منهم جماعة، فرفع الأهالي شكواهم إلى الخليفة المعتصم، وأمام شكوى العامة خرج إلى القاطول في ذي القعدة سنة 220هـ، واختط موضع مدينة سامراء (سُر من رأى) التي بناها على مسافة 100كم شمالي بغداد لتكون عاصمة له، وأحضر لها الصناع وأهل المهن من سائر الأمصار وخصص فيها معسكرات لجنده الأتراك بعيدين عن الأسواق، وبنى عدة قصور للقواد والكتاب وسمّاها بأسمائهم وبنى قصره المعروف بالجوسق على دجلة وحُملت النخيل والغروس من سائر البلدان .
إن توسع المعتصم باستخدام هذا العنصر الجديد عاد على البلاد بضرر كبير ظهرت نتائجه فيما بعد، منذ مقتل المتوكل بن المعتصم سنة 247هـ/861م ، فقد أخذ هؤلاء الأتراك يتدخلون في شؤون الدولة حتى صار الخليفة في أيديهم كالأسير، إن شاؤوا أبقوه وإن شاؤوا خلعوه وإن شاؤوا قتلوه.
الحدث الثاني الذي تميز به عصر المعتصم هو قضاؤه على الثورات الداخلية التي أقضّت مضاجع الدولة واستعصت على أخيه المأمون من قبل، وهي ثورة الزط التي هددت مرافق الدولة في جنوبي العراق ، قضى  عليها القائد العربي عجيف بن عنبسة سنة 220هـ، ثم ثورة بابك الخرمي التي قامت في الأقاليم الجبلية الشمالية بنواحي أذربيجان وقضى عليها القائد حيدر بن كاوس الملقب بالأفشين سنة 223هـ، ثم تخلص المعتصم منه بعد هذا النصر الكبير، لأن البعض اتهمه بالارتداد عن الإسلام واتهمه بعضهم الآخر بأنه كان ينوي الخروج على طاعة العباسيين والاستقلال ببلدة أشروسنة، فسجنه المعتصم ومات في سجنه سنة 226هـ بعد أن مُنع عنه الطعام.
أما الحدث الثالث الذي كان له صداه في عصر المعتصم، هو انتصاره الحاسم على البيزنطيين في موقعة عمورية في آسيا الصغرى سنة 223هـ/838م ، وكان الامبراطور البيزنطي تيوفيل Theophilos قد انتهز فرصة انشغال المعتصم بمطارده الخَرَّميين، فأغار على الحدود الإسلامية وهاجم مدينة زبطرة، وهي أقرب الثغور الإسلامية إلى بلاد الروم، فأحرقها وخرّبها وقتل رجالها وسبى نساءها وأطفالها، فلما بلغ ذلك أقسم بأن ينتقم من الروم وأن يخرّب مدينة عمورية مسقط رأس والد الامبراطور البيزنطي، ثم جمع المعتصم جيشاً كبيراً تولى قيادته بنفسه، وتقدم المعتصم بجيوشه وهزم جيش تيوفيل وخرّب مدينة أنقرة، ثم حاصر مدينة عمورية التي تقع بجوار أنقره، وبعد حصار شديد تمكن المعتصم من اقتحام المدينة عنوة وتخريبها وأسر من فيها، وقد خلد الشاعر أبو تمام انتقام المعتصم من الروم على مافعلوه في زبطره بالقصيدة التي مطلعها:
السيف أصدق أنباءً من الكتب
                          في حده الحدُّ بين الجد واللعبِ
أين الرواية أم أين النجوم وما
                         صاغوه من زُخرفٍ فيها ومن كذبِ
(وكان المنجمون قد حكموا أن المعتصم لايفتح عمورية).
في طريق عودة المعتصم وعند وصوله إلى أذنه حبس العباس بن المأمون لما كان بلغه من المعصية والخلاف واجتماع من اجتمع إليه من القواد، ودفع العباس إلى الأفشين مقيداً ، وقيل أن الأفشين أطعمه طعاماً كثير الملح في يوم شديد الحر ومنعه الماء فتوفي وحُمل إلى منبج ودفن فيها، وسخط المعتصم على عجيف بن عنبسه لأنه كان سبب معصية العباس، وحمله من أذنة في الحديد  الثقيل وفي عنقه قيد عظيم، فلما صار بموضع يقال له باعيناثا على مرحلة من نصيبين مات فدفن فيها.
توفى المعتصم في سامراء، وصلّى عليه ابنه هارون ، ودفن في قصره المعروف بالجوسق.