الأحد، 12 فبراير 2012

شخصيات تاريخية - مسلمون - المستنصر بالله الفاطمى


المستنصر بالله الفاطمى

أبو تميم معد الملقب بالمستنصر بالله بن الظاهر لإعزاز دين الله بن منصور الحاكم بأمر الله، الخليفة الفاطمي الثامن والإمام الإسماعيلي الثامن عشر، ولد في القاهرة وبويع بالخلافة سنة 427هـ/1036م بعد وفاة والده وكان عمره سبع سنين وعدة أشهر، وأمه أمَةً سوداء، مصري المولد والنشأة والوفاة، بقي في الخلافة ستين سنة وأربعة أشهر حَفَلت بالشدائد والوباء والغلاء والفتن، حتى إن الوزراء إبان حكمه تجاوزوا الخمسين. قام بأمره وزير أبيه نجيب الدولة أبو القاسم علي بن أحمد الجرجرائي، وكانت أمه متغلبة على الدولة زمن الظاهر وظلت توجيهاتها أساسية زمن المستنصر تصطنع الوزراء، وكانت توصف بالفهم والتعقل وبعد النظر.
امتد سلطانه في القسم الأول من خلافته على بلاد الشام وفلسطين والحجاز واليمن وصقلية وشمالي إفريقيا يُخطب له على المنابر فيها، بل خُطب له مدة في الموصل وبعض فارس والعراق وفي بغداد نفسها مدة تزيد على السنة في 450هـ/1058م، على يد مقدم الأتراك في بغداد أبي الحارث أرسلان بن عبد الله البساسيري الذي خرج على الخليفة العباسي القائم بأمر الله (422-467هـ/1031-1075م) وأخرجه من بغداد إلى حديثة وأكرهه على التنحي عن الخلافة ونكران حق العباسيين فيها والاعتراف بأحقية الفاطميين لها، ثم استعاد السلاجقة السيطرة على بغداد وقتلوا البساسيري وأعادوا القائم العباسي، وامتدت سلطة المستنصر إلى اليمن وعمان بوساطة الدعاة الصليحيين. وفي القسم الثاني من خلافته حدثت أحداث سياسية واقتصادية واجتماعية زعزعت الخلافة، تخللتها أوقات نعمت البلاد فيها بالطمأنينة والرخاء وانتشار الثقافة. وكان الجيش يتألف من مجموعات إثنية عدة منها العرب والبربر والأتراك والسودان تتنافس فيما بينها. والتحالفات بين القوى المختلفة وبين المتنفذين وأكابر القواد لا تستقر على حال، وحدثت الفتنة بين الأتراك والسودان، انهزم فيها السودان وفرّ منهم خمسة عشر ألفاً إلى الصعيد يعيثون فيه فساداً، وكان رئيسهم في ذلك الوقت أحد الولاة المتمرد ناصر الدولة الحسن بن حمدان التغلبي، وقام صراع بين ناصر الدولة من جهة والوزير خطير الملك وأحد أمراء الترك المسمى «الدكز» من جهة ثانية أدى إلى لجوء ناصر الدولة إلى قبيلة لواتة البربرية والأعراب، وقيامه بالإغارة على الوجه البحري وإعلان الخطبة من الإسكندرية إلى الريف للخليفة القائم العباسي، ومراسلته ألب أرسلان السلجوقي داعياً إياه. وبعد قليل صالح ناصر الدولة المستنصر وعاد إلى القاهرة فتمكن منه رئيس الترك الدكز وقتله مع جميع أفراد أسرته.
وبلغ السوء مداه بهبوط مستوى النيل ونزول الوباء والمجاعة والقحط مدّتين أولاهما (446-454هـ/1054- 1065م) والثانية المعروفة بالشدة العظمى (457-464هـ /1065-1072م) فعظم الغلاء وندرت الأقوات وتساقط الناس في الطرق من الجوع وبارت الزراعة وعمَّ الخراب وانقطعت السبل وحُصر المستنصر في قصره ولم يبق من خدمه إلا القليل، وعاش على زبدية طعام ترسلها إليه أخته يومياً، وتوجهت أم المستنصر وبناته إلى بغداد من فرط الجوع في 462هـ/1070م.
وكان الاضطراب السياسي شديداً أيضاً فقد خرج على السلطة «ثمال» الكلابي في حلب وحسان بن مفرّج الطائي في فلسطين، وتمرّد المعز بن باديس سنة 443هـ/1051م على الفاطميين في المغرب الأدنى وخطب للقائم العباسي، وخلع أمير مكة الطاعة 462هـ/1070م وتقلصت سلطة الدولة من بلاد المغرب حتى زالت من المغرب الأقصى نهائياً سنة 475هـ/1082م، واستولى روجر النورمندي على صقلية 484هـ/1091م بعد ما حكمها العرب 263عاماً.
وأخيراً استدعى المستنصر أحد صنائع الدولة والي عكا «بدر الجمالي» وأسند إليه الأمور وسلّمه وزارة السيف والقلم وسمّاه السيد الأجلّ أمير الجيوش وكافل قضاة المسلمين وداعي دعاة أمير المؤمنين (466-487هـ/1074-1094م)، وساس بدر الجمالي الدولة بحزم، وأثبت كفاية عالية، فاسترد ما كان تغلب عليه أهل النواحي مثل: ابن عمار بطرابلس الشام وابن معرّف بعسقلان وبنو عقيل بصور. واسترد ما أخذه القواد والأمراء من المستنصر أيام الفتنة وقضى على العصاة من لواتة وجهينة، والعاصي في أسوان كنز الدولة محمد، وهزم في عام 469هـ/1077م أتسز بن أوق أمير دمشق من قبل السلطان ملكشاه السلجوقي الذي أخذ دمشق من الفاطميين ودعا للمقتدي العباسي والذي تقدم يريد مصر، وحاصر بدر «تتش» أخا السلطان في دمشق بعد مقتل أتسز، وقضى على تمرد الأتراك والسودان، وتزوج المستنصر من ابنة بدر، واستتب الأمن وعادت الأمور في البلاد إلى طبيعتها وتحسنت الأحوال بعد أن أسقط بدر الخراج ثلاث سنين ومات قبل المستنصر بعدة أشهر سنة 487هـ/1094م وكان قد مهّد الأمور لابنه الأفضل قبل موته.
ويرى باحثون أن عهد المستنصر كان بداية لتراجع الخلافة الفاطمية ثم انحطاطها وزوالها لاحقاً.
كان المستنصر عاقلاً عادلاً طيب القلب محباً للشعب حدوباً على الفقراء ذواقة وقارضاً للشعر مقرّباً للأدباء والعلماء، وكانت مكتبة القصر الفاطمي زاخرة عدا عليها الجند والأمراء أيام الشدة العظمى، وكان من أعلام زمانه أبو عبد الله القضاعي (ت 454هـ/1062م) من أقطاب الحديث والفقه الشافعي، ولي القضاء للمستنصر، وأُرسل سفيراً إلى امبراطورة بيزنطة تيودورا عام 447هـ/1055م.
مات المستنصر وخلّف من الأولاد نزاراً وأحمد وأبا القاسم، وبعد موته بويع لابنه الصغير أحمد وسمي «المستعلي» بسبب تغلب خاله أمير الجيوش الأفضل بن بدر الجمالي الذي قضى على ولي العهد الشرعي نزار، وذلك عندما دافع نزار عن حقه وثار في الإسكندرية مع واليها نصير الدولة أفتكين، ولقب بالمصطفى لدين الله، ولكن الأفضل هزمهما وقتلهما.