الأحد، 12 فبراير 2012

شخصيات تاريخية - مسلمون - المأمون


المأمون

أبو العباس عبد الله بن هارون الرشيد بن محمد المهدي بن أبي جعفر المنصور، سابع الخلفاء من بني العباس، ومن أفاضل خلفائهم وعلمائهم وحكمائهم، وكان فطناً،شديداً، كريماً.
ولد المأمون في اليوم الذي تولى فيه أبوه هارون الرشيد الخلافة، وكانت أمه أم ولد باذغيسية اسمها مراجل، وولد أخوه الأمين بن زبيدة بعده بأربعة أشهر في شوال سنة 170هـ. وعلى الرغم مما عرف عن الرشيد من ذكاء وبعد نظر فإنه وقع فيما وقع فيه أسلافه، فقد لجأ تحت ضغط من زوجته زبيدة والقوة العربية في الدولة إلى تعيين الأمين ولياً للعهد سنة 175هـ/791م، وجعل له ولاية العراق والشام حتى أقصى المغرب، وما لبث سنة 182هـ/799م أن عين المأمون في ولاية العهد الثانية على أن تكون له ولاية خراسان وما يتصل بها من الولايات الشرقية، وأعقب ذلك سنة 186هـ/802م البيعة لابنه القاسم بعد المأمون ودعاه المؤتمن وولاه الجزيرة والثغور، وقد اتُبع هذا الاتجاه نحو تقسيم الدولة إلى قسمين شرقي وغربي منذ قيام الدولة العباسية، فكان الخلفاء يقلدون كل قسم لأحد القادة المتنفذين أو المظفرين أو أولياء العهود فإذا كانوا صغار السن عين الخليفة من ينوب عنهم، وهؤلاء بدورهم كانوا يستخلفون العمال على ولاياتهم .
وضع الرشيد بتصرفه هذا وباختياره ثلاثة من أبنائه لولاية العهد بذرة التفكك السياسي وأوقع الدولة في خضم حرب أهلية كبيرة كانت لها نتائجها الخطيرة على مستقبل الدولة، فقد تكتل العرب بزعامة الفضل بن الربيع إلى جانب الأمين، في حين انضم الفرس بزعامة الفضل ابن سهل   إلى جانب المأمون، وانتهى الصراع بمقتل الأمين وتولى المأمون الخلافة سنة 198هـ، وبويع بالخلافة وهو بخراسان، ولم ينتقل إلى بغداد مقر الخلافة العباسية، بل ظل مقيماً في مدينة مرو بخراسان مدة ست سنوات تقريباً، انتقل بعدها إلى بغداد سنة 204هـ، وقد تسبب عن بقاء المأمون بعيداً عن عاصمة دولته بغداد بعض الأزمات السياسية خصوصاً أنه فوّض إدارة البلاد إلى وزيره الفضل بن سهل وأخيه الحسن بن سهل، وأثار تحيز المأمون إلى الفرس غضب أهل العراق من بني هاشم ووجوه العرب، فأشاعوا أن بني سهل قد حجبوا الخليفة واستبدوا بالرأي دونه.
وفي سنة 201هـ بايع المأمون الإمام علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق الإمام الثامن عند الإمامية الاثني عشرية بولاية عهده ولقبه بالرضا من آل محمد، وأمر جنوده بطرح السواد شعار العباسيين، ولبس الثياب الخضراء شعار العلويين، وكتب بذلك إلى سائر أنحاء المملكة، وحينما بلغ الخبر العراق نقم أهل بيته والناس وهاجوا وثاروا، ورفضوا مبايعة علي الرضا وخلعوا المأمون وبايعوا عمه إبراهيم المهدي خليفة عليهم، وتضيف الرواية أن أخبار هذه الفتنة لم تصل إلى المأمون وأن الفضل بن سهل كان يتعمد إخفاءها، ولم ينتبه المأمون للخطر المحدق به إلا بعد أن تجرأ علي الرضا ولي عهده على إخباره بأمر هذه الفتن، عندئذٍ خرج المأمون من مرو متجهاً نحو مدينة طوس وفي طريقه إليها قتل وزيره الفضل بن سهل وهو في الحمام بمدينة سرخس، وحينما بلغ طوس مات ولي عهده علي الرضا من جرّاء اضطراب في الجهاز الهضمي، فدفن في طوس في جوار هارون الرشيد. فكتب المأمون إلى بني العباس والموالي وأهل بغداد يعلمهم بموت علي بن موسى ويسألهم الدخول في طاعته ثم جدّ السير إلى بغداد فوصلها سنة 204هـ/819م، حيث أقبل الناس على مبايعته والترحيب به، وعفا المأمون عن عمه إبراهيم المهدي وأمر الناس بلبس السواد ثانية، واستوزر الحسن بن سهل وتزوج المأمون سنة 210هـ بوران ابنة الحسن بن سهل، وبقي وزيراً حتى عرضت له سوداء فانقطع بداره ليتطبب واحتجب عن الناس، فاستوزر المأمون أحمد بن أبي خالد.
إن ضعف السلطة المركزية في بغداد نتيجة للفتن والحروب التي تخللت عصر الأمين وأوائل عصر المأمون قد انتقلت عدواها إلى الأقاليم الإسلامية، إلى مصر والمغرب، وقامت القبائل والعشائر العربية والجزيرة بثورات مختلفة بقيادة زعيم عربي اسمه نصر بن شبث العقيلي
نجح المأمون بتوطيد سلطانه والقضاء على معظم الثورات إلا ثورة الزط في جنوبي العراق، وثورة بابك الخرمي التي استفحل أمرها في عهد المأمون ولم يتم القضاء عليها إلا في خلافة المعتصم.
وجه المأمون اهتمامه إلى جمع تراث الأمم القديمة وخاصة التراث اليوناني فأرسل بعثات من العلماء إلى القسطنطينية وجزيرة قبرص للبحث عن نفائس الكتب اليونانية ونقلها إلى بيت الحكمة  في بغداد، وكان هذا البيت بمنزلة معهد علمي يضم مكتبة لنسخ الكتب وداراً لترجمتها إلى العربية، وكان لها مديرون ومترجمون ومجلدون للكتب، كما نهض بمهمة بناء المراصد الفلكية، فأنشأ مرصداً في حي الشماسية ببغداد وبنى على قمة جبل قاسيون بدمشق مرصداً آخر، وقرب العلماء والفقهاء والمحدثين والمتكلمين وأهل اللغة والأخبار والمعرفة بالشعر والأنساب، وأطلق حرية الكلام للباحثين وأهل الجدل والفلاسفة، وكان المأمون يؤيد المعتزلة فيما يقولونه، وكتب رسائل في تأييد آرائهم ووافقهم فيما ذهبوا إليه من أن القرآن مخلوق،  وكتب في السنة الأخيرة من حياته إلى والي العراق يطلب منه امتحان القضاة في مسألة القرآن وأن يعاقب من لم يقل بهذا الرأي.
قاد المأمون في السنوات الأخيرة من حياته جيوشه بنفسه وتوغل في الأراضي البيزنطية في آسيا الصغرى مابين 214-218هـ، وجعل معظم إقامته في الشام متخذاً دير مُران في دمشق مقراً له.
وأهم ماتميزت به حروب المأمون مع البيزنطيين اتخاذه موقف الهجوم، وتغلغله في الأراضي البيزنطية، وفي حملته الثالثة تحقق حلم المأمون بالاستيلاء على حصن لؤلؤة الذي يسيطر على مفارق الطرق. وقد كانت وفاته في آخر غزوة من غزواته في الأراضي البيزنطية في البذندون شمالي مدينة طرسوس نتيجة لحمى أصابته، فنقل إلى طرسوس ودفن بها.