عز الدين أيبك
أبو منصور عز الدين أيبك المعظمي، مملوك الملك المعظم عيسى ابن الملك العادل محمد شقيق السلطان صلاح الدين الأيوبي، اشتراه المعظم عيسى سنة 607هـ/1210م وعني بتربيته وتدريبه وقدّمه على أولاده، وجعله استاداراً له (الموظف المكلف بالإشراف على سكن السلطان ومصروفه ومطابخه)، ثم ولاه صَرخد (صلخد اليوم) عام 608هـ/1211م، واصطحبه معه إلى الحج عام 611هـ/1214م ولما توفي الملك المعظم عيسى صاحب دمشق سنة 624هـ/1226م بقي أيبك في خدمة ولده ووريثه على دمشق الملك الناصر داود، وسانده حين حاول عماه الملك الكامل والأشرف موسى انتزاع دمشق منه، وفي سنة 625هـ تسلم الملك الكامل دمشق وأكره الناصر على مغادرتها إلى الكرك، فدخل أيبك في طاعة الكامل بعد أن توثق لنفسه منه أن يظل على حكم صرخد. وظل أيبك محتفظا بمنصبه حينما نزل الملك الكامل عن دمشق لأخيه الأشرف موسى سنة 626هـ.
إثر وفاة الأشرف سنة 635هـ/1237م صارَ الحكم للصالح إسماعيل، وأيده عز الدين أيبك وسار في مقدمة موكبه يحمل له الغاشية (سرج من الأديم محزوز بالذهب وله غطاء مزركش يتقدم مواكب السلاطين في الاحتفالات الرسمية).
ولما بلغت الكامل في مصر وفاة أخيه الأشرف واستيلاء أخيه الآخر الصالح إسماعيل على السلطة، حضر إلى دمشق وأخرج أخاه من دمشق وأرضاه ببعلبك والبقاع، ولم يلبث الكامل أن توفي بعد ذلك بأيام فكان لعز الدين أيبك دور في المشاورات التي دارت عقب وفاة الكامل لتقرير مصير مملكة دمشق ولمن يجب أن تؤول من أمراء بني أيوب، وكان له دور في عودة الصالح إسماعيل إلى حكم المدينة وقد بقي فيها إلى أن أخرجه منها الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل سنة 643هـ بعد أن خضعت له مصر وبلاد الشام.
وفي عام 644هـ/1247م عزل الملك الصالح عز الدين أيبك عن صرخد بعد انتصاره على أعدائه الذين اجتمعوا لقتاله قرب بحيرة حمص ثم اعتُقِل عام 645هـ بوشاية ولده إبراهيم وسجن بدمشق، ثم نقل إلى القاهرة حيث توفي، وبعد عام نقلت رفاته إلى دمشق ودفن فيها.
وكان عز الدين أيبك مشهوراً برجاحة العقل وحسن الإدارة والشجاعة وعلو الهمة وكثرة الصدقات، وقد أقام منشآت عمرانية عدة، منها في دمشق المدرسة العزّية الجوانية في درب الكشك بجوار المسجد الأموي، ويغلب على الظن أنها كانت مما يدعى اليوم بالكلاَّسة، وتاريخ عمارتها بين 621و625هـ/1224-1227م، ثم المدرسة العزّية البرَّانية في الشرف الأعلى، شمال غربي دمشق، وأُنشئت عام 626هـ/1228 ودفن فيها، وما تزال قائمة إلى اليوم وقد أجرت عليها المديرية العامة للآثار بعض الترميمات.
وهناك مدرسة ثالثة في حي القنوات أنشئت عام 638هـ/1240م، وظهر من الكتابة التي وجدت فوق مدخلها أنها خصصت لتدريس المذهب الحنفي. ولأيبك منشآت عمرانية خارج دمشق، منها مدرسة في القدس وبرج وقلعة في مقر حكمه في صرخد، وقد عبّد الطريق التجارية القادمة من شبه الجزيرة العربية إلى بلاد الشام في الجزء المارّ من منطقة حكمه.