صلاة التطوع
.1- مشروعيته:
شرع التطوع ليكون جبرا لما عسى أن يكون قد وقع في الفرائض من نقص، ولما في الصلاة من فضيلة ليست لسائر العبادات.
فعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن أول ما يحاسب الناس به يوم القيامة من أعمالهم الصلاة، يقول ربنا لملائكته، وهو أعلم أنظروا في صلاة عبدي أتمها أم نقصها؟ فإن كانت تامة كتبت له تامة، وإن كان انتقص منها شيئا قال: أنظروا هل لعبدي من تطوع؟ فإن كان له تطوع قال: أتموا لعبدي فريضته من تطوعه، ثم تؤخذ الاعمال على ذلك» رواه أبو داود.
وعن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما أذن الله لعبد في شيء أفضل من ركعتين يصليهما، وإن البر ليذر فوق رأس العبد مادام في صلاته» الحديث رواه أحمد والترمذي وصححه السيوطي.
وقال مالك في الموطأ، بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولن يحافظ على الوضوء إلا مؤمن» وروى مسلم عن ربيعة ابن مالك الاسلمي قال، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «سل» فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة، فقال: «أو غير ذلك؟» قلت: هو ذاك قال: «فأعني على نفسك بكثرة السجود».
.2- استحباب صلاته في البيت:
1- روى أحمد ومسلم عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا صلى أحدكم الصلاة في مسجده فليجعل لبيته نصيبا من صلاته فإن الله عز وجل جاعل في بيته من صلاته خيرا».
2- وعند أحمد عن عمر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «صلاة الرجل في بيته تطوعا نور، فمن شاء نور بيته».
3- وعن عبد الرحمن بن عمر قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوا قبورا» رواه أحمد وأبو داود.
4- روى أبو داود بإسناد صحيح عن زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا، إلا المكتوبة».
وفي هذه الأحاديث دليل على استحباب صلاة التطوع في البيت، وأن صلاته فيه أفضل من صلاته في المسجد.
قال النووي: إنما حث على النافلة في البيت لكونه أخفى وأبعد عن الرياء وأصون من محبطات الاعمال، وليتبرك البيت بذلك وتنزل فيه الرحمة والملائكة، وينفر منه الشيطان.
.3- أفضلية طول القيام على كثرة السجود في التطوع:
روى الجماعة إلا أبا داود عن المغيرة بن شعبة أنه قال: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقوم ويصلي حتى ترم قدماه أو ساقاه، فقال له؟ فيقول: «أفلا أكون عبدا شكورا».
وروى أبو داود عن عبد الله بن حبشي الخثعمي أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أي الاعمال أفضل؟ قال: «طول القيام» قيل: فأي الصدقة أفضل؟ قال: «جهد المقل» قيل: فأي الهجرة أفضل؟ قال: «من هجر ما حرم الله عليه» قيل: فأي الجهاد أفضل؟ قال: «من جاهد المشركين بماله ونفسه» قيل: فأي القتل أشرف؟ قال: «من أهريق دمه وعقر جواده».
.4- جواز صلاة التطوع من جلوس:
يصح التطوع من قعود مع القدرة على القيام كما يصح أداء بعضه من قعود وبعضه من قيام، لو كان ذلك في ركعة واحدة فبعضها يؤدى من قيام وبعضها من قعود سواء تقديم القيام أو تأخر كل ذلك جائز من غير كراهة ويجلس كيف شاء والافضل التربع.
فقد روى مسلم عن علقمة قال قلت لعائشة: كيف كان يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الركعتين وهو جالس؟ قال كان يقرأ فيهما فإذا أراد أن يركع قام فركع.
وروى أحمد وأصحاب السنن عنهما قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في شيء من صلاة الليل جالسا قط حتى دخل في السن فكان يجلس فيها فيقرأ حتى إذا بقي أربعون أو ثلاثون آية قام فقرأها ثم سجد.
.5- أقسام التطوع:
ينقسم التطوع إلى تطوع مطلق، وإلى تطوع مقيد.
.والتطوع المطلق:
يقتصر فيه على نية الصلاة.
قال النووي: فإذا شرع في تطوع ولم ينو عددا فله أن يسلم من ركعة وله أن يزيد فيجعلها ركعتين أو ثلاثا أو مائة أو ألفا أو غير ذلك.
ولو صلى عددا لا يعلمه ثم سلم صح بلا خلاف، اتفق عليه أصحابنا ونص عليه الشافعي في الإملاء.
وروى البيهقي بإسناده أن أبا ذر رضي الله عنه صلى عددا كثيرا فلما سلم قال له الاحنف بن قيس رحمه الله: هل تدري انصرفت على شفع أم على وتر؟ قال: إن لا أكن أدري فإن الله يدري، إني سمعت خليلي أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول ثم بكى.
ثم قال: إني سمعت خليلي أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من عبد يسجد لله سجدة إلا رفعه الله بها درجة وحط عنه بها خطيئة» رواه الدارمي في مسنده بسند صحيح إلا رجلا اختلفوا في عدالته.
.والتطوع المقيد:
ينقسم إلى:
.ما شرع تبعا للفرائض ويسمي السنن الراتبة:
ويشمل سنة الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء، وإلى غيره، وهاك بيان كل:
.سنة الفجر:
.1- فضلها:
وردت عدة أحاديث في فضل المحافظة على سنة الفجر نذكرها فيما يلي:
1- عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، في الركعتين قبل صلاة الفجر، قال: «هما أحب إلي من الدنيا جميعا» رواه أحمد ومسلم والترمذي.
2- وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تدعوا ركعتي الفجر وإن طردتكم الخيل» رواه أحمد وأبو داود والبيهقي والطحاوي.
ومعنى الحديث لا تتركوا ركعتي الفجر مهما اشتد العذر حتى ولو كان مطاردة العدو.
3- وعن عائشة قالت: «لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم على شيء من النوافل أشد معاهدة من الركعتين قبل الصبح» رواه الشيخان وأحمد وأبو داود.
4- وعنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها» رواه أحمد ومسلم والترمذي والنسائي.
5- ولأحمد ومسلم عنها، قالت: ما رأيته إلى شيء من الخير أسرع منه إلى الركعتين قبل الفجر.
.2- تخفيفها:
المعروف من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يخفف القراءة في ركعتي الفجر.
1- فعن حفصة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتي الفجر قبل الصبح في بيتي يخففهما جدا.
قال نافع: وكان عبد الله يعني ابن عمر يخففهما كذلك رواه أحمد والشيخان.
2- وعن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الركعتين قبل الغداة فيخففهما حتى إني لاشك أقرأ فيهما بفاتحة الكتاب أم لا؟ رواه أحمد وغيره.
3- وعنها قالت: كان قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الركعتين قبل صلاة الفجر قدر ما يقرأ فاتحة الكتاب: رواه أحمد والنسائي والبيهقي ومالك والطحاوي.
.3- ما يقرأ فيها:
يستحب القراءة في ركعتي الفجر بالوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد ورد عنه فيها ما يأتي:
1- عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في ركعتي الفجر: {قل يا أيها الكافرون} و{قل هو الله أحد} وكان يسر بها رواه أحمد والطحاوي.
وكان يقرأهما بعد الفاتحة، لأنه لا صلاة بدونها كما تقدم.
2- وعنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: «نعم السورتان هما» وكان يقرأ بهما في الركعتين قبل الفجر {قل يا أيها الكافرون} و{قل هو الله أحد}. رواه أحمد وابن ماجه.
3- وعن جابر أن رجلا قام فركع ركعتي الفجر فقرأ في الأولى: {قل يا أيها الكافرون} حتى انقضت السورة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هذا عبد عرف ربه» وقرأ في الاخرة: «هذا عبد آمن بربه» قال طلحة: فأنا أحب أن أقرأ بهاتين السورتين في هاتين الركعتين، رواه ابن حبان والطحاوي.
4- وعن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ فيركعتي الفجر {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا} والتي في آل عمران {تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم} رواه مسلم.
أي أنه كان يقرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة هذه الآية: {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والاسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون} وفي الركعة الثانية {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون}.
5- وعنه في رواية أبي داود أنه كان يقرأ في الركعة الأولى {قولوا آمنا بالله} وفي الثانية {فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله وأشهد بأنا مسلمون}.
6- ويجوز الاقتصار على الفاتحة وحدها، لما تقدم عن عائشة أن قيامه كان قدر ما يقرأ فاتحة الكتاب.
.4- الدعاء بعد الفراغ منها:
قال النووي في الاذكار: روينا في كتاب ابن السني عن أبي المليح واسمه عامر بن أسامة عن أبيه أنه صلى ركعتي الفجر وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى قريبا منه ركعتين خفيفتين ثم سمعه يقول وهو جالس: «اللهم رب جبريل وإسرافيل وميكائيل ومحمد النبي صلى الله عليه وسلم أعوذ بك من النار» ثلاث مرات وروينا فيه عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قال صبيحة يوم الجمعة قبل صلاة الغداة: استغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه ثلاث مرات غفر الله تعالى ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر».
.5- الاضطجاع بعدها:
قالت عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ركع ركعتي الفجر اضطجع على شقه الايمن. رواه الجماعة.
ورووا أيضا عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى ركعتي الفجر فإن كنت نائمة اضطجع وإن كنت مستيقظة حدثني.
وقد اختلف في حكمه اختلافا كثيرا، والذي يظهر أنه مستحب في حق من صلى السنة في بيته دون من صلاها في المسجد.
قال الحافظ: في الفتح: وذهب بعض السلف إلى استحبابها في البيت دون المسجد وهو محكي عن ابن عمر، وقواه بعض شيوخنا بأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله في المسجد.
وصح عن ابن عمر أنه كان يحصب من يفعله في المسجد. أخرجه ابن أبي شيبة.
انتهى وسئل عنه الإمام أحمد فقال: ما أفعله، وإن فعله رجل فحسن.
.6- قضاؤها:
عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من لم يصل ركعتي الفجر حتى تطلع الشمس فليصلها» رواه البيهقي، قال النووي: وإسناده جيد.
وعن قيس بن عمر أنه خرج إلى الصبح فوجد النبي صلى الله عليه وسلم في الصبح، ولم يكن ركع ركعتي الفجر، فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم قام حين فرغ من الصبح فركع ركعتي الفجر فمر به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «ما هذه الصلاة؟» فأخبره، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئا رواه أحمد وابن خزيمة وابن حبان وأصحاب السنن إلا النسائي.
قال العراقي: إسناده حسن.
وروى أحمد والشيخان عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في مسير له فناموا عن صلاة الفجر فاستيقظوا بحر الشمس فارتفعوا قليلا حتى استقلت الشمس ثم أمر مؤذنا فأذن. فصلى ركعتين قبل الفجر، ثم أقام ثم صلى الفجر.
وظاهر الأحاديث أنها تقضى قبل طلوع الشمس وبعد طلوعها، سواء كان فواتها لعذر أو لغير عذر وسواء فاتت وحدها أو مع الصبح.
.سنة الظهر:
ورد في سنة الظهر أنها أربع ركعات أو ست أو ثمان، وإليك بيانها مفصلا: ما ورد في أنها أربع ركعات:
1- عن ابن عمر قال: حفظت من النبي صلى الله عليه وسلم عشر ركعات: ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب في بيته، وركعتين بعد العشاء في بيته، وركعتين قبل صلاة الصبح رواه البخاري.
2- وعن المغيرة بن سليمان قال: سمعت ابن عمر يقول: كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يدع ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل الصبح رواه أحمد بسند جيد.
.ما ورد في أنها ست:
1- عن عبد الله بن شقيق قال: سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: كان يصلي قبل الظهر أربعا واثنتين بعدها رواه أحمد ومسلم وغيرهما.
2- وعن أم حبيبة بنت أبي سفيان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من صلى في يوم وليلة اثنتي عشرة ركعة بني له بيت في الجنة: أربعا قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل صلاة الفجر» رواه الترمذي وقال حسن صحيح، ورواه مسلم مختصرا.
.ما ورد في أنها ثمان ركعات:
1- عن أم حبيبة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى أربعا قبل الظهر وأربعا بعدها حرم الله لحمه على النار» رواه أحمد وأصحاب السنن وصححه الترمذي.
2- عن أبي أيوب الانصاري: أنه كان يصلي أربع ركعات قبل الظهر، فقيل له: إنك تديم هذه الصلاة فقال: إني رأيت رسول الله يفعله، فسألته فقال: «إنها ساعة تفتح فيها أبواب السماء، فأحببت أن يرفع لي فيها عمل صالح» رواه أحمد وسنده جيد.
.فضل الأربع قبل الظهر:
1- عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدع أربعا قبل الظهر وركعتين قبل الفجر على كل حال. رواه أحمد والبخاري.
وروى عنها أنه كان يصلي قبل الظهر أربعا يطيل فيهن القيام ويحسن فيهن الركوع والسجود.
ولا تعارض بين ما في حديث ابن عمر من أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل الظهر ركعتين وبين باقي الأحاديث الاخرى من أنه كان يصلي أربعا.
قال الحافظ في الفتح: والأولى أن يحمل على حالين فكان تارة يصلي اثنتين وتارة يصلي أربعا.
وقيل: هو محمول على أنه كان في المسجد يقتصر على ركعتين وفي بيته يصلي أربعا، ويحتمل أنه كان يصلي إذا كان في بيته ركعتين ثم يخرج إلى المسجد فيصلي ركعتين فرأى ابن عمر ما في المسجد دون ما في بيته واطلعت عائشة على الأمرين.
ويقوي الأول ما رواه أحمد وأبو داود في حديث عائشة كان يصلي في بيته قبل الظهر أربعا ثم يخرج، قال أبو جعفر الطبري: الأربع كانت في كثير من أحواله والركعتان في قليلها.
وإذا صلى أربعا قبلها أو بعدها الافضل أن يسلم بعد كل ركعتين، ويجوز أن يصليها متصلة بتسليم واحد لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صلاة الليل والنهار مثنى مثنى» رواه أبو داود بسند صحيح.
.قضاء سنتي الظهر:
عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا لم يصل أربعا قبل الظهر صلاهن بعدها. رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب.
وروى ابن ماجه عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فاتته الأربع قبل الظهر صلاهن بعد الركعتين بعد الظهر.
هذا في قضاء الراتية القبلية أما قضاء الراتبة البعدية فقد جاء فيه ما رواه أحمد عن أم سلمة قالت: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر، وقد أتي بمال، فقعد يقسمه حتى أتاه المؤذن بالعصر، فصلى العصر ثم انصرف إلي، وكان يومي، فركع ركعتين خفيفتين، فقلنا: ما هاتان الركعتان يا رسول الله، أمرت بهما؟ قال: «لا ولكنهما ركعتان كنت أركعهما بعد الظهر فشغلني قسم هذا المال حتى جاء المؤذن بالعصر فكرهت أن أدعهما» رواه البخاري ومسلم وأبو داود بلفظ آخر.
.سنة المغرب:
يسن بعد صلاة المغرب صلاة ركعتين لما تقدم عن ابن عمر أنهما من الصلاة التي لم يكن يدعها النبي صلى الله عليه وسلم.
.ما يستحب فيها:
يستحب في سنة المغرب أن يقرأ فيها بعد الفاتحة ب {قل يا أيها الكافرون} و{قل هو الله أحد}.
فعن ابن مسعود أنه قال: ما أحصي ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعتين بعد المغرب وفي الركعتين قبل الفجر ب {قل يا أيها الكافرون} و{قل هو الله أحد} رواه ابن ماجه والترمذي وحسنه.
وكذا يستحب أن تؤدى في البيت.
فعن محمود بن لبيد قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني عبد الاشهل فصلى بهم المغرب، فلما سلم قال: «اركعوا هاتين الركعتين في بيوتكم» رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي.
وتقدم أنه صلى الله عليه وسلم كان يصليهما في بيته.
سنة العشاء:
تقدم من الأحاديث ما يدل على سنية الركعتين بعد العشاء.
.السنن غير المؤكدة:
ما تقدم من السنن والرواتب يتأكد أداؤه وبقيت سنن أخرى راتبة يندب الاتيان بها من غير تأكيد، نذكرها فيما يلي:
.1- ركعتان أو أربع قبل العصر:
وقد ورد فيها عدة أحاديث متكلم فيها ولكن لكثرة طرقها يؤيد بعضها بعضا، فمنها حديث ابن عمر قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعا» رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه، وابن حبان وصححه، وكذا صححه ابن خزيمة.
ومنها حديث علي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل العصر أربعا يفصل بين كل ركعتين بالتسليم على الملائكة المقربين والنبيين ومن تبعهم من المؤمنين والمسلمين. رواه أحمد والنسائي وابن ماجه والترمذي وحسنه.
وأما الاقتصار على ركعتين فقط فدليله عموم قوله صلى الله عليه وسلم: «بين كل أذانين صلاة».
.2- ركعتان قبل المغرب:
روى البخاري عن عبد الله بن مغفل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صلوا قبل المغرب، صلوا قبل المغرب» ثم قال في الثالثة: «لمن شاء» كراهية أن يتخذها الناس سنة.
وفي رواية لابن حبان: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى قبل المغرب ركعتين.
وفي مسلم عن ابن عباس قال: كنا نصلي ركعتين قبل غروب الشمس وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرانا فلم يأمرنا ولم ينهنا.
قال الحافظ في الفتح: ومجموع الادلة يرشد إلى استحباب تخفيفها كما في ركعتي الفجر.
.3- ركعتان قبل العشاء:
لما رواه الجماعة من حديث عبد الله بن مغفل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بين كل أذانين صلاة، بين كل أذانين صلاة» ثم قال في الثالثة: «لمن شاء».
ولابن حبان من حديث ابن الزبير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من صلاة مفروضة إلا وبين يديها ركعتان».
استحباب الفصل بين الفريضة والنافلة بمقدار ختم الصلاة: عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى العصر فقام رجل يصلي فرآه عمر فقال له اجلس فإنما هلك أهل الكتاب أنه لم يكن لصلاتهم فصل.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أحسن ابن الخطاب» رواه أحمد بسند صحيح.
.الوتر:
.1- فضله وحكمه:
الوتر سنة مؤكدة حث عليه الرسول صلى الله عليه وسلم ورغب فيه.
فعن علي رضي الله عنه أنه قال: إن الوتر ليس بحتم كصلاتكم المكتوبة، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوتر، ثم قال: «يا أهل القرآن أوتروا فإن الله وتر يحب الوتر».
قال نافع: وكان ابن عمر لا يصنع شيئا إلا وترا رواه أحمد وأصحاب السنن وحسنه الترمذي ورواه الحاكم أيضا وصححه.
وما ذهب إليه أبو حنيفة من وجوب الوتر فمذهب ضعيف.
قال ابن المنذر: لا أعلم أحدا وافق أبا حنيفة في هذا.
وعند أحمد وأبي داود والنسائي وابن ماجه أن المخدجي «رجل من بني كنانة» أخبره رجل من الانصار يكنى أبا محمد أن الوتر واجب، فراح المخدجي إلى عبادة بن الصامت فذكر له أن أبا محمد يقول: الوتر واجب.
فقال عبادة بن الصامت: كذب أبو محمد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «خمس صلوات كتبهن الله تبارك وتعالى على العباد من أتى بهن لم يضيع منهن شيئا استخفافا بحقهن كان له عند الله تبارك وتعالى عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له» وعند البخاري ومسلم من حديث طلحة بن عبيدالله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال صلى الله عليه وسلم: «خمس صلوات كتبهن الله في اليوم والليلة» فقال الاعرابي: هل علي غيرها؟ قال: «لا. إلا أن تطوع».
.2- وقته:
أجمع العلماء على أن وقت الوتر لا يدخل إلا بعد صلاة العشاء وأنه يمتد إلى الفجر.
فعن أبي تميم الجيشاني رضي الله عنه أن عمرو بن العاص خطب الناس يوم جمعة فقال: إن أبا بصرة حدثني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله زادكم صلاة، وهي الوتر فصلوها فيما بين صلاة العشاء إلى صلاة الفجر» قال أبو تميم: فأخذ بيدي أبو ذر فسار في المسجد إلى أبي بصرة رضي الله عنه فقال: أنت سمعت رسول الله يقول ما قال عمرو؟ قال أبو بصرة: أنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه أحمد بإسناد صحيح.
وعن أبي مسعود الانصاري رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر أول الليل وأوسطه وآخره. رواه أحمد بسند صحيح.
وعن عبد الله بن أبي قيس قال سألت عائشة رضي الله عنها عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: ربما أوتر أول الليل وربما أوتر من آخره، قلت: كيف كانت قراءته، أكان يسر بالقراءة أم يجهر؟ قالت: كل ذلك كان يفعل، وربما أسر وربما جهر، وربما اغتسل فنام وربما توضأ فنام «تعني في الجنابة» رواه أبو داود.
ورواه أيضا أحمد ومسلم والترمذي.
.3- استحباب تعجيله:
لمن ظن أنه لا يستيقظ آخر الليل، وتأخيره لمن ظن أنه يستيقظ آخره:
يستحب تعجيل الصلاة الوتر أول الليل لمن خشي أن لا يستيقظ آخره، كما يستحب تأخيره إلى آخر الليل لمن ظن أنه يستيقظ آخره.
فعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من ظن منكم أن لا يستيقظ آخره أي الليل فليوتر أوله ومن ظن منكم أنه يستيقظ آخره فليوتر آخره فإن صلاة آخر الليل محضورة وهي أفضل» رواه أحمد ومسلم والترمذي وابن ماجه.
وعنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لابي بكر: «متى توتر؟». قال: أول الليل بعد العتمة قال: «فأنت يا عمر» قال: آخر الليل.
قال: «أما أنت يا أبا بكر فأخذت بالثقة وأما أنت يا عمر فأخذت بالقوة» رواه أحمد وأبو داود والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم.
وانتهى الأمر برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أنه كان يوتر وقت السحر لأنه الافضل كما تقدم.
قالت عائشة رضي الله عنها: من كل الليل قد أوتر النبي صلى الله عليه وسلم من أول الليل وأوسطه وآخره فانتهى وتره إلى السحر رواه الجماعة.
ومع هذا فقد وصى بعض أصحابه بألا ينام إلا على وتر أخذا بالحيطة والحزم.
وكان سعد بن أبي وقاص يصلي العشاء الاخرة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يوتر بواحدة ولا يزيد عليها.
فقيل له: أتوتر بواحدة لا تزيد عليها يا أبا اسحق؟ قال: نعم..إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الذي لا ينام حتى يوتر حازم» رواه أحمد ورجاله ثقات.
.4- عدد ركعات الوتر:
قال الترمذي: روي عن النبي صلى الله عليه وسلمالوتر بثلاث عشرة ركعة، وإحدى عشرة ركعة، وتسع، وسبع، وخمس، وثلاث، وواحدة.
قال إسحق بن إبراهيم:
معنى ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بثلاث عشرة ركعة أنه كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة مع الوتر، يعني من جملتها الوتر فنسبت صلاة الليل إلى الوتر.
ويجوز أداء الوتر ركعتين، ثم صلاة ركعة بتشهد وسلام، كما يجوز صلاة الكل بتشهدين وسلام، فيصل الركعات بعضها ببعض من غير أن يتشهد إلا في الركعة التي هي قبل الاخيرة فيتشهد فيها ثم يقوم إلى الركعة الاخيرة فيصليها ويتشهد فيها ويسلم، ويجوز أداء الكل بتشهد واحد وسلام في الركعة الاخيرة، كل ذلك جائز وارد عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال ابن القيم: وردت السنة الصحيحة الصريحة المحكمة في الوتر بخمس متصلة، وسبع متصلة.
كحديث أم سلمة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بسبع وبخمس لا يفصل بسلام ولا بكلام رواه أحمد والنسائي وابن ماجه بسند جيد، وكقول عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة، يوتر من ذلك بخمس لا يجلس إلا في آخرهن. متفق عليه، وكحديث عائشة: أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل تسع ركعات لا يجلس فيها إلا في الثامنة فيذكر الله ويحمده ويدعوه ثم ينهض ولا يسلم ثم يصلي التاسعة ثم يقعد ويتشهد ثم يسلم تسليما يسمعنا، ثم يصلي ركعتين بعد ما يسلم وهو قاعد فتلك إحدى عشرة ركعة فلما أسن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذه اللحم أوتر بسبع وصنع في الركعتين مثل صنيعه في الأول.
وفي لفظ عنها: فلما أسن وأخذه اللحم أوتر بسبع ركعات لم يجلس إلا في السادسة والسابعة، ولم يسلم إلا في السابعة.
وفي لفظ: صلى سبع ركعات لا قعد إلا في آخرهن. أخرجه الجماعة، وكلها أحاديث صحاح صريحة لا معارض لها سوى قوله صلى الله عليه وسلم: «صلاة الليل مثنى مثنى» وهو حديث صحيح، لكن الذي قاله هو الذي أوتر بالسبع والخمس، وسننه كلها حتى يصدق بعضها بعضا.
فالنبي صلى الله عليه وسلم أجاب السائل عن صلاة الليل بأنها مثنى مثنى ولم يسأله عن الوتر.
وأما السبع والخمس والتسع والواحدة فهي صلاة الوتر، والوتر اسم للواحدة المنفصلة مما قبلها، وللخمس والسبع والتسع المتصلة كالمغرب اسم للثلاثة المتصلة، فإن انفصلت الخمس والسبع بسلامين كالاحدى عشرة كان الوتر اسما للركعة المفصولة وحدها.
كما قال صلى الله عليه وسلم: «صلاة الليل مثنى فإذا خشي الصبح أوتر بواحدة توتر له ما قد صلى» فاتق فعله صلى الله عليه وسلم وقوله وصدق بعضه بعضا.
.5- القراءة في الوتر:
يجوز القراءة في الوتر بعد الفاتحة بأي شيء من القرآن، قال علي: ليس من القرآن شيء مهجور فأوتر بما شئت.
ولكن المستحب إذا أوتر بثلاث أن يقرأ في الأولى بعد الفاتحة {سبح اسم ربك الاعلى} وفي الثانية {قل يا أيها الكافرون} وفي الثالثة {قل هو الله أحد} والمعوذتين.
لما رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه، عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعة الأولى ب {سبح اسم ربك الاعلى} وفي الثانية ب {قل يا أيها الكافرون} وفي الثالثة ب {قل هو الله أحد} المعوذتين.
.6- القنوت في الوتر:
يشرع القنوت في الوتر في جميع السنة، لما رواه أحمد وأهل السنن وغيرهم من حديث الحسن بن علي رضي الله عنه قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر: «اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، وإنه لاى ذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، وصلى الله على النبي محمد».
قال الترمذي: هذا حديث حسن.
قال: ولا يعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت شيء أحسن من هذا.
وقال النووي: إسناده صحيح، وتوقف ابن حزم في صحته، فقال هذا الحديث وإن لم يكن مما يحتج به فإنا لم نجد فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم غيره والضعيف من الحديث أحب إلينا من الرأي، قال ابن حنبل وهذا مذهب ابن مسعود، وأبي موسى، وابن عباس، والبراء، وأنس، والحسن البصري، وعمر بن عبد العزيز، والثوري، وابن المبارك، والحنفية، ورواية عن أحمد.
قال النووي: وهذا الوجه قوي في الدليل.
وذهب الشافعي وغيره إلى أنه لا يقنت في الوتر إلا في النصف الأخير من رمضان، لما رواه أبو داود أن عمر بن الخطاب جمع الناس على أبي بن كعب وكان يصلي لهم عشرين ليلة ولا يقنت إلا في النصف الباقي من رمضان.
وروى محمد بن نصر أنه سأل سعيد بن جبير عن بدء القنوت في الوتر فقال: بعض عمر بن الخطاب جيشا فتورطوا متورطا خاف عليهم، فلما كان النصف الاخر من رمضان قنت يدعو لهم.
.7- محل القنوت:
يجوز القنوت قبل الركوع بعد الفراغ من القراءة، ويجوز كذلك بعد الرفع من الركوع، فعن حميد قال: سألت أنسا عن القنوت قبل الركوع أو بعد الركوع؟ فقال كنا نفعل قبل وبعد. رواه ابن ماجه ومحمد بن نصر.
قال الحافظ في الفتح: إسناده قوي.
وإذا قنت قبل الركوع كبر رافعا يديه بعد الفراغ من القراءة وكبر كذلك بعد الفراغ من القنوت، روي ذلك عن بعض الصحابة.
وبعض العلماء استحب رفع يديه عند القنوت وبعضهم لم يستحب ذلك.
وأما مسح الوجه بهما فقد قال البيهقي: الأولى أن لا يفعله ويقتصر على ما فعله السلف رضي الله عنهم من رفع اليدين دون مسحهما بالوجه في الصلاة.
.8- الدعاء بعده:
يستحب أن يقول المصلي بعد السلام من الوتر: سبحان الملك القدوس ثلاث مراتى رفع صوته بالثالثة ثم يقول: رب الملائكة والروح، لما رواه أبو داود والنسائي من حديث أبي بن كعب قال: كانر سول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الوتر ب {سبح اسم ربك الاعلى} و{قل يا أيها الكافرون} و{قل هو الله أحد}.
فإذا سلم قال: سبحان الملك القدوس ثلاث مرات، يمد بها صوته في الثالثة ويرفع. وهذا لفظ النسائي.
زاد الدار قطني، ويقول: رب الملائكة والروح، ثم يدعو بما رواه أحمد وأصحاب السنن عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في آخر وتره.
«اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك».
.9- لا وتران في ليلة:
من صلى الوتر ثم بدا له أن يصلي جاز ولا يعيد الوتر.
لما رواه أبو داود والنسائي والترمذي وحسنه عن علي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا وتران في ليلة».
وعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم تسليما يسمعنا، ثم يصلي ركعتين بعد ما يسلم وهو قاعد، رواه مسلم.
وعن أم سلمة: أنه صلى الله عليه وسلم كان يركع ركعتين بعد الوتر وهو جالس، رواه أحمد وأبو داود والترمذي وغيرهم.
.10- قضاؤه:
ذهب جمهور العلماء إلى مشروعية قضاء الوتر لما رواه البيهقي والحاكم وصححه على شرط الشيخين عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أصبح أحدكم ولم يوتر فليوتر».
وروى أبو داود عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من نام عن وتره أو نسيه فليصله إذا ذكره» قال العراقي إسناده صحيح.
وعند أحمد والطبراني بسند حسن: كان الرسول صلى الله عليه وسلم يصبح فيوتر.
واختلفوا في الوقت الذي يقضى فيه، فعند الحنفية يقضى في غير أوقات النهي، وعند الشافعية يقضى في أي وقت من الليل أو من النهار، وعند مالك وأحمد يقضى بعد الفجر ما لم تصل الصبح.
القنوت في الصلوات الخمس يشرع القنوت جهرا في الصلوات الخمس عند النوازل، فعن ابن عباس قال: قنت الرسول صلى الله عليه وسلم شهرا متتابعا. في الظهر والعصر، والمغرب، والعشاء والصبح في دبر كل صلاة إذا قال سمع الله لمن حمده من الركعة الاخيرة: يدعو عليهم، على حي من بني سليم وعل رعل وذكوان وعصية ويؤمن من خلفه رواه أبو داود وأحمد، وزاد: أرسل إليهم يدعوهم إلى الإسلام فقتلوهم.
قال عكرمة: كان هذا مفتاح القنوت: وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يدعو على أحد أو يدعو لاحد قنت بعد الركوع.
فربما قال، إذا قال سمع الله لمن حمده: ربنا ولك الحمد: «اللهم أنج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة، والمستضعفين من المؤمنين. اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف» قال يجهر بذلك ويقولها في بعض صلاته، وفي صلاة الفجر «اللهم ألعن فلانا وفلانا» حيين من أحياء العرب حتى أنزل الله تعالى: «ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون» رواه أحمد والبخاري.
.القنوت في صلاة الصبح:
القنوت في صلاة الصبح غير مشروع إلا في النوازل ففيها يقنت فيه وفي سائر الصلوات كما تقدم.
روى أحمد والنسائي وابن ماجه والترمذي وصححه.
عن أبي مالك الاشجعي قال: كان أبي قد صلى خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ست عشرة سنة، وأبي بكر وعمر وعثمان فقلت أكانوا يقنتون؟ قال: لا: أي بني محدث.
وروى ابن حبان والخطيب وابن خزيمة وصححه، عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يقنت في صلاة الصبح إلا إذا دعا لقوم أو دعا على قوم.
وروى الزبير والخلفاء الثلاثة أنهم كانوا لا يقنتون في صلاة الفجر.
وهو مذهب الحنفية والحنابلة وابن المبارك والثوري وإسحاق.
ومذهب الشافعية أن القنوت في صلاة الصبح بعد الركوع من الركعة الثانية سنة، لما رواه الجماعة إلا الترمذي عن ابن سيرين أن أنس بن مالك سئل: هل قنت النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح؟ فقال: نعم.
فقيل له: قبل الركوع أو بعده؟ قال: بعد الركوع.
ولما رواه أحمد والبزار والدارقطني والبيهقي والحاكم وصححه عنه قال: ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا.
وفي هذا الاستدلال نظر، لأن القنوت المسؤول عنه هو قنوت النوازل كما جاء ذلك صريحا في رواية البخاري ومسلم.
وأما الحديث الثاني ففي سنده أبو جعفر الرازي وهو ليس بالقوي، وحديثه هذا لا ينهض للاحتجاج به، إذ لا يعقل أن يقنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفجر طول حياته ثم يتركه الخلفاء من بعده، بل إن أنسا نفسه لم يكن يقنت في الصبح كما ثبت ذلك عنه، ولو سلم صحة الحديث فيحمل القنوت المذكور فيه على أنه صلى الله عليه وسلم كان يطيل القيام بعد الركوع للدعاء والثناء إلى أن فارق الدنيا، فإن هذا معنى من معاني القنوت وهو هنا أنسب.
ومهما يكن من شيء فإن هذا من الاختلاف المباح الذي يستوي فيه الفعل والترك وإن خير الهدي محمد صلى الله عليه وسلم.
.قيام الليل:
.1- فضله:
1- أمر الله به نبيه صلى الله عليه وسلم فقال: {ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا}.
وهذا الأمر وإن كان خاصا برسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن عامة المسلمين يدخلون فيه بحكم أنهم مطالبون بالاقتاء به صلى الله عليه وسلم.
2- بين أن المحافظين على قيامه هم المحسنون المستحقون لخيره ورحمته فقال: {إن المتقين في جنات وعيون آخذين ما آتاهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وبالاسحار هم يستغفرون}.
3- ومدحهم وأثنى عليهم ونظمهم في جملة عباده الابرار فقال: {وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما}.
4- وشهد لهم بالايمان بآياته فقال: {إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون}.
5- ونفى التسوية بينهم وبين غيرهم ممن لم يتصف بوصفهم فقال: {أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الاخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الالباب}.
هذا بعض ما جاء في كتاب الله، أما ما جاء في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهاك بعضه:
1- قال عبد الله بن سلام: أول ما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس إليه، فكنت ممن جاءه، فلما تأملت وجهه واستبنته عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب.
قال: فكان أول ما سمعت من كلامه أن قال: «أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الارحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام» رواه الحاكم وابن ماجه والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
2- وقال سلمان الفارسي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، ومقربة لكن إلى ربكم، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الاثم، ومطردة للداء عن الجسد».
3- وقال سهل بن سعد: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يا محمد عش ما شئت فإنك ميت، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعلم أن شرف المؤمن قيام الليل وعزه استغناؤه عن الناس».
4- وعن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاثة يحبهم الله ويضحك إليهم ويستبشر بهم: الذي إذا انكشفت فئة قاتل وراءها بنفسه لله عز وجل فإما أن يقتل وإما أن ينصره الله عز وجل ويكفيه فيقول: انظروا إلى عبدي هذا كيف صبر لي بنفسه والذي له امرأة حسنة وفراش لين حسن فيقوم من الليل فيقول: يذر شهوته ويذكرني، ولو شاء رقد والذي إذا كان في سفر وكان معه ركب فسهروا ثم هجعوا فقام من السحر في ضراء وسراء».
.2- آدابه:
يسن لمن أراد قيام الليل ما يأتي:
1- أن ينوي عند نومه قيام الليل:
فعن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أتى فراشه وهو ينوي أن يقوم فيصلي من الليل فغلبته عينه حتى يصبح كتب له ما نوى، وكان نومه صدقة عليه من ربه» رواه النسائي وابن ماجه بسند صحيح.
2- أن يمسح النوم عن وجهه عند الاستيقاظ:
ويتسوك وينظر في السماء ثم يدعو بما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: «لا إله إلا أنت سبحانك، أستغفرك لذنبي وأسألك رحمتك، اللهم زدني علما ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني وهب لي من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور، ثم يقرأ الايات العشر من أواخر سورة آل عمران: {إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لايات لأولى الألباب} إلى آخر السورة ثم يقول: اللهم لك الحمد، أنت نور السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، أنت قيم السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، أنت الحق، ووعدك الحق، ولقاؤك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، ومحمد حق، والساعة حق. اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، ما أسررت وما أعلنت، أنت الله لا إله إلا أنت».
3- أن يفتتح صلاة الليل بركعتين خفيفتين:
ثم يصلي بعدهما ما شاء، فعن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يصلي افتتح صلاته بركعتين خفيفتين.
عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قام أحدكم من الليل فليفتتح صلاته بركعتين خفيفتين» رواهما مسلم.
4- أن يوقظ أهله:
فعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«رحم الله امرء قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته فإن أبت نضح في وجهها الماء، رحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها، فإن أبى نضحت في وجهه الماء».
وعنه أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أيقظ الرجل أهله من الليل فصليا أو صلى ركعتين جميعا كتب في الذاكرين والذاكرات» رواهما أبو داود وغيره بإسناد صحيح.
وعن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ ليلة فقال: «سبحان الله، ماذا أنزل الليلة من الفتنة، ماذا أنزل من الخزائن، من يوقظ صواحب الحجرات، يا رب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة» رواه البخاري.
عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طرقه وفاطمة، فقال: «ألا تصليان؟» قال فقالت: يا رسول الله أنفسنا بيد الله فإن شاء أن يبعثنا بعثنا، فانصرف حين قلت ذلك، ثم سمعته وهو مول يضرب فخذه وهو يقول: {وكان الإنسان أكثر شيء جدلا} متفق عليه.
5- أن يترك الصلاة ويرقد إذا غلبه النعاس:
حتى يذهب عنه النوم، فعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قام أحدكم من الليل فاستعجم القرآن على لسانه فلم يدر ما يقول فليضطجع» رواه مسلم.
وقال أنس: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد وحبل ممدود بين ساريتين فقال: «ما هذا؟» قالوا: لزينب تصلي، إذا كسلت أو فترت أمسكت به.
فقال: «حلوه، ليصل أحدكم نشاطه فإذا كسل أو فتر فليرقد» متفق عليه.
6- أن لا يشق على نفسه:
بل يقوم من الليل بقدر ما تتسع له طاقته، ويواظب عليه ولا يتركه إلا لضرورة.
فعن عائشة قالت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خذوا من الاعمال ما تطيقون، فو الله لا يمل الله حتى تملوا» رواه البخاري ومسلم.
ورويا عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أي العمل أحب إلى الله تعالى؟ قال: «أدومه وإن قل».
وروى مسلم عنها قالت: كان عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم ديمة وكان إذا عمل عملا أثبته.
وعن عبد الله بن عمر قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فترك قيام الليل» متفق عليه.
ورويا عن ابن مسعود قال: ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم رجل نام حتى أصبح قال: «ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه» أو قال: «في أذنه» ورويا عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لابيه: «نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل» قال سالم: فكان عبد الله بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلا.
.3- وقته:
صلاة الليل تجوز في أول الليل ووسطه وآخره ما دامت الصلاة بعد صلاة العشاء.
قال أنس رضي الله عنه في وصف صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما كنا نشاء أن نراه من الليل مصليا إلا رأيناه، وما كنا نشاء أن نراه نائما إلا رأيناه، وكان يصوم من الشهر حتى نقول لا يفطر منه شيئا ويفطر حتى نقول لا يصوم منه شيئا رواه أحمد والبخاري والنسائي.
قال الحافظ: لم يكن لتهجده صلى الله عليه وسلم وقت معين بل بحسب ما يتيسر له القيام.
.4- أفضل أوقاتها:
الافضل تأخيرها إلى الثلث الاخير:
1- فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ينزل ربنا عز وجل كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الاخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فعطيه، من يستغفرني فأغفر له» رواه الجماعة.
2- وعن عمرو بن عبسة قال، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أقرب ما يكون العبد من الرب في جوف الليل الأخير فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن» رواه الحاكم وقال: على شرط مسلم والترمذي وقال: حسن صحيح، ورواه أيضا النسائي وابن خزيمة.
3- وقال أبو مسلم لابي ذر: أي قيام الليل أفضل؟ قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتني فقال: «جوف الليل الغابر وقليل فاعله» رواه أحمد بإسناد جيد.
4- وعن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أحب الصيام إلى الله صيام داود، وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود: كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه، وكان يصوم يوما ويفطر يوما» رواه الجماعة إلا الترمذي.
.5- عدد ركعاته:
ليس لصلاة الليل عدد مخصوص ولا حد معين، فهي تتحقق ولو بركعة الوتر بعد صلاة العشاء.
1- فعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي من الليل ما قل أو كثر ونجعل آخر ذلك وترا» رواه الطبراني والبزار.
2- وروى عن أنس رضي الله عنه يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صلاة في مسجدي تعدل بعشرة آلاف صلاة، وصلاة في المسجد الحرام تعدل بمائة ألف صلاة. والصلاة بأرض الرباط تعدل بألفي ألف صلاة، وأكثر من ذلك كله الركعتان يصليهما العبد في جوف الليل» رواه أبو الشيخ وابن حبان في كتابه الثواب وسكت عليه المنذري في الترغيب والترهيب.
3- وعن إياس بن معاوية المزني رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا بد من صلاة بليل ولو حلب شاة، وما كان بعد صلاة العشاء فهو من الليل» رواه الطبراني ورواته ثقات إلا محمد بن إسحق.
4- وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ذكرت قيام الليل فقال بعضهم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «نصفه، ثلثه، ربعه، فواق حلب ناقة، فواق حلب شاة».
5- وروى عنه أيضا قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصلاة الليل ورغب فيها حتى قال: «عليكم بصلاة الليل ولو ركعة» رواه الطبراني في الكبير والاوسط.
والافضل المواظبة على إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة ركعة، وهو مخير بين أن يصليها وبين أن يقطعها.
قالت عائشة رضي الله عنها: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا غيره عن إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثا، فقلت: يا رسول الله أتنام قبل أن توتر؟ فقال: «يا عائشة إن عيني تنامان ولا ينام قلبي» رواه البخاري ومسلم.
ورويا أيضا عن القاسم بن محمد قال: سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل عشر ركعات ويوتر بسجدة.
.6- قضاء قيام الليل:
روى مسلم عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فاتته الصلاة من الليل من وجع أو غيره صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة.
وروى الجماعة إلا البخاري عن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من نام عن حزبه أو عن شيء منه فقرأه ما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب كأنما قرأه من الليل».
.قيام رمضان:
.1- مشروعية قيام رمضان:
قيام رمضان أو صلاة التراويح سنة الرجل والنساء تؤدى بعد صلاة العشاء، وقبل الوتر ركعتين ركعتين، ويجوز أن تؤدى بعده ولكنه خلاف الافضل، ويستمر وقتها إلى آخر الليل.
روى الجماعة عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمر فيه بعزيمة، فيقول: «من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه» ورووا إلا الترمذي عن عائشة قالت: صلى النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد فصلى بصلاته ناس كثير ثم صلى من القابلة فكثروا، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة فلم يخرج إليهم، فلما أصبح قال: «قد رأيت صنيعكم فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم» وذلك في رمضان.
.2- عدد ركعاته:
روى الجماعة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة.
وروى ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما عن جابر: أنه صلى الله عليه وسلم صلى بهم ثماني ركعات والوتر، ثم انتظروه في القابلة فلم يخرج إليهم.
وروى أبو يعلى والطبراني بسند حسن عنه قال: جاء أبي بن كعب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنه كان مني الليلة شئ، يعني في رمضان، قال: «وما ذاك يا أبي؟» قال: نسوة في داري قلن: إنا لا نقرأ القرآن فنصلي بصلاتك؟ فصليت بهن ثماني ركعات وأوترت، فكانت سنة الرضا ولم يقل شيئا.
هذا هو المسنون الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يصح عنه شيء غير ذلك، وصح أن الناس كانوا يصلون على عهد عمر وعثمان وعلي عشرين ركعة، وهو رأي جمهور الفقهاء من الحنفية والحنابلة وداود، قال الترمذي: وأكثر أهل العلم على ما روي عن عمر وعلي وغيرهما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عشرين ركعة، وهو قول الثوري وابن المبارك والشافعي، وقال: هكذا أدركت الناس بمكة يصلون عشرين ركعة.
قال الزرقاني: وذكر ابن حبان أن التراويح كانت أولا إحدى عشرة ركعة، وكانوا يطيلون القراءة فثقل عليهم فخففوا القراءة وزادوا في عدد الركعات فكانوا يصلون عشرين ركعة غير الشفع والوتر بقراءة متوسطة، ثم خففوا القراءة وجعلوا الركعات ستا وثلاثين غير الشفع والوتر، ومضى الأمر على ذلك.
ويرى بعض العلماء أن المسنون إحدى عشرة ركعة بالوتر والباقي مستحب.
قال الكمال ابن الهمام: الدليل يقتضي أن تكون السنة من العشرين ما فعله صلى الله عليه وسلم ثم تركه خشية أن يكتب علينا، والباقي مستحب.
وقد ثبت أن ذلك كان إحدى عشرة ركعة بالوتر كما في الصحيحين، فإذن يكون المسنون على أصول مشايخنا ثمانية منها والمستحب اثنى عشرة.
.3- الجماعة فيه:
قيام رمضان يجوز أن يصلى في جماعة كما يجوز أن يصلى على انفراد، ولكن صلاته جماعة في المسجد أفضل عند الجمهور.
وقد تقدم ما يفيد أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى بالمسلمين جماعة ولم يداوم على الخروج خشية أن يفرض عليهم ثم كان أن جمعهم عمر على إمام.
قال عبد الرحمن ابن عبد القاري: خرجت مع عمر بن الخطاب ليلة في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون، يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط.
فقال عمر: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب، ثم خرجت معه في ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم فقال عمر: نعمت البدعة هذه والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون، يريد آخر الليل، وكان الناس يقومون أوله، رواه البخاري وابن خزيمة والبيهقي وغيرهم.
.4- القراءة فيه:
ليس في القراءة في قيام رمضان شيء مسنون، وورد عن السلف أنهم كانوا يقومون المائتين ويعتمدون على العصي من طوم القيام، ولا ينصرفون إلا قبيل بزوغ الفجر فيستعجلون الخدم بالطعام مخافة أن يطلع عليهم.
وكانوا يقومون بسورة البقرة في ثمان ركعات فإذا قرئ بها في اثنتي عشرة ركعة عد ذلك تخفيفا.
قال ابن قدامة: قال أحمد: «يقرأ بالقوم في شهر رمضان ما يخفف على الناس ولا يشق عليهم، ولا سيما في الليالي القصار» وقال القاضي: لا يستحب النقصان من ختمة في الشهر ليسمع الناس جميع القرآن، ولا يزيد على ختمة كراهية المشقة على من خلفه، والتقدير بحال الناس أولى، فإنه لو اتفق جماعة يرضون بالتطويل كان أفضل، كما قال أبو ذر: «قمنا مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح، يعني السحور.وكان القارئ يقرأ بالمائتين».
.صلاة الضحى:
.1- فضلها:
ورد في فضل صلاة الضحى أحاديث كثيرة، نذكر منها ما يلي:
1- عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يصبح على كل سلامي من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحمية صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزي من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى» رواه أحمد ومسلم وأبو داود.
2- ولأحمد وأبي داود عن بريدة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «في الإنسان ستون وثلاثمائة مفصل عليه أن يتصدق عن كل مفصل منها صدقة» قالوا فمن الذي يطيق ذلك يا رسول الله؟ قال: «النخامة في المسجد يدفنها أو الشئ ينحيه عن الطريق، فإن لم يقدر فركعتا الضحى تجزئ عنه».
قال الشوكاني: والحديثان يدلان على عظم فضل الضحى وكبر موقعها وتأكد مشروعيتها وأن ركعتيها تجزيان عن ثلثمائة وستين صدقة، وما كان كذلك فهو حقيق بالمواظبة والمداومة.
ويدلان أيضا على مشروعية الاستكثار من التسبيح والتحميد والتهليل، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ودفن النخامة، وتنحية ما يؤذي المار عن الطريق وسائر أنواع الطاعات لنسقط بذلك ما على الإنسان من الصدقات اللازمة في كل يوم.
3- وعن النواس بن سمعان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله عزوجل: ابن آدم لا تعجزن عن أربع ركعات في أول النهار أكفك آخره» رواه الحاكم والطبراني ورجاله ثقات رواه أحمد والترمذي وأبو داود والنسائي عن نعيم الغطفاني بسند جيد.
ولفظ الترمذي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله تبارك وتعالى: «إن الله تعالى قال: ابن آدم اركع لي أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره».
4- عن عبد الله بن عمرو قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فغنموا وأسرعوا الرجعة، فتحدث الناس بقرب مغزاهم وكثرة غنيمتهم وسرعة رجعتهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أدلكم على أقرب منهم مغزى وأكثر غنيمة وأوشك رجعة؟ من توضأ ثم غدا إلى المسجد لسبحة الضحى فهو أقرب مغزى وأكثر غنيمة وأوشك رجعة» رواه أحمد والطبراني، وروى أبو يعلى نحوه.
5- وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث: «بصيام ثلاثة أيام في كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام». رواه البخاري ومسلم.
6- وعن أنس رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر صلى سبحة الضحى ثماني ركعات فلما انصرف قال: «إني صليت صلاة رغبة ورهبة، سألت ربي ثلاثا فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة: سألته ألا يبتلي أمتي بالسنين ففعل، وسألته ألا يظهر عليهم عدوهم ففعل، وسألته ألا يلبسهم شيعا فأبى علي» رواه أحمد والنسائي والحاكم وابن خزيمة وصححاه.
.2- حكمها:
صلاة الضحى عبادة مستحبة فمن شاء ثوابها فليؤدها وإلا فلا تثريب عليه في تركها، فعن أبي سعيد رضي الله عنه قال: «كان صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى حتى نقول لا يدعها، ويدعها حتى نقول لا يصليها» رواه الترمذي وحسنه.
.3- وقتها:
يبتدئ وقتها بارتفاع الشمس قدر رمح وينتهي حين الزوال ولكن المستحب أن تؤخر إلى أن ترتفع الشمس ويشتد الحر.
فعن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم على أهل قباء وهم يصلون الضحى فقال: «صلاة الاوابين إذا رمضت الفصال من الضحى». رواه أحمد ومسلم والترمذي.
.4- عدد ركعاتها:
أقل ركعاتها اثنتان كما تقدم في حديث أبي ذر وأكثر ما ثبت من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثماني ركعات، وأكثر ما ثبت من قوله اثنتا عشرة ركعة.
وقد ذهب قوم - منهم أبو جعفر الطبري وبه جزم المليمي والروياني من الشافعية - إلى أنه لاحد لاكثرها.
قال العراقي في شرح الترمذي: لم أر عن أحد من الصحابة والتابعين أنه حصرها في اثنتي عشرة ركعة. وكذا قال السيوطي.
وأخرج سعيد بن منصور عن الحسن أنه سئل: هل كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلونها؟ فقال: نعم..كان منهم من يصلي ركعتين، ومنهم من يصلي أربعا، ومنهم من يمد إلى نصف النهار.
وعن إبراهيم النخعي أن رجلا سأل الاسود بن يزيد: كم أصلي الضحى؟ قال: كما شئت.
وعن أم هانئ أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى سبحة الضحى ثماني ركعات يسلم من كل ركعتين رواه أبو داود بإسناد صحيح.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى أربع ركعات ويزيد ما شاء الله» رواه أحمد ومسلم وابن ماجه.
.صلاة الاستخارة:
يسن لمن أراد أمرا من الأمور المباحة والتبس عليه وجه الخير فيه أن يصلي ركعتين من غير الفريضة ولو كانتا من السنن الراتبة أو تحية المسجد في أي وقت من الليل أو النهار يقرأ فيهما بما شاء بعد الفاتحة، ثم يحمد الله ويصلي على نبيه صلى الله عليه وسلم ثم يدعو بالدعاء الذي رواه البخاري من حديث جابر رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن بقول: «إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل: اللهم أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، أو قال: عاجل أمري وآجله فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه. وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، أو قال: عاجل أمري وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان، ثم أرضني به» قال: ويسمي حاجته: أي يسمي حاجته عند قوله: «اللهم إن كان هذا الأمر».
ولم يصح في القراءة فيها شيء مخصوص، كما لم يصح شيء في استحباب تكرارها.
قال النووي: ينبغي أن يفعل بعد الاستخارة ما ينشرح له، فلا ينبغي أن يعتمد على انشراح كان فيه هوى قبل الاستخارة، بل ينبغي للمستخير ترك اختياره رأسا وإلا فلا يكون مستخيرا لله، بل يكون غير صادق في طلب الخيرة وفي التبري من العلم والقدرة وإثباتهما لله تعالى، فإذا صدق في ذلك تبرأ من الحول والقوة ومن اختياره لنفسه.
.صلاة التسبيح:
عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس ابن عبد المطلب: «يا عباس يا عماه، ألا أعطيك، ألا أمنحك، ألا أحبوك، ألا أفعل بك عشر خصال، إذا أنت فعلت ذلك غفر الله ذنبك أوله وآخره، وقديمه وحديثه، وخطأه وعمده، وصغيره وكبيره، وسره وعلانيته عشر خصال: أن تصلي أربع ركعات تقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب وسورة، فإذا فرغت من القراءة في أول ركعة فقل وأنت قائم: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر خمس عشرة، ثم تركع فتقول وأنت راكع عشرا ثم ترفع رأسك من الركوع فتقولها عشرا، ثم تهوي ساجدا فتقول وأنت ساجد عشرا، ثم ترفع رأسك من السجود فتقولها عشرا، ثم تسجد فتقولها عشرا ثم ترفع رأسك من السجود فتقولها عشرا فذلك خمس وسبعون في كل ركعة، تفعل ذلك في أربع ركعات وإن استطعت أن تصليها في كل يوم مرة فافعل، فإن لم تستطع ففي كل جمعة مرة، فإن لم تفعل ففي كل سنة مرة، فإن لم تفعل ففي عمرك مرة» رواه أبو داود وابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه والطبراني.
قال الحافظ: وقد روي هذا الحديث من طرق كثيرة، وعن جامعة من الصحابة.
وأمثلها حديث عكرمة هذا، وقد صححه جماعة: منهم الحافظ أبو بكر الاجري، وشيخنا أبو محمد عبد الرحيم المصري، وشيخنا الحافظ أبو الحسن المقدسي رحمهم الله.
وقال ابن المبارك: صلاة التسبيح مرغب فيها، يستحب أن يعتادها في كل حين ولا يتغافل عنها.
.صلاة الحاجة:
روى أحمد بسند صحيح عن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من توضأ فأسبغ الوضوء ثم صلى ركعتين يتمهما أعطاه الله ما سأل معجلا أو مؤخرا».
.صلاة التوبة:
عن أبي بكر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من رجل يذنب ذنبا ثم يقوم فيتطهر ثم يصلي ثم يستغفر الله إلا غفر له. ثم قرأ هذه الآية: {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها}» رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه والبيهقي والترمذي وقال: حديث حسن.
وروى الطبراني في الكبير بسند حسن عن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من توضأ فأحسن الوضوء ثم قام فصلى ركعتين أو أربعا مكتوبة أو غير مكتوبة يحسن فيهن الركوع والسجود ثم استغفر الله غفر له».
.صلاة الكسوف:
اتفق العلماء على أن صلاة الكسوف سنة مؤكدة في حق الرجال والنساء، وأن الافضل أن تصلى في جماعة وإن كانت الجماعة ليست شرطا فيها، وينادى لها: «الصلاة جامعة» والجمهور من العلماء على أنها ركعتان، في كل ركعة ركوعان، فعن عائشة قالت: خسفت الشمس في حياة النبي صلى الله عليه وسلم فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد فقام فكبر وصف الناس وراءه، فاقترأ قراءد طويلة، ثم كبر فركع ركوعا طويلا هو أدنى من القراءة الأولى، ثم رفع رأسه فقال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد.
ثم قام فاقترأ قراءة طويلة هي أدنى من القراءة الأولى، ثم كبر فركع ركوعا هو أدنى من الركوع الأول ثم قال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد. ثم سجد، ثم فعل في الركعة الاخرى مثل ذلك حتى استكمل أربع ركعات وأربع سجدات وانجلت الشمس قبل أن ينصرف، ثم قام فخطب الناس فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله عزوجل لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتموهما فافزعوا إلى الصلاة» رواه البخاري ومسلم.
ورويا أيضا عن ابن عباس قال: خسفت الشمس فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام قياما طويلا نحوا من سورة البقرة، ثم ركع ركوعا طويلا، ثم رفع فقام قياما طويلا، وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعا طويلا، وهو دون الركوع الأول، ثم سجد، ثم قام قياما طويلا، وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعا طويلا، وهو دون الركوع الأول.
ثم رفع فقام قياما طويلا، وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعا طويلا، وهو دون الركوع الأول، ثم سجد، ثم انصرف وقد تجلت الشمس، فقال: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله يخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله».
قال ابن عبد البر: هذان الحديثان من أصح ما روي في هذا الباب.
وقال ابن القيم: السنة الصحيحة الصريحة المحكمة في صلاة الكسوف تكرار الركوع في كل ركعة، لحديث عائشة وابن عباس وجابر وأبي بن كعب وعبد الله بن عمرو بن العاص وأبي موسى الاشعري.
كلهم روى عن النبي صلى الله عليه وسلم تكرار الركوع في الركعة الواحدة، والذين رووا تكرار الركوع أكثر عددا وأجل وأخص برسول الله صلى الله عليه وسلم من الذين لم يذكروه.
وهذا مذهب مالك والشافعي وأحمد، وذهب أبو حنيفة إلى أن صلاة الكسوف ركعتان على هيئة صلاة العيد والجمعة، لحديث النعمان بن بشير قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكسوف نحو صلاتكم، يركع ويسجد ركعتين ركعتين ويسأل الله، حتى تجلت الشمس.
وفي حديث قبصة الهلالي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا رأيتم ذلك فصلوها كأحدث صلاة صليتموها من المكتوبة» رواه أحمد والنسائي.
وقراءة الفاتحة واجبة في الركعتين كلتيهما ويتخير المصلي بعدها ما شاء من القرآن.
ويجوز الجهر بالقراءة والاسرار بها، إلا أن البخاري قال: إن الجهر أصح.
ووقتها من حين الكسوف إلى التجلي.
وصلاة خسوف القمر مثل صلاة كسوف الشمس.
قال الحسن البصري: خسف القمر، وابن عباس أمير على البصرة، فخرج فصلى بنا ركعتين في كل ركعة ركعتين ثم ركب وقال: إنما صليت كما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي. رواه الشافعي في المسند.
ويستحب التكبير «والدعاء والتصدق والاستغفار» لما رواه البخاري ومسلم عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا وتصدقوا وصلوا».
ورويا عن أبي موسى قال: خسفت الشمس فقام النبي صلى الله عليه وسلم فصلى وقال: «إذا رأيتم شيئا من ذلك فافزعوا إلى ذكر الله ودعائه واستغفاره».
.صلاة الاستسقاء:
الاستسقاء: طلب سقي الماء، ومعناه هنا طلبه من الله تعالى عند حصول الجدب وانقطاع المطر على وجه من الاوجه الاتية:
1- أن يصلي الإمام بالمأمومين ركعتين في أي وقت غير وقت الكراهة: يجهر في الأولى بالفاتحة و{سبح اسم ربك الاعلى}.
والثانية بالغاشية بعد الفاتحة، ثم خطبة بعد الصلاة أو قبلها.
فإذا انتهى من الخطبة حول المصلون جميعا أرديتهم بأن يجعلوا ما على أيمانهم على شمائلهم ويجعلوا على ما شمائلهم على أيمانهم ويستقبلوا القبلة، ويدعوا الله عز وجل رافعي أيديهم مبالغين في ذلك، فعن ابن عباس قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم متواضعا، متبدلا متخشعا، مترسلا متضرعا فصلى ركعتين كما يصلي في العيد لم يخطب خطبتكم هذه رواه الخمسة وصححه الترمذي وأبو عوانة وابن حبان.
وعن عائشة قالت: شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر فأمر بمنبر فوضع له بالمصلى ووعد الناس يوما يخرجون فيه، فخرج حين بدا حاجب الشمس فقعد على المنبر فكبر وحمد الله ثم قال: «إنكم شكوتم جدب دياركم وقد أمركم الله أن تدعوه ووعدكم أن يستجيب لكم» ثم قال: «الحمد لله رب العالمين، الرحمن، مالك يوم الدين، لا إله إلا الله يفعل ما يريد: اللهم لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت علينا قوة وبلاغا إلى حين» ثم رفع يديه فلم يزل «يدعو» حتى رؤي بياض إبطيه ثم حول إلى الناس ظهره وقلب رداءه وهو رافع يديه، ثم أقبل على الناس ونزل فصلى ركعتين فأنشأ الله تعالى سحابة فرعدت وبرقت ثم أمطرت بإذن الله تعالى فلم يأت مسجده حتى سالت السيول، فلما رأى سرعتهم إلى الكن ضحك حتى بدت نواجذه فقال: «أشهد أن الله على كل شيء قدير وأني عبد الله ورسوله» رواه الحاكم وصححه وأبو داود وقال: هذا حديث غريب وإسناده جيد.
وعن عباد بن تميم عن عمر عبد الله بن زيد المازني: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج بالناس يستسقي فصلى بهم ركعتين جهر بالقراءة فيهما، الحديث أخرجه الجماعة.
وقال أبو هريرة: «خرج نبي الله صلى الله عليه وسلم يوما يستسقي وصلى بنا ركعتين بلا أذان ولا إقامة، ثم خطبنا ودعا الله وحول وجهه نحو القبلة رافعا يديه، ثم قلب رداءه فجعل الايمن على الايسر والايسر على الايمن» رواه أحمد وابن ماجه والبيهقي.
2- أن يدعو الإمام في خطبة الجمعة ويؤمن المصلون على دعائه لما رواه البخاري ومسلم عن شريك عن أنس أن رجلا دخل المسجد يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب فقال: يا رسول الله هلكت الأموال، وانقطعت السبل فادع إلينا يغيثنا.
فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ثم قال: «اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا» قال أنس: ولا والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة. وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار، فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس، فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت، فلا والله ما رأينا الشمس سبتا ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب فاستقبله قائما فقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل، فادع الله يمسكها عنا فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه، ثم قال: «اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الاكام والظراب، وبطون الاودية ومنابت الشجر» فأقلعت، وخرجنا نمشي في الشمس.
3- أن يدعو دعاء مجردا في غير يوم الجمعة وبدون صلاة في المسجد أو خارجه، لما رواه ابن ماجه وأبو عوانة أن ابن عباس قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله لقد جئتك من عند قوم لا يتزود لهم راع ولا يخطر لهم فحل فصعد النبي صلى الله عليه وسلم المنبر فحمد الله. ثم قال: «اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريئا مريعا طبقا غدقا عاجلا غير رائث ثم نزل فما يأتيه أحد من وجه من الوجوه إلا قالوا قد أحيينا» رواه ابن ماجه وأبو عوانة ورجاله ثقات، وسكت عليه الحافظ في التلخيص.
وعن شرحبيل بن السمط أنه قال لكعب بن مرة: يا كعب، حدثنا عن رسول الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول - وجاءه رجل فقال: استسق الله لمضر - فقال: «إنك لجرئ ألمضر؟» قال يا رسول الله استنصرت الله عز وجل فنصرك، ودعوت الله عز وجل فأجابك فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه يقول: «اللهم اسقنا غيثا مغيثا، مريعا مريئا، طبقا غدقا، عاجلا غير رائث، نافعا غير ضار» فأجيبوا فما لبثوا أن أتوه فشكوا إليه كثرة المطر فقالوا: قد تهدمت البيوت، فرفع يديه وقال: «اللهم حوالينا ولا علينا» فجعل السحاب يتقطع يمينا وشمالا. رواه أحمد وابن ماجه والبيهقي وابن شيبة والحاكم.
وقال: حديث حسن صحيح إسناده على شرط الشيخين.
وعن الشعبي قال: خرج عمر يستسقي فلم يزد على الاستغفار فقالوا: ما رأيناك استسقيت، فقال: لقد طلبت الغيث بمجاديح السماء الذي يستنزل مدارا. «واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه» الآية. رواه سعيد في سننه وعبد الرزاق والبيهقي وابن أبي شيبة.
وهذه بعض الادعية الواردة.
1- قال الشافعي: وروي عن سالم بن عبد الله عن أبيه يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا استسقى قال: «اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريعا غدقا مجللا عاما، طبقا سحا، ائما، اللهم اسقنا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين: اللهم إن بالعباد والبلاد، والبهائم، والخلق من اللاواء والجهد والضنك ما لا نشكوه إلا إليك. اللهم أنبت لنا الزرع. وأدر لنا الضرع، واسقنا من بركات السماء وأنبت لنا من بركات الأرض: اللهم ارفع عنا الجهد، والجوع والعري، واكشف عنا من البلاء ما لا يكشفه غيرك: اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا، فأرسل السماء علينا مدرارا» قال الشافعي: وأحب أن يدعو الإمام بهذا.
2- وعن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا في الاستسقاء «اللهم جللنا سحابا كثيفا، قصيفا دلوقا، ضحوكا تمطرنا منه رذاذا، قطقطا، سجلا، يا ذا الجلال والاكرام» رواه أبو عوانة في صحيحه.
3- وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استسقى قال: «اللهم اسق عبادك وبهائمك، وانشر رحمتك، واحي بلدك الميت» رواه أبو داود فيه ويستحب عند الدعاء في الاستسقاء رفع ظهور الاكف.
فعند مسلم عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى فأشار بظهر كفيه الى السماء.
ويستحب عند رؤية المطر أن يقول: اللهم صيبا نافعا.
ويكشف بعض بدنه ليصيبه، ويقول إذا زادت المياه وخيف من كثرة المطر اللهم سقيا رحمة، ولا سقيا عذاب ولا بلاء ولا هدم ولا غرق.
اللهم على الظراب ومنابت الشجر اللهم حوالينا ولا علينا فكل ذلك صحيح ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
.سجود التلاوة:
من قرأ آية سجدة أو سمعها يستحب له أن يكبر ويسجد سجدة ثم يكبر للرفع من السجود، وهذا يسمى سجود التلاوة ولا تشهد فيه، ولا تسليم.
فعن نافع عن ابن عمر قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرا علينا القرآن فإذا مر بالسجدة كبر وسجد وسجدنا» رواه أبو داود والبيهقي والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين.
وقال أبو داود: قال عبد الرزاق: وكان الثوري يعجبه هذا الحديث وقال أبو داود: يعجبه لأنه كبر.
وقال عبد الله ابن مسعود: إذا قرأت سجدة فكبر واسجد، وإذا رفعت رأسك فكبر.
.1- فضله:
عن أبي هريرة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي يقول: يا ويله أمر بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فعصيت فلي النار» رواه أحمد ومسلم وابن ماجه.
.2- حكمه:
ذهب جمهور العلماء إلى أن سجود التلاوة سنة للقارئ والمستمع لما رواه البخاري عن عمر أنه قرأ على المنبر يوم الجمعة سورة النحل حتى جاء السجدة فنزل وسجد الناس حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأ بها حتى إذا جاء السجدة قال: يا أيها الناس إنا لم نؤمر بالسجود فمن سجد فقد أصاب ومن لم يسجد فلا إثم عليه.
وفي لفظ إن الله لم يفرض علينا السجود الا أن نشاء.
وروى الجماعة إلا ابن ماجه عن زيد بن ثابت قال: قرأت على النبي صلى الله عليه وسلم «والنجم» فلم يسجدها فيها رواه الدار قطني وقال: فلم يسجد منا أحد.
ورجح الحافظ في الفتح أن الترك كان لبيان الجواز، وبه جزم الشافعي.
ويؤيده ما رواه البزار والدارقطني عن أبي هريرة أنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في سورة النجم وسجدنا معه.
قال الحافظ في الفتح: ورجاله ثقات.
وعن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ والنجم فسجد فيها وسجد من كان معه، غير أن شيخا من قريش أخذ كفا من حصى أو تراب فرفعه إلى جبهته، وقال: يكفيني هذا.
قال عبد الله: فلقد رأيته بعد قتل كافرا، رواه البخاري ومسلم.
.3- مواضع السجود:
مواضع السجود في القرآن خمسة عشر موضعا.
فعن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأه خمسة عشر سجدة في القرآن، منهما ثلاث في المفصل وفي الحج سجدتان رواه أبو داود وابن ماجه والحاكم والدارقطني وحسنه المنذري والنووي، وهي:
1- إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون. [206- الاعراف].
2- {ولله يسجد من في السموات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والاصال}. [15 – الرعد].
3- {ولله يسجد ما في السموات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون} [49- النحل].
4- {قل آمنوا به أو لا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للاذقان سجدا} [107- الاسراء].
5- {إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا} [58- مريم].
6- {ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير حق عليه العذاب ومن يهن الله فماله من مكرم إن الله يفعل ما يشاء}. [18- الحج].
7- {يأيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون} [77- الحج].
8- {وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفورا}. [60- الفرقان]
9- {ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السموات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون} [25- النمل].
10- {إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا به خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون} [15- السجدة].
11- {وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب} [24- ص].
12 – {ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون} [37- فصلت].
13- {فاسجدوا لله واعبدوا} [62- النجم].
14- {وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون} [21- الانشقاق].
15- {واسجد واقترب} [19- العلق].
.4- ما يشترط له:
اشترط جمهور الفقهاء لسجود التلاوة ما اشترطوه للصلاة، من طهارة واستقبال قبلة وستر عورة.
قال الشوكاني: ليس في أحاديث سجود التلاوة ما يدل على اعتبار أن يكون الساجد متوضئا، وقد كان يسجد معه صلى الله عليه وسلم من حضر تلاوته ولم ينقل أنه أمر أحدا منهم بالوضوء، ويبعد أن يكونوا جميعا متوضئين، وأيضا قد كان يسجد معه المشركون، وهم أنجاس لا يصح وضوءهم.
وقد روى البخاري عن ابن عمر أنه كان يسجد على غير وضوء، وكذلك روى عنه ابن أبي شيبة، وأما ما رواه البيهقي عنه بإسناد - قال في الفتح: إنه صحيح - أنه قال: لا يسجد الرجل إلا وهو طاهر فيجمع بينهما بما قاله الحافظ من حمله على الطهارة الكبرى.
أو على حالة الاختيار، والأول على الصرورة، وهكذا ليس في الأحاديث ما يدل على اعتبار طهارة الثياب والمكان، وأما ستر العورة والاستقبال مع الإمكان فقيل: إنه معتبر اتفاقا.
قال في الفتح: لم يوافق ابن عمر أحد على جواز السجود بلا وضوء إلا الشعبي.
أخرجه ابن أبي شيبة عنه بسند صحيح.
وأخرج أيضا على أبي عبد الرحمن السلمي أنه كان يقرأ السجدة ثم يسجد وهو على غير وضوء إلى غير القبلة وهو يمشي ويومئ إيماء.
ومن الموافقين لابن عمر من أهل البيت أبو طالب والمنصور بالله.
.5- الدعاء فيه:
من سجد سجود التلاوة دعا ما شاء، ولم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك إلا حديث عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في سجود القرآن: «سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره بحوله وقوته فتبارك الله أحسن الخالقين» رواه الخمسة إلا ابن ماجه.
ورواه الحاكم وصححه الترمذي وابن السكن، وقال في آخره ثلاثا على أنه ينبغي أن يقول في سجوده: سبحان ربي الاعلى، إذا سجد سجود التلاوة في الصلاة.
.6- السجود في الصلاة:
يجوز للامام والمنفرد أن يقرأ آية السجدة في الصلاة الجهرية والسرية ويسجد متى قرأها.
روى البخاري ومسلم عن أبي رافع قال: صليت مع أبي هريرة صلاة العتمة أو قال صلاة العشاء فقرأ: {إذا السماء انشقت} فسجد فيها فقلت يا أبا هريرة ما هذه السجدة؟ فقال سجدت فيها خلف أبي القاسم صلى الله عليه وسلم فلا أزال أسجدها حتى ألقاه.
وروى الحاكم وصححه على شرط الشيخين عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في الركعة الأولى من صلاة الظهر فرأى أصحابه أنه قرأ الم تنزيل السجدة.
قال النووي: لا يكره قراءة السجدة عندنا للامام كما لا يكره للمنفرد، سواء كانت الصلاة سرية أو جهرية، ويسجد متى قرأها.
وقال مالك: يكره مطلقا.
وقال أبو حنيفة: يكره في السرية دون الجهرية.
قال صاحب البحر: وعلى مذهبنا يستحب تأخير السجود حتى يسلم لئلا يهوش على المأمومين.
.7- تداخل السجدات:
تتداخل السجدات ويسجد سجدة واحدة إذا قرأ القارئ آية السجدة وكررها أو سمعها أكثر من مرة في المسجد الواحد بشرط أن يؤخر السجود عن التلاوة الاخيرة، فإن سجد عقب التلاوة الأولى فقيل: تكفيه وقيل: يسجد مرة أخرى لتجدد السبب.
.8- قضاؤه:
يرى الجمهور أنه يستحب السجود عقب قراءة آية السجدة أو سماعها.
فإن أخر السجود لم يسقط ما لم يطل الفصل.
فإن طال فإنه يفوت ولا يقضى.
.سجدة الشكر:
ذهب جمهور العلماء إلى استحباب سجدة الشكر لمن تجددت له نعمة تسره أو صرفت عنه نقمة.
فعن أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أتاه أمر يسره أو بشر به خر ساجدا شكرا لله تعالى، رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي وحسنه.
وروى البيهقي بإسناد على شرط البخاري أن عليا رضي الله عنه لما كتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم بإسلام همذان خر ساجدا ثم رفع رأسه فقال: «السلام على همذان، السلام على همذان».
وعن عبد الرحمن ابن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج فاتبعته حتى دخل نخلا فسجد فأطال السجود حتى خفت أن يكون الله قد توفاه، فجئت أنظر فرفع رأسه فقال: «ما لك يا عبد الرحمن؟» فذكرت ذلك له فقال: «إن جبريل عليه السلام قال لي: ألا أبشرك؟ إن الله عز وجل يقول لك: من صلى عليك صليت عليه، ومن سلم عليك سلمت عليه، فسجدت لله عز وجل شكرا» رواه أحمد، ورواه أيضا الحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين ولا أعلم في سجدة الشكر أصح من هذا، وروى البخاري أن كعب ابن مالك سجد لما جاءته البشرى بتوبة الله عليه.
وذكر أحمد أن عليا سجد حين وجد ذا الثدية في قتلى الخوارج.
وذكر سعيد بن منصور أن أبا بكر سجد حين جاءه قتل مسيلمة.
وسجود الشكر يفتقر إلى سجود الصلاة، وقيل لا يشترط له ذلك لأنه ليس بصلاة.
قال في فتح العلام: وهو الاقرب.
وقال الشوكاني: وليس في أحاديث الباب ما يدل على اشتراط الوضوء وطهارة الثياب والمكان لسجود الشكر.
وإلى ذلك ذهب الإمام يحيى وأبو طالب وليس فيه ما يدل على التكبير في سجود الشكر.
وفي البحر أنه يكبر.
قال الإمام يحيى: ولا يسجد للشكر في الصلاة قولا واحدا إذ ليس من توابعها.
.سجود السهو:
ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسهو في الصلاة، وصح عنه أنه قال: «إنما أنا بشر أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني».
وقد شرع لامته في ذلك أحكاما نلخصها فيما يلي:
.1- كيفيته:
سجود السهو سجدتان يسجدهما المصلي قبل التسليم أو بعده، وقد صح الكل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي الصحيح عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدركم صلى، ثلاثا أم أربعا، فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم».
وفي الصحيحين في قصة ذي اليدين أنه صلى الله عليه وسلم سجد بعد ما سلم.
والافضل متابعة الوارد في ذلك فيسجد قبل التسليم فيما جاء فيه السجود قبله، ويسجد بعد التسليم فيما ورد فيه السجود بعده، ويخير فيما عدا ذلك.
قال الشوكاني: وأحسن ما يقال في هذا المقام أنه يعمل على ما تقتضيه أقواله وأفعاله صلى الله عليه وسلم من السجود قبل السلام وبعده، فما كان من أسباب السجود مقيدا بقبل السلام سجد له قبله، وما كان مقيدا ببعد السلام سجد له بعده، وما لم يرد تقييده بأحدهما كان مخيرا بين السجود قبل السلام وبعده من غير فرق بين الزيادة والنقص، لما أخرجه مسلم في صحيحه عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا زاد الرجل أو نقص فليسجد سجدتين».
.2- الأحوال التي يشرع فيها:
يشرع سجود السهو في الاحوال الاتية:
1- إذا سلم قبل إتمام الصلاة لحديث ابن سيرين عن أبي هريرة قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي فصلى ركعتين ثم سلم فقام إلى خشبة معروضة في المسجد فاتكأ عليها كأنه غضبان، ووضع يده اليمنى على اليسرى وشبك بين أصابعه، ووضع خده على ظهر كفه اليسرى، وخرجت السرعان من أبواب المسجد فقالوا قصرت الصلاة؟ وفي القوم أبو بكر وعمر فهابا أن يكلماه، وفي القوم رجل يقال له: ذو اليدين، فقال: يا رسول الله أنسيت أم قصرت الصلاة؟ فقال: «لم أنس ولم تقصر» فقال: «أكما يقول ذو اليدين؟» فقالوا: نعم..فقدم فصلى ما ترك ثم سلم، ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع رأسه وكبر، ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع رأسه الحديث رواه البخاري ومسلم.
وعن عطاء أن ابن الزبير صلى المغرب فسلم في ركعتين فنهض ليستلم الحجر فسبح القوم فقال ما شأنكم؟.
قال فصلى ما بقي وسجد سجدتين.
قال: فذكر ذلك لابن عباس فقال ما أماط عن سنة نبيه صلى الله عليه وسلم رواه أحمد والبزار والطبراني.
2- عند الزيادة على الصلاة، لما رواه الجماعة عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى خمسا فقيل له.
أزيد في الصلاة؟ فقال: «وما ذلك؟» فقالوا: صليت خمسا، فسجد سجدتين بعد ما سلم.
وفي هذا الحديث دليل على صحة صلاة من زاد ركعة وهو ساه - ولم يجلس في الرابعة.
3- عند نسيان التشهد الأول أو نسيان سنة من سنن الصلاة، لما رواه الجماعة عن ابن بحينة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى فقام في الركعتين فسبحوا به فمضى، فلما فرغ من صلاته سجد سجدتين ثم سلم.
وفي الحديث أن من سها عن القعود الأول وتذكر قبل أن يستتم قائما عاد إليه، فإن أتم قيامه لا يعود.
ويؤيد ذلك ما رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه عن المغيرة بن شعبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قام أحدكم من الركعتين فلم يستتم قائما فليجلس، وإن استتم قائما فلا يجلس وسجد سجدتي السهو».
4- السجود عند الشك في الصلاة، فعن عبد الرحمن بن عوف قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر أواحدة صلى أم ثنتين فليجعلها واحدة، وإذا لم يدر ثنتين صلى أم ثلاثا فليجعلها ثنتين وإذا لم يدر ثلاثا صلى أم أربعا فليجعلها ثلاثا، ثم يسجد إذا فرغ من صلاته وهو جالس قبل أن يسلم سجدتين» رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه.
وفي رواية سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من صلى صلاة يشك في النقصان فليصل حتى يشك في الزيادة» وعن أبي سعيد الخدري قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثا أم أربعا فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم، فإن كان صلى خمسا شفعن له صلاته، وإن كان صلى إتماما لأربع كانتا ترغيما للشيطان» رواه أحمد ومسلم.
وفي هذين الحديثين دليل لما ذهب إليه الجمهور من أنه إذا شك المصلي في عدد الركعات بنى على الاقل المتيقن له ثم يسجد للسهو.
.صلاة الجماعة:
صلاة الجماعة سنة مؤكدة ورد في فضلها أحاديث كثيرة نذكر بعضها في صفحة مستقلة