الأحد، 12 فبراير 2012

شخصيات تاريخية - مسلمون - المعتضد بالله العباسى


المعتضد بالله العباسى


أبو العباس أحمد بن طلحة، الموفق بالله بن جعفر المتوكل على الله، خليفة عباسي، ولد ونشأ ومات في بغداد، كان شجاعاً ذا عزم، مهيباً عند أصحابه، يتقون سطوته ويكفون عن الظلم خوفاً منه، قال ابن دحية: «هو أحد رجال بني العباس الخمسة، أقام العدل، وبذل المال، وأصلح الحال، وحج وغزا وجالس المحدّثين وأهل الفضل والدين ، تولى الخلافة وليس في بيت المال سوى قراريط، فأصلح الأمور حتى فضل من ارتفاعه في سني خلافته 19 ألف ألف دينار» (19مليون دينار).
بويع له بالخلافة سنة 279هـ بعد وفاة عمه المعتمد  على الله ولُقب بالمعتضد بالله،  فكان أول ما فعله أن أمر بالنداء بمدينة السلام أَلاّ يقعد على الطريق ولا في المسجد الجامع  قاصّ ولا صاحب نجوم ولا زاجر، وحُلّف الوراقون ألا يبيعوا كتب الكلام والجدل والفلسفة.
وقد وصل إلى الخليفة المعتضد سنة 279هـ رسول عمرو بن الليث الصفار، بهدايا وسأل ولاية خراسان، فوجه المعتضد عيسى النوشري مع الرسول ومعه خلع ولواء عقده له على خراسان، وفي السنة نفسها كذلك قدم الحسن ابن عبد الله المعروف بابن الجصاص من مصر رسولاً لخمارويه بن أحمد بن طولون بهدايا كثيرة، فقبلها وخلع عليه وعلى سبعة نفر معه، وجدد لخمارويه العقد الذي كان خمارويه قد عقده مع الموفق والخليفة العباسي المعتمد سنة 273هـ وهو أن تترك مصر والشام لخمارويه وأولاده من بعده ثلاثين سنة، وحرص خمارويه على اكتساب رضى المعتضد حتى إنه عرض زواج ابنته قطر الندى من الأمير المكتفي ابن الخليفة المعتضد، ولكن الخليفة اختارها لنفسه، فوافق والدها على ذلك وجهزها بجهاز  عظيم يتجاوز الوصف، وقد تم هذا الزواج سنة 281هـ وبنى خمارويه القصور  والاستراحات على جانبي الطريق إلى بغداد، كي تتمتع ابنته  قطر الندى في  أثناء سيرها بكل وسائل الراحة، فتشعر وكأنها لم تفارق مصر.
وفي سنة 282هـ أمر المعتضد في المحرم من تلك السنة بإنشاء  الكتب إلى جميع العمال في النواحي والأمصار بترك افتتاح الخراج في النيروز الذي هو نيروز العجم في 21 آذار/مارس، وتأخير ذلك إلى اليوم الحادي عشر من حزيران/ يونيو، وسمي ذلك النيروز المعتضدي وكان هدفه الترفيه عن  الشعب والرفق بهم؛ بحيث لا يُجبى الخراج إلا بعد نضج الغلال.
وقد اكتسب المعتضد محبة الناس عند ما أصدر أمره في جمادى الأولى سنة 283هـ بإبطال ديوان المواريث، وبأن يورث ذوو الأرحام،  لا أن يذهب الإرث إلى بيت المال إذا لم  يكن هناك وريث شرعي، وضم المعتضد كل دواوين الدولة بعضها إلى بعض وكوّن منها ديواناً واحداً أطلق عليه اسم ديوان الدار الكبير، ثم قسمه ثلاثة أقسام، ديوان المشرق، وديوان المغرب، وديوان السواد، أي العراق.
أحسن المعتضد إلى آل علي وأخذ يشيد بفضل علي بن أبي طالب ويذم معاوية، على أن بعض خاصته نصح له بأن يعدل عن هذه السياسة حتى لايمهد السبيل  إلى رعاياه بالالتفاف حول العلويين فتضيع هيبة العباسيين ويخرج الأمر من أيديهم .
عرفت الأوضاع الداخلية للدولة العباسية في عهده بعض الاضطراب بسبب قلق العرب من سيطرة الأتراك، فكان أن عاث بنو شيبان في الجزيرة فساداً، الأمر الذي جعل الخليفة يتولى بنفسه حملة لتأديبهم،  فنهب أموالهم وقتل منهم، فجاءت بنو شيبان طائعة تعلن الولاء، فأرجع إليهم ذراريهم.
وما إن انتهى من القضاء على بني شيبان في الجزيرة حتى خرج سنة 281هـ/894م للاستيلاء على قلعة ماردين التي كان قد استولى عليها حمدان بن حمدون جد الأسرة الحمدانية فكان له ما أراد، وهدم القلعة، وقبض على حمدان بن حمدون، وفي الوقت نفسه استفحل أمر الخارجي هارون الشاري بأرض الجزيرة وتغلب على الجيوش التي أرسلها الخليفة، وعندها اختار المعتضد للقضاء عليه حسين بن حمدان، فاشترط حسين على المعتضد أن يسرّح أبيه إن قضى على هارون الشاري وجاء به، فوافق المعتضد على ذلك، وذهب حسين بن حمدان إلى الجزيرة وبدأ بمطاردة هارون الشاري الخارجي إلى أن تمكن منه، عندئذ خلع عليه المعتضد وطوقه بطوق من ذهب وأمر بتسريح أبيه، وخلع على جماعة من رؤساء  أهله، فكان ذلك بداية ظهور الأسرة الحمدانية.
وفي الكوفة ظهر القرامطة بزعامة حمدان بن قرمط، وفي البحرين بزعامة أبي سعيد الجنابي الذي انضم  إليه الأعراب وبقايا الزنوج، وقد لاحق المعتضد قرامطة الكوفة حتى قضى عليهم  إلا أن قرامطة البحرين استفحل أمرهم ووافته المنية قبل أن يستأصلهم.
عاصر المعتضد عدداً من الكتاب والمفكرين والشعراء منهم ابن أبي الدنيا (ت281هـ) مؤدب الخليفة المكتفي في حداثته، والشاعر البحتري (ت 284هـ) والمبرد اللغوي المشهور (ت286هـ) وابن قتيبة الأديب والناقد والمؤرخ (ت276 هـ) والبلاذري (ت279هـ) وأبو حنيفة الدينوري (ت282هـ) وابن  واضح اليعقوبي (ت292هـ) وكانوا من كبار مؤرخي هذا العصر، كما نبغ ثابت ابن قرة الحرّاني الرياضي والفيلسوف الذي اتصل بالمعتضد فكانت له عنده منزلة رفيعة.
توفي المعتضد بعد خلافة  دامت تسع سنين وتسعة أشهر وكان نقش خاتمه «أحمد يؤمن بالله الواحد» قال ابن تغري بردي «المعتضد آخر خليفة عقد ناموس الخلافة وأخذ أمر الخلفاء بعده في الإدبار».