خالد بن الوليد
(…-21هـ/…-642م)
أبو سليمان خالد بن الوليد بن المغيرة ابن عبد الله بن عمرو المخزومي سيف الله وفارس الإسلام وابن أخت أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث زوج النبي r.
وكان أحد أشراف قريش في الجاهلية، وكانت إليه القبة التي يضربونها ويجمعون فيها تجهيزات الجيش، وكانت له أعنة الخيل أي المقدم على خيول قريش في الحرب.
وكان خالد نافراً لقومه من دعوة الإسلام عند ظهورها وذا حميّة، وبلغ مبلغ الزعامة في القتال وهو قائد خيالة المشركين في أُحُد، وكان سبباً من أسباب ميل كفة القتال لمصلحة المشركين ذلك اليوم، واشترك خالد في وقعة الأحزاب أو الخندق التي صدَّ فيها المسلمون المشركين عن المدينة، وسعى فيها خالد لاقتحام الخندق بخيله فأعيا، ثم صار مع عمرو بن العاص في مئتي فارس على ساقة جيش المشركين المنسحب ردءاً (حمايةً وعوناً) لهذا الجيش خشية تعقب المسلمين له.
وتصدى خالد مرة أخرى للنبي r وصحبه حين جاؤوا يقصدون مكة للعمرة في سنة الحديبية. وكان المشركون قد ندبوا خالداً في مئتي فارس لمواجهة الرسول r قبل بلوغ مكة، ولما صلى الرسول r بأصحابه صلاة الخوف في صلاة الظهر همَّ خالد أن يغير عليهم غير أنه أحجم استهابة للرسول وبقي خالد على معاندته ومخاصمة الإسلام حتى هاجر في صفر سنة ثمان للهجرة إلى المدينة، حيث أسلم بين يدي الرسول r الذي سرَّ بقدومه، وسأل خالد الرسول r أن يدعو الله أن يغفر له ما كان قد شهد من تلك المواطن عليه معانداً للحق. فقال رسول الله: «الإسلام يجبّ ما قبله».
لم يزل خالد من حين أسلم يوليه الرسول r أعنة الخيل فيكون في مقدمتها في محاربة المشركين، وكانت أول خدمة يقدمها خالد للإسلام بعد انضمامه إلى صفوفه هي تلك العملية العسكرية الرائعة التي نفَّذها في غزوة مؤتة[ر] بعد استشهاد أمراء الجيش الثلاثة زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة، فقد أخذ الراية بعد اتفاق المسلمين على توليته وقاتل بمهارة قتالاً متراجعاً، وصار يتأخر بالمسلمين قليلاً قليلاً محتفظاً بنظام جيشه ولم يتبعه الروم لأنهم ظنوا أنه يخدعهم حتى يرمي بهم في الصحراء، واستطاع خالد بهذه الطريقة أن يعود بالمسلمين إلى المدينة فقال رسول الله r: «إن خالداً سيف سلّه الله على المشركين» شهد خالد مع الرسول فتح مكة فأبلى فيها لأن المكيين المشركين لم يتصدوا لكتائب الرسول إلا عند الباب الذي أوكل إلى خالد وذلك أن صفوان بن أمية وسهيل بن عمرو وعكرمة بن أبي جهل رصدوا لذاك الباب وجمعوا المعاندين ومنعوه، ورموا النبل فبطش بهم خالد وقتل منهم قرابة الثلاثين أكثرهم من قريش وأقلهم من هذيل وولَّى السادة والأتباع الأدبار بعد ذلك.
بعث الرسول r خالداً إلى (العزّى) وكان بيتاً عظيماً تبجله مضر فهدمها. ثم أرسله بعد فتح مكة إلى بني جذيمة من بني عامر المعروفين بلعقة العرب لشراستهم، في مهمة دعوة واستكشاف نيّة وليس للقتال واستسلم رجال بني جذيمة وانصاعوا غير أن خالداً أعمل السيف فيهم وقتل منهم من لم يجز قتله مما أثار استنكار بعض الصحابة من المهاجرين والأنصار ومنهم عبد الرحمن بن عوف. وقد عيب هذا المسلك على خالد، ولما انتهى الخبر إلى الرسول r تبرأ مما صنع خالد وبعث علياً بن أبي طالب إلى بني جذيمة فودّى دماءهم وما أصيب من أموالهم.
كان خالد على مقدمة جيش رسول الله r يوم حنين، وجرح وعاده الرسول r وبعد ذلك أرسله الرسول في أثناء غزوة تبوك[ر] إلى الأكيدر بن عبد الملك صاحب دومة الجندل في مهمة إتمام مد نفوذ المسلمين إلى الأطراف الشمالية للجزيرة فأسره وأحضره عند الرسول الذي صالحه على الجزية ورده إلى بلده.
وفي سنة عشر للهجرة بعث الرسول r خالداً إلى بني الحارث بن كعب بنجران ليدعوهم إلى الإسلام، فأسلموا وعاد خالد مع وفدهم القادم إلى المدينة للمبايعة فأطلت فتنة الردة برأسها منذ شاع خبر مرض الرسول r واستشرت بعد تولي الخليفة أبي بكر الصديق الخلافة، وكانت الردة تمرداً قامت به بعض القبائل العربية التي لم يتجذر الإسلام فيها على سلطة المدينة للتخلص من الزكاة والتحلّل من الفروض الإسلامية أو تأثراً بالتحريض الخارجي. تصدى أبو بكر للردة بعزم وتصميم، وعبأ القوات لقتال المرتدين، واستعمل خالد بن الوليد على قتالهم، فأبلى خالد فيه بلاءاً عظيماً، وأخضع قبائل عدة عاصية، بيد أن خالداً أنجز إنجازه الكبير عندما قضى على ردّة بني حنيفة في اليمامة وعلى زعيمهم القوي مسيلمة الكذاب. وكان وأد هذه الفتنة إيذاناً بالقضاء على حركات الردة نهائياً واستتباب سلطة المدينة على الجزيرة العربية.
وبعد الردة بدأت مرحلة جديدة في تاريخ الدولة العربية الإسلامية الناشئة، اتخذ فيها الصراع وجهة التصدي للخطر المتربص على الحدود الشمالية الشرقية والشمالية الغربية المحرض الدائم للفتن المتمثل بالإمبراطوريتين الساسانية في العراق وما وراءه والبيزنطية في بلاد الشام وما وراءها. وأمر الخليفة أبو بكر خالداً بعد اليمامة بالمضي بجيشه صوب العراق.
وتوالت نجاحات خالد وقواته في الأبلة والحيرة والأنبار وغيرها وفترت الاشتباكات مع القوات الساسانية مؤقتاً ريثما يصل جيش ضخم أعده الخليفة لإرساله إلى جبهة فارس، وكان الخليفة قد أرسل إلى الشام لمحاربة الروم أربعة جيوش يقودها القائد أبو عبيدة عامر بن الجراح وعمرو بن العاص ويزيد بن أبي سفيان وشرحبيل ابن حسنة. وأعد الروم جيشاً ضخماً لملاقاة المسلمين يفوق قوى المسلمين مرات وبدا أن الصراع على الشام سوف يكون حاسماً، فأوعز الخليفة إلى خالد أن يترك جبهة العراق للمثنى بن حارثة ويتوجه إلى الشام دعماً للجيوش الأربعة. سار خالد بقواته من الحيرة إلى الشام فوصلها في مدة قياسية دلت على مهارته وانضم إلى قوات أبي عبيدة ورفاقه، ولكنه وجد أنَّ قتال الجند في الشام كان على تساند، أي على رايات شتى كل جند وأميرهم لا يجمعهم أحد وهم متضايقون بمدد الروم، فأوضح لهم أنه لا يجوز لهم مقاتلة الروم، وهم قوم على نظام وتعبئة (والتعبئة تقسيم الجيش إلى قلب وميمنة وميسرة تحت قيادة قائد أعلى) بينما العرب على تساند وانتشار، وطلب من الأمراء أن يولوه قيادة الجيش، ونتيجة لذلك خرج خالد كما يقول الرواة في تعبئة لم تعبئها العرب قبل ذلك، فجعل القلب كراديس وعليها أبو عبيدة بن الجراح، والميسرة كراديس وعليها يزيد بن أبي سفيان، والميمنة كراديس وعليها عمرو بن العاص، وكان القلب يضم 16 كردوساً، بينما ضمت كل من الميمنة والميسرة عشرة كراديس وكل كردوس كان يضم ألف مقاتل وعلى كل كردوس قائد، وهؤلاء يأتمرون بأمر قواد الميمنة والميسرة والقلب، وهؤلاء بدورهم يأتمرون بأمر القائد الأعلى خالد بن الوليد، وبهذه التعبئة واجه خالد بن الوليد الروم في معركة اليرموك سنة 13هـ/634م، وهزمهم هزيمة منكرة وسحق معظم جيشهم وفر الباقون متراجعين عن أرض الشام، وهي معركة كرست خالداً بوصفه أحد مشاهير القادة العسكريين في التاريخ.وفي غمرة المعركة ورد أمر الخليفة عمر بخبر موت الخليفة أبي بكر، وبعزل خالد عن القيادة وتولية أبي عبيدة بن الجراح، فكتم أبو عبيدة الأمر حتى انجلت المعركة عن النصر، عندئذ تسلّم أبو عبيدة القيادة وعمل خالد بن الوليد بإمرته. واستمر خالد تحت قيادة أبي عبيدة واشترك في فتح دمشق، وأقام بعدئذ في حمص معتذراً للخليفة عمر عن تولي المناصب. وقد اختلف في مكان وفاته فمنهم من قال إنه توفي في قرية من ضواحي حمص، وآخرون قالوا بل توفي في المدينة، وهذا أرجح بناء على مشاركة نساء بني المغيرة في مأتمه وتزكية عمر له يومذاك، وبوفاته طويت صفحة بطل من أبطال الإسلام ورجاله المشاهير، وأحد قادة الحرب العظام.