عبد الله بن الزِّبَعْرى
(…ـ نحو 15هـ/… ـ نحو 636م)
عبد الله بن الزبعرى بن قيس بن عَدي بن سعد بن سهْم. يرتفع نسبه إلى مالك بن النَّضْر من كِنانة، أمه عاتكة بنت عمرو الجُمحيَّة، كان شاعر قريش في الجاهلية، ونسب إليه الإخباريون أنه هجا بني عبد مَناف بن قُصي بن كلاب، وخُطَّ من هجائه بيتان على دار النَّدوة يقولان :
أَلهَى قُصَيَّا عن المَجْدِ الأَسَاطيرُ
وَرِشوَةٌ مثل ماتُرشَى السَّفاسيْرُ
وَأكْلُها اللَّحْمَ بحْتاً لاخَليْطَ لَهُ
وَقَوْلها: رَحَلَتْ عِيْرٌ مَضَتْ عِيْرُ
يقول: إنَّ أبناء قصيٍّ مقيمون في مكَّةَ لا يَخْرجون إلى التجارة، وإنَّما يتلقون التُجَّار ويترقبونهم، ويسعون بينهم بالسَّمْسَرة، ويريد أيضاَ بالرِّشوة ما فرض قصي على قريش في أموالها عن كلِّ موسم حج، ليصنع طعام الحجيج.
وكانت قريش تُنكر أن يهجو بعضها بعضا، وتعاقِب عليه، فَمَشَوْا إلى بني سَهْم يطلبونه ليحكموا فيه بقطع لسانه، ولما اجتمع بنو قصي بينهم، وكانوا أهل تناصف، أجمعوا على تخليته خشية ألا يذهب ذلك تقليداً، بيد أنَّهم حَمَلوه على قومه قائلين: «أَسْلَمَك قومك ولم يمنعوك، ولو شاؤوا منعوك …» فقال:
لَعَمْرُك ما جاءَتْ بِنُكْرٍ عشيرتي
وإِنْ صالَحَتْ إخوانها لا أَلومُها
يودُّ جُنَاةُ الغَيِّ أَنَّ سُيُوفَنا
بِأَيماننا مَسْلُولَةً لا نَشِيْمُها
وهذان البيتان يُعدّان من أَحْسَنِ الإنصاف والعقل. مدح ابن الزِّبَعْرى بني المغيرة بن عبد الله المخزوميِّين، لبلائهم في حرب الفِجار، وفي خضم المواجهة بين الإسلام والشرك، كان الزِّبَعْرى لسان المشركين قبل إسلامه، فوقف في وجه الدعوة الإسلامية، وكان شديداً على المسلمين إيذاءً وهجاءً وتحريضاً، افتخر بانتصار المشركين في موقعة أُحد بقصيدة منها:
ليت أَشْياخي بِبَدْرٍ شَهدوا
ضَجَرَ الخزْرَجِ من وَقْعِ الأَسَلْ
حين ألقت بِقَنَاةٍ بَرْكَهَا
واسْتَمَّر القَتْل في عَبْد الأَشَل
فَقَبِلْنا النِّصْفَ من ساداتهم
وَعَدلنا مَيْل بَدْر فاعْتَدل
قيل إنه هرب إلى نجران بعد فتح مكَّة، فأنشد فيه حسان بن ثابت أبياتاً، فلما بَلَغتهُ عاد إلى مكة، فأسلم واعتذر لرسول اللهr ومما قاله في اعتذاره:
يا خيرَ منْ حَمَلَتْ على أَوْصالها
عَيْرانةٌ سُرُحُ اليدين رَسُومُ
إني لمعتذرٌ إليك من الذي
أَسْدَيْتُ، إذ أنا في الضَّلال أَهيْمُ
فاغفر - فدًى لك والداي كِلاهُما
ذنبي، فإنك راحمٌ مرحومُ
تشح الأخبار عن سيرته بعد الإسلام إلا ما كان من قدومه إلى مكة مع ضِرار بن الخطَّاب الفِهري، وطَلَبَهُما الاجتماعَ بحسان بن ثابت، حتى إذا اجتمعا أنشداه، ولما فرغا تركاه دون أن ينشد، فاشتكاهما إلى الخليفة عمر بن الخطابt فأعادهما إلى المدينة لينشدهما حسان ففعلا. كان من أبرع شعراء مكة، وصنفه ابن سلاَّم في أول طبقة شعرائها، ويعد شعره في واحد من الوجوه مثالاً حياً على الصراع بين الإسلام والشرك.