شاعر الرسول حسان بن ثابت
(…-54هـ/…-674م)
أبو الوليد حسان بن ثابت بن المنذر ابن حرام بن عمرو بن زيد ويكنى أيضاً بأبي عبد الرحمن، صحابي أنصاري من فحول الشعراء المخضرمين. كان أبوه ثابت من سادة الخزرج وأشرافهم، وأمه الفُريعة بنت خالد بن حبيش الخزرجية، وقيل هي أخت خالد لا ابنته وقد أدركت الإسلام أسلمت وبايعت، وحسان هو من بني النجار أخوال النبيr فله به قرابة وصلة رحم. وقد عرفه بلاط ملوك الغساسنة في الشام، وقيل إنه تردد أيضاً على ملوك المناذرة في الحيرة بالعراق في عهد ملكهم النعمان بن المنذر.
وليس غريباً أن يتردد حسان على ملوك الغساسنة والمناذرة فهو من أصل قحطاني فله نسب مع هؤلاء في الشام وأولئك في العراق، ولذلك فهو يمدح في شعره من له معه صلة قرابة ونسب. وكان أيضاً يتكسب بشعره فيقصد بلاط ملوك أهل جفنة من الغساسنة في بلاد الشام فيخلعون عليه ويقدمون له العطايا والهبات، وفي إحدى زياراته لعمرو بن الحارث تقدم منافساً الشاعرين النابغة الذبياني وعلقمة بن عبده وأنشد قصيدة طويلة شهيرة منها:
لله درُّ عصابةٍ نادمتُهم
يوماً بجلّق في الزمان الأولِ
يمشون في الحللِ المُضاعفِ نسجُها
مشيَ الجمال إلى الجمال البُزّلِ
أولاد جفنةَ حول قبرِ أبيهم
قبرِ ابنِ مارية الكريم المفضَلِ
بيض الوجوه كريمة أحسابهم
شُم الأنوف من الطراز الأول
ظل ملوك الغساسنة من آل جفنة على برِّهم بحسان حتى آخر حكمهم حيث أرسل إليه جبلة بن الأيهم آخر ملوكهم في عهد الخليفة عمر بن الخطاب مبلغاً كبيراً من المال وأثواباً من الديباج، وذلك بعد أن استمع إلى بعض الجواري وهن يغنين أبياتاً من قصيدة لحسان الذي فقد بصره وقدمت له الهدية في المدينة المنورة بحضور أمير المؤمنين عمر بن الخطاب.
ونظراً للحروب الكثيرة التي وقعت بين قبيلة حسان وهي الخزرج وبين قبيلة الأوس في الجاهلية كان حسان شاعر الخزرج يدافع عنهم ضد خصومهم لهذا كان يصطدم مع شعراء الأوس ومنهم قيس بن الخطيم وأبو قيس بن الأسْلت.
اعتنق حسان الإسلام بعد هجرة رسول اللهr إلى يثرب وعرف بشاعر النبيr، وقد استخدم الرسولr الشعر سلاحاً للرد على خصومه وللرد على وفود القبائل حين تأتي إليه: فكان الرسول r حين يصله هجاء شعراء قريش وغيرها يقول لحسان: «اهجهم يا حسان وروح القدس معك».
ولحسان شعر كثير في مدح رسول اللهr من ذلك قوله:
وأحسنُ منكَ لم تَرَ قَطُّ عَيْنِي
وأجملُ منك لم تَلِد النساءُ
خُلِقتَ مُبَّرأ مِنْ كُلِّ عَيْبِ
كَأنََّكَ قَدْ خُلِقْتَ كَمَا تشاءُ
وقال أيضاً في مدحه r:
نبيٌ أتانا بعدَ يأسٍ وفَترةٍ
منَ الرسلِ والأوثانُ في الأرض تعبدُ
فأمسى سِراجاً مستنيراً وهادياً
يلوحُ كما لاحَ الصقيلُ المهندُ
وله هجاء كثير ومنه هجاء مقذع في أعداء الإسلام ومن الذين هجاهم أبو سفيان وزوجته هند بنت عتبه وأبو جهل وصفوان بن أمية.
ومما قاله في هجاء أبي سفيان ومدح رسول الله r قوله:
أَلا أبلغْ أَبَا سفيانَ عَنِّي
فَأَنْتَ مُجَّوفٌ نخِبٌ هَوَاءُ
بَأنَّ سُيُوفَنَا تَرَكَتْكَ عَبداً
وعبدُ الدارِ سَادَتُها الإماءُ
هَجَوتَ محمداً، فَأَجَبتُ عَنْهُ
وعِنْدَ الله في ذَاكَ الجَزَاءُ
فَإنَّ أَبِي وَوالِدَه وعِرْضِي
لعِِرْضِ محمدٍ منْكُم وِقَاءُ
ولحسان شعر في رثاء شهداء غزوة أحد ولاسيما سيد الشهداء حمزة ومن ذلك قوله:
دَعْ عَنْكَ داراً قد عَفَا رسُمُها
وابْكِ على حَمْزة ذي النَّائلِ
ما لِشَهيدٍ بَيْن أَرْماحكم
شُلَّتْ يدا وَحْشّي من قاتلِ
كنّا نرى حمزةَ حِرْزاً لَنَا
فِِي كُلِّ أَمرٍ نَابَنَاً نَازِلِ
ترك حسان ديوان شعر جمعه محمد بن حبيب. وقد أجمع النقاد والرواة على أن حسان أشعر أهل المدر في عصره.
كثر الوضع في شعره الإسلامي وهذا ما يفسر اختلاف أسلوبه وجزالته بين قصيدة وأخرى. ويقول النقاد إن شعر حسان في الجاهلية أجود من شعره في الإسلام، كما ذكر ذلك الأصمعي، وقد فسَّر هذا شاعرنا نفسه حين أجاب على سؤال بهذا المعنى قال: «الإسلام يحجز عن الكذب، وإن الشعر يزينه».
كان حسان بحق شاعر الإسلام وأحداثه فضلاً عن كونه شاعر النبي r فقد ظهرت جلية المعاني الإسلامية في شعره، إذ رافق أحداث الإسلام فلم يترك عدواً له إلا هجاه ولا شهيداً إلا رثاه ولا مشهداً إلا ذكره ونظم فيه. فقد رثا شهداء مؤتة ورثا أبا بكر وعمر وغيرهما من كبار الصحابة، كما نظم في غزوة بني قريظة وفي غزوة خيبر وفي فتح مكة وفي فضائل الأنصار وله شعر كثير في رثاء رسول الله r من ذلك قوله:
فبوركتَ يا قبرَ الرسولِ وبوركتْ
بلادٌ ثوى فيها الرشيدُ المسددُ
يبكون مَنْ تبكي السمواتُ يومَه
ومَنْ قد بكتْه الأرضُ فالناسُ أكمدُ
اتهم حسان بالجبن فقد حارب دون الإسلام دفاعاً عنه بالشعر فقط، إذ إنه لم يشهد أي غزوة مع رسول الله r فقد ذكر ابن هشام عن ابن إسحاق أن عبد الله بن الزبير روى عن أبيه أن حسان بن ثابت كان في غزوة الخندق بحصن فارع حيث أبقاه الرسول r فيه مع النـساء وبينهن صفية بنت عبـد المطلب عمـة رسـول الله r، وتقول صفية: مر بنا رجل يهودي فجعل يطيف بالحصن، فقلت لحسان: إن هذا اليهودي لا آمنه أن يدل على عوراتنا فانزل فاقتله، فقال: يغفر الله لك يا بنت عبد المطلب لقد عرفت ما أنا بصاحب هذا، فأخذت صفية عموداً ونزلت فقتلت اليهودي، وقالت لحسان: انزل فاسلبه. فقال: ما لي بسلبه من حاجة.
اختلف في عمر حـسان والأرجح أنه عاش ستين سنة في الجاهلية ومثلها في الإسـلام أو قريباً من ذلك وأنه توفي في المدينة المنورة، وذكر ابن إسـحاق أن النبي r قدم المدينة المنورة ولحسان ستون سنة.