الاثنين، 6 مايو 2013

قسم المقالات : تسامح الدين الإسلامى بقلم محمد رشيد رضا

تسامح الدين الإسلامى

جاء في جريدة اللواء تحت هذا العنوان ما يأتي ، مع تصحيح قليل :

( نشرت جريدة ( ريج ) الروسية أن مخبرها الخصوصي في الآستانة العلية
قابل سماحة شيخ الإسلام ، وطرح عليه أربعة أسئلة طالباً الجواب عن كل منها ،
وهي :
1- ما رأي شيخ الإسلام في تعليم المرأة المسلمة ؟
2- ما رأي شيخ الإسلام فيما نشرته الجرائد التركية من وجوب ترجمة القرآن
الكريم إلى اللغة التركية ؟
3- بأي نظر ينظر شيخ الإسلام إلى المدارس الفنية العثمانية ؟
4- ماذا يفهم شيخ الإسلام من الأقوال القائلة بالحرية في الدين ؟
أجاب سماحته عن السؤال الأول بقوله ( إن القرآن الكريم يأمر الرجال
والنساء جميعاً ( بالعلم ) فيلزم كل فرد من أفرادهما أن يتعلم القراءة والكتابة ، ولهذا
السبب نقابل - بانشراح صدر - انتشار التعليم بكل أنواعه بين النساء ، زيادة على
تحصيلهن العلوم الابتدائية ، لأني أرى من الأوفق والأصوب أن تتولى الطبيبة أمر
معالجة المريضة المسلمة ، لذلك يجب أن تؤخذ الفتيات إلى المدارس الطبية ، وأما
مسألة قيام النساء بوظيفة المحاماة والقضاء ، فأمرها لم يتم بعد في البلاد الأخرى ،
ولا أدري بأي نظر ينظر الأهالي هذه المسألة في بلادنا ) .
وقال سماحته مجيباً عن السؤال الثاني :
( فهم القرآن واجب على المسلمين مطلقاً ، لذلك لا نعارض فكرة ترجمة
القرآن إلى اللغة التركية ، بل نَعُدُّ بَذْلَ كل مجهود في إبراز هذه الفكرة الشريفة إلى
حيز الوجود ديناً عظيماً علينا ، ولكن حيث إن في القرآن كثيراً من المواضع
يصعب فهمها على العامة ، واشترطت لحلها كثرة العلم والتعلم ، لذلك نرى من
الواجب أن تعهد وظيفة ترجمة القرآن إلى أفاضل الفلاسفة المسلمين الذين لهم إلمام
تام بلغة القرآن وروح الإسلام وأدبيات العرب حتى لا يخشى من تغيير معانيه
الجليلة ) .
وأجاب عن السؤال الثالث بما ترجمته :
إنا معشر رجال الدين وظيفتنا النظر في شؤون المدارس الدينية ، وأما الفن ،
فأمره ليس بأيدينا ، بل هو راجع إلى الحكومة والأهالي ، لذلك نحن لا نتداخل في
أمره ، وعلى الحكومة أن تنتخب لمدارسها من الفنون ما ينجم عنه رقي الأهالي
وقوة الدولة وحضارة البلاد ولا نطلب من الحكومة تسليمها لنا ولا أن تكون مدارسها
الابتدائية تحت نفوذنا .
ولا يوجد في المدارس الفنية من الدروس الدينية غير حصة واحدة ، وأكرر
القول بأن الفن والصناعة ليسا من عمل رجال الدين ، بل من عمل الحكومة ،
ولكنهما ليسا بمخالفين للدين ، ولهذا السبب نسلم أمر هذه المسألة تماماً إلى الحكومة .
وقال مجيباً عن السؤال الرابع :
( نحن على جانب عظيم من الحرية الدينية ، ولكن لا نتداخل في أمور ديانة
الأمم وخصائصها ووجدانها في أي حال ، وإذا تداخلنا فإنما يكون ذلك باللسان فقط ،
ويأمر الدين الحنيف كل مسلم متزوج بزوجة مسيحية أن يرسل زوجته مرتين في
الأسبوع لزيارة أقربائها ، ولم يأمر نبينا الكريم الناس بما لا طاقة لهم به ، حتى أن
تركيا لم تضغط ، ولا في الأزمنة التي كانت لها فيها قوة كبرى ، على رعاياها
المسيحيين في أمورهم الدينية ، فينبغي أن ينفذ حكم الحرية التامة في أمور الديانات
ليأمن كلٌّ على معتقده وديانته ) .
* * *
( شأن المرتدين عن الإسلام )
وهنا قطع المخبر كلام سماحته سائلاً رأيه في المنتقلين من الإسلام إلى
المسيحية ، فأجاب قائلاً : افرضوا أن فرقة عسكرية فرت من بين صفوف المقاتلين ،
لا شك أنكم تعتبرونها خائنة شر خيانة ، وحينئذ تحكمون عليها بأشد العقاب ،
ونحن كذلك أمة واحدة ، نذوب أسفاً على كل خارج من صفنا ونستاء منه استياء
شديداً وليس أمرنا هذا مخالفاً للحرية الدينية المبنية على أساس أن كل الناس
مختارون في أمر الدين ، ولا نطلب بأي حال من الحكومة أن تعاقب الخارجين من
الدين أو نضغط عليهم بالقوانين والتضييق ، كما لا نحكم على الخارجين عن الدين
إلا بالحكم المعنوي ، ولا يمكن إجبار الناس لقبول الإسلام أو المسيحية ، وإذا كان
لشخص اختيار في الارتداد فلا يمنعنا مانع عن إظهار كراهتنا له ونفورنا منه .
( زواج المسلم بالمسيحية[1] )
وسأل المخبر سماحته أيضاً قائلاً : إن الإسلام يصرح لمنتحليه بزواج الفتاة
المسيحية ، ولماذا يمنع الفتاة المسلمة من الزواج بالمسيحي ! فأجاب بقوله :
( تعرفون أن نفوذ الزوج فوق نفوذ الزوجة في المنزل ، وهي تابعة له ، ونحن معشر
المسلمين نعد كلاًّ من اليهود والنصارى من أهل الكتاب ، ونؤمن بكتبهم ونصدق
برسلهم ، ولهذا السبب الصراح نقدر على الإقامة مع اليهودية أو النصرانية بلا أدنى
تعد على عقيدتها ، ولا تعرُّضٍ لأمورها الدينية ، وأما اليهود والنصارى فليسوا
بمؤمنين بالقرآن ولا بمصدقين بنبينا الكريم ، بل يعدونهما كذباً محضاً ، لذلك
حرُم على المسلمين أن يضعوا فتياتهم تحت نفوذ قوم هذه حالهم مما يحرمه
ديننا الحنيف ) .
( مسلمو روسيا )
ثم عرج سماحته بالكلام نحو مسلمي روسيا ، فقال : ( إني ما زلت أنصح
لمسلمي روسيا بأن يكونوا مطيعين ومخلصين لوطنهم ، بيد أنه يجب عليهم أن
يعضوا بالنواجذ على حقوقهم الدينية وعلاقاتهم الجنسية ) .
( العلماء الروحيون والحرية الدينية )
ثم فتح باب الكلام أيضاً بشأن الحرية الدينية ، إذ قال : ( إني في جانب من
يقول بالحرية التامة نحو الدين ، وأعتقد أن جميع العلماء الروحيين إذا اعتقدوا أن
جميع البشر إخوان ، وأنهم عبيد مستوون عند الله الواحد القهار ، زالت من بينهم
المجادلات الدينية ، وطمست آثار المظالم والفتن ) .
ثم قال المخبر تعليقاً على ما تقدم ( فليفهم القراء علو منزلة رئيس علماء
المسلمين وليحكموا على بقية رؤساء الأديان الأخرى ) . ا هـ
( المنار )
إن قراء المنار يعرفون رأينا في هذه المواضيع ، وربما عدنا إليها في جزء
قادم .
__________
(1) المنار : كتبنا منذ ست سنين تعليقاً على كلام للأستاذ الإمام بشأن زواج المسلم بالمسيحية ، في كتاب الإسلام والنصرانية ، هذا نصه : (يقول بعض النصارى : إذا كان الإسلام أباح للمسلم أن يتزوج بالكتابية ، ليعلم البشر التآلف والتعاطف ، مع التباين في العقيدة والتخالف ، فلماذا لم يسمح للكتابي أن يتزوج بالمسلمة لهذا الغرض ؟ والجواب أن الرجال قوامون على النساء ، لأنهم أقوى منهن ، فليس من العدل ولا من الرحمة أن يسمح لقوي يفرق دينه بينه وبين زوجته الضعيفة ويأمره ببغضها وببغض أولاده ووالديه إذا خالفوا عقيدته أن يتزوج بامرأة مخالفة ، أباح الإسلام ذلك لمن يعمل بما أمر من العدل والرحمة ، وهو المسلم) ، فرأي شيخ الإسلام موافق لرأينا في روح المعنى ، وإن خالفه في الأسلوب


نشر هذا المقال بجريدة المنار عام 1908 م