ما حكم الإجهاض ؟
المفتي
فضيلة الشيخ عطية صقر
مايو 1997
السؤال
ما حكم الإجهاض ؟
الجواب
الإجهاض : الإجهاض هو إنزال الجنين قبل تمام نموه الطبيعى فى بطن أمه ، وله طرق عدة ، وإليك كلمة عن حكمه ملخصة من فتوى رسمية منشورة بالفتاوى الإسلامية ( المجلد التاسع ص 3093 ) ومن مقالات بعض العلماء ( مجلة العربى عدد أغسطس 1973 ) .
الإجهاض إن كان بعد الشهر الرابع حرام بالاتفاق ، لأنه قتل نفس بغير حق ، إلا لضرورة تقتضيه ، فالضرورات تبيح المحظورات ، قال تعالى { فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه } البقرة : 173 ، ومن الأعذار انقطاع لبن المرأة بعد ظهور الحمل ، والرضيع محتاج إليه ولا بديل له ومنها الشعور بالضعف عن تحمل أعباء الحمل ، وكون الوضع بالعملية القيصرية التى تعرضها للخطر ، وإقرار الأطباء أن بقاء الحمل يفضى إلى هلاكها ، والتأكد من وراثة مرض خبيث كالذى يذكره الدكتور محمد عبد الحميد وسيأتى بعد . أما قبل الشهر الرابع ففى الإجهاض خلاف :
1 - قال بعض الأحناف كالحصكفى : إنه مباح ولو بغير إذن الزوج وذلك عند العذر ، وقال صاحب " الخانية " : لا يحل ، قياسًا على ما لو كسر المُحرمُ بيض الصيد ، الذى نص الفقهاء على أنه يَضْمَنُه ، لأنة أصل الصيد ، والجزاء الدنيوى أمارة الجزاء الأخروى-، فأقل درجات منعه أنه مكروه .
2 - والمالكية منعوه فى جميع مراحله ولو قبل الأربعين يومًا ، على ما هو المعتمد من مذهبهم ، كما فى نص عبارة الدردير فى الشرح الكبير : لا يجوز إخراج المنى المتكون فى الرحم ولو قبل الأربعين يومًا وفى رأى أنه مكروه ، وعبارة " المتكون فى الرحم " تعطى أن النطفة لو لم تستقر فى الرحم يجوز التخلص منها .
3 - والمتَّجه عند الشافعية هو الحرمة ، وقيل : يكره فى فترتى النطفة و العلقة ، أو خلاف الأولى . ومحله إذا لم تكن هناك حاجة ، كأن كانت النطفة من زنا فيجوز .
4 - أما عند الحنابلة فيؤخذ من كلام " المغنى " لابن قدامة أنها إذا ألقته مضغة فشهد ثقات من القوابل بأن فيه صورة خفية ففيه غرَّة ، وإن شهدن أنه مبتدأ خلق آدمى ولو بقى لتصور ففيه وجهان ، أصحهما لا شىء فيه .
فالخلاصة أن للفقهاء فى الإجهاض قبل تمام الأشهر الأربعة أربعة أقوال :
1 - الإباحة مطلقًا دون توقف على عذر ، وهو مذهب الزيدية وبعض الحنفية وبعض الشافعية ، ويدل عليه كلام المالكية والحنابلة .
ب - الإباحة عند وجود العذر و الكراهة عند عدمه ، وهو ما تفيده أقوال الحنفية وبعض الشافعية .
ب - الكراهة مطلقًا وهو رأى بعض المالكية .
د - التحريم بغير عذر ، وهو معتمد المالكية والمتجه عند الشافعية والمتفق مع الظاهرية .
هذا ، وتونس أولى الدول الإسلامية التى تبيح الإجهاض ، وتركيا ستكون هى الثانية ، واشترطت ألا يكون بعد 12 أسبوعًا من الحمل ( الأهرام 19/2/1982 ) .
ما يترتب على الإجهاض من الأحكام الدنيوية :
كل الفقهاء متفقون على وجوب الغُرَّة " عبد أو أمة " فى إلقائه ميتا بجناية عليه من أمه أو من غيرها ، مع اختلاف فى بعض التفاصيل .
فالحنفية قالوا : تجب الغرة على العاقلة وإن أسقطه غيرها أو أسقطته هى عمدَا بدون إذن زوجها ، فإن أذن أو لم تتعمد فلا غرة ، ولو أمرت الحامل غيرها بإسقاطه فلا ضمان على المأمورة بل على الحامل إذا لم يأذن الزوج ، والعاقلة هم أقارب الجانى .
والشافعية قالوا : فيه غرة لكل جنين . والظاهرية قالوا : إن كان قبل تمام الأشهر الأربعة ففيه الغرة دون كفارة ، وإن كان بعدها ففيه الاثنتان . ومن تعمدت قتل جنينها بعد الأشهر الأربعة أو تعمد قتله أجنبى ففيه القود ( القصاص بالقتل ) وصرح الإباضية بوجوب الغرًة .
هذا ، وقد أفتت لجنة الفتوى بالأزهر بجواز الإجهاض للمرأة فى الشهر الأول خشية وراثة مرض خبيث ، بشرط ألا يعرض المرأة للخطر ( مجلة التصوف الإسلامى عدد 84 فى يناير 1986 ) .
ولا يجوز أن تمارس عمليات الإجهاض لغير الضرورة كالتى ذكرها الدكتور محمد عبد الحميد مدير مستشفى الملك " المنيرة " سنة 1935 من أن المرأة إذا كانت مريضة بالسل الرئوى الذى يزيده الحمل والوضع وينتقل إلى الجنين ، أو بالالتهاب الكلوى الذى يعرِّض للتسمم البولى لإضراب الكليتين عن العمل . ويشتد خطر الالتهاب إن صاحبه ارتشاح فى الجسم ، أو بالبول السكرى الذى لا يوجد له دواء ، أو لا يفيده " الأنسولين " أو كانت مريضة بالقلب أو ضعف القوى العقلية أو الاضطرابات النفسية . أو بالقىء الكثير الذى يخاف منه على الحامل إذا كان مصحوبًا بزلال فى البول أو بحمى أو بنزف انتهى .
وإذا كان الحمل من زنا ، وأجاز الشافعية إجهاضه ، فأرى أنه يكون فى حالة الإكراه أو ما شابهها حيث يكون الإحساس بالندم والألم النفسى ، أما عند الاستهانة بالأعراض وعدم الحياء من الاتصال الجنسى الحرام فأرى عدم جواز الإجهاض ، لأن فيه تشجيعًا على الفساد ، وإن كان منتشرًا فى كثير من البلاد غير الإسلامية ، ولذا حرمته بعض القوانين ، ثم رفعت الحظر عنه لممارسته فعلاً ، وعالجت بعض الأولاد غير الشرعيين .
ولتمام الموضوع لبيان حكم التعقيم وحكم الإجهاض وآثاره والأسباب المبررة له قبل نفخ الروح فى الجنين وبعده يرجع إلى كتاب الفتاوى الإسلامية ( مجلد 9 ص 3093 وما بعدها ) . وينظر قرار مجمع البحوث الإسلامية "فتاوى الشيخ جاد الحق ج 5ص 98 "