الخميس، 2 مايو 2013

الموسوعة الكبرى للفتاوى : أسئلة عن سجود التلاوة بالآلة وامامة مقطوع القدم وجلود الميتة والنسخ

أسئلة عن سجود التلاوة بالآلة وامامة مقطوع القدم وجلود الميتة والنسخ


المفتى
فضيلة الشيخ محمد رشيد رضا
تاريخ الفتوى : 1908 م


السؤال
من الشيخ محمد نجيب التونتاري المدرس .
سيدي الفاضل أعرض على حضرتكم ما يأتي بيانه لمحض الاستفسار
والاستنباء

( الفونغراف ) وقد رأيت أيضًا في هذا الجزء في قسم الفتاوى سؤالاً
يتعلق بالفونوغراف ، فخطرت لي عند ذلك مسائل أخرى تتعلق به ، وهي هل يجب
السجدة على من سمع آية السجدة منه ؟ وإن شخصًا لو شهد بواسطة الفونغراف أو
أودع الوصية فيه , هل تقبل شهادته وتنفذ وصيته أم لا ؟ وإني أظن أن السجدة
تجب على السامع إذ هو كالاستماع عن إنسان ، وإنما الفونغراف آلة للاستماع فقط ،
وكذا الشهادة والوصية ينبغي أن تكون صحيحة نافذة مهما ميز صوتها ، فإن
الأصوات متمايزة في التليفون والفونغراف حتى إننا لو سمعنا صوتًا معروفًا لنا مِن
قبلُ ، نقول : إنه صوت فلان ولا نشتبه فيه فيكون ذلك في حكم الاستماع عن نفس
القائل ، والله أعلم

( التجارة بالجلود ) إن إخواننا المسلمين في سبريا الروسية غالبهم
يتجرون بالجلود ، وفيها جلود ميتة غير مدبوغة ، وجلود غير مذكاة ، وإنهم يسألون
عنها ويستفتون ما حكمها الشرعي ؟ وربما تكون المعاملة بين المسلمين بالطائفة
القرغزية ، فما حكم ذلك شرعًا ؟ هل تكون فيها توسعة إن قلنا : إن دارنا دار حرب ,
ومذهبنا يوسع فيها في عدة مسائل كمسألة الربا مثلاً ؟ هذه المعاملة مما تعم به
البلوى في تلك الأقطار ، والمرجو من الأستاذ حلّ هذه المسألة ، بحيث يخرجها عن
الشبهة ولا يوقع حرجًا إن شاء الله تعالى

( الإمامة ) إن رجلاً قطعت إحدى رجليه من فوق الكعب ، وله قدم
صناعية ، وكان إمامًا في بلدة منذ سنين ، والآن وقع خلاف بين علمائنا في صحة
إمامته ، فمن قائل : إنها لا تجوز ، والأكثر على الجواز ، ونحن لم نر في الكتب
التي بأيدينا أن صحة القدم من شرط الإمامة ، ولذا لا أرى بأسًا في إمامته متى وجد
سائر الشروط المهمة ، وأرجو من الأستاذ بيان ذلك أيضًا حتى يندفع الاختلاف بيننا

( النسخ ) هل هو من أصول الدين ، بحيث لا يجوز الخلاف فيه أم هو
مسألة خلافية بين المسلمين ، كما ذكره الفاضل محمد توفيق في مقالة الناسخ
والمنسوخ ، وهو يقول : إن أُبَيَّ بن كعب رضي الله عنه قال بعدمه ، أي بعدم نسخ
القرآن بالقرآن ، واستشهدوا عليه بما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما معزوًّا
إلى البخاري إلا أننا لم نَرَ نقلاً آخر سوى ما ذكره عن أُبَيّ ما يؤيد هذا القول ,
وليس في هذا القول أيضًا تصريح بعدم النسخ ، وإنما يحتمله كما يحتمل غيره , ولا
يقطع بالاحتمال مراد القائل , ولم يُذْكَر خلافٌ بين الصحابة رضي الله عنهم في هذه
المسألة ، ثم إن أبا مسلم رحمه الله الذي نسب صاحب المقالة هذا القول إليه هل
يعتبر قوله بحيث نعُدّه خلافًا في المذهب ، فبعضنا يقول : إن النسخ لا خِلافَ فيه
بين أهل السنة ، وإنما هو خلاف نشأ مِن الاعتزال ، ولكن لم يظهر لي وجه هذا
القول أيضًا ، فإن النسخ ليس من موادّ الخلاف بين السُّنِّيِّ والمعتزلِيّ فيما أعلم ،
والله أعلم . وذكر ابن أمير الحاج في شرح التحرير خلافًا في نسبة هذا القول إلى
أبي مسلم حيثُ قال : حكى الرازي و الآمدي و ابن الحاجب إنكاره وقوع النسخ
مطلقًا , وقيل : لم ينكر وقوعه ، وإنما سمّاه تخصيصًا فعلى هذا يصير النزاع لفظيًّا ،
والله أعلم . والمأمول من الأستاذ تفصيل هذه المسألة وتحقيقها كما وعد في ذيل
تلك المقالة ، وكما تفضل بالأجوبة الشافية في المسائل السابقة



الجواب
الجواب عن مسائل الفونغراف :
إنما شرع السجود عند تلاوة أو سماع الآيات المخصوصة الآمرة بالسجود , أو
المرغبة فيه لإظهار الخضوع والامتثال ، ومن سَمِع القرآن من الفونغراف صدق
عليه أنه سَمِع القرآن ، فالظاهر أنه يشرع له السجود عند سماع آية السجدة منه ،
وإنما عبرنا بـ ( يشرع ) دون ( يجب) لأننا نرى أن السجود مُسْتَحَبٌّ لا واجب
كما تدلّ على ذلك الأحاديث الصحيحة ، وعليه الشافعية .
وأما الشهادة والإقرار والوصية وسائر المعاملات الدنيوية ، فالعِبْرَة في ثبوتها
أن تكون بحيث يوثَق بصدورها ممن صدرت عنه ، ويؤمن من التزوير فيها ؛ لأنها
ليست من المسائل التعبديّة التي يوقف فيها عند نصّ الكتاب , وما مضت به السنة
بلا زيادة ولا نقصان ، فإذا وثق القاضي بشهادة الفونغراف مثلاً كانت بينة شرعية
صحيحة ؛ لأن البينة كل ما تبين به الحق كما حققه ابن القيم وذكرناه في المنار مِن
قبلُ .
الجواب عن مسألة جلود الميتة :
روى أحمد والشيخان وأصحاب السنن الثلاثة من حديث ابن عباس أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال في الشاة الميتة : ( هلا انتفعتم بجلدها ) , وهذا اللفظ
للبخاري ، وفي رواية أخرى له ( هلاّ استمتعتم بإهابها ) والإهاب ( ككتاب ) الجلد ,
أو ما لم يُدْبَغْ منه كما في القاموس . ولفظ أحمد و مسلم وغيرهما : ( هلاّ أخذتم
إهابها فدبغتموه فانتفعتم به ) , فقالوا : إنها ميتة ، فقال : ( إنما حرم أكلها ) , وذكر
الدباغ بيان لطريق الانتفاع وليس فيه حصر ، وفي لفظ لأحمد : إن داجنا لميمونة
ماتت , فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( ألا انتفعتم بإهابها ، ألا
دبغتموه ، فإنه ذكاته ) أي : إن الدباغ مطهر كالذكاة . ولا ينافي هذا جواز الانتفاع
بالإهاب غير المدبوغ كما تدل عليه الرواية المطلقة . وروى مالك و أبو داود
والنسائي و ابن حبان من حديث ميمونة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرّ
به رجال يجزون شاة لهم مثل الحمار ، فقال : ( لو أخذتم إهابها ) فقالوا : إنها ميتة ,
فقال ( يطهرها الماء والقرظ ) ، صحَّحَه ابن السكن و الحافظ . ولعَلّ هؤلاء لو
اكتفوا بأمره إياهم بأخذ إهاب الميتة والانتفاع به لَكَفَاهم , ولم يذكر لهم غيره وحَسْبُك
بعبارة الحصر في قوله : ( إنما حرم أكلها ) أي : لا الانتفاع بها ، وحديث : ( لا
تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب ) ؛ قد أعلّ بالاضطراب والإرسال ؛ فلا
يعارض هذه الأحاديث الصحيحة , ولا ينسخها . ولا يعارضها ما ورد في النهي عن
شحوم الميتة ، فإنها مما يؤكل فسُدَّتْ الذريعة إليه . وأمثل ما قيل في النهي عن
استعمال جلود السباع أنها مدعاة القسوة والكبر .
هذا وإن المراد بالتنزّه عن النجاسة هو أن يكون المؤمن طاهرًا نظيفًا بعيدًا
عن الأقذار , وما فيها من المهانة والمضارّ ، ولذلك كان الدباغ مطهرًا ؛ لأنه يزيل
العفونة والرطوبة التي ينتن بها الجلد ، فكل ما يزيل ذلك فهو دباغ مطهر ، والذين
يشترون جلود الميتة لا يتركونها بغير دباغ ولا معالجة حتى تفسد عليهم بل
يعالجونها حتى ينتفعوا بها ، فالذي أراه وأعتقده أن التجارة بهذه الجلود جائزٌ شرعًا,
لا إثْمَ فيه ولا حرج . وإذا باعها المسلم من غير المسلمين كان لجواز البيع وجه آخر
عند الذين يقولون : إن المخالفين لا يكلفون العمل بفروع الشريعة ، وعليه الحنفية ،
ووراء هذا كله ما أشار إليه السائل مِن أن التزام العقود الصحيحة في المعاملات إنما
يجب في دار الإسلام إلا أن يقال : إن في النهي عن بيع النجس معنى غير كونه
عقدًا فاسدًا ، والعُمْدَة في المسألة ما ذكرناه أولاً ، والله أعلم بالصواب .
الجواب عن مسألة الإمامة
الظاهر من السؤال أن الإمام المسئول عن إمامته يأتي بأعمال الصلاة كلها
تامّة , وحينئذ يكون موضعُ الوقفة في صِحّة إمامته كونَ إحدى رجليه من الخشب ،
وهذا لا يصلح مانعًا من صحة الإمامة ، وقد ثبت في صحاح الأخبار والآثار اقتداء
الناس بالإمام يصلي جالسًا للمرض ، واختلف العلماء فيمن يقتدون به ، فقال
بعضهم يصلّون قاعدين مثله ، وادّعى ابن حزم إجماع الصحابة والتابعين على هذا ،
وقال بعضهم يصلون قائمين وفصّل بعضهم في ذلك .
والأصل أن كل من صحّت صلاته صحّتْ إمامته . ومن استثنى من هذه
القاعدة بعض من تصح صلاته للضرورة ولا تصح إمامته ، كالذي لا يحسن الفاتحة
لم يَسْتَثْنِ مَنْ ذهب أحد أعضائه فاتخذ له بدلاً من معدن أو خشب ؛ لهذا لا أرى
وجهًا للخلاف في صحة إمامة الإمام المسئول عنه .
الجواب عن مسألة النسخ بالإجمال :
لا أتذكر أنني رأيت في الحديث ذكر النسخ ، والأصل عندهم في هذه المسألة
قوله تعالى : { مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا } ( البقرة :
106 ) , والآية في اللغة : العلامة والعبرة . وقالوا : قد سميت الطائفة المخصوصة
من القرآن آية ؛ لأنها علامة يفضي منها إلى غيرها : أو لأنها علامة دالّة على
الحق ، والنسخ في أصل اللغة : نقل كتاب عن كتاب , وجعل الزمخشري في
الأساس قولهم : نسخت الشمس الظل ، من المجاز ، والمعنى في كل منهما التحويل
إلا أن الأول تحويل لمثل الشيء ، والثاني تحويل لعينه . وورد اللفظ بمعنى الإزالة
والتغيير كقولهم نسخ الشيب الشباب ، ونسخت الريح آثار الديار .
وقد ورد ذكر النسخ في كلام السَّلَف وأئمة الفقه , واصطلح علماء الأصول
على تعريفه المشهور , وهذا في كلام السلف أعمّ من ذلك ، فالنسخ في الجملة متفق
عليه ، ولكن وقع الخلاف في تفسيره وفي جزئياته ، والآية ليست نصًّا في قول أحد
من المختلفين ولا حديث يحتج به في تفسيرها ولا في نسخ شيء من القرآن ، وإنما
مدار البحث والاجتهاد فيها على تعارض النصوص , والمروي من الآثار وفيه
جرت المناظرة بين الدكتور محمد توفيق أفندي صدقي والشيخ صالح اليافعي ،
فعندما تنتهي المناظرة يكون لنا كلمة أخيرة في المسألة ، وقد كنا بدأنا بكتابة مفصلة ,
ثم جاءنا الرد الآتي من الدكتور صدقي , فأمسكنا عن إتمام ما شرعنا فيه