السبت، 13 أبريل 2013

الموسوعة الكبرى للفتاوى : سد يأجوج ومأجوج

سد يأجوج ومأجوج


المفتى
فضيلة الشيخ محمد رشيد رضا
تاريخ الفتوى : 1908


السؤال
 من أمين أفندي الشباسي بهندسة عتبره ( السودان ) .
فضيلة الأستاذ المرشد صاحب مجلة المنار الغراء :
كنا في منزل يُتلى فيه القرآن الكريم , فلما جاء ذكر ذي القرنين و يأجوج
ومأجوج والسدّ قال أحد إخواني : إن هذه القصة لم يظهر لها أثر تاريخي للآن , مع
أنه صار اكتشاف ما على الأرض من قبل ذلك العهد وبعده . قلتُ له : يا أخي , لَعَلَّ
هذا الأثر التاريخي يظهر فيما بعدُ ؛ ليكون معجزةً للقرآن على ممر الأيام , كما
حصل في قصة فرعون ؛ فإنه وعد بأن ينجيه ليكون لمن بعده آيةً , وقد تحقق ذلك
في هذه الأيام . فقال : يا أخي , إن كلامك هذا هو جواب عليك ؛ إذ إن فرعون
وخلافه آثار صغيرة جدًّا مدفونةٌ تحت الأرض وظهرت ، والسدُّ ليس كذلك , وهذا
وجه استغرابي ؛ لأن سياق الآية يدلنا على أنه بين جبلين كبيريْنِ , ومن حديد
ونُحَاس , ومن دونه أُمَّة كبيرة لو فُتِحَ لها ذلك السدُّ لدوخت العالم بأسره ! فأين هي
تلك الأُمّة وذلك السد ، ورسْمُ الكُرَة الأرضيّة أمامَ نظري أُقَلب فيه فلا أجد تلك الأمة
ولا ذلك السد .
قلتُ : يا أخي , إني أظنُّ أن هذه الأمة هي أمة التتار , والسد هو سدّ الصين
المشهور , وقد خرجت واخترقت آسيا والهند ومصر وأوربا وأخذت المُلْك من
المسلمين , وأتذكر أني رأيت حديثًا في بعض الكُتُب لا أعرِف صِحَّتَه جاء فيه ما معناه
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان جالسًا مع أصحابه ، ففزع , فلما سألوه
عن السبب قال : وَيْلٌ لأُمَّتِي من السّيل المنهمل , يشير إلى قرب خروج يأجوج
ومأجوج , فلما خرجوا وأخذوا الملك من المسلمين في عهد ملك التتار فسر علماء
ذلك الوقت هذا الحديثَ بذلك . وبعد جدال كبير حصل بيننا وعدته بأن أفيده عن يد
فضيلتكم بالجواب القطعي ؛ فرجائي أن تفيدوا الجواب على صفحات المنار الأَغَرّ
حتى يقتنعَ المشاغب , كما هو المشهور من فضيلتكم من إيضاح الحقائق ,
ولفضيلتكم الشكرُ


الجواب
سألنا هذا السؤال غيرُ واحد من مصر وروسيا وغيرهما من الأقطار ؛
ونقول قبل كل شيء : إن دعوى معرفة جميع بقاع الأرض باطلةٌ ؛ فإن بقعة كل
من القُطْبَيْنِ لا سِيَّمَا القطب الجنوبي لا تزال مجهولةً .
وقد استدل بعض العلماء على أن السدّ بني في جهة أحد القطبين بذكر بلوغ ذي
القرنين إلى موضعه بعد بلوغ مغرب الشمس مطلعها , وليس ذلك إلا جهة الشمال , أو
جهة الجنوب . ولا يعترض على هذا القول بصعوبة الوسائل الموصلة إلى أحد
القطبين ؛ فإن حالة مدنِيّة ذلك العصر , وحالة الأرض فيها غير معروفة لنا
الآن , فنبني عليها اعتراضًا كهذا ؛ فما يدرينا أن الاستطراقَ إلى أحد القطبين أو
كليهما كان في زمن ذي القرنين سهلاً , فكم من أرضٍ يابسةٍ فاضت عليها البحار
فغمرتها بطول الزمان , وكم من أرض انحسر عنها الماء فصارت أرضًا عامرة
متصلةً بغيرها أو منفردةً ( جزيرةً ) وكم من مدينة طُمِسَتْ حتى لا يُعْلَمَ عنها شيءٌ ,
ومِن المعلوم الآن من شئون المدنيات القديمة بالمشاهدة أو الاستدلال ما يجهل بعض
أسبابه كالأنوار والنقوش والألوان وجر الأثقال عند المصريين القدماء , فالقرآن
يقول في ذي القرنين : { فَأَتْبَعَ سَبَباً * حَتَّى إِذَا بَلَغَ } ( الكهف : 85-86 ) كذا
من مطلع الشمس ومغربها وبين السَّدَّيْنِ، فما هي تلك الأسباب ؟ هل هي هوائية
أو كهربائية ؟ اللهُ أعلمُ بذلك .
هذا ما يُقال بالإيجاز في رَدّ دعوى معرفة جميع أجزاء الأرض , التي بُنِيَ
عليها الاعتراضُ . ثم إن ما بني على هذه الدعوى باطلٌ , وإنْ فرضنا أنها هي
مسلَّمة , وذلك أنه يوجد في الأرض موضعان معروفان يحتمل أن السدَّ كان فيهما ؛
أحدهما : الموضع الذي يُسمّى الآن ( دربند ) بروسيا , ومعناه : السد , وفيه موضع
يسمى ( دمرقبو ) أي : باب الحديد , وهو أثر سد قديم بين جَبَلَيْنِ يُقال : إنه من
صنع بعض ملوك الفرس , ويحتمل أن يكون موضع السد .
وقد ذكره ملطبرون في جغرافيته بما يدل على ذلك ( راجع ص15و16ج
3 ) وأخبرني مختار باشا الغازي أنه رأى خريتةً جغرافيةً قديمةً لِتِلْكَ الجهات ,
وفيها رسْم ذلك المكان , وبيان أن وراءه قبيلتين اسم إحداهما : ( آقوق ) واسم
الثانية : ( ماقوق ) وتعريب هذين اللفظين بيأجوج ومأجوج ظاهِرٌ جَلِيٌّ .
وأمّا الموضع الثاني , فإننا نترجم ما جاء فيه عن بعض التواريخ الفارسية
على غرابته وهو :
في الشمال الشرقي من مدينة صنعاء التي هي عاصمة اليمن بعشرين
مرحلة ( مائة وبضعة فراسخَ ) مدينة قديمة تُسَمّى الطُّوَيْلة . وفي شرقي هذه المدينة
وادٍ عميق جدًّا , يحيط به من ثلاث جهات جبال شامخة منتصبة , ليس فيها مسالك
معبَّدة , فالمتوقّل فيها على خطر السقوط والهويّ , وفي الجهة الرابعة منه سهوب
فيحاء , يستطرق منها إلى الوادي ومنه إليها , وفجوة الوادي من هذه الجهة
تبلغ خمسة آلاف ذراع فارسي ( الذراع الفارسي متر وأربعة سنتيمات ) وفي هذه
الفجوة سدّ صناعي يمتد من أحد صدفي الجبلين إلى الآخر , وهو من زُبر الحديد
المتساوية المقدار , فطول هذا السد خمسة آلاف ذراع , فأما سمكه فخمسة عشَر شِبْرًا
وأما ارتفاعه فيختلف باختلاف انخفاض أساسه وارتفاعه ؛ لأن أرضه غير
مستوية .
في القرن العاشر للهجرة لَمّا فتح سنان باشا القائد العثماني اليمن وصل
إلى قلعة تسمى تسام , واقعة بجوار هذا السدّ , فأمر بعدَّ زبر الحديد المبني بها
السد , فقصارى ما تيسر لهم عده منها تسعة آلاف . في طرفي هذا السد قلعتان
عظيمتان , محكمتا البناء , قديمتان ، تسمى إحداهما قلعة العرصة والثانية قلعة
الباحثة .ا هـ
فهذا الوصف ينطبق على ما جاء في القرآن من وصف السد , وبلاد اليمن هي
فيما يظهر بلاد ذي القرنين ؛ لأن هذا اللقب من ألقاب ملوك العرب الحِمْيَرِيّينَ في
حَضْرَمَوْتَ واليمن المعروفين بالأذواء ( كذي يزن وذي الكلاع وذي نواس )
ولكن إن صح وجود السد , فأين يأجوج ومأجوج منه , وهم التتر كما ورد في تاريخ
السوريين قبل الإسلام أو السكيثيين الذين وصفهم حزقيال النبي بما ينطبق على
وصفهم في تواريخ اليونان . ويعدهم النصارى رمزًا لأعداء الكنيسة .
ثم إن لم يكن السد المذكور في القرآن هذا ولا ذاك , ولم يكن فيما بقي مجهولاً
من الأرض ؛ فَلِمَ لا يجوز أن يكون قد اندكّ , وذهب أثره من الوجود ؟ إن قيل يمنع
من ذلك أن اندكاكه , وخروج يأجوج ومأجوج من علامات الساعة أجبنا بجوابين ؛
( أحدهما ) : أن قرب الساعة يمتد ألوفًا من السنين ؛ بدليل أن نبينا نبي الساعة ,
وقرب الساعة نسبي ؛ أي : ساعة هو قرب بالنسبة إلى ما مضى من عمر الأرض ,
وما يدرينا أنه ملايين من السنين . ( وثانيهما ) : أن هناك ساعة عامةً وساعة
خاصةً ؛ أي : هلاك أمة معينة كما ورد في شرح بعض الأحاديث الواردة في
الساعة . وربما عدنا إلى التفصيل في هذه المسألة