الاثنين، 11 فبراير 2013

الموسوعة الكبرى للفتاوى : جواز فطر المجاهدين فى شهر رمضان والزام قوات الجيش بالفطر فى رمضان أثناء المعركة

جواز فطر المجاهدين فى شهر رمضان
المفتي
حسنين محمد مخلوف .
شعبان 1367 هجرية - يونية 1948 م

المبادئ
يجوز للمجاهدين فى سبيل اللّه برا وبحرا وجوا بكل أسلحة القتال وأدواته أن يفطر فى شهر رمضان إذا استمر الجهاد فيه توفيرا لقوتهم ومنعا لتسرب الضعف إليهم وتأسيا برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم

السؤال
هل يجوز الفطر فى شهر رمضان للمجاهدين من الجيوش المصرية الذين يحاربون الآن فى ربوع فلسطين لإنقاذها من شرور العصابات الصهيونية الأثيمة التى تريد أن تنتزع هذا الوطن العربى الإسلامى من أحضان العروبة والإسلام وتؤسس فيه دولة يهودية

الجواب
إنه يجوز لهؤلاء المجاهدين الذين خرجوا من ديارهم للجهاد فى سبيل اللّه وإعلاء كلمته وإنقاذ هذا الوطن الإسلامى من الصهيونية الباغية أن يفطروا فى شهر رمضان إذا استمر الجهاد فيه توفيرا لقوتهم ومنعا لتسرب الضعف إليهم وتأسيا برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فى إفطاره فى شهر رمضان فى غزوة الفتح .
فقد خرج إلى مكة فى العاشر من شهر رمضان على رأس ثمان ونصف من الهجرة ومعه عشرة آلاف مجاهد فأفطر وأمرهم بالفطر .
روى عن جابر ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خرج إلى مكة عام الفتح حتى بلغ كراع الغميم ( واد أمام عسفان ) وصام الناس معه فقيل له إن الناس قد شق عليهم الصيام وإن الناس ينظرون فيما فعلت فدعا بقدح من ماء بعد العصر فشرب والناس ينظرون إليه فأفطر بعضهم وصام بعضهم فبلغه أن أناسا صاموا فقال أولئك العصاة .
( رواه البخارى ) وهذا من حرصه عليه السلام على توافر قواهم للقتال وعدم تسرب الوهن إلى المجاهدين فمنعهم من صوم الفرض كى يستطيعوا القيام بفرض أعلى وطاعة أعظم .
والجهاد أفضل الأعمال بعد الإيمان .
سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أى الأعمال أفضل قال إيمان باللّه ورسوله قيل ثم ماذا قال جهاد فى سبيل اللّه .
وسئل أى الناس أفضل قال مؤمن يجاهد بنفسه وماله فى سبيل اللّه وفى الحديث الصحيح رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه وعن ابن عباس رضى اله عنهما قال خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عام الفتح فى شهر رمضان فصام حتى مر بغدير فى الطريق وذلك فى عز الظهيرة فعطش الناس فجعلوا يمدون أعناقهم وتتوق نفوسهم إليه فدعا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بقدح فيه ماء فأمسكه على يده حتى رآه الناس ثم شرب فشرب الناس ( رواه أحمد ) وعن ابن سعيد قال سافرنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى مكة ونحن صيام فنزلنا منزلا فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم فكانت رخصة فمنا من صام ومنا من أفطر ثم نزلنا منزلا آخر فقال إنكم مصبحوا عدوكم والفطر أقوى لكم فافطروا فكانت عزمة فأفطرنا ( رواه مسلم وأحمد وأبو داود ) وفى نيل الأوطار وفى الحديث دليل على أن الفطر لمن وصل فى سفره إلى موضع قريب من العدو أولى فإذا كان لقاء العدو محققا فالإفطار عزيمة لأن الصائم يضعف عن منازلة الأقران ولا سيما عند غليان مراجل الضراب والطعان ولا يخفى ما فى الضعف من الإهانة لجنود المحقين وإدخال الوهن على عامة المجاهدين من المسلمين .
على أن هؤلاء المجاهدين مسافرون بعيدا عن أوطانهم والسفر فى ذاته بقطع النظر عما فيه من الجهاد مما رخص اللّه فيه الفطر واللّه يحب أن تؤتى رخصه والفطر فيه أفضل لمن يشق عليه الصوم ويتضرر .
به وفى فتح البارى ( والراجح أن الفطر أفضل لمن اشتد عليه الصوم وتضرر به .
) وعن ابن عمر ( من لم يقبل رخصة اللّه كان عليه من الإثم مثل جبال عرفة ) بل قال ابن دقيق العيد ( إن كراهة الصوم فى السفر مختصة بمن يضره الصوم ) .
وأفضلية الفطر عملا بالرخصة مذهب كثير من العلماء وهو قول الأوزاعى وأحمد وإسحق وذهب بعض الأئمة إلى عدم جواز الصوم للمسافر إذا خاف على نفسه المشقة أو الهلاك كما حكاه الطبرى .
وذهب كثير إلى أن الصوم فى السفر لا يجزىء عن الفرض ومن صام فى السفر وجب عليه القضاء فى الحضر لقوله تعالى { فعدة من أيام أخر } البقرة 184 ، والحديث ( ليس من البر الصيام فى السفر ) وحكى هذا عن عمر وابن عمر وأبى هريرة والزهرى وإبراهيم النخعى وغيرهم فكيف إذا كان المسافر مجاهدا فى سبيل اللّه يحارب ليلا ونهارا فى البر والبحر والجو بكل أسلحة القتال وأدواته أفلا تكون المشقة عليه أشد وخوف تسرب الضعف إليه أغلب وعند ذلك لا يكون هناك نزاع فى وجوب الفطر عليه كما قدمنا .
نسأله اللّه لجيوش المسلمين الفوز العظيم والنصر المبين بمنه وكرمه آمين واللّه تعالى أعلم

الزام قوات الجيش بالفطر فى رمضان أثناء المعركة
المفتي
أحمد هريدى .
12 نوفمبر 1967 م

المبادئ
1 - من قاتل عدوا أو أحاط العدو ببلده والصوم يضعفه جاز له الفطر عند الحنابلة .
2 - إذا كان أفراد القوات المسلحة فى حالة تأهب أو إعداد أو تدريب على حالة تأهب واستعداد، واحتمال الاشتباك مع العدو قائم فعلا على سبيل الفجاءة، وكانوا لا يستطيعون الصوم بوضعهم لما ينشأ عنه من تراخ وضعف يجب عليهم الفطر فى رمضان

السؤال
من هيئة التنظيم والإدارة للقوات المسلحة فرع الإدارة العسكرية بمذكرتها المؤرخة 1/11/1967 من أن قيادة القوات المسلحة الجوية سبق أن طلبت من دار الإفتاء بيان الحكم الشرعى فى إفطار أفراد القوات المسلحة بالجبهة الشرقية خلال شهر رمضان المبارك .
وأن البند ( 34 ) الفصل الأول الباب الثانى من مجموعة الأوامر العسكرية لعام 1957 يتضمن نص ما ورد من فضيلة مفتى الديار المصرية فى هذا الشأن وهو ما يأتى .
وبعد فقد رخص الله بالفطر فى رمضان مع وجوب القضاء بعده للمرضى والمسافرين .
قال الله تعالى { ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } البقرة 185 ، والمريض المرخص له بالفطر هو من يخاف إذا صام أن يزيد مرضه أو يتأخر شفاؤه بالصيام .
ومثل المريض المرخص له بالفطر الصحيح الذى يخاف المرض، والعامل الذى يجهده العمل ويضعفه الصوم أو يعرضه للهلاك أو المرض .
ونرى أن أفراد القوات المسلحة بالجبهة الشرقية الذين يؤدون واجب الدفاع عن الوطن ضد الصهيونية يجوز لهم الفطر خلال رمضان، لأنه يخشى عليهم من أن يضعفهم الصوم أو يعرضهم للهلاك .
وإذ ذاك تتعطل مهمتهم الكبرى الملقاة عليهم، وهى الجهاد والدفاع عن الوطن .
ونرى أن يترك كل من استطاع منهم القيام بجميع واجباته مع الاستمرار فى الصوم بدون ضرر يلحقه لتقديره الشخصى بدون إلزام له بالفطر .
فقد أجاز الرسول صلى الله عليه وسلم الفطر قبل مقابلة العدو كما أجاز الصيام .
أما إذا حصل اشتباك مع العدو فإن الفطر فى هذه الحالة يكون واجبا وعزيمة، كما فعل ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم .
وأن فرع الإدارة العسكرية قد رأى رغم الحالة الطارئة بالنسبة للقوات المسلحة بعد الاعتداء الإسرائيلى فى 5 /6/1967 - الالتزام بنص الفتوى، وأن الالزام بالفطر غير جائز شرعا إلا إذا حصل اشتباك مع العدو .
ولكن رئيس هيئة التنظيم والإدارة للقوات المسلحة قد رأى التوجه شخصيا لمقابلة فضيلة المفتى وإعادة شرح الموضوع على أساس عاملين إضافيين جديدين هما : 1 - أن النظام العسكرى ودور الخدمة فى الموقع الدفاعى لا يسمحان بجواز الإفطار ( أى جعل الإفطار جوازيا ) إذ أن ذلك يتعارض معهما مما يجعل من الصالح أن يفطر الجميع .
2 - أن بعض التشكيلات فى المنطقة المركزية جار تجهيزها وإعدادها لدفعها إلى الخدمة، وهذا يتطلب بذل جهد مستمر خلال اليوم لسرعة مقابلة العدو .
3 - ينطبق ما جاء فى البند ( 1 ) على أفراد الدفاع الجوى، وقد تمت المقابلة فعلا يوم الثلاثاء 7 /11/1967 وشرحت العوامل الإضافية الجيدة المشار إليها بمذكرة الهيئة وتتلخص نتيجة الشرح والإيضاح فيما يأتى : 1 - إن حالة الحرب قائمة بيننا وبين العدو وهو يحتل جزءا من أراضى الجمهورية، واحتمال الاشتباك والقتال مستمر فى أى لحظة وبصورة مفاجئة بل أن الاشتباكات قد وقعت بالفعل كثيرا ويحتمل وقوعها دائما .
2 - إن أفراد القوات المسلحة بما فيها أفراد القوات الجوية فى حالة تأهب واستعداد، وتعمل فى الموقع الدفاعى نظرا لحالة الطوارىء القائمة .
3 - بالنسبة للجنود الذين هم فى دور الإعداد والتدريب يقتضى الوضع القائم الإسراع فى تجهيزهم لملاقاة العدو بقوة، وهذا يتطلب بذلك جهد مستمر فى التدريب طول الوقت مما يصعب معه عليهم الصوم .
4 - إن الجنود يطرأ عليهم فى حالة الصوم ضعف قبل موعد الإفطار بوقت طويل، كما تطرأ عليهم بعد الإفطار حالة فتور وتراخ، وهم يقضون فترة فى تناول الإفطار، وقد جرت عادة العدو بانتهاز فرص الضعف والتراخى والانشغال والمفاجأة بالاشتباك أثناءها، وهو يعرف تماما موعد الإفطار بمقتضى نظام الصوم المعروف شرعا .
مما قد يترتب عليه إلحاق الضرر بالقوات والبلاد، وفى ضوء هذه الاعتبارات الطارئة والقائمة بالفعل طلبت الهيئة بيان الحكم فيما إذا كان يجوز إلزام أفراد القوات المسلحة بالفطر فى رمضان أو لا

الجواب
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
وبعد . فقد عرضت السنة النبوية وعرض الفقهاء المجتهدون حكم الإفطار فى رمضان للمحاربين من المسلمين الذين هم فى حالة الاشتباك وقتال بالفعل مع العدو والذين هم فى حالة تأهب واستعداد لملاقاته، وفى وضع يمكن فيه نشوب القتال وحصول الاشتباك، والذين خرجوا من بلادهم وفى الطريق إلى ملاقاته .
روى أحمد ومسلم وأبو داود عن أبى سعيد قال سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة ونحن صيام .
قال فنزلنا منزلا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم .
إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم فكانت رخصة فمنا من صام ومنا من أفطر .
ثم نزلنا منزلا آخر .
فقال إنكم مصبحوا عدوكم والفطر أقوى لكم فأفطروا فكانت عزمة فأفطرنا .
وجاء فى زاد المعاد لابن القيم جزء أول صفحة 334 وسافر رسول الله صلى الله عليه وسلم فى رمضان فصام وأفطر وخير الصحابة بين الأمرين وكان يأمرهم بالفطر إذا دنوا من عدوهم ليتقووا على قتاله .
فلو اتفق مثل هذا فى الحضر وكان فى الفطر قوة لهم على لقاء عدوهم فهل لهم الفطر فيه قولان أصحهما دليلا أن لهم ذلك .
وهو اختيار ابن تيمية، وبه أفتى العساكر الإسلامية لما لقوا العدو بظاهر دمشق .
ولا ريب أن الفطر لذلك أولى من الفطر لمجرد السفر .
لأن القوة هناك تختص بالمسافر والقوة هنا له وللمسلمين، ولأن مشقة الجهاد أعظم من مشقة السفر، ولأن المصلحة الحاصلة بالفطر للمجاهد أعظم من المصلحة بفطر المسافر، ولأن الله تعالى قال { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة } الأنفال 60 ، والفطر عند اللقاء من أعظم أسباب القوة ثم ذكر ابن القيم حديث أبى سعيد السابق وقال إن النبى صلى الله عليه وسلم علل بدنوهم من عدوهم واحتياجهم إلى القوة التى يلقون بها العدو .
وجاء فى كتاب الإقناع فى فقه الإمام أحمد بن حنبل جزء أول صفحة 306 طبع المطبعة المصرية ومن قاتل عدوا أو أحاط العدو ببلده والصوم يضعفه ساغ له الفطر بدون سفر نصا .
والمقرر أنه يجوز للصحيح أن يفطر إذا خاف أن يصيبه مرض إذا صام دفعا للضرر .
وقاعدة دفع الضرر مقررة وثابتة شرعا ولا خلاف فيها مطلقا .
وواضح مما ذكر ومن الاعتبارات الجديدة المشار إليها أننا فى حالة حرب مع العدو، وأن أفراد القوات المسلحة بما فيهم القوات الجوية والتشكيلات التى يجرى إعدادها وتدريبها فى حالة تأهب واستعداد، وأن الاشتباك مع العدو بالفعل احتمال قائم ومستمر ويقع كثيرا بصفة مفاجئة، وأن الوضع القائم يجعلهم لا يستطيعون الصيام لما ينشأ عنه من ضعف وتراخ وانشغال، وقد يحصل اشتباك فى هذه الأحوال، ويترتب عليه من النتائج ما يضر بالجنود والوطن .
ونرى أن أفراد القوات المسلحة الذين فى هذا الوضع يجب عليهم الفطر فى رمضان ويجوز إلزامهم بالفطر فيه ليتمكنوا من القيام بواجب الدفاع عن الوطن، وصد العدو والتغلب عليه، ووقاية الوطن من الخطر الذى يتهدده، كما فى الحالة التى أمر فيها الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين المحاربين بالفطر معللا بالدنو من العدو والحاجة إلى القوة التى يلقونه بها .