الخميس، 22 نوفمبر 2012

موسوعة الأخلاق الإسلامية : الخيانة

الخيانة

معنى الخيانة لغة واصطلاحاً
معنى الخيانة لغة:
من خانه خَوْناً وخيانة ومَخَانة، واختانه، فهو خائن وخائنة وخؤون وخَوَّان والجمع خانة وخَوَنَةً وخُوَّان (1).
وقال الراغب: (الخيانة مخالفة الحقّ بنقض العهد في السّرّ. ونقيض الخيانة: الأمانة، يقال: خُنْتُ فلانا، وخنت أمانة فلان) (2).
معنى الخيانة اصطلاحاً:
قال الطيبي (هي مخالفة الحق بنقض العهد في السر، والأظهر أنها شاملة لجميع التكاليف الشرعية) (3).
وقال الجاحظ: هي (الاستبداد بما يؤتمن الإنسان عليه من الأموال والأعراض والحرم وتملك ما يستودع، ومجاحدة مودعه) (4).
وقال ابن عاشور: (وحقيقة الخيانة عمل من اؤتمن على شيء بضد ما اؤتمن لأجله بدون علم صاحب الأمانة) (5).

(1) ((بصائر ذوي التمييز)) للفيروز أبادي (2/ 582).
(2) ((مفردات ألفاظ القرآن)) للراغب الأصفهاني (ص: 305).
(3) ((مرعاة المفاتيح)) للمباركفوري (8/ 229).
(4) ((تهذيب الأخلاق)) للجاحظ (31).
(5) ((التحرير والتنوير)) لابن عاشور (24/ 174).

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
الفرق بين الخيانة وبعض الصفات
الفرق بين الخيانة والسرقة:
قال ابن قتيبة: (لا يكاد الناس يفرقون بين الخائن والسارق.
والخائن الذي ائتمن فأخذ، قال النمر بن تولب:
وإن بني ربيعة بعد وهب [كراعي البيت يحفظه فخانا!]
والسارق من سرقك سرا بأي وجه كان، يقال: كل خائن سارق، وليس كل سارق خائنا.
والغاصب: الذي جاهرك ولم يستتر، والقطع في السرقة دون الخيانة والغصب) (1).
الفرق بين الخيانة والنفاق:
(الخيانة والنفاق واحد، إلا أن الخيانة تقال اعتبارا بالعهد والأمانة، والنفاق يقال اعتبارا بالدين) (2).

(1) ((الفروق اللغوية)) لأبي هلال العسكري (ص: 228).
(2) ((مفردات ألفاظ القرآن)) للراغب الأصفهاني (ص: 305).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،ذم الخيانة والتحذير منها في القرىن والسنة
ذم الخيانة والتحذير منها في القرآن الكريم:
حذر الإسلام من الخيانة لأنها خصلة مذمومة ومقيتة تقطع أواصر المجتمع الإسلامي ولقد وردت الآيات التي تحذر من الخيانة بعدة سياق فمنها قوله تعالى:
- إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ [الحج: 38].
قال ابن كثير: (وقوله: إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ أي: لا يحب من عباده من اتصف بهذا، وهو الخيانة في العهود والمواثيق، لا يفي بما قال. والكفر: الجحد للنعم، فلا يعترف بها) (1).
- وقال سبحانه: وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ [الأنفال: 58]. (يقول تعالى ذكره: وإما تخافن يا محمد من عدو لك بينك وبينه عهد وعقد أن ينكث عهده وينقض عقده ويغدر بك، وذلك هو الخيانة والغدر. فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء يقول: فناجزهم بالحرب، وأعلمهم قبل حربك إياهم أنك قد فسخت العهد بينك وبينهم بما كان منهم من ظهور آثار الغدر والخيانة منهم، حتى تصير أنت وهم على سواء في العلم بأنك لهم محارب، فيأخذوا للحرب آلتها، وتبرأ من الغدر. ِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ الغادرين بمن كان منه في أمان وعهد بينه وبينه أن يغدر، فيحاربه قبل إعلامه إياه أنه له حرب وأنه قد فاسخه العقد). (2).
- وقال عز من قائل: إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا وَاسْتَغْفِرِ اللهِ إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا [النساء: 105 - 108].
قال السعدي: (قوله: وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا أي: لا تخاصم عن من عرفت خيانته، من مدع ما ليس له، أو منكر حقا عليه، سواء علم ذلك أو ظنه. ففي هذا دليل على تحريم الخصومة في باطل، والنيابة عن المبطل في الخصومات الدينية والحقوق الدنيوية) (3).
- وقال عز وجل: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ [التحريم: 10]

(1) ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (5/ 433).
(2) ((جامع البيان في تفسير القرآن)) للطبري (11/ 238 - 239).
(3) ((تيسير الكريم الرحمن)) للسعدي (ص: 199).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،قال ابن كثير في قوله: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِلَّذِينَ كَفَرُوا (أي: في مخالطتهم المسلمين ومعاشرتهم لهم، أن ذلك لا يجدي عنهم شيئًا ولا ينفعهم عند الله، إن لم يكن الإيمان حاصلا في قلوبهم، ثم ذكر المثل فقال: اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ أي: نبيين رسولين عندهما في صحبتها ليلا ونهارًا يؤاكلانهما ويضاجعانهما ويعاشرانهما أشد العشرة والاختلاط فَخَانَتَاهُمَا أي: في الإيمان، لم يوافقاهما على الإيمان، ولا صدقاهما في الرسالة، فلم يُجْد ذلك كلَه شيئًا، ولا دفع عنهما محذورا؛ ولهذا قال: فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أي: لكفرهما، وَقِيلَ أي: للمرأتين: ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ وليس المراد: فَخَانَتَاهُمَا في فاحشة، بل في الدين، فإن نساء الأنبياء معصوماتٌ عن الوقوع في الفاحشة؛ لحرمة الأنبياء) (1).
- وقال سبحانه: قال مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ [يوسف: 51 - 52].
قال السعدي في قوله تعالى حكاية عن امرأة العزيز: ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ (يحتمل أن مرادها بذلك زوجها أي: ليعلم أني حين أقررت أني راودت يوسف، أني لم أخنه بالغيب، أي: لم يجر مني إلا مجرد المراودة، ولم أفسد عليه فراشه، ويحتمل أن المراد بذلك ليعلم يوسف حين أقررت أني أنا الذي راودته، وأنه صادق أني لم أخنه في حال غيبته عني. وَأَنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ فإن كل خائن، لا بد أن تعود خيانته ومكره على نفسه، ولا بد أن يتبين أمره) (2).
ذم الخيانة والتحذير منها في السنة النبوية:
- عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر)) (3).

(1) ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (8/ 171).
(2) ((تيسير الكريم الرحمن)) للسعدي (ص: 400).
(3) رواه البخاري (34)، ورواه مسلم (58) بلفظ آخر.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،قال ابن عثيمين في قوله: ((إذا اؤتمن خان)): (إذا ائتمنه إنسان على شيء خانه فمثلا إذا أعطي وديعة وقيل له خذها احفظها، دراهم أو ساعة أو قلم أو متاع أو غير ذلك يكون فيها يستعملها لنفسه أو يتركها فلا يحفظها في مكانها أو يظفر بها من يتسلط عليه ويأخذها، المهم أنه لا يؤدي الأمانة فيها، كذلك إذا اؤتمن على حديث سري وقيل له: لا تخبر أحدا ذهب يخبر، قال لي فلان قال لي فلان، وبعض الناس والعياذ بالله يبتلى بحب الظهور والشهرة، إذا ائتمنه أحد من ولاة الأمور أو من كبراء القوم ووجهائهم ذهب يتحدث؛ قال لي الأمير كذا؛ قال لي الوزير كذا؛ قال لي الشيخ كذا؛ يتجمل عند الناس بأنه ممن يحادثه الكبراء والشرفاء وهذه من خيانة الأمانة والعياذ بالله، ومن ذلك أيضا الأمانات في الولايات يكون الإنسان وليا على يتيم على ماله وحضانته وتربيته فلا يقوم بالواجب؛ يهمل ماله وربما يستقرضه لنفسه ولا يدري هل يستطيع الوفاء فيما بعد أم لا؟ ولا يقربه بالتي هي أحسن، هذا أيضًا من خيانة الأمانة، ومن ذلك أيضًا أن الإنسان لا يقوم بواجب التربية في أهله وأولاده وقد ائتمنه الله) (1).
- وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((اللهم إني أعوذ بك من الجوع، فإنه بئس الضجيع، وأعوذ بك من الخيانة فإنها بئست البطانة)) (2).
- وعن عمران بن حصين- رضي الله عنهما- قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)) - قال عمران: لا أدري أذكر النبي صلى الله عليه وسلم بعد قرنين أو ثلاثة- قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن بعدكم قوما يخونون ولا يؤتمنون، ويشهدون ولا يستشهدون، وينذرون ولا يفون، ويظهر فيهم السمن)) (3).
قال النووي: (معنى الجمع في قوله يخونون ولا يؤتمنون أنهم يخونون خيانة ظاهرة بحيث لا يبقى معها ثقة بخلاف من خان حقيرا مرة فإنه لا يخرج به عن أن يكون مؤتمنا في بعض المواطن) (4).
- وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ((من تقول علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار، ومن أفتى بفتيا بغير علم كان إثم ذلك على من أفتاه، ومن استشاره أخوه المسلم فأشار عليه بغير رشد فقد خانه)) (5).
- وعن جابر- رضي الله عنه- قال: ((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطرق الرجل أهله ليلا يتخونهم أو يلتمس عثراتهم)) (6).
قال ابن بطال: (فبين النبي عليه السلام، بهذا اللفظ المعنى الذي من أجله نهى عن أن يطرق أهله ليلا. فإن قيل: وكيف يكون طروقه أهله ليلا سببا لتخونهم؟ قيل: معنى ذلك، والله أعلم، أن طروقه إياهم ليلا هو وقت خلوة وانقطاع مراقبة الناس بعضهم بعضا، فكان ذلك سببا لسوء ظن أهله به، وكأنه إنما قصدهم ليلا ليجدهم على ريبة حين توخى وقت غرتهم وغفلتهم. ومعنى الحديث النهي عن التجسس على أهله، ولا تحمله غيرته على تهمتها إذا لم يأنس منها إلا الخير) (7).

(1) ((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (6/ 164).
(2) رواه أبو داود (1547)، والنسائي (8/ 263)، وابن ماجه (3354)، وأبو يعلى (11/ 297) (6412)، وابن حبان (3/ 304) (1029). والحديث سكت عنه أبو داود، وصحح إسناده النووي في ((تحقيق رياض الصالحين)) (472)، وقال محمد المناوي في ((تخريج أحاديث المصابيح)) (2/ 338): في إسناده محمد بن عجلان وخرج له مسلم ثلاثة عشر حديثاً كلها في الشواهد، وحسنه ابن حجر في ((الفتوحات الربانية)) (3/ 169)، والألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)).
(3) رواه البخاري (2651). ومسلم (2535) واللفظ للبخاري.
(4) ((عون المعبود)) (9/ 1875).
(5) رواه أحمد (2/ 321) (8249)، والبخاري في ((الأدب المفرد)) (259)، والطحاوي في ((شرح مشكل الآثار)) (11/ 80) (4296). قال المزي في ((تهذيب الكمال)) (14/ 355): [فيه] عمرو بن أبي نعيمة قال الدارقطني: مصري مجهول يترك وذكره ابن حبان في الثقات، وصحح إسناده أحمد شاكر في تحقيق ((مسند أحمد)) (16/ 118)، وضعفه الألباني في ((ضعيف الأدب المفرد)) (41)، وضعف إسناده شعيب الأرناؤوط في تحقيق ((مسند أحمد)).
(6) رواه مسلم (715).
(7) ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (7/ 369).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،أقوال السلف والعلماء في الخيانة
- عن أنس بن مالك قال: (إذا كانت في البيت خيانة ذهبت منه البركة) (1).
- (وكان شريح يقضي في المضارب بقضائين: كان ربّما قال للمضارب: بيّنتك على مصيبة تعذر بها. وربّما قال لصاحب المال: بيّنتك أنّ أمينك خائن وإلّا فيمينه بالله ما خانك) (2).
- وعن خالد الربعي قال كان يقال: (إن من أجدر الأعمال أن لا تؤخر عقوبته أو يعجل عقوبته الأمانة تخان والرحم تقطع والإحسان يكفر) (3).
- وعن مجاهد، قال: (المكر والخديعة والخيانة في النار، وليس من أخلاق المؤمن المكر ولا الخيانة) (4).
- وعن ميمون بن مهران قال: (ثلاثة المسلم والكافر فيهن سواء: من عاهدته وف بعهده مسلما كان أو كافرا، فإنما العهد لله عز وجل، ومن كانت بينك وبينه رحم فصلها، مسلما كان أو كافرا ومن ائتمنك على أمانة فأدها إليه مسلما كان أو كافرا).
- وقال الفضيل بن عياض: (أصل الإيمان عندنا وفرعه وداخله وخارجه بعد الشهادة بالتوحيد وبعد الشهادة للنبي (صلى الله عليه وسلم) بالبلاغ وبعد أداء الفرائض صدق الحديث وحفظ الأمانة وترك الخيانة ووفاء بالعهد وصلة الرحم والنصيحة لجميع المسلمين) (5).
- وذكر أعرابي رجلاً خائناً فقال: (إن الناس يأكلون أماناتهم لقما، وإن فلاناً يحسوها حسواً) (6).
- وقال الماوردي: (وأما الاستسرار بالخيانة فضعة لأنه بذل الخيانة مهين، ولقلة الثقة به مستكين. وقد قيل في منثور الحكم: من يخن يهن. وقال خالد الربعي: قرأت في بعض الكتب السالفة أن مما تعجل عقوبة ولا تؤخر الأمانة تخان والإحسان يكفر والرحم تقطع والبغي على الناس.
ولو لم يكن من ذم الخيانة إلا ما يجده الخائن في نفسه من المذلة لكفاه زاجرا، ولو تصور عقبى أمانته وجدوى ثقته لعلم أن ذلك من أربح بضائع جاهه وأقوى شفعاء تقدمه مع ما يجده في نفسه من العز ويقابل عليه من الإعظام) (7).
- وقال أيضاً: (والداعي إلى الخيانة شيئان: المهانة وقلة الأمانة، فإذا حسمهما عن نفسه بما وصفت ظهرت مروءته) (8).
- وقال العارف المحاسبي: (ثلاثة عزيزة أو معدومة حسن وجه مع صيانة وحسن خلق مع ديانة وحسن إخاء مع أمانة) (9).
- وقال حكيم: (لو علم مضيّع الأمانة، ما في النّكث والخيانة، لقصّر عنهما عنانه.
- وقالوا: من خان مان، ومن مان هان، وتبرّأ من الإحسان) (10).
- وقال ابن حزم: (الخيانة في الحرم أشد من الخيانة في الدماء، العرض أعز على الكريم من المال، ينبغي للكريم أن يصون جسمه بماله ويصون نفسه بجسمه ويصون عرضه بنفسه ويصون دينه بعرضه ولا يصون بدينه شيئا) (11).

(1) رواه الخرائطي في ((مكارم الأخلاق)) (155).
(2) ((سنن النسائي)) (7/ 53).
(3) ((مكارم الأخلاق)) للخرائطي (ص71).
(4) ((مكارم الأخلاق)) للخرائطي (ص72).
(5) ((تاريخ دمشق)) لابن عساكر (48/ 399).
(6) ((عيون الأخبار)) لابن قتيبة الدينوري (1/ 125).
(7) ((أدب الدنيا والدين)) للماوردي (ص: 325).
(8) ((أدب الدنيا والدين)) للماوردي (ص: 326).
(9) ((فيض القدير شرح الجامع الصغير)) للمناوي (3/ 404).
(10) ((نهاية الأرب في فنون الأدب)) للنويري (3/ 369).
(11) ((الأخلاق والسير)) لابن حزم (ص: 80).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،حكم الخيانة
ذكر العلماء أن الخيانة من الكبائر فقد عد الذهبي الخيانة بأنها من الكبائر وكذلك ابن حجر الهيتمي (1). قال الذهبي: (قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ [الأنفال: 27].
قال الواحدي رحمه الله تعالى: نزلت هذه الآية في أبي لبابة حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني قريظة لما حاصرهم وكان أهله وولده فيهم فقالوا: يا أبا لبابة ما ترى لنا إن نزلنا على حكم سعد فينا؟ فأشار أبو لبابة إلى حلقه أي أنه الذبح فلا تفعلوا فكانت تلك منه خيانة لله ورسوله قال أبو لبابة: فما زالت قدماي من مكاني حتى عرفت أني خنت الله ورسوله وقوله: وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ عطف على النهي أي ولا تخونوا أماناتكم قال ابن عباس: الأمانات الأعمال التي ائتمن الله عليها العباد (2). يعني الفرائض يقول: لا تنقضوها قال الكلبي: أما خيانة الله ورسوله فمعصيتهما. وأما خيانة الأمانة: فكل واحد مؤتمن على ما افترضه الله عليه إن شاء خانها وإن شاء أداها لا يطلع عليه أحد إلا الله تعالى وقوله وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ أنها أمانة من غير شبهة وقال تعالى: وَأَنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ [يوسف: 52]: أي لا يرشد كيد من خان أمانته يعني أنه يفتضح في العاقبة بحرمان الهداية وقال عليه الصلاة والسلام: ((آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان)) (3)) (4). ثم سرد الذهبي الأحاديث التي تحث على الأمانة وتنهى عن الخيانة.

(1) انظر ((الزواجر عن اقتراف الكبائر)) لابن حجر الهيتمي (1/ 442).
(2) رواه الطبري في ((تفسيره)) (13/ 485)، وابن أبي حاتم في ((تفسيره)) (5/ 1684).
(3) رواه البخاري (33)، ومسلم (59).
(4) ((الكبائر)) للذهبي (ص: 149).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،آثار ومضار الخيانة
1 - تسخط الله عز وجل على العبد.
2 - داء وبيل إذا استشرى بالإنسان جرده من إنسانيته وجعله وحشا يهيم وراء ملذاته.
3 - من علامات النفاق.
4 - طريق موصل إلى العار في الدنيا والنار في الآخرة.
5 - أسوأ ما يبطن الإنسان.
6 - انتشار الخيانة في المجتمع من علامات اضمحلاله.
7 - انتشار الغلول والرشوة والمطل والغش لأنها كلها من الخيانة (1).
8 - فقدان الثقة بين أفراد المجتمع.
9 - تفكك أواصر المحبة والتعاون بين أفراد المجتمع.
10 - أنها تسبب المهانة والذل لصاحبها.

(1) من 1 - 7 من كتاب ((نضرة النعيم)) لمجموعة مؤلفين (10/ 4479).،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،صور الخيانة
(الخيانة من صفات المنافقين البارزة، فالمنافق إذا سنحت له فرصة الخيانة لم يضيعها أو يدعها تفوق، جرياً وراء المغنم، وأصل الخون النقص كما أن أصل الوفاء التمام واستعماله ضد الأمانة لأن الخون النقص والضياع، وما أبشع الخيانة بقدر ما يعظم قدر الأمانة، يقول الله تعالى: إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً [الأحزاب: 72]. وقد نهى الله تعالى عن الخيانة بأصنافها وأنواعها) (1). وصورها كالتالي:
1 - خيانة الله ورسوله:
قال تعالى: أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ [الأنفال: 28].
قال ابن حجر الهيتمي: (وقوله عز وجل: وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ عطف على النهي أي ولا تخونوا أماناتكم.
قال ابن عباس: الأمانات الأعمال التي ائتمن الله تعالى عليها العباد (2).
أما خيانة الله ورسوله فمعصيتهما.
وأما خيانة الأمانات فكل أحد مؤتمن على ما كلفه الله به، فهو سبحانه موقفه بين يديه ليس بينه وبينه ترجمان وسائله عن ذلك هل حفظ أمانة الله فيه أو ضيعها؟ فليستعد الإنسان بماذا يجب الله تعالى به إذا سأله عن ذلك فإنه لا مساغ للجحد ولا للإنكار في ذلك اليوم، وليتأمل قوله تعالى: وَأَنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ [يوسف: 52] أي لا يرشد كيد من خان أمانته بل يحرمه هدايته في الدنيا، ويفضحه على رءوس الأشهاد في العقبى، فالخيانة قبيحة في كل شيء) (3).
2 - (خيانة النفس: وهي أن يفعل المرء من الذنوب ما لا يطلع عليه إلا الله ويخون به أمر الله تعالى بألا يفعل، مثلما وقع من بعض المسلمين من الرفث إلى النساء ليلة الصيام فعن ابن عباس قال: كان المسلمون في شهر رمضان إذا صلوا العشاء حرم عليهم النساء والطعام في شهر رمضان بعد العشاء منهم عمر بن الخطاب فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى: عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ [البقرة: 178] وقوله تعالى: تختانون من الاختيان وهو أبلغ من الخيانة كالاكتساب من الكسب.
3 - خيانة الناس وهي أنواع:
- في المال: وتتمثل في أكل المال الذي يؤتمن عليه الإنسان سواء كان ذلك المال وديعة أو مالا عاماً أو مال شركة أمينها ذلك الخائن أو مال اليتامى الذين يتولى الوصاية عليهم خائن يأكل في بطنه ناراً من الأوصياء والأولياء المنافقين.
- إفشاء السر: وقد تكون خيانة الناس بإفشاء السر الذي يؤتمن عليه الإنسان إلا إذا كان في ذلك الإفشاء مصلحة أقوى مثل إظهار الحق ونصرة المظلوم وإعانة أهل العدل وصيانة مصلحة الأمة.
ولكن أكثر ما تكون الخيانة في إفشاء الأسرار الخاصة التي لا تهم غير صاحبها مثل عورات البيوت وأسرار العائلات والأزواج .. فليتق الله من يطلع على شيء من ذلك إذا ائتمنه عليه أصحاب الشأن لاستشارة أو لقيام بينهم بصلح.

(1) ((أخلاق المنافقين)) ليعقوب المليجي (ص: 84). بتصرف.
(2) رواه الطبري في ((تفسيره)) (13/ 485)، وابن أبي حاتم في ((تفسيره)) (5/ 1684).
(3) ((الزواجر عن اقتراف الكبائر)) لابن حجر الهيتمي (1/ 443).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،كما يكون ذلك الإفشاء وخيانة الأمانة ممن يطلعون بحكم علمهم على أسرار الناس، كالأطباء والممرضات فهؤلاء يعلمون من أسرار المرضى ما لا ينبغي أن يذاع وكذلك من يقومون بغسل الموتى وتكفينهم ودفنهم فقد وجب عليهم ألا يخونوا أماناتهم وأن يحفظوا ما علموا سراً) (1)
(وقال الحسن إن من الخيانة أن تحدث بسر أخيك.
ويروى أن معاوية رضي الله عنه أسر إلى الوليد بن عتبة حديثه فقال لأبيه يا أبت إن أمير المؤمنين أسر إلي حديثا وما أراه يطوي عنك ما بسطه إلى غيرك قال فلا تحدثني به فإن من كتم سره كان الخيار إليه ومن أفشاه كان الخيار عليه قال فقلت يا أبت وإن هذا ليدخل بين الرجل وبين ابنه فقال لا والله يا بني ولكن أحب أن لا تذلل لسانك بأحاديث السر قال فأتيت معاوية فأخبرته فقال يا وليد أعتقك أبوك من رق الخطأ) (2).
- الخيانة في النصيحة: (ومن صور خيانة الناس كذلك الخيانة في النصيحة، كمن يزكي فاسقاً أو يخفي مالا مسروقاً أو يؤوي مجرماً أو يعين قاطع طريق. أو من ينصح غيره بما يؤذيه في الدنيا أو الآخرة من الإفساد وقطيعة الرحم.
- الخيانة الزوجية: ومن أبشع صور الخيانة: خيانة الزوجة لزوجها في ماله وعرضه، بالسرقة والزنا، وخيانة الرجل لزوجته بالسرقة والزنا كذلك ... ) (3).

(1) ((أخلاق المنافقين)) ليعقوب المليجي (ص: 84). بتصرف.
(2) رواه ابن أبي الدنيا في ((الصمت)) (407)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (38/ 270 - 271).
(3) ((أخلاق المنافقين)) ليعقوب المليجي (ص: 84). بتصرف.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،أوجه ورود الخيانة في القرآن الكريم
وردت الخيانة في القرآن الكريم على خمسة أوجه ذكرها الفيروز آبادي فقال: (وقد وردت في القرآن على خمسة أَوجه:
الأَوّل في الدّين والدّيانة: وتخونوا أَمَانَاتِكُمْ [الأنفال: 27].
الثاني في المال والنّعمة: وَلاَ تَكُنْ لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً [النساء: 105].
الثالث: في الشرع والسنَّة: وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُواْ الله مِن قَبْلُ [الأنفال: 71] أي إِن تركوا الأَمانة في السُّنَّة فقد تركوها فى الفريضة.
الرّابع: الخيانة: بمعنى الزّنى وَأَنَّ الله لاَ يَهْدِي كَيْدَ الخائنين [يوسف: 52] أَي الزَّانين.
الخامس: بمعنى نَقْض العهد والبَيْعَة: وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً [الأنفال: 58] أي نقضَ عهد) (1).

(1) ((بصائر ذوي التمييز)) (2/ 152).،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،في أي شيء كانت خيانة امرأة نوح وامرأة لوط؟
قال الله تعالى: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ [التحريم: 10].
فخيانة امرأة نوح وامرأة لوط لم تكن في العرض وإنما كانت في الدين. قال ابن كثير: (وليس المراد: فَخَانَتَاهُمَا في فاحشة، بل في الدين، فإن نساء الأنبياء معصوماتٌ عن الوقوع في الفاحشة؛ لحرمة الأنبياء) (1). وقال الشيخ الفوزان: (هذه الآية الكريمة مثل ضربه الله لمخالطة الكافر للمسلم، وأن الكافر لا ينفعه مخالطة المسلم، ما دام أنه لم يدخل في الإسلام، فإنه في يوم القيامة يكون في النار، ولا تنفعه معاشرته للمسلم ومخالطته للمسلم، وإن توثقت الصداقة والعلاقة؛ لأنه ليس بمسلم. أما الخيانة التي حصلت من امرأة نوح وامرأة لوط، فهي خيانة الملة؛ لأن امرأة نوح وامرأة لوط كانتا كافرتين فخانتاهما في الدين، حيث لم تدخلا في دين زوجيهما، فهذا يعتبر خيانة، وليس خيانة عرض؛ لأن فرش الأنبياء معصومة عليهم الصلاة والسلام، لا يمكن أن يتزوج نبي بامرأة خائنة في عرضها؛ لأنهم معصومون عليهم الصلاة والسلام من ذلك، وفرشهم معصومة. فالمراد هنا بالخيانة خيانة الدين. وقيل: إن خيانتهما أن امرأة نوح كانت تخبر الكفار بأسرار نوح عليه الصلاة والسلام، تصفه بأنه مجنون، وخيانة امرأة لوط أنها كانت تدل قومها على أضياف لوط، ليفعلوا بهم الفاحشة. فهما خائنتان للأمانة التي بينهما وبين زوجيهما من ناحية حفظ السر وعدم الدلالة على ما عندهما من الأسرار، ومن الأضياف وغير ذلك، فهذا هو نوع الخيانة الواقع. والحاصل: أن هذه الخيانة ليست خيانة في العرض، بل هي إما في الدين، وإما خيانة في عدم حفظ الأسرار) (2).

(1) ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (8/ 171).
(2) ((مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان)) (1/ 130).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،الخيانة من صفات اليهود
(وصف الله اليهود إلا قليلا منهم بأنهم أهل خيانة فقال تعالى لرسوله: وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ... [المائدة: 13].
فهذه الآية تدل على أن الخيانة من الصفات التي تبرز في اليهود بين حين وآخر، فالخيانة شأنهم وديدنهم، وطريقتهم في معاملة الناس.
فمن خيانتهم محاولتهم اغتيال الرسول وقد كان بينه وبينهم عهد أمان.
ومن خيانتهم تواطؤهم مع الأحزاب، وقد كان بينهم وبين الرسول عهد وأمان) (1).

(1) ((الأخلاق الإسلامية)) لعبد الرحمن الميداني (1/ 614).،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،من قصص الخيانة
قصة وقعت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أنزل الله فيها قرآنا يجلي أمرها، عن قتادة بن النعمان قال: ((كان أهل بيت منا يقال لهم بنو أبيرق بشر وبشير ومبشر وكان بشير رجلا منافقا يقول الشعر يهجو به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ينحله بعض العرب ثم يقول قال فلان كذا وكذا قال فلان كذا وكذا فإذا سمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الشعر قالوا والله ما يقول هذا الشعر إلا هذا الخبيث أو كما قال الرجل وقالوا ابن الأبيرق قالها قال وكان أهل بيت حاجة وفاقة في الجاهلية والإسلام وكان الناس إنما طعامهم بالمدينة التمر والشعير وكان الرجل إذا كان له يسار فقدمت ضافطة من الشام من الدرمك ابتاع الرجل منها فخص بها نفسه وأما العيال فإنما طعامهم التمر والشعير فقدمت ضافطة من الشام فابتاع عمي رفاعة بن زيد حملا من الدرمك فجعله في مشربة له وفي المشربة سلاح ودرع وسيف فعدي عليه من تحت البيت فنقبت المشربة وأخذ الطعام والسلاح فلما أصبح أتاني عمي رفاعة فقال يا ابن أخي إنه قد عدي علينا في ليلتنا هذه ونقبت مشربتنا فذهب بطعامنا وسلاحنا فتحسسنا في الدار وسألنا فقيل لنا قد رأينا بني أبيرق استوقدوا في هذه الليلة ولا نرى فيما نرى إلا على بعض طعامكم قال وكان بنو أبيرق قالوا ونحن نسأل في الدار والله ما نرى صاحبكم إلا لبيد بن سهل رجل منا له صلاح وإسلام فلما سمع لبيد اخترط سيفه وقال أنا أسرق؟ فوالله ليخالطنكم هذا السيف أو لتبينن هذه السرقة قالوا إليك عنها أيها الرجل فما أنت بصاحبها فسألنا في الدار حتى لم نشك أنهم أصحابها فقال لي عمي يا ابن أخي لو أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له قال قتادة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت إن أهل بيت منا أهل جفاء عمدوا إلى عمي رفاعة بن زيد فنقبوا مشربة له وأخذوا سلاحه وطعامه فليردوا علينا سلاحنا فأما الطعام فلا حاجة لنا فيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم سآمر في ذلك فلما سمع بنو أبيرق أتوا رجلا منهم يقال له أسير بن عروة فكلموه في ذلك فاجتمع في ذلك ناس من أهل الدار فقالوا يا رسول الله إن قتادة بن النعمان وعمه عمدوا إلى أهل بيت منا أهل إسلام وصلاح يرمونهم بالسرقة من غير بينة ولا ثبت قال قتادة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمته فقال عمدت إلى أهل بيت ذكر منهم إسلام وصلاح ترميهم بالسرقة على غير ثبت ولا بينة قال فرجعت ولوددت أني خرجت من بعض مالي ولم أكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك فأتاني عمي رفاعة فقال يا ابن أخي ما صنعت؟ فأخبرته بما قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الله المستعان فلم يلبث أن نزل القرآن إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا [النساء: 105] بني أبيرق وَاسْتَغْفِرِ اللهِ [النساء: 106] أي مما قلت لقتادة إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا [النساء: 106] وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا [النساء: 107] يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ [النساء: 108] إلى قوله غَفُورًا رَّحِيمًا [النساء: 110] أي لو استغفروا الله لغفر لهم وَمَن يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ [النساء: 111] إلى قوله وَإِثْمًا مُّبِينًا [النساء: 112] قولهم للبيد وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ [النساء: 113] إلى قوله فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء: 114] فلما نزل القرآن أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسلاح فرده إلى رفاعة ... )) (1).

(1) رواه الترمذي (3036)، والطبراني (19/ 9) (15)، والحاكم (4/ 426). قال الترمذي: غريب لا نعلم أحداً أسنده غير محمد بن سلمة، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وحسنه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)).،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،الخيانة في واحة الشعر ..
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
أدّ الأمانة والخيانة فاجتنب ... واعدل ولا تظلم يطيب المكسب
فأنت امرؤ إمّا ائتمنتك خاليا ... فخنت، وإمّا قلت قولا بلا علم
وإنك في الأمر الذي قد أتيته ... لفي منزل بين الخيانة والإثم (1)
وقال الشاعر:
أخلقْ بمن رضي الخيانةَ شيمةً ... أن لا يُرى إِلا صريعَ حوادثِ
ما زالت الأرزاءُ تُلحقُ بؤسها ... أبداً يغادرِ ذمةٍ أو ناكثِ (2)
وقال آخر:
تولتْ بهجةُ الدنيا ... فكُلُّ جديدِها خَلَقُ
وخانَ الناسُ كُلُّهمُ ... فما أدري بمن أثقُ
رأيتُ معالِمَ الخيرات ... سدتْ دونَها الطرقُ
فلا حسبٌ ولا أدبٌ ... ولا دينٌ ولا خُلقُ (3)
وقال آخر:
من خانَهُ الدهرُ خانته صنائعُهُ ... وعادَ ذنباً له ما كانَ إِحسانا
ولا ترى الدهرَ إِلا حربَ مضطهدٍ ... وجالبين على المخذولِ خِذْلانا
والحظُّ يبني لك الدنيا بلا عمدٍ ... ويهدمُ الدِّعمَ الطولى إِذا خانا
لا تأمنَنَّ امرأً خانَ امرأً أبداً ... إِن من الناسِ ذا وجهين خوَّانا (4)
وقال آخر:
شرُ المصائبِ ما جنَتْهُ يدٌ ... لم يَثْنِها عن ظلمِها رحمُ
والعارُ حيٌ لا يموتُ إِذا ... قدُمَ الزمانُ وبادتِ الأممُ
إِن الخيانةَ ليس يغسِلُها ... من خاطئٍ دمعٌ ولا ندمُ (5) ...

(1) ((عيون الأخبار)) لابن قتيبة (1/ 100).
(2) ((نهاية الأرب في فنون الأدب)) للنويري (3/ 364).
(3) ((مجمع الحكم والأمثال)) لأحمد قبش (ص147).
(4) ((مجمع الحكم والأمثال)) لأحمد قبش (147).
(5) ((مجمع الحكم والأمثال)) لأحمد قبش (310).