الثلاثاء، 20 نوفمبر 2012

موسوعة الأخلاق الإسلامية : القناعة

القناعة

معنى القناعة لغة واصطلاحاً
معنى القناعة لغة:
هي الرضا بالقسمة (1)، والقنوع الرضا باليسير من العطاء. وقد قنع، بالكسر، يقنع قنوعاً وقناعةً إذا رضي، وقنع، بالفتح، يقنع قنوعاً إذا سأل (2). وقال بعض أهل العلم: إن القنوع قد يكون بمعنى الرضا، والقانع بمعنى الراضي، وهو من الأضداد (3). وسميت قناعةً لأنه يقبل على الشيء الذي له راضيًا (4).
معنى القناعة اصطلاحاً:
(القناعة: هي الرضي بما أعطى الله) (5).
وقال السيوطي: (القناعة: الرضا بما دون الكفاية (6)، وترك التشوف إلى المفقود، والاستغناء بالموجود) (7).
وقال المناوي: (هي: السكون عند عدم المألوفات. وقيل: الاكتفاء بالبلغة. وقيل سكون الجأش عند أدنى المعاش. وقيل: الوقوف عند الكفاية) (8).

(1) ((التعريفات)) للجرجاني (ص179).
(2) ((لسان العرب)) لابن منظور (8/ 298).
(3) ((الصحاح تاج اللغة)) للجوهري (3/ 1273).
(4) ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/ 32).
(5) ((مشارق الأنوار)) لأبي الفضل البستي (2/ 187).
(6) ((معجم مقاليد العلوم في الحدود والرسوم)) للسيوطي (ص205).
(7) ((معجم مقاليد العلوم في الحدود والرسوم)) للسيوطي (ص217).
(8) ((التوقيف على مهمات التعاريف)) للمناوي (ص275).

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
الفرق بين القناعة وبعض الصفات
الفرق بين القصد والقناعة:
(أن القصد: هو ترك الإسراف والتقتير جميعا.
والقناعة: الاقتصار على القليل والتقتير، ألا ترى أنه لا يقال هو قنوع إلا إذا استعمل دون ما يحتاج إليه ومقتصد لمن لا يتجاوز الحاجة ولا يقصر دونها وترك الاقتصاد مع الغنى ذم وترك القناعة معه ليس بذم وذلك أن نقيض الاقتصاد الإسراف، وقيل الاقتصاد من أعمال الجوارح لأنه نقيض الإسراف وهو من أعمال الجوارح والقناعة من أعمال القلوب) (1).
الفرق بين القناعة والزهد:
قال الراغب: (القناعة: الرضا بما دون الكفاية، والزهد: الاقتصار على الزهيد، أي: القليل وهما يتقاربان، لكن القناعة تقال اعتبارًا برضا النفس، والزهد يقال اعتبارًا بالمتناول لحظ النفس وكل زهد حصل لا عن قناعة فهو تزهد لا زهد) (2).

(1) ((معجم الفروق اللغوية)) لأبي هلال العسكري (ص430).
(2) ((الذريعة إلى مكارم الشريعة)) للراغب الأصفهاني (ص225).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،الترغيب على القناعة في القرآن والسنة
الترغيب والحث على القناعة من القرآن الكريم:
- قال تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [النحل: 97].
عن محمد بن كعبٍ في قوله تعالى: فلنحيينه حياةً طيبةً، قال: القناعة (1).
(وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه فسرها بالقناعة) (2).
و (عن الحسن البصري، قال: الحياة الطيبة: القناعة) (3).
- وقال تعالى: إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [النور: 32].
قال البغوي: (قيل: الغنى: هاهنا القناعة) (4).
وقال الخازن: (قيل الغنى: هنا القناعة) (5).
- وقال سبحانه: وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ [الحج: 36].
قال الطبري: (وأما القانع الذي هو بمعنى المكتفي، فإنه من قنعت بكسر النون أقنع قناعة وقنعا وقنعانا) (6).
وقال مجاهد: (القانع: جارك الذي يقنع بما أعطيته) (7).
وقال أبو إسحاق الثعلبي: (القانع من القناعة وهي الرضا والتعفف وترك السؤال) (8).
وقال الرازي: (قال الفراء والمعنى الثاني القانع هو الذي لا يسأل من القناعة يقال قنع يقنع قناعةً إذا رضي بما قسم له وترك السؤال) (9).
- وقال تعالى: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة: 201].
قال النسفي: (وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً عفواً ومغفرة أو المال والجنة أو ثناء الخلق ورضا الحق أو الإيمان والأمان أو الإخلاص والخلاص أو السنة والجنة أو القناعة والشفاعة .. ) (10).
وقال أبو حيان الأندلسي عند تفسير قوله تعالى: حَسَنَةً: ( .. القناعة بالرزق، أو: التوفيق والعصمة، أو: الأولاد الأبرار .. قاله جعفر) (11).
- قال تعالى: إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ [الانفطار: 13].
قال الرازي: (قال بعضهم: النعيم القناعة، والجحيم الطمع) (12).
وقال النيسابوري: (وقال آخرون: النعيم القناعة والتوكل) (13).
الترغيب والحث على القناعة من السنة النبوية:
- عن عبد الله بن عمرٍو رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((قد أفلح من أسلم ورزق كفافًا وقنعه الله)) (14).
قال ابن حجر: (ومعنى الحديث أن من اتصف بتلك الصفات حصل على مطلوبه وظفر بمرغوبه في الدنيا والآخرة) (15).
وقال المناوي: (رزق كفافا وقنعه الله بالكفاف فلم يطلب الزيادة) (16).
وقال المباركفوري: ((كفافا) أي ما يكف من الحاجات ويدفع الضرورات (وقنعه الله) أي جعله قانعًا بما آتاه) (17).

(1) ((القناعة والتعفف)) لابن أبي الدنيا (61).
(2) ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (2/ 346).
(3) ((جامع البيان)) للطبري (14/ 351).
(4) ((معالم التنزيل في تفسير القرآن)) للبغوي (6/ 40).
(5) ((لباب التأويل في معاني التنزيل)) للخازن (3/ 294).
(6) ((جامع البيان)) للطبري (16/ 569).
(7) ((جامع البيان)) للطبري (16/ 563).
(8) ((الكشف والبيان عن تفسير القرآن)) للثعلبي (7/ 23).
(9) ((مفاتيح الغيب)) للرازي (23/ 226).
(10) ((مدارك التنزيل وحقائق التأويل)) للنسفي (1/ 172).
(11) ((البحر المحيط في التفسير)) لأبي حيان الأندلسي (2/ 310).
(12) ((مفاتيح الغيب)) للرازي (31/ 80).
(13) ((غرائب القرآن ورغائب الفرقان)) للنيسابوري (6/ 460).
(14) رواه مسلم (1054).
(15) ((فتح الباري)) لابن حجر (11/ 275).
(16) ((فيض القدير)) للمناوي (4/ 508).
(17) ((تحفة الأحوذي)) للمباركفوري (4/ 508).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،وقال القرطبي: (معنى الحديث أن من حصل له ذلك فقد حصل على مطلوبه، وظفر بمرغوبه في الدارين) (1).
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي، صلى الله عليه وسلم كان يومًا يحدث، وعنده رجلٌ من أهل البادية: ((أن رجلاً من أهل الجنة استأذن ربه في الزرع، فقال له: ألست فيما شئت؟ قال: بلى، ولكني أحب أن أزرع، قال: فبذر، فبادر الطرف نباته واستواؤه واستحصاده، فكان أمثال الجبال، فيقول الله، عز وجل: دونك يا ابن آدم، فإنه لا يشبعك شيءٌ، فقال الأعرابي: والله لا نجده إلا قرشيا، أو أنصاريا، فإنهم أصحاب زرعٍ، وأما نحن فلسنا بأصحاب زرعٍ، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم)) (2).
قال ابن بطال: (وقوله: (دونك يا ابن آدم، لا يشبعك شيء) يدل على فضل القناعة، والاقتصار على البلغة، وذم الشره والرغبة) (3).
وقال ابن حجر (وفيه إشارةٌ إلى فضل القناعة وذم الشره) (4).
- وقال صلى الله عليه وسلم: ((اللهم اجعل رزق آل محمدٍ قوتًا)) (5).
قال ابن حجر: (أي اكفهم من القوت بما لا يرهقهم إلى ذل المسألة ولا يكون فيه فضولٌ تبعث على الترفه والتبسط في الدنيا وفيه حجةٌ لمن فضل الكفاف لأنه إنما يدعو لنفسه وآله بأفضل الأحوال) (6).
وقال النووي: (قال أهل اللغة العربية القوت ما يسد الرمق وفيه فضيلة التقلل من الدنيا والاقتصار على القوت منها والدعاء بذلك) (7).
- وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من أصبح وأمسى آمنا في سربه معافى في بدنه، عنده قوت يومه؛ كان كمن حيزت له الدنيا بحذافيرها)) (8).
قال النووي: (فيه فضيلة هذه الأوصاف) (9).
وقال المناوي: ((عنده قوت يومه) أي غذاؤه وعشاؤه الذي يحتاجه في يومه ذلك يعني من جمع الله له بين عافية بدنه وأمن قلبه حيث توجه وكفاف عيشه بقوت يومه وسلامة أهله فقد جمع الله له جميع النعم التي من ملك الدنيا لم يحصل على غيرها فينبغي أن لا يستقبل يومه ذلك إلا بشكرها بأن يصرفها في طاعة المنعم لا في معصية ولا يفتر عن ذكره) (10).
وقال المباركفوري: ((عنده قوت يومه) أي كفاية قوته من وجه الحلال (فكأنما حيزت) ... والمعنى فكأنما أعطي الدنيا بأسرها انتهى) (11).
- وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من يأخذ عني هؤلاء الكلمات فيعمل بهن أو يعلم من يعمل بهن؟) قلت: أنا يا رسول الله! فأخذ يدي فعد خمسًا، فقال: (اتق المحارم تكن أعبد الناس، وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس، وأحسن إلى جارك تكن مؤمنًا، وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلمًا، ولا تكثر الضحك ; فإن كثرة الضحك تميت القلب)) (12).
قال المناوي: ((وارض بما قسم الله لك) أي: أعطاك (تكن أغنى الناس) فإن من قنع بما قسم له ولم يطمع فيما في أيدي الناس استغنى عنهم ليس الغنى بكثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس) (13).

(1) ((تطريز رياض الصالحين)) لفيصل الحريملي (ص341).
(2) رواه البخاري (2348).
(3) ((شرح البخاري)) لابن بطال (6/ 489).
(4) ((فتح الباري)) لابن حجر (5/ 27).
(5) رواه مسلم (1055).
(6) ((فتح الباري)) لابن حجر (11/ 275).
(7) ((المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج)) للنووي (7/ 146).
(8) رواه الترمذي (2346)، وابن ماجه (3357)، والبخاري في ((الأدب المفرد)) (300)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (7/ 294) (10362)، والمنذري في ((الترغيب والترهيب)) (1/ 335). من حديث عبيدالله بن محصن رضي الله عنه. قال الترمذي: حسن غريب من هذا الوجه، وقال البيهقي: أصح ما روي في الباب، وحسنه ابن حجر في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (5/ 15) كما قال في المقدمة، والسيوطي في ((الجامع الصغير)) (8455)، والسفاريني الحنبلي في ((شرح كتاب الشهاب)) (99)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)).
(9) ((فتح الباري)) لابن حجر (11/ 275).
(10) ((فيض القدير)) للمناوي (6/ 68).
(11) ((تحفة الأحوذي)) للمباركفوري (7/ 10).
(12) رواه الترمذي (2305)، وابن ماجه (3417)، وأبو يعلى في ((المسند)) (11/ 113) (6240)، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (7/ 125) (7054)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (7/ 78) (9543). قال الترمذي: غريب لا نعرفه إلا من حديث جعفر بن سليمان والحسن لم يسمع من أبي هريرة، وقال ابن عساكر في ((معجم الشيوخ)) (2/ 790): حسن غريب، وحسنه ابن حجر في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (5/ 8) كما قال في المقدمة، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)).
(13) ((التيسير بشرح الجامع الصغير)) للمناوي (1/ 27).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،أقوال السلف والعلماء في القناعة
- (قال عبد الله بن عباس: القناعة مال لا نفاد له) (1).
- (وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه، الرزق رزقان: فرزق تطلبه، ورزق يطلبك فإن لم تأته أتاك) (2).
- (وقال سعد بن أبي وقاص لابنه: يا بني: إذا طلبت الغنى فاطلبه بالقناعة، فإنها مال لا ينفد؛ وإياك والطمع فإنه فقر حاضر؛ وعليك باليأس، فإنك لم تيأس من شيء قط إلا أغناك الله عنه) (3).
- و (قال عمر بن عبد العزيز: الفقه الأكبر القناعة وكف اللسان) (4).
- وقال الراغب: (الفقر أربعة: فقر الحسنات في الآخرة، وفقر القناعة في الدنيا، وفقر المقتني، وفقرها جميعا والغني بحسبه، فمن حصل له في الدنيا فقد القناعة والمقتني فهو الفقير المطلق على سبيل الذم، ولا يقال له غني بوجه وهو المشار إليه بقوله عليه الصلاة والسلام ((كاد الفقر أن يكون كفراً)) (5)، ومن فقد القناعة دون القنية، فهو الغني بالمجاز فقير بالحقيقة. ولهذا قال: قد يكثر المال والإنسان مفتقر) (6).
- و (قال أكثم بن صيفي لابنه يا بني من لم يأس على ما فاته ودع بدنه ومن قنع بما هو فيه قرت عينه) (7).
- (وقال بكر بن عبد الله المزني: يكفيك من الدنيا ما قنعت به ولو كف تمرٍ، وشربة ماءٍ، وظل خباءٍ، وكل ما انفتح عليك من الدنيا شيءٌ ازدادت نفسك به تعبًا) (8).
- وقال (نعيم بن حماد: سمعت ابن المبارك يقول مروءة القناعة أفضل من مروءة الإعطاء
- وقال أبو حاتم: (من أكثر مواهب الله لعباده وأعظمها خطراً القناعة وليس شيء أروح للبدن من الرضا بالقضاء والثقة بالقسم ولو لم يكن في القناعة خصلة تحمد إلا الراحة وعدم الدخول في مواضع السوء لطلب الفضل لكان الواجب على العاقل ألا يفارق القناعة على حالة من الأحوال) (9).
- وقال أيضاً (القناعة تكون بالقلب فمن غني قلبه غنيت يداه ومن افتقر قلبه لم ينفعه غناه ومن قنع لم يتسخط وعاش آمنا مطمئنا ومن لم يقنع لم يكن له في الفوائت نهاية لرغبته والجد والحرمان كأنهما يصطرعان بين العباد) (10).
- و (قال أبو سليمان الداراني: إن قومًا طلبوا الغنى فحسبوا أنه في جمع المال ألا وإنما الغنى في القناعة، وطلبوا الراحة في الكثرة وإنما الراحة في القلة، وطلبوا الكرامة من الخلق ألا وهي في التقوى، وطلبوا النعمة في اللباس الرقيق واللين وفي طعامٍ طيبٍ، والنعمة في الإسلام الستر والعافية») (11).
- و (قال أبو الحسن البوشنجي، وسئل عن القناعة؟ فقال: المعرفة بالقسمة) (12).
- و (عن أبي سليمان أنه قال: سمعت أختي تقول: الفقراء كلهم أموات إلا من أحياه الله تعالى بعز القناعة والرضا بفقره) (13).
- و (قال أبو محرز الطفاوي: شكوت إلى جارية لنا ضيق المكسب علي وأنا شاب فقالت لي: يا بني استعن بعز القناعة عن ذل المطالب، فكثيراً، والله ما رأيت القليل عاد سليماً. قال أبو محرز: ما زلت بعد أعرف بركة كلامها في قنوعي) (14).
- و (عن الحسن، قال: لا تزال كريمًا على الناس - أو لا يزال الناس يكرمونك ما لم تعاط ما في أيديهم، فإذا فعلت ذلك استخفوا بك، وكرهوا حديثك وأبغضوك) (15).
- (وقال مالك بن دينارٍ: أزهد الناس من لا تتجاوز رغبته من الدنيا بلغته) (16).
- (وكان محمد بن واسع يبل الخبز اليابس بالماء ويأكل ويقول من قنع بهذا لم يحتج إلى أحد) (17).

(1) ذكره ابن عبد ربه في ((العقد الفريد)) (3/ 169).
(2) ذكره ابن عبد ربه في ((العقد الفريد)) (3/ 169) ورواه الجرجاني مرفوعاً في ((تاريخ جرجان)) (ص 366).
(3) رواه ابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (20/ 363).
(4) ((أدب المجالسة وحمد اللسان)) لابن عبد البر (ص87).
(5) رواه البيهقي في ((شعب الإيمان)) (9/ 12)، والطبراني في ((الدعاء)) (ص 319). والقضاعي في ((مسند الشهاب)) (1/ 342). قال ابن عدي في ((الكامل في الضعفاء)) (9/ 94)، غير محفوظ. وقال القيسراني في ((ذخيرة الحفاظ)) (3/ 1723)، [فيه] يحيى بن يمان ضعفه ابن معين، والرقاشي ضعيف. وقال ابن الملقن في ((شرحه للبخاري)) مرسل لا تثبت به الحجة وهو غير صحيح. وقال العراقي في ((تخريج الإحياء)) (3/ 231)، من رواية يزيد الرقاشي عن أنس ويزيد ضعيف.
(6) ((تفسير الراغب)) للراغب الأصفهاني (1/ 564).
(7) ((روضة العقلاء ونزهة الفضلاء)) لابن حبان (ص149).
(8) ((القناعة والتعفف)) لابن أبي الدنيا (ص62).
(9) ((روضة العقلاء ونزهة الفضلاء)) لابن حبان (ص149).
(10) ((روضة العقلاء ونزهة الفضلاء)) لابن حبان (ص150).
(11) ((الزهد الكبير)) للبيهقي (ص80).
(12) ((الزهد الكبير)) للبيهقي (ص84).
(13) ((صفة الصفوة)) لابن الجوزي (2/ 431).
(14) ((صفة الصفوة)) لابن الجوزي (2/ 258).
(15) ((حلية الأولياء)) لأبي نعيم الأصبهاني (3/ 20).
(16) ((أدب الدنيا والدين)) للماوردي (ص227).
(17) ((إحياء علوم الدين)) للغزالي (3/ 239).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،مراتب القناعة
قال الماوردي: (والقناعة قد تكون على ثلاثة أوجهٍ:
فالوجه الأول: أن يقنع بالبلغة من دنياه، ويصرف نفسه عن التعرض لما سواه. وهذا أعلى منازل القناعة.
والوجه الثاني: أن تنتهي به القناعة إلى الكفاية، ويحذف الفضول والزيادة. وهذه أوسط حال المقتنع.
والوجه الثالث: أن تنتهي به القناعة إلى الوقوف على ما سنح فلا يكره ما أتاه وإن كان كثيرًا، ولا يطلب ما تعذر وإن كان يسيرًا. وهذه الحال أدنى منازل أهل القناعة؛ لأنها مشتركةٌ بين رغبةٍ ورهبةٍ. أما الرغبة؛ فلأنه لا يكره الزيادة على الكفاية إذا سنحت. وأما الرهبة؛ فلأنه لا يطلب المتعذر عن نقصان المادة إذا تعذرت) (1).

(1) ((أدب الدنيا والدين)) للماوردي (ص126 - 127).،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،فوائد القناعة
18 - سبب لنيل محبة الله.
19 - علامة كمال الإيمان.
20 - تبعد الإنسان عن الذنوب والمعاصي التي تحبط الحسنات.
21 - تجعل الإنسان يعيش حياة هنيئة طيبة.
22 - تشيع المودة وتنشر المحبة بين الناس.
23 - تكسب الإنسان قوة الإيمان والثقة به والرضا بما قسم.
24 - سبيل لراحة النفس والبعد عن الهموم.
25 - وقاية من الغيبة والنميمة والحسد.
26 - طريق موصل إلى الجنة.
27 - سبب للبركة.
28 - عز للنفس وبعد المهانة والذل.
29 - عين الغنى.
30 - فيها تحقيق لشكر الله تعالى على نعمه.
31 - تعفف عما في أيدي الناس (1).

(1) انظر ((نضرة النعيم)) لمجموعة من الباحثين (8/ 3235). و ((الأخلاق الإسلامية وأسسها)) لعبدالرحمن الميداني (2/ 363 - 365) بتصرف واختصار.،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،موانع اكتساب القناعة
1. مجالسة ذوي الأموال واللاهثين وراء جمعها.
2. اتباع الشهوات لطلب الدنيا والتزود منها.
3. طلب الزيادة عن الكفاية والتوسع في جمع الأموال.
4. عدم قراءة القرآن الكريم وتدبر آياته.
5. عدم تذكر الموت والدار الآخرة.
6. الانغماس في شهوات الدنيا.
الأسباب المعينة على اكتساب القناعة:
1. اكتفاء الإنسان بما رزق، وعدم الاهتمام بالمستقبل.
2. الاطلاع على سيرة السلف الصالح، وزهدهم وقناعتهم في الدنيا، والاقتداء بهم.
3. الاقتصاد في الإنفاق، وعدم الإسراف والتبذير.
4. الإلحاح في الدعاء بأن يرزقه الله القناعة، كما فعل ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم.
5. الإيمان الجازم بأن الله قد كتب الأرزاق قبل أن يخلقنا، ولن تموت نفس حتى تستوفي رزقها.
6. تعويد النفس على القناعة والبعد عن الطمع.
7. تقوية الإيمان بالله تعالى.
8. النظر إلى من هو أقل منه في الرزق، ولا ينظر إلى من هو أعلى منه.
9. الاعتقاد بأن الله سبحانه جعل التفاوت في الأرزاق بين الناس لحكمة يعلمها.
10. تذكر الموت وزيارة القبور.
11. قراءة القرآن والتأمل في الآيات القرآنية التي تناولت قضية الرزق والمعيشة.
12. أن يعلم أن في القناعة عزة للنفس، وفي الطمع ذل ومهانة.
13. أن يعرف أن في جمع المال انشغال للقلب؛ من هم وغم وخوف عليه.
نماذج للنبي صلى الله عليه وسلم في القناعة:
كان النبي صلى الله عليه وسلم قنوعاً زاهداً، فكان من أبعد الناس عن ملذات الدنيا وأرغبهم إلى الآخرة، وقد خيره ربه جل وعلا بين الدنيا وأن يعيش فيها ما شاء، وبين الآخرة، فاختار الآخرة وما عند الله، وخيره أن يكون ملكاً نبياً أو عبداً نبياً، فاختار أن يكون عبداً نبيناً.
- قال عمر رضي الله عنه: ((دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجعٌ على حصيرٍ، فجلست، فأدنى عليه إزاره وليس عليه غيره، وإذا الحصير قد أثر في جنبه، فنظرت ببصري في خزانة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا أنا بقبضةٍ من شعيرٍ نحو الصاع، ومثلها قرظًا في ناحية الغرفة، وإذا أفيقٌ معلقٌ، قال: فابتدرت عيناي، قال: ما يبكيك يا ابن الخطاب قلت: يا نبي الله، وما لي لا أبكي وهذا الحصير قد أثر في جنبك، وهذه خزانتك لا أرى فيها إلا ما أرى، وذاك قيصر وكسرى في الثمار والأنهار، وأنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصفوته، وهذه خزانتك، فقال: يا ابن الخطاب، ألا ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا؟، قلت: بلى، قال: ودخلت عليه حين دخلت، وأنا أرى في وجهه الغضب، فقلت: يا رسول الله، ما يشق عليك من شأن النساء؟ فإن كنت طلقتهن، فإن الله معك، وملائكته، وجبريل، وميكائيل، وأنا، وأبو بكرٍ، والمؤمنون معك، وقلما تكلمت وأحمد الله بكلامٍ، إلا رجوت أن يكون الله يصدق قولي الذي أقول .. )) (1).
- وعن ابن عباس- رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو: ((اللهم قنعني بما رزقتني، وبارك لي فيه، واخلف على كل غائبة لي بخير)) (2).
- وعن عائشة- رضي الله عنها- أنها قالت لعروة: ((ابن أختي، إن كنا لننظر إلى الهلال ثلاثة أهلة في شهرين وما أوقدت في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار. فقلت: ما كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان: التمر والماء، إلا أنه قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الأنصار كان لهم منائح، وكانوا يمنحون رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبياتهم، فيسقيناه)) (3).
- وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم ارزق آل محمد قوتاً)) (4).
- وعن عائشة- رضي الله عنها- قالت: ((كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أدم وحشوه ليف)) (5).
- وعن قتادة- رضي الله عنه- قال: ((كنا نأتي أنس بن مالك وخبازه قائم، وقال: كلوا، فما أعلم النبي صلى الله عليه وسلم رأى رغيفا مرققا حتى لحق بالله، ولا رأى شاة سميطا بعينه قط)) (6).
- وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: ((لقد توفي النبي صلى الله عليه وسلم وما في رفي من شيء يأكله ذو كبد، إلا شطر شعير في رف لي، فأكلت منه حتى طال علي، فكلته ففني)) (7).
- وعن عائشة- رضي الله عنها- زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: ((لقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما شبع من خبز وزيت، في يوم واحد، مرتين)) (8).
- وعن أنس- رضي الله عنه- قال: ((لم يأكل النبي صلى الله عليه وسلم على خوان حتى مات، وما أكل خبزا مرققا حتى مات)) (9).
- وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو كان لي مثل أحد ذهبا ما يسرني أن لا يمر علي ثلاث وعندي منه شيء، إلا شيء أرصده لدين)) (10).
- وعن عروة؛ عن عائشة- رضي الله عنهما- قالت: ((ما أكل آل محمد صلى الله عليه وسلم أكلتين في يوم إلا إحداهما تمر)) (11).
- وعن عائشة- رضي الله عنها- أنها قالت: ((ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم من خبز شعير، يومين متتابعين، حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم)) (12).
- وعن عائشة- رضي الله عنها- قالت: ((ما شبع آل محمد منذ قدم المدينة من طعام بر ثلاث ليال تباعا حتى قبض)) (13).

(1) رواه البخاري (4913) ومسلم (1479) واللفظ له.
(2) رواه ابن خزيمة (4/ 217) (2728)، والحاكم (1/ 626). قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وحسنه ابن حجر في ((الفتوحات الربانية)) (4/ 383)، وقال الشوكاني في ((الفتح الرباني)) (3/ 276): [روي] من طرق.
(3) رواه البخاري (6459) ومسلم (2972) واللفظ للبخاري.
(4) رواه مسلم (1055).
(5) رواه البخاري (6456) ومسلم (2082) واللفظ للبخاري.
(6) رواه البخاري (5421).
(7) رواه البخاري (6451) ومسلم (2973).
(8) رواه مسلم (2974).
(9) رواه البخاري (6450).
(10) رواه البخاري (2389).
(11) رواه البخاري (6455).
(12) رواه مسلم (2970).
(13) رواه البخاري (5416) ومسلم (2970).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،نماذج للصحابة في القناعة:
لقد سار صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، على ما كان عليه واتبعوا آثاره، وتخلقوا بأخلاقه، وعاشوا التقشف والزهد في أول أمرهم نظراً لقلة ذات اليد، ثم انتشر الإسلام وجاءتهم الغنائم وفتح الله عليهم، فلم تؤثر هذه الأموال التي اكتسبوها من الغنائم على زهدهم، بل استمروا على ما هم فيه من قناعة وتقشف، وهنا نذكر بعض النماذج من قناعة الصحابة وبعدهم عن الطمع:
- وعن عائشة قالت: (من حدثكم أنا كنا نشبع من التمر فقد كذبكم فلما افتتح صلى الله عليه وسلم قريظة أصبنا شيئا من التمر والودك) (1).
- وعن عامر بن عبد الله أن سلمان الخير حين حضره الموت عرفوا منه بعض الجزع قالوا ما يجزعك يا أبا عبد الله وقد كانت لك سابقةٌ في الخير شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مغازي حسنةً وفتوحًا عظامًا قال يجزعني أن حبيبنا صلى الله عليه وسلم حين فارقنا عهد إلينا قال: (ليكف اليوم منكم كزاد الراكب" فهذا الذي أجزعني فجمع مال سلمان فكان قيمته خمسة عشر دينارا) (2).
- وعن أبي العالية: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - قال: ((من تكفل لي أن لا يسأل أحداً شيئاً، وأتكفل له بالجنة؟ فقال ثوبان: أنا. فكان لا يسأل أحداً شيئاً)) (3).
- وعن أبي هريرة، قال: (لقد رأيت سبعين من أصحاب الصفة ما منهم رجلٌ عليه رداءٌ، إما إزارٌ وإما كساءٌ، قد ربطوا في أعناقهم، فمنها ما يبلغ نصف الساقين، ومنها ما يبلغ الكعبين، فيجمعه بيده، كراهية أن ترى عورته) (4).
- وقال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - قوله: (لقد رأيت سبعين من أصحاب الصفة يشعر بأنهم كانوا أكثر من سبعين وهؤلاء الذين رآهم أبو هريرة غير السبعين الذين بعثهم النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بئر معونة وكانوا من أهل الصفة أيضًا لكنهم استشهدوا قبل إسلام أبي هريرة (5)
- وعن الحسن قال: (كان عطاء سلمان خمسة آلاف، وكان أميرا على زهاء ثلاثين ألفا من المسلمين، وكان يخطب في عباءة يفترش نصفها ويلبس نصفها، فإذا خرج عطاؤه تصدق به، وأكل من سفيف يده) (6).
- و (التقى عبد الرحمن بن عوف وأبو ذر الغفاري، فقبل عبد الرحمن ما بين عيني أبي ذر لكثرة سجوده، وقبل أبو ذر يمين عبد الرحمن لكثرة صدقته. فلما افترقا بعث عبد الرحمن إليه ببدرة، وقال لغلامه: إن قبلها منك فأنت حر. فأبى أن يقبلها، فقال الغلام: اقبل رحمك الله فإن في قبولها عتقي، فقال أبو ذر: إن كان عتقك فيه ففيه رقي، ورده) (7).

(1) رواه ابن حبان (2/ 460) (684)، والمنذري في ((الترغيب والترهيب)) (4/ 96). والحديث صححه الألباني في ((صحيح الترغيب)) (3278)، وقال شعيب الأرناؤوط في تحقيق (صحيح ابن حبان): إسناده قوي.
(2) رواه ابن حبان (2/ 481) (706)، والطبراني (6/ 268) (6182)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (26/ 3)، والمنذري في ((الترغيب والترهيب)) (4/ 112). والحديث صححه الألباني في ((صحيح الترغيب)) (3319)، وقال شعيب الأرناؤوط في تحقيق ((صحيح ابن حبان)): إسناده صحيح. والحديث رواه ابن ماجه (3328) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه بلفظ: (قال اشتكى سلمان. فعاده سعد. فرآه يبكي. فقال له سعد ما يبكيك؟ يا أخي أليس قد صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أليس أليس؟ قال سلمان ما أبكي واحدة من اثنتين. ما أبكى ضنا للدنيا ولا كراهية للآخرة. ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلي عهدا. فما أراني إلا قد تعديت. قال وما عهد إليك؟ قال عهد إلي أنه يكفي أحدكم مثل زاد الراكب. ولا أراني إلا قد تعديت. وأما أنت يا سعد فاتق الله عند حكمك إذا حكمت وعند قسمك إذا قسمت وعند همك إذا هممت. قال ثابت فبلغني أنه ما ترك إلا بضعة وعشرين درهما. من نفقة كانت عنده). وصححه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)).
(3) رواه أبو داود (1643)، وأحمد (5/ 276) (22428)، والطبراني (2/ 98) (1433)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (3/ 272) (3521). من حديث ثوبان رضي الله عنه. والحديث سكت عنه أبو داود، وصحح إسناده ابن جرير في ((مسند عمر)) (1/ 30)، والمنذري في ((الترغيب والترهيب)) (2/ 39)، والنووي في ((رياض الصالحين)) (237)، وصححه الألباني ((صحيح سنن أبي داود)).
(4) رواه البخاري (442).
(5) ((فتح الباري)) لابن حجر (1/ 536).
(6) رواه أبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (1/ 197 - 198)، ابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (21/ 434).
(7) ((ربيع الأبرار)) للزمخشري (5/ 339).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،نماذج للسلف في القناعة:
- (ورث داود الطائي من أبيه دارا ودنانير، فكان كلما خرب في الدار بيت انتقل إلى غيره ولم يعمره، ولم يزل يتقوت بالدنانير حتى كفن في آخرها) (1).
- و (عن يحيى بن عروة بن أذينة قال: لما أتى أبي وجماعةٌ من الشعراء هشام بن عبد الملك فأنشدوه فلما عرف أبي قال: ألست القائل:
لقد علمت وما الإسراف من خلقي ... أن الذي هو رزقي سوف يأتيني
أسعى له فيعنيني تطلبه ... ولو قعدت أتاني لا يعنيني
فهلا جلست في بيتك حتى يأتيك؟ فسكت أبي ولم يجبه فلما خرجوا من عنده جلس أبي على راحلته حتى أتى المدينة وأمر هشامٌ بجوائزهم فقعد أبي فسأل عنه فلما خبر بانصرافه قال: لا جرم والله ليعلمن أن ذلك سيأتيه. ثم أضعف له ما أعطى واحدًا من أصحابه وكتب له فريضتين) (2).
- (وقال زمعة بن صالحٍ: كتب إلى أبي حازمٍ بعض بني أمية يعزم عليه إلا رفع إليه حوائجه، فكتب إليه: أما بعد، فقد جاءني كتابك تعزم علي أن أرفع إليك حوائجي وهيهات قد رفعت حوائجي إلى ربي، ما أعطاني منها قبلت، وما أمسك علي منها قنعت) (3).
- و (عن الحسن، قال: لما حضر سلمان الموت بكى، فقيل له ما يبكيك يا أبا عبد الله، وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: أما إني لا أبكي جزعًا على الدنيا، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلينا، فتركنا عهده: أن تكون بلغة أحدنا من الدنيا كزاد الراكب قال: فلما مات نظروا فإذا نحوٌ من قيمة ثلاثين درهمًا) (4).
- (وعن حفصٍ الجعفي، قال: ورث داود الطائي من أمه أربع مائة درهمٍ، فمكث يتقوت بها ثلاثين عاماً، فلما نفدت، جعل ينقض سقوف الدويرة، فيبيعها.
- وقال عطاء بن مسلمٍ: عاش داود عشرين سنةً بثلاث مائة درهمٍ) (5).
- (وذكر إبراهيم بن السري الزجاج: أنه كان يجرى على أبي جعفرٍ في الشهر أربعة دراهم، يتقوت بها. قال: وكان لا يسأل أحداً شيئاً) (6).

(1) ((ربيع الأبرار)) للزمخشري (5/ 338).
(2) ((التبصرة)) لابن الجوزي (ص156).
(3) ((القناعة)) لابن السني (ص40).
(4) ((القناعة)) لابن السني (ص51).
(5) ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (7/ 424).
(6) ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (13/ 546).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،مسائل متفرقة حول القناعة
- مواعظ حول القناعة:
موعظة عمر بن عبد العزيز في القناعة:
(قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: من وعظ أخاه بنصيحةٍ له في دينه، ونظر له في صلاح دنياه، فقد أحسن صلته، وأدى واجب حقه، فاتقوا الله فإنها نصيحةٌ لكم في دينكم فاقبلوها، وموعظةٌ منجيةٌ من العواقب فالزموها، فالرزق مقسومٌ، ولن يعدو المرء ما قسم له، فأجملوا في الطلب، فإن في القنوع سعةً وبلغةً، وكفا عن كلفةٍ، لا يحل الموت في أعناقكم، وجهته أيامكم، وما ترون ذاهبٌ، وما مضى كأن لم يكن، وكل ما هو آتٍ قريبٌ، أما رأيتم حالات المنيب وهو يشرف ويعد فراغه، وقد ذاق الموت وعائلهم تعجيل إخراج أهله إياه من داره إلى قبره، وسرعة انصرافهم إلى مسكنه، وجهه مفقودٌ، وذكره منسي، وبابه عن قليلٍ مهجورٌ، كأن لم يخالط إخوان الحفاظ، ولم يعمر الديار، فاتقوا يومًا لا تخفى فيه مثقال حبةٍ في الموازين) (1).
موعظة وهب بن منبه لعطاء الخرساني في القناعة:
(وقال وهب بن منبهٍ لعطاءٍ الخراساني: ويحك يا عطاء ألم أخبر أنك تحمل علمك إلى أبواب الملوك وأبناء الدنيا، ويحك يا عطاء تأتي من يغلق عنك بابه، ويظهر لك فقره، ويواري عنك غناه! وتدع من يفتح لك بابه ويظهر لك غناه، ويقول: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر: 60]. يا عطاء أترضى بالدون من الدنيا مع الحكمة، ولا ترضى بالدون من الحكمة مع الدنيا، ويحك يا عطاء إن كان يغنيك ما يكفيك، وأن أدنى ما في الدنيا يكفيك، وإن كان لا يغنيك ما يكفيك فليس في الدنيا شيءٌ يكفيك. ويحك يا عطاء إنما بطنك بحرٌ من البحور ووادٍ من الأودية، ولا يملؤه شيءٌ إلا التراب) (2).
- أقوال الأدباء والحكماء في القناعة
- (قال أكثم بن صيفي: من باع الحرص بالقناعة ظفر بالغنى والثروة.
- وقال بعض السلف: قد يخيب الجاهد الساعي، ويظفر الوادع الهادي. فأخذه البحتري فقال:
لم ألق مقدورًا على استحقاقه ... في الحظ إما ناقصًا أو زائدا
وعجبت للمحدود يحرم ناصبًا ... كلفًا وللمجدود يغنم قاعدا
ما خطب من حرم الإرادة قاعدًا ... خطب الذي حرم الإرادة جاهدا
- وقال بعض الحكماء: إن من قنع كان غنيا وإن كان مقترًا، ومن لم يقنع كان فقيرًا وإن كان مكثرًا.
- وقال بعض البلغاء إذا طلبت العز فاطلبه بالطاعة، وإذا طلبت الغنى فاطلبه بالقناعة، فمن أطاع الله - عز وجل - عن نصره، ومن لزم القناعة زال فقره.
- وقال بعض الأدباء: القناعة عز المعسر، والصدقة حرز الموسر) (3).
- (وقيل لبعض الحكماء: اكتسب فلانٌ مالا، قال: فهل اكتسب أيامًا يأكله فيها؟ قيل: ومن يقدر على ذلك؟ قال: فما أراه اكتسب شيئًا) (4).
- و (كتب حكيمٌ إلى أخٍ له: أما بعد فاجعل القنوع ذخرًا ولا تعجل على ثمرة لم تدرك، فإنك تدركها في أوانها عذبةً، والمدبر لك أعلم بالوقت الذي يصلح لما تؤمل فثق بخيرته لك في أمورك كلها) (5).
- و (قال الحكيم: أربعةٌ طلبناها فأخطأنا طرقها: طلبنا الغنى في المال، فإذا هو في القناعة، وطلبنا الراحة في الكثرة فإذا هي في القلة، وطلبنا الكرامة في الخلق، فإذا هي في التقوى، وطلبنا النعمة في الطعام واللباس، فإذا هي في الستر والإسلام) (6).
- (وقال بعض الحكماء: ما فوق الكفاف إسرافٌ.
- وقال بعض البلغاء: من رضي بالمقدور قنع بالميسور) (7).
- (وقال بعض الحكماء: الرضى بالكفاف يؤدي إلى العفاف) (8).
- و (قال أعرابي لأهل البصرة: من سيد أهل هذه القرية؟ قالوا: الحسن، قال: بم سادهم؟ قالوا: احتاج الناس إلى علمه، واستغنى هو عن دنياهم) (9).
- حكم وأمثال في القناعة
- يقال في المثل: خير الغنى القنوع، وشر الفقر الخضوع (10).
- القناعة مال لا ينفد (11).
- (وحسبك من غنى شبع وري
- وقولهم: يكفيك ما بلغك المحل) (12).
- شر الفقر الخضوع، وخير الغنى القناعة (13).
-

(1) ((القناعة والتعفف)) لابن أبي الدنيا (ص64).
(2) ((القناعة والتعفف)) لابن أبي الدنيا (ص67 - 68).
(3) ((أدب الدنيا والدين)) للماوردي (ص226).
(4) ((القناعة والتعفف)) لابن أبي الدنيا (ص62).
(5) ((التبصرة)) لابن الجوزي (ص156).
(6) ((تنبيه الغافلين بأحاديث سيد المرسلين)) للسمرقندي (ص245).
(7) ((أدب الدنيا والدين)) للماوردي (ص227).
(8) ((أدب الدنيا والدين)) للماوردي (ص227).
(9) ((جامع العلوم والحكم)) لابن رجب (2/ 206).
(10) ((الصحاح تاج اللغة)) للجوهري (3/ 1273).
(11) ((العقد الفريد)) لابن عبد ربه (3/ 14).
(12) ((العقد الفريد)) لابن عبد ربه (3/ 43).
(13) ((العقد الفريد)) لابن عبد ربه (3/ 45).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،القناعة في واحة الشعر ..
قال بشر بن الحارث:
أفادتنا القناعة أي عز ... ولا عز أعز من القناعه
فخذ منها لنفسك رأس مالٍ ... وصير بعدها التقوى بضاعه
تحز حالين تغنى عن بخيلٍ ... وتسعد في الجنان بصبر ساعه (1)
وقال محمد بن حميد الأكاف:
تقنع بالكفاف تعش رخيا ... ولا تبغ الفضول من الكفاف
ففي خبز القفار بغير أدم ... وفي ماء الفرات عني وكاف
وفي الثوب المرقع ما يغطى ... به من كل عري وانكشاف
وكل تزين بالمرء زين ... وأزينه التزين بالعفاف (2)
وقال آخر:
هي القناعة لا ترضى بها بدلا ... فيها النعيم وفيها راحة البدن
انظر لمن ملك الدنيا بأجمعها ... هل راح منها بغير القطن والكفن (3)
وقال عبد العزيز بن سليمان الأبرش:
إذا المرء لم يقنع بعيش فإنه ... وإن كان ذا مال من الفقر موقر
إذا كان فضل الناس يغنيك بينهم ... فأنت بفضل الله أغنى وأيسر (4)
وقال آخر:
نصف القنوع وأينا يقنع ... أو أينا يرضى بما يجمع
لله در ذوي القناعة ما ... أصفى معاشهم وما أوسع
من كان يبغي أن يلذ وأن ... تهدى جوارحه فما يطمع
فقر النفوس بقدر حاجتها ... وغنى النفوس بقدر ما تقنع (5)
وقال محمود الوراق:
غنى النفس يغنيها إذا كنت قانعا ... وليس بمغنيك الكثير من الحرص
وإن اعتقاد الهم للخير جامعا ... وقلة هم المرء يدعو إلى النقص (6)
وقال آخر:
رضيت من الدنيا بقوتٍ يقيمني ... فلا أبتغي من بعده أبدًا فضلا
ولست أروم القوت إلا لأنه ... يعين على علمٍ أرد به جهلا
فما هذه الدنيا بطيب نعيمها ... لأيسر ما في العلم من نكتةٍ عدلا (7)
وقال آخر:
عليك بتقوى الله واقنع برزقه ... فخير عباد الله من هو قانع
ولا تلهك الدنيا ولا تطمع بها ... فقد يهلك المغرور فيها المطامع (8)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:
وجدت القناعة ثوب الغنى ... فصرت بأذيالها أتمسك
فألبسني جاهها حلةً فصرت غنيا بلا درهمٍ ... يمر الزمان ولم تنتهك أمر عزيزًا كأني ملك (9)
وما أحسن قول الإمام الشافعي:
خبرت بني الدنيا فلم أر منهم ... سوى خادعٍ والخبث حشو إهابه
فجردت عن غمد القناعة صارمًا ... قطعت رجائي منهم بذبابه
فلا ذا يراني واقفًا بطريقه ... ولا ذا يراني قاعدًا عند بابه
غني بلا مالٍ عن الناس كلهم ... وليس الغنى إلا عن الشيء لا به (10)
وقال آخر:
إذا أظمأتك أكف اللئام ... كفتك القناعة شبعاً وريا
فكن رجلاً رجله في الثرى ... وهامة همته في الثريا
أبياً لنائل ذي ثروةٍ ... تراه بما في يديه أبيا
فإن إراقة ماء الحياة ... دون إراقة ماء المحيا (11) ...

(1) ((غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب)) للسفاريني (2/ 537).
(2) ((روضة العقلاء ونزهة الفضلاء)) لابن حبان البستي (ص150).
(3) ((غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب)) للسفاريني (2/ 537).
(4) ((روضة العقلاء ونزهة الفضلاء)) لابن حبان البستي (ص150).
(5) ((التبصرة)) لابن الجوزي (2/ 156).
(6) ((العقد الفريد)) لابن عبد ربه (3/ 158).
(7) ((القناعة)) لابن السني (1/ 46).
(8) ((التبصرة)) لابن الجوزي (2/ 156).
(9) ((غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب)) للسفاريني (2/ 538).
(10) ((غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب)) للسفاريني (2/ 543).
(11) ((الكشكول)) لبهاء الدين الهمذاني (2/ 268).