الحلم
معنى الحلم لغة واصطلاحاً
معنى الحلم لغة:الحِلْمُ بالكسر الأَناةُ والعقل وجمعه أَحْلام وحُلُومٌ (1)
والحِلْم خلافُ الطَّيش. يقال حَلُمْتُ عنه أحلُم، فأنا حليمٌ. (2)
وقال الجوهري: والحِلْمُ: بالكسر الأناةُ. تقول منه: حَلُمَ الرجل بالضم. وتَحَلَّمَ: تكلّفَ الحِلْمَ. وقال:
تَحَلَّمَ عن الأَدنَيْنَ واسْتَبْقِ وُدَّهُمْ ... ولن تستطيعَ الحِلْمَ حتّى تَحَلّما (3)
معنى الحلم اصطلاحا:
عرف الحلم بعدة تعريفات منها:
الحلم: ضبط النفس والطبع عن هيجان الغضب، وجمعه أحلام (4).
وقيل هو: (الطمأنينة عند سورة الغضب وقيل تأخير مكافأة الظالم) (5).
وقيل الحلم: (اسم يقع على زمالنفس عن الخروج عند الورود عليها ضد ما تحب إلى ما نهي عنه. فالحلم يشتمل على المعرفة والصبر والأناة) (6).
(1) ((لسان العرب)) لابن منظور (12/ 145)
(2) ((معجم مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/ 93)
(3) ((الصحاح في اللغة)) للجوهري (5/ 1903).
(4) ((مفردات ألفاظ القرآن)) للراغب (ص253).
(5) ((التعريفات)) للجرجاني (ص92).
(6) ((روضة العقلاء)) لابن حبان البستي (ص 208).
(2) ((معجم مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/ 93)
(3) ((الصحاح في اللغة)) للجوهري (5/ 1903).
(4) ((مفردات ألفاظ القرآن)) للراغب (ص253).
(5) ((التعريفات)) للجرجاني (ص92).
(6) ((روضة العقلاء)) لابن حبان البستي (ص 208).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
الفرق بين الحلم وبعض الصفات
الفرق بين الحلم والصبر:(أن الحلم هو الإمهال بتأخير العقاب المستحق، والحلم من الله تعالى عن العصاة في الدنيا فعل ينافي تعجيل العقوبة من النعمة والعافية، ولا يجوز الحلم إذا كان فيه فساد على أحد من المكلفين وليس هو الترك لتعجيل العقاب لأن الترك لا يجوز على الله تعالى لأنه فعل يقع في محل القدرة يضاد المتروك ولا يصح الحلم إلا ممن يقدر علىالعقوبة وما يجري مجراها من التأديب بالضرب وهو ممن لا يقدر على ذلك ولهذا قال الشاعر:
لا صفح ذلٍ ولكنْ صفح أحلام
ولا يقال لتارك الظلم حليم إنما يقال حلم عنه إذا أخر عقابه أو عفا عنه ولو عاقبه كان عادلا ...
والصبر: حبس النفس لمصادفة المكروه، وصبر الرجل حبس نفسه عن إظهار الجزع، والجزع إظهار ما يلحق المصاب من المضض) (1).
الفرق بين الحلم والوقار:
(الوقار: هو الهدوء وسكون الأطراف وقلة الحركة في المجلس، ويقع أيضا على مفارقة الطيش عند الغضب، مأخوذ من الوقر وهو الحمل) (2).
الفرق بين الحلم والإمهال:
(أن كل حلم إمهال وليس كل إمهال حلما لأن الله تعالى لو أمهل من أخذه لم يكن هذا الإمهال حلما لأن الحلم صفة مدح والإمهال على هذا الوجه مذموم وإذا كان الأخذ والإمهال سواء في الاستصلاح فالإمهال تفضل والانتقام عدل) (3).
الفرق بين الحلم والأناة والرفق:
(الحلم: أن يملك الإنسان نفسه عند الغضب إذا حصل غضب وهو قادر فإنه يحلم ولا يعاقب ولا يعجل بالعقوبة.
وأما الأناة: فهو التأني في الأمور وعدم العجلة، وألا يأخذ الإنسان الأمور بظاهرها فيتعجل ويحكم على الشيء قبل أن يتأنى فيه وينظر.
وأما الرفق: فهو معاملة الناس بالرفق والهون حتى وإن استحقوا ما يستحقون من العقوبة والنكال فإنه يرفق بهم) (4).
قال الشاعر:
إذا كنت ذا رأيٍ فكن ذا أناءةٍ ... فإن فساد الرأي أن تتعجلا
وما العجز إلا أن تشاور عاجزاً ... وما الحزم إلا أن تهم فتفعلا ...
(1) ((الفروق اللغوية)) لأبي هلال العسكري (ص 199).
(2) ((الفروق اللغوية)) لأبي هلال العسكري (ص 575).
(3) ((الفروق اللغوية)) لأبي هلال العسكري (ص 197).
(4) ((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (3/ 573).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
الترغيب على صفة الحلم من القرآن والسنة
الترغيب على الحلم من القرآن الكريم:
وردتْ آيات قرآنية كثيرة تشير إلى صفة الحلم، ووصف الله نفسه بالحلم، وسمى نفسه الحليم، ووردت آيات تدعو المسلمين إلى التحلي بهذا الخلق النبيل، وعدم المعاملة بالمثل ومقابلة الإساءة بالإساءة، والحث على الدفع بالتي هي أحسن، والترغيب في الصفح عن الأذى والعفو عن الإساءة.
- قال تعالى: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران: 133 - 134]،
قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ [آل عمران: 134] (أي: لا يعملون غضبهم في الناس، بل يكفون عنهم شرهم، ويحتسبون ذلك عند الله عز وجل.
ثم قال تعالى: وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ [آل عمران: 134] أي: مع كف الشر يعفون عمن ظلمهم في أنفسهم، فلا يبقى في أنفسهم مَوجدة على أحد، وهذا أكمل الأحوال، ولهذا قال: وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ فهذا من مقامات الإحسان) (1).
- وقال - عز وجل -: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف: 199].
- ووصف الله عز وجل بعضَ أنبيائه بالحلم؛ قال تعالى: فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ [الصافات:101] يقول ابن تيمية: (وقد انطوت البشارة على ثلاث: على أن الولد غلام ذكر، وأنه يبلغ الحلم، وأنه يكون حليما، وأي حلم أعظم من حلمه حين عرض عليه أبوه الذبح فقال: سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ [الصافات:102]؟ وقيل: لم ينعت الله الأنبياء بأقل من الحلم وذلك لعزة وجوده ولقد نعت إبراهيم به في قوله تعالى إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ [التوبة:114] إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ [هود:75] لأن الحادثة شهدت بحلمهما: فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَالصَّابِرِينَ [الصافات:102]) (2).
- قال ابن كثير في قوله تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [فصلت:34] (أي: إذا أحسنت إلى من أساء إليك قادته تلك الحسنة إليه إلى مصافاتك ومحبتك، والحنو عليك، حتى يصير كأنه ولي لك حميم أي: قريب إليك من الشفقة عليك والإحسان إليك. ثم قال: وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا [فصلت:35] أي: وما يقبل هذه الوصية ويعمل بها إلا من صبر على ذلك، فإنه يشق على النفوس، وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ أي: ذو نصيب وافر من السعادة في الدنيا والآخرة.
قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في تفسير هذه الآية: أمر الله المؤمنين بالصبر عند الغضب، والحلم عند الجهل، والعفو عند الإساءة، فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله من الشيطان، وخضع لهم عدوهم كأنه ولي حميم) (3).
الترغيب على الحلم من السنة النبوية:
(في هذا العصر الذي نحيا فيه، لهث الناس خلف الحياة المادية، وتركوا التعاليم الربانية، إلا من رحم ربي.
(1) ((تفسير ابن كثير)) (2/ 122).
(2) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (4/ 332).
(3) ((تفسير ابن كثير)) (7/ 181).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
ولذا ظهر في هذه الحقبة من الزمان من الأمراض الخطيرة، والعلل الوبيلة التي لم تظهر في أسلافنا الصالحين.
ومن الأدوية التي تهدأ النفس، وتريح القلب الحلم والتحالم.فكم من بيت خرب بسبب الغضب. وكم من امرأة طلقت بسبب غضب زوجها. وكم من رجل شل بسبب الغضب. وكم من أولاد قد شردوا بسبب الغضب.
لذا تبدوا أهمية التداوي بالحلم والتحالم واضحة كوضوح الشمس في كبد السماء عند الظهيرة) (1).
وصفة الحلم قبل أن تكون دواء فهي صفة يحبها الله عز وجل، وقد وردت أحاديث نبوية تدل على هذا المعنى منها قولهصلى الله عليه وسلم لأشجّ عبد القيس:
- ((إنّ فيك لخصلتين يحبّهما الله: الحلم والأناة)) (2).
- وعن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّه قال: ((قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: التّأنّي من الله، والعجلة من الشّيطان، وما أحد أكثر معاذير من الله، وما من شيء أحبّ إلى الله من الحلم)) (3).
- وعن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم، من يتحرى الخير يعطه، ومن يتق الشر يوقه)) (4).
- وعنه أيضاً ((قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ليس الشّديد بالصّرعة، إنّما الشّديد الّذي يملك نفسه عند الغضب)) (5).
قال ابن بطال: (مدح الله تعالى الذين يغفرون عند الغضب وأثنى عليهم، وأخبر أن ماعنده خير وأبقى لهم من متاع الحياة الدنيا وزينتها، وأثنى على الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس، وأخبر أنه يحبهم بإحسانهم في ذلك) (6).
وقال ابن عبد البر: (في هذا الحديث من الفقه فضل الحلم وفيه دليل على أن الحلم كتمان الغيظ وأن العاقل من ملك نفسه عند الغضب لأن العقل في اللغة ضبط الشيء وحبسه منه) (7)
- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليليني منكم أولو الأحلام والنهى .. )) (8).
(أي ذوو الألباب والعقول واحدها حلم بالكسر فكأنه من الحلم الأناة والتثبت في الأمور، وذلك من شعائر العقلاء، وواحد النهى نهية بالضم سمي العقل بذلك؛ لأنه ينهى صاحبه عن القبيح) (9).
(1) ((دواء القلوب وصلاح النفوس)) (121) لمجدي السيد.
(2) رواه مسلم (18) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(3) رواه أبو يعلى (7/ 247)، والبيهقي في ((الشعب)) (6/ 211)، والحارث بن أسامة في ((مسنده)) (2/ 828) كلهم بلفظ: (الحمد) بدلا من (الحلم) من حديث أنس رضي الله عنه. قال المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (2/ 359) والهيثمي في ((المجمع)) (8/ 22): رجاله رجال الصحيح. وقال البوصيري في ((إتحاف الخيرة)) (6/ 31): رجال إسناده ثقات.
(4) رواه الطبراني في ((الأوسط)) (3/ 118)، وأبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (5/ 174)، والبيهقي في ((الشعب)) (13/ 236) من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه. وضعفه الذهبي في ((تلخيص العلل)) (249)، وضعف إسناده العراقي في ((تخريج الإحياء)) (3/ 218)، وضعفه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (2577).
(5) رواه البخاري (6114)، ومسلم (2609) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(6) ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال.
(7) ((التمهيد)) لابن عبد البر
(8) رواه مسلم (432) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
(9) ((حاشية السيوطي والسندي على سنن النسائي)) (2/ 423)
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
أقوال السلف والعلماء في الحلم
- قال عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- (ليس الخير أن يكثر مالك وولدك، ولكنّ الخير أن يكثر علمك ويعظم حلمك، وأن لا تباهي النّاس بعبادة الله، وإذا أحسنت حمدت الله تعالى، وإذا أسأت استغفرت الله تعالى) (1).
- وقال- رضي الله عنه- أيضا: (إنّ أوّل ما عوّض الحليم من حلمه أنّ النّاس كلّهم أعوانه على الجاهل) (2).
- (وبلغ عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- أنّ جماعة من رعيّته اشتكوا من عمّاله؛ فأمرهم أن يوافوه، فلمّا أتوه قام فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال:
أيّها النّاس، أيّتها الرّعيّة، إنّ لنا عليكم حقّا: النّصيحة بالغيب والمعاونة على الخير، أيّتها الرّعاة إنّ للرّعيّة عليكم حقّا فاعلموا أنّه لا شيء أحبّ إلى الله ولا أعزّ من حلم إمام ورفقه، وليس جهل أبغض إلى الله ولا أغمّ من جهل إمام وخرقه) (3).
- وقال- رضي الله عنه-: (تعلّموا العلم وتعلّموا للعلم السّكينة والحلم) (4).
- وقال ابن مسعود- رضي الله عنه-: (ينبغي لحامل القرآن أن يكون باكيا محزونا حكيما حليما سكينا، ولا ينبغي لحامل القرآن أن يكون جافيا ولا غافلا ولا صخّابا ولا صيّاحا ولا حديدا) (5).
- وقال معاوية بن أبي سفيان- رضي الله عنهما-: (لا يبلغ العبد مبلغ الرّأي حتّى يغلب حلمه جهله، وصبره شهوته، ولا يبلغ ذلك إلّا بقوّة الحلم) (6)
- وسأل عمرو بن الأهتم: (أيّ الرّجال أشجع؟ قال من ردّ جهله بحلمه، قال فأيّ الرّجال أسخى؟ قال من بذل دنياه لصالح دينه) (7).
- وقال مرّة لعرابة بن أوس: (بم سدت قومك يا عرابة؟ قال: كنت أحلم عن جاهلهم وأعطي سائلهم وأسعى في حوائجهم، فمن فعل فعلي فهو مثلي، ومن جاوزني فهو أفضل، ومن قصّر عنّي فأنا خير منه) (8).
- وقال أيضا: (عليكم بالحلم والاحتمال حتّى تمكنكم الفرصة، فإذا أمكنتكم فعليكم بالصّفح والإفضال) (9).
- وأسمعه رجل كلاما شديدا، فقيل له: لو عاقبته، فقال: (إنّي أستحيي أن يضيق حلمي عن ذنب أحد من رعيّتي) (10).
- وعن أبي الدرداء قال: (ليس الخير أن يكثر مالك وولدك ولكن الخير أن يعظم حلمك ويكثر علمك وأن تنادي الناس في عبادة الله فإذا أحسنت حمدت الله وإذا أسأت استغفرت الله) (11).
- وقال عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- (نحن معشر قريش نعدّ الحلم والجود السّؤدد، ونعدّ العفاف وإصلاح المال المروءة) (12).
(1) رواه أبو نعيم في ((الحلية)) (1/ 75)، والبيهقي في ((الزهد الكبير)) (276) موقوفًا على علي رضي الله عنه.
(2) ذكره أبو حامد الغزالي في ((إحياء علوم الدين)) (3/ 178).
(3) رواه هناد في ((الزهد)) (2/ 602)، والطبري في ((التاريخ)) (4/ 224).
(4) رواه الطبراني في ((الأوسط)) (6/ 200)، ووكيع في ((الزهد)) (538)، وأحمد في ((الزهد)) (99).
(5) رواه ابن أبي شيبة (35584)، وأحمد في ((الزهد)) (133)، وأبو نعيم في ((الحلية)) (1/ 129) موقوفًا على ابن مسعود رضي الله عنه.
(6) ((الحلم)) لابن أبي الدنيا (25 - 26).
(7) ذكره الغزالي في ((إحياء علوم الدين)) (3/ 178).
(8) رواه ابن أبي الدنيا في ((الحلم)) (40)، وذكره الغزالي في ((إحياء علوم الدين)) (3/ 178).
(9) ذكره الغزالي في ((إحياء علوم الدين)) (3/ 184).
(10) رواه ابن أبي الدنيا في ((حلم معاوية)) (22)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (59/ 179).
(11) رواه ابن أبي شيبة (34585)، وأبو نعيم في ((الحلية)) (1/ 212)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (47/ 158).
(12) ذكره ابن مفلح في ((الآداب الشرعية)) (2/ 215).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
وقال الحسن البصريّ- رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى: وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً [الفرقان: 63]: (حلماء إن جهل عليهم لم يجهلوا) (1).
- وقال أيضا: (اطلبوا العلم وزيّنوه بالوقار والحلم) (2).- وقال أكثم بن صيفيّ- رحمه الله تعالى: (دعامة العقل الحلم، وجماع الأمر الصّبر وخير الأمور العفو) (3)
- وعن رجاء بن أبي سلمة قال: (الحلم خصلة من خصال العقل) (4).
- (وقال محمد بن عليّ رضوان الله عنهما: مَن حَلُمَ وَقَى عِرْضه، ومَن جادت كفُّه حَسُن ثناؤه، ومَن أَصْلح مالَه استَغْنى، ومَن احتمل المَكْروه كثرت مَحاسنه، ومَن صَبر حُمِد أمرُه، ومَن كظَم غيظَه فشا إحسانُه، ومَن عَفا عن الذُّنوب كثُرت أياديه، ومَن اتَّقى الله كفاه ما أهمَّه) (5).
- وقال أبو رزين في قوله كُونُوا رَبَّانِيِّينَ [آل عمران:79] حلماء علماء (6)
- وعن معاوية بن قرة قال: (مكتوب في الحكمة لا تجالس بحلمك السفهاء ولا تجالس بسفهك الحلماء). (7)
- وعن الحسن قال: (المؤمن حليم لا يجهل وإن جهل عليه، حليم لا يظلم وإن ظلم غفر، لا يقطع وإن قطع وصل، لا يبخل وإن بخل عليه صبر) (8).
- وقال وهب بن منبه: (العلم خليل المؤمن، والحلم وزيره، والعقل دليله، والعمل قيمته، والصبر أمير جنوده، والرفق أبوه، واللين أخوه) (9).
- وقال عطاء بن أبي رباح- رحمه الله تعالى-: (ما أوى شيء إلى شيء أزين من حلم إلى علم) (10).
(1) رواه يحيى بن سلام في ((تفسيره)) (489)، وذكره القرطبي في ((تفسيره)) (13/ 69).
(2) ذكره الغزالي في ((إحياء علوم الدين)) (3/ 178).
(3) ((الحلم)) لابن أبي الدنيا (ص27).
(4) ((الحلم)) لابن أبي الدنيا (ص21).
(5) ((العقد الفريد)) (1/ 181)
(6) ((الحلم)) لابن أبي الدنيا (ص23).
(7) ((الحلم)) لابن أبي الدنيا (ص53).
(8) ((الحلم)) لابن أبي الدنيا (ص54 - 55).
(9) ((الترغيب في فضائل الأعمال)) (ص 251) للحافظ ابن شاهين.
(10) رواه الدارمي (1/ 470) (596).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
آثار وفوائد خلق الحلم
1 - الحليم يفوز برضى الله وثوابه، قال النبي صلى الله عليه وسلم ((من كظم غيظًا وهو قادر على أن يُنْفِذَهْ، دعاه الله -عز وجل على رءوس الخلائق يوم القيامة، يخيره من الحور العين ما شاء)) (1).
2 - الحليم عظيم الشأن، رفيع المكان، محمود الأمر، مرضي الفعل. (2)
3 - (أنها دليل كمال العقل وسعة الصّدر، وامتلاك النّفس.
4 - قليل من الخلق من يتّصف به.
5 - صفة من صفات الله سبحانه، وهي من صفات أنبيائه، وأوليائه أيضا.
6 - تعمل على تآلف القلوب ونشر المحبّة بين النّاس.
7 - تزيل البغضاء بين الناس وتمنع الحسد وتميل القلوب.
8 - يستحقّ صاحبها الدّرجات العلى والجزاء الأوفى) (3).
9 - صفة الحلم عواقبها محمودة.
10 - أن أوّل عِوَض الحَليم عن حِلْمه أن الناسَ أنصارُه على الجاهل (4)
11 - الحليم له القوة في التحكم في انفعالاته، قال النبي صلى الله عليه وسلم ((ليس الشديد بالصُّرْعَة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب)) (5).
(1) رواه أبو داود (4777)، وابن ماجه (4186)، وأحمد (3/ 440) (15675) من حديث معاذ بن أنس رضي الله عنه. قال الذهبي في المهذب)) ((6/ 3265)): فيه أبو مرحوم عبد الرحيم ليس بذاك. وضعف إسناده ابن الملقن في ((شرح البخاري لابن الملقن)) (28/ 490)، وحسنه الألباني في ((صحيح ابن ماجه)) (3394).
(2) ((روضة العقلاء)) لابن حبان البستي (208)
(3) ((نضرة النعيم - بتصرف)) لمجموعة من العلماء (5/ 1752).
(4) هذا القول ينسب لعلي رضي الله عنه. انظر ((العقد الفريد)) (1/ 182)
(5) رواه البخاري (6114)، ومسلم (2609) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
الوسائل المعينة للتخلق بصفة الحلم
السبب الأول من الأسباب التي تعين على التخلق بصفة الحلم: تذكر كثرة حلم الله على العبد، فالله سبحانه وتعالى حليم، يرى معصية العاصي ومخالفته لأمره فيمهله قال تعالى وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ [البقرة: 235]قال أبو حاتم: (الواجب على العاقل، إذا غضب واحتدَّ أن يذكر كثرة حلم الله عنه مع تواتر انتهاكه محارمه وتعديه حرماته، ثم يحلم، ولا يخرجه غيظه إلى الدخول في أسباب المعاصي) (1).
وقال محمد بن السعدي لابنه عروة لما ولي اليمن: (إذا غضبت فانظر إلى السماء فوقك، وإلى الأرض تحتك، ثم عظم خالقهما) (2).
السبب الثاني: تذكر الثواب من الله للعافين عن الناس، قال تعالى: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران: 133 - 134]،
عن أبي جعفر الخطمي أن جده عمير وكانت له صحبة أوصى بنيه: (يا بني إياكم ومجالسة السفهاء فإن مجالستهم دناءة من يحلم على السفيه يسر بحلمه ومن يجبه يندم ومن يصبر على ما يكره يدرك ما يحب وإذا أراد أحدكم أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فليوطن نفسه على الصبر على الأذى ويثق بالثواب من الله فإن من وثق بالثواب لم يجد مس الأذى) (3).
السبب الثالث: الرحمة بالجاهل، ومن ذلك ما جاء عن أنس بن مالك قال: ((بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد فقال أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مه مه. قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تزرموه دعوه. فتركوه حتى بال. ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له: إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر إنما هي لذكر الله عز وجل والصلاة وقراءة القرآن. أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال فأمر رجلا من القوم فجاء بدلو من ماء فشنه عليه)) (4).
السبب الرابع: القدرة على الانتصار وهذا ناتج عن سعة الصدر والثقة بالنفس ومن ذلك عفوه صلى الله عليه وسلم عن حاطب بن أبي بلتعةرضي الله عنه.
قال أبو حاتم: (ولم يقرن شيء إلى شيء أحسن من عفو إلى مقدرة. والحلم أجمل ما يكون من المقتدر على الانتقام) (5).
السبب الخامس: الترفّع عن المعاملة السيئة بالمثل، وهذا يدل على شرف النفس، وعلو الهمة ومن ذلك ما رواه جابر بن عبد الله، قال: ((غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة نجد فلما أدركته القائلة وهو في واد كثير العضاة فنزل تحت شجرة واستظل بها وعلق سيفه فتفرق الناس في الشجر يستظلون وبينا نحن كذلك إذ دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئنا فإذا أعرابي قاعد بين يديه فقال إن هذا أتاني وأنا نائم فاخترط سيفي فاستيقظت وهو قائم على رأسي مخترط صلتا قال من يمنعك مني قلت الله فشامه ثم قعد فهو هذا قال ولم يعاقبه رسول الله صلى الله عليه وسلم)) (6).
السبب السادس: التفضّل على المسيء، ومن ذلك ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أدركه أعرابي , فأخذ بردائه, فجبذه جبذةً شديدة .... ) والحديث تقدم.
(1) ((روضة العقلاء)) لابن حبان البستي (ص 212).
(2) ((روضة العقلاء)) لابن حبان البستي (ص 212).
(3) ((الحلم)) لابن أبي الدنيا (ص 30).
(4) رواه مسلم (285) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
(5) ((روضة العقلاء)) (ص 208) لابن حبان البستي.
(6) رواه البخاري (4139) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
السبب السابع: الاستهانة بالمسيء لا عن كبر وإعجاب بالنفس، إنما هو نأي عن منافس لا يساويك قدراً، ومن ذلك (أن الأحنف بن قيس شتمه رجل فسكت عنه، وأعاد الرجل فسكت عنه، وأعاد فسكت عنه، فقال الرجل: والهفاه!! ما يمنعه من أن يرد عليَّ إلا هواني عنده) (1).
قال أبو حاتم: أنشدني الكريزي
إذا أنا كافيت الجهول بفعله ... فهل أنا إلا مثله إذ أحاوره؟
ولكن إذا ما طاش بالجهل طائش ... علي، فإني بالتحلم قاهر (2).
وكان عروة بن الزبير إذا أسرع إليه رجل بشتمٍ أو قولٍ سيئ لم يجبه وقال: إني أتركك رفعاً لنفسي عنك (3) ..
السبب الثامن: قطع السباب والخصام، قال الأصمعي: (بلغني أن رجلاً قال لآخر: والله لئن قلت واحدةً لتسمعن عشراً، فقال له الآخر: لكنك إن قلت عشراً لم تسمع واحدةً) (4).
وكان شبيب بن شيبة يقول: (من سمع كلمة يكرهها فسكت عنهم انقطع عنه ما يكره، فإن أجاب عنهم سمع أكثر مما يكره. وكان يتمثل بهذا البيت:
وتجزع نفس المرء من وقع شتمةٍ ... ويشتئم ألفاً بعدها ثم يصبر) (5).
السبب التاسع: الاستحياء من جزاء الجواب، وكان الأحنف بن قيس يقول: (من لم يصبر على كلمة سمع كلمات، ورب غيظ قد تجرعته مخافة ما هو أشد منه، وأنشد:
رَضيتُ بِبَعْض الذُّلِّ خوفَ جميعه ... كذلك بعضُ الشر أهونُ من بَعْض (6)
السبب العاشر: الرعاية ليدٍ سالفة، وحرمة لازمة، وهذا من الوفاء، وحُسنِ العهد، وكمال المروءة، عن حفص بن غياث قال: (كنت جالساً عند جعفر بن محمد، ورجل يشكو رجلا عنده، قال لي كذا، وفعل لي كذا، فقال له جعفر: من أكرمك فأكرمه، ومن استخف بك فأكرم نفسك عنه) (7) (8).
قال الشاعر:
إن الوفاء على الكريم فريضة ... واللؤم مقرون بذي الإخلافِ
وترى الكريم لمن يعاشر منصفاً ... وترى اللئيم مجانب الإنصافِ ...
(1) ((عيون الأخبار)) لابن قتيبة (1/ 283).
(2) ((روضة العقلاء)) لابن حبان البستي (210)
(3) ((عيون الأخبار)) لابن قتيبة (1/ 287).
(4) ((عيون الأخبار)) لابن قتيبة (1/ 285).
(5) ((عيون الأخبار)) لابن قتيبة (1/ 285).
(6) ((العقد الفريد)) (2/ 279).
(7) ((روضة العقلاء)) لابن حبان البستي (213)
(8) بعض هذه الأسباب مستفادة من كتاب ((أدب الدنيا والدين)) للماوردي. بتصرف.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
نماذج من حلم النبي صلى الله عليه وسلم:
لقد بلغ النبي صلى الله عليه وسلم غاية الحلم والعفو وأن السنة النبوية حافلة بمواقف الرسول الكريم في الحلم ومن ذلك قصة الأعرابي الذي جبذ النبي صلى الله عليه وسلم بردائه جبذة شديدة، فعن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّه قال: ((كنت أمشي مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وعليه برد نجرانيّ غليظ الحاشية فأدركه أعرابيّ فجبذه بردائه جبذة شديدة، حتّى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد أثّرت بها حاشية البرد من شدّة جبذته ثمّ قال: يا محمّد مر لي من مال الله الّذي عندك، فالتفت إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثمّ ضحك ثمّ أمر له بعطاء)) (1).وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه قال: ((إنّ رجلا أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يتقاضاه فأغلظ، فهمّ به أصحابه فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: دعوه فإنّ لصاحب الحقّ مقالا. ثمّ قال: أعطوه سنّا مثل سنّه، قالوا: يا رسول الله، إلّا أمثل من سنّه، فقال: أعطوه، فإنّ من خيركم أحسنكم قضاء)) (2).
وعن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: ((كأنّي أنظر إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يحكي: نبيّا من الأنبياء ضربه قومه فأدموه، فهو يمسح الدّم عن وجهه ويقول: ربّ اغفر لقومي فإنّهم لا يعلمون)) (3).
قال النووي (فيه ما كانوا عليه صلوات الله وسلامه عليهم من الحلم والتصبر والعفو والشفقة على قومهم ودعائهم لهم بالهداية والغفران وعذرهم في جنايتهم على أنفسهم بأنهم لا يعلمون وهذا النبي المشار إليه من المتقدمين وقد جرى لنبينا صلى الله عليه وسلم مثل هذا يوم أحد) (4).
وعن أنس رضي الله عنه قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقاً، فأرسلني يوماً لحاجة فقلت: والله! لا أذهب وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به نبي الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قال: فخرجت حتى أمر على صبيان وهم يلعبون في السوق، فإذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قابض بقفاي من ورائي، فنظرت إليه وهو يضحك فقال: يا أنيس اذهب حيث أمرتك، قلت: نعم أنا أذهب يا رسول الله، قال أنس: والله لقد خدمته سبع سنين أو تسع سنين ما علمت قال لشيء صنعت: لم فعلت كذا وكذا؟ ولا لشيء تركت: هلا فعلت كذا وكذا)) (5).
((وعن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّها قالت للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: هل أتى عليك يوم كان أشدّ من يوم أحد؟. قال: لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشدّ ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد يا ليل بن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلّا وأنا بقرن الثّعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلّتني فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني، فقال: إنّ الله قد سمع قول قومك لك وما ردّوا عليك، وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم. فناداني ملك الجبال فسلّم عليّ ثمّ قال: يا محمّد فقال: ذلك فيما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا)) (6).
(1) رواه البخاري (3149) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
(2) رواه البخاري (2306) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(3) رواه البخاري (3477) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
(4) ((شرح النووي على مسلم)) (12/ 150).
(5) رواه مسلم (2310) من حديث أنس رضي الله عنه.
(6) رواه البخاري (3231) ومسلم (1795) من عائشة رضي الله عنه
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
وحلمه صلى الله عليه وسلم على ذي الخويصرة فعن أبي سعيد رضي الله عنه قال: ((بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يَقْسم قَسْماً إذ أتاه ذو الخُوَيصرة - رجل من بني تميم- فقال: يا رسول الله اعدل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ويلك ومن يعدل إن لم أعدل لقد خبتُ وخسرتُ إذا لم أعدل فمن يعدل؟ " فقال عمر ابن الخطاب رضي الله عنه: يا رسول الله ائذن لي فأضرب عنقه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دَعْه فإنّ له أصحاباً يَحْقِر أحدُكم صلاتَه مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقَيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرُق السهم من الرَّميَّة، ينظر إلى نَصْله فلا يوجد فيه شيء، ثم إلى رُصافة فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى نَضِيَّة- وهو قِدْحه - فلا يوجد فيه شيء ثم ينظر إلى قُذَذه فلا يوجد فيه شيء، قد سبق الفَرْث والدم، آيتهم رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة أو مثل البضعة تَدَرْدَرُ، ويخرجون على حين فُرْقة من الناس، قال أبو سعيد: فأشهد أنِّي سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشهد أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قاتلهم وأنا معه، وأمر بذلك الرجل فالتُمس فأُتي به حتى نظرت إليه على نَعْت رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي نعت)) (1).
وحلمه على كفار قريش حينما أرادوا الغدر يوم الحديبية، عن أنس رضي الله عنه قال: لما كان يوم الحديبية هبط على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثمانون رجلاً من أهل مكة بالسلاح من قِبَل جبل التَّنْعيم يريدون غِرَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا عليهم فأُخذوا، قال عفان: فعفا عنهم، ونزلت هذه الآية وَهُوَ الَّذِى كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ [الفتح: 24]) (2).
وكذلك حلمه عليه السلام على اليهودي الذي سحره، عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: سحر النبي صلى الله عليه وسلم رجلٌ من اليهود لذلك أياماً، قال: فجاءه جبريل عليه السلام فقال: إنَّ رجلاً من اليهود سحرك، عقد لك عقداً في بئر كذا وكذا فأرسل إليها من يجيىء بها. فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم (علياً رضي الله تعالى عنه) فاستخرجها فجاءه بها فحلَّلها، قال: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما نَشِط من عَقال، فما ذكر ذلك لليهود ولا رآه في وجهه حتى مات (3).
ومن تلك النماذج حلمه عليه السلام على المرأة اليهودية التي أتته بشاة مسمومة
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه ((أن امرأة يهودية أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة، فأكل منها، فجيء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألها عن ذلك قالت: أردت لأقتلك، فقال: ما كان الله ليسلطك عليَّ - أو قال: على ذلك - قالوا: ألا تقتلها؟ قال أنس: فما زلت أعرفها في لَهَوات رسول الله صلى الله عليه وسلم)) (4).
(1) رواه البخاري (3610)، ومسلم (1064) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(2) رواه مسلم (1808)، وأحمد (3/ 122) (12249) من حديث أنس رضي الله عنه.
(3) رواه النسائي (4080)، وأحمد (4/ 367) (19286) من حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه. قال ابن حجر في الفتح (10/ 239): [له طرق]. وصحح إسناده الألباني في ((صحيح النسائي)) (4091).
(4) رواه البخاري (2617)، ومسلم (2190) من حديث أنس رضي الله عنه.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
نماذج من حلم الصحابة رضي الله عنهم:
حلم أبي بكر الصديق رضي الله عنه:قال رجل لأبي بكر رضي الله عنه: (واللهّ لأَسُبَّنك سبًّا يَدْخل القبرَ معك؟ قال: معك يَدْخل لا مَعي.) (1).
وأخرج أبو نعيم وغيره عن عبد الرحمن الأصبهاني قال: (جاء الحسن بن علي رضي الله عنهما إلى أبي بكر وهو على منبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: انزل عن مجلس أبي فقال: صدقت: إنه مجلس أبيك وأجلسه في حجره وبكى، فقال علي رضي الله عنه: والله ما هذا عن أمري، فقال أبو بكر: صدقت، والله ما أتهمك) (2).
حلم عمر رضي الله عنه:
عن إبراهيم بن حمزة، قال: (أُتي عمر رضي الله عنه ببرود فقسمها بين المهاجرين والأنصار - رضي الله عنهم - وكان فيها برد فاضل لها، فقال: إن أعطيته واحداً منهم غضب أصحابه ورأوا أني فضلته عليهم، فدلّوني على فتى من قريش نشأ نشأة حسنة أعطيه إياه. فسمّوا له المسور ابن مخرمة، فدفعه إليه، فنظر إليه سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فقال: تكسوني هذا البرد وتكسوا ابن أخي مسوراً أفضل منه؟، قال: يا أبا إسحاق، إني كرهت أن أعطيه واحداً منكم فيغضب أصحابه، فأعطيته فتى نشأ نشأة حسنة لا يتوهم فيه أني أفضله عليكم، فقال سعد: إني قد حلفت لأضربن بالبرد الذي أعطيه رأسك، فخضع له عمر رأسه وقال: عندك يا أبا إسحاق وليرفق الشيخ بالشيخ.) (3).
وعن أصبغ بن نُباتة، قال: (خرجت أنا وأبي من زَرُوْد حتى ننتهي إلى المدينة في غلس، والناس في الصلاة فانصرف الناس من صلاتهم وخرج الناس إلى أسواقهم، فدخل إلينا رجل معه درّه، فقال: "يا أعرابي أتبيع؟ "، فلم يظل يساوم أبي حتى أرضاه على ثمن، وإذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فجعل يطوف في السوق، ويأمرهم بتقوى الله يقبل فيه ويدبر، ثم مرّ على أبي، فقال: "حبستني ليس هذا وعدتني"، ثم مرّ الثانية، فقال له مثل ذلك، فردّ عليه عمر: "لا أريم حتى أوفيك"، ثم مرّ به الثالثة فوثب أبي مغضباً.)
حلم أبي ذر رضي الله عنه:
شَتم رجلٌ أبا ذَرًّ فقال: (يا هذا، لا تُغْرق في شَتْمنا ودَعْ للصُّلح مَوْضعاً، فإنا لا نًكافئ مَن عصى الله فينا بأكثر من أن نُطيع الله فيه) (4).
حلم معاوية رضي الله عنه:
كان الرجل يقول لمعاوية: (والله لتستقيمن بنا يا معاوية، أو لنقومنك، فيقول: بماذا؟ فيقولون بالخشب، فيقول إذا أستقيم) (5).
حلم عمرو بن العاص رضي الله عنه:
وقال رجل لعمرو بن العاص: (والله لأتفرَّغنَّ لك، قال: هنالك وقعت في الشغل؟ قال: كأنك تهددني، والله لئن قلت لي كلمة لأقولنِّ لك عشراً، قال: وأنت والله لئن قلت لي عشراً لم أقل لك واحدة) (6).
حلم ابن عباس رضي الله عنه:
وسب رجلٌ ابن عباس رضي الله عنه، فقال ابن عباس: (يا عكرمة هل للرّجل حاجة فنقضيها؟ فنكّس الرّجل رأسه واستحى ممّا رأى من حلمه عليه) (7).
(1) ((العقد الفريد)) لابن عبد ربه (2/ 275)
(2) رواه ابن الأعرابي في ((معجمه)) (2/ 426)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (30/ 307) من حديث عبد الرحمن الأصفهاني رحمه الله.
(3) ذكره ابن المبرد في ((محض الصواب)) (2/ 600).
(4) رواه أبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (5/ 113)، والبيهقي في ((الشعب)) (11/ 30) (8106) وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (45/ 29).
(5) رواه ابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (59/ 184)، وذكره الذهبي في ((سير أعلام النبلاء)) (5/ 149).
(6) ((العقد الفريد)) لابن عبد ربه (2/ 275)
(7) ((إحياء علوم الدين)) (3/ 178).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
نماذج من حلم السلف:
حلم عمر بن عبد العزيز:
وأسمع رجلٌ عمر بن عبد العَزيز بعضَ ما يَكْره، فقال: (لا عليك، إنّما أردتَ أن يَسْتِفزَّني الشيطانُ بعزة السلطان، فأنال منك اليوم ما تنالُه مني غداً، انصرفْ إذا شئت) (1).
حلم الشعبي:
وشَتم رجلٌ الشَعبَيّ، فقال له: إن كنتَ صادقاً فغَفر الله لي، وإن كنتَ كاذباً فغفر الله لك. (2).
(1) ((العقد الفريد)) لابن عبد ربه (2/ 279)
(2) ((العقد الفريد)) لابن عبد ربه (2/ 276)
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
مسائل متفرقة حول الحلم
- أول الحلمقال أبو حاتم: (العاقل يلزم الحلم عن الناس كافة فإن صعب ذلك عليه فليتحالم لأنه يرتقي به إلى درجة الحلم. وأول الحلم: المعرفة، ثم التثبت، ثم العزم، ثم التصبر، ثم الصبر، ثم الرضا، ثم الصمت والإغضاء، وما الفضل إلا للمحسن إلى المسيء فأما من أحسن إلى المحسن وحلم عمن لم يؤذه فليس ذلك بحلم ولا إحسان) (1).
- أوصاف الحليم
(يقال فلان حليم الطبع، واسع الخلق، واسع الحبل (2)، واسع السرب (3)، رحب الصدر، رحب المجم (4)، واسع المجسة، وواسع المجس (5)، واسع الأناة، بعيد الأناة، رحب البال، وقور النفس، راجح الحلم، راسخ الوطأة (6)، رزين الحصاة (7).، ساكن الريح، راكد (8) الريح، واقع الطائر، سكان الطائر، ساكن القطاة (9)، خافض الطائر (10)، خافض الجناح، محتب (11) بنجاد (12) الحلم، رصين، رزين، وزين، ركين (13)، رفيق (14)، وادع (15)، وقور، حصيف (16)، رميز (17)، متئد (18)، ومتوئد، متأن، متثبت ... وهو بعيد غور (19) الحلم، طويل حبل الأناة، واسع فسحة الصبر، راجح حصاة العقل. وإنه لا تصدع (20) صفاة حلمه، ولا تستثار قطاة رأيه، ولا يستنزل عن حلمه، ولا يزدهف (21) عن وقاره، ولا يحفز (22) عن رزانته، ولا يحل حبوته (23) الطيش، ولا يستفزه (24) نزق، ولا يستخفه غضب، ولا يروع (25) حلمه رائع، ولا يتسفه رأيه (26) متسفه. وهو الطود (27)) (28).
- الأمثال في الحلم
1 - (قولهم: إذا نزل بك الشر فاقعد. أي: فاحلم ولا تسارع إليه.
2 - وقولهم: الحليم مطية الجاهل.
3 - وقولهم: لا ينتصف حليم من جاهل.
4 - وقولهم في الحليم: إنه لواقع الطير، ولساكن الريح.
5 - وقولهم: ربما أسمع فأذر.
6 - وقولهم: حلمي أصم وأذني غير صماء.
7 - وقولهم في الحلماء: كأنما على رؤوسهم الطير) (29).
(1) ((روضة العقلاء)) لابن حبان البستي (ص 210).
(2) بمعنى الخلق
(3)) أي البال
(4) أي الصدر مأخوذ من مجم البئر وهو مجتمع مائها
(5) كلاهما بمعنى الصدر
(6) من وطأة القدم أي وقور مثبت
(7) واحدة الحصى لصغار الحجارة وتستعار للعقل. والرزانة الثقل والوقار
(8) بمعنى ساكن
(9) واحدة القطا وهي طائر معروف
(10) يقال خفض الطائر جناحه إذا ضمه إلى جنبه ليسكن من طيرانه
(11) يقال احتبى الرجل إذا جمع ظهره وساقيه بعمامة ونحوها. ويستعمل الاحتباء كناية عن الحلم ونقضه كناية عن الطيش
(12) من نجاد السيف وهو حمالته
(13) كل ذلك بمعنى الوقور
(14) متأن
(15) من الدعة وهي السكينة
(16) مستحكم العقل
(17) عاقل رزين
(18) رزين متأن
(19) قعر
(20) الصدع الشق في شيء صلب
(21) يستخف
(22) يعجل
(23) الاسم من الاحتباء
(24) بمعنى يستخفه
(25) يفزع ويقلق
(26) يحمله على السفه وهو الخفة والطيش
(27) الجبل العظيم
(28) ((نجعة الرائد)) لليازجي (ص 96).
(29) ((العقد الفريد)) لابن عبد ربه (3/ 104).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
الحلم في واحة الشعر ..
يخاطبني السفيه:
يخاطبني السّفيه بكلّ قبح ... فأكره أن أكون له مجيبا
يزيد سفاهة فأزيد حلما ... كعود زاده الإحراق طيبا (1)
إذا نطق السفيه:
إذا نطق السّفيه فلا تجبه ... فخير من إجابته السّكوت
فإن كلّمته فرّجت عنه ... وإن خلّيته كمدا يموت (2)
إذا سبني نذل:
إذا سبّني نذل تزايدت رفعة ... وما العيب إلّا أن أكون مساببه
ولو لم تكن نفسي عليّ عزيزة ... لمكّنتها من كلّ نذل تحاربه
ولو أنّني أسعى لنفعي وجدتني ... كثير التّواني للّذي أنت طالبه
ولكنّني أسعى لأنفع صاحبي ... وعار على الشّبعان إن جاع صاحبه (3)
وإني لأترك عور الكلام:
وإني لأترك عور الكلا ... م لئلا أجاب بما أكره
وأغضى على الكلم المحفظا ... ت وأحلم والحلم بي أشبه
فلا تغترر برواء الرجال ... وما زخرفوا لك أو موهوا
فكم من فتى يعجب الناظري ... ـن له ألسن وله أوجه
ينام إذا حضر المكرما ... ت وعند الدناءة يستنبه) (4)
تخالهم للحلم صما عن الخنا:
تخالهم للحلم صما عن الخنا ... وخرسا عن الفحشاء عند التهاجر
ومرضى إذا لقوا حياء وعفة ... وعن الحفاظ كالليوث الخوادر
لهم ذل إنصاف ولين تواضع ... بذلهم ذلت رقاب المعاشر
كأن بهم وصما يخافون عاره ... وما وصمهم إلا اتقاء المعاير (5)
ألم تر أن الحلم زين مسوِّدٌ:
ألمِ تَرَ أنّ الحِلْم زَيْنٌ مُسَوِّدٌ ... لصاحبه والجَهْلَ لِلْمرء شائِنُ
فكن دافناً للجهل بالحِلْم تَسْتَرح ... من الجهل إنّ الحِلم للجَهْل دافِنُ
يارب هب لي منك حلماً:
ألاَ إنّ حِلم المَرْء أكبر نِسْبةٍ ... يُسامى بها عند الفخار كريمُ
فيا ربِّ هَبْ لي منك حلماً فإنني ... أرى الحِلْم لم يندم عليه حليم
وفي الحلم ردع للسفيه:
وفي الحِلم رَدْعٌ للسَّفِيه عن الأذى ... وفي الخُرْق إغراءٌ فَلا تَكُ أَخْرَقَا
فَتَنْدَمَ إذ لا تَنْفَعَنْك ندامةٌ ... كما ندِم المغْبُونُ لَمَا تَفَرَّقا) (6)
رجعت على السفيه بفضل حلم:
رجعت على السفيه بفضل حلم ... وكان الفعل عنه له لجاما
وظن بي السفاه فلم يجدني ... أسافهه وقلت له سلاما
فقام يجر رجليه ذليلا ... وقد كسب المذمة والملاما
وفضل الحلم أبلغ في سفيه ... وأحرى أن ينال به انتقاما (7)
لا ترجعن إلى السفيه خطابه:
لا ترجعن إلى السفيه خطابه ... إلا جواب تحية حياكها
فمتى تحركه تحرك جيفة ... تزداد نتنا إن أردت حراكها) (8)
أيا من تدعي شتمي سفاها:
أيا من تدعي شتمي سفاها ... عجلت علي خيرا يا أخيا
أكسيك الثواب ببنت شتمي ... وأستدعي به إثما إليا
فأنت إذن وقد أصبحت ضدا ... أعز علي من نفسي عليا (9)
لن يدرك المجد أقوام وإن كرموا ..
لن يدرِك المجد أقوام وإن كرُموِا ... حتى يذلُوا وإن عزُوا لأقوام
ويُشتموا فترى الألوان كاسفةَ ... لا ذلَ عَجْزٍ ولكن ذلِّ أحْلام
وإذا استشارك من تود فقل له:
وإذا استشارك مَنْ تَوَدّ فُقل له ... أَطع الحلِيم إذا الحلِيمُ نَهَاكَا
واعلم بأنك لن تَسود ولن ترى ... سُبل الرشاد إذا أَطعتَ هَواكا
كن معدنا للحلم:
وكن مَعْدِناً للحِلم واصفَح عن الأذى ... فإنك راءِ ما عملتَ وسامِعُ
وأَحْبِب إذا أجبتَ حُثا مُقارِباً ... فإنك لا تَدْري متى أَنْتَ نازع
وأَبْغِض إذا أبغضتَ غيرَ مُباين ... فإنَك لا تَدْري متى أنت راجِع (10) ...
(1) ((ديوان الإمام الشافعي)) (ص 33).
(2) ((ديوان الإمام الشافعي)) (ص 39).
(3) ((ديوان الإمام الشافعي)) (ص 33).
(4) ((الحلم)) لابن أبي الدنيا (ص29).
(5) ((الحلم)) لابن أبي الدنيا (ص34).
(6) ((العقد الفريد)) (1/ 180)
(7) ((الحلم)) لابن أبي الدنيا (ص34).
(8) ((الحلم)) لابن أبي الدنيا (ص32).
(9) ((الحلم)) لابن أبي الدنيا (ص48).
(10) ((العقد الفريد)) لابن عبد ربه (1/ 182).