الأربعاء، 21 نوفمبر 2012

موسوعة الأخلاق الإسلامية : الإسراف والتبذير

الإسراف والتبذير

معنى الإسراف والتبذير لغة واصطلاحاً
معنى الإسراف لغة واصطلاحاً
معنى الإسراف لغة:
قال ابن منظور: (السرف والإسراف: مجاوزة القصد. وأسرف في ماله: عجل من غير قصد، وأما السرف الذي نهى الله عنه، فهو ما أنفق في غير طاعة الله، قليلا كان أو كثيرا. والإسراف في النفقة: التبذير) (1).
معنى الإسراف اصطلاحاً:
الإسراف: هو صرف الشيء فيما لا ينبغي زائدا على ما ينبغي (2).
وقال الراغب: (السرف: تجاوز الحد في كل فعل يفعله الإنسان، وإن كان ذلك في الإنفاق أشهر) (3).
وقال الجرجاني: (الإسراف: هو إنفاق المال الكثير في الغرض الخسيس. وقيل تجاوز الحد في النفقة، وقيل: أن يأكل الرجل ما لا يحل له، أو يأكل مما يحل له فوق الاعتدال، ومقدار الحاجة. وقيل: الإسراف تجاوز في الكمية، فهو جهل بمقادير الحقوق) (4).
معنى التبذير لغة واصطلاحاً
معنى التبذير لغة:
التبذير: التفريق، وأصله إلقاء البذر وطرحه، فاستعير لكل مضيع لماله (5) وبذر ماله: أفسده وأنفقه في السرف. وكل ما فرقته وأفسدته، فقد بذرته، والمباذر والمبذر: المسرف في النفقة؛ باذر وبذر مباذرةً وتبذيرا (6).
معنى التبذير اصطلاحاً:
قال الشافعي: (التبذير إنفاق المال في غير حقه) (7).
وقيل: التبذير صرف الشيء فيما لا ينبغي (8).
وقيل: هو تفريق المال على وجه الإسراف (9).

(1) ((لسان العرب)) لابن منظور (9/ 148).
(2) ((الكليات)) للكفوي (ص113).
(3) ((المفردات في غريب القرآن)) للراغب الأصفهاني (ص407).
(4) ((التعريفات)) للجرجاني (ص24).
(5) ((المفردات في غريب القرآن)) للراغب الأصفهاني (ص114).
(6) ((لسان العرب)) لابن منظور (9/ 148).
(7) ((الجامع لأحكام القرآن)) للقرطبي (10/ 247).
(8) ((التعريفات)) للجرجاني (ص24)، و ((الكليات)) للكفوي (ص113).
(9) انظر ((التعريفات)) للجرجاني (ص51) و ((التوقيف على مهمات التعاريف)) (ص 90).

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
الفرق بين الإسراف والتبذير
الإسراف: صرف الشيء فيما ينبغي زائدًا على ما ينبغي.
بخلاف التبذير؛ فإنه صرف الشيء فيما لا ينبغي (1).
وقال أبو هلال العسكري: (الإسراف: تجاوز الحد في صرف المال.
والتبذير: إتلافه في غير موضعه، هو أعظم من الإسراف، ولذا قال تعالى: إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ [الإسراء: 27].
قيل: وليس الإسراف متعلقا بالمال فقط، بل بكل شيء وضع في غير موضعه اللائق به.
ألا ترى أن الله سبحانه وصف قوم لوط بالإسراف لوضعهم البذر في غير المحرث، فقال: إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ [الأعراف: 81] ووصف فرعون بالاسراف بقوله: إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِّنَ الْمُسْرِفِينَ [الدخان: 31]) (2).
والخلاصة: بينهما عموم وخصوص إذ قد يجتمعان فيكون لهما المعنى نفسه أحيانا وقد ينفرد الأعم وهو الإسراف (3).

(1) ((التعريفات)) للجرجاني (ص24).
(2) ((معجم الفروق اللغوية)) لأبي هلال العسكري (ص115).
(3) ((نضرة النعيم)) لمجموعة مؤلفين (9/ 4115).

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
ذم الإسراف والتبذير في القرآن والسنة
ذم الإسراف والتبذير في القرآن الكريم:
- قال تعالى: وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا [النساء: 6].
قال ابن كثير: (ينهى تعالى عن أكل أموال اليتامى من غير حاجة ضرورية إسرافا) (1).
وقال الماوردي: (يعني لا تأخذوها إسرافاً على غير ما أباح الله لكم , وأصل الإسراف تجاوز الحد المباح إلى ما ليس بمباح , فربما كان في الإفراط , وربما كان في التقصير , غير أنه إذا كان في الإفراط فاللغة المستعملة فيه أن يقال أسرف إسرافاً , وإذا كان في التقصير قيل سرف يسرف) (2).
- وقال سبحانه: وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأنعام: 141].
قال الطبري: (السرف الذي نهى الله عنه في هذه الآية، مجاوزة القدر في العطية إلى ما يجحف برب المال) (3).
- وقوله تعالى: يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأعراف: 31].
(قال السدي: ولا تسرفوا، أي: لا تعطوا أموالكم فتقعدوا فقراء. قال الزجاج: على هذا إذا أعطى الإنسان كل ماله ولم يوصل إلى عياله شيئا فقد أسرف) (4).
وقال الماوردي: (فيه ثلاثة تأويلات: أحدها: لا تسرفوا في التحريم , قاله السدي. والثاني: معناه لا تأكلوا حراماً فإنه إسراف, قاله ابن زيد. والثالث: لا تسرفوا في أكل ما زاد على الشبع فإنه مضر) (5).
وقال السعدي: (فإن السرف يبغضه الله، ويضر بدن الإنسان ومعيشته، حتى إنه ربما أدت به الحال إلى أن يعجز عما يجب عليه من النفقات، ففي هذه الآية الكريمة الأمر بتناول الأكل والشرب، والنهي عن تركهما، وعن الإسراف فيهما) (6).
- وقوله تعالى: وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا [الإسراء: 26 - 27].
قال ابن كثير: (أي: في التبذير والسفه وترك طاعة الله وارتكاب معصيته؛ ولهذا قال: وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا أي: جحودا؛ لأنه أنكر نعمة الله عليه ولم يعمل بطاعته؛ بل أقبل على معصيته ومخالفته) (7).

(1) ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (2/ 216).
(2) ((النكت والعيون)) لمجموعة مؤلفين (1/ 453).
(3) ((جامع البيان)) للطبري (9/ 614).
(4) ((معالم التنزيل)) للبغوي (2/ 164).
(5) ((النكت والعيون)) للطبري (2/ 218).
(6) ((تيسير الكريم الرحمن)) للسعدي (287).
(7) ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (5/ 69).


،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
وقال القاسمي: (أي: أمثالهم في كفران نعمة المال بصرفه فيما لا ينبغي. وهذا غاية المذمة؛ لأن لا شر من الشيطان. أو هم إخوانهم أتباعهم في المصادقة والإطاعة. كما يطيع الصديق صديقه والتابع متبوعه، أو هم قرناؤهم في النار على سبيل الوعيد. والجملة تعليل المنهي عنه عن التبذير، ببيان أنه يجعل صاحبه مقروناً معهم. وقوله: وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً من تتمة التعليل. قال أبو السعود: أي: مبالغاً في كفران نعمته تعالى؛ لأن شأنه أن يصرف جميع ما أعطاه الله تعالى من القوى إلى غير ما خلقت له من أنواع المعاصي، والإفساد في الأرض، وإضلال الناس، وحملهم على الكفر بالله، وكفران نعمه الفائضة عليهم، وصرفها إلى غير ما أمر الله تعالى به. وتخصيص هذا الوصف بالذكر، من بين سائر أوصافه القبيحة؛ للإيذان بأن التبذير، الذي هو عبارة عن صرف نعم الله تعالى إلى غير مصرفها، من باب الكفران، المقابل للشكر الذي هو عبارة عن صرفها إلى ما خلقت هي له. والتعرض لوصف الربوبية؛ للإشعار بكامل عتِّوه. فإن كفران نعمة الرب، مع كون الربوبية من أقوى الدواعي إلى شكرها، غاية الكفران ونهاية الضلال والطغيان) (1).
- وقوله سبحانه: وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا [الفرقان: 67].
قال ابن كثير: (أي: ليسوا بمبذرين في إنفاقهم فيصرفون فوق الحاجة، ولا بخلاء على أهليهم فيقصرون في حقهم فلا يكفونهم، بل عدلا خيارا، وخير الأمور أوسطها، لا هذا ولا هذا، وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا، كما قال: وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا [الإسراء: 29]) (2).
ذم الإسراف والتبذير في السنة النبوية:
- عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا ما لم يخالطه إسراف، أو مخيلة)) (3).
قال ابن حجر في الفتح: (ووجه الحصر في الإسراف والمخيلة أن الممنوع من تناوله أكلا ولبسا وغيرهما إما لمعنى فيه وهو مجاوزة الحد وهو الإسراف وإما للتعبد كالحرير إن لم تثبت علة النهي عنه وهو الراجح ومجاوزة الحد تتناول مخالفة ما ورد به الشرع فيدخل الحرام وقد يستلزم الإسراف الكبر وهو المخيلة قال الموفق عبد اللطيف البغدادي هذا الحديث جامع لفضائل تدبير الإنسان نفسه وفيه تدبير مصالح النفس والجسد في الدنيا والآخرة فإن السرف في كل شيء يضر بالجسد ويضر بالمعيشة فيؤدي إلى الإتلاف ويضر بالنفس إذ كانت تابعة للجسد في أكثر الأحوال والمخيلة تضر بالنفس حيث تكسبها العجب وتضر بالآخرة حيث تكسب الإثم وبالدنيا حيث تكسب المقت من الناس) (4).

(1) ((محاسن التأويل)) للقاسمي (6/ 456).
(2) ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (6/ 124).
(3) رواه ابن ماجه (3605) ورواه النسائي (2559) بدون لفظة (واشربوا). وحسنه ابن حجر في ((الأمالي المطلقة)) (32) وصححه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (6402)، والهيتمي في ((الزواجر)) (2/ 35)، وقال أحمد شاكر في ((مسند أحمد)) (10/ 78): إسناده صحيح.
(4) ((فتح الباري)) لابن حجر (10/ 253).

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
 وعن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنه قال: ((أتى رجل من بني تميم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إني ذو مال كثير، وذو أهل وولد، وحاضرة، فأخبرني كيف أنفق؟ وكيف أصنع؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تخرج الزكاة من مالك، فإنها طهرة تطهرك، وتصل أقرباءك، وتعرف حق السائل، والجار، والمسكين، فقال: يا رسول الله، أقلل لي، قال: فآت ذا القربى حقه، والمسكين، وابن السبيل، ولا تبذر تبذيرا فقال: حسبي يا رسول الله، إذا أديت الزكاة إلى رسولك، فقد برئت منها إلى الله ورسوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم، إذا أديتها إلى رسولي، فقد برئت منها، فلك أجرها، وإثمها على من بدلها)) (1).
- وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله يرضى لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثا، فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، ويكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال وإضاعة المال)) (2).
قال النووي: (هذا الحديث دليل لمن يقول إن النهي لا يقتضي التحريم والمشهور أنه يقتضي التحريم وهو الأصح) (3).
قال العيني: (قوله: وإضاعة المال هو صرفه في غير ما ينبغي) (4).
وذكر القاري عن الطيبي قوله: (قيل: والتقسيم الحاصر فيه الحاوي بجميع أقسامه أن تقول: إن الذي يصرف إليه المال إما أن يكون واجبا كالنفقة والزكاة ونحوهما، فهذا لا ضياع فيه، وهكذا إن كان مندوبا إليه، وإما أن يكون مباحا ولا إشكال إلا في هذا القسم، إذ كثير من الأمور يعده بعض الناس من المباحات، وعند التحقيق ليس كذلك كتشييد الأبنية وتزيينها والإسراف في النفقة، والتوسع في لبس الثياب الناعمة والأطعمة الشهية اللذيذة، وأنت تعلم أن قساوة القلب وغلظ الطبع يتولد من لبس الرقاق، وأكل الرقاق، وسائر أنواع الارتفاق، ويدخل فيه تمويه الأواني والسقوف بالذهب والفضة، وسوء القيام على ما يملكه من الرقيق والدواب، حتى تضيع وتهلك، وقسمة ما لا ينتفع الشريك به كاللؤلؤة والسيف يكسران، وكذا احتمال الغبن الفاحش في البياعات، وإيتاء المال صاحبه وهو سفيه حقيق بالحجر، وهذا الحديث أصل في معرفة حسن الخلق الذي هو منبع الأخلاق الحميدة والخلال الجميلة) (5).
- وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني فقير ليس لي شيء ولي يتيم، قال: ((كل من مال يتيمك غير مسرف ولا مباذر ولا متأثل)) (6).
- (قال النخعي: لا يلبس الكتان ولا الحلل ولكن ما يستر العورة ويأكل ما يسد الجوعة) (7).

(1) رواه أحمد (19/ 386) واللفظ له، والحاكم (3374)، قال المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (2/ 3): رجاله رجال الصحيح. وقال كذلك الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (3/ 66). وقال الوادعي في ((أحاديث معلة)) (41): رجاله رجال الصحيح، ولكن في تهذيب التهذيب أن رواية سعيد بن أبي هلال عن أنس مرسلة.
(2) رواه البخاري (1477) رواه مسلم (1715) واللفظ له.
(3) ((شرح صحيح مسلم)) للنووي (12/ 14).
(4) ((عمدة القارئ)) للعيني (25/ 34).
(5) ((مرقاة المفاتيح)) للقاري (7/ 3082).
(6) رواه أبوداود (2872)، والنسائي (3668)، وابن ماجه (2718) واللفظ للنسائي. والحديث حسنه ابن حجر في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (3/ 339) كما ذكر في المقدمة، وصحح إسناده أحمد شاكر في ((مسند أحمد)) (11/ 30)، وحسنه الألباني في ((صحيح الجامع)) (4497).
(7) ((عمدة القارئ)) للعيني (14/ 58).


،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
أقوال السلف والعلماء في ذم الإسراف والتبذير
- قال عمر رضي الله عنه: (كفى بالمرء سرفا أن يأكل كل ما اشتهى) (1).
- وقال ابن عباس: قال: (كل ما شئت والبس ما شئت، ما أخطأتك خلتان: سرف أو مخيلة) (2).
- وقال سفيان: (لم يسرفوا أي لم يضعوه في غير موضعه ولم يقتروا لم يقصروا به عن حقه) (3).
- وعن قتادة والحسن: (ولا تأكلوها إسرافًا وبدارًا)، يقول: لا تسرف فيها ولا تبادره (4).
- وعن عثمان بن الأسود قال: (كنت أطوف مع مجاهد بالبيت فقال: لو أنفق عشرة آلاف درهم في طاعة الله ما كان مسرفا، ولو أنفق درهما واحدا في معصية الله، كان من المسرفين) (5).
- وقال مالك: (التبذير هو أخذ المال من حقه ووضعه في غير حقه وهو الإسراف) (6).
- وقال الشافعي: (التبذير إنفاق المال في غير حقه، ولا تبذير في عمل الخير) (7).
- وقال إياس بن معاوية: (الإسراف ما قصر به عن حق الله) (8).
- وقال القرطبي: (وهو حرام – أي التبذير- لقوله تعالى: إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ [الإسراء: 27] وقوله: إِخْوَانَ يعني أنهم في حكمهم، إذ المبذر ساع في إفساد كالشياطين، أو أنهم يفعلون ما تسول لهم أنفسهم، أو أنهم يقرنون بهم غدا في النار) (9).
- وقال ابن القيم: (العدل وهو الأخذ بالوسط الموضوع بين طرفي الإفراط والتفريط وعليه بناء مصالح الدنيا والآخرة بل لا تقوم مصلحة البدن إلا به فإنه متى خرج بعض أخلاطه عن العدل وجاوزه أو نقص عنه ذهب من صحته وقوته بحسب ذلك وكذلك الأفعال الطبيعية كالنوم والسهر والأكل والشرب والجماع والحركة والرياضة والخلوة والمخالطة وغير ذلك إذا كانت وسطا بين الطرفين المذمومين كانت عدلا وإن انحرفت إلى أحدهما كانت نقصا وأثمرت نقصا) (10).
- وقال ابن عاشور: (قيل في الكلام الذي يصح طردا وعكسا: لا خير في السرف، ولا سرف في الخير) (11).

(1) ذكره الهيتمي في ((الصواعق المحرقة)) (1/ 298).
(2) رواه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (24878).
(3) ((لسان العرب)) لابن منظور (9/ 148).
(4) ((فتح الباري)) لابن حجر (7/ 580).
(5) ((تفسير القرآن)) لأبي المظفر السمعاني (3/ 235).
(6) ((الجامع لأحكام القرآن)) للقرطبي (10/ 147).
(7) ((الجامع لأحكام القرآن)) للقرطبي (10/ 147).
(8) ((لسان العرب)) لابن منظور (9/ 148).
(9) ((الجامع لأحكام القرآن)) للقرطبي (10/ 248).
(10) ((الفوائد)) لابن القيم (ص 141).
(11) ((التحرير والتنوير)) لابن عاشور (أ-8/ 124).

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

صور الإسراف ومظاهره
لا شك أن الإسراف تتعدد صوره ومظاهره وهو يقع في أمور كثيرة كالمأكل والمشرب، والملبس، والمركب، والمسكن، وغيرها، ومن هذه الصور:
1 - الإسراف على الأنفس في المعاصي والآثام، قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ [الزمر: 53].
قال القاسمي: (أي جنوا عليها بالإسراف في المعاصي والكفر ... لا تيأسوا من مغفرته بفعل سبب يمحو أثر الإسراف إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً [الزمر: 53] أي لمن تاب وآمن. فإن الإسلام يجبّ ما قبله إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ [الزمر: 53 - 54] أي: توبوا إليه وَأَسْلِمُوا لَهُ أي استسلموا وانقادوا له. وذلك بعبادته وحده وطاعته وحده، بفعل ما أمر به واجتناب ما نهى عنه) (1).
2 - الإسراف في الأكل والشبع المفرط:
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسراف في تناول الطعام فقال: ((ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن، حسب الآدمي، لقيمات يقمن صلبه، فإن غلبت الآدمي نفسه، فثلث للطعام، وثلث للشراب، وثلث للنفس)) (2).
قال القرطبي: (من الإسراف الأكل بعد الشبع. وكل ذلك محظور. وقال لقمان لابنه: يا بني لا تأكل شبعا فوق شبع، فإنك أن تنبذه للكلب خير من أن تأكله) (3).
وقال ابن القيم: (العدل وهو الأخذ بالوسط الموضوع بين طرفي الإفراط والتفريط وعليه بناء مصالح الدنيا والآخرة بل لا تقوم مصلحة البدن إلا به فإنه متى خرج بعض أخلاطه عن العدل وجاوزه أو نقص عنه ذهب من صحته وقوته بحسب ذلك وكذلك الأفعال الطبيعية كالنوم والسهر والأكل والشرب والجماع والحركة والرياضة والخلوة والمخالطة وغير ذلك إذا كانت وسطا بين الطرفين المذمومين كانت عدلا وإن انحرفت إلى أحدهما كانت نقصا وأثمرت نقصا) (4).
3 - الإسراف في الوضوء:
عن عبد الله بن عمرو، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بسعد، وهو يتوضأ، فقال: ((ما هذا السرف فقال: أفي الوضوء إسراف، قال: نعم، وإن كنت على نهر جار)) (5).
قال ابن القيم: (وكان – أي النبي صلى الله عليه وسلم - من أيسر الناس صبا لماء الوضوء وكان يحذر أمته من الإسراف فيه وأخبر أنه يكون في أمته من يعتدي في الطهور) (6).
وعن عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يجزئ من الوضوء مد، ومن الغسل صاع، فقال رجل: لا يجزئنا، فقال: قد كان يجزئ من هو خير منك، وأكثر شعرا، يعني النبي صلى الله عليه وسلم)) (7).
4 - الإسراف في المرافق العامة:
والإسراف في المرافق العامة مذموم أيضاً كالإسراف في الماء والكهرباء، ويعتبر من إضاعة المال قال صلى الله عليه وسلم ((إن الله كره لكم ثلاثا: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال)) (8).
قال المناوي: (إضاعة المال): هو صرفه في غير وجوهه الشرعية وتعريضه للتلف وسبب النهي أنه إفساد والله لا يحب المفسدين ولأنه إذا أضاع ماله تعرض لما في أيدي الناس (9).

(1) ((محاسن التأويل)) للقاسمي (8/ 293).
(2) رواه ابن ماجه (3349) واللفظ له، والترمذي (2380)، قال الترمذي: حسن صحيح، وحسنه البغوي في ((شرح السنة)) (7/ 293)، وابن حجر في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (5/ 15) كما ذكر في المقدمة، وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (5674).
(3) ((الجامع لأحكام القرآن)) للقرطبي (ص24).
(4) ((الفوائد)) لابن القيم (ص 141).
(5) رواه ابن ماجه (425)، وأحمد في ((المسند)) (7065)، واللفظ لابن ماجه. وصحح إسناده أحمد شاكر في ((مسند أحمد)) (12/ 23)، وحسن إسناده الألباني في ((السلسلة الصحيحة)) (7/ 860).
(6) ((زاد المعاد)) لابن القيم (1/ 184).
(7) رواه ابن ماجه (270)، وصححه الألباني في ((صحيح ابن ماجه)) (219)، ورواه أحمد (23/ 227) والحاكم (575) من حديث جابر بن عبد الله. قال ابن القطان في ((الوهم والإيهام)) (5/ 270): إسناده جيد، وحسنه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (9997).
(8) رواه البخاري (1477) ومسلم (593)
(9) ((فيض القدير)) للمناوي (7/ 3).

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
مضار الإسراف والتبذير
1 - عدم محبة الله للمسرفين والمبذرين:
قال تعالى: وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأنعام: 141].
قال ابن عاشور: (فبين أن الإسراف من الأعمال التي لا يحبها، فهو من الأخلاق التي يلزم الانتهاء عنها، ونفي المحبة مختلف المراتب، فيعلم أن نفي المحبة يشتد بمقدار قوة الإسراف، وهذا حكم مجمل وهو ظاهر في التحريم) (1).
2 - يفضي إلى طلب المال بالكسب الحرام:
لأن المسرف ربما ضاقت به المعيشة ويريد أن يعمل مثلما ألفه فيضطر إلى الكسب الحرام لإشباع هذه الغريزة، قال ابن عاشور: (فوجه عدم محبة الله إياهم أن الإفراط في تناول اللذات والطيبات، والإكثار من بذل المال في تحصيلها، يفضي غالبا إلى استنزاف الأموال والشره إلى الاستكثار منها، فإذا ضاقت على المسرف أمواله تطلب تحصيل المال من وجوه فاسدة، ليخمد بذلك نهمته إلى اللذات، فيكون ذلك دأبه، فربما ضاق عليه ماله، فشق عليه الإقلاع عن معتاده، فعاش في كرب وضيق، وربما تطلب المال من وجوه غير مشروعة، فوقع فيما يؤاخذ عليه في الدنيا أو في الآخرة، ثم إن ذلك قد يعقب عياله خصاصة وضنك معيشة. وينشأ عن ذلك ملام وتوبيخ وخصومات تفضي إلى ما لا يحمد في اختلال نظام العائلة) (2).
3 - الإسراف في الأكل يضر بالبدن:
قال علي بن الحسين بن واقد: (جمع الله الطب كله في نصف آية فقال: وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ [الأعراف: 31]) (3).
وقال ابن عاشور: (ولا تسرفوا في الأكل بكثرة أكل اللحوم والدسم لأن ذلك يعود بأضرار على البدن وتنشأ منه أمراض معضلة.
وقد قيل إن هذه الآية جمعت أصول حفظ الصحة من جانب الغذاء فالنهي عن السرف نهي إرشاد لا نهي تحريم) (4).
وقال محمد رشيد رضا: (فمن جعل شهوة بطنه أكبر همه فهو من المسرفين، ومن بالغ في الشبع وعرض معدته وأمعاءه للتخم فهو من المسرفين، ومن أنفق في ذلك أكثر من طاقته، وعرض نفسه لذل الدين أو أكل أموال الناس بالباطل، فهو من المسرفين، وما كان المسرف من المتقين) (5).
4 - المسرف والمبذر يشاركه الشيطان في حياته:
إن الذي يسرف ويبذر معرض لمشاركة الشيطان في مسكنه ومطعمه، ومشربه، وفراشه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((فراش للرجل، وفراش لامرأته، والثالث للضيف، والرابع للشيطان)) (6).
5 - الإسراف والتبذير من صفات إخوان الشياطين:
قال تعالى: وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا [الإسراءك 26 - 27].
قال السعدي: (لأن الشيطان لا يدعو إلا إلى كل خصلة ذميمة فيدعو الإنسان إلى البخل والإمساك فإذا عصاه، دعاه إلى الإسراف والتبذير. والله تعالى إنما يأمر بأعدل الأمور وأقسطها ويمدح عليه، كما في قوله عن عباد الرحمن الأبرار وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا [الفرقان: 67].) (7).
6 - الإسراف يجر إلى مذمات كثيرة:

(1) ((التحرير والتنوير)) لابن عاشور (أ-8/ 123).
(2) ((التحرير والتنوير)) لابن عاشور (أ-8/ 124).
(3) ((معالم التنزيل)) للبغوي (2/ 189).
(4) ((التحرير والتنوير)) لابن عاشور (ب-8/ 95).
(5) ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (7/ 25).
(6) رواه مسلم (2084).
(7) ((تيسير الكريم الرحمن)) للسعدي (456).


،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
قال ابن عاشور: (والإسراف إذا اعتاده المرء حمله على التوسع في تحصيل المرغوبات، فيرتكب لذلك مذمات كثيرة، وينتقل من ملذة إلى ملذة فلا يقف عند حد. وقيل عطف على وآتوا حقه أي ولا تسرفوا فيما بقي بعد إتيان حقه فتنفقوا أكثر مما يجب، وهذا لا يكون إلا في الإنفاق والأكل ونحوه) (1).
7 - سوف يحاسب على ماله فيم أنفقه:
قال الله سبحانه وتعالى: ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ [التكاثر: 8].
قال ابن كثير: (أي: ثم لتسألن يومئذ عن شكر ما أنعم الله به عليكم، من الصحة والأمن والرزق وغير ذلك. ما إذا قابلتم به نعمه من شكره وعبادته) (2).
عن أبي برزة الأسلمي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه، وعن علمه فيم فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه)) (3).
(أي: من موقفه للحساب حتى يسأل عن عمره فيما أفناه أفي طاعة أم معصية، وعن عمله فيم عمله لوجه الله تعالى خالصا أو رياء وسمعة.
وعن ماله من أين اكتسبه، أمن حلال أو حرام؟ وفيما أنفقه أفي البر والمعروف أو الإسراف والتبذير؟ وعن جسمه فيما أبلاه أفي طاعة الله أو معاصيه؟) (4).
8 - الإسراف والتبذير فيه تضييع للمال.
9 - الإسراف والتبذير عاقبته وخيمة:
قال ابن الجوزي: (العاقل يدبر بعقله عيشته في الدنيا، فإن كان فقيرًا؛ اجتهد في كسب وصناعة تكفه عن الذل للخلق، وقلل العلائق، واستعمل القناعة، فعاش سليمًا من منن الناس عزيزًا بينهم. وإن كان غنيًّا، فينبغي له أن يدبر في نفقته، خوف أن يفتقر، فيحتاج إلى الذل للخلق، ومن البلية أن يبذر في النفقة، ويباهي بها ليكمد الأعداء، كأنه يتعرض بذلك -إن أكثر- لإصابته بالعين ... وينبغي التوسط في الأحوال، وكتمان ما يصلح كتمانه، وإنما التدبير حفظ المال، والتوسط في الإنفاق، وكتمان ما لا يصلح إظهاره) (5).

(1) ((التحرير والتنوير)) لابن عاشور (أ-8/ 123).
(2) ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (8/ 474).
(3) رواه الترمذي (2417)، والدارمي (1/ 452)، قال الترمذي حسن صحيح. وقال ابن مفلح في ((الآداب الشرعية)) (2/ 41): إسناده جيد. وصحح إسناده الهيتمي في ((الزواجر)) (2/ 242). وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (7300).
(4) ((تطريز رياض الصالحين)) لفيصل المبارك (ص 275).
(5) ((صيد الخاطر)) لابن الجوزي (498).

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
الوسائل المعينة لترك الإسراف والتبذير
1 - الاعتدال في السرف:
قال تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا [الفرقان: 67].
قال ابن كثير: (أي: ليسوا بمبذرين في إنفاقهم فيصرفون فوق الحاجة، ولا بخلاء على أهليهم فيقصرون في حقهم فلا يكفونهم، بل عدلا خيارا، وخير الأمور أوسطها) (1).
2 - البعد عن مجالسة المسرفين والمبذرين:
ويكون بـ (الانقطاع عن صحبة المسرفين، مع الارتماء في أحضان ذوى الهمم العالية والنفوس الكبيرة، الذين طرحوا الدنيا وراء ظهورهم، وكرسوا كل حياتهم من أجل استئناف حياة إسلامية كريمة، تصان فيها الدماء والأموال والأعراض، ويقام فيها حكم الله عز وجل في الأرض، غير مبالين بما أصابهم ويصيبهم في ذات الله، فإن ذلك من شأنه أن يقضي على كل مظاهر السرف والدعة والراحة، بل ويجنبنا الوقوع فيها مرة أخرى، لنكون ضمن قافلة المجاهدين وفي موكب السائرين) (2).
3 - قراءة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم زاهداً عن هذه الدنيا وكان يحذر أمته عن الإسراف والتبذير، ويحثهم على المثابرة والتقشف، فعن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت لعروة: ((ابن أختي إن كنا لننظر إلى الهلال، ثم الهلال، ثلاثة أهلة في شهرين، وما أوقدت في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار، فقلت يا خالة: ما كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان: التمر والماء، إلا أنه قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الأنصار، كانت لهم منائح، وكانوا يمنحون رسول الله صلى الله عليه وسلم من ألبانهم، فيسقينا)) (3).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم من طعام ثلاثة أيام حتى قبض)) (4).
4 - قراءة سيرة السلف الصالح:
فالصحابة من سلف هذه الأمة والتابعين لهم كانت نظرتهم لهذه الدنيا أنها دار ممر لا دار مقر، وأنهم غرباء مسافرون عنها ولذلك كان عيشهم كفافاً، فقد روي عن عمر بن الخطاب أنه دخل على ابنه عبد الله رضي الله تعالى عنهما فرأي عنده لحماً، فقال: (ما هذا اللحم؟ قال: أشتهيه قال: وكلما اشتهيت شيئاً أكلته؟ كفي بالمرء سرفاً أن يأكل كل ما اشتهاه).
ودخل سلمان على أبي بكر وهو في سكرات الموت، فقال: أوصني، فقال: (إن الله فاتح عليكم الدنيا فلا تأخذن منها إلا بلاغا) (5).
5 - أن يفكر في عواقب الإسراف والتبذير:
فالذي يعلم أن عاقبة الإسراف والتبذير سيئة وغير محمودة يتجنبه ولا يتمادى في هذا الطريق.
6 - تذكر الموت والدار الآخرة:
فالمسلم حينما يتذكر الموت وأهوال يوم القيامة لا شك أنه سيعينه على ترك الإسراف والبذخ، وسيتقرب إلى الله بإنفاق ما زاد عن حاجاته، والاستعداد ليوم القيامة.

(1) ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (6/ 124).
(2) ((آفات على الطريق)) للسيد محمد نوح.
(3) رواه البخاري (2567)
(4) رواه البخاري (5374)
(5) ((إحياء علوم الدين)) للغزالي (4/ 476)


،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
أسباب الإسراف والتبذير
1 - الجهل:
جهل المسرف والمبذر بأحكام الشريعة الإسلامية فربما لا يعرف أن الإسراف والتبذير منهي عنه فيقع فيه.
2 - التأثر بالبيئة:
فالإنسان الذي يعيش في بيئة ينتشر فيها الإسراف والتبذير سيتطبع بطبعهم بمحاكاتهم وتقليدهم في ما يفعلونه.
3 - السعة بعد الضيق:
(قد يكون الإسراف سببه السعة بعد الضيق أو اليسر بعد العسر ذلك أن كثيرا من الناس قد يعيشون في ضيق أو حرمان أو شدة أو عسر وهم صابرون محتسبون بل وماضون في طريقهم إلى ربهم وقد يحدث أن تتغير الموازين وأن تتبدل الأحوال فتكون السعة بعد الضيق أو اليسر بعد العسر وحينئذ يصعب على هذا الصنف من الناس التوسط أو الاعتدال فينقلب على النقيض تماما فيكون الإسراف أو التبذير) (1).
4 - الغفلة عن الآخرة:
فلا يغتر بالدنيا ويغفل عن الآخرة، فإن الدنيا دول وتتبدل الأحوال فيها، فمرة في الغنى ومرة في الفقر وأنها دار ممر وليست دار مقر، ولو كانت تساوي جناح بعوضة لما سقى منها الكافر شربة ماء.
5 - مصاحبة المسرفين والمبذرين:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل)) (2).
فالإسراف والتبذير ربما يكون بسبب (صحبة المسرفين ومخالطتهم ذلك أن الإنسان غالبا ما يتخلق بأخلاق صاحبه وخليله لاسيما إذا طالت هذه الصحبة وكان هذا الصاحب قوى الشخصية شديد التأثير. ولعلنا بذلك ندرك السر في تأكيد الإسلام وتشديده على ضرورة انتقاء الصاحب أو الخليل) (3).

(1) ((آفات على الطريق)) للسيد محمد نوح.
(2) رواه أبو داود (4833)، والترمذي (2378) وقال حديث حسن غريب، وقالا البغوي في ((شرح السنة)) (6/ 470)، وابن عساكر في ((معجم الشيوخ)) (2/ 1220): حسن غريب. وحسنه ابن حجر في ((الأمالي المطلقة)) (151)، وقال ابن مفلح في ((الآداب الشرعية)) (3/ 528): إسناده جيد، وصحح إسناده أحمد شاكر في ((مسند أحمد)) (15/ 178).
(3) ((آفات على الطريق)) للسيد محمد نوح.

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
مسائل متفرقة في الإسراف والتبذير
- ما قيل في حسن التدبير وذم التبذير:
قال الثعالبي: (من أصلح ماله فقد صان الأكرمين: الدين، والعرض. ما عال مقتصدٌ. أصلحوا أموالكم لنبوة الزمان، وجفوة السلطان. الإصلاح أحد الكاسبين. لا عيلة على مصلحٍ، ولا مال لأخرق، ولا جود مع تبذير، ولا بخل مع اقتصادٍ. التدبير يثمر اليسير، والتبذير يبدد الكثير. حسن التدبير مع الكفاف أكفى من الكثير مع الإسراف. القصد أسرع تبليغاً إلى الغاية وتحصيلاً للأمر. إن في إصلاح مالك جمال وجهك، وبقاء عزك، وصون عرضك، وسلامة دينك. التقدير نصف الكسب. أفضل القصد عند الجدة. عليك من المال بما يعولك ولا تعوله. من لم يحمد في التقدير، ولم يذم في التبذير، فهو سديد التدبير) (1).
وقيل: (حسن التدبير نصف الكسب وسوء التدبير داعية البؤس. الإفلاس سوء التدبير) (2).
(وقيل: ما وقع تبذير في كثير إلّا هدمه ولا دخل تدبير في قليل إلا ثمره.
وقيل: إنك إن أعطيت مالك في غير الحق يوشك أن يجيء الحق وليس عندك ما تعطي منه) (3).
- ما قيل في التهكُّم على مبذِّر:
قال الراغب الأصفهاني: (قيل في المثل: خرقاء وجدت صوفا. وقيل: من يطل ذيله ينتطق به. وقيل: يطأ فيه. ومن وجد دهنا دهن إسته. وقيل: عبد خلي في يديه، وعبد ملك عبدا. وكان بعض المتخلفين ورث مالا فكان يحمل الدنانير ويأتي الشطّ فيقذف واحدا واحدا في الماء، فقيل له في ذلك، فقال: يعجبني طليته وصوته. وبنى عون العبادي دكانا وسط داره وأسرف في الإنفاق عليه إسرافا متناهيا فليم في ذلك، فقال: ما أصنع بالدراهم إذا) (4).
- ما قيل في توسط في الأمور:
قال تعالى: وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ [الإسراء: 29] (عليك بالقصد بين الطريقتين، لا منع ولا إسراف، ولا بخل ولا إتلاف. لا تكن رطباً فتعصر، ولا يابساً فتكسر، ولا تكن حلواً فتسترط، ولا مراً فتلفظ. ...
عليك بأوساط الأمور فإنّها ... نجاةٌ ولا تركب ذلولاً ولا صعبا
وقال آخر:
وخير خلائق الأقوام خلقٌ ... توّسط لا احتشام ولا اغتناما) (5) ...

(1) ((التمثيل والمحاضرة)) للثعالبي (ص 428).
(2) ((محاضرات الأدباء)) للراغب الأصفهاني (1/ 578).
(3) ((محاضرات الأدباء)) للراغب الأصفهاني (1/ 578).
(4) ((محاضرات الأدباء)) للراغب الأصفهاني (1/ 579).


،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،