الأربعاء، 21 نوفمبر 2012

موسوعة الأخلاق الإسلامية : الورع

الورع

معنى الورع لغة واصطلاحاً
معنى الورع لغة:
الورع: التَّحرُّجُ. توَرَّع عن كذا أَي تحرَّج. والورِع، بكسر الرَّاءِ: الرجلُ التَّقِي المُتَحَرِّج، وَهُوَ وَرِعٌ بيِّن الورَعِ، ... ويقال: فلان سيئ الرِّعةِ أَي قليل الورع ... والورَعُ في الأَصل: الكَف عن المحارِمِ والتحَرُّجُ مِنْهُ وتورَّع من كذا، ثُمَّ اسْتعِير لِلْكفِّ عَنِ الْمباح والْحَلَالِ (1).
معنى الورع اصطلاحاً:
الورع: هو اجتناب الشبهات خوفًا من الوقوع في المحرمات (2).
وعرفه القرافي بقوله: (ترك ما لا بأس به حذرا مما به البأس) (3).
وقال الكفوي: (الورع: الاجتناب عن الشبهات سواء كان تحصيلا أو غير تحصيل، إذ قد يفعل المرء فعلا تورعا وقد يتركه تورعا أيضا ويستعمل بمعنى التقوى وهو الكف عن المحرمات القطعية) (4).

(1) انظر ((لسان العرب)) لابن منظور (8/ 388). و ((تاج العروس)) للزبيدي (22/ 313).
(2) ((التعريفات)) للجرجاني (ص: 252).
(3) ((الفروق)) للقرافي (4/ 210).
(4) ((الكليات)) لأبي البقاء (ص: 944).

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
الفرق بين الزهد والورع
قال ابن القيم: (والفرق بينه وبين الورع أن الزهد ترك مالا ينفع في الآخرة.
والورع ترك ما يخشى ضرره في الآخرة) (1).

(1) ((الفوائد)) لابن القيم (ص: 181).،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،فضل الورع والحث عليه:
- قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ [المؤمنون: 51].
قال السعدي: (هذا أمر منه تعالى لرسله بأكل الطيبات، التي هي الرزق الطيب الحلال، وشكر الله، بالعمل الصالح، الذي به يصلح القلب والبدن، والدنيا والآخرة. ويخبرهم أنه بما يعملون عليم، فكل عمل عملوه، وكل سعي اكتسبوه، فإن الله يعلمه، وسيجازيهم عليه أتم الجزاء وأفضله، فدل هذا على أن الرسل كلهم، متفقون على إباحة الطيبات من المآكل، وتحريم الخبائث منها) (1).
- وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((فضل العلم أحب إلي من فضل العبادة، وخير دينكم الورع)) (2).
قال المناوي: (لأن الورع دائم المراقبة للحق مستديم الحذر أن يمزج باطلا بحق كما قال الحبر كان عمر كالطير الحذر والمراقبة توزن بالمشاهدة ودوام الحذر يعقب النجاة والظفر) (3).
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا أبا هريرة كن ورعاً تكن أعبد الناس)) (4).
(أي داوم عليه في جميع الحالات حتى يصير طبعا لك فتكون أعبد الناس لدوام مراقبتك واشتغالك بأفضل العبادات بظاهرك وباطنك بإيثار حقك على حظك وهذا كمال العبودية ولهذا قال الحسن: ملاك الدين الورع وقد رجع ابن المبارك من خراسان إلى الشام في رد قلم استعاره منها وأبو يزيد إلى همدان لرد نملة وجدها في قرطم اشتراه وقال: غريبة عن وطنها وابن أدهم من القدس للبصرة لرد تمرة فانظر إلى قوة ورع هؤلاء وتشبه بهم إن أردت السعادة) (5).
- وعن الحسن بن علي- رضي الله عنهما- قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإن الصدق طمأنينة، وإن الكذب ريبة)) (6).
قال ابن حجر: (قوله يريبك بفتح أوله ويجوز الضم يقال رابه يريبه بالفتح وأرابه يريبه بالضم ريبة وهي الشك والتردد والمعنى إذا شككت في شيء فدعه، وترك ما يشك فيه أصل عظيم في الورع ... قال الخطابي كل ما شككت فيه فالورع اجتنابه) (7).
- وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اشترى رجل من رجل عقارا له، فوجد الرجل الذي اشترى العقار في عقاره جرة فيها ذهب. فقال له الذي اشترى العقار: خذ ذهبك مني، إنما اشتريت منك الأرض ولم أبتع منك الذهب. وقال الذي له الأرض: إنما بعتك الأرض وما فيها، فتحاكما إلى رجل، فقال الذي تحاكما إليه: ألكما ولد؟ قال: أحدهما: لي غلام. وقال الآخر: لي جارية. قال: أنكحوا الغلام الجارية، وأنفقوا على أنفسهما منه، وتصدقا)) (8).

(1) ((تيسير الكريم الرحمن)) للسعدي (ص: 553).
(2) رواه الحاكم (1/ 170) (314)، والبيهقي في ((الآداب)) (1/ 335) (830). وصححه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (5864)، وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (4214).
(3) ((فيض القدير)) للمناوي (3/ 487).
(4) رواه ابن ماجه (4217)، وأبو نعيم في ((الحلية)) (13/ 365)، والبيهقي في ((الشعب)) (7/ 499) (5366). وحسن إسناده البوصيري في ((مصباح الزجاجة)) (4/ 240).
(5) ((فيض القدير)) للمناوي (5/ 52).
(6) رواه الترمذي (2516)، والنسائي (5711)، وأحمد (1/ 200) (1723). وصححه الترمذي، وصحح إسناده الحاكم، وصححه الذهبي.
(7) ((فتح الباري)) لابن حجر (5/ 52).
(8) رواه البخاري (3472) ومسلم (1721).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما: قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((الحلال بين، والحرام بين، وبينهما مشبهات لا يعلمها كثير من الناس، فمن اتقى المشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات كراع يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا إن حمى الله في أرضه محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)) (1).
قال ابن رجب: (هذا الحديث حديث عظيم؛ وهو أحد الأحاديث التي مدار الدين عليها وقد قيل: إنه ثلث العلم أو ربعه ... ومعنى الحديث: أن الله أنزل كتابه وبين فيه حلاله وحرامه وبين النبي صلى الله عليه وسلم لأمته ما خفي من دلالة الكتاب على التحليل والتحريم، فصرح بتحريم أشياء غير مصرح بها في الكتاب وإن كانت عامتها مستنبطة من الكتاب وراجعة إليه فصار الحلال والحرام على قسمين:
أحدهما: ما هو واضح لا خفاء به على عموم الأمة؛ لاستفاضته بينهم وانتشاره فيهم ولا يكاد إلا على من نشأ ببادية بعيدة عن دار الإسلام؛ فهذا هو الحلال البين والحرام البين. ومنه: ما تحليله وتحريمه لعينه كالطيبات من المطاعم والمشارب والملابس والمناكح والخبائث من ذلك كله ومنه: ما تحليله وتحريمه من جهة كسبه كالبيع والنكاح والهبة والهدية وكالربا والقمار والزنا والسرقة والغصب والخيانة وغير ذلك.
القسم الثاني: ما لم ينتشر تحريمه وتحليله في عموم الأمة؛ لخفاء دلالة النص عليه ووقوع تنازع العلماء فيه ونحو ذلك، فيشتبه على كثير من الناس هل هو من الحلال أو من الحرام؟ وأما خواص أهل العلم الراسخون فيه فلا يشتبه عليهم؛ بل عندهم من العلم الذي اختصوا به عن أكثر الناس ما يستدلون به على حل ذلك أو حرمته، فهؤلاء لا يكون ذلك مشتبها عليهم لوضوح حكمه عندهم.
أما من لم يصل إلى ما وصلوا إليه فهو مشتبه عليه؛ فهذا الذي اشتبه عليه إن اتقى ما اشتبه عليه حله وحرمه واجتنبه فقد استبرأ لدينه وعرضه، بمعنى أنه طلب لهما البراءة مما يشينهما، وهذا معنى الحديث الآخر: ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)) (2). وهذا هو الورع، وبه يحصل كمال التقوى) (3).

(1) رواه البخاري (52) ومسلم (1599).
(2) رواه الترمذي (2516)، والنسائي (5711)، وأحمد (1/ 200) (1723). وصححه الترمذي، وصحح إسناده الحاكم، وصححه الذهبي.
(3) ((فتح الباري)) لابن حجر (5/ 52).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،أقوال السلف والعلماء في الورع
- قال أبو الدرداء: (تمام التقوى أن يتقي الله العبد، حتى يتقيه من مثقال ذرة، وحتى يترك بعض ما يرى أنه حلال، خشية أن يكون حراما، حجابا بينه وبين الحرام (1).
- وقال الحسن: مازالت التقوى بالمتقين حتى تركوا كثيرا من الحلال مخافة الحرام.
- وقال الثوري: إنما سموا المتقين لأنهم اتقوا مالا يتقى وروي عن ابن عمر قال: إني لأحب أن أدع بيني وبين الحرام سترة من الحلال لا أخرقها.
- وقال ميمون بن مهران: لا يسلم للرجل الحلال حتى يجعل بينه وبين الحرام حاجزا من الحلال.
- وقال سفيان بن عيينة: لا يصيب عبد حقيقة الإيمان حتى يجعل بينه وبين الحرام حاجزا من الحلال، وحتى يدع الإثم وما تشابه منه) (2).
- (وقال إبراهيم بن أدهم: الورع ترك كل شبهة، وترك مالا يعنيك هو ترك الفضلات.
- وقال الشبلي: الورع أن يتورع عن كل ما سوى الله. وقال إسحاق بن خلف: الورع في المنطق أشد منه في الذهب والفضة، والزهد في الرياسة أشد منه في الذهب والفضة، لأنهما يبذلان في طلب الرياسة.
- وقال أبو سليمان الداراني: الورع أول الزهد، كما أن القناعة أول الرضا.
- وقال يحيى بن معاذ: الورع الوقوف على حد العلم من غير تأويل. وقال: الورع على وجهين. ورع في الظاهر، وورع في الباطن، فورع الظاهر أن لا يتحرك إلا لله، وورع الباطن هو أن لا تدخل قلبك سواه. وقال: من لم ينظر في الدقيق من الورع لم يصل إلى الجليل من العطاء.
- وقيل: الورع الخروج من الشهوات، وترك السيئات.
- وقيل: من دق في الدنيا ورعه - أو نظره - جل في القيامة خطره.
- وقال يونس بن عبيد: الورع الخروج من كل شبهة، ومحاسبة النفس في كل طرفة عين.
- وقال سفيان الثوري: ما رأيت أسهل من الورع، ما حاك في نفسك فاتركه.
- وقال سهل: الحلال هو الذي لا يعصى الله فيه، والصافي منه الذي لا ينسى الله فيه، وسأل الحسن غلاما. فقال له: ما ملاك الدين؟ قال: الورع. قال: فما آفته؟ قال: الطمع. فعجب الحسن منه.
- وقال الحسن: مثقال ذرة من الورع خير من ألف مثقال من الصوم والصلاة.
- وقال أبو هريرة: جلساء الله غدا أهل الورع والزهد (3).
- وقال بعض السلف: لا يبلغ العبد حقيقة التقوى حتى يدع ما لا بأس به حذرا مما به بأس.
- وقال بعض الصحابة: كنا ندع سبعين بابا من الحلال مخافة أن نقع في باب من الحرام) (4).
- وقال الهروي: (الورع توق مستقصى على حذر. وتحرج على تعظيم) (5).
- وقال ابن مسكويه: (وأما الورع فهو لزوم الأعمال الجميلة التي فيها كمال النفس) (6).
- وقال سفيان: (عليك بالورع يخفف الله حسابك، ودع ما يريبك إلى ما لا يريبك، وادفع الشك باليقين يسلم لك دينك) (7).
- وقال إبراهيم بن داود
المرء يزري بلبه طمعه ... والدهر قدر كثيرة خدعه
والناس إخوان كل ذي نشد ... قد خاب عبد إليهم ضرعه
والمرء إن كان عاقلا ورعا ... أخرسه عن عيوبهم ورعه
كما المريض السقيم يشغله ... عن وجع الناس كلهم وجعه (8) ...

(1) رواه ابن المبارك في ((الزهد)) (2/ 19)، وأبو نعيم في ((الحلية)) (1/ 212)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (47/ 160).
(2) ((فتح الباري)) لابن رجب (1/ 205).
(3) ((الرسالة القشيرية)) (1/ 236).
(4) ((مدارج السالكين)) لابن القيم (2/ 25).
(5) ((مدارج السالكين)) لابن القيم (2/ 25).
(6) ((تهذيب الأخلاق)) لابن مسكويه (ص 29).
(7) ((الورع)) لابن أبي الدنيا (ص 112).
(8) ((الورع)) لابن أبي الدنيا (ص 123).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،أقسام الورع
1 - الورع المشروع:
قال ابن تيمية: (فأما الورع المشروع المستحب الذي بعث الله به محمدا صلى الله عليه وسلم فهو: اتقاء من يخاف أن يكون سببا للذم والعذاب عند عدم المعارض الراجح. ويدخل في ذلك أداء الواجبات والمشتبهات التي تشبه الواجب وترك المحرمات والمشتبهات التي تشبه الحرام وإن أدخلت فيها المكروهات قلت: نخاف أن يكون سببا للنقص والعذاب.) (1).
2 - الورع الواجب:
(وأما الورع الواجب: فهو اتقاء ما يكون سببا للذم والعذاب وهو فعل الواجب وترك المحرم والفرق بينهما فيما اشتبه أمن الواجب هو أم ليس منه؟ وما اشتبه تحريمه أمن المحرم أم ليس منه؛ فأما ما لا ريب في حله فليس تركه من الورع وما لا ريب في سقوطه فليس فعله من الورع. وقولي عند عدم المعارض الراجح فإنه قد لا يترك الحرام البين أو المشتبه إلا عند ترك ما هو حسنة موقعها في الشريعة أعظم من ترك تلك السيئة مثل من يترك الائتمام بالإمام الفاسق فيترك الجمعة والجماعة والحج والغزو وكذلك قد لا يؤدي الواجب البين أو المشتبه إلا بفعل سيئة أعظم إثما من تركه مثل من لا يمكنه أداء الواجبات من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لذوي السلطان إلا بقتال فيه من الفساد أعظم من فساد ظلمه. والأصل في الورع المشتبه قول النبي صلى الله عليه وسلم ((الحلال بين والحرام بين وبين ذلك أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن ترك الشبهات استبرأ عرضه ودينه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه)) (2) وهذا في الصحيحين. وفي السنن قوله: ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)) (3) وقوله: ((البر ما اطمأنت إليه النفس وسكن إليه القلب)) (4) وقوله في صحيح مسلم في رواية: ((البر حسن الخلق والإثم ما حاك في نفسك وإن أفتاك الناس)) (5) ((وإنه رأى على فراشه تمرة فقال: لولا أني أخاف أن تكون من تمر الصدقة لأكلتها)) (6).

(1) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (20/ 137).
(2) رواه البخاري (52)، ومسلم (1599) من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه.
(3) رواه الترمذي (2516)، والنسائي (5711)، وأحمد (1/ 200) (1723). وصححه الترمذي، وصحح إسناده الحاكم، وصححه الذهبي.
(4) رواه أحمد (4/ 228) (18035)، والدارمي (3/ 1649) (2575)، والطبراني في ((الكبير)) (22/ 148) من حديث وابصة بن معبد الأسدي رضي الله عنه. وحسن إسناده المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (2/ 351)، وقال الهيثمي في ((المجمع)) (10/ 294): رواه الطبراني، وأحمد باختصار عنه، ورجال أحد إسنادي الطبراني ثقات.
(5) رواه مسلم (2553)،وابن أبي الدنيا في ((التواضع والخمول)) (ص224) واللفظ له.
(6) رواه البخاري (2431)، ومسلم (1071) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،وأما في الواجبات ... لكن يقع الغلط في الورع من ثلاث جهات: أحدها: اعتقاد كثير من الناس أنه من باب الترك فلا يرون الورع إلا في ترك الحرام لا في أداء الواجب وهذا يبتلى به كثير من المتدينة المتورعة ترى أحدهم يتورع عن الكلمة الكاذبة وعن الدرهم فيه شبهة؛ لكونه من مال ظالم أو معاملة فاسدة ويتورع عن الركون إلى الظلمة من أجل البدع في الدين وذوي الفجور في الدنيا ومع هذا يترك أمورا واجبة عليه إما عينا وإما كفاية وقد تعينت عليه من صلة رحم؛ وحق جار ومسكين؛ وصاحب ويتيم وابن سبيل؛ وحق مسلم وذي سلطان؛ وذي علم. وعن أمر بمعروف ونهي عن منكر؛ وعن الجهاد في سبيل الله؛ إلى غير ذلك مما فيه نفع للخلق في دينهم ودنياهم مما وجب عليه أو يفعل ذلك لا على وجه العبادة لله تعالى بل من جهة التكليف ونحو ذلك. وهذا الورع قد يوقع صاحبه في البدع الكبار؛ فإن ورع الخوارج والروافض والمعتزلة ونحوهم من هذا الجنس تورعوا عن الظلم وعن ما اعتقدوه ظلما من مخالطة الظلمة في زعمهم حتى تركوا الواجبات الكبار من الجمعة والجماعة؛ والحج والجهاد؛ ونصيحة المسلمين والرحمة لهم وأهل هذا الورع ممن أنكر عليهم الأئمة كالأئمة الأربعة وصار حالهم يذكر في اعتقاد أهل السنة والجماعة. الجهة الثانية من الاعتقاد الفاسد أنه إذا فعل الواجب والمشتبه وترك المحرم والمشتبه فينبغي أن يكون اعتقاد الوجوب والتحريم بأدلة الكتاب والسنة وبالعلم لا بالهوى) (1).
1 - الورع الفاسد:
قال ابن تيمية: (كثير من الناس تنفر نفسه عن أشياء لعادة ونحوها فيكون ذلك مما يقوي تحريمها واشتباهها عنده ويكون بعضهم في أوهام وظنون كاذبة فتكون تلك الظنون مبناها على الورع الفاسد فيكون صاحبه ممن قال الله تعالى فيه: إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنفُسُ [النجم: 23] وهذه حال أهل الوسوسة في النجاسات؛ فإنهم من أهل الورع الفاسد المركب من نوع دين وضعف عقل وعلم وكذلك ورع قوم يعدون غالب أموال الناس محرمة أو مشتبهة أو كلها وآل الأمر ببعضهم إلى إحلالها لذي سلطان؛ لأنه مستحق لها وإلى أنه لا يقطع بها يد السارق ولا يحكم فيها بالأموال المغصوبة. وقد أنكر حال هؤلاء الأئمة كأحمد بن حنبل وغيره وذم المتنطعين في الورع. وقد روى مسلم في صحيحه عن عبد الله بن مسعود قال: ((قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هلك المتنطعون قالها ثلاثا)) (2).
وورع أهل البدع كثير منه من هذا الباب. بل ورع اليهود والنصارى والكفار عن واجبات دين الإسلام من هذا الباب وكذلك ما ذمه الله تعالى في القرآن من ورعهم عما حرموه ولم يحرمه الله تعالى كالبحيرة والسائبة والوصيلة والحام. ومن هذا الباب الورع الذي ذمه الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي في الصحيح لما ترخص في أشياء فبلغه أن أقواما تنزهوا عنها فقال: ((ما بال رجال يتنزهون عن أشياء أترخص فيها والله إني لأرجو أن أكون أعلمهم بالله وأخشاهم وفي رواية: أخشاهم وأعلمهم بحدوده له)) (3) وكذلك حديث صاحب القبلة. ولهذا يحتاج المتدين المتورع إلى علم كثير بالكتاب والسنة والفقه في الدين وإلا فقد يفسد تورعه الفاسد أكثر مما يصلحه كما فعله الكفار وأهل البدع من الخوارج والروافض وغيرهم. الثالثة: جهة المعارض الراجح. هذا أصعب من الذي قبله؛ فإن الشيء قد يكون جهة فساده يقتضي تركه فيلحظه المتورع؛ ولا لحظ ما يعارضه من الصلاح الراجح؛ وبالعكس فهذا هذا. وقد تبين أن من جعل الورع الترك فقط؛ وأدخل في هذا الورع أفعال قوم ذوي مقاصد صالحة بلا بصيرة من دينهم وأعرض عما فوتوه بورعهم من الحسنات الراجحة فإن الذي فاته من دين الإسلام أعظم مما أدركه فإنه قد يعيب أقواما هم إلى النجاة والسعادة أقرب) (4).
وقسم الراغب الأصفهاني الورع إلى ثلاث أنواع: فقال:
1 - (واجب: وهو الإحجام عن المحارم، وذلك للناس كافة.
2 - وندب: وهو الوقوف عن الشبهات، وذلك للأواسط.
3 - وفضيلة: وهو الكف عن كثير من المباحات والاقتصار على أقل الضرورات، وذلك للنبيين والصديقين والشهداء والصالحين) (5).

(1) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (20/ 137).
(2) رواه مسلم (2670).
(3) رواه البخاري (6101) من طريق عائشة رضي الله عنها بلفظ: ((ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه، فوالله إني لأعلمهم بالله، وأشدهم له خشية))، ورواه مسلم (2356) بلفظ آخر.
(4) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (20/ 137).
(5) ((الذريعة إلى مكارم الشريعة)) للراغب الأصفهاني (ص: 323).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،فوائد وآثار الورع
1 - من فوائده أنه يجلب محبة الله سبحانه وتعالى.
2 - فيه الاقتداء بهدي النبي صلى الله عليه وسلم.
3 - فيه ترك الشبهات والبعد عنها.
4 - به يطيب المطعم والمشرب.
5 - أنه سبب لاستجابة الدعاء.
6 - أنه خير خصال الدين كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم.
7 - فيه الاستبراء للدين والعرض.
8 - أنه سمة من سمات العُبَّاد.
9 - الورع سبب من أسباب كمال التقوى.
درجات الورع
قال الهروي رحمه الله: (الورع على ثلاث درجات:
الدرجة الأولى: تجنب القبائح لصون النفس، وتوفير الحسنات وصيانة الإيمان.
الدرجة الثانية: حفظ الحدود عند ما لا بأس به، إبقاء على الصيانة والتقوى، وصعودا عن الدناءة، وتخلصا عن اقتحام الحدود.
الدرجة الثالثة: التورع عن كل داعية تدعو إلى شتات الوقت والتعلق بالتفرق وعارض يعارض حال الجميع) (1).
درجات الورع عن الحرام عند الغزالي:
قال الغزالي رحمه الله: (الورع عن الحرام على أربع درجات:
الأولى: ورع العدول
وهو الذي يجب الفسق باقتحامه وتسقط العدالة به ويثبت اسم العصيان والتعرض للنار بسببه وهو الورع عن كل ما تحرمه فتاوى الفقهاء.
الثانية: ورع الصالحين
وهو الامتناع عما يتطرق إليه احتمال التحريم ولكن المفتى يرخص في التناول بناء على الظاهر فهو من مواقع الشبهة على الجملة.
الثالثة: مالا تحرمه الفتوى ولا شبهة في حله ولكن يخاف منه أداؤه إلى محرم وهو ترك ما لا بأس به مخافة مما به بأس وهذا ورع المتقين.
الرابعة: ما لا بأس به أصلا ولا يخاف منه أن يؤدي إلى ما به بأس ولكنه يتناول لغير الله وعلى غير نية التقوِّي به على عبادة الله أو تتطرق إلى أسبابه المسهلة له كراهية أو معصية والامتناع منه ورع الصديقين) (2).

(1) ((مدارج السالكين)) لابن القيم (2/ 22).
(2) ((إحياء علوم الدين)) للغزالي (2/ 94).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،صور ومظاهر الورع
لا شك أن الورع مهم في حياتنا الاجتماعية وحريُّ بنا أن نترك كل أمر مشكوك فيه وعليه شبهة، والورع له صور ومظاهر عدة فقد ذكر ابن أبي الدنيا مظاهر للورع منها:
1 - الورع في النظر:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: ((لا تتبع النظرة النظرة؛ فإن لك الأولى، وليست لك الآخرة)) (1).
عن أنس قال: ((إذا مرت بك امرأة، فغمض عينيك حتى تجاوزك)) (2).
عن داود الطائي قال: ((كانوا يكرهون فضول النظر)) (3).
قال عمرو بن مرة: ((ما أحب أني بصير كنت نظرت نظرة، وأنا شاب)) (4).
وقال وكيع خرجنا مع سفيان الثوري في يوم عيد فقال: (إن أول ما نبدأ به في يومنا غض أبصارنا) (5).
2 - الورع في السمع:
عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من استمع إلى حديث قوم لا يحبون أن يستمع حديثهم، أذيب في أذنه الآنك)) (6).
عن نافع قال: (كنت مع ابن عمر في طريق فسمع زمارة راع، فوضع إصبعيه في أذنيه، ثم عدل عن الطريق، ثم قال: يا نافع أتسمع؟ قلت: نعم. فأخرج إصبعيه من أذنيه، ثم عدل عن الطريق، ثم قال: يا نافع أتسمع؟ قلت: لا. فأخرج إصبعيه من أذنيه، ثم عدل إلى الطريق، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع) (7).
3 - الورع في الشم:
فعن محمد بن سعد بن أبي وقاص قال قدم على عمر رضي الله عنه مسك وعنبر من البحرين فقال عمر والله لوددت أني أجد امرأة حسنة تزن لي هذا الطيب حتى أفرقه بين المسلمين فقالت له امرأته عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل أنا جيدة الوزن فهلم أزن لك قال لا قالت ولم قال إني أخشى أن تأخذيه هكذا وأدخل أصابعه في صدغيه وتمسحين عنقك فأصيب فضلا عن المسلمين (8).
وعن عمر بن عبد العزيز رحمه الله أنه أتي بغنائم مسك، فأخذ بأنفه، فقالوا يا أمير المؤمنين: تأخذ بأنفك لهذا؟ قال: إنما ينتفع من هذا بريحه؛ فأكره أن أجد ريحه دون المسلمين (9).
4 - الورع في اللسان:
أن عمر بن الخطاب اطلع على أبي بكر رحمهما الله وهو يمد لسانه، فقال: ما تصنع يا خليفة رسول الله؟ قال: هذا أوردني الموارد إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ليس شيء من الجسد إلا يشكو إلى الله اللسان على حدته)) (10).
وعن الحسن بن حي قال: (فتشت عن الورع، فلم أجده في شيء أقل منه في اللسان) (11).
وعن الفضيل بن عياض قال: (أشد الورع في اللسان) (12).
وعن يونس بن عبيد قال: (إنك لتعرف ورع الرجل في كلامه) (13).
وسئل عبد الله المبارك أي الورع أشد؟ قال: (اللسان) (14).
5 - الورع في البطن:

(1) رواه أبو داود (2149)، والترمذي (2777)، وأحمد (5/ 353) (23041) من حديث بريدة رضي الله عنه. قال الترمذي: غريب لا نعرفه إلا من حديث شريك. وقال الحاكم (2/ 212): صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي.
(2) رواه ابن أبي الدنيا في ((الورع)) (ص66).
(3) ((الورع)) لابن أبي الدنيا (ص: 62).
(4) ((الورع)) لابن أبي الدنيا (ص: 62).
(5) ((الورع)) لابن أبي الدنيا (ص: 63).
(6) رواه أحمد (2/ 504) (10556)، وابن أبي الدنيا في ((الورع)) (ص73).
(7) ((الورع)) لابن أبي الدنيا (ص: 68).
(8) رواه أحمد في ((الزهد)) (ص98)، وابن شبه في ((تاريخ المدينة)) (2/ 703).
(9) ((الورع)) لابن أبي الدنيا (ص: 68).
(10) رواه ابن أبي الدنيا في ((الصمت)) (ص50)، وأبو يعلى (1/ 17) (5)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (7/ 24) (4596). وحسنه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (7605)، وقال الألباني في ((السلسلة الصحيحة)) (535): صحيح الإسناد على شرط البخاري.
(11) ((الورع)) لابن أبي الدنيا (ص: 77).
(12) ((الورع)) لابن أبي الدنيا (ص: 77).
(13) ((الورع)) لابن أبي الدنيا (ص: 77).
(14) ((الورع)) لابن أبي الدنيا (ص: 77).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا [المؤمنون: 51] وقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ [البقرة: 172]، ثم ذكر العبد يطيل السفر أشعث أغبر رافعا يديه يا رب يا رب. مطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لهذا)) (1).
عن القاسم قال: كان لأبي بكر رحمه الله غلام يأتيه بكسبه كل ليلة ويسأله من أين أصبت؟ فيقول: أصبت من كذا فأتاه ذات ليلة بكسبه، وأبو بكر قد ظل صائما، فنسي أن يسأله، فوضع يده فأكل، فقال الغلام: يا أبا بكر كنت تسألني كل ليلة عن كسبي إذا جئتك فلم أرك سألتني عنه الليلة؟ قال: فأخبرني من أين هو؟ قال: تكهنت لقوم في الجاهلية، فلم يعطوني أجري حتى كان اليوم فأعطوني، وإنما كانت كذبة، فأدخل أبو بكر يده في حلقه، فجعل يتقيأ فذهب الغلام فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال: إني كذبت أبا بكر فضحك النبي صلى الله عليه وسلم، أحسبه قال ضحكا شديدا، وقال: ((إن أبا بكر يكره أن يدخل بطنه إلا طيبا)) (2).
وعن جندب بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من استطاع منكم ألا يجعل في بطنه إلا طيبا فليفعل؛ فإن أول ما ينتن من الإنسان بطنه)) (3).
وعن أبي صالح الحنفي قال: (دخلت على أم كلثوم فقالت: ائتوا أبا صالح بطعام فأتوني بمرقة فيها جنوب، فقلت أتطعموني هذا وأنتم أمراء؟ قالت: كيف لو رأيت أمير المؤمنين عليا، وأتي بأترج، فأخذ الحسن أو الحسين منها أترجة لصبي لهم، فانتزعها من يده، وقسمها بين المسلمين) (4).
6 - الورع في الفرج:
قال سفيان بن عيينة: (لو أن رجلا لعب بغلام بين أصبعين من أصابع رجله يريد بذلك الشهوة، لكان لواطا) (5).
7 - الورع في الفتوى:
كان الصحابة ومن بعدهم من التابعين رضي الله عنهم يتورعون أشد الورع عن الفتوى فكانوا يدفعون الفتوى عن أنفسهم ولا يُقدمون عليها
فعن البراء رضي الله عنه قال: (لقد رأيت ثلاثمائة من أهل بدر ما منهم من أحد إلا وهو يحب أن يكفيه صاحبُه الفتوى) (6).
وقال ابن أبي ليلى: (أدركت مئة وعشرين من الأنصار من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يُسأل أحدهم المسألة فيردها هذا إلى هذا وهذا إلى هذا حتى ترجع إلى الأول وما منهم من أحد يحدث بحديث أو يُسأل عن شيء إلا ودّ أنّ أخاه كفاه) (7).
وقال عطاء بن السائب: (أدركت أقواماً إن كان أحدهم ليسأل عن الشيء فيتكلم وإنه ليرعد) (8).
ويقول نفيس بن الأشعث: (كان محمد بن سيرين إذا سئل عن شيء من فقه الحلال والحرام تغير لونه وتبدل حتى كأنه ليس بالذي كان) (9).
وقال أبو حصين عثمان بن عاصم التابعي الجليل: (إن أحدهم ليفتي في المسألة ولو وردت على عمر لجمع لها أهل بدر) (10).

(1) رواه مسلم (1015).
(2) رواه ابن أبي الدنيا في ((الورع)) (ص84).
(3) رواه البخاري (7152)، وابن أبي الدنيا في ((الورع)) (ص86) واللفظ له.
(4) ((الورع)) لابن أبي الدنيا (ص: 91).
(5) ((الورع)) لابن أبي الدنيا (ص: 94).
(6) رواه الخطيب في ((تاريخ بغداد)) (8/ 276).
(7) ((الآداب الشرعية)) لابن مفلح (2/ 61).
(8) ((من هدي السلف في طلب العلم)) أبو ياسر الزهراني (ص43).
(9) ((صفة الصفوة)) لمحمد بن سيرين (2/ 144).
(10) ((الآداب الشرعية)) لابن مفلح (2/ 61).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،وسائل اكتساب الورع
ذكر الحكيم الترمذي بعض الوسائل في اكتساب الورع فقال: (فالورع من التورع يكون بخمسة أشياء:
أحدهما: بالعلم.
الثاني: بتذكره منه لما عليه ورغبته فيما له.
والثالث: بتذكره عظمة الله، وجلاله وقدرته وسلطانه،
والرابع: بتذكره استحيائه من الملك الجبار.
والخامس: بتذكره خوفه من غضب الله عليه، وبقائه له على الشبه) (1).

(1) ((العقل والهوى)) للحكيم الترمذي.،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،نماذج من ورع النبي صلى الله عليه وسلم:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة في الورع فكان زاهدا ورعاً، وقد ضرب لنا نموذجاً أعلى في الورع فهذا أنس رضي الله عنه يحكي لنا مشهد من مشاهد الورع فيقول:
- ((مر النبي صلى الله عليه وسلم بتمرة مسقوطة فقال: لولا أن تكون صدقة لأكلتها)) (1).
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إني لأنقلب إلى أهلي، فأجد التمرة ساقطة على فراشي فأرفعها لآكلها ثم أخشى أن تكون صدقة فألقيها)) (2).
قال ابن حجر: (والنكتة في ذكره هنا ما فيه من تعيين المحل الذي رأى فيه التمرة وهو فراشه صلى الله عليه وسلم ومع ذلك لم يأكلها وذلك أبلغ في الورع) (3).
وقال المهلب (إنما تركها صلى الله عليه وسلم تورعا وليس بواجب لأن الأصل أن كل شيء في بيت الإنسان على الإباحة حتى يقوم دليل على التحريم) (4).
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه ((أنّ الحسن بن عليّ رضي الله عنهما أخذ تمرة من تمر الصّدقة فجعلها في فيه، فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالفارسيّة: كخ، كخ أما تعرف أنّا لا نأكل الصّدقة)) (5).
- وعن رجل من الأنصار قال خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في جنازة فرأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو على القبر يوصي الحافر ((أوسع من قبل رجليه أوسع من قبل رأسه فلما رجع استقبله داعي امرأة فجاء وجيء بالطعام فوضع يده ثم وضع القوم فأكلوا فنظر آباؤنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يلوك لقمة في فمه ثم قال أجد لحم شاة أخذت بغير إذن أهلها فأرسلت المرأة قالت يا رسول الله إني أرسلت إلى البقيع يشترى لي شاة فلم أجد فأرسلت إلى جار لي قد اشترى شاة أن أرسل إلي بها بثمنها فلم يوجد فأرسلت إلى امرأته فأرسلت إلي بها. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أطعميه الأسارى)) (6).

(1) رواه البخاري (2055)، ومسلم (1071) واللفظ للبخاري.
(2) رواه البخاري (2432) ومسلم (1070).
(3) ((فتح الباري)) لابن حجر (4/ 294).
(4) ((فتح الباري)) لابن حجر (4/ 294).
(5) رواه البخاري (3072).
(6) رواه أبو داود (3332)، والدارقطني (5/ 514)، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (5/ 547) (10825). وصحح إسناده ابن الملقن في ((البدر المنير)) (5/ 296)، والرباعي في ((فتح الغفار)) (2/ 751)، والألباني في ((الإرواء)) (3/ 196).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،نماذج من ورع الصحابة:
1 - ورع أبي بكر رضي الله عنه:
- عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان لأبي بكرٍ الصديق رضي الله عنهُ، غلام يخرجُ لهُ الخرج وكان أبو بكرٍ يأكلُ من خراجه، فجاء يوماً بشيءٍ، فأكل منه أبو بكرٍ، فقال له الغلامُ: تدري ما هذا؟ فقال أبو بكرٍ؟ وما هو؟ قال: كنت تكهنت لإنسانٍ في الجاهلية وما أحسنُ الكهانةَ إلا أني خدعتهُ، فلقيني فأعطاني بذلك هذا الذي أكلت منهُ، فأدخل أبو بكرٍ يده فقاء كلَّ شيءٍ في بطنهِ (1).
2 - ورع عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
- عن عاصم بن عمر، عن عمر قال: (إنه لا أجده يحل لي أن آكل من مالكم هذا، إلا كما كنت آكل من صلب مالي: الخبز والزيت والخبز والسمن) قال: فكان ربما يؤتى بالجفنة قد صنعت بالزيت، ومما يليه منها سمن، فيعتذر إلى القوم ويقول: (إني رجل عربي، ولست أستمرئ الزيت) (2).
- وعن نافع أن عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه، كان فرض للمهاجرين الأولين أربعة آلاف في أربعة، وفرض لابن عمر ثلاثة آلاف وخمس مائة، فقيل له هو من المهاجرين فلم نقصته من أربعة آلاف، فقال: " إنما هاجر به أبواه يقول: ليس هو كمن هاجر بنفسه" (3).
قال ابن عثيمين: (وهذا يدل دلالة عظيمة على شدة ورع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وهكذا يجب على من تولى شيئاً من أمور المسلمين ألا يحابي قريباً لقربه، ولا غنياً لغناه، ولا فقيراً لفقره، بل ينزل كل أحد منزلته، فهذا من الورع والعدل، ولم يقل عبد الله بن عمر: يا أبت، أنا مهاجر ولو شئت لبقيت في مكة؛ بل وافق على ما فرضه له أبوه) (4).
3 - ورع عبد الله بن عمر رضي الله عنهما:
- عن قزعة، قال: رأيت على ابن عمر ثيابا خشنة أو جشبة فقلت له: إني قد أتيتك بثوب لين مما يصنع بخراسان، وتقر عيناي أن أراه عليك. قال: أرنيه. فلمسه، وقال: أحرير هذا؟ قلت: لا، إنه من قطن. قال: إني أخاف أن ألبسه، أخاف أكون مختالا فخورا، والله لا يحب كل مختال فخور (5).
- وعن طاووس قال: ما رأيت أورع من ابن عمر، ولا أعلم من ابن عباس (6).

(1) رواه البخاري (3842).
(2) رواه ابن أبي الدنيا في ((الورع)) (ص114).
(3) رواه البخاري (3912).
(4) ((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (3/ 508).
(5) رواه أبو نعيم في ((الحلية)) (1/ 302).
(6) ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (5/ 345).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،نماذج من ورع السلف
1 - ورع عمر بن عبد العزيز:
- عن ابن السماك قال: كان عمر بن عبد العزيز يقسم تفاحا بين الناس، فجاء ابن له وأخذ تفاحة من ذلك التفاح، فوثب إليه ففك يده فأخذ تلك التفاحة فطرحها في التفاح، فذهب إلى أمه مستغيثا فقالت له: مالك أي بني؟ فأخبرها، فأرسلت بدرهمين فاشترت تفاحا، فأكلت وأطعمته، ورفعت لعمر، فلما فرغ مما بين يديه دخل إليها، فأخرجت له طبقا من تفاح، فقال: (من أين هذا يا فاطمة؟) فأخبرته فقال: (رحمك الله، والله إن كنت لأشتهيه) (1).
- وعن فاطمة بنت عبد الملك قالت: اشتهى عمر بن عبد العزيز يوما عسلا فلم يكن عندنا، فوجهنا رجلا على دابة من دواب البريد إلى بعلبك، فأتى بعسل، فقلنا يوما: إنك ذكرت عسلا وعندنا عسل، فهل لك فيه؟ قال: (نعم). فأتيناه به فشرب، ثم قال: (من أين لكم هذا العسل؟) قالت: قلت وجهنا رجلا على دابة من دواب البريد بدينارين إلى بعلبك فاشترى لنا عسلا. قالت: فأرسل إلى الرجل فجاء، فقال: (انطلق بهذا العسل إلى السوق، فبعه، فاردد إلينا رأس مالنا، وانظر الفضل، فاجعله في علف دواب البريد، ولو كان ينفع المسلمين قيء لتقيأت) (2).
2 - ورع محمد بن سيرين:
- عن العلاء بن زياد أنه كان يقول (لو كنت متمنيا لتمنيت فقه الحسن وورع ابن سيرين وصواب مطرف وصلاة مسلم بن يسار) (3).
- وعن عاصم قال: (سمعت مورقا العجلي يقول: ما رأيت أحدا أفقه في ورعه، ولا أورع في فقهه من محمد بن سيرين. وقال عاصم: وذكر محمد عند أبي قلابة، فقال: اصرفوه كيف شئتم، فلتجدنه أشدكم ورعا، وأملككم لنفسه) (4).
- وقال بكر بن عبد الله المزني: (من أراد أن ينظر إلى أورع من أدركنا، فلينظر إلى محمد بن سيرين. وقال هشام بن حسان: كان محمد يتجر، فإذا ارتاب في شيء، تركه) (5).
- وعن هشام بن حسان: (أن ابن سيرين اشترى بيعا من منونيا (6)، فأشرف فيه على ربح ثمانين ألفا، فعرض في قلبه شيء، فتركه. قال هشام: ما هو – والله - بربا.
- وقال: محمد بن سعد: سألت الأنصاري عن سبب الدين الذي ركب محمد بن سيرين حتى حبس؟ قال: اشترى طعاما بأربعين ألفا، فأخبر عن أصل الطعام بشيء، فكرهه، فتركه، أو تصدق به، فحبس على المال، حبسته امرأة، وكان الذي حبسه مالك بن المنذر. وقال هشام: ترك محمد أربعين ألفا في شيء ما يرون به اليوم بأسا) (7).
3 - ورع امرأة من الصالحات:
عن العباس بن سهم قال: (أن امرأة من الصالحات أتاها نعي زوجها وهي تعجن، فرفعت يديها من العجين، وقالت هذا طعام قد صار لنا فيه شريك) (8).

(1) ((الورع)) لابن أبي الدنيا (ص: 124).
(2) ((الورع)) لابن أبي الدنيا (ص: 124).
(3) ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (8/ 73).
(4) ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (8/ 186).
(5) ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (8/ 191).
(6) منونيا: قرية من قرى " نهر الملك " كانت أولا مدينة ولها ذكر في أخبار الفرس.
(7) ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (8/ 192).
(8) ((الورع)) لابن أبي الدنيا (ص: 99).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،نماذج من ورع العلماء المتقدمين
1 - ورع عبد الله بن المبارك:
- عن الحسن بن عرفة قال: (قال لي ابن المبارك: استعرت قلما بأرض الشام، فذهبت على أن أرده، فلما قدمت مرو، نظرت، فإذا هو معي، فرجعت إلى الشام حتى رددته على صاحبه) (1).
- وقال الحسن بن الربيع: (لما احتضر ابن المبارك في السفر، قال: أشتهي سويقا. فلم نجده إلا عند رجل كان يعمل للسلطان، وكان معنا في السفينة، فذكرنا ذلك لعبد الله، فقال: دعوه. فمات ولم يشربه) (2).
2 - ورع أبي وائل شقيق بن سلمة:
(كان أبو وائل يقول لجاريته، إذا جاء يحيى – يعني ابنه – بشيء فلا تقبليه، وإذا جاء أصحابي بشيء، فخذيه. وكان ابنه قاضيا على الكناسة.
قال: وكان لأبي وائل -رحمه الله- خص من قصب، يكون فيه هو وفرسه، فإذا غزا نقضه، وتصدق به، فإذا رجع أنشأ بناءه.
قلت:- القائل الذهبي - قد كان هذا السيد رأسا في العلم والعمل) (3).

(1) ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (15/ 411).
(2) ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (15/ 428).
(3) ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (7/ 181).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،الورع يكون عن المحرمات والمكروهات
قال ابن تيمية: (الورع من باب وجود النفرة والكراهة للمتورع عنه وانتفاء الإرادة إنما يصلح فيما ليس فيه منفعة خالصة أو راجحة. وأما وجود الكراهة فإنما يصلح فيما فيه مضرة خالصة أو راجحة فأما إذا فرض ما لا منفعة فيه ولا مضرة أو منفعته ومضرته سواء من كل وجه؛ فهذا لا يصلح أن يراد ولا يصلح أن يكره فيصلح فيه الزهد ولا يصلح فيه الورع فظهر بذلك أن كل ما يصلح فيه الورع يصلح فيه الزهد من غير عكس وهذا بين. فإن ما صلح أن يكره وينفر عنه صلح ألا يراد ولا يرغب فيه فإن عدم الإرادة أولى من وجود الكراهة؛ ووجود الكراهة مستلزم عدم الإرادة من غير عكس. وليس كل ما صلح ألا يراد يصلح أن يكره؛ بل قد يعرض من الأمور ما لا تصلح إرادته ولا كراهته ولا حبه ولا بغضه ولا الأمر به ولا النهي عنه. وبهذا يتبين: أن الواجبات والمستحبات لا يصلح فيها زهد ولا ورع؛ وأما المحرمات والمكروهات فيصلح فيها الزهد والورع. وأما المباحات فيصلح فيها الزهد دون الورع وهذا القدر ظاهر تعرفه بأدنى تأمل) (1).

(1) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (10/ 618).،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،الورع في واحة الشعر ..
قال سفيان الثوري:
إني وجدت فلا تظنوا غيره ... هذا التورع عند هذا الدرهم (1).
وقال الشاعر:
لا تطل الشكوى ففيه التلف ... والشكر لله الغني شرف
لا يفسد دين الورى إلا الطمع ... حقا ولا يصلحه إلا الورع (2).
وقال آخر:
هل لكم بالله في بدعتكم ... من فقيه أو إمام يتبع
مثل سفيان أخي الثوري الذي ... علم الناس خفيات الورع (3).
وقال علي بن محمد العلوي الجمال:
وذي حسد يغتابني حيث لا يرى ... مكاني ويثني صالحا حيث أسمع
تورعت أن أغتابه من ورائه ... وها هو ذا يغتابني متورع (4).
وقال آخر:
تورع ودع ما قد يريبك كله ... جميعا إلى ما لا يريبك تسلم
وحافظ على أعضائك السبع جملة ... وراع حقوق الله في كل مسلم
وكن راضيا بالله ربا وحاكما ... وفوض إليه في الأمور وسلم (5).
وقال أبو عبد الله الواسطي:
ليس الظريف بكامل في ظرفه ... حتى يكون عن الحرام عفيفا
فإذا تورع عن محارم ربه ... فهناك يدعى في الأنام ظريفا (6).
وقال آخر:
جليل العطايا في دقيق التورع ... فدقق تنل عالي المقام المرفع
وتسلم من المحظور في كل حالة ... وتغنم من الخيرات في كل موضع
وتحمد جميل السعي بالفوز في غد ... فسارع إليه اليوم مع كل مسرع
ولا تك مثلي وابناً متخلقاً ... لجوهر عمر عن شر مضيع (7). ...

(1) ((مختصر شعب الإيمان للبيهقي)) لأبي القاسم الكرخي (ص86).
(2) ((موارد الظمآن لدروس الزمان)) لعبد العزيز السلمان (3/ 43)
(3) ((تحريم النظر في كتب الكلام)) لابن قدامة المقدسي (ص 40 – 41)
(4) ((شعب الإيمان)) للبيهقي (9/ 29) برقم (6215)
(5) ((طبقات صلحاء اليمن)) لعبد الوهاب السكسكي (1/ 301).
(6) ((الظرف والظرفاء)) لأبي الطيب الوشاء (ص 53).
(7) ((مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة ما يعتبر من حوادث الزمان)) لأبي محمد عفيف اليافعي (2/ 126).