السبت، 24 نوفمبر 2012

موسوعة الأخلاق الإسلامية : الكبر

الكبر

معنى الكبر لغة واصطلاحاً
معنى الكبر لغة:
مادة (كبر) تدل على خِلاف الصِّغَر. يقال: هو كَبيرٌ، وكُبَار، وكُبَّار. قال الله تعالى: وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً [نوح: 22]. والكِبْرُ: مُعظَم الأمر، قوله عزّ وعلاَ: والَّذِي تَوَلّى كِبْرَهُ [النور: 11]، أي مُعظَم أمرِه (1).
قال الفيومي: (الكبر بالكسر اسم من التكبر وقال ابن القوطية الكبر اسم من كبر الأمر والذنب كبرا إذا عظم والكبر العظمة والكبرياء مثله وكابرته مكابرة غالبته مغالبة وعاندته) (2).
معنى الكبر اصطلاحاً:
معنى الكبر جاء تعريفه في الحديث فقال صلى الله عليه وسلم: الكبر بطر الحق وغمط الناس (3).
وقال صاحب تاج العروس: الكِبْرُ: حالةٌ يتخصّص بها الإنسان من إعجابه بنفسه، وأن يرى نفسَه أَكْبَر من غيره (4).
وقيل الكبر هو: (استعظام الإنسان نفسه واستحسان ما فيه من الفضائل والاستهانة بالناس واستصغارهم والترفع على من يجب التواضع له) (5).

(1) ((معجم مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/ 153).
(2) ((المصباح المنير في غريب الشرح الكبير)) (2/ 523).
(3) رواه مسلم (91).
(4) ((تاج العروس من جواهر القاموس)) (14/ 8).
(5) ((تهذيب الأخلاق)) للجاحظ (ص 32).

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
الفرق بين الكبر ومرادفاته
الفرق بين الكبر والزهو:
الفرق بين الكبر والزهو: أن الكبر إظهار عظم الشأن وهو فينا خاصة رفع النفس فوق الاستحقاق، والزهو على ما يقتضيه الاستعمال رفع شيء إياها من مال أو جاه وما أشبه ذلك ألا ترى أنه يقال زها الرجل وهو مزهو كأن شيئا زهاه أي رفع قدره عنده وهو من قولك زهت الريح الشيء إذا رفعته، والزهو التزيد في الكلام (1).
الفرق بين الكبر والكبرياء:
أن الكبر ما ذكرناه والكبرياء هي العز والملك وليست من الكبر في شيء والشاهد قوله تعالى: وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ [يونس:78] " يعني الملك والسلطان والعزة، وأما التكبر فهو إظهار الكبر مثل التشجع إظهار الشجاعة إلا أنه في صفات الله تعالى بمعنى أنه يحق له أن يعتقد أنه الكبير وهو على معنى قولهم تقدس وتعالى، لا على ترفع علينا وتعظيم.
وقيل المتكبر في صفاته بمعنى أنه المتكبر عن ظلم عباده (2).
وقال أبو العباس القرطبي رحمه الله تعالى:
الكِبْرُ وَالكِبْرِيَاء في اللغة: هو العظمة، يقال منه: كَبُرَ الشيءُ، بضمِّ الباء، أي: عَظُمَ، فهو كبيرٌ وكُبَار، فإذا أفرَطَ قيل: كُبَّار، بالتشديد؛ وعلى هذا يكونُ الكِبْرُ والعظمةُ اسمَيْن لمسمًّى واحد.
وقد جاء في الحديث ما يُشْعِر بالفرق بينهما؛ وذلك أنَّ الله تعالى قال: الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي، والْعَظَمَةُ إِزَارِي، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا، قَصَمْتُهُ؛ فقد فرَّق بينهما بأنْ عبَّر عن أحدهما بالرداء، وعن الآخر بالإزار، وهما مختلفان، ويَدُلُّ أيضًا على ذلك: قوله تعالى: فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا؛ إذ لو كانا واحدًا، لقال: فمَنْ نازعنيه (3).
الفرق بين الكبر والتيه:
أن الكبر هو إظهار عظم الشأن وهو في صفات الله تعالى مدح لأن شأنه عظيم، وفي صفاتنا ذم لأن شأننا صغير وهو أهل للعظمة ولسنا لها بأهل، والشأن هاهنا معنى صفاته التي هي في أعلى مراتب التعظيم ويستحيل مساواة الأصغر له فيها على وجه من الوجوه، والكبير الشخص والكبير في السن والكبير في الشرف والعلم يمكن مساواة الصغير له، أما في السن فبتضاعف مدة البقاء في الشخص تتضاعف أجزاؤه، وأما بالعلم فباكتساب مثل ذلك العلم.
والتيه أصله الحيرة والضلال وإنما سمي المتكبر تائها على وجه التشبيه بالضلال والتحير ولا يوصف الله به، والتيه من الأرض ما يتحير فيه وفي القرآن (يتيهون في الأرض) (1) أي يتحيرون (4).
الفرق بين الجبروت والجبرية والكبر:
الفرق بين الجبرية والجبروت والكبر: أن الجبرية أبلغ من الكبر وكذلك الجبروت ويدل على هذا فخامة لفظها وفخامة اللفظ تدل على فخامة المعنى فيما يجري هذا المجرى، (5).
الفرق بين العجب والكبر:
أن العجب بالشيء شدة السرور به حتى لا يعادله شيء عند صاحبه تقول هو معجب بفلانة إذا كان شديد السرور بها، وهو معجب بنفسه إذا كان مسرورا بخصالها.
ولهذا يقال أعجبه كما يقال سر به فليس العجب من الكبر في شيء، وقال علي بن عيسى: العجب عقد النفس على فضيلة لها ينبغي أن يتعجب منها وليست هي لها. (6)
الفرق بين الاستنكاف والاستكبار والتكبر:
والاستنكاف تكبر في تركه أنفة وليس في الاستكبار ذلك وإنما يستعمل الاستكبار حيث لا استخفاف بخلاف التكبر فإنه قد يكون باستخفاف والتكبر هو أن يرى المرء نفسه أكبر من غيره والاستكبار طلب ذلك بالتشبع وهو التزين بأكثر ما عنده (7)

(1) ((الفروق اللغوية)) (1/ 445).
(2) ((الفروق اللغوية)) لأبي هلال العسكري (1/ 445).
(3) ((المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم)) (1/ 286).
(4) ((الفروق اللغوية)) (1/ 444).
(5) ((الفروق اللغوية)) (1/ 154 - 155).
(6) ((الفروق اللغوية)) (1/ 352).
(7) كتاب ((الكليات)) لأبى البقاء الكفوي (1/ 18).

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
أسماء الكبر والمتكبر
أسماء المتكبر: الطاغية, الأشوز, الشمخر, السامد, السمغد, النفاخ, أصيد, أسوس, أصور, أزور, العنجهي, الجفاخ, المطاخ, البلخ, الأزوش, النابخة, المصبوع, الغطرس, الغطريس.
أسماء التكبر:
التغطرس, التغطرق, التصلف, الزهو, الجمخ, الشمخرة, الغترفة, الغطرفة, الفجس, التفجس, التغترف, التغطرف, البهلكة, التطاول, التبختر هو الشمخ بالأنف, الذيخ, الطرمحانية, الخيلاء, الخيل, الخيلة, المخيلة, الأخيل, العبية, الغطرسة, الصبع, المصبغة. (1)
ترتيب أوصاف الكِبْرِ:
يقال: (رَجُل مُعْجَب, ثُمَّ تائِهٌ, ثُمَّ مَزْهُوٌّ ومَنْخُوٌّ مِنَ الزَّهْوِ والنَّخْوَةِ, ثُمَّ بِاذِخ مِن البَذَخِ, ثُمَّ أَصْيَدُ إذا كَانَ لا يلتَفِتُ يَمْنَةً وَيسْرَةً مِنْ كِبْرِهِ, ثُمَّ مُتَغَطْرِف إذا تَشبَّهَ بالغَطَارِفَةِ كِبْراً, ثُمَّ متَغَطْرِس إِذَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ). (2)

(1) ((معجم أسماء الأشياء المسمى اللطائف في اللغة)) (1/ 121).
(2) ((فقه اللغة)) (ص110).


،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
ذم الكبر والنهي عنه في القرآن والسنة
ذم الكِبْرِ والنهي عنه من القرآن الكريم:
ورد ذكر الكبر في القرآن في أكثر من موضع كلها تذمه وتذم المتخلقين به, وتمدح تاركيه, وتبين أنه سبب في هلاك الأمم ودمار القرى:
- فالكبر يعتبر من أول الذنوب التي عصي الله تبارك وتعالى بها, قال الله تعالى مبيناً سبب امتناع إبليس عن السجود لآدم: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ [البقرة: 34].
قال الإمام الطبري رحمه الله تعالى: (وهذا، وإن كان من الله جل ثناؤه خبرًا عن إبليس، فإنه تقريعٌ لضُربائه من خلق الله الذين يتكبرون عن الخضوع لأمر الله، والانقيادِ لطاعته فيما أمرهم به وفيما نهاهم عنه، والتسليم له فيما أوجب لبعضهم على بعض من الحق) (1).
وقال عوف بن عبد الله للفضل بن المهلب: إني أريد أن أعظك بشيء، إياك والكبر فإنه أول ذنب عصى الله به إبليس، ثم قرأ: وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ [البقرة: 34] (2).
- والكبر سبب رئيس في هلاك الأمم السابقة: فهؤلاء قوم نوح ما منعهم عن قبول الدعوة والاستماع لنداء الفطرة والإيمان إلا الكبر فقد قال الله تعالى على لسان نبيهم نوح عليه السلام: وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا [نوح: 7].
وهؤلاء قوم عاد ظنوا بسبب تكبرهم أنهم أقوى من في الوجود فقد قال الله عنهم: فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ [فصلت: 15 – 17].
ويأتي ثمود من بعدهم فينهجون نفس النهج في الاستكبار والتعالي, فيردون دعوة الله عز وجل ويكذبون نبيه عليه السلام: قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ [الأعراف: 75 - 76].
وقال الله تعالى عن قوم نبي الله شعيب عليه السلام: قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ [الأعراف: 88].

(1) ((جامع البيان)) للطبري (1/ 510).
(2) ((مفاتيح الغيب)) (3/ 645).

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
 أما فرعون فقد ملأ الدنيا كبراً وعجباً وخيلاء حتى وصل به الحال أن ادعى الربوبية والألوهية: قال الله تبارك وتعالى: وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ [القصص: 38 – 40].
- والكبر سبب في الإعراض عن آيات الله والصد عنها, قال الله تبارك وتعالى: وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [الجاثية: 7 - 8]
- وهو سبب للصرف عن دين الله: قال الله تبارك وتعالى: سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ [الأعراف: 146].
- وهو سبب لدخول النار والخلود فيها قال الله تبارك وتعالى: وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ [الأحقاف: 20].
ذم الكِبْرِ والنهي عنه من السنة النبوية:
- عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: ((لاَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ كَانَ في قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّة مِنْ كِبْرٍ! فَقَالَ رَجُلٌ: إنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَناً، ونَعْلُهُ حَسَنَةً؟ قَالَ: إنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمَالَ، الكِبْرُ: بَطَرُ الحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ)) (1).
قال الإمام النووي رحمه الله في شرح الحديث: (قد اختلف في تأويله. فذكر الخطابي فيه وجهين:
أحدهما: أن المراد التكبر عن الإيمان فصاحبه لا يدخل الجنة أصلا إذا مات عليه.
والثاني: أنه لا يكون في قلبه كبر حال دخوله الجنة، كما قال الله تعالى: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ [الأعراف: 43].
وهذان التأويلان فيهما بعد فإن هذا الحديث ورد في سياق النهي عن الكبر المعروف وهو الارتفاع على الناس، واحتقارهم، ودفع الحق، فلا ينبغي أن يحمل على هذين التأويلين المخرجين له عن المطلوب. بل الظاهر ما اختاره القاضي عياض وغيره من المحققين أنه لا يدخل الجنة دون مجازاة إن جازاه. وقيل: هذا جزاؤه لو جازاه، وقد يتكرم بأنه لا يجازيه، بل لا بد أن يدخل كل الموحدين الجنة إما أولا، وإما ثانيا بعد تعذيب بعض أصحاب الكبائر الذين ماتوا مصرين عليها. وقيل: لا يدخل مع المتقين أول وهلة.) (2)

(1) رواه مسلم (91).
(2) ((شرح النووي على مسلم)) (2/ 91).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: (فسر النبي الكبر بضده فقال: الكبر بطر الحق وغمص الناس فبطر الحق: رده وجحده والدفع في صدره كدفع الصائل وغمص الناس احتقارهم وازدراؤهم ومتى احتقرهم وازدراهم: دفع حقوقهم وجحدها واستهان بها) (1).
- وعن حارثة بن وهب الخزاعي - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ألا أخبركم بأهل الجنة؟ كل ضعيف متضاعف؛ لو أقسم على الله لأبره، ألا أخبركم بأهل النار؟ كل عتل جواظ مستكبر)) (2).
- وعن أَبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: ((احْتَجّتِ الجَنَّةُ وَالنَّارُ، فَقَالَت النَّارُ: فيَّ الْجَبَّارُونَ والمُتَكَبِّرُونَ. وقالتِ الجَنَّةُ: فيَّ ضُعفاءُ الناس ومساكينُهُم، فقضى اللهُ بَينهُما: إنكِ الجنّةُ رَحْمَتِي أرْحَمُ بِك مَنْ أشَاءُ، وَإنَّكِ النَّارُ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أشَاءُ، وَلِكِلَيْكُمَا عَلَيَّ مِلْؤُهَا)) (3).
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَة، وَلاَ يُزَكِّيهِمْ، وَلاَ يَنْظُرُ إلَيْهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ: شَيْخٌ زَانٍ، وَمَلِكٌ كَذَّابٌ، وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ)) (4).
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (فهؤلاء الثلاثة اشتركوا في هذا الوعيد واشتركوا في فعل هذه الذنوب مع ضعف دواعيهم؛ فإن داعية الزنا في الشيخ ضعيفة وكذلك داعية الكذب في الملك ضعيفة؛ لاستغنائه عنه وكذلك داعية الكبر في الفقير فإذا أتوا بهذه الذنوب مع ضعف الداعي دل على أن في نفوسهم من الشر الذي يستحقون به من الوعيد ما لا يستحقه غيرهم) (5).
- وعن سَلَمةَ بنِ الأكْوَعِ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لاَ يَزَالُ الرَّجُلُ يَذْهَبُ بِنَفْسِهِ حَتَّى يُكْتَبَ في الجبَّارِين، فَيُصيبَهُ مَا أصَابَهُمْ)) (6).
قال المظهر وغيره الباء للتعدية، أي يعلي نفسه ويرفعها ويبعدها عن الناس في المرتبة ويعتقدها عظيمة القدر, أو للمصاحبة أي يرافق نفسه في ذهابها إلى الكبر ويعززها ويكرمها كما يكرم الخليل الخليل حتى تصير متكبرة .. (7).

(1) ((مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين)) (2/ 318).
(2) رواه البخاري (4918)، ومسلم (2853).
(3) رواه مسلم (2846).
(4) رواه مسلم (107).
(5) ((مجموع الفتاوى)) (18/ 14).
(6) رواه الترمذي (2000)، والروياني في ((مسنده)) (2/ 258) , وحسنه الترمذي، وضعفه الألباني في ((ضعيف الترغيب)) (1744).
(7) ((تحفة الأحوذي)) (6/ 117).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،أقوال السلف والعلماء في الكبر والمتكبرين
- قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (إنّ العبد إذا تواضع لله رفع الله حكمتهُ وقال له انتعش نعشك الله فهو في نفسه حقير وفي أعين الناس كبير وإذا تكبَّر وعتا وَهَصَهُ الله إلى الأرض وقال له اخسأ خسأكَ اللهُ فهو في نفسه كبير وفي أعين الناس حقير حتى يكون عندهم أحقر من الخنزير) (1).
- وعوتب علي رضي الله عنه في لبوسه فقال: إن لبوسي هذا أبعد من الكبر وأجدر أن يقتدي بي المسلم (2).
- وقال الحسن: إن أقواما جعلوا الكبر في قلوبهم والتواضع في ثيابهم فصاحب الكساء بكسائه أعجب من صاحب المطرف بمطرفه ما لم تفاقروا (3).
- وقال وهب لما خلق الله جنة عدن نظر إليها فقال أنت حرام على كل متكبر (4).
- وقال يحيى بن جعدة: من وضع وجهه لله عز وجل ساجدا فقد برئ من الكبر (5).
- وقال أبو عثمان النيسابوري رحمه الله: ما ترك أحد شيئًا من السنة إلا لكبر في نفسه ثم هذا مظنة لغيره، فينسلخ القلب عن حقيقة اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، ويصير فيه من الكبر وضعف الإيمان ما يفسد عليه دينه، أو يكاد، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا (6).
- وقال الأحنف بن قيس: عجبا لابن آدم يتكبر وقد خرج من مجرى البول مرتين (7).
- وقال محمد بن الحسين بن علي: ما دخل قلب امرئ شيء من الكبر قط إلا نقص من عقله بقدر ما دخل من ذلك أو كثر (8).
- وسئل سليمان عن السيئة التي لا تنفع معها حسنة فقال: الكبر (9).
- وقال النعمان بن بشير على المنبر إن للشيطان مصالي وفخوخا وإن من مصالي الشيطان وفخوخه البطر بأنعم الله والفخر بإعطاء الله والكبر على عباد الله واتباع الهوى في غير ذات الله (10).
- وقال سَعد بن أبي وَقّاص لابنه: يا بُني: إيّاك والكِبرَ، ولْيكُنْ فيما تَسْتَعِين به على تَرْكه: عِلْمُك بالذي منه كنتَ، والذي إليه تَصِير، وكيف الكِبْر مع النُّطْفة التي منها خُلِقتَ، والرحِم التي منها قُذِفْت، والغِذَاء الذي به غُذِيت (11).
- ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فَإِنَّ الْكِبْرَ يُنَافِي حَقِيقَةَ الْعُبُودِيَّةِ , كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ: عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ((يَقُولُ اللَّهُ: الْعَظَمَةُ إزَارِي وَالْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا عَذَّبْته)) (12) فَالْعَظَمَةُ وَالْكِبْرِيَاءُ مِنْ خَصَائِصِ الرُّبُوبِيَّةِ , وَالْكِبْرِيَاءُ أَعْلَى مِنْ الْعَظَمَةِ; وَلِهَذَا جَعَلَهَا بِمَنْزِلَةِ الرِّدَاءِ, كَمَا جَعَلَ الْعَظَمَةَ بِمَنْزِلَةِ الْإِزَارِ (13).

(1) رواه ابن أبي شيبة (7/ 96) (34461)، وأبو داود في ((الزهد)) (ص85)، والبيهقي في ((الشعب)) (10/ 454).
(2) رواه أحمد في ((فضائل الصحابة)) (1/ 542) (908).
(3) ((التواضع والخمول)) (ص: 90).
(4) ((إحياء علوم الدين)) (3/ 338).
(5) ((التواضع والخمول)) (ص: 262).
(6) ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (2/ 120).
(7) ((إحياء علوم الدين)) 3/ 338).
(8) ((إحياء علوم الدين)) (3/ 339).
(9) ((إحياء علوم الدين)) (3/ 339).
(10) ((إحياء علوم الدين)) (3/ 339).
(11) العقد الفريد (2/ 197).
(12) رواه مسلم (2620) بلفظ مقارب، من حديث أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنه. ورواه أبو داود (4090)، وابن ماجه (4174)، وأحمد (2/ 376) (8881) باختلاف يسير أيضا، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(13) ((العبودية)) لابن تيمية (ص99).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،حكم الكبر
وحسب هذه الأنواع المذكورة آنفاً يكون الحكم على هذه الصفة الرديئة والسجية المذمومة, إذ أن هناك من الكبر ما يكون كفراً أكبر مخرجاً من الملة يستحق صاحبه الخلود في النار, وهناك ما يكون صاحبه مرتكباً لكبيرة من الكبائر يستحق العقوبة ومع ذلك هو تحت مشيئة الله تبارك وتعالى إن شاء عذبه وإن شاء غفر له, وتفصيل ذلك يتحدث عنه أبو العباس القرطبي رحمه الله فيقول:
(لما تقرَّر أنَّ الكِبْرَ يستدعي متكبَّرًا عليه، فالمتكبَّرُ عليه:
إنْ كان هو اللهَ تعالى، أو رُسُلَهُ، أو الحَقَّ الذي جاءتْ به رسلُهُ: فذلك الكِبْرُ كُفْر.
وإن كان غَيْرَ ذلك: فذلك الكِبْرُ معصيةٌ وكبيرة، يُخَافُ على المتلبِّس بها المُصِرِّ عليها أنْ تُفْضِيَ به إلى الكُفْر، فلا يدخُلُ الجنَّة أبدًا.
فإن سَلِمَ مِنْ ذلك، ونفَذَ عليه الوعيد، عوقبَ بالإذلالِ والصَّغَارْ، أو بما شاء اللهُ مِنْ عذابِ النارْ، حتَّى لا يبقى في قلبه مِنْ ذلك الكِبْرِ مثقالُ ذَرَّه، وخَلُصَ من خَبَثِ كِبْره حتى يصيرَ كالذَّرَّهِ؛ فحينئذ يتداركُهُ الله تعالى برحمتِهْ، ويخلِّصُهُ بإيمانِهِ وبركتِهْ. وقد نصَّ على هذا المعنى النبيُّ صلى الله عليه وسلم في المحبوسين على الصِّرَاط لما قال: حَتَّى إِذَا هُذِّبُوا وَنُقُّوا، أُذِنَ لَهُمْ فِي دُخُولِ الجَنَّةِ، والله تعالى أعلم) (1).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: (فالذي في قلبه كبر، إما أن يكون كبرا عن الحق وكراهة له، فهذا كافر مخلد في النار ولا يدخل الجنة، لقول الله تعالى: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ [محمد:9]، ولا يحبط العمل إلا بالكفر لقوله تعالى: وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة: 217] وأما إذا كان كبرا على الخلق وتعاظما على الخلق، لكنه لم يستكبر عن عبادة الله فهذا لا يدخل الجنة دخولا كاملا مطلقا لم يسبق بعذاب بل لابد من عذاب على ما حصل من كبره وعلوائه على الخلق ثم إذا طهر دخل الجنة) (2).

(1) الحديث رواه البخاري (2440).
(2) ((شرح رياض الصالحين)) (3/ 542).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،أقسام الكبر
ينقسم الكبر إلى ثلاثة أقسام بعضها أشد من بعض وإن كانت كلها مذمومة إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والناس جميعاً, وقد ذكر هذه الأقسام ابن حجر الهيتمي في كتابه الزواجر عن اقتراف الكبائر فقال: (الْكِبْرُ:
- إمَّا عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى - وَهُوَ أَفْحَشُ أَنْوَاعِ الْكِبْرِ. كَتَكَبُّرِ فِرْعَوْنَ وَنُمْرُودَ حَيْثُ اسْتَنْكَفَا أَنْ يَكُونَا عَبْدَيْنِ لَهُ تَعَالَى وَادَّعَيَا الرُّبُوبِيَّةَ، قَالَ تَعَالَى: إنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر: 60] أَيْ صَاغِرِينَ. لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ الْآيَةَ [النساء: 172].
- وَإِمَّا عَلَى رَسُولِهِ بِأَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ الِانْقِيَادِ لَهُ تَكَبُّرًا جَهْلًا وَعِنَادًا كَمَا حَكَى اللَّهُ ذَلِكَ عَنْ كُفَّارِ مَكَّةَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْأُمَمِ.
- وَإِمَّا عَلَى الْعِبَادِ بِأَنْ يَسْتَعْظِمَ نَفْسَهُ وَيَحْتَقِرَ غَيْرَهُ وَيَزْدَرِيَهُ فَيَأْبَى عَلَى الِانْقِيَادِ لَهُ أَوْ يَتَرَفَّعَ عَلَيْهِ وَيَأْنَفَ مِنْ مُسَاوَاتِهِ، وَهَذَا، وَإِنْ كَانَ دُونَ الْأَوَّلَيْنِ إلَّا أَنَّهُ عَظِيمٌ إثْمُهُ أَيْضًا لِأَنَّ الْكِبْرِيَاءَ وَالْعَظَمَةَ إنَّمَا يَلِيقَانِ بِالْمَلِكِ الْقَادِرِ الْقَوِيِّ الْمَتِينِ دُونَ الْعَبْدِ الْعَاجِزِ الضَّعِيفِ، فَتَكَبُّرُهُ فِيهِ مُنَازَعَةٌ لِلَّهِ فِي صِفَةٍ لَا تَلِيقُ إلَّا بِجَلَالِهِ، فَهُوَ كَعَبْدٍ أَخَذَ تَاجَ مَلِكٍ وَجَلَسَ عَلَى سَرِيرِهِ فَمَا أَعْظَمَ اسْتِحْقَاقَهُ لِلْمَقْتِ وَأَقْرَبَ اسْتِعْجَالَهُ لِلْخِزْيِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ تَعَالَى كَمَا مَرَّ فِي أَحَادِيثَ: إنَّ مَنْ نَازَعَهُ الْعَظَمَةَ وَالْكِبْرِيَاءَ أَهْلَكَهُ، أَيْ لِأَنَّهُمَا مِنْ صِفَاتِهِ الْخَاصَّةِ بِهِ تَعَالَى) (1).

(1) ((الزواجر عن اقتراف الكبائر)) فقال: (1/ 118).،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،من آثار وأضرار الكبر
(وللتكبر في الأرض بغير الحق آثار ضارة، منها:
1. الحرمان من النظر والاعتبار:
أي أن الأثر الأول الذي يتركه التكبر على العاملين: إنما هو الحرمان من النظر والاعتبار ... ومن حرم النظر والاعتبار، كانت عاقبته البوار والخسران المبين، لأنه سيبقى مقيماً على عيوبه وأخطائه، غارقاً في أوحاله، حتى تنتهي الحياة.
2. القلق والاضطراب النفسي:
ذلك أن المتكبر يحب - إشباعاً لرغبة الترفع والتعالي أن يحني الناس رؤوسهم له، وأن يكونوا دوماً في ركابه، ولأن أعزة الناس وكرامهم يأبون ذلك، بل ليسوا مستعدين له أصلاً، فإنه يصاب بخيبة أمل، تكون عاقبتها القلق والاضطراب النفسي، هذا فضلاً عن أن اشتغال هذا المتكبر بنفسه يجعله في إعراض تام عن معرفة الله وذكره، وذلك له عواقب أدناها في هذه الدنيا القلق والاضطراب النفسي.
3. الملازمة للعيوب والنقائص:
وذلك أن المتكبر لظنه أنه بلغ الكمال في كل شيء لا يفتش في نفسه، حتى يعرف أبعادها ومعالمها، فيصلح ما هو في حاجة منها إلى إصلاح، ولا يقبل كذلك نصحاً أو توجيهاً أو إرشاداً من الآخرين، ومثل هذا يبقى غارقاً في عيوبه ونقائصه، ملازماً لها إلى أن تنقضي الحياة، ويدخل النار مع الداخلين.
4. الحرمان من الجنة واستحقاق العذاب في النّار:
وذلك أمر بدهي، فإن من يعتدي على مقام الألوهية، ويظل مقيماً على عيوبه ورذائله، ستنتهي به الحياة حتماً وما حصل خيراً يستحق به ثواباً أو مكافأة فيحرم الجنة مؤبداً أو مؤقتاً.
5. قلة كسب الأنصار بل والفرقة والتمزق, والشعور بالعزلة:
ذلك أن القلوب جبلت على حب من ألان لها الجانب، وخفض لها الجناح، ونظر إليها من دون لا من علٍ.
6. الحرمان من العون والتأييد الإلهي:
ذلك أن الحق سبحانه مضت سنته أنه لا يعطى عونه وتأييده، إلا لمن هضموا نفوسهم حتى استخرجوا حظ الشيطان من نفوسهم بل حظ نفوسهم من نفوسهم، والمتكبرون قوم كبرت نفوسهم، ومن كانت هذه صفته، فلا حق له في عون أو تأييد إلهي (1).
7. سبيل إلى غضب الله والتعرض لسخطه.
8. مؤشر على ما تعانيه النفس من دناءة وانحطاط.
9. سبيل إلى البعد عن الله وعن طاعته, كما أنه سبيل إلى البعد عن الناس.
10. فيه هلاك للنفس وحرمانها, كما أنه يذهب ببركة العمر ويحرم من لذة الطاعة وبركة التواضع.

(1) ((آفات على الطريق)) لسيد محمد نوح –بتصرف.،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،درجات الكبر
يقول ابن قدامة المقدسي رحمه الله تعالى: (واعلم أن العلماء والعباد في آفة الكبر على ثلاثة درجات:
- الأولى: أن يكون الكبر مستقراً في قلب الإنسان منهم، فهو يرى نفسه خيراً من غيره، إلا أنه يجتهد ويتواضع، فهذا في قلبه شجرة الكبر مغروسة، إلا أنه قد قطع أغصانها.
- الثانية: أن يظهر لك بأفعاله من الترفع في المجالس، والتقدم على الأقران، والإنكار على من يقصر في حقه، فترى العالم يصعر خده للناس، كأنه معرض عنهم، والعابد يعيش ووجهه كأنه مستقذر لهم، وهذان قد جهلا ما أدب الله به نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، حين قال: وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الشعراء: 215]
- الدرجة الثالثة: أن يظهر الكبر بلسانه، كالدعاوى والمفاخر، وتزكية النفس، وحكايات الأحوال في معرض المفاخرة لغيره، وكذلك التكبر بالنسب، فالذي له نسب شريف يستحقر من ليس له ذلك النسب وإن كان أرفع منه عملا. قال ابن عباس: يقول الرجل للرجل: أنا أكرم منك، وليس أحد أكرم من أحد إلا بالتقوى. قال الله تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات: 13]. وكذلك التكبر بالمال، والجمال، والقوة، وكثرة الأتباع، ونحو ذلك، فالكبر بالمال أكثر ما يجري بين الملوك والتجار ونحوهم. والتكبر بالجمال أكثر ما يجري بين النساء، ويدعوهن إلى التنقص والغيبة وذكر العيوب. وأما التكبر بالأتباع والأنصار، فيجري بين الملوك بالمكاثرة بكثرة الجنود، وبين العلماء بالمكاثرة بالمستفيدين. (1)

(1) ((مختصر منهاج القاصدين)) (ص292 - 293).،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،مظاهر الكبر
هناك مظاهر وسمات تظهر على المتكبر في صفاته وحركاته وسكناته تدل على ما وصل إليه من الكبر والعجب بالنفس والازدراء للآخرين ومن ذلك:
- أن يحب قيام الناس له أو بين يديه:
وقد قال علي رضي الله عنه: (من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إلى رجل قاعد وبين يديه قوم قيام)
وقال أنس رضي الله عنه: (لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا إذا رأوه لم يقوموا له لما يعلمون من كراهته لذلك) (1).
- أن لا يمشي إلا ومعه غيره يمشي خلفه
قال أبو الدرداء رضي الله عنه: (لا يزال العبد يزداد من الله بعدا ما مشي خلفه) (2).
وكان عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه لا يعرف من عبيده إذ كان لا يتميز عنهم في صورة ظاهرة.
ومشى قوم خلف الحسن البصري فمنعهم وقال ما يبقي هذا من قلب العبد.
- أن لا يزور غيره وإن كان يحصل من زيارته خير لغيره في الدين وهو ضد التواضع
روي أن سفيان الثوري قدم الرملة فبعث إليه إبراهيم بن أدهم أن تعال فحدثنا فجاء سفيان فقيل له يا أبا إسحاق تبعث إليه بمثل هذا فقال أردت أن أنظر كيف تواضعه
- أن يستنكف من جلوس غيره بالقرب منه إلا أن يجلس بين يديه والتواضع خلافه
قال ابن وهب: جلست إلى عبد العزيز بن أبي رواد فمس فخذي فخذه فنحيت نفسي عنه فأخذ ثيابي فجرني إلى نفسه وقال لي: لم تفعلون بي ما تفعلون بالجبابرة وإني لا أعرف رجلا منكم شرا مني.
وقال أنس ((كانت الوليدة من ولائد المدينة تأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ينزع يده منها حتى تذهب به حيث تشاء)) (3).
- أن يتوقى من مجالسة المرضى والمعلولين ويتحاشى عنهم وهو الكبر
(دخل رجل وعليه جدري قد تقشر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده ناس من أصحابه يأكلون فما جلس إلى أحد إلا قام من جنبه فأجلسه النبي صلى الله عليه وسلم إلى جنبه) (4).
(وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما لا يحبس عن طعامه مجذوما ولا أبرص ولا مبتلى إلا أقعدهم على مائدته).
- أن لا يتعاطى بيده شغلا في بيته والتواضع خلافه
روي أن عمر بن عبد العزيز أتاه ليلة ضيف وكان يكتب فكاد السراج يطفأ فقال الضيف أقوم إلى المصباح فأصلحه فقال ليس من كرم الرجل أن يستخدم ضيفه قال أفأنبه الغلام فقال هي أول نومة نامها فقام وأخذ البطة وملأ المصباح زيتا فقال الضيف قمت أنت بنفسك يا أمير المؤمنين فقال ذهبت وأنا عمر ورجعت وأنا عمر ما نقص مني شيء وخير الناس من كان عند الله متواضعا.
- أن لا يأخذ متاعه ويحمله إلى بيته وهو خلاف عادة المتواضعين وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك.
وقال علي رضي الله عنه: (لا ينقص الرجل الكامل من كماله ما حمل من شيء إلى عياله) وكان أبو عبيدة ابن الجراح وهو أمير يحمل سطلا له من خشب إلى الحمام.
- أن يميز في إجابة الدعوة بين الغني والفقير, فتراه يسارع في إجابة دعوة الغني إذا دعاه ويستنكف من إجابة دعوة الفقير (5).

(1) رواه الترمذي (2754)، وأحمد (3/ 132) (12367). قال الترمذي: حسن صحيح غريب من هذا الوجه. وصححه الألباني في ((تخريج المشكاة)) (4698).
(2) رواه ابن المبارك في ((الزهد)) (1/ 132) (394)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (72/ 276).
(3) رواه البخاري (6072).
(4) ((بريقة محمودية)) (2/ 223).
(5) ((إحياء علوم الدين)) للغزالي (3/ 354) بتصرف.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،أسباب الكبر
الكبر صفة سيئة لها أسباب عدة تدفع الشخص إلى الاتصاف بها, ولعل مرجع هذه الأسباب كلها اعتقاد الكمال, أيَّن كان هذا الكمال ومهما كان نوعه قال ابن قدامة المقدسي رحمه الله: (وفي الجملة فكل ما يمكن أن يعتقد كمالاً وإن لم يكن كمالاً أمكن أن يتكبر به, حتى الفاسق قد يفتخر بكثرة شرب الخمر والفجور لظنه أن ذلك كمال) (1).
بيان البواعث على التكبر وأسبابه المهيجة له:
الكبر الظاهر أسبابه ثلاثة:
1. سبب في المتكبر: وهو العجب فهو يورث الكبر الباطن والكبر يثمر التكبر الظاهر في الأعمال والأقوال والأحوال.
2. وسبب في المتكبر عليه: وهو الحقد والحسد: فأما الحقد فإنه يحمل على التكبر من غير عجب كالذي يتكبر على من يرى أنه مثله أو فوقه ولكن قد غضب عليه بسبب سبق منه فأورثه الغضب حقدا ورسخ في قلبه بغضه فهو لذلك لا تطاوعه نفسه أن يتواضع له وإن كان عنده مستحقا للتواضع فكم من رذل لا تطاوعه نفسه على التواضع لواحد من الأكابر لحقده عليه أو بغضه له ويحمله ذلك على رد الحق إذا جاء من جهته وعلى الأنفة من قبول نصحه وعلى أن يجتهد في التقدم عليه وإن علم أنه لا يستحق ذلك وعلى أن لا يستحله وإن ظلمه فلا يعتذر إليه وإن جنى عليه ولا يسأله عما هو جاهل به.
وأما الحسد فإنه أيضاً يوجب البغض للمحسود وإن لم يكن من جهته إيذاء وسبب يقتضي الغضب والحقد, ويدعو الحسد أيضا إلى جحد الحق حتى يمنع من قبول النصيحة وتعلم العلم فكم من جاهل يشتاق إلى العلم وقد بقي في رذيلة الجهل لاستنكافه أن يستفيد من واحد من أهل بلده أو أقاربه حسدا وبغيا عليه فهو يعرض عنه ويتكبر عليه مع معرفته بأنه يستحق التواضع بفضل علمه ولكن الحسد يبعثه على أن يعامله بأخلاق المتكبرين وإن كان في باطنه ليس يرى نفسه فوقه.
3. وسبب فيما يتعلق بغيرهما: وهو الرياء, فهو أيضا يدعو إلى أخلاق المتكبرين حتى إن الرجل ليناظر من يعلم أنه أفضل منه وليس بينه وبينه معرفة ولا محاسدة ولا حقد ولكن يمتنع من قبول الحق منه ولا يتواضع له في الاستفادة خيفة من أن يقول الناس إنه أفضل منه فيكون باعثه على التكبر عليه الرياء المجرد ولو خلا معه بنفسه لكان لا يتكبر عليه.
وأما الذي يتكبر بالعجب أو الحسد أو الحقد فإنه يتكبر أيضاً عند الخلوة به مهما لم يكن معهما ثالث وكذلك قد ينتمي إلى نسب شريف كاذباً وهو يعلم أنه كاذب ثم يتكبر به على من ليس ينتسب إلى ذلك النسب ويترفع عليه في المجالس ويتقدم عليه في الطريق ولا يرضى بمساواته في الكرامة والتوقير وهو عالم باطنا بأنه لا يستحق ذلك ولا كبر في باطنه لمعرفته بأنه كاذب في دعوى النسب ولكن يحمله الرياء على أفعال المتكبرين وكأن اسم المتكبر إنما يطلق في الأكثر على من يفعل هذه الأفعال عن كبر في الباطن صادر عن العجب والنظر إلى الغير بعين الاحتقار وهو إن سمي متكبرا فلأجل التشبه بأفعال الكبر
فتصير الأسباب بهذا الاعتبار أربعة العجب والحقد والحسد والرياء (2)

(1) ((مختصر منهاج القاصدين)) (ص293).
(2) ((إحياء علوم الدين)) بتصرف (3/ 353).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،بماذا يكون التكبر
قال الإمام الغزالي رحمه الله: (اعلم أنه لا يتكبر إلا من استعظم نفسه ولا يستعظمها إلا وهو يعتقد لها صفة من صفات الكمال , وجماع ذلك يرجع إلى كمال ديني أو دنيوي فالديني هو العلم والعمل والدنيوي هو النسب والجمال والقوة والمال وكثرة الأنصار فهذه سبعة أسباب:
الأول: العلم وما أسرع الكبر إلى العلماء ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: ((آفة العلم الخيلاء)) (1).
فلا يلبث العالم أن يتعزز بعزة العلم يستشعر في نفسه جمال العلم وكماله ويستعظم نفسه ويستحقر الناس وينظر إليهم نظره إلى البهائم ويستجهلهم ... هذا فيما يتعلق بالدنيا, أما في أمر الآخرة فتكبره عليهم بأن يرى نفسه عند الله تعالى أعلى وأفضل منهم فيخاف عليهم أكثر مما يخاف على نفسه ويرجو لنفسه أكثر مما يرجو لهم ... فإن قلت فما بال بعض الناس يزداد بالعلم كبرا وأمنا؟ فاعلم أن لذلك سببين:
1. أحدهما: أن يكون اشتغاله بما يسمى علما وليس علما حقيقيا وإنما العلم الحقيقي ما يعرف به العبد ربه ونفسه وخطر أمره في لقاء الله والحجاب منه وهذا يورث الخشية والتواضع دون الكبر والأمن, قال الله تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء [فاطر: 28].
2. السبب الثاني: أن يخوض العبد في العلم وهو خبيث الدخلة رديء النفس سيئ الأخلاق.
الثاني: العمل والعبادة وليس يخلو عن رذيلة العز والكبر واستمالة قلوب الناس الزهاد والعباد ويترشح الكبر منهم في الدين والدنيا, أما في الدنيا فهو أنهم يرون غيرهم بزيارتهم أولى منهم بزيارة غيرهم ويتوقعون قيام الناس بقضاء حوائجهم وتوقيرهم والتوسع لهم في المجالس وذكرهم بالورع والتقوى وتقديمهم على سائر الناس في الحظوظ ...وأما في الدين فهو أن يرى الناس هالكين ويرى نفسه ناجيا وهو الهالك تحقيقا.
الثالث: التكبر بالحسب والنسب فالذي له نسب شريف يستحقر من ليس له ذلك النسب وإن كان أرفع منه عملا وعلما وقد يتكبر بعضهم فيرى أن الناس له أموال وعبيد ويأنف من مخالطتهم ومجالستهم.
الرابع: التفاخر بالجمال وذلك أكثر ما يجري بين النساء ويدعو ذلك إلى التنقص والثلب والغيبة وذكر عيوب الناس
الخامس: الكبر بالمال وذلك يجري بين الملوك في خزائنهم وبين التجار في بضائعهم وبين الدهاقين في أراضيهم وبين المتجملين في لباسهم وخيولهم ومراكبهم فيستحقر الغني الفقير ويتكبر عليه.
السادس: الكبر بالقوة وشدة البطش والتكبر به على أهل الضعف
السابع: التكبر بالأتباع والأنصار والتلامذة والغلمان وبالعشيرة والأقارب والبنين ويجري ذلك بين الملوك في المكاثرة بالجنود وبين العلماء في المكاثرة بالمستفيدين ...
فهذه مجامع ما يتكبر به العباد بعضهم على بعض فيتكبر من يدلي بشيء منه على من لا يدلي به أو على من يدلي بما هو دونه في اعتقاده, وربما كان مثله أو فوقه عند الله تعالى كالعالم الذي يتكبر بعلمه على من هو أعلم منه لظنه أنه هو الأعلم ولحسن اعتقاده في نفسه. (2)

(1) ((إحياء علوم الدين)) (3/ 347). وقال العراقي في ((تخريج الإحياء)) (1/ 703):المعروف ما رواه مطين في ((مسنده)) من حديث علي بن أبي طالب بسند ضعيف ((آفة العلم النسيان وآفة الجمال الخيلاء)).
(2) ((إحياء علوم الدين)) للغزالي (3/ 347 - 353) بتصرف.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،أشر الكبر
يحدثنا الإمام الذهبي عن أشر أنواعه فيقول: (وأشر الكبر الذي فيه من يتكبر على العباد بعلمه ويتعاظم في نفسه بفضيلته فإن هذا لم ينفعه علمه فإن من طلب العلم للآخرة كسره علمه وخشع قلبه واستكانت نفسه وكان على نفسه بالمرصاد فلا يفتر عنها بل يحاسبها كل وقت ويتفقدها فإن غفل عنها جمحت عن الطريق المستقيم وأهلكته ومن طلب العلم للفخر والرياسة وبطر على المسلمين وتحامق عليهم وازدراهم فهذا من أكبر الكبر ولا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) (1).

(1) ((الكبائر)) للذهبي (ص78).،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،الوسائل المعينة على ترك الكبر
هذا وعلاج التكبر - بحيث تطهر منه النفس، ولا يعود إليها مرة أخرى - إنما يكون باتباع الأساليب والوسائل التالية:
1. تذكير النفس بالعواقب والآثار المترتبة على التكبر، سواء كانت عواقب ذاتية أو متصلة بالعمل الإسلامي، وسواء كانت دنيوية أو أخروية على النحو الذي قدمنا، فلعل هذا التذكير يحرك النفس من داخلها، ويحملها على أن تتوب، وتتدارك أمرها قبل ضياع العمر وفوات الأوان.
2. عيادة المرضى، ومشاهدة المحتضرين وأهل البلاء وتشييع الجنائز، وزيارة القبور، فلعل ذلك أيضاً يحركه من داخله، ويجعله يرجع إلى ربه بالإخبات، والتواضع.
3. الانسلاخ من صحبة المتكبرين، والارتماء في أحضان المتواضعين المخبتين، فربما تعكس هذه الصحبة بمرور الأيام شعاعها عليه، فيعود له سناؤه، وضياؤه الفطري كما كان عند ولادته.
4. مجالسة ضعاف الناس وفقرائهم، وذوى العاهات منهم، بل ومؤاكلتهم ومشاربتهم، كما كان يصنع النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحبه الكرام، وكثير من السلف، فإن هذا مما يهذب النفس ويجعلها تقلع عن غيها، وتعود إلى رشدها.
5. التفكر في النفس، وفي الكون، بل وفي كل النعم التي تحيط به من أعلاه إلى أدناه، مَن مصدر ذلك كله؟ ومن ممسكه؟ وبأي شيء استحقه العباد؟ وكيف تكون حاله لو سلبت منه نعمة واحدة فضلاً عن باقي النعم؟؟؟ فإن ذلك التفكر لو كانت معه جدية، يحرك النفس ويجعلها تشعر بخطر ما هي فيه، إن لم تبادر بالتوبة والرجوع إلى ربها.
6. النظر في سير وأخبار المتكبرين، كيف كانوا؟ وإلى أي شيء صاروا؟ من إبليس والنمرود إلى فرعون، إلى هامان، إلى قارون، إلى أبي جهل، إلى أبي بن خلف، إلى سائر الطغاة والجبارين والمجرمين، في كل العصور والبيئات فإن ذلك مما يخوف النفس ويحملها على التوبة والإقلاع، خشية أن تصير إلى نفس المصير، وكتاب الله - عز وجل - وسنة النبي صلى الله عليه وسلم وكتب التراجم والتاريخ خير ما يعين على ذلك.
7. حضور مجالس العلم التي يقوم عليها علماء ثقات نابهون، لاسيما مجالس التذكير والتزكية، فإن هذه المجالس لا تزال بالقلوب حتى ترق وتلين وتعود إليها الحياة من جديد.
8. حمل النفس على ممارسة بعض الأعمال التي يتأفف منها كثير من الناس ممارسة ذاتية ما دامت مشروعة، كأن يقوم هذا المتكبر بشراء طعامه وشرابه وسائر ما يلزمه بنفسه، ويحرص على حمله
والمشي به بين الناس، حتى لو كان له خادم، على نحو ما كان يصنع النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحبه والسلف، فإن هذا يساعد كثيراً في تهذيب النفس وتأديبها، والرجوع بها إلى سيرتها الأولى الفطرية، بعيداً عن أي التواء أو اعوجاج.
9. الاعتذار لمن تعالى وتطاول عليهم بسخرية أو استهزاء، بل ووضع الخد على التراب وإلصاقه به، وتمكينه من القصاص على نحو ما صنع أبو ذر مع بلال لما عاب عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - تعييره بسواد أمه.
10. إظهار الآخرين بنعمة الله عليهم، وتحدثهم بها - لاسيما أمام المستكبرين - علهم يثوبون إلى رشدهم وصوابهم، ويتوبون ويرجعون إلى ربهم، قبل أن يأتيهم أمر الله.
11. التذكير دوماً بمعايير التفاضل والتقدم في الإسلام:
إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات: 13].
((كلكم بنو آدم، وآدم خلق من تراب، ولينتهين قوم يفخرون بآبائهم، أو ليكونن أهون على الله - تعالى - من الجعلان)) (1).

(1) رواه البزار (2938) من حديث حذيفة رضي الله عنه. وقال: لا نعلمه يروى عن حذيفة إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد. وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (8/ 89): فيه الحسن بن الحسين العرني وهو ضعيف.،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،12. المواظبة على الطاعات: فإنها إذا واظب عليها، وكانت متقنة لا يراد بها إلا وجه الله، طهرت النفس من كل الرذائل، بل زكتها (1).
أقوال الأدباء في ذم الكبر والمتكبرين
- الكبر قائد البغض.
- التعزز بالتكبر ذل.
- الكبر فضل حمقٍ، لم يدر صاحبه أين يضعه.
- التكبر على الملوك تعرضٌ للحتوف، وعلى الأنذال من ضعة النفس، وعلى الأكفاء جهلٌ عظيمٌ وسخف.
- من رضي عن نفسه كثر الساخطون عليه.
- الكبر داءٌ يعدي.
- الإفراط في الكبر يوجب البغضة، كما أن الإفراط في التواضع يوجب الذلة.
- قال ابن المعتز: لما عرف أهل النقص حالهم عندي ذوي الكمال استعانوا بالكبر، ليعظم صغيراً، ويرفع حقيراً وليس بفاعلٍ.
- ووصف بليغٌ متكبراً فقال: كأن كسرى حامل غاشيته. وقارون وكيل نفقته، وبلقيس إحدى داياته، وكأن يوسف لم ينظر إلا بمقلته، ولقمان لم ينطق إلا بحكمته. (2).
- وكان يقال: من عرف حق أخيه دام له إخاؤه، ومن تكبر على الناس ورجا أن يكون له صديق فقد غر نفسه.
- وقيل: ليس للجوج تدبير، ولا لسيئ الخلق عيش، ولا لمتكبر صديق. (3)
- وقال بعضهم: من أثبت لنفسه تواضعاً، فهو المتكبر حقاً، إذ ليس التواضع إلا عن رفعة، فمتى أثبت لنفسك تواضعاً فأنت من المتكبرين (4).

(1) ((آفات على الطريق)) لسيد محمد نوح –بتصرف.
(2) ((التمثيل والمحاضرة)) (ص:444 - 445).
(3) ((الكامل في اللغة والأدب)) (2/ 107).
(4) ((الكشكول)) (2/ 84).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،ذم الكبر والمتكبرين في واحة الشعر ..
قال منصور الفقيه:
تتيه وجسمك من نطفةٍ ... وأنت وعاءٌ لما تعلم (1)
وقال آخر:
جمعت أمرين ضاع الحزم بينهما ... تيه الملوك وأخلاق المماليك (2)
وقال آخر:
وَكم ملكٍ قاسي العقاب مُمَنَّعٍ ... قديرٍ على قبض النُّفُوسِ مُطاعِ
أَراهُ فَيَعْديِنِي مِنَ الْكِبْرِ ما بِهِ ... فَأُكْرِمُ عَنْهُ شِيمَتِي وَطِباعِي (3)
وقال آخر:
كم جاهل متواضع ... ستر التوضع جهله
ومميز في علمه ... هدم التكبر فضله
فدع التكبر ما حييت ... ولا تصاحب أهله
فالكبر عيب للفتى ... أبدا يقبح فعله
وأنشد ثعلب:
ولا تأنفا أن تسألا وتسلما ... فما حشي الإنسان شرا من الكبر (4)
وقال محمود الوراق:
التِّيه مَفسدة للدِّين منقصة ... للعَقل لمجلبة للذمّ والسخَطِ
مَنْع العطاء وبَسْط الوجه أحسنُ من ... بَذْل العطاء بوَجْه غير منبسط (5)
وقال أيضاً:
بِشْرُ البخيلِ يكاد يصْلِح بُخلَه ... والتِّيهُ مَفْسدة لكلِّ جوادِ
ونقيصة تبْقى على أيامه ... ومَسبَّة في الأهل والأولاد (6)
وقال آخر في الكِبر:
مع الأرض يا بنَ الأرض في الطَيران ... أَتأْمُل أن تَرْقَى إلى الدَبَرَانِ
فوالله ما أبصرتُ يوماً مُحلِّقاً ... ولو حَلَّ بين الجَدْي والسَّرطان
حَمَاهُ مكانُ البُعد مِن أَن تَناله ... بسَهْم من البَلْوى يدُ الحَدثان (7)
وقال الحيص بيص:
فتى لم يكن جَهْما ولا ذا فَظاظةٍ ... ولا بالقَطوبِ الباخل المتكبّرِ
ولكن سَموحاً بالوداد وبالنَّدى ... ومبتسماً في الحادث المتنمِّرِ (8)
وقال أيضاً:
وَيَكْبُرُ قَدْراً أَنْ يُرى مُتَكَبِّراً ... وَيَعْظُمُ مَجْداً أَنْ يِتَيهَ مَعَ الْعُظْمِ
وَيَكْرُمُ عَدْلاً أَنْ يميلَ بِه الْهَوى ... وَيَشْرُفُ نَفْساً أنْ يَلَذَّ مَعَ الإثْمِ ...

(1) ((التمثيل والمحاضرة)) (ص:445).
(2) ((التمثيل والمحاضرة)) (ص:445).
(3) ((أشعار أولاد الخلفاء وأخبارهم)) (ص:166).
(4) ((المحكم والمحيط الأعظم)) (3/ 446).
(5) ((العقد الفريد)) (2/ 199).
(6) ((العقد الفريد)) (2/ 199).
(7) ((العقد الفريد)) (2/ 200).
(8) ((خريدة القصر وجريدة العصر)) (ص342).