اليأس والقنوط
معنى اليأس والقنوط لغة واصطلاحاً
معنى اليأس لغة واصطلاحاً
معنى اليأس لغة:
(اليأس: القنوط، وقيل: اليأس نقيض الرجاء أو قطع الأمل، يئس من الشيء ييأس وييئس؛ والمصدر اليأس واليآسة واليأس، وقد استيأس وأيأسته وإنه ليائس ويئس ويؤوس ويؤس، والجمع يؤوس) (1)
معنى اليأس اصطلاحاً:
قال العسكري: (اليأس: انقطاع الطمع من الشيء) (2).
وقال ابن الجوزي: (اليأس: القطع على أن المطلوب لا يتحصل لتحقيق فواته) (3).
معنى القنوط لغة واصطلاحاً
معنى القنوط لغة:
قال ابن منظور: (القُنُوط: اليأْس، وَفِي التَّهْذِيبِ: اليأْس مِنَ الْخَيْرِ، وَقِيلَ: أَشدّ اليأْس مِنَ الشَّيْءِ. والقُنُوط، بِالضَّمِّ، الْمَصْدَرُ. وقَنَط يَقْنِطُ ويَقْنُطُ قُنُوطاً مِثْلَ جلَس يجلِس جُلوساً، وقَنِطَ قَنَطاً وَهُوَ قانِطٌ: يَئِسَ؛ وَقَالَ ابْنُ جِنِّي: قَنَطَ يَقْنَطُ كأَبى يَأْبَى، وَالصَّحِيحُ مَا بدأْنا بِهِ، وَفِيهِ لُغَةٌ ثَالِثَةٌ قَنِطَ يَقْنَطُ قَنَطاً، مِثْلَ تعِب يَتْعَب تَعَبًا، وقَناطة، فَهُوَ قَنِطٌ؛ وَقُرِئَ: وَلَا تَكُنْ مِنَ القاَنِطِين) (4).
معنى القنوط اصطلاحاً:
قال المناوي: (القنوط: اليأس من الرحمة) (5).
وقال الشوكاني: (القنوط: الإياس من الرحمة) (6).
وقال صاحب (اللباب في علوم الكتاب): (القنوط: شدة اليأس من الخير) (7).
معنى اليأس لغة واصطلاحاً
معنى اليأس لغة:
(اليأس: القنوط، وقيل: اليأس نقيض الرجاء أو قطع الأمل، يئس من الشيء ييأس وييئس؛ والمصدر اليأس واليآسة واليأس، وقد استيأس وأيأسته وإنه ليائس ويئس ويؤوس ويؤس، والجمع يؤوس) (1)
معنى اليأس اصطلاحاً:
قال العسكري: (اليأس: انقطاع الطمع من الشيء) (2).
وقال ابن الجوزي: (اليأس: القطع على أن المطلوب لا يتحصل لتحقيق فواته) (3).
معنى القنوط لغة واصطلاحاً
معنى القنوط لغة:
قال ابن منظور: (القُنُوط: اليأْس، وَفِي التَّهْذِيبِ: اليأْس مِنَ الْخَيْرِ، وَقِيلَ: أَشدّ اليأْس مِنَ الشَّيْءِ. والقُنُوط، بِالضَّمِّ، الْمَصْدَرُ. وقَنَط يَقْنِطُ ويَقْنُطُ قُنُوطاً مِثْلَ جلَس يجلِس جُلوساً، وقَنِطَ قَنَطاً وَهُوَ قانِطٌ: يَئِسَ؛ وَقَالَ ابْنُ جِنِّي: قَنَطَ يَقْنَطُ كأَبى يَأْبَى، وَالصَّحِيحُ مَا بدأْنا بِهِ، وَفِيهِ لُغَةٌ ثَالِثَةٌ قَنِطَ يَقْنَطُ قَنَطاً، مِثْلَ تعِب يَتْعَب تَعَبًا، وقَناطة، فَهُوَ قَنِطٌ؛ وَقُرِئَ: وَلَا تَكُنْ مِنَ القاَنِطِين) (4).
معنى القنوط اصطلاحاً:
قال المناوي: (القنوط: اليأس من الرحمة) (5).
وقال الشوكاني: (القنوط: الإياس من الرحمة) (6).
وقال صاحب (اللباب في علوم الكتاب): (القنوط: شدة اليأس من الخير) (7).
(2) ((معجم الفرووق اللغوية)) للعسكري (1/ 436).
(3) ((نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر)) لابن الجوزي (1/ 633).
(4) انظر ((لسان العرب)) لابن منظور (7/ 386).
(5) ((التوقيف على مهمات التعاريف)) للمناوي (ص: 275).
(6) ((فتح القدير)) الشوكاني (4/ 260).
(7) ((اللباب في علوم الكتاب)) ابن عادل (11/ 471)، ((الوسيط في تفسير القرآن المجيد))، الواحدي (3/ 47).،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،الفرق بين اليأس والقنوط والخيبة:
الفرق بين اليأس والقنوط:
أكثر العلماء على أنهما بمعنى واحد (1).ويرى البعض وجود اختلاف بينهما (2).
الفرق بين اليأس والخيبة:
1 - الخيبة لا تكون إلا بعد أمل لأنها امتناع نيل ما أمل.
2 - اليأس: قد يكون قبل الأمل وقد يكون بعده (3).
(1) انظر ((جامع البيان في تأويل القرآن)) الطبري (20/ 102)، ((معاني القرآن وإعرابه))، الزجاج (3/ 181) ((المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز)) ابن عطية (3/ 366).
(2) انظر: ((إعراب القرآن وبيانه)) محيى الدين درويش (9/ 5 - 6)، ((المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز)) ابن عطية (3/ 366)، ((معاني القرآن)) النحاس (6/ 314)، ((عمدة القاري شرح صحيح البخاري)) العيني (19/ 149)، ((نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر)) ابن الجوزي (1/ 633).
(3) انظر ((الفروق اللغوية)) العسكري (1/ 245)، ((النكت والعيون)) الماوردي (1/ 422).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
ذم اليأس والقنوط في القرآن والسنة
ذم اليأس والقنوط في القرآن الكريم:
وقال تعالى: قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ [الحجر: 55 – 56].
قال الطبري: (قال ضيف إبراهيم له: بشرناك بحقّ يقين، وعلم منَّا بأن الله قد وهب لك غلاما عليما، فلا تكن من الذين يقنطون من فضل الله فييأسون منه، ولكن أبشر بما بشرناك به واقبل البُشرى، .. - فقال - إبراهيم للضيف: ومن ييأس من رحمة الله إلا القوم الذين قد أخطأوا سبيل الصواب وتركوا قصد السبيل في تركهم رجاء الله، ولا يخيب من رجاه، فضلوا بذلك عن دين الله) (1).
قال الواحدي: (فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ: من الآيسين، والقنوط: اليأس من الخير. قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ [الحجر: 56] .. قال ابن عباس: يريد ومن ييئس من رحمة ربه إلا المكذبون، وهذا يدل على أن إبراهيم لم يكن قانطا، ولكنه استبعد ذلك، فظنت الملائكة به قنوطا، فنفى ذلك عن نفسه وأخبر أن القانط من رحمة الله ضال) (2).
وقال تعالى: وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ [الروم: 36].
قال السعدي: (يخبر تعالى عن طبيعة أكثر الناس في حالي الرخاء والشدة أنهم إذا أذاقهم الله منه رحمة من صحة وغنى ونصر ونحو ذلك فرحوا بذلك فرح بطر، لا فرح شكر وتبجح بنعمة الله. وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ أي: حال تسوؤهم وذلك بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ من المعاصي. إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ ييأسون من زوال ذلك الفقر والمرض ونحوه. وهذا جهل منهم وعدم معرفة) (3).
قال الماوردي: (إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ فيه وجهان: أحدهما: أن القنوط اليأس من الرحمة والفرج, قاله الجمهور، الثاني: أن القنوط ترك فرائض الله في اليسر, قاله الحسن) (4).
قال البغوي: (إذا هم يقنطون، ييأسون من رحمة الله، وهذا خلاف وصف المؤمن - فإنه يشكر الله عند النعمة ويرجو ربه عند الشدة) (5).
وقال تعالى قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر: 53]
قال السعدي: (لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ أي: لا تيأسوا منها، فتلقوا بأيديكم إلى التهلكة، وتقولوا قد كثرت ذنوبنا وتراكمت عيوبنا، فليس لها طريق يزيلها ولا سبيل يصرفها، فتبقون بسبب ذلك مصرين على العصيان، متزودين ما يغضب عليكم الرحمن، ولكن اعرفوا ربكم بأسمائه الدالة على كرمه وجوده، واعلموا أنه يغفر الذنوب جميعا من الشرك، والقتل، والزنا، والربا، والظلم، وغير ذلك من الذنوب الكبار) (6).
وقال تعالى: وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ [الشورى: 28].
(1) ((جامع البيان في تأويل القرآن)) الطبري (17/ 113).
(2) ((الوسيط في تفسير القرآن المجيد)) الواحدي (3/ 47).
(3) ((تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان)) السعدي (1/ 642).
(4) ((النكت والعيون)) الماوردي (4/ 315).
(5) ((معالم التنزيل في تفسير القرآن)) البغوي (3/ 579)، ((المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز)) ابن عطية (4/ 338).
(6) ((تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان)) السعدي (1/ 727).،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،قال ابن كثير: (وقوله: وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا أي: من بعد إياس الناس من نزول المطر، ينزله عليهم في وقت حاجتهم وفقرهم إليه، كقوله: وَإِن كَانُوا مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِم مِّن قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ [الروم: 49]. وهو الولي الحميد أي: هو المتصرف لخلقه بما ينفعهم في دنياهم وأخراهم، وهو المحمود العاقبة في جميع ما يقدره ويفعله) (1).
وقال تعالى: لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ [فصلت: 49].
قال الطبري: (فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ يقول: فإنه ذو يأس من روح الله وفرجه، قنوط من رحمته، ومن أن يكشف ذلك الشرّ النازل به عنه) (2).
ذم اليأس والقنوط في السنة النبوية:
- عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: ((إنّ الله خلق الرّحمة يوم خلقها مائة رحمة، فأمسك عنده تسعا وتسعين رحمة. وأرسل في خلقه كلّهم رحمة واحدة، فلو يعلم الكافر بكلّ الّذي عند الله من الرّحمة لم ييأس من الجنّة، ولو يعلم المسلم بكلّ الّذي عند الله من العذاب لم يأمن من النّار)) (3).
- وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه، من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه، وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها، قد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك -أخطأ من شدة الفرح)) (4).
قال ابن حجر: (المذكور لما أيس من وجدان راحلته استسلم للموت فمن الله عليه برد ضالته) (5).
- وعن حذيفة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: ((إنّ رجلا حضره الموت، فلمّا يئس من الحياة أوصى أهله: إذا أنا متّ فاجمعوا لي حطبا كثيرا وأوقدوا فيه نارا، حتّى إذا أكلت لحمي وخلصت إلى عظمي فامتحشت فخذوها فاطحنوها ثمّ انظروا يوما راحا فاذروه في اليمّ، ففعلوا. فجمعه الله فقال له: لم فعلت ذلك؟ قال: من خشيتك، فغفر الله له)) (6).
- وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: ((لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع في جنته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من رحمته أحد)) (7).
قال بدر الدين العيني: (لم ييأس من الجنة من اليأس وهو القنوط .. - وقوله - (لم ييئس من الجنة) قلت: قيل: المراد أن الكافر لو علم سعة الرحمة لغطى على ما يعلمه من عظيم العذاب فيحصل له الرجاء، وقيل: المراد أن متعلق علمه بسعة الرحمة مع عدم التفاته إلى مقابلها يطمعه في الرحمة) (8).
- وعن ابن عباس- رضي الله عنهما- أنه قال: ((إن رجلا قال: يا رسول الله، ما الكبائر؟ قال: الشرك بالله، والإياس من روح الله، والقنوط من رحمة الله)) (9).
- وعن فضالة بن عبيد- رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثة لا تسأل عنهم: رجل فارق الجماعة وعصى إمامه ومات عاصيا، وأمة أو عبد أبق فمات، وامرأة غاب عنها زوجها قد كفاها مؤنة الدنيا فتبرجت بعده، فلا تسأل عنهم. وثلاثة لا تسأل عنهم: رجل نازع الله- عز وجل- رداءه فإن رداءه الكبرياء وإزاره العزة، ورجل شك في أمر الله، والقنوط من رحمة الله)) (10).
(1) ((تفسير القرآن العظيم)) ابن كثير (7/ 206 - 207).
(2) ((جامع البيان في تأويل القرآن)) الطبري (21/ 490).
(3) رواه البخاري (6469).
(4) رواه مسلم (2747).
(5) ((فتح الباري شرح صحيح البخاري)) ابن حجر (11/ 108).
(6) رواه البخاري (3452).
(7) رواه مسلم (2755).
(8) ((عمدة القاري شرح صحيح البخاري)) بدر الدين العيني (23/ 67)، ((فتح الباري شرح صحيح البخاري)) ابن حجر (11/ 302).
(9) رواه البزار كما في ((كشف الأستار)) (1/ 71) (106)، وحسن إسناده العراقي في ((تخريج الإحياء)) (ص1352)، وقال الهيثمي في ((المجمع)) (1/ 107): رجاله موثقون. وحسن إسناده الألباني في ((السلسلة الصحيحة)) (2051).
(10) رواه أحمد (6/ 19) (23988)، والحاكم (1/ 206) (411)، والبخاري في ((الأدب المفرد)) (590). وصححه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (3522)، والألباني في ((صحيح الجامع)) (3058).،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،من أقوال السلف والعلماء في ذم اليأس والقنوط
- قال علي بن أبي طالب –رضي الله عنه: (الفقيه حقّ الفقيه: من لم يقنّط النّاس من رحمة الله ولم يرخّص لهم في معاصي الله، ولم يؤمّنهم من عذاب الله) (1).
- وقال ابن مسعود: (الهلاك في اثنتين، القنوط، والعجب) (2).
- وقال أيضاً: (الكبائر ثلاث: اليأسُ من رَوْح الله، والقنوط من رحمة الله، والأمن من مكر الله) (3).
- وقال محمد بن سيرين: (الإلقاء إلى التهلكة هو القنوط من رحمة الله تعالى) (4).
- وقال أيضاً: (لا تيأس فتقنط فلا تعمل) (5).
- وقال سفيان بن عيينة: (من ذهب يقنط الناس من رحمة الله، أو يقنط نفسه فقد أخطأ) (6).
- وقال الطحاوي: (الأمن والإياس ينقلان عن ملة الإسلام وسبيل الحق بينهما لأهل القبلة) (7).
- وقال البغوي: (القنوط من رحمة الله كبيرة كالأمن من مكره) (8).
(1) رواه الدارمي (1/ 338) (305)، وأبو داود في ((الزهد)) (ص115).
(2) ((الزواجر عن اقتراف الكبائر)) (1/ 121).
(3) ((جامع البيان عن تأويل آي القرآن)) الطبري (8/ 246).
(4) ((معالم التنزيل في تفسير القرآن)) البغوي (1/ 217).
(5) ((العجاب في بيان الأسباب)) ابن حجر العسقلاني (1/ 479).
(6) ((تفسير القرآن العظيم)) لابن أبي حاتم (7/ 2268) برقم 12406.
(7) ((العقيدة الطحاوية)) تخريج الألباني (1/ 61).
(8) ((معالم التنزيل في تفسير القرآن)) البغوي (3/ 61)، ((اللباب في علوم الكتاب)) ابن عادل (11/ 471).،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،حكم اليأس والقنوط
أجمع العلماء على تحريم اليأس والقنوط، ومن اليأس والقنوط ما يخرج من الملة وهو ما انعدم معه الرجاء، ومنه مالا يخرج من الملة وإنما هو من الكبائر.
وهما عموماً من أكبر الكبائر بل أشد تحريما من الكبائر الظاهرة كالزنا وجعلهما القرطبي في الكبائر بعد الشرك من حيث الترتيب (1).
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (الكبائر أربع: الإشراك بالله، والقنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله، والأمن من مكر الله) (2).
وقال العدوي: (الإياس من الكبائر) (3).
ما يباح من اليأس:
اليأس ليس مذموما في كل الأحوال بل قد يتطلب في بعض المواضع منها:
- اليأس مما في أيدي الناس:
لحديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه مرفوعا: ((إذا قمت في صلاتك فصل صلاة مودع ولا تكلم بكلام تعتذر منه واجمع الإياس مما في أيدي الناس)) (4).
قال الملا علي القاري: (وأجمع الإياس: المعنى اعزم على قطع اليأس أو أجمع خاطرك على قصد اليأس وترك الطمع مما في أيدي الناس أي قناعة بالكفاية المقدرة بالقسمة المحررة المقررة. في قوله تعالى: نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [الزخرف: 32] إلى أن قال: وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ [الزخرف: 35] وفي الحديث إشارة إلى أن الاستئناس بالناس من علامة الإفلاس، وأن الغنى القلبي هو الإياس مما بأيدي الناس) (5).
قال ابن رجب: (كان عمر- رضي الله عنه- يقول في خطبته على المنبر: إن الطمع فقر، وإن اليأس غنى، وإن الإنسان إذا أيس من الشيء استغنى عنه) (6).
واليأس مما في أيدي الناس شرط لتحقيق الإخلاص قال ابن القيم: (لا يجتمع الإخلاص في القلب ومحبة المدح والثناء والطمع فيما عند الناس إلا كما يجتمع الماء والنار والضب والحوت فإذا حدثتك نفسك بطلب الإخلاص فأقبل على الطمع أولا فاذبحه بسكين اليأس وأقبل على المدح والثناء فازهد فيهما زهد عشاق الدنيا في الآخرة فإذا استقام لك ذبح الطمع والزهد في الثناء والمدح سهل عليك الإخلاص) (7).
- ذكر نصوص الوعيد والعذاب لمن غلب رجاؤه وانهمك في المعاصي:
قال البخاري: (كان العلاء بن زياد يذكر النار، فقال رجل لم تقنط الناس، قال: وأنا أقدر أن أقنط الناس، والله عز وجل يقول: يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ [الزمر: 53] ويقول وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ [غافر: 43] ولكنكم تحبون أن تبشروا بالجنة على مساوئ أعمالكم، وإنما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم مبشرا بالجنة لمن أطاعه، ومنذرا بالنار من عصاه) (8).
(1) انظر: ((الجامع لأحكام القرآن)) القرطبي (5/ 160)، ((إحسان الظن بالله والتحذير من اليأس والقنوط)) فهد بن سليمان الفهيد (1/ 11 - 114)، ((الزواجر عن اقتراف الكبائر)) ابن حجر الهيتمي (1/ 149)، ((مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين)) ابن قيم الجوزية (1/ 133).
(2) رواه الطبري في ((تفسيره)) (8/ 243).
(3) ((حاشية العدوي على شرح كفاية الطالب الرباني)) العدوي (2/ 441).
(4) رواه ابن ماجه (4171)، وأحمد (5/ 412) (23545). وضعف إسناده البوصيري في ((مصباح الزجاجة)) (4/ 227)، وصححه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (802)، والألباني في ((صحيح الجامع)) (742).
(5) ((مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح)) الملا علي القاري (8/ 3270) برقم 5226.
(6) رواه ابن المبارك في ((الزهد)) (1/ 223)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (44/ 357).
(7) ((الفوائد)) لابن القيم (1/ 149).
(8) ((صحيح البخاري)) (6/ 226).،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،أقسام اليأس من رحمة الله
1 - اليأس التام: وهذا يخرج من الإسلام إذا لم يوجد الرجاء معه تماما.
2 - يأس ناقص: وهو يأس عصاة المسلمين بسب كثرة المعاصي وهذا لا يخرج من الملة ولكنه من كبائر الذنوب (1).
(1) انظر: ((تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان)) للسعدي (1/ 629)، ((شرح العقيدة الطحاوية)) لخالد المصلح (14/ 6)، ((فتح الباري شرح صحيح البخاري)) لابن حجر (13/ 386).،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،آثار ومضار اليأس والقنوط
1 - اليأس والقنوط من صفات الكافر:
قال تعالى: قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ [الحجر: 55 - 56].
وقال تعالى: إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ [يوسف: 87].
قال السعدي: (يخبر تعالى عن طبيعة الإنسان، أنه جاهل ظالم بأن الله إذا أذاقه منه رحمة كالصحة والرزق، والأولاد، ونحو ذلك، ثم نزعها منه، فإنه يستسلم لليأس، وينقاد للقنوط) (1).
قال ابن عطية: (اليأس من رحمة الله وتفريجه من صفة الكافرين) (2).
2 - اليأس والقنوط ليس من صفات المؤمنين:
قال البغوي: (إذا هم يقنطون، ييأسون من رحمة الله، وهذا خلاف وصف المؤمن فإنه يشكر الله عند النعمة ويرجو ربه عند الشدة) (3).
قال القاسمي: (الجزع واليأس من الفرج عند مسّ شر قضى عليه. وكل ذلك مما ينافي عقد الإيمان) (4).
3 - اليأس والقنوط فيه تكذيب لله ولرسوله:
قال ابن عطية: (اليأس من رحمة الله وتفريجه من صفة الكافرين. إذ فيه إما التكذيب بالربوبية، وإما الجهل بصفات الله تعالى) (5).
قال القرطبي: (اليأس من رحمة الله، .. فيه تكذيب القرآن، إذ يقول وقوله الحق: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ [الأعراف: 156] وهو يقول: لا يغفر له، فقد حجر واسعا. هذا إذا كان معتقدا لذلك، ولذلك قال الله تعالى: إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ [يوسف: 87]، وبعده القنوط، قال الله تعالى: وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ [الحجر: 56]) (6).
4 - اليأس فيه سوء أدب مع الله سبحانه وتعالى:
قال سيد العفاني: (الخوف الموقع في الإياس: إساءة أدب على رحمة الله التي سبقت غضبه وجهل بها) (7).
5 - سبب في الوقوع في الكفر والهلاك والضلال:
قال القاسمي: (وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً [الإسراء: 83] إشارة إلى السبب في وقوع هؤلاء الضالين في أودية الضلال. وهو حب الدنيا وإيثارها على الأخرى، وكفران نعمه تعالى. بالإعراض عن شكرها، والجزع واليأس من الفرج عند مسّ شر قضى عليه) (8).
قال محمد بن سيرين وعبيدة السلماني- في تفسير قوله تعالى: وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة: 159]-: (الإلقاء إلى التهلكة هو القنوط من رحمة الله تعالى) (9).
6 - الفتور والكسل عن فعل الطاعات والغفلة عن ذكر الله:
قال ابن حجر الهيتمي: (القانط آيس من نفع الأعمال ومن لازم ذلك تركها) (10).
(1) ((تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان)) للسعدي (1/ 378).
(2) ((المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز)) لابن عطية (3/ 274).
(3) ((معالم التنزيل في تفسير القرآن))، للبغوي (3/ 579)، ((المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز))، لابن عطية (4/ 338).
(4) ((محاسن التأويل))، للقاسمي (6/ 499).
(5) ([4984]) ((المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز))، لابن عطية (3/ 274).
(6) انظر: ((الجامع لأحكام القرآن)) للقرطبي بتصرف يسير (5/ 160).
(7) ((صلاح الأمة في علو الهمة)) لسيد العفاني (5/ 673).
(8) ((محاسن التأويل)) للقاسمي (6/ 499).
(9) ((معالم التنزيل في تفسير القرآن)) للبغوي (1/ 217).
(10) ((الزواجر عن اقتراف الكبائر)) لابن حجر الهيتمي (1/ 122).،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،قال فخر الدين الرازي: (وإذا مسه الشر كان يؤسا أي إذا مسه فقر أو مرض أو نازلة من النوازل كان يؤوسا شديد اليأس من رحمة الله ... إن فاز بالنعمة والدولة اغتر بها فنسي ذكر الله، وإن بقي في الحرمان عن الدنيا استولى عليه الأسف والحزن ولم يتفرغ لذكر الله تعالى فهذا المسكين محروم أبدا عن ذكر الله) (1).
7 - الاستمرار في الذنوب والمعاصي:
قال أبو قلابة: (الرجل يصيب الذنب فيقول: قد هلكت ليس لي توبة فييأس من رحمة الله، وينهمك في المعاصي، فنهاهم الله تعالى عن ذلك، قال الله تعالى: إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ [يوسف: 87]) (2).
8 - سبب في الحرمان من رحمة الله ومغفرته:
قال المباركفوري: (إن اعتقد أو ظن- الإنسان - أن الله لا يقبلها- أعماله - وأنها لا تنفعه فهذا هو اليأس من رحمة الله وهو من الكبائر ومن مات على ذلك وكل إلى ما ظن كما في بعض طرق حديث-: ((أنا عند ظن عبدي بي- فيظن بي عبدي ما شاء))) (3).
9 - سبب لفساد القلب:
قال ابن القيم وهو يعدد الكبائر: (الكبائر: .. القنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله .. ، وتوابع هذه الأمور التي هي أشد تحريما من الزنا، وشرب الخمر وغيرهما من الكبائر الظاهرة، ولا صلاح للقلب ولا للجسد إلا باجتنابها، والتوبة منها، وإلا فهو قلب فاسد، وإذا فسد القلب فسد البدن) (4).
10 - ذهاب سكينة القلب والشعور الدائم بالحرمان والحزن والهم:
قال عبد الله الجربوع: (اليأس من روح الله والقنوط من رحمته؛ يؤدي إلى ترك العمل، إذ لا فائدة منه بزعمه، وهذه طامة من الطوام وكبيرة من كبائر الذنوب، تُخرج القلب عن سكينته وأنسه إلى انزعاجه وقلقه وهمه) (5).
قال الشوكاني: (إذا مسه- الإنسان - الشر من مرض أو فقر كان يؤسا شديد اليأس من رحمة الله وإن فاز بالمطلوب الدنيوي، وظفر بالمقصود نسي المعبود، وإن فاته شيء من ذلك استولى عليه الأسف، وغلب عليه القنوط، وكلتا الخصلتين قبيحة مذمومة) (6).
(1) ((مفاتيح الغيب)) للرازي (21/ 391).
(2) ((معالم التنزيل في تفسير القرآن)) للبغوي (1/ 217).
(3) رواه الطبراني في ((الكبير)) (22/ 88).
(4) ((مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين)) لابن قيم الجوزية (1/ 133).
(5) ((أثر الإيمان في تحصين الأمة الإسلامية ضد الأفكار الهدامة)) لعبد الله الجربوع (2/ 480) بتصرف يسير.
(6) ((فتح القدير)) الشوكاني (3/ 301)، ((غرائب القرآن ورغائب الفرقان)) للنيسابوري (4/ 380).،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،صور اليأس والقنوط
مظاهر وصور اليأس والقنوط كثيرة ومن هذه الصور:
1 - اليأس والقنوط من مغفرة الله للذنوب.
2 - اليأس والقنوط من زوال الشدائد وتفريج الكروب.
3 - اليأس من التغيير للأفضل:
ويتمثل في يأس الإنسان من تحصيل ما يرجوه في أمر من أمور الدنيا كجاه أو مال أو زوجة أو أولاد وغيرهم.
4 - اليأس من نصر الإسلام وارتفاع الذل والمهانة عن المسلمين.
5 - اليأس والقنوط من توبة العصاة والتخذيل عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
ويكون التخذيل عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بدعوى عدم وجود تغير ملموس وفائدة، كما قال تعالى حكاية عن بعض الناس وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [الأعراف: 164].
قال ابن كثير: (يخبر تعالى عن أهل هذه القرية أنهم صاروا إلى ثلاث فرق: فرقة ارتكبت المحذور، واحتالوا على اصطياد السمك يوم السبت، وفرقة نهت عن ذلك، وأنكرت واعتزلتهم. وفرقة سكتت فلم تفعل ولم تنه، ولكنها قالت للمنكرة: لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا [الأعراف: 164]؟ أي: لم تنهون هؤلاء، وقد علمتم أنهم هلكوا واستحقوا العقوبة من الله؟ فلا فائدة في نهيكم إياهم. قالت لهم المنكرة: مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ أي: نفعل ذلك مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ أي: فيما أخذ علينا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ يقولون: ولعل بهذا الإنكار يتقون ما هم فيه ويتركونه، ويرجعون إلى الله تائبين، فإذا تابوا تاب الله عليهم ورحمهم) (1) ..
(1) ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (3/ 494).،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،أسباب اليأس والقنوط
1 - الجهل بالله سبحانه وتعالى:
قال ابن عادل: (القنوط من رحمة الله تعالى لا يحصل إلا عند الجهل بأمور:
أحدها: أن يجهل كونه تعالى قادرا عليه.
وثانيها: أن يجهل كونه تعالى عالما باحتياج ذلك العبد إليه.
وثالثها: أن يجهل كونه تعالى، منزها عن البخل، والحاجة.
والجهل بكل هذه الأمور سبب للضلال، والقنوط من رحمة الله كبيرة، كالأمن من مكره) (1).
وقال ابن القيم: (الكبائر: .. القنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله .. وتوابع هذه الأمور إنما تنشأ من الجهل بعبودية القلب، وترك القيام بها) (2).
2 - الغلو في الخوف من الله سبحانه وتعالي:
قال ابن القيم: (لا يدع الخوف يفضي به إلى حد يوقعه في القنوط، واليأس من رحمة الله. فإن هذا الخوف مذموم، وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - يقول: حد الخوف ما حجزك عن معاصي الله. فما زاد على ذلك: فهو غير محتاج إليه، وهذا الخوف الموقع في الإياس: إساءة أدب على رحمة الله تعالى، التي سبقت غضبه، وجهل بها) (3).
ولغلبة هذا الخوف على قلب اليائس أسباب منها: (إدراك قلبه من معاني الأسماء والصفات ما يدل على عظمة الله وجبروته وسرعة عقابه وشدة انتقامه، وحجب قلبه عن الأسماء الدالة على الرحمة واللطف والتوبة والمغفرة ... الخ، فيسيطر على القلب الخوف فيسلمه ذلك إلى اليأس من روح الله والقنوط من رحمته) (4).
3 - مصاحبة اليائسين والقانطين والمقنطين:
فإن مصاحبة هؤلاء تورث اليأس والقنوط من رحمة الله إما مشابهة أوعقوبة للاختلاط بهم.
4 - التعلق بالأسباب:
قال فخر الدين الرازي: (الكافر يعتقد أن السبب في حصول تلك النعمة سبب اتفاقي الاتفاق أو بسبب أن الإنسان حصلها بسبب جده وجهده، فحينئذ لا يشتغل بشكر الله تعالى على تلك النعمة، ثم إنه يستبعد حدوث ذلك الاتفاق مرة أخرى فلا جرم يستبعد عود تلك النعمة فيقع في اليأس) (5).
5 - التشدد في الدين وترك الأخذ بالرخص المشروعة:
قال المناوي: (قال الغزالي رحمه الله: هذا قاله – يقصد حديث إن الله تعالى يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته- تطييبا لقلوب الضعفاء حتى لا ينتهي بهم الضعف إلى اليأس والقنوط فيتركوا الميسور من الخير عليهم لعجزهم عن منتهى الدرجات فما أرسل إلا رحمة للعالمين كلهم على اختلاف درجاتهم وأصنافهم) (6).
6 - قلة الصبر واستعجال النتائج:
إن ضعف النفوس عن تحمل البلاء والصبر عليه واستعجال حصول الخير يؤدي للإصابة باليأس والقنوط لاسيما مع طول الزمن واشتداد البلاء على الإنسان، فعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا يزال يستجاب للعبد، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، ما لم يستعجل قيل: يا رسول الله ما الاستعجال؟ قال: يقول: قد دعوت وقد دعوت، فلم أر يستجيب لي، فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء)) (7).
قال القرطبي: (والقائل قد دعوت فلم أر يستجاب لي ويترك قانطا من رحمة الله وفي صورة الممتن على ربه ثم إنه جاهل بالإجابة فإنه يظنها إسعافه في عين ما طلب فقد يعلم الله تعالى أن في عين ما طلب مفسدة) (8).
(1) ((اللباب في علوم الكتاب)) لابن عادل (11/ 471).
(2) ((مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين)) لابن قيم الجوزية (1/ 133).
(3) ((مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين)) لابن قيم الجوزية (2/ 371).
(4) ((أثر الإيمان في تحصين الأمة الإسلامية ضد الأفكار الهدامة)) لعبد الله الجربوع (2/ 480).
(5) انظر: ((مفاتيح الغيب)) للرازي (17/ 322 - 323) بتصرف يسير.
(6) ((فيض القدير شرح الجامع الصغير)) لعبد الرؤوف المناوي (2/ 296).
(7) رواه مسلم (2735).
(8) ((المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم)) للقرطبي (7/ 63).،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،وعن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة وقد لقينا من المشركين شدة، فقلنا: ألا تستنصر لنا ألا تدعو لنا؟ فقال: ((قد كان من قبلكم يؤخذ لرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها، ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، ما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون)) (1).
وقال ابن القيم: (من استطال الطَّرِيق ضعف مَشْيه
وَمَا أَنْت بالمشتاق إِن قلت بَيْننَا ... طوال اللَّيَالِي أَو بعيد المفاوز) (2).
7 - تعلق القلب بالدنيا:
فمن أسباب اليأس والقنوط الأساسية تعلق القلب بالدنيا والفرح بأخذها والحزن والتأسف على فواتها بكل ما فيها من جاه وسلطان وزوجة وأولاد ومال وعافية
قال تعالى: وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ [الروم: 36].
8 - دنو الهمة والاستسلام للواقع وضعف الرغبة في التغيير:
قال محمد بن إبراهيم الحمد: (اليأس من الإصلاح يقع فيه كثير من الناس فإذا عاين الشرور المتراكمة والمصائب والمحن والفتن ومن الفرقة والتناحر والاختلاف الذي يسري في صفوف المسلمين يأس من الإصلاح .. ومثل ذلك في شأن كثير من الناس ممن يسرف على نفسه بالمعاصي ويتيه في أودية الرذيلة فتجده ييأس من إصلاح حاله والرقي بها إلى الأمثل بل ربما ظن أن التغيير مستحيل .. وهذا كله مظهر من مظاهر دنو الهمة وصغر النفس والعجز عن مواجهة المتاعب والمصاعب) (3).
9 - التركيز على جانب الترهيب فقط في الدعوة إلى الله تعالى.
(1) رواه البخاري (6943).
(2) ((الفوائد)) لابن القيم (1/ 78).
(3) انظر: ((الهمة العالية)) لمحمد بن إبراهيم الحمد (1/ 50).،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،الوسائل المعينة للتخلص من اليأس والقنوط
1 - الإيمان بأسماء الله وصفاته:
أن العلم والإيمان بأسماء الله وصفاته وخاصة التي تدل على الرحمة والمغفرة والكرم والجود تجعل المسلم لا ييأس من رحمة الله وفضله، قال علوي السقاف: (إذا علم العبد وآمن بصفات الله من الرحمة، والرأفة، والتَّوْب، واللطف، والعفو، والمغفرة، والستر، وإجابة الدعاء؛ فإنه كلما وقع في ذنب؛ دعا الله أن يرحمه ويغفر له ويتوب عليه، وطمع فيما عند الله من سترٍ ولطفٍ بعباده المؤمنين، فأكسبه هذا رجعة وأوبة إلى الله كلما أذنب، ولا يجد اليأس إلى قلبه سبيلاً، كيف ييأس من يؤمن بصفات الصبر، والحلم؟! كيف ييأس من رحمة الله من علم أن الله يتصف بصفة الكرم، والجود، والعطاء) (1).
2 - حسن الظن بالله ورجاء رحمته:
قال السفاريني: (حال السلف رجاء بلا إهمال، وخوف بلا قنوط. ولابد من حسن الظن بالله تعالى) (2).
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قال الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حيث يذكرني، والله لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته بالفلاة، ومن تقرب إلي شبرا، تقربت إليه ذراعا، ومن تقرب إلي ذراعا، تقربت إليه باعا، وإذا أقبل إلي يمشي، أقبلت إليه أهرول)) (3).
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((قال الله تعالى: يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني، غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم، إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا، لأتيتك بقرابها مغفرة)) (4).
قال الشافعي:
ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي ... جعلت رجائي دون عفوك سلما
تعاظمني ذنبي فلما قرنته ... بعفوك ربي كان عفوك أعظما
فما زلت ذا عفو عن الذنب لم تزل ... تجود وتعفو منة وتكرما
فإن تنتقم مني فلست بآيس ... ولو دخلت نفسي بجرمي جهنما
ولولاك لم يغوى بإبليس عابد ... فكيف وقد أغوى صفيك آدما
وإني لآتي الذنب أعرف قدره ... وأعلم أن الله يعفو ترحما (5)
3 - تعلق القلب بالله والثقة به:
لا بد على المرء أن يعلق قلبه بالله ويجعل الثقة به سبحانه وتعالى في كل أحواله و (لا يليق بالمسلم أن ييأس من روح الله ولا يقنط من رحمته، ولا يكون نظره مقصوراً على الأمور المادية والأسباب الظاهرة، بل يكون متلفتا في قلبه في كل وقت إلى مسبب الأسباب إلى الكريم الوهاب متحريا للفرج واثقا بأن الله سيجعل بعد العسر يسرا ومن هنا ينبعث للقيام بما يقدر عليه من النصح والإرشاد والدعوة ويقنع باليسير إذا لم يمكن الكثير وبزوال بعض الشر وتخفيفه إذا تعذر غير ذلك) (6).
4 - أن يكون بين الخوف والرجاء:
قال تعالى في مدح عباده المؤمنين: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ [الأنبياء: 90].
(1) ((صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة)) لعلوي السَّقَّاف (1/ 36).
(2) ((غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب)) للسفاريني (1/ 466).
(3) رواه البخاري (7405)، مسلم (2675) واللفظ له.
(4) رواه الترمذي (3540)، وأحمد (5/ 167) (21510). قال الترمذي: حسن غريب. وصحح إسناده الضياء في ((المختارة)) (4/ 399)، وصححه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (6065).
(5) ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (10/ 76).
(6) انظر: ((الهمة العالية)) لمحمد الحمد (1/ 50).،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،قال السفاريني: (نص الإمام - أحمد – رضي الله عنه: ينبغي للمؤمن أن يكون رجاؤه وخوفه واحدا. فأيهما غلب صاحبه هلك. وهذا هو العدل، ولهذا من غلب عليه حال الخوف أوقعه في نوع من اليأس والقنوط، إما في نفسه، وإما في أمور الناس، ومن غلب عليه حال الرجاء بلا خوف أوقعه في نوع من الأمن لمكر الله، إما في نفسه وإما في الناس) (1).
5 - الإيمان بالقضاء والقدر:
إذا علم المرء وأيقن أن كل ما حصل له هو بقضاء الله وقدره يستريح قلبه ولم ييأس لفوات شيء قال تعالى: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [الحديد: 22].
وقال سبحانه: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [التغابن: 11].
قال ابن القيم: (إذا جرى على العبد مقدور يكرهه فله فيه ستة مشاهد أحدها مشهد التوحيد وأن الله هو الذي قدره وشاءه وخلقه وما شاء الله كان وما لم يشاء لم يكن الثاني مشهد العدل وأنه ماض فيه حكمه عدل فيه قضاؤه الثالث مشهد الرحمة وأن رحمته في هذا المقدور غالبه لغضبه وانتقامه ورحمته حشوه الرابع مشهد الحكمة وأن حكمته سبحانه اقتضت ذلك لم يقدره سدى ولا قضاه عبثا الخامس مشهد الحمد وأن له سبحانه الحمد التام على ذلك من جميع وجوهه السادس مشهد العبودية وأنه عبد محض من كل وجه تجري عليه أحكام سيده وأقضيته بحكم كونه ملكه وعبده فيصرفه تحت أحكامه القدرية كما يصرفه تحت أحكامه الدينية فهو محل لجريان هذه الأحكام عليه) (2).
6 - الصبر عند حدوث البلاء:
وذلك أن الله سبحانه ذم اليائسين من رحمته عند حصول البلاء واستثنى من الذم الصابرين على البلاء وجعل لهم الثواب العظيم.
فقال تعالى: وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ [هود: 9 - 11].
ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تمني الموت بسبب البلاء فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يتمنين أحدكم الموت لضرر أصابه. فإن كان لا بد فاعلا، فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي)) (3).
7 - الدعاء مع الإيقان بالإجابة:
قال تعالى عن نبيه يعقوب عليه السلام لما عوتب في تذكر يوسف عليه الصلاة والسلام بعد طول الزمان وانقطاع الأمل وحصول اليأس في رجوعه قال بلسان المؤمن الواثق في وعد الله برفع البلاء عن الصابرين وإجابة دعوة المضطرين قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [يوسف: 86].
وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه)) (4).
(1) ((غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب)) للسفاريني (1/ 462).
(2) ((الفوائد)) لابن القيم (1/ 32).
(3) رواه البخاري (5671)، ومسلم (5680). واللفظ للبخاري.
(4) رواه الترمذي (3479)، وأحمد (2/ 177) (6655). قال الترمذي: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وقال الحاكم (1/ 670): إسناده مستقيم. وصحح إسناده أحمد شاكر في ((تخريج المسند)) (6655).،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،وعنه أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يزال يستجاب للعبد، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، ما لم يستعجل)) (1).
قال القرطبي:- ينبغي - (استدامة الدعاء وترك اليأس من الإجابة وداوم رجائهما واستدامة الإلحاح في الدعاء فإن الله يحب الملحين في الدعاء) (2).
والمرء مع إلحاحه في الدعاء عليه أن يوقن بأن (النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا) (3).
8 - الأخذ بالأسباب:
يظهر لنا جلياً في قصة يوسف عليه السلام الأخذ بالأسباب وترك الاستسلام لليأس فقد قال نبي الله يعقوب عليه السلام لأولاده لما أبلغوه فقد ابنه الثاني: يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ [يوسف: 87].
قال السعدي: (ورد النهي عن تمني الموت للضر الذي ينزل بالعبد، من مرض أو فقر أو خوف، أو وقوع في شدة ومهلكة، أو نحوها من الأشياء. فإن في تمني الموت لذلك مفاسد.
.. منها: أنه يضعف النفس، ويحدث الخور والكسل. ويوقع في اليأس، والمطلوب من العبد مقاومة هذه الأمور والسعي في إضعافها وتخفيفها بحسب اقتداره، وأن يكون معه من قوة القلب وقوة الطمع في زوال ما نزل به. وذلك موجب لأمرين: اللطف الإلهي لمن أتى بالأسباب المأمور بها، والسعي النافع الذي يوجبه قوة القلب ورجاؤه .. فيجعل العبد الأمر مفوضا إلى ربه الذي يعلم ما فيه الخير والصلاح له، الذي يعلم من مصالح عبده ما لا يعلم العبد، ويريد له من الخير ما لا يريده، ويلطف به في بلائه كما يلطف به في نعمائه) (4).
9 - الزهد في الدنيا:
فمن أسباب اليأس والقنوط الأساسية تعلق القلب بالدنيا والفرح بأخذها والحزن والتأسف على فواتها بكل ما فيها من جاه وسلطان وزوجة وأولاد ومال وعافية .. الخ فاعلم أن الله سبحانه يعطي الدنيا لمن لا يحب ومن يحب ولا يعطي الآخرة إلا لمن أحب وقد منع أحب الخلق إليه وأكرمهم عليه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الدنيا وما فيها فخرج وما ملأ بطنه من خبز البر ثلاث أيام متواليات، وأن المرء لن يأخذ أكثر مما قدر له فلا ييأس ولا يقنط لفوات شيء.
(1) رواه مسلم (2735).
(2) ((المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم)) للقرطبي (7/ 63).
(3) رواه أحمد (1/ 307) (2803)، والطبراني (11/ 123) (11243)، والبيهقي في ((الاعتقاد)) (147)، والضياء في ((الأحاديث المختارة)) (10/ 23) (13). من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. قال البيهقي في ((الاعتقاد)): [له] شواهد عن ابن عباس، وصححه عبدالحق الإشبيلي في ((الأحكام الشرعية الكبرى)) (3/ 333)، وقال ابن رجب في ((جامع العلوم والحكم)) (1/ 459): حسن جيد، وحسنه ابن حجر في ((موافقة الخبر الخبر)) (1/ 327)، وقال السخاوي في ((المقاصد الحسنة)) (188): حسن وله شاهد، وحسنه محمد الغزي في ((إتقان ما يحسن)) (1/ 200)، وقال السفاريني في ((شرح كتاب الشهاب)) (111): بمجموع أسانيده يصل إلى درجة الحسن، وصحح إسناده أحمد شاكر في تحقيق ((مسند أحمد)) (4/ 287).
(4) انظر ((بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار)) للسعدي (1/ 175 - 176) بتصرف يسير.،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،قصص في اليأس والقنوط
إذا استحكم اليأس والقنوط من زوال البلاء عجزت النفوس وضاقت السبل وضاعت الحيل حتى تعجز الأقدام عن حمل أصحابها ومن تلك القصص:
1 - قصة نبي الله يعقوب عليه السلام:
فقصة نبي الله يعقوب عند فقد ابنه يوسف عليهما الصلاة والسلام درس عظيم في ترك اليأس وحسن الظن بالله والصبر على البلاء ورجاء الفرج من الله في عدة مواضع منها:
- عندما جاءه نعي أحب أولاده إليه يوسف عليه الصلاة والسلام وهذا أعظم المصائب على قلب الأب لم يفقد صوابه وقابل قدر الله النازل بالصبر والاستعانة والحلم والاستكانة بالله سبحانه في رفعه. قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ [يوسف: 18]
- ولما عظمت المصيبة بفقد ابنه الثاني ازداد صبره وعظم رجاؤه في الفرج من الله سبحانه فقال لأبنائه قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ [يوسف: 83].
- حين عوتب في تذكر يوسف عليه الصلاة والسلام بعد طول الزمان وانقطاع الأمل وحصول اليأس في رجوعه قال بلسان المؤمن الواثق في وعد الله برفع البلاء عن الصابرين وإجابة دعوة المضطرين قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [يوسف: 86].
- وأخذ بالأسباب في السعي والبحث عن يوسف وأخيه فقال لأبنائه: يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ [يوسف: 87].
- فكانت العاقبة لمن صبر وأمل ورضي ولم يتسخط قال تعالى: فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ من عند الحبيب مبشراً باللقاء القريب أَلْقَاهُ قميص يوسف عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا فرجع البصر وبلغ الأمل وزال الكرب وحصل الثواب لمن صبر ورضي وأناب قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [يوسف: 96].
2 - ذكر التنوخي بسنده عن: (عبيد الله بن سليمان، يقول في وزارته: قال: لي أبي: كنت يوما في حبس محمد بن عبد الملك الزيات، في خلافة الواثق، آيس ما كنت من الفرج، وأشد محنة وغما، حتى وردت علي رقعة أخي الحسن بن وهب، وفيها شعر له:
محن أبا أيوب أنت محلها ... فإذا جزعت من الخطوب فمن لها
إن الذي عقد الذي انعقدت به ... عقد المكاره فيك يحسن حلها
فاصبر فإن الله يعقب فرجة ... ولعلها أن تنجلي ولعلها
وعسى تكون قريبة من حيث لا ... ترجو وتمحو عن جديدك ذلها
قال: فتفاءلت بذلك، وقويت نفسي، فكتبت إليه:
صبرتني ووعظتني وأنالها ... وستنجلي بل لا أقول لعلها
ويحلها من كان صاحب عقدها ... ثقة به إذ كان يملك حلها
قال: فلم أصل العتمة ذلك اليوم، حتى أطلقت، فصليتها في داري، ولم يمض يومي ذاك، حتى فرج الله عني، وأطلقت من حبسي، وروي أن هاتين الرقعتين وقعتا بيد الواثق، الرسالة والجواب، فأمر بإطلاق سليمان، وقال والله، لا تركت في حبسي من يرجو الفرج، ولا سيما من خدمني، فأطلقه على كره من ابن الجراح الزيات لذلك) (1).
3 - من يائس من تعلم علم النحو إلى إمام فيه:
قال الشيخ ابن عثيمين: (قد حدثني شيخنا المثابر عبد الرحمن السعدي - رحمه الله - أنه ذكر عن الكسائي إمام أهل الكوفة في النحو أنه طلب النحو فلم يتمكن، وفي يوم من الأيام وجد نملة تحمل طعاماً لها وتصعد به إلى الجدار وكلما صعدت سقطت، ولكنها ثابرت حتى تخلصت من هذه العقبة وصعدت الجدار، فقال الكسائي: هذه النملة ثابرت حتى وصلت الغاية، فثابر حتى صار إماماً في النحو، فينبغي أن نثابر ولا نيأس فإن اليأس معناه سد باب الخير، وينبغي لنا ألا نتشاءم بل نتفاءل وأن نعد أنفسنا خيراً) (2).
(1) ((الفرج بعد الشدة)) للتنوخي (1/ 186 - 188).
(2) ([5023]) انظر: ((كتاب العلم)) لابن عثيمين (26/ 121_ 122) بتصرف يسير.،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،كلمات في اليأس والقنوط
أخي الكريم لا تيأس ولا تقنط فإن:
1 - المؤمن يذنب ويتوب ووعد سبحانه بأنه يغفر لمن تاب.
2 - كتب ربكم على نفسه الرحمة.
3 - يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرت الله غفر لك.
4 - الذي خلقك هو أعلم بما يصلحك.
5 - ليس دوما يبتلى العبد ليعذب بل ليصطفى ويهذب.
6 - إنما يوجد الذهب في بطون الجبال لا في قارعة الطريق فتأمل.
7 - يأس من قبلك فضاع عمره وفسد قلبه وتنكدت حياته فاحذر.
8 - تفاءل بالخير تجده.
9 - لا تنظر للنصف الفارغ من الكوب.
10 - إن مع العسر يسرا ولن يغلب عسرا يسرين.
11 - لو كان العسر في جحر لدخل عليه اليسر.
12 - أنعم الله عليك فلا تنكر نعم الله.
13 - ميزك الله بقدرات ليست فيمن حولك فحاول أن تكتشفها.
14 - لا تيأس ولا تقنط؛ فالأذان رفع فوق الكعبة بعد سنين من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم.
- وكان يقال لو أسلم حمار الخطاب لأسلم عمر، ثم كان الفاروق.
- ويتحول الفضيل بن عياض من لص قاطع الطريق إلى إمام في الدين.
- ويُرفع الصليب على المسجد الأقصى تسعون سنة ثم يُرفع فيه الأذان.
- ويُنصر المسلمون على التتار بعد 41 عاماً من القتل والأسر والتشريد.
وهكذا دواليك ...اليأس والقنوط في واحة الشعر ..
قال ابن دريد: أنشدني أبو حاتم السجستاني:
إذا اشتملت على اليأس القلوب ... وضاق لما به الصدر الرحيب
وأوطأت المكاره واطمأنت ... وأرست في أماكنها الخطوب
ولم تر لانكشاف الضر وجها ... ولا أغنى بحيلته الأريب
أتاك على قنوط منك غوث ... يمن به اللطيف المستجيب
وكل الحادثات إذا تناهت ... فموصول بها الفرج القريب (1)
وقال آخر:
ولرب نازلة يضيق بها الفتى ... ذرعا وعند الله منها المخرج
كملت فلما استحكمت حلقاتها ... فرجت وكان يظنها لا تفرج (2)
وقال ابن القيم:
بالله أبلغ ما أسعى وأدركه ... لابي ولا يشفع لي من الناس
إذا أيست وكاد اليأس يقطعني ... جاء الرجا مسرعا من جانب اليأس (3)
وقال النابغة:
واليأس مما فات يعقب راحة ... ولرب مطمعة تكون ذباحاً (4)
وقال القحطاني:
ولأحسمن عن الأنام مطامعي ... بحسام يأس لم تشبه بناني (5) ...
(1) ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (8/ 42 - 433).
(2) ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (8/ 42 - 433).
(3) ((الفوائد)) ابن القيم (1/ 32).
(4) ((أساس البلاغة)) للزمخشري (1/ 309).
(5) ((القصيدة النونية) للقحطاني (1/ 18).