الاثنين، 23 أبريل 2012

موسوعة السيرة النبوية : المسير إلى بنى جذيمة والمسير لهدم العزى


المسير إلى بنى جذيمة والمسير لهدم العزى


مسير خالد بن الوليد بعد الفتح إلى بني جذيمة من كنانة ومسير علي لتلافي خطأ خالد
 وصاة الرسول له وما كان منه ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما حول مكة السرايا تدعو إلى الله عز وجل ، ولم يأمرهم بقتال ، وكان ممن بعث خالد بن الوليد ، وأمره أن يسير بأسفل تهامة داعياً ، ولم يبعثه مقاتلاً ، فوطئ بني جذيمة ، فأصاب منهم ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏ وقال عباس بن مرداس السلمي في ذلك ‏:‏
فإن تك أمرت في القوم خالدا * وقدمته فإنه قد تقدما
بجند هداه الله أنت أميره * نصيب به في الحق من كان أظلما
قال ابن هشام ‏:‏ وهذان البيتان في قصيدة له في حديث يوم حنين ، سأذكرها إن شاء الله في موضعها ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف ، عن أبي جعفر محمد بن علي ، قال ‏:‏ بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد حين افتتح مكة داعياً ، ولم يبعثه مقاتلاً ، ومعه قبائل من العرب ‏:‏ سليم بن منصور ، ومدلج بن مرة ، فوطئوا بني جذيمة بن عامر بن عبد مناة بن كنانة ، فلما رآه القوم أخذوا السلاح ، فقال خالد ‏:‏ ضعوا السلاح فإن الناس قد أسلموا ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني بعض أصحابنا من أهل العلم من بني جذيمة ‏:‏ قال ‏:‏ لما أمرنا خالد أن نضع السلاح قال رجل منا يقال له جحدم ‏:‏ ويلكم يا بني جذيمة ‏!‏ إنه خالد والله ‏!‏ ما بعد وضع السلاح إلا الإسار ، وما بعد الإسار إلا ضرب الأعناق ، والله لا أضع سلاحي أبداً ‏.‏
قال ‏:‏ فأخذه رجال من قومه ، فقالوا ‏:‏ يا جحدم ، أتريد أن تسفك دماءنا ‏؟‏ إن الناس أسلموا ووضعوا السلاح ، ووضعت الحرب ، وأمن الناس ‏.‏ فلم يزالوا به حتى نزعوا سلاحه ، ووضع القوم السلاح لقول خالد ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني حكيم بن حكيم ، عن أبي جعفر محمد بن علي ، قال ‏:‏ فلما وضعوا السلاح أمر بهم خالد عند ذلك ، فكتفوا ، ثم عرضهم على السيف ، فقتل من قتل منهم ؛ فلما انتهى الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رفع يديه إلى السماء ، ثم قال ‏:‏ اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد ‏.‏
الرسول يتبرأ من فعل خالد ‏
:‏
قال ابن هشام ‏:‏حدثني بعض أهل العلم ، أنه حدث عن إبراهيم بن جعفر المحمودي ، قال ‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ رأيت كأني لقمت لقمة من حيس فالتذذت طعمها ، فاعترض في حلقي منها شيء حين ابتلعتها ، فأدخل علي يده فنزعه ‏.‏
فقال أبو بكر الصديق رضى الله عنه ‏:‏ يا رسول الله ، هذه سرية من سراياك تبعثها ، فيأتيك منها بعض ما تحب ، ويكون في بعضها اعتراض ، فتبعث علياً فيسهله ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏ وحدثني أنه انفلت رجل من القوم فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبره الخبر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ هل أنكر عليه أحد ‏؟‏ فقال ‏:‏ نعم ، قد أنكر عليه رجل أبيض ربعة ، فنهمه خالد ، فسكت عنه ، وأنكر عليه رجل آخر طويل مضطرب ، فراجعه ، فاشتدت مراجعتهما ، فقال عمر بن الخطاب ‏:‏ أما الأول يا رسول الله فابني عبدالله ، وأما الآخر فسالم ، مولى أبي حذيفة ‏.‏
إرساله صلى الله عليه وسلم علياً بدية بني جذيمة ‏
:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني حكيم بن حكيم ، عن أبي جعفر محمد بن علي قال ‏:‏ ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضوان الله عليه ، فقال ‏:‏ يا علي ، اخرج إلى هؤلاء القوم ، فانظر في أمرهم ، واجعل أمر الجاهلية تحت قدميك ‏.‏
فخرج علي حتى جاءهم ومعه مال قد بعث به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فودى لهم الدماء وما أصيب لهم من الأموال ، حتى أنه ليدي لهم ميلغة الكلب ، حتى إذا لم يبق شيء من دم ولا مال إلا وداه ، بقيت معه بقية من المال ، فقال لهم علي رضوان الله عليه حين فرغ منهم ‏:‏ هل بقي لكم بقية من دم أو مال لم يود لكم ‏؟‏
قالوا ‏:‏ لا ، قال ‏:‏ فإني أعطيكم هذه البقية من هذا المال ، احتياطاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، مما يعلم ولا تعلمون ، ففعل ، ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر ‏:‏ فقال ‏:‏ أصبت وأحسنت ‏!‏ قال ‏:‏ ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقبل القبلة قائماً شاهراً يديه ، حتى إنه ليرى مما تحت منكبيه ، يقول ‏:‏ اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد ، ثلاث مرات ‏.‏
معذرة خالد في قتال القوم ‏
:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وقد قال بعض من يعذر خالداً ‏:‏ إنه قال ‏:‏ ما قاتلت حتى أمرني بذلك عبدالله بن حذافة السهمي ، وقال ‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمرك أن تقاتلهم لامتناعهم من الإسلام ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏ قال أبو عمرو المدني ‏:‏ لما أتاهم خالد ، قالوا ‏:‏ صبأنا صبأنا ‏.‏
ما وقع بين عبدالرحمن بن عوف وخالد بن الوليد ‏
:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وقد كان جحدم قال لهم حين وضعوا السلاح ورأى ما يصنع خالد ببني جذيمة ‏:‏ يا بني جذيمة ، ضاع الضرب ، قد كنت حذرتكم ما وقعتم فيه ‏.‏
قد كان بين خالد وبين عبدالرحمن بن عوف ، فيما بلغني ، كلام في ذلك ، فقال له عبدالرحمن بن عوف ‏:‏ عملت بأمر الجاهلية في الإسلام ‏.‏ فقال ‏:‏ إنما ثأرت بأبيك ‏.‏
فقال عبدالرحمن ‏:‏ كذبت ، قد قتلت قاتل أبي ، ولكنك ثأرت بعمك الفاكه بن المغيرة ، حتى كان بينهما شر ‏.‏ فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال ‏:‏ مهلاً يا خالد ، دع عنك أصحابي ، فوالله لو كان لك أحد ذهباً ثم أنفقته في سبيل الله ما أدركت غدوة رجل من أصحابي ولا روحته ‏.‏
ما كان بين قريش وبني جذيمة في الجاهلية ‏
:‏
وكان الفاكه بن المغيرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم ، وعوف بن عبد مناف بن عبدالحارث بن زهرة ، وعفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس قد خرجوا تجاراً إلى اليمن ، ومع عفان ابنه عثمان ، ومع عوف ابنه عبدالرحمن ‏.‏
فلما أقبلوا حملوا مال رجل من بني جذيمة بن عامر ، كان هلك باليمن ، إلى ورثته ، فادعاه رجل منهم يقال له خالد بن هشام ، ولقيهم بأرض بني جذيمة قبل أن يصلوا إلى أهل الميت ، فأبوا عليه ، فقاتلهم بمن معه من قومه على المال ليأخذوه ، وقاتلوه ، فقتل عوف بن عبد عوف ، والفاكه بن المغيرة ، ونجا عفان أبي العاص وابنه عثمان ، وأصابوا مال الفاكه بن المغيرة ، ومال عوف بن عبد عوف ، فانطلقوا به ‏.‏
وقتل عبدالرحمن بن عوف خالد بن هشام قاتل أبيه ، فهمت قريش بغزو بني جذيمة ، فقالت بنو جذيمة ‏:‏ ما كان مصاب أصحابكم عن ملأ منا ، إنما عدا عليهم قوم بجهالة ، فأصابوهم ولم نعلم ، فنحن نعقل لكم ما كان قبلنا من دم أو مال ، فقبلت قريش ذلك ، ووضعوا الحرب

خبر ابن أبي حدرد مع بني جذيمة ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس ، عن الزهري ، عن ابن أبي حدرد الأسلمي ، قال ‏:‏ كنت يومئذ في خيل خالد بن الوليد ، فقال لي ‏:‏ فتى من بني جذيمة ، وهو في سني ، وقد جمعت يداه إلى عنقه برمة ، ونسوة مجتمعات غير بعيد منه ، يا فتى ؛ فقلت ‏:‏ ما تشاء ‏؟‏
قال ‏:‏ هل أنت آخذ بهذه الرمة ، فقائدي إلى هؤلاء النسوة حتى أقضى إليهن حاجة ، ثم تردني بعد ، فتصنعوا بي ما بدا لكم ‏؟‏ قال ‏:‏ قلت ‏:‏ والله ليسير ما طلبت ‏.‏ فأخذت برمته فقدته بها ، حتى وقف عليهن ، فقال ‏:‏ اسمي حبيش على نفد من العيش ‏:‏
أريتك إذ طالبتكم فوجدتكم * بحلية أو ألفيتكم بالخوانق
ألم يك أهلاً أن ينول عاشق * تكلف إدلاج السرى والودائق
فلا ذنب لي قد قلت إذ أهلنا معا * أثيبي بود قبل إحدى الصفائق
أثيبي بود قبل أن تشحط النوى * وينأى الأمير بالحبيب المفارق
فإني لا ضيعت سر أمانة * ولا راق عيني عنك بعدك رائق
سوى أن ما نال العشيرة شاغل * عن الود إلا أن يكون التوامق
قال ابن هشام ‏:‏ وأكثر أهل العلم بالشعر ينكر البيتين الأخيرين منها له ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس ، عن الزهري عن ابن أبي حدرد الأسلمي ، قال ‏:‏ قلت ‏:‏ وأنت فحييت سبعاً وعشراً ، وتراً وثمانياً تترى ‏.‏ قال ‏:‏ ثم انصرفت به فضربت عنقه ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني أبو فراس بن أبي سنبلة الأسلمي ، عن أشياخ منهم ، عمن كان حضرها منهم ، قالوا ‏:‏ فقامت إليه حين ضربت عنقه ، فأكبت عليه ، فما زالت حتى ماتت عنده


مسير خالد بن الوليد لهدم العزى
خالد يهدم العزى
ثم بعث رسول الله صلى اله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى العزى ، وكانت بنخلة ، وكانت بيتا يعظمه هذا الحي من قريش وكنانة ومضر كلها ، وكانت سدنتها وحجابها بني شيبان من بني سليم حلفاء بني هاشم ، فلما سمع صاحبها السلمي بمسير خالد إليها ، علق عليها سيفه ، وأسند في الجبل الذي هي فيه وهو يقول ‏:‏
أيا عز شدي لا شوى لها * على خالد ألقى القناع وشمري
يا عز إن لم تقتلي المرء خالداً * فبوئي بإثم عاجل أو تنصري
فلما انتهى إليها خالد هدمها ، ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني ابن شهاب الزهري ، عن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود ، قال ‏:‏ أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة بعد فتحها خمس عشرة ليلة يقصر الصلاة ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وكان فتح مكة لعشر ليال بقين من شهر رمضان سنة ثمان