الاثنين، 23 أبريل 2012

موسوعة السيرة النبوية : غزوتا حنين والطائق


غزوتا حنين والطائف


غزوة حنين في سنة ثمان بعد الفتح
 اجتماع هوازن ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ ولما سمعت هوازن برسول الله صلى الله عليه وسلم وما فتح الله عليه من مكة ، جمعها مالك بن عوف النصري ، فاجتمع إليه مع هوازن ثقيف كلها ، واجتمعت نصر وجشم كلها ، وسعد بن بكر ، وناس من بني هلال ، وهم قليل ، ولم يشهدها من قيس عيلان إلا هؤلاء ، وغاب عنها فلم يحضرها من هوازن كعب ولا كلاب ، ولم يشهدها منهم أحد له اسم ‏.‏
وفي بني جشم دريد بن الصمة شيخ كبير ، ليس فيه شيء إلا التيمن برأيه ومعرفته بالحرب ، وكان شيخاً مجرباً ، وفي ثقيف سيدان لهم ، في الأحلاف قارب بن الأسود بن مسعود بن معتب ، وفي بني مالك ذو الخمار سبيع بن الحارث بن مالك ، وأخوه أحمر بن الحارث ، وجماع أمر الناس إلى مالك بن عوف النصري ‏.‏
فلما أجمع السير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حط مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم ، فلما نزل بأوطاس اجتمع إليه الناس ، وفيهم دريد بن الصمة في شجار له يقاد به ‏.‏
 ما أشار به دريد بن الصمة ‏:‏
فلما نزل قال ‏:‏ بأي واد أنتم ‏؟‏ قالوا ‏:‏ بأوطاس ، قال ‏:‏ نعم مجال الخيل ‏!‏ لا حزن ضرس ، ولا سهل دهس ، ما لي أسمع رغاء البعير ، ونهاق الحمير ، وبكاء الصغير ، ويعار الشاء ‏؟‏
قالوا ‏:‏ ساق مالك بن عوف مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم ‏.‏ قال ‏:‏ أين مالك ‏؟‏ قيل ‏:‏ هذا مالك ودعي له ، فقال ‏:‏ يا مالك ، إنك قد أصبحت رئيس قومك ، وإن هذا يوم كائن له ما بعده من الأيام ، ما لي أسمع رغاء البعير ، ونهاق الحمير ، وبكاء الصغير ، ويعار الشاء ‏؟‏
قال ‏:‏ سقت مع الناس أموالهم وأبناءهم ونساءهم ، قال ‏:‏ ولم ذاك ‏؟‏ قال ‏:‏ أردت أن أجعل خلف كل رجل منهم أهله وماله ، ليقاتل عنهم ، قال ‏:‏ فأنقض به ، ثم قال ‏:‏ راعي ضأن والله ‏!‏ وهل يرد المنهزم شيء ‏؟‏ إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه ، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك ‏.‏
ثم قال ‏:‏ ما فعلت كعب وكلاب ‏؟‏ قالوا ‏:‏ لم يشهدها منهم أحد ، قال ‏:‏ غاب الحد والجد ، ولو كان يوم علاء ورفعة لم تغب عنه كعب ولا كلاب ، ولوددت أنكم فعلتم ما فعلت كعب وكلاب ، فمن شهدها منكم ‏؟‏ قالوا ‏:‏ عمرو بن عامر ، وعوف بن عامر، قال ‏:‏ ذانك الجذعان من عامر ، لا ينفعان ولا يضران ؛ يا مالك ، إنك لم تصنع بتقديم البيضة بيضة هوازن إلى نحور الخيل شيئاً ، ارفعهم إلى متمنع بلادهم وعليا قومهم ، ثم الق الصباء على متون الخيل فإن كانت لك لحق بك من وراءك ، وإن كانت عليك ألفاك ذلك وقد أحرزت أهلك ومالك ‏.‏
قال ‏:‏ والله لا أفعل ذلك ، إنك قد كبرت وكبر عقلك ‏.‏ والله لتطيعنني يا معشر هوازن أو لأتكئن على هذا السيف حتى يخرج من ظهري ‏.‏ وكره أن يكون لدريد بن الصمة فيها ذكر أو رأي ؛ فقالوا ‏:‏ أطعناك ؛ فقال دريد بن الصمة ‏:‏ هذا يوم لم أشهده ولم يفتني ‏:‏
ياليتني فيها جذع * أخب فيها وأضع
أقود وطفاء الزمع * وكأنها شاة صدع
قال ابن هشام ‏:‏ أنشدني غير واحد من أهل العلم بالشعر قوله ‏:‏
يا ليتني فيها جذع *
 الملائكة وعيون مالك بن عوف ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ ثم قال ‏:‏ مالك للناس ‏:‏ إذا رأيتموهم فاكسروا جفون سيوفكم ، ثم شدوا شدة رجل واحد ‏.‏
قال ‏:‏ وحدثني أمية بن عبدالله بن عمرو بن عثمان أنه حدث ‏:‏ أن مالك بن عوف بعث عيوناً من رجاله ، فأتوه وقد تفرقت أوصالهم ، فقال ‏:‏ ويلكم ‏!‏ ما شأنكم ‏؟‏ فقالوا ‏:‏ رأينا رجالاً بيضاً على خيل بلق ، فوالله ما تماسكنا أن أصابنا ما ترى ، فوالله ما رده ذلك عن وجهه أن مضى على ما يريد ‏.‏
 بعث عبدالله بن أبي حدرد عيناً على خزاعة ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ ولما سمع بهم نبي الله صلى الله عليه وسلم بعث إليهم عبدالله بن أبي حدرد الأسلمي ، وأمره أن يدخل في الناس ، فيقيم فيهم حتى يعلم علمهم ، ثم يأتيه بخبرهم ‏.‏
فانطلق ابن أبي حدرد ، فدخل فيهم ، فأقام فيهم ، حتى سمع وعلم ما قد أجمعوا له من حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسمع من مالك وأمر هوازن ما هم عليه ، ثم أقبل حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب ، فأخبره الخبر فقال عمر ‏:‏ كذب ابن أبي حدرد ، فقال ابن أبي حدرد ‏:‏ إن كذبتني فربما كذبت بالحق يا عمر ، فقد كذبت من هو خير مني ‏.‏
فقال عمر ‏:‏ يا رسول الله ، ألا تسمع ما يقول ابن أبي حدرد ‏؟‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ قد كنت ضالاً ، فهداك الله يا عمر ‏.‏
 استعارة الرسول أدراع صفوان ‏:‏
فلما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم السير إلى هوازن ليلقاهم ، ذكر له أن عند صفوان بن أمية أدراعاً له وسلاحاً ، فأرسل إليه وهو يومئذ مشرك ‏.‏
فقال ‏:‏ يا أبا أمية ، أعرنا سلاحك هذا نلق فيه عدونا غداً ، فقال صفوان ‏:‏ أغصبا يا محمد ‏؟‏ قال ‏:‏ بل عارية ومضمونة حتى نؤديها إليك ؛ قال ‏:‏ ليس بهذا بأس فأعطاه مائة درع بما يكفيها من السلاح ، فزعموا أن رسول الله صلى اله عليه وسلم سأله أن يكفيهم حملها ، ففعل ‏.‏
 من أمره عليه السلام على مكة ‏:‏
قال ‏:‏ ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم معه ألفان من أهل مكة مع عشرة آلاف من أصحابه الذين خرجوا معه ، ففتح الله بهم مكة ، فكانوا اثني عشر ألفاً ، واستعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم عتاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس على مكة ، أميراً على من تخلف عنه من الناس ، ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على وجهه يريد لقاء هوازن
 قصة ذات أنواط ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني ابن شهاب الزهري ، عن سنان بن أبي سنان الدؤلي ، عن أبي واقد الليثي ، أن الحارث بن مالك ، قال ‏:‏ خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين ونحن حديثو عهد بالجاهلية ، قال ‏:‏ فسرنا معه إلى حنين ، قال ‏:‏ وكانت كفار قريش ومن سواهم من العرب لهم شجرة عظيمة خضراء ، يقال لها ‏:‏ ذات أنواط ، يأتونها كل سنة فيعلقون أسلحتهم عليها ، ويذبحون عندها ، ويعكفون عليها يوماً ‏.‏
قال ‏:‏ فرأينا ونحن نسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سدرة خضراء عظيمة ، قال ‏:‏ فتنادينا من جنبات الطريق ‏:‏ يا رسول الله ، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط ‏.‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ الله أكبر ، قلتم ، والذي نفس محمد بيده ، كما قال قوم موسى لموسى ‏:‏ ‏(‏ اجعل لنا إلها كما لهم آلهة ، قال إنكم قوم تجهلون ‏)‏ ‏.‏ إنها السنن ، لتركبن سنن من كان قبلكم ‏.‏
 ثبات الرسول وبعض الصحابة في لقاء هوازن ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، عن عبدالرحمن بن جابر ، عن أبيه جابر بن عبدالله ، قال ‏:‏ لما استقبلنا وادي حنين انحدرنا في واد من أودية تهامة أجوف حطوط ، إنما ننحدر فيه انحداراً ، قال ‏:‏ وفي عماية الصبح ، وكان القوم قد سبقونا إلى الوادي ، فكمنوا لنا في شعابه وأحنائه ومضايقه ، وقد أجمعوا وتهيئوا وأعدوا ، فوالله ما راعنا ونحن منحطون إلا الكتائب قد شدوا علينا شدة رجل واحد ، وانشمر الناس راجعين ، لا يلوي أحد على أحد ‏.‏
وانحاز رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات اليمن ، ثم قال ‏:‏ أين أيها الناس ‏؟‏ هلموا إلي ، أنا رسول الله ، أنا محمد بن عبدالله ‏.‏
قال ‏:‏ فلا شيء ، حملت الإبل بعضها على بعض ، فانطلق الناس ، إلا أنه قد بقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر من المهاجرين والأنصار وأهل بيته ‏.‏
 من ثبت معه صلى الله عليه وسلم ‏:‏
وفيمن ثبت معه من المهاجرين أبو بكر وعمر ، ومن أهل بيته علي بن أبي طالب والعباس بن عبدالمطلب ، وأبو سفيان بن الحارث ، وابنه ، والفضل بن العباس ، وربيعة بن الحارث ، وأسامة بن زيد ، وأيمن بن عبيد ، قتل يومئذ ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏اسم ابن أبي سفيان بن الحارث جعفر ، واسم أبي سفيان المغيرة ؛ وبعض الناس يعد فيهم قثم بن العباس ، ولا يعد ابن أبي سفيان ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، عن عبدالرحمن بن جابر ، عن أبيه جابر بن عبدالله ، قال ‏:‏ ورجل من هوزان على جمل له أحمر ، بيده راية سوداء في رأس رمح له طويل ، أمام هوازن ، وهوازن خلفه ، إذا أدرك طعن برمحه ، وإذا فاته الناس رفع رمحه لمن وراءه فاتبعوه ‏.‏
 أبو سفيان بن حرب وبعض الناس يشمت بالمسلمين ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فلما انهزم الناس ، ورأى من كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من جفاة أهل مكة الهزيمة ، تكلم رجال منهم بما في أنفسهم من الضغن ، فقال أبو سفيان بن حرب ‏:‏ لا تنتهي هزيمتهم دون البحر ، وإن الأزلام لمعه في كنانته ‏.‏
وصرخ جبلة بن الحنبل - قال ابن هشام ‏:‏ كلدة بن الحنبل - وهو مع أخيه صفوان بن أمية مشرك في المدة التي جعل له رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ألا بطل السحر اليوم ‏!‏ فقال له صفوان ‏:‏ اسكت فض الله فاك ، فوالله لأن يربني رجل من قريش أحب إلى من أن يربني رجل من هوازن
شيبة بن طلحة يحاول قتل الرسول صلى الله عليه وسلم ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وقال شيبة بن عثمان بن أبي طلحة ، أخو بني عبدالدار ، قلت ‏:‏ اليوم أدرك ثأري من محمد ، وكان أبوه قتل يوم أحد ، اليوم أقتل محمداً ، قال ‏:‏ فأدرت برسول الله لأقتله ، فأقبل شيء حتى تغشى فؤداي ، فلم أطق ذاك ، وعلمت أنه ممنوع مني ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني بعض أهل مكة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين فصل من مكة إلى حنين ، ورأى كثرة من معه من جنود الله ‏:‏ لن نغلب اليوم من قلة ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وزعم بعض الناس أن رجلاً من بني بكر قالها ‏.‏
 النصر للمسلمين ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني الزهري ، عن كثير بن العباس ، عن أبيه العباس بن عبدالمطلب ، قال ‏:‏ إني لمع رسول الله صلى الله عليه وسلم آخذ بحكمة بغلته البيضاء قد شجرتها بها ، قال ‏:‏ وكنت امرأ جسيماً شديد الصوت ‏.‏
قال ‏:‏ ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين رأى ما رأى من الناس ‏:‏ أين أيها الناس ‏؟‏ فلم أر الناس يلوون على شيء ، فقال ‏:‏ يا عباس ، اصرخ يا معشر الأنصار ‏:‏ يا معشر أصحاب السمرة ، قال ‏:‏ فأجابوا ‏:‏ لبيك لبيك ‏!‏ قال ‏:‏ فيذهب الرجل ليثني بعيره ، فلا يقدر على ، ذلك فيأخذ درعه فيقذفها في عنقه ؛ ويأخذ سيفه ترسه ، ويقتحم عن بعيره ، ويخلي سبيله ، فيؤم الصوت ، حتى ينتهي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏
حتى إذا اجتمع إليه منهم مائة ، استقبلوا الناس ، فاقتتلوا ، وكانت الدعوى أول ما كانت ‏:‏ يا للأنصار ‏.‏ ثم خلصت أخيراً ‏:‏ يا للخزرج ‏.‏
وكانوا صبراً عند الحرب ، فأشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم في ركائبه ‏.‏ فنظر إلى مجتلد القوم وهم يجتلدون ، فقال ‏:‏ الآن حمي الوطيس ‏.‏
 قتل علي صاحب راية هوازن ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، عن عبدالرحمن بن جابر ، عن أبيه جابر بن عبدالله ، قال ‏:‏ بينا ذلك الرجل من هوزان صاحب الراية على جمله يصنع ما يصنع ، إذ هوى له علي بن أبي طالب رضوان الله عليه ورجل من الأنصار يريدانه ، قال ‏:‏ فيأتيه علي بن أبي طالب من خلفه ، فضرب عرقوبي الجمل ، فوقع على عجزه ، ووثب الأنصاري على الرجل ، فضربه ضربة أطن قدمه بنصف ساقه ، فانجعف عن رحله ، قال ‏:‏ واجتلد الناس ، فوالله مارجعت راجعة الناس من هزيمتهم حتى وجدوا الأسارى مكتفين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏
قال ‏:‏ والتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي سفيان بن الحارث بن عبدالمطلب ، وكان ممن صبر يومئذ مع رسول اله صلى الله عليه وسلم ، وكان حسن الإسلام حين أسلم ، وهو أخذ بثفر بغلته ، فقال ‏:‏ من هذا ‏؟‏ قال ‏:‏ أنا ابن أمك يا رسول الله ‏.‏
 أم سليم في المعركة ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني عبدالله بن أبي بكر ‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم التفت فرأى أم سليم بنت ملحان ‏:‏ وكانت مع زوجها أبي طلحة وهي حازمة وسطها ببرد لها ، وإنها لحامل بعبدالله بن أبي طلحة ، ومعها جمل أبي طلحة ، وقد خشيت أن يعزها الجمل ، فأدنت رأسه منها ، فأدخلت يدها في حزامته مع الخطام ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ أم سليم ‏؟‏
قالت ‏:‏ نعم بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، اقتل هؤلاء الذين ينهزمون عنك كما تقتل الذين يقاتلونك ، فإنهم لذلك أهل ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ أو يكفي الله يا أم سليم ‏؟‏ قال ‏:‏ ومعها خنجر ، فقال لها أبو طلحة ‏:‏ ما هذا الخنجر معك يا أم سليم ‏؟‏ قالت ‏:‏ خنجر أخذته إن دنا مني أحد من المشركين بعجته به قال ‏:‏ يقول أبو طلحة ‏:‏ ألا تسمع يا رسول الله ما تقول أم سليم الرميصاء
 من قتل قتيلاً فله سلبه ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني عبدالله بن أبي بكر ، أنه حدث عن أبي قتادة الأنصاري قال ‏:‏ وحدثني من لا أتهم من أصحابنا عن نافع مولى بني غفار أبي محمد عن أبي قتادة ، قالا ‏:‏ قال أبو قتادة ‏:‏ رأيت يوم حنين رجلين يقتتلان ‏:‏ مسلماً ومشركاً ، قال ‏:‏ وإذا رجل من المشركين يريد أن يعين صاحبه المشرك على المسلم ‏.‏
قال ‏:‏ فأتيته ، فضربت يده ، فقطعتها ، واعتنقني بيده الأخرى ، فوالله ما أرسلني حتى وجدت ريح الدم - ويروى ‏:‏ ريح الموت ، فيما قال ابن هشام - وكاد يقتلني ، فلولا أن الدم نزفه لقتلني ، فسقط ، فضربته فقتلته ، وأجهضني عنه القتال ، ومر به رجل من أهل مكة فسلبه ‏.‏
فلما وضعت الحرب أوزارها وفرغنا من القوم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ من قتل قتيلاً فله سلبه ، فقلت ‏:‏ يا رسول الله ، والله لقد قتلت قتيلاً ذا سلب ، فأجهضني عنه القتال ، فما أدري من استلبه ‏؟‏ فقال رجل من أهل مكة ‏:‏ صدق يا رسول الله ، وسلب ذلك القتيل عندي ، فأرضه عني من سلبه ،
فقال أبو بكر الصديق رضى الله عنه ‏:‏ لا والله ، لا يرضيه منه ، تعمد إلى أسد من أسد الله ، يقاتل عن دين الله ، تقاسمه سلبه ‏!‏ اردد عليه سلب قتيله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ صدق اردد عليه سلبه ‏.‏ فقال أبو قتادة ‏:‏ فأخذته منه ، فبعته ، فاشتريت بثمنه مخرفاً ، فإنه لأول مال اعتقدته ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني من لا أتهم ، عن أبي سلمة ، عن إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة ، عن أنس بن مالك ، قال ‏:‏ لقد استلب أبو طلحة يوم حنين وحده عشرين رجلاً ‏.‏
 الملائكة تحضر القتال ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني أبي إسحاق بن يسار ، أنه حدث عن جبير بن مطعم ، قال ‏:‏ رأيت قبل هزيمة القوم والناس يقتتلون مثل البجاد الأسود ، أقبل من السماء حتى سقط بيننا وبين القوم ، فنظرت ، فإذا نمل أسود مبثوث قد ملأ الوادي ، لم أشك أنها الملائكة ، ثم لم يكن إلا هزيمة القوم ‏.‏
 هزيمة هوازن ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ ولما هزم الله المشركين من أهل حنين ، وأمكن رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم ، قالت امرأة من المسلمين ‏:‏
قد غلبت خيل الله خيل اللات * والله أحق بالثبات
قال ابن هشام ‏:‏ أنشدني بعض أهل العلم بالرواية للشعر ‏:‏
غلبت خيل الله خيل اللات * وخيله أحق بالثبات
قال ابن إسحاق ‏:‏ فلما انهزمت هوازن استحر القتل من ثقيف في بني مالك ، فقتل منهم سبعون رجلاً تحت رايتهم ، فيهم عثمان بن عبدالله بن ربيعة بن الحارث بن حبيب ، وكانت رايتهم مع ذي الخمار ، فلما قتل أخذها عثمان بن عبدالله ، فقاتل بها حتى قتل ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وأخبرني عامر بن وهب بن الأسود ، قال ‏:‏ لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قتله ، قال ‏:‏ أبعده الله ‏!‏ فإنه كان يبغض قريشاً ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس ‏:‏ أنه قتل مع عثمان بن عبدالله غلام له نصراني أغرل ، قال ‏:‏ فبينا رجل من الأنصار يسلب قتلى ثقيف ، إذ كشف العبد يسلبه ، فوجده أغرل ‏.‏ قال ‏:‏ فصاح بأعلى صوته ‏:‏ يا معشر العرب ‏:‏ يعلم الله أن ثقيفا غرل ‏.‏
قال المغيرة بن شعبة ‏:‏ فأخذت بيده ، وخشيت أن تذهب عنا في العرب ، فقلت ‏:‏ لا تقل ذاك ، فداك أبي وأمي ، إنما هو غلام لنا نصراني ‏.‏ قال ‏:‏ ثم جعلت أكشف له عن القتلى ، وأقول له ‏:‏ ألا تراهم مختنين كما ترى ‏!‏
 هروب قارب بن الأسود مع قومه يوم حنين ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وكانت راية الأحلاف مع قارب بن الأسود ، فلما انهزم الناس أسند رايته إلى شجرة ، وهرب هو وبنو عمه وقومه من الأحلاف ، فلم يقتل من الأحلاف غير رجلين ‏:‏ رجل من غيرة ، يقال له ‏:‏ وهب ، وآخر من بني كبة ، يقال له ‏:‏ الجلاح ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه قتل الجلاح ‏:‏ قتل اليوم سيد شباب ثقيف ، إلا ما كان من ابن هنيدة ، يعني بابن هنيدة الحارث بن أويس
 مقتل دريد ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ ولما انهزم المشركون ، أتوا الطائف ومعهم مالك بن عوف ، وعسكر بعضهم بأوطاس ، وتوجه بعضهم نحو نخلة ، ولم يكن فيمن توجه نحو نخلة إلا بنو غيرة من ثقيف ، وتبعت خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم من سلك في نخلة من الناس ، ولم تتبع من سلك الثنايا ‏.‏
فأدرك ربيعة بن رفيع بن أهبان بن ثعلبة بن ربيعة بن يربوع بن سمال ابن عوف بن امرؤ القيس ، وكان يقال له ‏:‏ ابن الدغنة وهي أمه ، فغلبت على اسمه ، ويقال ‏:‏ ابن لذعة فيما قال ابن هشام ‏:‏ - دريد بن الصمة ، فأخذ بخطام جمله وهو يظن أنه امرأة ، وذلك أنه في شجار له ، فإذا برجل ، فأناح به ، فإذا شيخ كبير ، وإذا هو دريد بن الصمة ولا يعرفه الغلام ‏!‏
فقال له دريد ‏:‏ ماذا تريد بي ‏؟‏ قال ‏:‏ أقتلك ، قال ‏:‏ ومن أنت ‏؟‏ قال ‏:‏ أنا ربيعة بن رفيع السلمي ، ثم ضربه بسيفه ، فلم يغن شيئاً ، فقال ‏:‏ بئس ما سلحتك أمك ‏!‏ خذ سيفي هذا من مؤخر الرحل ، وكان الرحل في الشجار ، ثم أضرب به ، وارفع عن العظام ، وأخفض عن الدماغ ، فإني كنت كذلك أضرب الرجال ، ثم إذا أتيت أمك فأخبرها أنك قتلت دريد بن الصمة ، فرب والله يوم قد منعت فيه نساءك ‏.‏
فزعم بنو سليم أن ربيعة لما ضربه فوقع تكشف ، فإذا عجانه وبطون فخذيه ، مثل القرطاس من ركوب الخيل أعراء ؛ فلما رجع ربيعة إلى أمه أخبرها بقتله إياه ، فقالت ‏:‏ أما والله لقد أعتق أمهات لك ثلاثاً
 استشهاد أبي عامر الأشعري ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثار من توجه قبل أوطاس أبا عامر الأشعري ، فأدرك من الناس بعض من انهزم ، فناوشوه القتال ، فرمي أبو عامر بسهم فقتل ؛ فأخذ الراية أبو موسى الأشعري ، وهو ابن عمه ، فقاتلهم ، ففتح الله على يديه وهزمهم ، فيزعمون أن سلمة بن دريد هو الذي رمى أبا عامر الأشعري بسهم ، فأصاب ركبته ، فقتله ، فقال ‏:‏
إن تسألوا عني فإني سلمه * ابن سمادير لمن توسمه
أضرب بالسيف رءوس المسلمه *
 دعاء الرسول لبني رئاب ‏:‏
وسمادير ‏:‏ أمه ‏.‏
واستحر القتل من بني نصر في بني رئاب ، فزعموا أن عبدالله بن قيس - وهو الذي يقال له ابن العوراء ، وهو أحد بني وهب بن رئاب - قال ‏:‏ يا رسول الله ، هلكت بنو رئاب ‏.‏
فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏:‏ اللهم اجبر مصيبتهم
 لقاء الزبير بعض المنهزمين ‏:‏
قال ابن هشام ‏:‏ وبلغني أن خيلا طلعت ومالك وأصحابه على الثنية ، فقال لأصحابه ‏:‏ ماذا ترون ‏؟‏ فقالوا ‏:‏ نرى قوماً واضعي رماحهم بين آذان خيلهم ، طويلة بوادهم ؛ فقال ‏:‏ هؤلاء بنو سليم ، ولا بأس عليكم منهم ؛ فلما أقبلوا سلكوا بطن الوادي ‏.‏
ثم طلعت خيل أخرى تتبعها ؛ فقال لأصحابه ‏:‏ ماذا ترون ‏؟‏ قالوا ‏:‏ نرى قوماً عارضي رماحهم أغفالاً على خيلهم ؛ فقال ‏:‏ هؤلاء الأوس والخزرج ، ولا بأس عليكم منهم ‏.‏
فلما انتهوا إلى الثنية سلكوا طريق بني سليم ‏.‏ ثم طلع فارس ؛ فقال لأصحابه ‏:‏ ماذا ترون ‏؟‏ قالوا ‏:‏ نرى فارساً طويل الباد ، واضعاً رمحه على عاتقه ، عاصباً رأسه بملاءة حمراء فقال ‏:‏ هذا الزبير بن العوام واحلف باللات ليخالطنكم ، فاثبتوا له ‏.‏ فلما انتهى الزبير إلى أصل الثنية أبصر القوم ، فصمد لهم ، فلم يزل يطاعنهم حتى أزاحهم عنها
من حديث أبي عامر الأشعري ومقتله يوم حنين ‏:‏
قال ابن هشام ‏:‏ وحدثني من أثق به من أهل العلم بالشعر ، وحديثه ‏:‏ أن أبا عامر الأشعري لقي يوم أوطاس عشرة أخوة من المشركين ، فحمل عليه أحدهم ، فحمل عليه أبو عامر وهو يدعوه إلى الإسلام ويقول ‏:‏ اللهم اشهد عليه ، فقتله أبو عامر ؛ ثم حمل عليه آخر ، فحمل عليه أبو عامر ، وهو يدعوه إلى الإسلام ويقول ‏:‏ اللهم اشهد عليه ، فقتله أبو عامر ‏:‏ ثم جعلوا يحملون عليه رجلاً رجلاً ، ويحمل أبو عامر وهو يقول ذلك ، حتى قتل تسعة ، وبقي العاشر ، فحمل على أبي عامر ، وحمل عليه أبو عامر ، وهو يدعوه إلى الإسلام ويقول ‏:‏ اللهم اشهد عليه ؛ فقال الرجل ‏:‏ اللهم لا تشهد علي ، فكف عنه أبو عامر فأفلت ؛ ثم أسلم بعد فحسن إسلامه ‏.‏ فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رآه قال ‏:‏ هذا شريد أبي عامر ‏.‏
ورمى أبا عامر أخوان ‏:‏ العلاء وأوفى ابنا الحارث ، من بني جشم بن معاوية ، فأصاب أحدهما قلبه ، والآخر ركبته ، فقتلاه ‏.‏ وولي الناس أبو موسى الأشعري فحمل عليهما فقتلهما ؛ فقال رجل من بني جشم بن معاوية يرثيهما ‏:‏
إن الرزية قتل العلاء * وأوفى جميعا ولم يسندا
هما القاتلان أبا عامر * وقد كان ذا هبة أربدا
هما تركاه لدى معرك * كأن على عطفه مجسدا
فلم تر في الناس مثليهما * أقل عثارا وأرمى يدا
نهيه عليه السلام عن قتل الضعفاء ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني بعض أصحابنا ‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر يومئذ بامرأة وقد قتلها خالد بن الوليد ، والناس متقصفون عليها فقال ‏:‏ ما هذا ‏؟‏ فقالوا ‏:‏ امرأة قتلها خالد بن الوليد ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبعض من معه ‏:‏ أدرك خالداً ، فقل له ‏:‏ إن رسول الله ينهاك أن تقتل وليداً أو امرأة أو عسيفاً ‏.‏
 الشيماء أخت الرسول ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني بعض بني سعد بن بكر ‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يومئذ ‏:‏ إن قدرتم على بجاد ، رجل من بني سعد بن بكر ، فلا يفلتنكم ، وكان قد أحدث حدثاً ، فلما ظفر به المسلمون ساقوه وأهله ، وساقوا معه الشيماء ، بنت الحارث بن عبدالعزى أخت رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة ، فعنفوا عليها في السياق ؛ فقالت للمسلمين ‏:‏ تعلموا والله أني لأخت صاحبكم من الرضاعة ؛ فلم يصدقوها حتى أتوا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏
 إكرامه عليه السلام أخته الشيماء ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني يزيد بن عبيد السعدي ، قال ‏:‏ فلما انتهى بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالت ‏:‏ يا رسول الله ، إني أختك من الرضاعة ؛ قال ‏:‏ وما علامة ذلك ‏؟‏
قالت ‏:‏ عضة عضضتنيها في ظهري وأنا متوركتك ؛ قال ‏:‏ فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم العلامة ، فبسط لها رداءه ، فأجلسها عليه ، وخيرها ، وقال ‏:‏ إن أحببت فعندي محبة مكرمة ، وإن أحببت أن أمتعك وترجعي إلى قومك فعلت ؛ فقالت ‏:‏ بل تمتعني وتردني إلى قومي ‏.‏
فمتعها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وردها إلى قومها ‏.‏ فزعمت بنو سعد أنه أعطاها غلاما له يقال له مكحول ، وجارية ، فزوجت أحدهما الأخرى ، فلم يزل فيهم من نسلهما بقية ‏.‏
 ما أنزل الله في حنين ‏:‏
قال ابن هشام ‏:‏ وأنزل الله عز وجل في يوم حنين ‏:‏ ‏(‏ لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم ‏)‏ إلى قوله ‏:‏ ‏(‏ وذلك جزاء الكافرين ‏)‏ ‏.‏
 شهداء حنين ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وهذه تسمية من استشهد يوم حنين من المسلمين ‏:‏
من قريش ‏:‏ ثم من بني هاشم ‏:‏ أيمن بن عبيد ‏.‏
ومن بني أسد بني عبدالعزى ‏:‏ يزيد بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد ، جمح به فرس له يقال له الجناح ، فقتل ‏.‏
ومن الأنصار ‏:‏ سراقة بن الحارث بن عدي ، من بني العجلان ‏.‏
ومن الأشعريين ‏:‏ أبو عامر الأشعري ‏.‏
 سبايا حنين وأموالها ‏:‏
ثم جمعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا حنين وأموالها ، وكان على المغانم مسعود بن عمرو الغفاري ، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسبايا والأموال إلى الجعرانة ، فحبست بها



غزوة الطائف


ذكر غزوة الطائف بعد حنين في سنة ثمان
 فلول ثقيف ‏:‏
ولما قدم فل ثقيف الطائف أغلقوا عليهم أبواب مدينتها ، وصنعوا الصنائع للقتال ‏.‏
 المتخلفون عن الطائف ‏:‏
و لم يشهد حنينا ولا حصار الطائف عروة بن مسعود ، ولا غيدن بن سلمة ، كانا بجرش يتعلمان صنعة الدبابات والمجانيق والضبور ‏
 الطريق إلى الطائف ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فسلك رسول الله صلى الله عليه وسلم على نخلة اليمانية ، ثم على قرن ، ثم على المليح ، ثم على بحرة الرغاء من لية ، فابتنى بها مسجداً فصلى فيه ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني عمرو بن شعيب ‏:‏ أنه أقاد يومئذ ببحرة الرغاء ، حين نزلها ، بدم ، وهو أول دم أقيد به في الإسلام ، رجل من بني ليث قتل رجلا من هذيل ، فقتلته به ‏.‏
وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو بلية ، بحصن مالك بن عوف فهدم ، ثم سلك في طريق يقال لها الضيقة ، فلما توجه فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل عن اسمها ، فقال ‏:‏ ما اسم هذه الطريق ‏؟‏
فقيل له ‏:‏ الضيقة ، فقال ‏:‏ بل هي اليسرى ، ثم خرج منها على نخب ، حتى نزل تحت سدرة يقال لها الصادرة ‏:‏ قريباً من مال رجل من ثقيف ، فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ إما أن تخرج ، وإما أن نخرب عليك حائطك ؛ فأبى أن يخرج ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأخرابه ‏.‏
ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل قريباً من الطائف ، فضرب به عسكره ، فقتل به ناس من أصحابه بالنبل ، وذلك أن العسكر اقترب من حائط الطائف ، وكانت النبل تنالهم ، ولم يقدر المسلمون على أن يدخلوا حائطهم ، أغلقوه دونهم ؛ فلما أصيب أولئك النفر من أصحابه بالنبل وضع عسكره عند مسجده الذي بالطائف اليوم ، فحصرهم بضعاً وعشرين ليلة ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏ ويقال ‏:‏ سبع عشرة ليلة ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ ومعه امرأتان من نسائه ، إحداهما أم سلمة بنت أبي أمية ، فضرب لهما قبتين ، ثم صلى بين القبتين ‏.‏
ثم أقام ، فلما أسلمت ثقيف بني على مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية بن وهب بن معتب ابن مالك مسجداً ، وكانت في ذلك المسجد سارية ، في ما يزعمون ، لا تطلع الشمس عليها يوماً من الدهر إلا سمع لها نقيض ، فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقاتلهم قتالاً شديداً وتراموا بالنبل ‏.‏
 أول من رمى بالمنجنيق في الإسلام ‏:‏
قال ابن هشام ‏:‏ ورماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمنجنيق ‏.‏
حدثني من أثق به ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أول من رمى في الإسلام بالمنجنيق ، رمى أهل الطائف ‏.‏
 يوم الشدخة ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ حتى إذا كان يوم الشدخة عند جدار الطائف ، دخل نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت دبابة ، ثم زحفوا إلى جدار الطائف ليخرقوه ، فأرسلت عليهم ثقيف سكك الحديد محماة بالنار ، فخرجوا من تحتها ، فرمتهم ثقيف بالنبل ، فقتلوا منهم رجالاً ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع أعناب ثقيف ، فوقع الناس فيها يقطعون ‏.‏
 أبو سفيان بن حرب والمغيرة يتفاوضان مع ثقيف ‏:‏
وتقدم أبو سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة إلى الطائف ، فناد يا ثقيفاً ‏:‏ أن أمنونا حتى نكلمكم فأمنوهما ، فدعوا نساء من نساء من قريش وبني كنانة ليخرجن إليهما ، وهما يخافان عليهن السباء ، فأبين ، منهن آمنة بنت أبي سفيان ، كانت عند عروة بن مسعود ، له منها داود بن عروة ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏ ويقال إن أم داود ميمونة بنت أبي سفيان ، كانت عند أبي مرة بن عروة بن مسعود ، فولدت له داود بن مرة ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ والفراسية بنت سويد بن عمرو بن ثعلبة ، لها عبدالرحمن بن قارب ، والفقيمية أميمة بنت الناسي أمية بن قلع ؛ فلما أبين عليهما ، قال لهما ابن الأسود بن مسعود ‏:‏ يا أبا سفيان ويا مغيرة ، ألا أدلكما على خير مما جئتما له ، إن مال بني الأسود بن مسعود حيث قد علمتما ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين الطائف ، نازلا بواد يقال له العقيق ، ليس بالطائف مال أبعد رشاء ، ولا أشد مؤنة ، ولا أبعد عمارة من مال بني الأسود ، وإن محمداً إن قطعه لم يعمر أبداً ، فكلماه فليأخذ لنفسه ، أو ليدعه لله والرحم ، فإن بيننا وبينه من القرابة ما لا يجهل ؛ فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تركه لهم ‏.‏
 أبو بكر يفسر رؤيا الرسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏
وقد بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر الصديق ‏:‏ وهو محاصر ثقيفاً ‏:‏ يا أبا بكر ، إني رأيت أني أهديت لي قعبة مملوءة زبداً ، فنقرها ديك ، فهراق ما فيها ‏.‏ فقال أبو بكر ‏:‏ ما أظن أن تدرك منهم يومك هذا ما تريد ‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ وأنا لا أرى ذلك ‏.‏
 ارتحال المسلمين عن الطائف ‏:‏
ثم إن خويلة بنت حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص السلمية ، وهي امرأة عثمان ، قالت ‏:‏ يا رسول الله ، أعطني إن فتح الله عليك الطائف حلي بادية بنت غيلان بن مظعون بن سلمة ، أو حلي الفارعة بنت عقيل ، وكانتا من أحلى نساء ثقيف ‏.‏
فذكر لي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها ‏:‏ وإن كان لم يؤذن لي في ثقيف يا خويلة ‏؟‏ فخرجت خويلة ، فذكرت ذلك لعمر بن الخطاب ، فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال يا رسول الله ‏:‏ ما حديث حدثتنيه خويلة ، زعمت أنك قتله ‏؟‏ قال ‏:‏ قد قلته ؛ قال ‏:‏ أو ما أذن لك فيهم يا رسول الله ‏؟‏ قال ‏:‏ لا ‏.‏ قال ‏:‏ أفلا أؤذن بالرحيل ‏؟‏ قال ‏:‏ بلى ‏.‏ قال ‏:‏ فأذن عمر بالرحيل ‏.‏
 عيينة بن حصن وما كان يرغب فيه من نساء ثقيف ‏:‏
فلما استقام الناس نادى سعيد بن عبيد بن أسيد بن أبي عمرو بن علاج ‏:‏ ألا إن الحي مقيم ‏.‏ قال ‏:‏ يقول عيينة بن حصن ‏:‏ أجل ، والله مجدة كراماً ؛ فقال له رجل من المسلمين ‏:‏ قاتلك الله يا عيينة ، أتمدح المشركين بالامتناع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد جئت تنصر رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏!‏
فقال ‏:‏ إني والله ما جئت لأقاتل ثقيفاً معكم ، ولكني أردت أن يفتح محمد الطائف ، فأصيب من ثقيف جارية أتطئها ، لعلها تلد لي رجلاً فإن ثقيفاً قوم مناكير ‏.‏
 عبيد الطائف ينزلون إلى المسلمين ‏:‏
ونزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في إقامته ممن كان محاصراً بالطائف عبيد ، فأسلموا ، فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏
 عتقاء ثقيف ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني من لا أتهم ، عن عبدالله بن مكدم ، عن رجال من ثقيف ، قالوا ‏:‏ لما أسلم أهل الطائف تكلم نفر منهم في أولئك العبيد ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ لا ، أولئك عتقاء الله ؛ وكان ممن تكلم فيهم الحارث بن كلدة ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏ وقد سمى ابن إسحاق من نزل من أولئك العبيد
الشهداء يوم الطائف ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وهذه تسمية من استشهد من المسلمين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الطائف ‏.‏
من قريش ‏:‏
من قريش ، ثم من بني أمية بن عبد شمس ‏:‏ سعيد بن سعيد بن العاص بن أمية ، وعرفطة بن جناب ، حليف لهم ، من الأسد بن الغوث ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏ ويقال ‏:‏ ابن حباب ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ ومن بني تيم بن مرة ‏:‏ عبدالله بن أبي بكر الصديق ، رمى بسهم ، فمات منه بالمدينة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏
ومن بنى مخزوم ‏:‏ عبدالله بن أبي أمية بن المغيرة ، من رمية رميها يومئذ ‏.‏
ومن بني عدي بن كعب ‏:‏ عبدالله بن عامر بن ربيعة ، حليف لهم ‏.‏
ومن بني سهم بن عمرو ‏:‏ السائب بن الحارث بن قيس بن عدي ، وأخوه عبدالله بن الحارث ‏.‏
ومن بني سعد بن ليث ‏:‏ جليحة بن عبدالله ‏.‏
واستشهد من الأنصار ‏:‏ من بني سلمة ‏:‏ ثابت بن الجذع ‏.‏
ومن بني مازن بن النجار ‏:‏ الحارث بن سهل بن أبي صعصعة ‏.‏
ومن بني ساعدة ‏:‏ المنذر بن عبدالله ‏.‏
ومن الأوس ‏:‏ رقيم بن ثابت بن ثعلبة بن زيد بن لوذان بن معاوية ‏.‏
فجميع من استشهد بالطائف من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنا عشر رجلاً ، سبعة من قريش ، وأربعة من الأنصار ، ورجل من بني ليث
أبو سفيان بن حرب والمغيرة يتفاوضان مع ثقيف ‏:‏
أمر أموال هوازن وسباياها وعطايا المؤلفة قلوبهم منها وإنعام رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ‏:‏
ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انصرف عن الطائف على دحنا حتى نزل الجعرانة فيمن معه من الناس ، ومعه من هوازن سبي كثير ، وقد قال له رجل من أصحابه يوم ظعن عن ثقيف ‏:‏ يا رسول الله ادع عليهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ اللهم اهد ثقيفا وأت بهم ‏.‏
 وفد هوازن إلى الرسول ومفاوضته
ثم أتاه وفد هوازن بالجعرانة ، وكان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من سبي هوازن ستة آلاف من الذراري والنساء ، ومن الإبل والشاء ما لا يدري ما عدته ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبدالله بن عمرو ‏:‏ أن وفد هوازن أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أسلموا ، فقالوا ‏:‏ يا رسول الله إنا أصل وعشيرة ، وقد أصابنا من البلاء ما لم يخف عليك ‏.‏ فامنن علينا ، من الله عليك ، قال ‏:‏ وقام رجل من هوازن ، ثم أحد بني سعد بن بكر ، يقال له زهير ، يكنى أبا صرد ، فقال ‏:‏ يا رسول الله إنما في الحظائر عماتك وخالاتك وحواضنك اللاتي كن يكفلنك ، ولو أنا ملحنا للحارث بن أبي شمر أو للنعمان بن المنذر ، ثم نزل منا بمثل الذي نزلت به ، رجونا عطفه وعائدته علينا ، وأنت خير المكفولين ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏ويروى ولو أنا مالحنا الحارث بن أبي شمر ، أو النعمان بن المنذر ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده عبدالله بن عمرو ، قال ‏:‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ أبناؤكم ونساؤكم أحب إليكم أم أموالكم ‏؟‏ ‏.‏
فقالوا ‏:‏ يا رسول الله خيرتنا بين أموالنا وأحسابنا ، بل ترد إلينا نساءنا وأبناءنا ، فهو أحب إلينا ، فقال لهم ‏:‏ أما ما كان ولبني عبدالمطلب فهو لكم ، وإذا ما أنا صليت الظهر ، بالناس فقوموا ‏:‏ فقولوا إنا نستشفع برسول الله إلى المسلمين ، وبالمسلمين إلى رسول الله في أبنائنا ونسائنا ، فسأعطيكم عند ذلك ، وأسأل لكم ‏.‏
فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس الظهر ، قاموا فتكلموا بالذي أمرهم به ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ وأما ما كان لي ولبني عبدالمطلب فهو لكم ‏.‏
فقال المهاجرون ‏:‏ وما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏
وقالت الأنصار ‏:‏ وما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه فقال الأقرع بن حابس ‏:‏ أما أنا وبنو تميم فلا ‏.‏ وقال عيينة بن حصن ‏:‏ أما أنا وبنو فزارة فلا ‏.‏ وقال عباس بن مرداس ‏:‏ أما أنا وبنو سليم فلا ‏.‏
فقالت بنو سليم ‏:‏ بلى ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏
قال ‏:‏ يقول ‏:‏ عباس بن مرداس لبني سليم وهنتموني ‏.‏
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ أما من تمسك منكم بحقه من هذا السبي ، فله بكل إنسان ست فرائض من أول سبي أصيبه ، فردوا إلى الناس أبناءهم ونساءهم ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني أبو وجزة يزيد بن عبيد السعدي ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى علي بن أبي طالب رضي الله عنه جارية يقال لها ريطة بنت هلال بن حيان بن عميرة بن هلال بن ناصرة بن قصية بن نصر ابن سعد بن بكر ، وأعطى عثمان بن عفان جارية ، يقال لها زينب بنت حيان بن عمرو بن حيان ، وأعطى عمر بن الخطاب جارية فوهبها لعبدالله بن عمر ابنه ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني نافع مولى عبدالله بن عمر ، عن عبدالله بن عمر ، قال ‏:‏ بعثت بها إلى أخوالي من بني جمح ، ليصلحوا لي منها ويهيئوها ، حتى أطوف بالبيت ، ثم آتيهم وأنا أريد أن أصيبها إذا رجعت إليها ‏.‏
قال ‏:‏ فخرجت من المسجد حين فرغت ، فإذا الناس يشتدون ، فقلت ‏:‏ ما شأنكم ‏؟‏ قالوا ‏:‏ رد علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءنا وأبناءنا ، فقلت ‏:‏ تلكم صاحبتكم في بني جمح ، فاذهبوا فخذوها ، فذهبوا إليها فأخذوها ‏.‏
 عيينة والعجوز التي أخذها
قال ابن إسحاق ‏:‏ وأما عيينة بن حصن فأخذ عجوزا من عجائز هوازن ، وقال حين أخذها ‏:‏ أرى عجوزا إني لأحسب لها في الحي نسبا ، وعسى أن يعظم فداؤها ‏.‏
فلما رد رسول الله صلى الله عليه وسلم السبايا بست فرائض ، أبى أن يردها ، فقال له زهير أبو صرد ‏:‏ خذها عنك فوالله ما فوها ببارد ، ولا ثديها بناهد ، ولا بطنها بوالد ، ولا زوجها بواجد ، ولا درها بماكد ، فردها بست فرائض حين قال له زهير ما قال ؛ فزعموا أن عيينة لقي الأقرع بن حابس ، فشكا إليه ذلك ، فقال ‏:‏ إنك والله ما أخذتها بيضاء غزيرة ولا نصفا وثيرة
 أمر مالك بن عوف وإسلامه وشعره في ذلك
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لوفد هوازن ، وسألهم عن مالك بن عوف ما فعل ‏؟‏ فقالوا ‏:‏ هو بالطائف مع ثقيف ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ أخبروا مالكا أنه إن أتاني مسلما رددت عليه أهله وماله ‏.‏ وأعطيته مائة من الإبل ‏.‏
فأتى مالك بذلك فخرج إليه من الطائف وقد كان مالك خاف ثقيفا على نفسه أن يعلموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له ما قال ، فيحبسوه ، فأمر براحلته فهيئت له ، وأمر بفرس له ، فأتى به إلى الطائف ، فخرج ليلاً ، فجلس على فرسه ، فركضه حتى أتى راحلته حيث أمر بها أن تحبس ، فركبها فلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فأدركه بالجعرانة أو بمكة ، فرد عليه أهله وماله وأعطاه مائة من الإبل ، وأسلم فحسن إسلامه ؛ فقال مالك بن عوف حين أسلم ‏:‏
ما إن رأيت ولا سمعت بمثله * في الناس كلهم بمثل محمد
أوفى وأعطى للجزيل إذا اجتدى * ومتى تشأ يخبرك عما في غد
وإذا الكتيبة عردت أنيابها * بالسمهري وضرب كل مهند
فكأنه ليث على أشباله * وسط الهباءة خادر في مرصد
فاستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على من أسلم من قومه ، وتلك القبائل ‏:‏ ثمالة ، وسلمة ، وفهم ، فكان يقاتل بهم ثقيفا ، لا يخرج لهم سرح إلا أغار عليه ، حتى ضيق عليهم ؛ فقال أبو محجن بن حبيب بن عمرو بن عمير الثقفي ‏:‏
هابت الأعداء جانبنا * ثم تغزونا بنو سلمة
وأتانا مالك بهم * ناقضا للعهد والحرمة
وأتونا في منازلنا * ولقد كنا أولى نقمه
 تقسيم الفيء
قال ابن إسحاق ‏:‏ ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من رد سبايا حنين إلى أهلها ، ركب واتبعه الناس يقولون ‏:‏ يا رسول الله ، اقسم علينا فيئنا من الإبل والغنم ، حتى ألجئوه إلى شجرة ، فاختطفت عنه رداءه ؛ فقال ‏:‏ أدوا علي ردائي أيها الناس ، فوالله أن لو كان لكم بعدد شجر تهامة نعما لقسمته عليكم ، ثم ما ألفيتموني بخيلاً ولا جباناً ولا كذاباً ، ثم قام إلى جنب بعير ، فأخذ وبرة من سنامه ، فجعلها بين إصبعيه ، ثم رفعها ثم قال ‏:‏
أيها الناس ، والله مالي من فيئكم ولا هذه الوبرة إلا الخمس ، والخمس مردود عليكم ، فأدوا الخياط والمخيط ، فإن الغلول يكون على أهله عاراً وناراً وشناراً يوم القيامة ‏.‏
قال ‏:‏ فجاء رجل من الأنصار بكبة من خيط شعر ، فقال ‏:‏ يا رسول الله أخذت هذه الكبة أعمل بها برذعة بعير لي دبر ، فقال ‏:‏أما نصيبي منها فلك قال ‏:‏ أما إذا بلغت هذا فلا حاجة لي بها ، ثم طرحها من يده ‏.‏
 لا غلول في المغنم
قال ابن هشام ‏:‏وذكر زيد بن أسلم عن أبيه ‏:‏
أن عقيل بن أبي طالب دخل يوم حنين على امرأته فاطمة بنت شيبة بن ربيعة ، وسيفه متلطخ دماً ، فقالت ‏:‏ إني قد عرفت أنك قد قاتلت ، فماذا أصبت من غنائم المشركين ‏؟‏ فقال ‏:‏ دونك هذه الإبرة تخيطين بها ثيابك ، فدفعها إليها ، فسمع منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‏:‏ من أخذ شيئا فليرده ، حتى الخياط والمخيط ‏.‏
فرجع عقيل ، فقال ‏:‏ ما أرى إبرتك إلا قد ذهبت ، فأخذها فألقاها في الغنائم ‏.‏
 إعطاء النبي المؤلفة قلوبهم من الغنائم
قال ابن إسحاق ‏:‏ وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤلفة قلوبهم ، وكانوا أشرافاً من أشراف الناس ، يتألفهم ويتألف بهم قومهم ، فأعطى أبا سفيان بن حرب مائة بعير ، وأعطى ابنه معاوية مائة بعير ، وأعطى حكيم بن حزام مائة بعير ، وأعطى الحارث بن الحارث بن كلدة أخا بني عبدالدار مائة بعير ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏نصير بن الحارث بن كلدة ويجوز أن يكون اسمه الحارث أيضاً ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وأعطى الحارث بن هشام مائة بعير ، وأعطى سهيل ابن عمرو مائة بعير ، وأعطى حويطب بن عبدالعزى بن أبي قيس مائة بعير ، وأعطى العلاء بن جارية الثقفي حليف بني زهرة مائة بعير ، وأعطى عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر مائة بعير ،وأعطى الأقرع بن حابس التميمي مائة بعير ،وأعطى مالك بن عوف النصري مائة بعير ، وأعطى صفوان بن أمية مائة بعير ، فهؤلاء أصحاب المئين ‏.‏
وأعطى دون المائة رجالا من قريش ، منهم مخرمة بن نوفل الزهري ، وعمير بن وهب الجمحي ، وهشام بن عمرو أخو بني عامر بن لؤي ، لا أحفظ ما أعطاهم ، وقد عرفت أنها دون المائة ، وأعطى سعيد بن يربوع ابن عنكشة بن عامر بن مخزوم خمسين من الإبل ، وأعطى السهمي خمسين من الإبل ،
قال ابن هشام ‏:‏واسمه عدي بن قيس
 شعر عباس بن مرداس يستصغر ما أعطى
قال ابن هشام ‏:‏وأعطى عباس بن مرداس أباعر ، فسخطها فعاتب فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال عباس بن مرداس يعاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏
كانت نهابا تلافيتها * بكري على المهر في الأجرع
وإيقاظي القوم أن يرقدوا * إذا هجع الناس لم أهجع
فأصبح نهبي ونهب العبيد * بين عيينة والأقرع
وقد كنت في الحرب ذا تدْرَإ * فلم أعط شيا ولم أمنع
إلا أفائل أعكيتها * عديد قوائمها الأربع
وما كان حصن ولا حابس * يفوقان شيخي في المجتمع
وما كنت دون امرئ منهما * ومن تضع اليوم لا يرفع
قال ابن هشام ‏:‏أنشدني يونس النحوي ‏.‏
فما كان حصن ولا حابس * يفوقان مرداس في المجتمع
 إرضاء الرسول له
قال ابن إسحاق ‏:‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ اذهبوا به فاقطعوا عني لسانه ، فأعطوه حتى رضي ‏.‏ فكان ذلك قطع لسانه الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏وحدثني بعض أهل العلم ‏:‏
أن عباس بن مرداس أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ أنت القائل ‏:‏
فأصبح نهبي ونهب العبيـ * ـد بين الأقرع وعيينة
فقال أبو بكر الصديق ‏:‏ بين عيينة والأقرع ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ هما واحد ، فقال أبو بكر ‏:‏ أشهد أنك كما قال الله‏:‏ ‏(‏ وما علمناه الشعر وما ينبغي له ‏)‏ ‏.

توزيع غنائم حنين على المبايعين من قريش ‏:‏
قال ابن هشام ‏:‏وحدثني من أثق به من أهل العلم في استشهاد له عن ابن شهاب الزهري ، عن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة ، عن ابن عباس ، قال ‏:‏ بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم من قريش وغيرهم ، فأعطاهم يوم الجعرانة من غنائم حنين ‏.‏
من بني أمية بن عبد شمس ‏:‏ أبو سفيان بن حرب بن أمية ، وطليق بن سفيان بن أمية ، وخالد بن أسد بن أبي العيص بن أمية ‏.‏
ومن بني عبدالدار بن قصي ‏:‏ شيبة بن عثمان بن أبي طلح بن عبد أتعزى بن عثمان بن عبدالدار ، وأبو السنابل بن أعكك بن الحارث بن عميلة بن السباق ، بن عبدالدار وعكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف ابن عبدالدار ‏.‏
ومن بني مخزوم بن يقظة ‏:‏ زهير بن أبي أمية بن المغيرة ، والحارث بن هشام بن المغيرة ، وخالد بن هشام بن المغيرة ، وهشام بن الوليد بن المغيرة ، وسفيان بن الأسد بن عبدالله بن عمر بن مخزوم ، والسائب بن أبي السائب بن عائذ بن عبدالله بن عمر بن مخزوم ‏.‏
ومن بني عدي بن كعب ‏:‏ مطيع بن الأسود بن حارثة بن نضلة ، وأبو جهم بن حذيفة بن غانم ‏.‏
ومن بني جمح بن عمرو ‏:‏ صفوان بن أمية بن خلف ، وأحيحة بن أمية ابن خلف ، وعمير بن وهب بن خلف ‏.‏
ومن بني سهم ‏:‏ عدي بن قيس بن حذافة ‏.‏
ومن بني عمر بن لؤي ‏:‏ حويطب بن عبدالعزى بن أبي قيس بن عبد ود ، وهشام بن عمرو بن ربيعة بن الحارث بن حبيب ‏.‏
 ما أعطاه لرجال من أفناء القبائل ‏:‏
ومن أفناء القبائل ‏:‏ من بني بكر بن مناة بن كنانة ‏:‏ نوفل بن معاوية بن عروة بن صخر بن رزن بن يعمر بن نفاثة بن عدي بن الديل ‏.‏
ومن بني قيس ، ثم من بني عامر بن صعصعة ، ثم من بني كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة ‏:‏ علقمة بن علاثة بن عوف بن الأحوص بن جعفر بن كلاب ، ولبيد بن ربيعة بن مالك بن ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب ‏.‏
ومن بني عامر بن ربيعة ‏:‏ خالد بن هوذة بن ربيعة بن عمرو بن ربيعة ابن عامر بن صعصعة ، وحرملة بن هوذة بن ربيعة بن عمرو ‏.‏
ومن بني نصر بن معاوية مالك بن عوف بن سعيد بن يربوع
ومن بني سليم بن منصور ‏:‏ عباس بن مرداس بن أبي عامر ، أخو بني الحارث بن بهثة بن سليم ‏.‏
ومن بني غطفان ، ثم من بني فزارة ‏:‏ عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر ‏.‏
ومن بني تميم ثم من بني حنظلة ‏:‏ الأقرع بن حابس بن عقال ، من بني مجاشع بن دارم ‏.‏
لماذا لم يعط جعيل بن سراقة ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي ‏:‏
أن قائلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه ‏:‏ يا رسول الله ، أعطيت عيينة بن حصن ، والأقرع بن حابس مائة مائة ، وتركت جعيل بن سراقة الضمري ‏!‏
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ أما والذي نفس محمد بيده لجعيل بن سراقة خير من طلاع الأرض ، كلهم مثل عيينة بن حصن والأقرع بن حابس ، ولكني تألفتهما ، ووكلت جعيل بن سراقة إلى إسلامه ‏.‏
 اعتراض ذي الخويصرة المنافق على قسمته صلى الله عليه وسلم ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر ، عن مقسم أبي القاسم ، مولى عبدالله بن الحارث بن نوفل ، قال ‏:‏
خرجت أنا وتليد بن كلاب الليثي ، حتى أتينا عبدالله بن عمرو بن العاص وهو يطوف بالبيت معلقا نعله بيده ، فقلنا له هل حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كلمه التميمي يوم حنين ‏؟‏ قال ‏:‏ نعم ، جاء رجل من بني تميم ، يقال له ذو الخويصرة ، فوقف عليه وهو يعطي الناس ، فقال ‏:‏ يا محمد قد رأيت ما صنعت في هذا اليوم ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ أجل فكيف رأيت ‏؟‏ فقال ‏:‏ لم أرك عدلت ، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال ‏:‏ ويحك إذا لم يكن العدل عندي فعند من يكون ‏!‏
فقال عمر بن الخطاب ‏:‏ يا رسول الله ألا أقتله ‏؟‏ فقال ‏:‏ لا دعه فإنه سيكون له شيعة يتعمقون في الدين ، حتى يخرجوا منه كما يخرج السهم من الرمية ينظر في النصل ، فلا يوجد شيء ، ثم في القدح ، فلا يوجد شيء ،ثم في القدح ، فلا يوجد شيء ثم في الفوق ، فلا يوجد شيء سبق الفرث والدم ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني محمد بن علي بن الحسين أبو جعفر بمثل حديث أبي عبيدة ، وسماه ذا الخويصرة ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني عبدالله بن أبي نجيح عن أبيه ، بمثل ذلك
 وجد الأنصار من حرمانهم واسترضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏
قال ابن هشام ‏:‏حدثني زياد بن عبدالله ،قال ‏:‏ حدثنا ابن إسحاق قال ‏:‏ وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، عن محمود بن لبيد ، عن أبي سعيد الخدري قال ‏:‏
لما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطى من تلك العطايا ، في قريش وفي قبائل العرب ، ولم يكن في الأنصار منها شيء ، وجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم ، حتى كثرت منهم القالة حتى قال قائلهم ‏:‏ لقي والله رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه ‏.‏
 عتاب النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار ‏:‏
فدخل عليه سعد بن عبادة ، فقال ‏:‏ يا رسول الله ، إن هذا الحي من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم ، لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت ، قسمت في قومك ، وأعطيت عطايا عظاما في قبائل العرب ، ولم يكن في هذا الحي من الأنصار منها شيء ‏.‏
قال ‏:‏ فأين أنت من ذلك يا سعد ‏؟‏ قال ‏:‏ يا رسول الله ، ما أنا إلا من قومي ‏.‏ قال ‏:‏ فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة ‏.‏
قال ‏:‏ فخرج سعد ، فجمع الأنصار في تلك الحظيرة ‏.‏ فجاء رجال من المهاجرين فتركهم ، فدخلوا ، وجاء آخرون فردهم ‏.‏
فلما اجتمعوا له أتاه سعد ، فقال ‏:‏ قد اجتمع لك هذا الحي من الأنصار ، فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم قال ‏:‏
يا معشر الأنصار ، ما قاله بلغني عنكم ، وجدة وجدتموها علي في أنفسكم ‏؟‏ ألم آتكم ضلالاً فهداكم الله ، وعالة فأغناكم الله ، وأعداء فألف الله بين قلوبكم ‏!‏
قالوا ‏:‏ بلى ، الله ورسوله أمن وأفضل ‏.‏
ثم قال ‏:‏ ألا تجيبونني يا معشر الأنصار ‏؟‏
قالوا ‏:‏ بماذا نجيبك يا رسول الله ‏؟‏ الله ولرسوله المن والفضل ‏.‏
قال صلى الله عليه وسلم ‏:‏ أما والله لو شئتم لقلتم ، فلصدقتم ولصدقتم ‏:‏ أتيتنا مكذباً فصدقناك ، ومخذولاً فنصرناك ، وطريداً فآويناك وعائلاً فآسيناك ، أوجدتم يا معشر الأنصار في أنفسكم في لعاعة من الدنيا تألفت بها قوما ليسلموا ، ووكلتكم إلى إسلامكم ‏.‏
ألا ترضون يا معشر الأنصار ، أن يذهب الناس بالشاة والبعير ، وترجعوا برسول الله إلى رحالكم ‏؟‏ فوالذي نفس محمد بيده لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار ، ولو سلك الناس شعباً وسلكت الأنصار شعبا ، لسلكت شعب الأنصار ‏.‏ اللهم ارحم الأنصار ، وأبناء الأنصار ، وأبناء أبناء الأنصار ‏.‏
قال ‏:‏ فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم ، وقالوا رضينا برسول الله قسماً وحظاً ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتفرقوا