الاثنين، 23 أبريل 2012

موسوعة السيرة النبوية : بعض الغزوات والسرايا وأمر بنى قينقاع ومحيصة وحويصة


بعض الغزوات والسرايا وأمر بنى قينقاع ومحيصة وحويصة

غزوة بني سليم بالكدر
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فلما قدم ‏‏(‏‏ رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏)‏ ‏لم يقم بها إلا سبع ليال ‏‏(‏‏حتى ‏‏)‏‏ غزا بنفسه ، يريد بن سليم ‏‏.‏‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ واستعمل على المدينة سباع بن عُرفطة الغفاري ، أو ابن أم مكتوم ‏‏.‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فبلغ ماء من مياهم ، يقال له ‏‏:‏‏ الكدر ، فأقام عليه ثلاث ليال ثم رجع إلا المدينة ، ولم يلق كيدا ، فأقام بها بقية شوال وذا القعدة ، وأفدى في إقامته تلك جل الأسارى من قريش ‏‏.‏‏
 غزوة السويق
 اعتداء أبي سفيان وخروج الرسول خلفه
قال ‏‏:‏‏ حدثنا أبو محمد عبدالملك بن هشام ‏‏:‏‏ قال ‏‏:‏‏ حدثنا زياد بن عبدالله البكائي ، عن محمد بن إسحاق المطلبي ، قال ‏‏:‏‏ ثم غزا أبو سفيان بن حرب غزوة السويق في ذي الحجة ، وولىَّ تلك الحجة المشركون من تلك السنة ، فكان أبو سفيان كما حدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، ويزيد بن رومان ، ومن لا أتهَّم ، عن عبدالله بن كعب بن مالك ، وكان من أعلم الأنصار ، حين رجع إلى مكة ، ورجع فل قريش من بدر ، نذر أن لايمس رأسه ماء من جنابة حتى يغزو محمدا صلى الله عليه وسلم ، فخرج في مئتي ركاب من قريش ، ليبر يمينه ، فسلك النجدية ، حتى نزل بصدر قناة إلى جبل يقال له ‏‏:‏‏ ثيب ، من المدينة على بريد أو نحوه ، ثم خرج من الليل ، حتى أتى بني النضير تحت الليل ، فأتى حيي بن أخطب ، فضرب عليه بابه ، فأبى أن يفتح له بابه وخافه ، فانصرف عنه إلى سلام بن مشكم ، وكان سيد بني النضير في زمانه ذلك ، وصاحب كنزهم ، فاستأذن عليه ، فأذن له ، فقراه وسقاه ، وبطن له من خبر الناس ، ثم خرج في عقب ليلته حتى أتى أصحابه ، فبعث رجالا من قريش إلى المدينة ، فأتوا ناحية منها ، يقال لها ‏‏:‏‏ العريض ، فحرقوا في أصوار من نخل بها ، ووجدوا بها رجلا من الأنصار وحليفا له في حرث لهما ، فقتلوهما ، ثم انصرفوا راجعين ، ونذر بهم الناس ‏‏.‏‏فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبهم ، واستعمل على المدينة بشير بن عبدالمنذر ، وهو أبو لبابة ، فيما قال ابن هشام ‏‏:‏‏ حتى بلغ قرقرة الكدر ثم انصرف راجعا ، وقد فاته أبو سفيان وأصحابه ، وقد رأوا أزواداً من أزواد القوم قد طرحوها في الحرث يتخففون منها للنجاء ، فقال المسلمون ، حين رجع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ يا رسول الله ، أتطمع لنا أن تكون غزوة ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ نعم ‏‏.‏‏
 سبب تسمية هذه الغزوة باسمها
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ وإنما سميت غزوة السويق ، فيما حدثني أبو عبيدة ‏‏:‏‏ أن أكثر ما طرح القوم من أزوادهم السويق ، فهجم المسلمون على سويق كثير ، فسميت غزوة السويق ‏‏.‏‏
 ما قاله أبو سفيان شعرا في هذه الغزوة
قال ابن اسحاق ‏‏:‏‏ وقال أبو سفيان بن حرب عند منصرفه ، لما صنع به سلام بن مشكم ‏‏:‏‏
وإني تخيرت المدينة واحدا * لحلف فلم أندم ولم أتلوم
سقاني فرواني كُميتا مدامة * على عجل مني سلام بن مشكم
ولما تولى الجيش قلت ولم أكن * لأفرحه ‏‏:‏‏ أبشر بعز ومغنم
تأمل فإن القوم سر وإنهم * صريح لؤي لا شماطيط جرهم
وما كان إلا بعض ليلة راكب * أتى ساعيا من غير خلة معدم
 غزوة ذي أمر
فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة السويق ، أقام بالمدينة بقية ذي الحجة أو قريبا منها ، ثم غزا نجدا ، يريد غطفان ، وهي غزوة ذي أمر ، واستعمل على المدينة عثمان بن عفان ، فيما قال ابن هشام ‏‏.‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فأقام بنجد صفْراً كله أو قريبا من ذلك ، ثم رجع إلى المدينة ، ولم يلق كيدا ‏‏.‏‏ فلبث بها شهر ربيع الأول كله ، أو إلا قليلا منه ‏‏.‏‏
 غزوة الفرع من بحران
ثم غزا ‏‏(‏‏ رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏)‏‏ يريد قريشا ، واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم ، فيما قال ابن هشام ‏‏.‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ حتى بلغ بحران ، معدنا بالحجاز من ناحية الفرع ، فأقام بها شهر ربيع الآخر وجمادى الأولى ، ثم رجع إلى المدينة ولم يلق كيدا

 أمر بني قينقاع
 ما قاله لهم الرسول صلى الله عليه وسلم وردهم عليه
قال وقد كان فيما بين ذلك ، من غزو رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بني قينقاع ، وكان من حديث بني قينقاع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمعهم بسوق ‏‏(‏‏ بني قينقاع ‏‏)‏‏ ثم قال ‏‏:‏‏ يا معشر يهود ، احذروا من الله مثل ما نزل بقريش من النقمة ، وأسلموا ، فإنكم قد عرفتم أني نبي مرسل ، تجدون ذلك في كتابكم وعهد الله إليكم ؛ قالوا ‏‏:‏‏ يا محمد ، إنك ترى أنا قومك ‏‏!‏‏ لا يغرنك أنك لقيت قوما لا علم لهم بالحرب ، فأصبت منهم فرصة ، إنا والله لئن حاربناك لتعلمن أنا نحن الناس ‏‏.‏‏
 ما نزل فيهم من القرآن
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فحدثني مولى لآل زيد بن ثابت عن سعيد بن جبير ، أو عن عكرمة عن ابن عباس ، قال ‏‏:‏‏ ما نزل هؤلاء الآيات إلا فيهم ‏‏:‏‏ ‏‏"‏‏ قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد ، قد كان لكم آية في فئتين التقتا ‏‏"‏‏ ‏‏:‏‏ أي أصحاب بدر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقريش ‏‏"‏‏ فئة تقاتل في سبيل الله ، وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين ، والله يؤيد بنصره من يشاء ، إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار ‏‏"‏‏
 بنو قينقاع أول من نقض عهده صلى الله عليه وسلم
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ‏‏:‏‏ أن بني قينقاع كانوا أول يهود نقضوا ما بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاربوا فيما بين بدر وأحد ‏‏.‏‏
 سبب حرب المسلمين إياهم
قال ابن هشام وذكر عبدالله بن جعفر بن المسور بن مخرمة ، عن أبي عون ، قال ‏‏:‏‏ كان من أمر بني قينقاع أن امرأة من العرب قدمت بجلب لها ، فباعته بسوق بني قينقاع ، وجلست إلى صائغ بها ، فجعلوا يُريدونها على كشف وجهها ، فأبت ، فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها ، فلما قامت انكشفت سوءتها ، فضحكوا بها ، فصاحتْ ‏‏.‏‏ فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله ، وكان يهوديا ، وشدت اليهود على المسلم فقتلوه ، فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود ، فغضب المسلمون ، فوقع الشر بينهم وبين بني قينقاع ‏‏.‏‏
 تدخل ابن أُبيّ في شأنهم معه صلى الله عليه وسلم
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، قال ‏‏:‏‏ فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا على حكمه ، فقام إليه عبدالله بن أبي بن سلول ، حين أمكنه الله منهم ، فقال ‏‏:‏‏ يامحمد ، أحسن في موالي ، وكانوا حلفاء الخزرج ، قال ‏‏:‏‏ فأبطأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فقال ‏‏:‏‏ يا محمد ، أحسن في موالي ، قال ‏‏:‏‏ فأعرض عنه ‏‏.‏‏ فأدخل يده في جيب درع رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏.‏‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ وكان يقال لها ذات الفضول ‏‏.‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ أرسلني ، وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رأوا لوجهه ظُللا ، ثم قال ‏‏:‏‏ ويحك أرسلني ؛ قال لا والله لا أرسلك حتى تحسن في موالي ، أربعمائة حاسر وثلاثمائة دارع قد منعوني من الحمر والأسود ، تحصدهم في غداة واحدة ، إني والله امرؤ أخشى الدوائر ؛ قال ‏‏:‏‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ هم لك ‏‏.‏‏
 مدة حصار بني قينقاع
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ واستعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة في محاصرته إياهم بشير بن عبدالمنذر ، وكانت محاصرته إياهم خمس عشرة ليلة ‏‏.‏
 خلع ابن الصامت بني قينقاع وما نزل فيه من القرآن وفي ابن أبي
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني أبي إسحاق بن يسار ، عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت ، قال‏‏:‏‏ لما حاربت بنو قينقاع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تشبث بأمرهم عبدالله بن أبي بن سلول ، وقام دونهم ‏‏.‏‏ ومشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان أحد بني عوف ، لهم من حلفه مثل الذي لهم من عبدالله بن أبي ، فخلعهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتبرأ إلى الله عز وجل ، إلى رسوله صلى الله عليه وسلم من حلفهم ، وقال ‏‏:‏‏ يا رسول الله أتولى الله رسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ، وأبرأ من حلف هؤلاء الكفار وولايتهم ، قال ‏‏:‏‏ ففيه وفي عبدالله بن أبي نزلت هذه القصة من المائدة ‏‏"‏‏ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ، ومن يتولهم منكم فإنه منهم ، إن الله لا يهدي القوم الظالمين ‏‏.‏‏ فترى الذين في قلوبهم مرض ‏‏"‏‏ أي لعبدالله بن أبي ، وقوله ‏‏:‏‏ إني أخشى الدوائر ‏‏"‏‏ يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين‏‏.‏‏ ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم ‏‏"‏‏ ، ثم القصة إلى قوله تعالى ‏‏"‏‏ إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا ، الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ‏‏"‏‏ وذكر لتولي عبادة بن الصامت الله ورسوله والذين آمنوا ، وتبرئه من بني قينقاع وحلفهم وولايتهم ‏‏:‏‏ ‏‏"‏‏ ومن يتولى الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون ‏‏"‏‏

 سرية زيد بن حارثة إلى القردة
 زيد بن حارثة يصيب العير
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وسرية زيد بن حارثة التي بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ، حين أصاب عير قريش ، وفيها أبو سفيان بن حرب على القردة ، ماء من مياه نجد ‏‏.‏‏ وكان من حديثها ‏‏:‏‏ أن قريشا خافوا طريقهم الذي كانوا يسلكون إلى الشام ، حين كان من وقعة بدر ما كان ، فسلكوا طريق العراق ، فخرج منهم تجار ، فيهم ‏‏:‏‏ أبو سفيان بن حرب ، ومعه فضة كثيرة ، وهي عظم تجارتهم ، واستأجروا رجلا من بني بكر بن وائل ، يقال له ‏‏:‏‏ فرات بن حيان يدلهم في ذلك على الطريق ‏‏.‏‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ فرات بن حيان ، من بني عجل ، حليف لبني سهم ‏‏.‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة فلقيهم على ذلك الماء ، فأصاب تلك العير وما فيها ، وأعجزه الرجال ، فقدم بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏.‏‏
 ما قاله حسَّان في هذه الغزوة
فقال حسَّان بن ثابت بعد أحد في غزوة بدر الآخرة يؤنب قريشا لأخذهم تلك الطريق ‏‏:‏‏
دعوا فلجات الشام قد حال دونها * جلاد كأفواه المخاض الأوارك
بأيدي رجال هاجروا نحو ربهم * وأنصاره حقا وأيدي الملائك
إذا سلكت للغور من بطن عالج * فقولا لها ليس الطريق هنالك
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ وهذه الأبيات في أبيات لحسَّان بن ثابت ، نقضها عليه أبو سفيان بن الحارث بن عبدالمطلب ، وسنذكرها ونقيضتها إن شاء الله في موضعها ‏‏.‏‏
 مقتل كعب بن الأشرف
 استنكاره ما فعله المسلمون بقريش في بدر
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وكان من حديث كعب بن الأشرف ‏‏:‏‏ أنه لما أصيب أصحاب بدر ، وقدم زيد بن حارثة إلى أهل السافلة ، وعبدالله بن رواحة إلى أهل العالية بشيرين ، بعثهما رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى من بالمدينة من المسلمين بفتح الله عز وجل عليه ، وقتل من قتل من المشركين ، كما حدثني عبدالله بن المغيث بن أبي بردة الظفري ، وعبدالله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، وعاصم بن عمر بن قتادة ، وصالح بن أبي أمامة بن سهل ، كل قد حدثني بعض حديثه ، قالوا ‏‏:‏‏ قال كعب بن الأشرف ، وكان رجلاً من طيىء ، ثم أحد بني نبهان ، وكانت أمه من بني النضير ، هذان حين بلغه الخبر ‏‏:‏‏ أحق هذا ‏‏؟‏‏ أترون محمدا قتل هؤلاء الذين يسمي هذان الرجلان - يعني زيدا وعبدالله بن رواحة - فهؤلاء أشراف العرب وملوك الناس ، والله لئن كان محمد أصاب هؤلاء القوم ، لبطن الأرض خير من ظهرها ‏‏.‏‏‏
 ما قاله كعب تحريضا على رسول الله صلى الله عليه وسلم
فلما تيقن عدو الله الخبر ، خرج حتى قدم مكة ، فنزل على المطلب بن أبي وداعة بن ضبيرة السهمي ، وعنده عاتكة بنت أبي العيص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ، فأنزلته وأكرمته ، وجعل يحرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وينشد الأشعار ، ويبكي أصحاب القليب من قريش ، الذين أصيبوا ببدر ، فقال ‏‏:‏‏
طحنت رحى بدر لمهلك أهله * ولمثل بدر تستهل وتدمع
قتلت سراة الناس حول حياضهم * لا تبعدوا إن الملوك تصرع
كم قد أصيب به من أبيض ماجد * ذي بهجة يأوي إليه الضُيَّع
طلق اليدين إذا الكواكب أخلفت * حمال أثقال يسود ويربع
ويقول أقوام أُسرُّ بسخطهم * إن ابن الاشرف ظل كعبا يجزع
صدقوا فليت الأرض ساعة قتِّلوا * ظلت تسوخ بأهلها وتصدَّع
صار الذي أثر الحديث بطعنه * أو عاش أعمى مرعشا لا يسمع
نبئت أن بني المغيرة كلهم * خشعوا لقتل أبي الحكيم وجُدعوا
وابنا ربيعة عنده ومنبه * ما نال مثل المهلكين وتبع
نبئت أن الحارث بن هشامهم * في الناس يبني الصالحات ويجمع
ليزور يثرب بالجموع وإنما * يحمى على الحسب الكريم الأروع
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ قوله ‏‏"‏‏ تبع ‏‏"‏‏، ‏‏"‏‏وأسر بسخطهم ‏‏"‏‏‏‏.‏‏ عن غير ابن إسحاق ‏‏.‏‏
ما رد عليه حسَّان رضي الله عنه
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فأجابه حسَّان بن ثابت الأنصاري ، فقال ‏‏:‏‏
أبكي لكعب ثم عل بعبرة * منه وعاش مجدعا لا يسمع
ولقد رأيت ببطن بدر منهم * قتلى تسح لها العيون وتدمع
فابكي فقد أبكيت عبدا راضعا * شبه الكليب إلى الكليبة يتبع
ولقد شفى الرحمن منا سيدا * وأهان قوما قاتلوه وصرعوا
ونجا وأفلت منهم من قبله * شغف يظل لخوفه يتصدع
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ وأكثر أهل العلم بالشعر ينكرها لحسَّان ‏‏.‏‏ وقوله ‏‏:‏‏ ‏‏"‏‏أبكى لكعب ‏‏"‏‏عن غير ابن إسحاق ‏‏.‏‏
 ما ردت به امرأة من المسلمين على كعب
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وقالت امرأة من المسلمن من بني مُريد ، بطن من بلى ، كانوا حلفاء في بني أمية بن زيد ؛ يقال لهم الجعادرة ، تجيب كعبا - قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ اسمها ميمونة بنت عبدالله ، وأكثر أهل العلم بالشعر ينكر هذه الأبيات لها ، وينكر نقيضتها لكعب بن الأشرف ‏‏:‏‏
تحننَ هذا العبد كل تحنن * يبكى على قتلى وليس بناصب
بكت عين من يبكي لبدر وأهله * وعلَّت بمثليها لؤي بن غالب
فليت الذين ضُرِّجوا بدمائهم * يرى ما بهم من كان بين الأخاشب
فيعلم حقا عن يقين ويبصروا * مجرهم فوق اللحى والحواجب
ما أجابها به كعب بن الأشرف
فأجابها كعب بن الأشرف ، فقال ‏‏:‏‏ ‏
ألا فازجروا منكم سفيها لتسلموا * عن القول يأتي منه غير مقارب
أتشتمني أن كنت أبكي بعبرة * لقوم أتاني ودهم غير كاذب
فإني لباك ما بقيت وذاكر * مآثر قوم مجدهم بالجباجب
لعمري لقد كانت مريد بمعزل * عن الشر فاحتالت وجوه الثعالب
فحق مريد أن تجد أنوفهم * بشتمهم حيي لؤي بن غالب
وهبت نصيبي من مريد لجعدر * وفاء وبيت الله بين الخاشب
 تشبيب كعب بنساء المسلمين والحيلة في قتله
ثم رجع كعب بن الأشرف إلى المدينة فشبب بنساء المسلمين حتى آذاهم ‏‏.‏‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ كما حدثني عبدالله بن المغيث بن أبي بردة ، من لي بابن الأشرف ‏‏؟‏‏ فقال له محمد بن مسلمة ، أخو بني عبدالأشهل ، أنا لك به يا رسول الله ، أنا أقتله ؛ قال ‏‏:‏‏ فافعل إن قدرت على ذلك ‏‏.‏‏
فرجع محمد بن مسلمة فمكث ثلاثا لا يأكل ولا يشرب إلا ما يعلق به نفسه ، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدعاه ، فقال له ‏‏:‏‏ لم تركت الطعام والشراب ‏‏؟‏‏ فقال ‏‏:‏‏ يا رسول الله قلت لك قولا لا أدري هل أفين لك به أم لا ‏‏؟‏‏ فقال ‏‏:‏‏ إنما عليك الجهد ، فقال ‏‏:‏‏ يا رسول الله إنه لا بد لنا من أن نقول ‏‏:‏‏ قال ‏‏:‏‏ قولوا ما بدا لكم ،
فأنتم في حل من ذلك ‏‏.‏‏ فاجتمع في قتله محمد بن مسلمة ، وسلكان ابن سلامة بن وقش ، وهو أبو نائلة أحد بني عبدالأشهل ، وكان أخا كعب بن الأشرف من الرضاعة ، وعباد بن بشر بن وقش ، أحد بني عبدالأشهل ، والحارث بن أوس بن معاذ ، أحد بني عبدالأشهل ، وأبو عبس بن جبر ، أحد بني حارثة ‏‏.‏‏
ثم قدموا إلى عدو الله كعب بن الأشرف ، قبل أن يأتوه ، سلكان ابن سلامة ، أبا نائلة ، فجاءه ، فتحدث معه ساعة ، وتناشدوا شعرا ، وكان أبو نائلة يقول الشعر ، ثم قال ‏‏:‏‏ ويحك يابن الأشرف ‏‏!‏‏ إني قد جئتك لحاجة أريد ذكرها لك ، فاكتم عني ؛ قال ‏‏:‏‏ افعل ، قال ‏‏:‏‏ كان قدوم هذا الرجل علينا بلاء من البلاء ، عادتنا به العرب ، ورمتنا عن قوس واحدة ، وقلعت عنا السبل حتى ضاع العيال ، وجهدت الأنفس ، وأصبحنا قد جهدنا وجهد عيالنا ؛
قال كعب ‏‏:‏‏ أنا ابن الأشرف ، أما والله لقد كنت أخبرك يابن سلامة ، إن الأمر سيصير إلى ما أقول ، فقال له سلكان ‏‏:‏‏ إني قد أردت أن تبيعنا طعاما ونرهنك ونوثق لك ، ونحسن في ذلك ؛ فقال ‏‏:‏‏ اترهنوني أبناءكم‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ لقد أردت أن تفضحنا ، إن معي أصحابا لي على مثل رأي ، وقد أردت أن آتيك بهم ، فتبيعهم وتحسن في ذلك ، ونرهنك في الحلقة ما فيه وفاء ، وأراد سلكان أن لا ينكر السلاح إذا جاءوا بها؛ قال ‏‏:‏‏ إن في الحلقة لوفاء ؛
قال فرجع سلكان إلى أصحابه فأخبرهم خبره ، وأمرهم أن يأخذوا السلاح ، ثم ينطلقوا فيجتمعوا إليه ، فاجتمعوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏.‏‏‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ويقال ‏‏:‏‏ أترهنوني نساءكم ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ كيف نرهنك نساءنا وأنت أشب أهل يثرب وأعطرهم ، قال ‏‏:‏‏ أترهنوني أبناءكم ‏‏؟‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فحدثني ثور بن يزيد ، عن عكرمة عن ابن عباس قال ‏‏:‏‏
مشى معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بقيع الغرقد ، ثم وجههم ، فقال ‏‏:‏‏ انطلقوا على اسم الله ؛ اللهم أعنهم ، ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته ، وهو في ليلة مقمرة ، وأقبلوا حتى انتهوا إلى حصنه ، فهتف به أبو نائلة ، وكان حديث عهد بعرس ، فوثب في ملحفته ، فأخذته امراته بناحيتها ، وقالت ‏‏:‏‏ إنك امرؤ محارَب ، وإن أصحاب الحرب لا ينزلون في هذه الساعة ، قال ‏‏:‏‏ إنه أبو نائلة ، لو وجدني نائما لما أيقظني ، فقالت ‏‏:‏‏ والله إني لأعرف في صوته الشر ، قال ‏‏:‏‏ يقول لها كعب ‏‏:‏‏ لو يدعى الفتى لطعنة لأجاب ‏‏.‏‏
فنزل فتحدث معهم ساعة ، وتحدثوا معه ، ثم قال ‏‏:‏‏ هل لك يا بن الأشرف أن تتماشى إلىالشعب العجور، فنتحدث به بقية ليلتنا هذه ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ إن شئتم ‏‏.‏‏ فخرجوا يتماشون ، فمشوا ساعة ، ثم إن أبا نائلة شام يده في فود رأسه ، ثم شم يده فقال ‏‏:‏‏ ما رأيت كالليلة طيبا أعطر قط ، ثم مشى ساعة ، ثم عاد لمثلها حتى اطمأن ، ثم مشى ساعة ، ثم عاد لمثلها ، فأخذ بفود رأسه ، ثم قال ‏‏:‏‏ اضربوا عدو الله ، فضربوه فاختلف عليه أسيافهم ، فلم تغن شيئا ‏‏.‏‏
قال محمد بن مسلمة ‏‏:‏‏ فذكرت مغولا في سيفي ، حين رأيت أسيافنا لا تغني شيئا ، فأخذته ، وقد صاح عدو الله صيحة لم يبق حولنا حصن إلا وقد أوقدت عليه نار ، قال ‏‏:‏‏ فوضعته في ثنته ثم تحاملت عليه حتى بلغت عانته ، فوقع عدو الله وقد أصيب الحارث بن أوس بن معاذ ، فجرح في رأسه أو في رجله ، أصابه بعض أسيافنا ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فخرجنا حتى سلكنا على بني أمية بن زيد ، ثم على بني قريظة ، ثم على بعاث ، حتى أسندنا في حرة العريض ، وقد أبطأ علينا صاحبنا الحارث بن أوس ، ونزَّفه الدم ، فوقفنا له ساعة ، ثم أتانا يتبع آثارنا ‏‏.‏‏
قال ‏‏:‏‏ فاحتملناه فجئنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر الليل ، وهو قائم يصلي ، فسلمنا عليه ، فخرج إلينا ، فأخبرناه بقتل عدو الله ، وتفل على جرح صاحبنا ، فرجع ورجعنا إلى أهلنا ، فأصبحنا وقد خافت يهود لوقعتنا بعدو الله ، فليس بها يهدوي إلا وهو يخاف على نفسه ‏‏.‏‏
 ما قاله كعب بن مالك في هذه الحادثة
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فقال كعب بن مالك ‏‏:‏‏ ‏
فغودر منهم كعب صريعا * فذلت بعد مصرعه النضير
على الكفين ثم وقد علته * بأيدينا مشهرة ذكور
بأمر محمد إذ دس ليلا * إلى كعب أخا كعب يسير
فما كره فأنزله بمكر * ومحمود أخو ثقة جسور
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ وهذه الأبيات في قصيدة له في يوم بني النضير ، سأذكرها إن شاءالله في حديث ذلك اليوم ‏‏.‏‏
 ما قاله حسَّان في هذه الحادثة
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وقال حسَّان بن ثابت يذكر قتل كعب بن الأشرف وقتل سلام بن أبي الحقيق ‏‏:‏‏
لله در عصابة لاقيتهم يابن ال * حقيق وأنت يابن الأشرف
يسرون بالبيض الخفاف إليكم * مرحا كأسد في عين مغرف
حتى أتوكم في محل بلادكم * فسقوكم حتفا ببيض ذفَّف
مستنصرين لنصر دين نبيهم * مستصغرين لكل أمر مجحف
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ وسأذكر قتل سلاَّم بن أبي الحقيق في موضعه إن شاء الله ‏‏.‏‏
وقوله ‏‏:‏‏ ‏‏"‏‏ذفَّف ‏‏"‏‏، عن غير ابن إسحاق

 أمر محيصة وحويصة
 لوم حويصة لأخيه محيصة لقتله يهوديا ثم إسلامه
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ من ظفرتم به من رجال يهود فاقتلوه ‏‏)‏‏ فوثب محيصة بن مسعود ‏‏.‏‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ محيصة ويقال محيصة بن مسعود بن كعب بن عامر بن عدي بن مجدعة بن حارثة بن الحارث بن الخزرح بن عمرو بن مالك بن الأوس - على ابن شنينة -
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ويقال شنينة - رجل من تجار يهود ،كان يلابسهم ويبايعهم فقتله وكان حويصة بن مسعود إذ ذاك لم يسلم ، وكان أسن من محيصة ، فلما قتله جعل حويصة يضربه ، ويقول أي عدو الله ،أقتلته ‏‏؟‏‏ أما والله لرب شحم في بطنك من ماله ‏‏.‏‏
قال محيصة ‏‏:‏‏ فقلت ‏‏:‏‏ والله لقد أمرني بقتله من لو أمرني بقتلك لضربت عنقك ، قال ‏‏:‏‏ فوالله إن كان لأول الإسلام حويصة قال ‏‏:‏‏ آولله لو أمرك محمد بقتلي لقتلتني ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ نعم ، والله لو أمرني بضرب عنقك لضربتها ‏‏!‏‏ قال ‏‏:‏‏ والله إن دينا بلغ بك هذا لعجب ، فأسلم حويصة ،
 ما قاله محيصة في ذلك شعرا
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ حدثني هذا الحديث مولى لبني حارثة ، عن ابنة محيصة ، عن أبيها محيصة ‏‏.‏‏
قال محصية في ذلك ‏‏:‏‏
يلوم ابن امي لو أمرت بقتله * لطبّقت ذفراه بأبيض قاضب
حسام كلون الملح أُخلص صقله * متى ما أصوّبه فليس بكاذب
وما سرني أني قتلتك طائعا * وأن لنا ما بين بصرى ومأرب

رواية أخرى في قتل محيصة اليهودي
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ وحدثني أبو عبيدة عن أبي عمرو المدني ، قال لما ظفر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببني قريظة أخذ منهم نحو من أربعمائة رجل من اليهود ، وكانوا حلفاء الأوس على الخزرج ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن تضرب أعناقهم ، فجعلت الخزرج تضرب أعناقهم ويسرهم ذلك ، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخزرج ووجوههم مستبشرة ، ونظر إلى الأوس فلم ير ذلك فيهم ، فظن أن ذلك للحلف الذي بين الأوس وبين بني قريظة ، ولم يكن بقي من بني قريظة إلا اثنا عشر رجلا فدفعهم إلى الأوس ، فدفع إلى كل رجلين من الأول رجلا من بين قريظة وقال ‏‏:‏‏ ليضرب فلان وليذفّف فلان فكان ممن دفع إليهم كعب بن يهوذا ، وكان عظيما في بني قريظة فدفعه إلى محيصة بن مسعود وإلى أبي بردة بن نيّار - وأبو بردة الذي رخص له رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن يذبح جذعا من المعز في الأضحى - وقال ليضربه محيصة وليذفف عليه أبو بردة ،فضربه ضربة لم تقطع ، وذفف أبو بردة فأجهز عليه ، فقال حويصة ‏‏:‏‏ - وكان كافراً - لأخيه محيصة ‏‏:‏‏ أقتلت كعب بن يهوذا ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ نعم ، فقال حويصة ، أما والله لرب شحم قد نبت في بطنك من ماله ، إنك للئيم يا محيصة ، فقال له محيصة ‏‏:‏‏ لقد أمرني بقتله من لو أمرني بقتلك لقتلتك فعجب من قوله ثم ذهب عنه متعجباً ‏‏.‏‏ فذكروا أنه جعل يتيقظ من الليل ، فيعجب من قول أخيه محيصة ‏‏.‏‏ حتى أصبح وهو يقول ‏‏:‏‏ والله إن هذا لدين ‏‏.‏‏ ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم ،فقال محيصة في ذلك أبياتا قد كتبناها ‏‏.‏‏

 المدة بين قدوم الرسول بحران وغزوة أحد
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وكانت إقامة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بعد قدومه من نجران ، جمادى الآخرة ورجبا وشعبان وشهر رمضان ، وغزته قريش غزوة أحد في شوال ، سنة ثلاث