الثلاثاء، 24 أبريل 2012

موسوعة السيرة النبوية : مبعثه صلى الله عليه وسلم

 
مبعثه صلى الله عليه وسلم


 أخذ الله الميثاق على الرسل الإيمان به صلى الله عليه وسلم
قال حدثنا أبو محمد عبدالملك بن هشام ، قال ‏‏:‏‏ حدثنا زياد بن عبدالله البكائي عن محمد بن إسحاق المطلبي قال ‏‏:‏‏ فلما بلغ محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين سنة بعثه الله تعالى رحمة للعالمين ، وكافة للناس بشيرا ، وكان الله تبارك وتعالى قد أخذ الميثاق على كل نبي بعثه قبله بالإيمان به ، والتصديق له ، والنصر له على من خالفه ، وأخذ عليهم أن يؤدوا ذلك إلى كل من آمن بهم وصدقهم ، فأدوا من ذلك ما كان عليهم من الحق فيه ‏‏.‏‏
يقول الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ وإذ أخذ الله ميثاق النيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ، ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم ، لتؤمنن به ولتنصرنه ، قال ‏‏:‏‏ أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري ‏‏)‏‏ ‏‏:‏‏ أي ثقل ما حملتكم من عهدي ‏‏(‏‏ قالوا أقررنا ، قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏ فأخذ الله ميثاق النبيين ‏جميعا بالتصديق له ، والنصر له ممن خالفه ، وأدوا ذلك إلى من آمن بهم وصدقهم من أهل هذين الكتابـين ‏‏.‏‏
 الرؤيا الصادقة أول ما بدىء به رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فذكر الزهري عن عروة بن الزبير ، عن عائشة رضي الله عنها أنها حدثته ‏‏:‏‏ أن أول ما بُدىء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من النبوة ، حين أراد الله كرامته ورحمة العباد به ، الرؤيا الصادقة ، لا يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا في نومه إلا جاءت كفلق الصبح ‏‏.‏‏ قالت ‏‏:‏‏ وحبب الله تعالى إليه الخلوة ، فلم يكن شيء أحب إليه من أن يخلو وحده ‏‏.‏‏
 سلام الحجر والشجر عليه صلى الله عليه وسلم
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني عبدالملك بن عبيد الله بن أبي سفيان بن العلاء بن جارية الثقفي ، وكان واعية ، عن بعض أهل العلم ‏‏:‏‏
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أراده الله بكرامته ، وابتدأه بالنبوة ، كان إذا خرج لحاجته أبعد حتى تحسر عنه البيوت ويفضي إلى شعاب مكة وبطون أوديتها ، فلا يمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحجر ولا شجر إلا قال ‏‏:‏‏ السلام عليك يا رسول الله ‏‏.‏‏
قال ‏‏:‏‏ فيلتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏حوله وعن يمينه وشماله وخلفه ، فلا يرى إلا الشجر والحجارة ‏‏.‏‏ فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك يرى ويسمع ، ما شاء الله أن يمكث ، ثم جاءه جبريل عليه السلام بما جاءه من كرامة الله ، وهو بحراء في شهر رمضان ‏‏.‏‏ ‏
 نزول جبريل عليه صلى الله عليه وسلم
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني وهب بن كيسان ، مولى آل الزبير ، قال ‏‏:‏‏ سمعت عبدالله بن الزبير وهو يقول لعبيد بن عمير بن قتادة الليثي ‏‏:‏‏ حدثنا يا عبيد ، كيف كان بدء ما ابتدىء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من النبوة ، حين جاءه جبريل عليه السلام ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقال ‏‏:‏‏ عبيد - وأنا حاضر يحدث عبدالله بن الزبير ومن عنده من الناس - ‏‏:‏‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور في حراء من كل سنة شهرا ، وكان ذلك مما تحنَّث به قريش في الجاهلية ‏‏.‏‏ والتحنث التبرر ‏‏.‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وقال أبو طالب ‏‏:‏‏
وثور ومن أرسى ثبيرا مكانه * وراق ليرقى في حراء ونازلِ
 التحنث والتحنف
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ تقول العرب ‏‏:‏‏ التحنث والتحنف ، يريدون الحنيفية فيبدلون الفاء من الثاء ، كما قالوا ‏‏:‏‏ جدف ، وجدث ، يريدون القبر ‏‏.‏‏ قال رؤبة بن العجاج ‏‏:‏‏
لو كان أحجاري مع الأجداف *
يريد ‏‏:‏‏ الأجداث ‏‏.‏‏ وهذا البيت في أرجوزة له ‏‏.‏‏ وبيت أبي طالب في قصيدة له ، سأذكرها إن شاء الله في موضعها ‏‏.‏‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ وحدثني أبو عبيدة أن العرب تقول ‏‏:‏‏ فم ، في موضع ثم ، يبدلون الفاء من الثاء ‏‏.‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ و حدثني وهب بن كيسان قال ‏‏:‏‏ قال عبيد ‏‏:‏‏ فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك يجاور الشهر من كل سنة ، يطعم من جاءه من المساكين ، فإذا قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم جواره من شهره ذلك ، كان أول ما يبدأ به ، إذا انصرف من جواره ، الكعبة ، قبل أن يدخل بيته ، فيطوف بها سبعا أو ما شاء الله من ذلك ، ثم يرجع إلى بيته ، ‏حتى إذا كان الشهر الذي أراد الله تعالى به فيه ما أراد من كرامته ، من السنة التي بعثه الله تعالى فيها ؛ وذلك الشهر شهر رمضان ، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حراء ، كما كان يخرج لجواره ومعه أهله ، حتى إذا كانت الليلة التي أكرمه الله فيها برسالته ، ورحم العباد بها ، جاءه جبريل عليه السلام بأمر الله تعالى ‏‏.‏‏
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ فجاءني جبريل ، وأنا نائم ، بنمط من ديباج فيه كتاب ، فقال ‏‏:‏‏ اقرأ ؛ قال ‏‏:‏‏ قلت ‏‏:‏‏ ما أقرأ ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ فغتَّني به حتى ظننت أنه الموت ، ثم أرسلني ، فقال ‏‏:‏‏ اقرأ قال ‏‏:‏‏ قلت ‏‏:‏‏ ما أقرأ ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ فغتني به حتى ظننت أنه الموت ، ثم أرسلني ، فقال ‏‏:‏‏ اقرأ ؛ قال ‏‏:‏‏ قلت ‏‏:‏‏ ماذا أقرأ ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ فغتني به حتى ظننت أنه الموت ، ثم أرسلني ، فقال ‏‏:‏‏ اقرأ ؛ قال ‏‏:‏‏ فقلت ‏‏:‏‏ ماذا أقرأ ‏‏؟‏‏ ما أقول ذلك إلا افتداء منه أن يعود لي بمثل ما صنع بي ؛ فقال ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ اقرأ باسم ربك الذي خلق ‏‏.‏‏ خلق الإنسان من علق ‏‏.‏‏ اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم ‏‏.‏‏ علم الإنسان ما لم يعلم ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقرأتها ثم انتهى فانصرف عني وهببت من نومي ، فكأنما كتبت في قلبي كتابا ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فخرجت حتى إذا كنت في وسط من الجبل سمعت صوتا من السماء يقول ‏‏:‏‏ يا محمد ، أنت رسول الله وأنا جبريل ؛ قال ‏‏:‏‏ فرفعت رأسي إلى السماء أنظر ، فإذا جبريل في صورة رجل صافّ قدميه في أفق السماء يقول ‏‏:‏‏ يا محمد ، أنت رسول الله وأنا جبريل ؛ قال ‏‏:‏‏ فوقفت أنظر إليه فما أتقدم وما أتأخر ، وجعلت أصرف وجهي عنه في آفاق السماء ، قال ‏‏:‏‏ فلا أنظر في ناحية منها إلا رأيته كذلك ، فما زلت واقفا ما أتقدم أمامي وما أرجع ورائي حتى بعثت خديجة رسلها في طلبي ، فبلغوا أعلى مكة ورجعوا إليها وأنا واقف في مكاني ذلك ؛ ثم انصرف عني ‏‏.‏‏
 الرسول صلى الله عليه وسلم يخبر خديجة رضي الله عنها بنـزول جبريل عليه
وانصرفت راجعا إلى أهلي حتى أتيت خديجة فجلست إلى فخذها مضيفا إليها ‏‏:‏‏ فقالت ‏‏:‏‏ يا أبا القاسم ، أين كنت ‏‏؟‏‏ فوالله لقد بعثت رسلي في طلبك حتى بلغوا مكة ورجعوا لي ، ثم حدثتها بالذي رأيت ، فقالت ‏‏:‏‏ أبشر يا ابن عم واثبت ، فوالذي نفس خديجة بيده إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة ‏‏.‏‏
 خديجة رضي الله عنها تخبر ورقة بن نوفل حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم
ثم قامت فجمعت عليها ثيابها ، ثم انطلقت إلى ورقة بن نوفل بن أسد بن عبدالعزى بن قصي ، وهو ابن عمها ، وكان ورقة قد تنصر وقرأ الكتب ، وسمع من أهل التوراة والإنجيل ، فأخبرته بما أخبرها به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه رأى وسمع ؛ فقال ورقة بن نوفل ‏‏:‏‏ قدوس قدوس ، والذي نفس ورقة بيده ، لئن كنت صدقتيني يا خديجة لقد جاءه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى ، وإنه لنبي هذه الأمة ، فقولي له ‏‏:‏‏ فليثبت ‏‏.‏‏
فرجعت خديجة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بقول ورقة بن نوفل ، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم جواره وانصرف ، صنع كما كان يصنع بدأ بالكعبة فطاف بها ، فلقيه ورقة بن نوفل وهو يطوف بالكعبة فقال ‏‏:‏‏ يا ابن أخي أخبرني بما رأيت وسمعت ، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فقال له ورقة ‏‏:‏‏ والذي نفسي بيده ، إنك لنبي هذه الأمة ، وقد جاءك الناموس الأكبر الذي جاء موسى ولتكذبنه ولتؤذينه ولتخرجنه ولتقاتلنه ، ولئن أنا أدركت ذلك اليوم لأنصرن الله نصرا يعلمه ، ثم أدنى رأسه منه ، فقبل يافوخه ، ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منـزله ‏‏.‏‏
 تثبت خديجة رضي الله عنها من الوحي
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني إسماعيل بن أبي حكيم مولى آل الزبير ‏‏:‏‏ أنه حُدث عن خديجة رضي الله عنها أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ أي ابن عم ، أتستطيع أن تخبرني بصاحبك هذا الذي يأتيك إذا جاءك ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ نعم ؛ قالت ‏‏:‏‏ فإذا جاءك فأخبرني به ‏‏.‏‏
فجاءه جبريل عليه السلام كما كان يصنع ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لخديجة ‏‏:‏‏ يا خديجة ، هذا جبريل قد جاءني ؛ قالت ‏‏:‏‏ قم يا ابن عم فاجلس على فخذي اليسرى ؛ قال ‏‏:‏‏ فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس عليها ؛ قالت ‏‏:‏‏ هل تراه ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ نعم ؛ قالت ‏‏:‏‏ فتحولْ فاجلس على فخذي اليمنى ؛ قال ‏‏:‏‏ فتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس على فخذها اليمنى ؛ فقالت ‏‏:‏‏ هل تراه ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ نعم ‏‏.‏‏ قالت ‏‏:‏‏ فتحول فاجلس في حجري ؛ قالت ‏‏:‏‏ فتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس في حجرها ؛ قالت ‏‏:‏‏ هل تراه ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ نعم ؛ قال ‏‏:‏‏ فتحسرت وألقت خمارها ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في حجرها ، ثم قالت له ‏‏:‏‏ هل تراه ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ لا ؛ قالت ‏‏:‏‏ يا ابن عم ، اُُثبت وأبشر ، فوالله إنه لملك وما هذا بشيطان ‏‏.‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وقد حدثت عبدالله بن حسن هذا الحديث ، فقال ‏‏:‏‏ قد سمعت أمي فاطمة بنت حسين تحدث بهذا الحديث عن خديجة ، إلا أني سمعتها تقول ‏‏:‏‏ أدخلت رسول الله صلى الله عليه وسلم بينها وبين درعها ، فذهب عند ذلك جبريل ، فقالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ إن هذا لملك وما هو بشيطان ‏‏.‏‏ ‏
 ابتداء تنـزيل القرآن
 متى نزل القرآن
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فابتدىء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتنـزيل في شهر رمضان ، بقول الله عز وجل ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏ وقال الله تعالى ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ إنا أنزلناه في ليلة القدر ‏‏.‏‏وما أدراك ما ليلة القدر ‏‏.‏‏ ليلة القدر خير من ألف شهر ‏‏.‏‏ تنـزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر ‏‏.‏‏ سلام هي حتى مطلع الفجر ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏ وقال الله تعالى ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ حم والكتاب المبين ‏‏.‏‏ إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين ‏‏.‏‏ فيها يفرق كل أمر حكيم ‏‏.‏‏ أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏ وقال تعالى ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏ وذلك ملتقى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمشركين ببدر ‏‏.‏‏
 تاريخ وقعة بدر
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني أبو جعفر محمد بن علي بن حسين ‏‏:‏‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم التقى هو والمشركون ببدر يوم الجمعة ، صبيحة سبع عشرة من رمضان ‏‏.‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ثم تتامّ الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏.‏‏ وهو مؤمن بالله مصدق بما جاءه منه ، قد قبله بقبوله ، وتحمل منه ما حمله على رضا العباد وسخطهم ، والنبوة أثقال ومؤنة ، لا يحملها ولا يستطيع بها إلا أهل القوة والعزم من الرسل بعون الله تعالى وتوفيقه ، لما يلقون من الناس وما يرد عليهم مما جاءوا به عن الله سبحانه وتعالى ‏‏.‏‏
قال ‏‏:‏‏ فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر الله ، على ما يلقى من قومه من الخلاف والأذى