الاحصار
الاحصار هو المنع والحبس، قال الله تعالى: {فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي}.
وقد نزلت هذه الآية في حصر النبي صلى الله عليه وسلم، ومنعه هو وأصحابه في الحديبية عن المسجد الحرام.
والمراد به: المنع عن الطواف في العمرة، وعن الوقوف بعرفة، أو طواف الافاضة في الحج.
وقد اختلف العلماء في السبب الذي يكون به الاحصار.
قال مالك، والشافعي: الاحصار لا يكون إلا بالعدو.
لان الآية نزلت في إحصار النبي صلى الله عليه وسلم به.
وقال ابن عباس: لا حصر إلا حصر العدو.
وذهب أكثر العلماء - منهم الأحناف، وأحمد - إلى أن الاحصار يكون من كل حابس يحبس الحاج عن البيت من عدو أو مرض يزيد بالانتقال والحركة، أو خوف، أو ضياع النفقة أو موت محرم الزوجة في الطريق، وغير ذلك من الاعذار المانعة، حتى أفنى ابن مسعود رجلا لدغ، بأنه محصر.
واستدلوا بعموم قوله تعالى: {فإن أحصرتم} وأن سبب نزول الآية إحصار النبي صلى الله عليه وسلم بالعدو فإن العام لا يقصر على سببه وهذا أقوى من غيره، من المذاهب.
على المحصر شاة فما فوقها: الآية صريحة في أن على المحصر أن يذبح ما استيسر من الهدي.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أحصر فحلق وجامع نساءه ونحر هديه، حتى اعتمر عاما قابلا رواه البخاري.
وقد استدل بهذا الجمهور من العلماء على أن المحصر يجب عليه ذبح شاة أو بقرة أو نحر بدنة.
وقال مالك: لا يجب.
قال في فتح العلام: والحق معه، فإنه لم يكن مع كل المحصرين هدي، وهذا الهدي الذي كان معه صلى الله عليه وسلم ساقه من المدينة متنفلا به. وهو الذي أراده الله تعالى بقوله: {والهدي معكوفا أن يبلغ محله} والآية لاتدل على الايجاب
.موضع ذبح هدي الإحصار:
قال في فتح العلام: اختلف العلماء - هل نحره يوم الحديبية في الحل أو في الحرم؟ وظاهر قوله تعالى: {والهدي معكوفا أن يبلغ محله} أنهم نحروه في الحل.
وفي محل نحر الهدي للمحصر أقوال: الأول للجمهور: أنه يذبح هديه حيث يحل في حرم أو حل.
الثاني للحنفية: أنه لا ينحره إلا في الحرم.
الثالث لابن عباس وجماعة: أنه إن كان يستطيع البعث به إلى الحرم وجب عليه، ولا يحل حتى ينحر في محله.
وإن كان لا يستطيع البعث به إلى الحرم نحر في محل إحصاره.
.لا قضاء على المحصر إلا أن يكون عليه فرض الحج:
عن ابن عباس رضي الله عنهما، في قوله تعالى: {فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي} يقول: من أحرم بحج أو بعمرة ثم حبس عن البيت، فعليه ذبح ما استيسر من الهدي: شاة فما فوقها، يذبح عنه.
فإن كان حجة الإسلام، فعليه قضاؤها. وإن كان حجة بعد حج الفريضة فلا قضاء عليه.
وقال مالك: إنه بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء هو وأصحابه الحديبية فنحروا الهدي، وحلقوا رؤوسهم، وحلتوا من كل شئ، قبل الطواف بالبيت، ومن قبل أن يصل الهدي إلى البيت. ثم لم يذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أحدا من أصحابه، ولاممن كان معه أن يقضوا شيئا، ولا يعودوا له.
والحديبية خارج من الحرم. رواه البخاري.
قال الشافعي: فحيث أحصر ذبح، وحل، ولاقضاء عليه من قبل أن الله لم يذكر قضاء.
ثم قال: لانا علمنا - من تواطئ حديثهم - أنه كان معه في عام الحديبية رجال معروفون، ثم اعتمروا عمرة القضاء فتخلف بعضهم في المدينة، من غير ضرورة في نفس ولا مال، ولو لزم القضاء لامرهم بألا يتخلفوا عنه.
وقال: وإنما سميت عمرة القضاء، والقضية، للمقاضاة التي وقعت بين النبي صلى الله عليه وسلم، وبين قريش، لا على أنه واجب قضاء تلك العمرة.