شروط لزوم عقد الزواج ومتى يحق لأحد الطرفين فسخ العقد
يلزم عقد الزواج إذا استوفى أركانه وشروط صحته وشروط نفاذه.
وإذا لزم فليس لاحد الزوجين ولا لغيرهما حق نقض العقد ولا فسخه، ولا ينتهي الا بالطلاق أو الوفاة، وهذا هو الاصل في عقد الزواج.
لان المقاصد التي شرع من أجلها - من دوام العشرة الزوجية وتربية الأولاد والقيام على شؤونهم - لا يمكن أن تتحقق إلا مع لزومه.
ولهذا قال العلماء: شروط لزوم الزواج يجمعها شرط واحد.
وهو ألا يكون لاحد الزوجين حق فسخ العقد بعد انعقاده وصحته ونفاذه، فلو كان لاحد حق فسخه كان عقدا غير لازم.
.متى يكون العقد غير لازم:
لا يكون العقد لازما فيما يأتي من الصور:
إذا تبين أن الرجل غرر بالمرأة أو أن المرأة غررت بالرجل.
مثال ذلك أن يتزوج الرجل المرأة وهو عقيم، لا يولد له ولم تكن تعلم بعقمه، فلها في هذه الحال حق نقض العقد وفسخه متى علمت، الا إذا اختارته زوجا لها، ورضيت معاشرته.
قال عمر رضي الله عنه لمن تزوج امرأة وهو لا يولد له، أخبرها انك عقيم وخيرها.
ومن صور التغرير أن يتزوجها على انه مستقيم، ثم يتبين أنه فاسق، فلها كذلك حق فسخ العقد.
ومن ذلك ما ذكره ابن تيمية: إذا تزوج امرأة على أنها بكر فبانت ثيبا فله الفسخ، وله أن يطالب بأرش الصداق - وهو تفاوت ما بين مهر البكر والثيب - وإذا فسخ قبل الدخول سقط المهر.
وكذلك لا يكون العقد لازما إذا وجد الرجل بالمرأة عيبا ينفر من كمال الاستمتاع.
كأن تكون مستحاضة دائما، فان الاستحاضة عيب يثبت به فسخ النكاح وكذلك إذا وجد بها ما يمنع الوطء كانسداد الفرج.
ومن العيوب التي تجيز للرجل فسخ العقد: الأمراض المنفرة: مثل البرص والجنون والجذام، وكما يثبت حق الفسخ للرجل فكذلك يثبت للمرأة إذا كان الرجل أبرص، أو كان مجنونا أو مجذوما أو مجبوبا أو عنينا أو صغيرا.
رأي الفقهاء في الفسخ بالعيب:
وقد اختلف الفقهاء في ذلك:
1- فمنهم من رأى أن الزواج لا يفسخ بالعيوب مهما كانت هذه العيوب، ومن هؤلاء الفقهاء داود وابن حزم.
قال صاحب الروضة الندية: اعلم أن الذي ثبت بالضرورة الدينية أن عقد النكاح لازم تثبت به أحكام الزوجية من جواز الوطء، ووجوب النفقة ونحوها، وثبوت الميراث، وسائر الاحكام.
وثبت بالضرورة الدينية أن يكون الخروج منه بالطلاق أو الموت.
فمن زعم أنه يجوز الخروج من النكاح بسبب من الاسباب، فعليه الدليل الصحيح المقتضي للانتقال عن ثبوته بالضرورة الدينية.
وما ذكروه من العيوب لم يأت في الفسخ بها حجة نيرة ولم يثبت شيء منها.
وأماق وله صلى الله عليه وسلم: «الحقي بأهلك» فالصيغة صيغة طلاق.
وعلى فرض الاحتمال فالواجب الحمل على المتيقن دون ما سواه.
وكذلك الفسخ بالعنة لم يرد به دليل صحيح، والاصل البقاء على النكاح حتى يأتي ما يوجب الانتقال عنه.
ومن أعجب ما يتعجب منه تخصيص بعض العيوب بذلك دون بعض.
2- ومنهم من رأى أن الزواج يفسخ ببعض العيوب دون بعض، وهم جمهور أهل العلم، واستدلوا لمذهبهم هذا بما يأتي: أولا: ما رواه كعب بن زيد، أو زيد بن كعب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج امرأة من بني غفار، فلما دخل عليها، ووضع ثوبه، وقعد على الفراش أبصر بكشحها بياضا فانحاز عن الفراش، ثم قال: «خذي عليك ثيابك، ولم يأخذ مما آتاها شيئا» رواه أحمد وسعيد بن منصور.
ثانيا: عن عمر أنه قال: أيما امرأة غر بها رجل، بها جنون أو جذام، أو برص، فلها مهرها بما أصاب منها.
وصداق الرجل على من غره رواه مالك والدارقطني.
وهؤلاء اختلفوا في العيوب التي يفسخ بها النكاح.
فخصها أبو حنيفة بالجب والعنة.
وزاد مالك والشافعي الجنون والبرص والجذام.
والقرن انسداد في الفرج.
وزاد أحمد على ما ذكره الأئِمة الثلاثة أن تكون المرأة فتقاء منخرقة ما بين السبيلين.
التحقيق في هذه القضية:
والحق أن كلا من الاراء المتقدمة غير جدير بالاعتبار، وأن الحياة الزوجية التي بنيت على السكن والمودة والرحمن لا يمكن أن تتحقق وتستقر مادام هناك شيء من العيوب والأمراض ينفر أحد الزوجين من الآخر.
فان العيوب والأمراض المنفرة لا يتحقق معها المقصود من النكاح.
ولهذا أذن الشارع بتخيير الزوجين في قبول الزواج أو رفضه.
وللامام ابن القيم تحقيق جدير بالنظر والاعتبار: قال: فالعمى، والحرس والطرش، وكونها مقطوعة اليدين أو الرجلين أو احداهما، أو كون الرجل كذلك، من أعظم المنفرات، والسكوت عنه من أقبح التدليس والغش، وهو مناف للدين.
وقد قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه لمن تزوج امرأة وهو لا يولد له: أخبرها أنك عقيم وخيرها.
فماذا يقول رضي الله عنه في العيوب التي هي عندها كمال بلا نقص.
قال: والقياس أن كل عيب ينفر الزوج الآخر منه، ولا يحصل به مقصود النكاح من الرحمة والمودة، يوجب الخيار، وهو أولى من البيع، كما أن الشروط المشروطة في النكاح أولى بالوفاء من شروط البيع.
وما ألزم الله ورسوله مغرورا قط، ولا مغبونا بما غر وغبن به.
ومن تدبر مقاصد الشرع في مصادره، وموارده، وعدله وحكمته، وما اشتمل عليه من المصالح لم يخف عليه رجحان هذا القول وقربه من قواعد قواعد الشريعة.
وقد روى يحيى بن سعيد الانصاري عن ابن المسيب رضي الله عنه قال: قال عمر رضي الله عنه: أيما امرأة تزوجت وبها جنون أن جذام أو برص، فدخل بها ثم اطلع على ذلك فلها مهرها بمسيسه إياها، وعلى الولي الصداق بما دلس، كما غره.
وروى الشعبي عن علي كرم الله وجهه، أيما امرأة نكحت، وبها برص، أو جنون، أو جذام، أو قرن فزوجها بالخيار ما لم يمسها، أن شاء أمسك، وان شاء طلق، وان مسها فلها المهر بما استحل من فرجها.
وقال وكيع: عن سفيان الثوري، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، عن عمر رضي الله عنه قال: «إذا تزوجها برصاء أو عمياء، فدخل بها فلها الصداق، ويرجع به على من غره».
قال: وهذا يدل على أن عمر لم يذكر تلك العيوب المتقدمة على وجه الاختصاص والحصر دون ما عداها.
وكذلك حكم قاضي الإسلام شريح رضي الله عنه الذي يضرب المثل بعلمه ودينه وحكمه.
قال عبد الرازق: عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين رضي الله عنه، خاصم رجل رجلا الى شريح فقال: أن هذا قال لي: إنا نزوجك أحسن الناس فجاءني بامرأة عمياء. فقال شريح: إن كان دلس عليك بعيب لم يجز.
فتأمل هذا القضاء وقوله: إن كان دلس عليك بعيب كيف يقتضي أن كل عيب دلست به المرأة فللزوج الرد به.
قال الزهري رضي الله عنه: يرد النكاح من كل داء عضال قال: ومن تأمل فتاوى الصحابة والسلف علم أنهم لم يخصوا الرد بعيب دون عيب، إلا رواية رويت عن عمر: لا ترد النساء إلا من العيوب الأربعة: الجنون، والجذام، والبرص، والداء في الفرج.
وهذه الرواية لا نعلم لها إسنادا أكثر من أصبغ وابن وهب عن عمر وعلي رضي الله عنهما.
وقد روي ذلك عن ابن عباس باسناد متصل.
هذا كله إذا أطلق الزوج.
وأما إذا اشترط السلامة، أو اشترط الجمال فبانت شوهاء أو شرطها شابة حديثة السن فبانت عجوزا شمطاء.
أو شرطها بيضاء فبانت سوداء، أو بكرا فبانت ثيبا فله الفسخ في ذلك.
فان كان قبل الدخول فلا مهر، وان كان بعده فلها المهر.
وهو غرم على وليها أن كان غره.
وان كانت هي الغارة سقط مهرها، أو رجع عليها به إن كانت قبضته.
ونص على هذا أحمد في إحدى الروايتين عنه.
وهو أقيسهما وأولاهما بأصوله فيما إذا كان الزوج هو المشترط.
وقال أصحابه إذا شرطت فيه صفة فبان بخلافها فلا خيار لها، إلا في شرط الحرية إذا بان عبدا فلها الخيار.
وفي شرط النسب إذا بن بخلافه وجهان.
والذي يقتضيه مذهبه وقواعده أنه لا فرق بين اشتراطه واشتراطها.
بل إثبات الخيار لها إذا فات ما اشترطته أولى، لأنها لا تتمكن من المفارقة بالطلاق.
فإذا جاز له الفسخ مع تمكنه من الفراق بغيره فلان يجوز لها الفسخ مع عدم تمكنها أولى.
وإذا جاز لها أن تفسخ إذا ظهر الزوج ذا صناعة دنيئة، لا تشينه في دينه ولا في عرضه، وإنما تمنع كمال لذتها واستمتاعها به.
فإذا شرطته شابا جميلا صحيحا فبان شيخا مشوها أعمى، أطرش، أخرس، أسود، فكيف تلزم به وتمنع من الفسخ؟ هذا في غاية الامتناع والتناقض والبعد عن القياس وقواعد الشرع.
قال: وكيف يمكن أحد الزوجين من الفسخ بقدر العدسة من البرص ولا يمكن منه بالجرب المستحكم المتمكن وهو أشد إعداء من ذلك البرص اليسير.
وكذلك غيره من أنواع الداء العضال.
وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم حرم على البائع كتمان عيب سلعته، وحرم على من علمه أن يكتمه على المشتري، فكيف بالعيوب في النكاح؟ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس، حين استشارته في نكاح معاوية وأبي جهم: «أما معاوية فصعلوك لا مال له، وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه».
فعلم أن بيان العيب في النكاح أولى وأوجب.
فكيف يكون كتمانه وتدليسه والغش الحرام به سببا للزومه؟ وجعل ذي العيب غلا لازما في عنق صاحبه مع شدة نفرته عنه، ولا سيما مع شرط السلامة منه وشرط خلافه؟ وهذا ما يعلم يقينا أن تصرفات الشريعة وقواعدها وأحكامها تأباه، والله أعلم. انتهى.
وذهب أبو محمد بن حزم الى أن الزوج إذا شرط السلامة من العيوب فوجد أي عيب كان، فالنكاح باطل من أصله غير منعقد، ولا خيار له فيه، ولا اجازة، ولا نفقة، ولا ميراث.
قلت: إن التي أدخلت عليه غير التي تزوج، إذ السالمة غير المعيبة بلا شك، فإذا لم يتزوجها فلا زوجية بينهما.
ما جرى عليه العمل بالمحاكم: وقد جرى العمل الان بالمحاكم حسب ما جاء بالمادة التاسعة من قانون سنة 1920:
أنه يثبت للمرأة هذا الحق إذا كان العيب مستحكما لا يمكن البرء منه، أو يمكن بعد زمن، ولا يمكنها المقام معه إلا بضرر أيا كان هذا العيب، كالجنون، والجذام والبرص، سواء أكان ذلك بالزوج قبل العقد ولم تعلم به، أم حدث بعد العقد ولم ترض به، فان تزوجته عالمة بالعيب، أو حدث العيب بعد العقد، ورضيت صراحة أو دلالة بعد علمها، فلا يجوز طلب التفريق، واعتبر التفريق في هذا الحال طلاقا بائنا، ويستعان بأهل الخبرة في معرفة العيب ومداه من الضرر.
ومما يدخل في هذا الباب - عند الأحناف - تزويج الكبيرة العاقلة نفسها من كفء بمهر أقل من مهر مثلها بدون رضا أقرب عصبتها.
وكذلك إذا زوج الصغير أو الصغيرة غير الاب والجد من الأولياء - عند عدمهما - وكان الزوج كفئا، وكان المهر مهر المثل كان الزواج غير لازم، وسيأتي ذلك مفصلا في مبحث الولاية.
شروط سماع الدعوى بالزواج قانونا:
رأى المشرع الوضعي شروطا لسماع الدعوى بالزواج من جهة،
وشروطا أخرى لمباشرة عقد الزواج رسميا من جهة أخرى، نجملها فيما يلي اتماما للفائدة: المسوغ الكتابي لسماع دعوى الزواج: جاءت الفقرات الأربع من المادة 99 من المرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 الخاص بلائحة ترتيب المحاكم الشرعية والاجراءات المتعلقة بها: لا تسمع عند الانكار دعوى الزوجية أو الطلاق أو الاقرار بهما، بعد وفاة أحد الزوجين في الحوادث السابقة على سنة 1911 أفرنكية، سواء أكانت مقامة من أحد الزوجين أم من غيرهما، الا إذا كانت مؤيدة بأوراق خالية من شبهة التزوير على صحتها.
ومع ذلك، يجوز سماع دعوى الزوجية، أو الاقرار بها، المقامة من أحد الزوجين في الحوادث السابقة على سنة ألف وثمانمائة وسبع وتسعين فقط، بشهادة الشهود وبشرط أن تكون الزوجية معروفة بالشهرة العامة.
ولايجوز سماع دعوى ما ذكر كله من أحد الزوجين أو غيره في الحوادث الواقعة من سنة ألف وتسعمائة واحدى عشرة الا إذا كانت ثابتة بأوراق رسمية أو مكتوبة كلها بخط المتوفى وعليها امضاؤه كذلك.
ولا تسمع عند الانكار دعوى الزوجية أو الاقرار بها الا إذا كانت ثابتة بوثيقة زواج رسمية في الحوادث الواقعة من أول أغسطس سنة 1921 م.
وجاء في المذكرة التفسرية لهذه المواد ما يأتي: ومن القواعد الشرعية أن القضاء يتخصص بالزمان والمكان والحوادث والاشخاص، وأن لولي الأمر أن يمنع قضاته عن سماع بعض الدعاوى، وأن يقيد السماع بما يراه من القيود تبعا لاحوال الزمان وحاجة الناس، وصيانة للحقوق من العبث والضياع.
وقد درج الفقهاء من سالف العصور على ذلك، وأقروا هذا المبدأ في أحكام كثيرة، واشتملت لائحتا سنة 1897 وسنة 1910 للمحاكم الشرعية على كثير من مواد التخصيص وخاصة فيما يتعلق بدعاوى الزوجية والطلاق والاقرار بهما وألف الناس هذه القيود واطمأنوا إليها بعد ما تبين مالها من عظيم الاثر في صيانة حقوق الاسر.
إلا أن الحوادث قد دلت على أن عقد الزواج - وهو أساس رابطة الاسرة - لا يزال في حاجة الى الصيانة والاحتياط في أمره.
فقد يتفق اثنان على الزواج بدون وثيقة ثم يجحده أحدهما ويعجز الاخر عن إثباته أمام القضاء.
وقد يدعى الزوجية بعض ذوي الاغراض زورا وبهتانا أو نكاية وتشهيرا، أو ابتغاء غرض آخر، اعتمادا على سهولة اثباتها.
خصوصا وأن الفقه يجيز الشهادة بالتسامع في الزواج، وقد تدعى الزوجية بورقة إن ثبتت صحتها مرة لا تثبت مرارا.
وما كان لشئ من ذلك أن يقع لو أثبت هذا العقد دائما بوثيقة رسمية، كما في عقود الرهن وحجج الاوقاف، وهي أقل منه شأنا وهو أعظم منها خطرا.
فحملا للناس على ذلك، واظهارا لشرف هذا العقد، وتقديسا عن الجحود والانكار، ومنعا لهذه المفاسد العديدة، واحتراما لروابط الاسرة، زيدت الفقرة الرابعة في المادة 99 التي نصها: ولا تسمع عند الانكار دعوى الزوجية أو الاقرار بها إلا إذا كانت ثابتة بوثيقة زواج رسمية في الحوادث الواقعة من أول أغسطس سنة 1931 م.
تحديد سن الزوجين لسماع دعوى الزواج:
نصت الفقرة الخامسة من المادة 99 من لائحة الاجراءات الشرعية على أنه لا تسمع دعوى الزوجية إذا كانت سن الزوجة تقل عن ست عشرة سنة هجرية، أو سن الزوج تقل عن ثماني عشرة سنة هجرية إلا بأمر منا.
وقد جاء في المذكرة الايضاحية بشأن هذه الفقرة ما نصه: كانت دعوى الزوجية لا تسمع إذا كانت سن الزوجين وقت العقد أقل من ست عشرة سنة للزوجة وثماني عشرة للزوج. سواء أكانت سنهما كذلك وقت الدعوى أم جاوزت هذا الحد فرئي تيسيرا على الناس، وصيانة للحقوق، واحتراما لاثار الزوجية، أن يقصر المنع من السماع على حالة واحدة، وهي مااذا كانت سنهما أو سن أحدهما وقت الدعوى أقل من السن المحددة