الزواج بالمرأة الكتابية النصرانية واليهودية
يحل للمسلم أن يتزوج الحرة من نساء أهل الكتاب لقول الله تعالى: {اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان}.
قال ابن المنذر: ولا يصح عن أحد من الاوائل أنه حرم ذلك.
وعن ابن عمر أنه كان إذا سئل عن زواج الرجل بالنصرانية أو اليهودية، قال: حرم الله المشركات على المؤمنين، ولا أعرف شيئا من الاشراك أعظم من أن تقول المرأة ربها عيسى، أو عبد من عباد الله.
قال القرطبي.
قال النحاس: وهذا قول خارج عن قول الجماعة الذين تقوم بهم الحجة.
لأنه قد قال بتحليل نكاح نساء أهل الكتاب من الصحابة والتابعين جماعة، منهم عثمان، وطلحة، وابن عباس، وجابر، وحذيفة.
ومن التابعين سعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، والحسن، ومجاهد، وطاووس، وعكرمة، والشعبي، والضحاك، وفقهاء الأمصار.
ولا تعارض بين الآيتين، فان ظاهر لفظ الشرك لا يتناول أهل الكتاب لقول الله تعالى: {لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة} ففرق بينهم في اللفظ.
وظاهر العطف يقتضي المغايرة.
وتزوج عثمان رضي الله عنه نائلة بنت القراقصة الكلبية النصرانية، وأسلمت عنده.
وتزوج حذيفة يهودية من أهل المدائن.
وسئل جابر عن نكاح اليهودية والنصرانية فقال: تزوجنا بهن زمن الفتح مع سعد بن أبي وقاص.
كراهة الزواج منهن: والزواج بهن - وان كان جائزا - إلا أنه مكروه، لأنه لا يؤمن أن يميل إليها فتفتنه عن الدين، أو يتولى أهل دينها.
فإن كانت حربية فالكراهية أشد، لأنه يكثر سواد أهل الحرب.
ويرى بعض العلماء حرمة الزواج من الحربية.
فقد سئل ابن عباس عن ذلك فقال لا تحل، وتلا قول الله عزوجل: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون}.
قال القرطبي: وسمع بذلك ابراهيم النخعي فأعجبه.
حكمة إباحة التزوج منهن:
وإنما أباح الإسلام الزواج منهن ليزيل الحواجز بين أهل الكتاب وبين الإسلام.
فان في الزواج المعاشرة والمخالطة وتقارب الاسر بعضها ببعض، فتتاح الفرص لدراسة الإسلام، ومعرفة حقائقه ومبادئه ومثله.
فهو أسلوب من أساليب التقريب العملي بين المسلمين وغيرهم من أهل الكتاب، ودعاية للهدى ودين الحق.
فعلى من يبتغي الزواج منهن أن يجعل ذلك غاية من غاياته، وهدفا من أهدافه.
.الفرق بين المشركة والكتابية:
والمشركة ليس لها دين يحرم الخيانة، ويوجب عليها الأمانة، ويأمرها بالخير، وينهاها عن الشر، فهي موكولة الى طبيعتها وما تربت عليه في عشيرها، وهو خرافات الوثنية وأوهامها وأماني الشياطين وأحلامها، تخون زوجها وتفسد عقيدة ولدها.
فإن ظل الرجل على إعجابه بجمالها كان ذلك عونا لها على التوغل في ضلالها وإضلالها.
وإن نبا طرفه عن حسن الصورة، وغلب على قلبه استقباح تلك السريرة، فقد تنغص عليه التمتع بالجمال، على ما هو عليه من سوء الحال. وأما الكتابية فليس بينها وبين المؤمن كبير مباينة.
فانها تؤمن بالله وتعبده، وتؤمن بالانبياء، وبالحياة الاخرى وما فيها من الجزاء، وتدين بوجوب عمل الخير وتحريم الشر.
والفرق الجوهري العظيم بينهما، هو الايمان بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم. والذي يؤمن بالنبوة العامة لا يمنعه من الايمان بنبوة خاتم النبيين إلا الجهل بما جاء به. وكونه قد جاء بمثل ما جاء به النبيون وزيادة اقتضتها حال الزمان في ترقيه، واستعداده لاكثر مما هو فيه، أو المعاندة والمجاحدة في الظاهر، مع الاعتقاد في الباطن - وهذا قليل - والكثير هو الأول.
ويوشك أن يظهر للمرأة من معاشرة الرجل أحقية دينه وحسن شريعته والوقوف على سيرة من جاء بها، وما أيده الله تعالى به من الآيات البينات، فيكمل إيمانها ويصح إسلامها، وتؤتى أجرها مرتين إن كانت من المحسنات في الحالين. ا.هـ