الهبة
تعريفها:
جاء في القرآن الكريم قول الله عزوجل: {قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء} وهي مأخوذة من هبوب الريح أي مرورها.
وتطلق الهبة ويراد بها التبرع والتفضل على الغير سواء أكان بمال أم بغيره.
والهبة في الشرع: عقد موضوعه تمليك الإنسان ماله لغيره في الحياة بلا عوض، فإذا أباح الإنسان ماله لغيره لينتفع به ولم يملكه إياه كان إعارة.
وكذلك إذا أهدى ما ليس بمال كخمرأ وميتة فإنه لا يكون مهديا ولايكون هذا العطاء هدية، وإذا لم يكن التمليك في الحياة بل كان مضافا إلى ما بعد الوفاة كان ذلك وصية.
وإذا كانت بعوض كانت بيعا ويجري فيها حكم البيع، أي أنها تملك بمجرد تمام العقد ولا تنفذ فيها تصرفات الواهب إلا بإجازة الموهوب له.
ويثبت فيها الخيار والشفعة.ويشترط أن يكون العوض معلوما فإذا لم يكن العوض معلوما بطلت الهبة. والهبة المطلقة لا تقتضي عوضا سواء أكانت لمثله أو دونه أو أعلى منه. هذا هو معنى الهبة بالمعنى الاخص.
أما معناها بالمعنى الأعم فيشمل ما يأتي:
1- الابراء: وهو هبة الدين ممن هو عليه.
2- الصدقة: وهي هبة ما يراد به ثواب الآخرة.
3- الهدية: وهي ما يلزم الموهوب له أن يعوضه.
.مشروعيتها: وقد شرع الله الهبة لما فيها من تأليف القلوب وتوثيق عرى المحبة بين الناس.
وعن أبي هريرة، رضي الله عنه، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «تهادوا تحابوا».
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها.
وكان يدعو إلى قبولها ويرغب فيها، فعند أحمد من حديث خالد بن عدي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من جاءه من أخيه معروف من غير إشراف ولا مسألة فليقبله ولا يرده فإنما هو رزق ساقه الله إليه».
وقد حض الرسول صلى الله عليه وسلم على قبول الهدية ولو كانت شيئا حقيرا، ومن ثم رأى العلماء كراهية ردها حيث لا يوجد مانع شرعي.
فعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو أهدي إلى كراع لقبلت. ولو دعيت عليه لاجبت».
وعن عائشة قالت: قلت: يا رسول الله، إن لي جارين، فإلى أيهما أهدي؟ قال: «إلى أقربهما منك بابا».
وعن أبي هريرة قال النبي صلى الله عليه وسلم: «تهادوا فإن الهدية تذهب وحر الصدر ولا تحقرن جارة لجارتها ولو شق فرسن شاه».
وقد قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم هدية الكفار. فقبل هدية كسري. وهدية قيصر. وهدية المقوقس. كما أهدى هو الكفار الهدايا والهبات.
أما ما رواه أحمد وأبو داود والترمذي أن عياضا أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم هدية فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أسلمت؟ قال: لا. قال: «اني نهيت عن زبد المشركين».
فقد قال فيه الخطابي: يشبه أن يكون هذا الحديث منسوخا لأنه صلى الله عليه وسلم قد قبل هدية غير واحد من المشركين.
قال الشوكاني: وقد أورد البخاري في صحيحه حديثا استنبط منه جواز قبول هدية الوثني، ذكره في باب قبول الهدية من المشركين من كتاب الهبة والهدية.
قال الحافظ في الفتح: وفيه فساد من حمل رد الهدية على الوثني دون الكتابي وذلك لأن الواهب المذكور في ذلك الحديث وثني ا.هـ.
.أركانها:
وتصح الهبة بالايجاب والقبول بأي صيغة تفيد تمليك المال بلا عوض بأن يقول الواهب: وهبتك أو أهديتك أو أعطيتك ونحو ذلك ويقول الآخر: قبلت.
ويرى مالك والشافعي اعتبار القبول في الهبة.
وذهب بعض الأحناف إلى أن الايجاب كاف وهو أصح.
وقالت الحنابلة: تصح بالمعاطاة التي تدل عليها، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يهدي ويهدى إليه، وكذلك كان أصحابه يفعلون.
ولم ينقل عنهم أنهم كانوا يشترطون إيجابا وقبولا ونحو ذلك.
.شروطها:
الهبة تقتضي واهبا وموهوبا له وموهوبا.
ولكل شروط نذكرها فيما يلي:
.شروط الواهب:
يشترط في الواهب الشروط الآتية:
1- أن يكون مالكا للموهوب.
2- أن لا يكون محجورا عليه لسبب من أسباب الحجر.
3- أن يكون بالغا لأن الصغير ناقص الأهلية.
4- أن يكون مختارا لأن الهبة عقد يشترط في صحته الرضا.
.شروط الموهوب له:
ويشترط في الموهوب له:
1- وأن يكون موجودا حقيقة وقت الهبة فإن لم يكن موجودا أصلا أو كان موجودا تقديرا بأن كان جنينا فإن الهبة لا تصح.
ومتى كان الموهوب له موجودا أثناء الهبة وكان صغيرا أو مجنونا فإن وليه أو وصيه أو من يقوم بتربيته ولو كان أجنبيا يقبضها له.
.شروط الموهوب:
ويشترط في الموهوب:
1- أن يكون موجودا حقيقة.
2- أن يكون مالا متقوما.
3- أن يكون مملوكا في نفسه أي يكون المرهوب مما ترد عليه الملكية ويقبل التداول وانتقال ملكيته من يد إلى يد فلا تصح هبة الماء في النهر ولا السمك في البحر ولا الطير في الهواء ولا المساجد والزوايا.
4- أن لا يكون متصلا بملك الواهب اتصال قرار كالزرع والشجر والبناء دون الأرض بل يجب فصله وتسليمه حتى يملك للموهوب له.
5- أن يكون مفرزا أي غير مشاع لأن القبض فيه لا يصح إلامفرزا كالرهن، ويرى مالك والشافعي وأحمد وأبو ثور عدم اشتراط هذا الشرط وقالوا: أن هبة المشاع غير المقسوم تصح.
وعند المالكية يجوز هبة ما لا يصح بيعه مثل البعير الشارد والثمرة قبل بدو صلاحها والمغصوب.
هبة المريض مرض الموت: إذا كان شخص مريض مرض الموت ووهب غيره هبة فحكم هبته كحكم الوصية، فإذا وهب هبة لأحد ورثته ثم مات، وادعى باقي الورثة أنه وهبه في مرض موته وادعى الموهوب له أنه وهبه في حال صحته، فإن على الموهوب له أن يثبت قوله، وإن لم يفعل اعتبرت الهبة أنها حصلت في مرض الموت وجرى حكمها على مقتضى ذلك أي أنها لا تصح إلا إذا أجازها الورثة.
وإذا وهب وهو مريض مرض الموت ثم صح من مرضه فالهبة صحيحة.
.قبض الهبة:
من العلماء من يرى أن الهبة تستحق للموهوب له بمجرد العقد ولا يشترط قبضها أصلا لأن الاصل في العقود أنها تصح بدون اشتراط القبض مثل البيع كما سبقت الاشارة إليه، وإلى هذا ذهب أحمد ومالك وأبو ثور وأهل الظاهر.
وبناء على هذا إذا مات الواهب أو الموهوب له قبل التسليم فإن الهبة لا تبطل لأنها بمجرد العقد أصبحت ملكا للموهوب له.
وقال أبو حنيفة والشافعي والثوري إن القبض شرط من شروط صحتها، وما لم يتم القبض لم يلزم الواهب.
فإذا مات الموهوب له أو الواهب قبل التسليم بطلت الهبة.
.التبرع بكل المال:
مذهب الجمهور من العلماء أن للانسان أن يهب جميع ما يملكه لغيره.
وقال محمد بن الحسن وبعض محققي المذهب الحنفي: لا يصح التبرع بكل المال ولو في وجوه الخير، وعدوا من يفعل ذلك سفيها يجب الحجر عليه.
وحقق هذه القضية صاحب الروضة الندية فقال: من كان له صبر على الفاقة وقلة ذات اليد فلا بأس بالتصدق بأكثر ماله أو بكله، ومن كان يتكفف الناس إذا احتاج لم يحل له أن يتصدق بجميع ماله ولا بأكثره.
وهذا هو وجه الجمع بين الأحاديث الدالة على أن مجاوزة الثلث غير مشروعة وبين الادلة التي دلت على مشروعية التصدق بزيادة على الثلث ا.هـ.
الثواب على الهدية:
ويستحب المكافأة على الهدية وإن كانت من أعلى لادنى.
لما رواه أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي عن عائشة قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها».
ولفظ ابن أبي شيبة: «ويثيب ما هو خير منها».
وانما كان يفعل ذلك ليقابل الجميل بمثله وحتى لا يكون لأحد عليه منة.
قال الخطابي: من العلماء من جعل أمر الناس في الهادية على ثلاث طبقات:
1- هبة الرجل من دونه كالخادم ونحوه اكرام له وإلطاف. وذلك غير مقتض ثوابا.
2- هبة الصغير للكبير: طلب رفد ومنفعة. والثواب فيها واجب.
3- هبة النظير لنظيره: الغالب فيها معنى التودد والتقرب. وقد قيل إن فيها ثوابا.
فأما إذا وهب هبة واشترط فيها الثواب فهو لازم ا.هـ.
.حرمة تفضيل بعض الابناء في العطاء والبر:
لا يحل لاي شخص أن يفضل بعض أبنائه على بعض في العطاء لما في ذلك من زرع العداوة وقطع الصلات التي أمر الله بها أن توصل.
وقد ذهب إلى هذا الإمام أحمد واسحاق والثوري وطاوس وبعض المالكية وقالوا: إن التفضيل بين الأولاد باطل وجور ويجب على فاعله إبطاله، وقد صرح البخاري بهذا، واستدلوا على هذا بما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سووا بين أولادكم في العطية. ولو كنت مفضلا أحدا لفضلت النساء».
عن الشعبي، عن النعمان بن بشير، قال: أنحلني أبي نحلا - قال اسماعيل بن سالم من بين القوم: نحله غلاما له.
قال: فقالت له أمي عمرة بنت رواحة - إيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشهده، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له.
فقال: إني نحلت ابني النعمان نحلا، وإن عمرة سألتني أن أشهدك على ذلك.
قال: فقال: «ألك ولد سواه؟ قال: قلت: نعم، قال: فكلهم أعطيت مثل ما أعطيت النعمان؟ قال: لا».
قال: فقال بعض هؤلاء المحدثين: هذا جور وقال بعضهم: هذا تلجئة. فأشهد على هذا غيري.
قال مغيرة في حديثه: «أليس يسرك أن يكونوا لك في البر واللطف سواء؟ قال: نعم قال: فأشهد على هذا غيري» وذكر مجاهد في حديثه: «إن لهم عليك من الحق أن تعدل بينهم. كما أن لك عليهم من الحق أن يبروك».
قال ابن القيم: هذا الحديث هو من تفاصيل العدل الذي أمر الله به في كتابه وقامت به السموات والأرض وأثبتت عليه الشريعة فهو أشد موافقة للقرآن من كل قياس على وجه الأرض، وهو محكم الدلالة غاية الاحكام، فرد بالمتشابه من قوله: كل أحد أحق بماله من ولده والناس أجمعين.
فكونه أحق به يقتضي جواز تصرفه فيه كما يشاء ويقاس متشابهه على إعطاء الاجانب. ومن المعلوم بالضرورة أن هذا المتشابه من العموم والقياس لا يقاوم هذا الحكم المبين غاية البيان ا.هـ.
وذهب الأحناف والشافعي ومالك والجمهور من العلماء إلى أن التسوية بين الابناء مستحبة والتفضيل مكروه وان فعل ذلك نفذ.
وأجابوا عن حديث النعمان بأجوبة عشرة، كما ذكر الحافظ في الفتح، كلها مردودة، وقد أوردها الشوكاني في نيل الاوطار، نوردها مختصرة مع زيادات مفيدة قال:
أحدها: أن الموهوب النعمان كان جميع مال والده، حكاه ابن عبد البر، وتعقب بأن كثيرا من طرق الحديث مصرحة بالبعضية كما في حديث الباب أن الموهوب كان غلاما وكما في لفظ مسلم المذكور قال: «تصدق علي أبي ببعض ماله».
الجواب الثاني: أن العطية المذكورة لم تنجز، وإنما جاء بشير يستشير النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك.
فأشار عليه بأن لا يفعل فترك. حكاه الطبري. ويجاب عنه بأن أمره صلى الله عليه وسلم له بالارتجاع يشعر بالتنجيز.
وكذلك قول عمرة «لا أرضى حتى تشهد» الخ.
الجواب الثالث: أن النعمان كان كبيراولم يكن قبض الموهوب فجاز لابيه الرجوع.
ذكره الطحاوي قال الحافظ: وهو خلاف ما في أكثر طرق الحديث خصوصا قوله «أرجعه» فإنه يدل على تقدم وقوع القبض.
والذي تضافرت عليه الروايات أنه كان صغيرا وكان أبوه قابضا له لصغره.
فأمره برد العطية المذكورة بعدما كانت في حك المقبوض.
الجواب الرابع: إن قوله «أرجعه» دليل الصحة، ولو لم تصح الهبة لم يصح الرجوع، وإنما أمره بالرجوع لأن للوالد أن يرجع فيما وهب لولده، وإن كان الافضل خلاف ذلك.
لكن استحباب التسوية رجح على ذلك فلذلك أمره به.
قال في الفتح: وفي الاحتجاج بذلك نظر، والذي يظهر أن معنى قوله: «أرجعه» أي لا تمض الهبة المذكورة، ولا يلزم من ذلك تقدم صحة الهبة.
الجواب الخامس: إن قوله «أشهد على هذا غيري» إذن بالاشهاد على ذلك، وانما امتنع من ذلك لكونه الإمام وكأنه قال: لا أشهد لأن الإمام ليس من شأنه أن يشهد. وإنما من شأنه أن يحكم. حكاه الطحاوي وارتضاه ابن القصار.
وتعقب بأنه لا يلزم من كون الإمام ليس من شأنه أن يشهد أن يمتنع من تحمل الشهادة ولامن أدائها إذا تعينت عليه، والاذن المذكور مراد به التوبيخ لما تدل عليه بقية ألفاظ الحديث.
قال الحافظ: وبذلك صرح الجمهور في هذا الموضع.
وقال ابن حبان: قوله «أشهد» صيغة أمر والمراد به نفي الجواز، وهي كقوله لعائشة «اشترطي لهم الولاء» ا.هـ.
ويؤيد هذا تسميته صلى الله عليه وسلم لذلك جورا، كما في الرواية المذكورة في الباب.
الجواب السادس: التمسك بقوله «ألا سويت بينهم؟» على أن المراد بالأمر الاستحباب وبالنهي التنزيه.
قال الحافظ: وهذا جيد لولا ورود تلك الالفاظ الزائدة على هذه اللفظة. ولاسيما رواية «سو بينهم».
الجواب السابع: قالوا: المحفوظ في حديث النعمان «قاربوا بين أولادكم» لا سووا، وتعقب بأنكم لا توجبون المقاربة كما لا توجبون التسوية.
الجواب الثامن: في التشبيه الواقع بينهم في التسوية بينهم بالتسوية منهم في البر قرينة تدل على أن الأمر للندب.
ورد بأن إطلاق الجور على عدم التسوية والنهي عن التفضيل يدلان على الوجوب فلا تصلح تلك القرينة لصرفها. وان صلحت لصرف الأمر.
الجواب التاسع: ما تقدم عن أبي بكر من نحلته لعائشة وقوله لها «فلو كنت احترثته» وكذلك ما رواه الطحاوي عن عمر أنه تحل ابنه عاصما دون سائر ولده، ولو كان التفضيل غير جائز لما وقع من الخليفتين.
قال في الفتح: وقد أجاب عروة عن قصة عائشة بأن اخوتها كانوا راضين.
ويجاب بمثل ذلك عن قصة عاصم ا.هـ على أنه لاحجة في فعلهما لاسيما إذا عارض المرفوع.
الجواب العاشر: إن الاجماع انعقد على جواز عطية الرجل ماله لغير ولده.
فإذا جاز له أن يخرج جميع ولده من ماله لتمليك الغير جاز له أن يخرج بعض أولاده بالتمليك لبعضهم.
ذكره ابن عبد البر.
قال الحافظ: ولا يخفى ضعفه لأنه قياس مع وجود النص. ا.هـ.
فالحق أن التسوية واجبة وأن التفضيل محرم. واختلف الموجبون في كيفية التسوية.
فقال محمد ابن الحسن وأحمد واسحاق وبعض الشافعية والمالكية: العدل أن يعطى الذكر حظين كالميراث.
واحتجوا بأن ذلك حظه من المال لو مات عند الواهب وقال غيرهم: لافرق بين الذكر والأنثى. وظاهر الأمر بالتسوية ا.هـ.
.الرجوع في الهبة:
ذهب جمهور العلماء إلى حرمة الرجوع في الهبة ولو كانت بين الاخوة أو الزوجين، إلا إذا كانت هبة الوالد لولده فإن له الرجوع فيها لما رواه أصحاب السنن عن ابن عباس وابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحل لرجل أن يعطي عطية أو يهب هبة فيرجع فيها الا الوالد فيما يعطي ولده ومثل الذي يعطي العطية ثم يرجع فيها كمثل الكلب يأكل فإذا شبع قاء ثم عاد في قيئه» رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي وقال: حسن صحيح، وهذا أبلغ في الدلالة على التحريم.
وفي احدى الروايات عن ابن عباس: «ليس لنا مثل السوء الذي يعود في هبته كالكلب يرجع في قيئه».
وكذلك يجوز الرجوع في الهبة في حالة ما إذا وهب ليتعوض من هبته ويثاب عليها فلم يفعل الموهوب له: لما رواه سالم عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من وهب هبة فهو أحق بها ما لم يثب منها» أي يعوض عنها وهذا هو ما رجحه ابن القيم في اعلام الموقعين قال: ويكون الواهب الذي لا يحل له الرجوع هو من وهب تبرعا محضا لا لاجل العوض، والواهب الذي له الرجوع هومن وهب ليتعوض من هبته ويثاب منها فلم يفعل الموهوب له، وتستعمل سنة رسول الله كلها ولا يضرب بعضها ببعض.
.ما لايرد من الهدايا والهبات:
1- عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«ثلاث لاترد: الوسائد والدهن واللبن».
2- وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من عرض عليه ريحان فلا يرده لأنه خفيف المحمل طيب الريح».
3- وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان كان لايرد الطيب.
الثناء على المهدي والدعاء له:
1- عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لم يشكر الناس لم يشكر الله».
2- وعن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أعطي عطاء فوجد فليجزيه، ومن لم يجد فليثن، فإن من أثنى فقد شكر، ومن كتم فقد كفر، ومن تحلى بما لم يعط كان كلابس ثوبي زور».
3- وعن أسامة بن زيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صنع إليه معروف فقال لفاعله: جزاك الله اخيرا فقد أبلغ في الثناء».
4- وعن أنس قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أتاه المهاجرون فقالوا: «يا رسول الله ما رأينا قوما أبذل من كثير ولا أحسن مواساة من قليل من قوم نزلنا بين أظهرهم، لقد كفونا المؤونة، وأشر كونا في المهنأ حتى خفنا أن يذهبوا بالاجر كله؟ فقال: لا ما دعوتم لهم وأثنيتم عليهم».
.العمرى:
.تعريفها:
العمرى: هي نوع من الهبة: وهي أن يهب إنسان آخر شيئا مدى عمره.
أي على أنه إذا مات الموهوب له عاد الشئ للواهب.
ويكون ذلك بلفظ: أعمرتك هذا الشئ أو هذه الدار، أي جعلتها لك مدة عمرك، ونحو هذا من العبارات.
ويسمى القائل معمرا. والمقول له معمرا.
وقد اعتبر النبي صلى الله عليه وسلم فكرة الاسترداد بعد وفاة المعمر له باطلة فأثبت في العمرى ملك اليمين الدائم للمعمر له مادام حيا ثم من بعده لورثته الذين يرثون أملاكه، إن كان له ورثة.
فإن لم يكن له ورثة كانت لبيت المال، ولا يعود إلى المعمر شيء منها قط.
فعن عروة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أعمر عمرى فهي له ولعقبه يرثها من يرثه من عقبه من بعده».
2- وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «العمرى جائزة» أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
3- وعن أبي سلمة عن جابر أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «العمرى لمن وهبت له». أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
4- وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أيما رجل أعمر عمرى له ولعقبه فإنها للذي يعطاها لا ترجع للذي أعطاها لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث». أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.
5- وروى أبو داود عن طارق المكي أن جابر بن عبد الله قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأة من الانصار أعطاها ابنها حديقة من نخل فماتت. فقال ابنها: انما أعطيتها حياتها. وله إخوة.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هي لها حياتها وموتها». قال: كنت تصدقت بها عليها. قال: «ذاك أبعد لك». وإلى هذا ذهبت الأحناف والشافعي وأحمد.
وقال مالك: العمرى: تمليك المنفعة دون الرقبة. فإن جعلها عمرى له فهي له مدة عمره لا تورث.
فإن جعلها له ولعقبه بعده كانت ميراثا لاهله والحديث حجة عليه.
.الرقبى:
.تعريفها:
هي أن يقول أحد الاشخاص لصاحبه: أرقبتك داري وجعلتها لك في حياتك فإن مت قبلي رجعت إلي وإن مت قبلك فهي لك ولعقبك.
فكل واحد منهما يرقب موت صاحبه فتكون الدار التي جعلها رقبى لآخر من بقي منهما.
قال مجاهد: العمرى: أن يقول الرجل للرجل: هو لك ما عشت فإذا قال ذلك فهو له ولورثته.
والرقبى: أن يقول الإنسان هو للآخر مني ومنك.
.مشروعيتها: وهي مشروعة.
فعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «العمرى جائزة لاهلها. والرقبى جائزة لاهلها».
أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه. وقال الترمذي حسن.
.حكمها:
حكمها حكم العمرى عند الشافعي وأحمد وهو حكم ظاهر الحديث.
وقال أبو حنيفة: العمرى موروثة. والرقبى عارية.