آداب أهل الحديث
آداب طالب الحديث
وهي لآداب طالب العلم بصفة عامة
اجتهد علماء الحديث في جمع بعض الآداب التي رأوا أنه يستحب لطالب الحديث أن يتحلى بها ، وذلك لأهمية هذا العلم وشرفه ، فهو من علوم الدين الهامة التي يعرف بها ما جاء مجملا في القرآن الكريم ، ومن القرآن والسنة تستنبط أحكام الشريعة الغراء ، وهي ـ في الواقع ـ آداب هامة على طالب العلم بصفة عامة أن يتحلى بها ، وفي مقدمة هذه الآداب :
1ـ إخلاص النية لله عز وجل : فيقصد طالب الحديث وجه الله تعالى ، ولا يقصد عرضا من الدنيا ، ولا حب الظهور بين الناس.
2ـ أن يرحل في طلب العلم إذا احتاج الأمر إلى السفر وشد الرحال ويبادر إلى سماع الإسناد العالي في بلده فإذا استوعبه انتقل إلى أقرب البلاد إليه وهكذا ، قال إبراهيم بن أدهم رحمه الله: إن الله ليدفع البلاء عن هذه الأمة برحلة أصحاب الحديث .
3ـ وعلى الطالب أن يعمل بما علم ، فمن عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم، فيطبق ـ ما أمكنه ـ من فضائل الأعمال وعظيم الخلال الواردة في الأحاديث .
4 ـ أن يحسن صحبته بشيخه وأستاذه ، وأن يحترمه ويوقره، وألا يطول عليه بالسماع حتى يضجره .
5ـ على الطالب أن يجتهد في إفادة غيره ما استطاع إلى ذلك سبيلا في نقل العلم ونشره وتعليمه لغيره، وألا يكتم شيئا من العلم، لما جاء في الحديث : ( من علم علما فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار ) .
6ـ وعلى الطالب أن يستفيد من كل من يرى أن عنده إفادة وعلما سواء كان أكبر منه أو يساويه أو كان أصغر منه فيأخذ العلم منه ، ويروي عنه ويكتب عنه، فقد قال وكيع رحمه الله : (لا ينبل الرجل حتى يكتب عمن فوقه ومن مثله ومن هو دونه ) .
7ـ أن يجتهد الطالب في فهم ما يسمع وما يقرأ وما يكتب ولا يقتصر على مجرد السماع والكتابة حتى لا يكون قد أتعب نفسه بغير طائل
أول ما على طالب الحديث تصحيحُ النية وتحقيقُ الإخلاص ، والحذر من قصدِ التوصُّل إلى شىء من أغراض الدنيا ويسألُ الله تعالى التيسير والتوفيق ، ويأخذُ نَفْسَه بالأخلاق الجميلةِ والآداب المَرْضِيَّة. قال سفيان الثورى: ما أعلم عملاً أفضل من طلب الحديث لمن أرَاد الله به.
ويُسْتَحَبُّ أن يُبَكَّر بإسماع الصغير فى أول زمان يصحُّ سماعه ، وأما الاشتغال بكَتْب الحديث وتقييده فمن حين يتأهلُ لذلك ويختلف باختلاف الأشخاص ، فإذا أخذ فيه فَلْيُشَمِّر ويَغْتَنِمْ مدة إمكانه ويبدأ بالسماع من أسْنَدِ شُيوخ مِصْرِه وأرجَحِهم علمًا وشهرة ودينًا وغير ذلك.
وإذا فرغ من سماع المهمات ببلده فَلْيَرْحَلْ فى الطلب قال إبراهيم بن أدهم رضى الله عنه: إن الله يدفع البلاء عن هذه الأمة برحلة أصحاب الحديث. والرحلة عادة الحفاظ المُبَرَّزين ، ولا يحْمِلَنَّه الشَّرَه على التساهل فى السماع والتَّحَمُّل فَيُخِلَّ بشىء من شُروطه.
وينبغى أن يَسْتَعْمِل ما سمعَه من الأحاديث فى الصلاةِ والأذكار والصيام والآداب وسائر الطاعات فذلك زكاةُ الحديث كما قاله العبد الصالح بشر الحافى رضى الله عنه ، وقال وكيع رحمه الله: إذا أردتَ علم الحديث فاعمل به
وينبغى أن يُعَظِّمَ شيخَه ومَنْ يسمعُ مِنه فذلك من إجلال العلم وبه يُفْتَحُ على الإنسان.
وينبغى أن يعتقد جلالة شيخه ورُجحانه ويتحرى رضاه فذلك أعظم الطرق إلى الانتفاع به ولا يطوِّل عليه بحيث يُضْجِرُه فإنه يُخافُ على فاعل ذلك الحِرْمان ، وقد قال الزهرى: إذا طال المجلس كان للشيطان فيه نصيب.
وينبغى أن يستشير شيخَه فى أموره وما يشتغل فيه وكيفيةِ اشْتِغالِه فهو أحرى بانتفاعه .
وينبغى لمن ظَفِرَ من الطلبة بسماع شيخ أن يُعْلِمَ به من يرغب فى ذلك فإن مَنْ كتَمه يُخاف عليه الخِذْلان ، وذلك من اللُّؤْمِ الذى يقع فيه جهَلَةُ الطلَبة ويظنون بذلك أنهم يُحصِّلون ما لا يُحصِّل غيرهم وذلك جهل ، فإنه يُخافُ ذهاب ما معهم بسببه.
ومِن بركةِ الحديثِ إفادةُ بعضِهم بعضًا وبإنْفاق العلم ونشره ينْمِى .
آداب المحدث
علم الحديث علم شريف يُناسب مكارم الأخلاق ومحاسن الشِّيَمِ وهو من علوم الآخرة لا من علوم الدنيا ومن حُرِمَه فقد حُرِمَ خيرا عظيما ومن رُزِقَه فقد نال فضلا جزيلا ، فمن أراده فعليه تقديم تصحيح النية وليطهِّر قلبه من الأغراض الدنيوية وليحذر بَلِيَّة حب الرئاسة ورعوناتها نسأل الله الكريم التوفيق لذلك.
وقد اخْتُلِفَ فى السن المستحب فيه التصدى لإسماع الحديث ، والصواب أنه متى احْتِيج إلى ما عنده اسْتُحِبَّ له التصدى لنشره فى أى سن كان ، فقد جلس مالك بن أنس رحمه الله للناس ابن نَيِّف وعشرين سنة وقيل ابن سبع عشرة والناس متوافرون وشيوخه أحياء ، وجلس الشافعى رحمه الله وأُخِذَ عنه العلم فى سن الحداثة.
وينبغى له أن يُمْسِك عن التحديث إذا خُشِىَ عليه الهَرَم والخَرَف والتخليط ورواية ما ليس من حديثه ، وذلك يختلف باختلاف الناس ، وهكذا إذا عَمِى وخاف أن يدخل عليه ما ليس من حديثه فليُمْسِك عن الرواية.
ولا ينبغى للمُحَدِّث أن يُحَدِّث بحضرة من هو أولى منه بذلك ، وقيل: يكره أن يحدث ببلد فيه من هو أولى منه لِسِنِّه أو غير ذلك.
وينبغى له إذا الْتُمِسَ منه ما يعلمه عند غيره فى بلده أو غيره بإسناد أعلى من إسناده أو أرجح من وجه أن يُعْلِمَ الطالبَ به ويرشده إليه ، فإن الدين النصيحة.
ولا يمتنع من تحديث أحد لكونه غير صحيح النية فإنه يُرْجَى له حصول النية بَعْدُ قال معمر: كان يقال: إن الرجل ليطلب العلم لغير الله فيأبى عليه العلم حتى يكون لله تعالى عز وجل.
وليكن حريصا على نشره مبتغيا جزيل أجره ، وكان عروة وغيره من السلف يجمعون الناس على حديثهم.
وإذا أراد التحديث فليقتد بالإمام أبى عبد الله مالك بن أنس رحمه الله تعالى كان إذا أراد أن يُحَدِّثَ توضأ وجلس على صدر فراشه وسَرَّح لحيته وتَمَكَّن فى جلوسه بوقار وهيبة وحَدَّث ، فقيل له ، فقال: أحب أن أُعَظِّم حديث رسول الله ، وكان يكره أن يُحَدِّث فى الطريق أو وهو قائم أو مستعجل ، ورُوِىَ عنه أنه كان يغتسل لذلك ويَتَبَخَّرُ ويتطيَّب ، وإذا رفع أحد صوته فى مجلسه زَبَرَه وقال قال الله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبى " فمن رفع صوته عند حديث رسول الله فكأنما رفعه فوق صوته.
ويستحب له ما رُوى عن حبيب بن أبى ثابت التابعى رحمه الله تعالى قال مِنَ السنة إذا حَدَّث الرجلُ القومَ أن يُقْبِلَ عليهم جميعا وينبغى أن لا يَسْرُدَ الحديث سَرْدًا لا يُدْرِكُ السامعُ بعضَه وليفتتح مجلسه وليختمه بالتحميد والصلاة والسلام على رسول الله ودعاء يليق بالحال .
ويستحب للمحدث العارف عقد مجلس الإملاء للحديث فإنه أعلى مراتب الرواية ؛ لأن الشيخ يعلم ما يُمْلى ويتدَبَّرُه والكاتبُ يتحقق ما يسمعه ويكتبه وإذا قرأ على الشيخ أو الشيخ عليه لا يؤمن غفلة أحدهما ، ويُسْتَحَبُّ افتتاح المجلس بقراءة قارئ حسن الصوت شيئا من القرآن العظيم ثم يُبَسْمِلُ ويحمد الله تعالى ويُصَلِّى على رسوله ويتحرى الأبلغ فى ذلك وكلما انتهى إلى ذكر النبى صلى عليه ، وإذا ذكر الصحابى قال رضى الله عنه ، فإن كان صحابيا ابن صحابى كابن عمر وابن عباس وابن الزبير وابن جعفر وأسامة بن زيد والنعمان بن بشير وجابر بن عبد الله وحذيفة بن اليمان وابن عمرو بن العاص وأشباههم قال رضى الله عنهما .
ويَحْسُن بالمحدث الثناء على شيخه حال الرواية عنه بما هو أهله ، فقد فعل ذلك غير واحد من السلف والعلماء وأهم من ذلك الدعاء له فَلْيَعْتَنِ به ، ولا بأس بذكر من يروى عنه بما يُعْرَفُ به من لَقَب أو حِرْفَةٍ أو أُمٍّ أو وصف فى بدنه .
ويُستحب أن يختِمَ الإملاء بشىء من الحكايات والنوادر والإنشادات بأسانيدها وذلك حسن لا سيما ما كان فى الزهد والآداب