الجمعة، 16 مارس 2012

موسوعة الفقه : الإجتهاد

الإجتهاد

الاجتهاد في اللغة: مشتق من مادة: (ج هـ د) بمعنى: بذل الجهد (بضم الجيم) في لغة أهل الحجاز  و (بفتح الجيم) في لغة غيرهم : الوسع والطاقة .

وقيل المضموم الطاقة ، وبالفتح فقط : النهاية والغاية .

فالاجتهاد في اللغة: استفراغ الوسع في أي فعل كان، ولا يستعمل إلا فيما فيه كلفة، وجهد، فيقال: اجتهد في حمل حجر الرحا، ولا يقال: اجتهد في حمل خردلة.

وأما في اصطلاح الأصوليين، فقد عبروا عنه بعبارات متفاوتة، لعل أقربها ما نقله الإمام الشوكاني في كتابه "إرشاد الفحول" في تعريفه بقوله: "بذل الوسع في نيل حكم شرعي عملي بطريق الاستنباط".[

وبعض الأصوليين لم يكتف بكلمة "بذل الوسع" وجعل بدلها كلمة "استفراغ الوسع" بل زاد الإمام الآمدي على ذلك فقال في تعريفه: "هو استفراغ الوسع في طلب الظن بشيء من الأحكام الشرعية على وجه يحس من النفس العجز عن المزيد عليه" فجعل الإحساس بالعجز عن المزيد جزءا من الحد والتعريف، أما الإمام الغزالي فجعل ذلك جزءا من تعريف "الاجتهاد التام".

قال الشوكاني في شرح التعريف:

أ. فقولنا: بذل الوسع: يخرج ما يحصل مع التقصير، فإن معنى بذل الوسع، أن يحس من نفسه العجز عن مزيد طلب.

ب. ويخرج بـ "الشرعي" اللغوي والعقلي والحسي، فلا يسمى من بذل وسعه في تحصيلها "مجتهدا" اصطلاحا.

ج. وكذلك بذل الوسع في تحصيل الحكم العلمي "الاعتقادي" فإنه لا يسمى اجتهادا عند الفقهاء، وإن كان يسمى اجتهادا عند المتكلمين.

ويخرج "بطريق الاستنباط" نيل الأحكام من النصوص ظاهرا، أو حفظ المسائل أو استعلامها من المفتي، أو بالكشف عنها في كتب العلم، فإن ذلك ـ وإن كان يصدق عليه الاجتهاد اللغوي ـ لا يصدق عليه الاجتهاد الاصطلاحي.

و قد زاد بعض الأصوليين في هذا الحد لفظ "الفقيه" فقال: بذل الفقيه الوسع..الخ
 قال الشوكاني: ولا بد من ذلك، فإن بذل غير الفقيه وسعه لا يسمى اجتهادا اصطلاحا. ومن لم يذكر هذا القيد فهو ملاحظ عنده، إذ لا يستطيع نيل الحكم بطريق الاستنباط إلا الفقيه، والمراد بالفقيه هنا: المتهيئ للفقه الممارس له، وعبروا عنه بقولهم: من أتقن مبادئ الفقه بحيث يقدر على استخراجه من القول إلى الفعل، وليس المراد: من يحفظ الفروع الفقهية فقط، على ما شاع الآن، لأن بذل وسعه ليس باجتهاد اصطلاحا.
حكم الاجتهاد التكليفي : 
لخلاف بين العلماء في أن الاجتهاد أمر مشروع وتقتضيه طبيعة هذه الشريعة التي أراد الله تعالى لها أن تكون خاتمة الشرائع السماوية كلها .
إلا أن تكييفه الشرعي من الوجوب العيني ، أو الكفائي ، أو الندب ، أو الإباحة يختلف من شخص إلى شخص ومن حال إلى حال .
1 – الوجوب العيني :
ويكون فرض عين في أربع حالات : 
أولا : على كل مسلم وجد في نفسه الأهلية لأداء الاجتهاد وسنأتي على شروطه .
ثانيا : ومنه اجتهاد المجتهد في حق نفسه فيما نزل به ، لأن المجتهد لايجوز له أن يقلد غيره ، لافى حق نفسه ولا في حق غيره .
ثالثا : اجتهاد المجتهد في حق غيره إذا خيف فوات الحادثة دون حكم شرعي ، فإن تضيق الوقت  : تعين على الفور ، وإن اتسع فعلي التراخي . 
رابعا : كما يتعين على مجتهد من مجتهدين توجه إليه صاحب النازلة بالاستفتاء، أو أحيلت إليه بصفته قاضيا . 
(2) وهو فرض كفاية في حالتين : 
أولا : على كل جماعة من المسلمين منفصلة عن غيرها، أو بعيدة عن جماعة فيها مجتهدون . 
ثانيا : كما يفترض على الكفاية – أيضا- إذا كان في البلد في البلد أكثر من مجتهد ، وأمكن استفتاء كل واحد منهم . 
(3) ويكون مندوبا في حالتين : 
أولا : فيما يجتهد فيه المجتهد من غير النوازل – يسبق إلي معرفة حكمها قبل حدوثها . 
ثانيا:في الجواب عن استفتاء في نوازل يتوقع نزولها  ، ولم تنزل بعد .
( 4 ) ويكون محرما فيما ورد فيه نص  ، أو وقع عليه إجماع فلا اجتهاد في ذلك

مراتب المجتهدين

1 - المجتهد الخاص :
الاجتهاد حالة تقبل التجزؤ والانقسام ، فيمكن أن يكون المجتهد مجتهدا في نوع من العلم مقلدا في غيره  .

ويمكن له أن يكون مجتهدا في باب من أبواب الفقه : كالفرائض مثلا أو البيوع مقلدا في غيرها . 
وهذا التجزؤ والانقسام إذا أريد به التجزؤ للعلم فقط فلا خوف فيه . 
وكذلك إذا أريد به أن تتجزأ قدرة وملكة المجتهد في جانب دون آخر ولكن خلاف العلماء الذى طال فيه الأخذ والرد بينهم هو والله أعلم فيما إذا أراد المجتهد الخاص أن يحكم باجتهاده أو يفتى غيره فيه . 
فهنا اختلف العلماء علي مذاهب في جواز تجزئة الاجتهاد : 
أولا : ذهب جمهورهم : من السنة والمعتزلة والشيعة الامامية إلي جواز تجزئة الاجتهاد . 
ثانيا : ذهب الأقلون من العلماء : إلي عدم جواز تجزئة الاجتهاد . 
ثالثا: التفصيل : حيث جوز بعضهم جواز الاجتهاد الخاص بمسائل المواريث فقط ، دون غيرها . 
قالوا : لأن الصلة بينهما وبين أبواب الفقه منقطعة ، فيمكن لإنسان أن يكون مجتهدا فيها  دون غيرها إذا استوفى شروط الموضوع . 
قال الشوكاني : " ...  ولا فرق عند التحقيق "بين الصورتين في امتناع تجزؤ الاجتهاد، فإنهم قد اتفقوا على أن المجتهد لا يجوز له الحكم بالدليل حتى يحصل له غلبة الظن بحصول المقتضى وعدم المانع، وإنما يحصل ذلك للمجتهد المطلق، وأما من ادعى الإحاطة بما يحتاج في باب دون باب، أو في مسألة دون مسألة، فلا يحصل له شيء من غلبة الظن بذلك؛ لأنه لا يزال يجوز للغير ما قد بلغ إليه علمه، فإن قال: قد غلب ظنه بذلك؛ فهو مجازف، وتتضح مجازفته بالبحث معه."
2 - المطلق المنتسب
المجتهد المطلق _ إذا لم يكن له منهاج للاستنباط خاص به ، والتزم بمنهاج مجتهد آخر – سمي مجتهدا منتسبا ، حتى إذا كان  التزامه بمنهاج المجتهد الآخر علي سبيل الاتفاق و المصادفة ، أو أداءه إليه اجتهاده .
ووجه تسميته بالمنتسب ظاهر ، فهو منتسب إلي  مجتهد آخر فى منهج الاستنباط  الذى يمارس الاجتهاد وفقا له . 
وقد ذكر النووي لهؤلاء أربعة أحوال : 
أولا : أن لا يكون مقلدا للإمام – الذي ينتسب إليه ، ولا في المذهب ولا في الدليل ، لاتصافه بصفة المستقلة، ولكنه ينسب إليه لسلوكه طريقة في الاجتهاد . 
ويمثل لهذا الصنف بكبار أصحاب الأئمة الأربعة :
أبى يعقوب البويطي   وأبى إبراهيم المزني   بالنسبة للإمام الشافعي .
وأبى يوسف القاضي   ومحمد بن الحسن   . 
وابن الماجشون   لمذهب الإمام مالك ومثل القاضي أبى يعلى   وشيخ الإسلام ابن تيمية   في مذهب الإمام أحمد . 
وهؤلاء يشترط فيهم كل ما ذكرنا : من معرفة أدلة الأحكام  الشرعية ، من الكتاب و السنة و الإجماع والقياس ، وما التحق بها علي سبيل التفصيل . 
مع العلم بكل ما اشترط في كل دليل من تلك الأدلة ووجوه دلالتها  ، وبكيفية اقتباس الأحكام منها ، وهذا يستفاد من أصول الفقه  
كما يشترط أن يكون عارفا بعلوم القرآن والسنة والناسخ والمنسوخ ، والنحو واللغة والتصريف . واختلاف العلماء واتفاقهم بالقدر الذي يتمكن معه من الوفاء بشرط الأدلة و الاقتباس . 
وأن يكون ذا دراية وارتياض في استعمال ذلك ، عالما بالفقه ضابطا لأمهات مسائله وتفا ريعه . وهذا النوع من العلماء هو الذى يسقط بوجوده فرض الكفاية عن المسلمين . وإلا  فالجميع آثمون حتي يوجد فيهم  مثل هذا المجتهد المطلق المستقل . وانتساب هذا الصنف إلى أئمة المذاهب المتبوعة – من حيث الأصول – لا ينزع عنهم صفة الاستقلال.

ثانيا : أن يكون المجتهد المقيد ، أو المنتسب مقيدا في مذهب إمامه ، مستقلا بتقرير أصوله بالدليل ، غير أنه لا يخرج عن أصول إمامه وقواعده . 
وشرطه : أن يكون عالما بالفقه والأصول ، وأدلة الأحكام تفصيلا وأن يكون بصيرا بمسالك الأقيسة والمعانى ، تام الأرتياض في التخريج والاستنباط قادرا علي الحاق ما ليس منصوصا عليه لإمامه بأصوله . 
وهو من هذه الناحية تبرز فيه ظاهرة التقليد ، فهو يختلف عن المستقل المطلق بأنه يتسامح معه في الإخلال بمستوى العلم  في بعض العلوم المشترطة كما أنه لا يبحث عن معارض في النصوص لأنه يفترض أن إمامه قد فعل ذلك .  
ثم أنه ينزل ما نص عليه إمامه منزلة ما نص عليه الشارع من حيث القياس عليه ، والاستنباط منه . 
ولذلك اتفق العلماء علي أن مثل هؤلاء لا يتأدى بهم فرض الكفاية في الاجتهاد . ويحتمل أن يتأدى بهم فرض الكفاية في الإفتاء .
ويمثل لهؤلاء " بأصحاب الوجوه " من علماء المذاهب الذين يخرجون   المسائل التي لم تعرض للأئمة علي المسائل التي عرضت لهم ، ويذكرون لها أحكام  طبقا لذلك  ثم  هم تارة يخرجون من نص معين لإمام ، وتارة لا يجد أحدهم النص فيخرج علي أصوله : بأن يجد دليلا علي شرط ما يحتج به إمامه فيفتى بموجبه . 
فإن نص إمامه علي شيئ ، ونص في مسأل تشبهها علي خلافه ، فخرج من أحدهما إلي الأخري إلي الأخري سمى قولا مخرجا . وشرط هذا التخريج : أن لايوجد بين نصيه فرقا ، فإن وجده وجب تقريرهما علي ظاهرهما  

ثالثهما : أن لا يبلغ رتبة أصحاب الوجوه ، لكنه فقيه النفس حافظ مذهب إمامه ، وعارف بأدلته قائم بتقريرها ، يصور ويحرر ويقرر ، ويمهد ويزيف ويرجح ، لكنه قصر عن أولئك لقصوره عنهم في حفظ المذهب ، أو الارتياض في الاستنباط أو القصور في معرفة الأصول أو نحوها من الأدوات  عن السابقين . 
قال النووي : وهذه صنعة كثير من المتأخرين إلى أواخر المائة الرابعة المصنفين الذين رتبوا المذهب وحرروه وصنفوا فيه التصانيف التي فيها معظم اشتغال الناس اليوم ، ولم يلحقوا الذين قبلهم فى التخريج . 
ثم قال : وأما فتاويهم فكانوا يتبسطون فيها تبسط أولئك أو قريبا منه ، ويقيسون غير المنقول عليه ، غير مقتصرين علي القياس  الجلي . ومنهم من جمعت فتاويه و لاتبلغ فى التحاقها بالمذهب مبلغ فتاوى أصحاب الوجوه . 

رابعا : أن يقوم بحفظ المذهب ونقله وفهمه في الواضحات والمشكلات ولكن عنده ضعفا في تقرير أدلته ، وتحرير أقيسته .

وهذا  يعتمد نقله وفتواه فيما يحكيه من  مسطورات مذهبه ، من نصوص أمامه ، وتفريع المجتهدين في مذهبه ، ومالا يجده منقولا إن وجد في المنقول معناه ، بحيث يدرك بغير كبير فكر أنه لا فرق بينهما جاز إلحاقه به و الفتوي به ، وكذا ما يعلم  اندراجه تحت ضابط ممهد في  المذهب   ، وما ليس كذلك يجب امساكه عن الفتوي فيه . 
ويشترط لهذا الصنف أن يكون فقيها ذا حظ وافر من الفقه . 
3 - المجتهد المطلق المستقل
هو من استقل بمعرفة أدلة الأحكام الشرعية ، من الكتاب و السنة والإجماع وأصول الفقه ، وما ألحق بها وما هو لازم لمعرفتها بغير تقليد وتقيد بمذهب من المذاهب .  
والشروط المتقدمة  هى الشروط الواجب توافرها فيه . ووجه تسميته بالمجتهد المطلق ظاهر فهو غير مقيد بمذهب من المذاهب، كما أن اجتهاده غير مقيد بباب من أبواب الفقه وكونه مستقلا نعنى به : أنه مستقل بمنهجه فى الاستنباط  فلا يتقيد بأصول منهج سواه ومرتبة الاجتهاد المطلق المستقل يدخل فيها كل فقهاء الصحابة والتابعين وأئمة المذاهب المتبوعة: الأربعة ومن في منزلتهم مثل الأئمة: زيد بن علي وجعفر الصادق والثوري و الأوزاعي والليث بن سعد، والطبري وداود بن علي وغيرهم.

وذلك مثل الأئمة الأربعة ونحوهم .

يقول العلامة الدهلوي :
" ...و المستقل يمتاز بثلاث خصال:
إحداهما: التصرف في الأصول التي عليها بناء مجتهداته.
الثانية: تتبع الآيات والآثار بمعرفة الأحكام التي سبق الجواب فيها واختيار بعض الأدلة المتعارضة على بعض، وبيان الراجح من محتملاته والتنبيه لمآخذ الأحكام من تلك الأدلة، والذي نرى ـ والله أعلم ـ أن ذلك ثلثا علم الشافعي.
الثالثة: الكلام في المسائل التي لم يسبق بالجواب فيها، أخذا من تلك الأدلة. "
المجتهد فى مسألة
جوز البعض ذلك فقال ابن دقيق العيد: وهو المختار؛ لأنها قد تمكن العناية بباب من الأبواب الفقهية، حتى تحصل المعرفة بمآخذ أحكامه، وإذا حصلت المعرفة بالمأخذ أمكن الاجتهاد.
قال الغزالي: والرافعي: يجوز أن يكون العالم منتصبا للاجتهاد في باب دون باب.
وذهب آخرون إلى المنع؛ لأن المسألة في نوع من الفقه، ربما كان أصلها في نوع آخر منه.
احتج الأولون: بأنه لو لم يتجزأ الاجتهاد لزم أن يكون المجتهد عالما بجميع المسائل، واللازم منتفٍ، فكثير من المجتهدين قد سئل فلم يجب، وكثير منهم سئل عن مسائل، فأجاب في البعض، وهم مجتهدون بلا خلاف.
ومن ذلك ما روي أن مالكا سئل عن أربعين مسألة، فأجاب في أربع منها، وقال في الباقي: لا أدري.  
قال الزركشي:"  وكلامهم يقتضي تخصيص الخلاف بما إذا عرف بابًا دون باب، أما مسألة دون مسألة فلا يتجزأ قطعًا، والظاهر جريان الخلاف في الصورتين، وبه صرح الأبياري . "

وقال المحقق ابن القيم في "إعلامه":
"الاجتهاد حالة تقبل التجزؤ والانقسام، فيكون الرجل مجتهدا في نوع من العلم مقلدا في غيره، أو من باب من أبوابه، كمن استفرغ وسعه في نوع من العلم بالفرائض وأدلتها واستنباطها من الكتاب والسنة دون غيرها من العلوم، أو في باب الجهاد أو الحج، أو غير ذلك، فهذا ليس له الفتوى فيما لم يجتهد فيه، ولا تكون معرفته بما اجتهد فيه مسوغة له الإفتاء بما لا يعلم في غيره، وهل له أن يفتي في النوع الذي اجتهد فيه؟ فيه ثلاثة أوجه: أصحها الجواز، بل هو الصواب المقطوع به. والثاني: المنع. والثالث: الجواز في الفرائض دون غيرها.
فحجة الجواز أنه قد عرف الحق بدليله، وقد بذل جهده في معرفة الصواب: فحكمه في ذلك حكم المجتهد المطلق في سائر الأنواع.
وحجة المنع تعلق أبواب الشرع وأحكامه بعضها ببعض، فالجهل ببعضها مظنة للتقصير في الباب والنوع الذي قد عرفه، ولا يخفى الارتباط بين كتاب النكاح والطلاق والعدة وكتاب الفرائض، وكذلك الارتباط بين كتاب الجهاد وما يتعلق به، وكتاب الحدود والأقضية والأحكام، وكذلك عامة أبواب الفقه.
ومن فرق بين الفرائض وغيرها رأى انقطاع أحكام قسمة المواريث ومعرفة الفروض ومعرفة مستحقها عن كتاب البيوع والإجارات والرهون والنضال وغيرها، وعدم تعلقها بها، وأيضا فإن عامة أحكام المواريث قطعية، وهي منصوص عليها في الكتاب والسنة.
فإن قيل: فما تقولون فيمن بذل جهده في معرفة مسألة أو مسألتين هل له أن يفتي بهما؟
قيل: نعم، يجوز في أصح القولين، وهما وجهان لأصحاب الإمام أحمد، وهل هذا إلا من التبليغ عن الله وعن رسوله، وجزى الله من أعان الإسلام ولو بشطر كلمة خيرا، ومنع هذا من الإفتاء بما علم خطأ محض، وبالله التوفيق".

كيفية ممارسة الإجتهاد
إذا وردت على المجتهد مسألة – فإن عليه أن يتخذ الخطوات التالية للوصول إلى الحكم :

1.    يعرضها على نصوص كتاب الله .
2.    فإن لم يجدها عرضها على الأخبار المتواترة. 
3.    فإن لم يجدها عرضها على أخبار الآحاد.
4.    فإن لم يجد عاد إلى ظواهر الكتاب.
5.    فإن وجد ظاهرا نظر في المخصصات من خبر وقياس.
6.    فإن وجد مخصصا: حكم به .
7.    وإن لم يعثر على ظاهر من كتاب و لا سنة نظر إلى مذاهب السلف ( الصحابة )  .
8.    فإن وجدها مجمعا عليها اتبع الإجماع .
9.    فإن لم يجد إجماعا خاض في القياس .

والقياس من وجهين : 
أحدهما : أن يكون الشئ المقيس عليه في معنى الأصل . فلا يختلف القياس فيه .  
وثانيهما : أن يكون الشئ له في الأصول أشباه ، فذلك يلحق بأولاها به ، وأكثرها شبها منه 
10 . فإن لم يجد بعد ذلك كله تمسك بالبرآة الأصلية .

هذه أهم الخطوات التي يجب على المجتهد أن يخطوها للوصول إلى الحكم .
وقبل أن يشرع فى تلك الخطوات لابد وأن يكون مستوفيا لجميع الشروط التى ذكرت في هذا المجال ولقد لخصها الإمام الشافعي في قوله " .. وليس للحاكم أن يقبل ولا للوالي أن يدع أحدا ، ولا ينبغي للمفتي أن يفتي أحدا إلا متى يجمع أن يكون عالما علم الكتاب ، وعلم ناسخه و منسوخه ، و خاصه وعامه وأدبه ، عالما بسنن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأقاويل أهل العلم قديما وحديثا ، وعالما بلسان العرب عاقلا يميز بين المشتبه ويعقل القياس .    
 


 إذا وردت على المجتهد مسألة – فإن عليه أن يتخذ الخطوات التالية للوصول إلى الحكم :

1.    يعرضها على نصوص كتاب الله .
2.    فإن لم يجدها عرضها على الأخبار المتواترة. 
3.    فإن لم يجدها عرضها على أخبار الآحاد.
4.    فإن لم يجد عاد إلى ظواهر الكتاب.
5.    فإن وجد ظاهرا نظر في المخصصات من خبر وقياس.
6.    فإن وجد مخصصا: حكم به .
7.    وإن لم يعثر على ظاهر من كتاب و لا سنة نظر إلى مذاهب السلف ( الصحابة )  .
8.    فإن وجدها مجمعا عليها اتبع الإجماع .
9.    فإن لم يجد إجماعا خاض في القياس .

والقياس من وجهين : 
أحدهما : أن يكون الشئ المقيس عليه في معنى الأصل . فلا يختلف القياس فيه .  
وثانيهما : أن يكون الشئ له في الأصول أشباه ، فذلك يلحق بأولاها به ، وأكثرها شبها منه .
10 . فإن لم يجد بعد ذلك كله تمسك بالبرآة الأصلية .

هذه أهم الخطوات التي يجب على المجتهد أن يخطوها للوصول إلى الحكم .
وقبل أن يشرع فى تلك الخطوات لابد وأن يكون مستوفيا لجميع الشروط التى ذكرت في هذا المجال ولقد لخصها الإمام الشافعي في قوله " .. وليس للحاكم أن يقبل ولا للوالي أن يدع أحدا ، ولا ينبغي للمفتي أن يفتي أحدا إلا متى يجمع أن يكون عالما علم الكتاب ، وعلم ناسخه و منسوخه ، و خاصه وعامه وأدبه ، عالما بسنن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأقاويل أهل العلم قديما وحديثا ، وعالما بلسان العرب عاقلا يميز بين المشتبه ويعقل القياس .

أهمية وجود المجتهد
هل يجوز خلو العصر عن المجتهدين أم لا؟
فذهب جمع إلى أنه لا يجوز خلو الزمان عن مجتهد، قائم بحجج الله، يبين للناس ما نزل إليهم.
قال بعضهم: ولا بد أن يكون في كل قطر من يقوم به الكفاية؛ لأن الاجتهاد من فروض الكفايات.
قال ابن الصلاح: الذي رأيته في "كلام"* الأئمة يشعر بأنه لا يتأتى فرض الكفاية بالمجتهد المقيد، قال: والظاهر أنه لا يتاتى في الفتوى. 
وقال بعضهم: الاجتهاد في حق العلماء على ثلاثة أضرب: فرض عين، وفرض كفاية، وندب.
وهذا قول الحنابلة، وألف فيه الحافظ السيوطي رسالته: "الرد على من أخلد إلى الأرض، وجهل أن الاجتهاد في كل عصر فرض".
قال الشوكاني: ولا يخفاك أن القول بكون الاجتهاد فرضا يستلزم عدم خلو الزمان عن مجتهد، ويدل على ذلك ما صح عنه صلى الله عليه وسلم من قوله: "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين حتى تقوم الساعة".
ولكن المخالفين خرجوا من هذا الإلزام بأن المجتهد في الفتوى على مذهب من المذاهب يتأدى به فرض الكفاية، كما ذكر ـ النووي ـ.
ولذا ذهب آخرون إلى جواز خلو العصر من مجتهد مطلق، وأيدوا ذلك بالواقع التاريخي في نظرهم، وعزاه الزركشي في "البحر" إلى الأكثرين!
وبه جزم الفخر الرازي في "المحصول". وقال الرافعي: "الخلق كالمتفقين على أنه لا مجتهد اليوم".
قال الزركشي: ولعله أخذه من كلام الإمام الرازي أو من قول الغزالي في الوسيط: "قد خلا العصر من المجتهد المستقل".
قال الزركشي: "ونقل الاتفاق فيه عجيب، والمسألة خلافية بيننا وبين الحنابلة وساعدهم بعض أئمتنا".
والحق أن الفقيه فطن للقياس كالمجتهد في حق العامي لا الناقل فقط.
وقالت الحنابلة: لا يجوز خلو العصر عن مجتهد وبه جزم الأستاذ أبو إسحاق والزبيري في المسكت.
فقال الأستاذ: وتحت قول الفقهاء لا يخلى الله زمانا من قائم بالحجة أمر عظيم وكأن الله ألهمهم ذلك، ومعناه: أن الله تعالى لو أخلى زمانا من قائم بالحجة لزال التكليف.
وقال الزبيري: لن تخلو الأرض من قائم لله بالحجة في كل وقت ودهر وزمان، ولكن ذلك قليل من كثير، فأما أن يكون غير موجود كما قال الخصم فليس بصواب، لأنه لو عدم الفقهاء، لم تقم الفرائض كلها. ولو عطلت الفرائض كلها لحلت الثلمة بذلك في الخلق كما جاء في الخبر "لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس" ونحن نعوذ بالله أن نؤخر مع الأشرار. انتهى الزركشي.
وقال ابن دقيق العيد: هذا هو المختار عندنا لكن إلى الحد الذي تنتقض به القواعد بسبب زوال الدنيا في آخر الزمان، وقال في شرحه خطبة الإلمام: والأرض لا تخلو من قائم لله بالحجة، والأمة الشريفة لابد لها من سالك إلى الحق على واضح الحجة، إلى أن يأتي الله بأشراط الساعة الكبرى.
قال الزركشي:
ومراده بالأشراط الكبرى طلوع الشمس من مغربها مثلا. وله وجه حسن وهو أن الخلو من مجتهد يلزم منه إجماع الأمة على الخطأ وهو ترك الاجتهاد الذي هو فرض كفاية.
ثم قال الزركشي:
وأما قول الغزالي: "وقد خلا العصر عن المجتهد المستقل" فقد سبقه إليه القفال شيخ الخراسانيين فقيل: المراد مجتهد قائم بالقضاء، فإن المحققين من العلماء كانوا يرغبون عنه ولا يلي في زمانهم غالبا إلا من هو دون ذلك، وكيف يمكن القضاء على الأعصار بخلوها عن مجتهد، والقفال نفسه كان يقول للسائل: تسأل عن مذهب الشافعي أم ما عندي؟ وقال هو والشيخ أبو علي والقاضي الحسين: لسنا مقلدين للشافعي بل وافق رأينا رأيه! فهذا كلام من يدعي رتبة الاجتهاد، وكذلك ابن دقيق العيد، كما نقله ابن الرفعة.
قال الزركشي:
والحق أن العصر خلا عن المجتهد المطلق لا عن مجتهد في مذهب أحد الأئمة الأربعة. وقد وقع الاتفاق بين المسلمين على أن الحق منحصر في هذه المذاهب، فلا يجوز العمل بغيرها، انتهى من الزركشي ملخصا.
وقال صاحب فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت: "ثم إنه قد استدل بما صرح به حجة الإسلام قدس سره والرافعي والقفال بأنه وقع في زماننا هذا الخلو، وفيه ما فيه، لأن وقوع الخلو ممنوع، وما ذكروه مجرد دعوى. والإمام حجة الإسلام ـ وإن كان من جملة الأولياء ـ لا يصلح حجة في الاجتهاديات، ثم إن من الناس من حكم بوجوب الخلو من بعد العلامة النسفي، واختتم الاجتهاد به، وعنوا الاجتهاد في المذهب. وأما الاجتهاد المطلق فقالوا: اختتم بالأئمة الأربعة، حتى أوجبوا تقليد واحد من هؤلاء الأربعة قال: وهذا كله من هوساتهم! لم يأتوا بدليل، ولا يعبأ بكلامهم، وإنما هم من الذين حكم الحديث أنهم "أفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا"! ولم يفهموا أن هذا إخبار بالغيب في خمس لا يعلمهن إلا الله. 
وقال الشوكاني في إرشاد الفحول: "وما قاله الغزالي رحمه الله من أنه قد خلا العصر عن المجتهد قد سبقه إلى القول به القفال ولكنه ناقض ذلك فقال: إنه ليس بمقلد للشافعي وإنما وافق رأيه رأيه، كما نقل ذلك عن الزركشي".
وقال: قول هؤلاء القائلين بخلو العصر عن المجتهد مما يقضي منه العجب. فإنهم إن قالوا ذلك باعتبار المعاصرين لهم، فقد عاصر القفال والغزالي والرازي والرافعي من الأئمة القائمين بعلوم الاجتهاد على الوفاء والكمال جماعة منهم.
ومن كان له إلمام بعلم التاريخ والاطلاع على أحوال علماء الإسلام في كل عصر، لا يخفى عليه مثل هذا، بل قد جاء بعدهم من أهل العلم من جمع الله له من العلوم فوق ما اعتده أهل العلم في الاجتهاد.
وإن قالوا ذلك لا بهذا الاعتبار، بل باعتبار أن الله عز وجل رفع ما تفضل به على من قبل هؤلاء من هذه الأمة، من كمال الفهم، وقوة الإدراك والاستعداد للمعارف فهذه دعوى من أبطل الباطلات، بل هي جهالة من الجهالات.
وإن كان ذلك باعتبار تيسر العلم لمن قبل هؤلاء المنكرين، وصعوبته عليهم، وعلى أهل عصورهم، فهذه أيضا دعوى باطلة. فإنه لا يخفى على من له أدنى فهم أن الاجتهاد قد يسره الله للمتأخرين تيسيرا لم يكن للسابقين، لأن التفاسير للكتاب العزيز قد دونت، وصارت في الكثرة إلى حد لا يمكن حصره، والسنة المطهرة قد دونت، وتكلم الأئمة على التفسير والتجريح والتصحيح والترجيح بما هو زيادة على ما يحتاج إليه المجتهد.
وقال الزركشي في البحر: ولم يختلف اثنان في أن ابن عبد السلام بلغ رتبة الاجتهاد وكذلك ابن دقيق العيد.
ثم قال الشوكاني: "وبالجملة فتطويل البحث في مثل هذا لا يأتي بكثير فائدة، فإن أمره أوضح من كل واضح، وليس ما يقوله من كان من أسارى التقليد بلازم لمن فتح الله عليه أبواب المعارف، ورزقه من العلم ما يخرج به عن تقليد الرجال".
ثم قال: "ومن حصر فضل الله على بعض خلقه، وقصر فهم هذه الشريعة المطهرة على من تقدم عصره، فقد تجرأ على الله عز وجل! ثم على شريعته الموضوعة لكل عباده! ثم على عباده الذين تعبدهم الله بالكتاب والسنة! ثم قال: فإن هذه المقالة تستلزم رفع التعبد بالكتاب والسنة، وإنه لم يبق إلا تقليد الرجال الذين هم متعبدون بالكتاب والسنة، كتعبد من جاء بعدهم على حد سواء، فإن كان التعبد بالكتاب والسنة مختصا بمن كانوا في العصور السابقة، ولم يبق لهؤلاء إلا التقليد لمن تقدمهم، ولا يتمكنون من معرفة أحكام الله من كتاب الله وسنة رسوله، فما الدليل على هذه التفرقة الباطلة الزائفة؟ وهل النسخ إلا هذا؟ سبحانك هذا بهتان عظيم" انتهى الشوكاني.
قال الإمام ابن القيم:
 "وهو يرد على جماعة المتعصبين للتقليد في كتابه "إعلام الموقعين" في الوجه الحادي والثمانين من أوجه الرد على المقلدين: إن المقلدين حكموا على الله قدرا وشرعا بالحكم الباطل جهارا، مخالفا لما أخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم فأخلوا الأرض من القائمين لله بحجته وقالوا: لم يبق في الأرض عالم منذ الأعصار المتقدمة، فقالت طائفة: ليس لأحد أن يختار بعد أبي حنيفة، وأبو يوسف، وزفر بن الهذيل، ومحمد بن الحسن، والحسن بن زياد اللؤلؤي، وهذا قول كثر من الحنيفية، وقال بكر بن العلاء القشيري المالكي: ليس لأحد أن يختار بعد المائتين من الهجرة، وقال آخرون: ليس لأحد أن يختار بعد الشافعي، واختلف المقلدون من أتباعه فيمن يؤخذ بقوله من المنتسبين إليه، ويكون له وجه يفتى، ويحكم به ممن ليس كذلك، وجعلوهم ثلاث مراتب: طائفة أصحاب وجوه كابن سريج والقفال وأبي حامد (أي الأسفراييني)، وطائفة أصحاب احتمالات، كأبي المعالي، وطائفة ليسوا أصحاب وجوه ولا احتمالات كأبي حامد (أي الغزالي) وغيره. "

شروط الاجتهاد
وهى شروط شخصية وشروط علمية
الشروط الشخصية
أولا : البلوغ و العقل وهما شرطان عامان يشترطان باعتبارهما مناط التكليف ولما كان الاجتهاد من الأمور التكليفية سواء قلنا أنه واجب أو مندوب فإن من المناسب ذكر البلوغ والعقل  كشرطين لمشروعيته   . 
ثانيا : واشرط بعضهم الحرية والذكورة ، والصحيح عدم شرطيتهما ، لأن  الكثيرين من علماء التابعين كانوا يرجعون إلى فتاوى نافع – مولى ابن عمر – وعكرمة – مولى ابن عباس – وكانا رقيقين   . 
ورجوع فقهاء الصحابة إلى أم المؤمنين عائشة وغيرها من أزواج رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أمر شائع ومعروف .   

ثالثا : شدة الفهم ، أو ما عبر عنه السبكي في جمع الجوامع ب " فقيه النفس " وشرحه الجلال المحلي بقوله : " أي شديد الفه بالطبع لمقاصد الكلام " . وقال الإمام الرازي : أن يكون عارفا بمقتضى اللفظ ومعناه . 

رابعا : الإيمان وهذا الشرط من الشروط المعروفة بداهة ، ولم يكن هناك داع لذكره لولا أن بعض الأصوليين أشترط وجود المجتهد الكافر.

خامسا: العدالة ، وذلك بأن يجتنب جميع المعاصي القادحة في العدالة ليمكن قبول فتواه : فمن لم يكن عدلا لا تقبل فتواه .وهذا الشرط ليس شرطا للتمكن من الاجتهاد،بل هو شرطا لقبول ما يؤديه اجتهاده إليه عنه
الشروط العلمية
هناك شروط علمية متفق عليها وشروط علمية مختلف عليها
الشروط العلمية المتفق عليها وهى
1 - اتقان اللغة العربية
قال الغزالي: والتخفيف فيه أنه لا يشترط أن يبلغ درجة الخليل والمبرد وأن يعرف جميع اللغة، وأن يتعمق في النحو، بل القدر الذي يتعلق بالكتاب والسنة ويستولي به على مواقع الخطاب، ودرك حقائق المقاصد منه.
2 - اتقان علوم القرآن
أن يكون عالما بالقرآن  ، ودقائق الأحكام فيه ، عامها و خاصها و ناسخها و منسوخها،مطلقها ومقيدها ، محكمها و متشابهها ، وسائر ما يتعلق بها من أحكام  وهو ـ كما قال الشاطبي ـ كلية الشريعة ـ وعمدة الملة، وينبوع الحكمة، وآية الرسالة، ونور الأبصار والبصائر المسلمة، وهو ما يشير إليه قوله تعالى: {ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين}  فلا بد من معرفته لأن من لم يعرف القرآن لم يعرف شريعة الإسلام.
وقد ذكر الغزالي هنا تخفيفين :
أحدهما: أنه لا يشترط معرفة جميع الكتاب، بل ما يتعلق بالأحكام منه، قال: وهو مقدار خمسمائة آية.
ووافق الغزالي على هذا التقدير القاضي ابن العربي، والرازي وابن قدامة و القرافي وغيرهم
3 - العلم بمواقع الإجماع

         بحيث يعرف الأحكام التي أجمع عليها أهل العلم حتى لا يفتى بخلافها ، وذلك حرام .

قال الغزالي: "والتخفيف في هذا الأصل: أن لا يلزمه أن يحفظ جميع مواقع الإجماع والخلاف، بل كل مسألة يفتى فيها، فينبغي أن يعلم أن فتواه ليس (كذا) مخالفا للإجماع، إما بأن يعلم أنه موافق مذهب من مذاهب العلماء، أيهم كان، أو يعلم أن هذه واقعة متولدة في العصر لم يكن لأهل الإجماع فيها خوض، فهذا القدر فيه كفاية".

والمهم هنا أن يثبت الإجماع بيقين لا شك فيه، فإذا استيقن المجتهد الإجماع في مسألة، فليوفر على نفسه عناء الاجتهاد، فقد فرغت منها الأمة التي أبى الله أن يجمعها على ضلالة.

تنبيهات مهمة حول الإجماع
 يقول الدكتور يوسف القرضاوي : وأحب أن أنبه هنا إلى عدة أمور:
1. إن هذا الشرط إنما يشترطه من يقول بحجية الإجماع، ويرى أنه دليل شرعي كما نبه على ذلك الشوكاني فأما من يقول بعدم إمكانه، أو بعدم وقوعه أو بعدم العلم به، أو بعدم حجيته، فلا موضع لهذا الشرط عنده.
2. إنه قلما يلتبس على من بلغ رتبة الاجتهاد ما وقع عليه الإجماع من مسائل الفقه، كما قال الشوكاني، وقد جمعتهما بعض الكتب المختصرة مثل "مراتب الإجماع" لابن حزم، و"الإجماع" لابن المنذر.
3. إن كثيرا مما ادعى فيه الإجماع من مسائل الفقه قد ثبت فيه الخلاف، وقد لمست هذا بنفسي، وأنا أبحث في "فقه الزكاة" في عدد من المسائل، وهذا ما جعل الإمام أحمد يقول كلمته المشهورة: "من ادعى الإجماع فقد كذب، وما يدريه، لعل الناس اختلفوا وهو لا يدري".
ومن ذلك: اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية ومدرسته في مسائل "الطلاق الثلاث" والحلف بالطلاق، أي الطلاق الذي يراد به الحمل على شيء أو المنع منه وغير ذلك مما أخذت به قوانين الأسرة في كثير من البلاد الإسلامية، وتبناه الجم الغفير من علماء العصر، إنقاذا للأسرة المسلمة من التفكك والانهيار الذي هددها قرونا، ساد فيها الاتجاه القائل بالتوسع في إيقاع الطلاق حتى ادعى فيه الإجماع.. ومثل ذلك "قانون الوصية الواجبة" الذي أخذ به بناء على مذهب بعض السلف في العمل بآية البقرة، وإنها محكمة غير منسوخة: { كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين}  [البقرة:180].
4. أن من الإجماع ما يقبل الإبطال بإجماع جديد. وذلك فيما بنى الإجماع فيه على عرف تبدل، أو مصلحة زمنية تغيرت، لأن المصلحة المذكورة هي علة الحكم، والمعلول يدور مع علته وجودا وعدما.
صحيح أن الجمهور منعوا ذلك، لأن كون الإجماع حجة يقتضي امتناع حصول إجماع آخر مخالف له، وجوزه أبو عبدالله البصري، وقال: إنه لا يقتضي ذلك، لإمكان تصور كونه حجة إلى غاية، هي حصول إجماع آخر، قال الصفي الهندي: ومأخذ أبي عبدالله قوي، وقال الرازي: وهو الأولى.
وكذلك ذكر العلامة البزدوي: أن الإجماع الاجتهادي يجوز أن ينسخ بمثله. وينبغي حمل كلام الجمهور في عدم الجواز على الإجماع النقلي، أي المبني على دليل نقلي من كتاب أو سنة، فإن الإجماع الثاني لا يتصور إلا بحدوث دليل جديد من كتاب أو سنة، وهو غير ممكن بعد انقطاع الوحي.
5. أن بعض مواضع الإجماع النقلي ذاته قابلة للاجتهاد إذا كان النص مبنيا على رعاية عرف معين أو مصلحة معينة، فتبدل العرف أو تغيرت المصلحة.
مثال ذلك: إجماعهم على أن للزكاة نصابين متفاوتين: أحدهما من الذهب والآخر من الفضة، بناء على ما صح من أحاديث، وما ورد من آثار، بأن للفضة نصابا هو مائتا درهم، وللذهب نصابا هو عشرون دينارا، أو عشرون مثقالا.
وذلك أن هذا الإجماع مبني على عرف قائم في عصر النبوة، وهو وجود عملتين متداولتين في المجتمع، إحداهما من الدراهم الفضية القادمة من فارس والأخرى من الدنانير الذهبية الواردة من دولة الروم، وكان الدينار حينئذ يصرف بعشرة دراهم، فقدر النصاب بمبلغين متساويين في القيمة وقتها.
ولكن الوضع تغير، وخاصة في عصرنا، فأصبحت قيمة النصاب إذا قدر بالفضة دون نصاب الذهب بمراحل. فاقتضى الاجتهاد الصحيح توحيد النصاب، واعتباره بالذهب، لأنه وحدة التقدير التي احتفظت بثباتها النسبي على مر العصور.
وقد أدخل بعض الباحثين هنا ـ مع شرط العلم بمواضع الإجماع ـ العلم بمواضع الخلاف، لما لها من أهمية في تكوين ملكة الفقه والاطلاع على مداركه، ومسالك الاستنباط فيه.
ورأيي أن هذا يدخل في شرط آخر مختلف فيه، وهو معرفة فروع الفقه وهل هي لازمة أو لا؟ وسنعرض لذلك فيما بعد
4 - العلم بالسنة
أن يكون عالما بالسنة القولية والفعلية و التقريرية، في كل الأمور التي يتصدى فيها للاجتهاد فيها ، كما يجب أن يكون عالما بالناسخ والمنسوخ منها ، والعام والخاص ، والمطلق والمقيد ، وطرق الرواية ، وإسناد الأحاديث ، وكل ما يتعلق بعلوم السنة .  
ولم يشترطوا العلم بجميع ما جاء في السنة، فهي بحر زاخر، وإنما اشترطوا معرفة الأحاديث التي تتعلق بالأحكام فلا يلزمه معرفة ما يتعلق من الأحاديث بالمواعظ والقصص وأحكام الآخرة ونحوها.
5 - العلم بمقاصد الشريعة
6 - معرفة أصول الفقه
وقد اعتبره الإمام الرازي أهم العلوم للمجتهد ، وهذا العلم هو عماد فسطاط الاجتهاد وأساسه الذى تقوم عليه أركان بنائه فعلى من يريد التصدي لشرف الاجتهاد أن يعنى بهذا العلم قدر طاقته ، وأن يبذل في تحصيله غاية جهده وقد أطنب الإمام الرازي ومن قبله الإمام الغزالي في امتداح " أصول الفقه " وبيان أهميته للمجتهد أكثر من سائر العلوم المشترطة .

قال العلامة الشوكاني: الشرط الرابع أن يكون عالما بأصول الفقه، لاشتماله على ما تمس الحاجة إليه، وعليه أن يطول الباع فيه، ويطلع على مختصراته ومطولاته بما تبلغ به طاقته، فإن هذا العلم هو عماد فسطاط الاجتهاد، وأساسه الذي تقوم عليه أركان بنائه، وعليه أيضا أن ينظر في كل مسألة من مسائله نظرا يوصله إلى ما هو الحق فيها، فإنه إذا فعل ذاك تمكن من رد الفروع إلى أصولها بأيسر عمل.. وإذا قصر في هذا الفن صعب عليه الرد، وخبط فيه وخلط. 
قال الفخر الرازي في المحصول وما أحسن ما قال: إن أهم العلوم للمجتهد علم أصول الفقه. انتهى.
وقال الغزالي: "إن أعظم علوم الاجتهاد يشتمل على ثلاثة فنون: الحديث واللغة وأصول الفقه.
معرفة  القياس :
ويدخل في العلم بأصول الفقه: العلم بالقياس وقوانينه وضوابطه وشرائطه المعتبرة، وما يدخل فيه القياس وما لا يدخل، ومعرفة أوصاف العلة التي يبنى عليها القياس، ويلتحق الفرع بالأصل، لأن القياس ـ كما قال الأسنوي ـ قاعدة الاجتهاد والموصل إلى الأحكام التي لا حصر لها.
ولهذا جعله بعضهم شرطا مستقلا، بل بعضهم جعل الاجتهاد والقياس بمعنى واحد، والصواب أن الاجتهاد أعم من القياس، فهو يشمل الاجتهاد بطريق الاستنباط من النص، والاجتهاد بطريق القياس على المنصوص، والاجتهاد عن طريق الاستصلاح أو الاستحسان ونحوها من الأدلة فيما لا نص فيه.
ولا داعي لجعل معرفة القياس شرطا مستقلا، بعد اشتراط التمكن من علم أصول الفقه، فهو ـ كما قال الشوكاني ـ باب من أبوابه، وشعبة من شعبه. 
وكذلك ينبغ على المجتهد أن يكون عارفا بعلم القواعد الفقهية وعلى معرفة بالنظريات الفقهية ، والأشباه والنظائر و علم الخلاف فقد قال قتادة:" من لم يعرف الخلاف لم يشم أنفه رائحة الفقه
7 - معرفة الناس والحياة
وهنا شرط لم يذكره الأصوليون في شروط الاجتهاد، وهو معرفة المجتهد بالناس والحياة من حوله، وذلك أنه لا يجتهد في فراغ، بل في وقائع تنزل بالأفراد والمجتمعات من حوله، وهؤلاء تؤثر في أفكارهم وسلوكهم تيارات وعوامل مختلفة: نفسية وثقافية واجتماعية واقتصادية وسياسية، فلابد للمجتهد أن يكون على حظ من المعرفة بأحوال عصره وظروف مجتمعه، ومشكلاته وتياراته الفكرية والسياسية والدينية، وعلاقاته بالمجتمعات الأخرى ومدى تأثره بها، وتأثيره فيها.
ولقد نقل ابن القيم عن الإمام أحمد، أنه قال: "لا ينبغي للرجل أن ينصب نفسه للفتيا حتى يكون فيه خمس خصال:
 أولها  :  أن يكون له نية، فإن لم يكن له نية لم يكن عليه نور ولا على كلامه نور .
 والثانية: أن يكون له علم وحلم ووقار و سكينة . 
والثالثة : أن يكون قويا على ما هو فيه ومعرفته. 
 والرابعة: الكفاية (أي من العيش) وإلا مضغه الناس. 
 والخامسة: معرفة الناس". 
وقال ابن القيم في شرح الخصلة الخامسة "معرفة الناس": هذا أصل عظيم يحتاج إليه المفتي والحاكم، فإن لم يكن فقيها فيه، فقيها في الأمر والنهي، ثم يطبق أحدهما على الآخر، وإلا كان ما يفسد أكثر مما يصلح، وتصور له الظالم بصورة المظلوم وعكسه، والمحق بصورة المبطل وعكسه، وراج عليه المكر والخداع والاحتيال.. بل ينبغي له أن يكون فقيها في معرفة مكر الناس وخداعهم واحتيالهم وعوائدهم وعرفياتهم فإن الفتوى تتغير بتغير الزمان، والمكان، والعوائد والأحوال، وذلك كله من دين الله.  
يقول الدكتور يوسف القرضاوي :
وهذا في الواقع ليس شرطا لبلوغ مرتبة الاجتهاد، بل ليكون الاجتهاد صحيحا واقعا في محله.
وأكثر من ذلك أن نقول: أن على المجتهد أن يكون ملما بثقافة عصره، حتى لا يعيش منعزلا عن المجتمع الذي يعيش فيه ويجتهد له، ويتعامل مع أهله.
الشروط العلمية المختلف فيها
1 - معرفة علم المنطق
فقد رأى الإمام الغزالي أن معرفة هذا العلم مهمة بالنسبة للمجتهد و سماه "معيار العلوم" بل هو لازم في نظره لكل من اشتغل بفن من فنون العلم، حتى يوثق بعلمه، لأنه (الآلة القانونية التي تعصم الذهن عن الخطأ في الفكر).
وقد تحدث عن ذلك في مقدمة "المستصفى" وقد تبعه على ذلك الرازي في "المحصول" والبيضاوي في "المنهاج" ومشى عليه شراح "المنهاج" مثل: الأسنوي و البدخشي. 
بيد أن هناك من لم يوافق الغزالي على ذلك، حتى إن من العلماء من حرم تعلم المنطق مثل ابن الصلاح والنووي كما ذكر ذلك صاحب "السلم" فكيف يعد شرطا ضروريا من يراه بعض العلماء حراما؟!
وقد نقد شيخ الإسلام ابن تيمية المنطق نقدا علميا في كتابين له: كبير وصغير، وبين أن المنطق لا يحتاج إليه الذكي ولا ينتفع به البليد، ولخص ذلك السيوطي في كتابه "صون المنطق والكلام عن علم المنطق والكلام".
ونقل السيوطي في رسالة "الرد على من أخلد إلى الأرض" عن ابن تيمية في كتابه "نصيحة أهل الإيمان في الرد على منطق اليونان" قوله: من قال من المتأخرين أن تعلم المنطق فرض على الكفاية، وأنه من شروط الاجتهاد، فإنه يدل على جهله بالشرع وبفائدة المنطق وفساد هذا القول معلوم بالضرورة من دين الإسلام، فإن أفضل هذه الأمة من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين عرفوا ما يجب عليهم، ويكمل علمهم وإيمانهم، قبل أن يعرفوا منطق اليونان.
وسبق ابن تيمية بذلك فلاسفة العصر الحديث في أوروبا، الذين ثاروا على هذا المنطق الصوري، ودعوا إلى المنطق الاستقرائي، وهو الذي قامت على أساسه العلوم التجريبية الحديثة، وهو في الحقيقة مقتبس من الحضارة الإسلامية ولعل مما يفيد هنا الاطلاع على "مناهج البحث العلمي" في صورتها المعاصرة، والاستفادة منها.
وبهذا نرى أن معرفة المنطق ليست شرطا للاجتهاد، كيف ولم يكن يعرفه أحد من الأئمة المتبوعين؟ ولكن قد تفيد دراسته لإلزام الخصم، وفهم بعض الكتب القديمة التي تستخدم طرائقه ومصطلحاته في الاستدلال، وترتيب المقدمات للوصول إلى النتائج.
وأهم من هذا الشرط: أن يكون العالم جيد الفهم، نير البصيرة، سليم التقدير، ذا عقلية متهيئة لهذا النوع من العلم "علم استنباط الأحكام من الأدلة"، وهو ما عبر عنه بعضهم بأن يكون "فقيه النفس".
2 - معرفة علم الكلام
من العلماء من اشترط في المجتهد أن يكون عالما بعلم الكلام  أو علم أصول الدين –كما يسميه البعض أو علم التوحيد، وما يتعلق بالاعتقاد، فمنهم من يشترط ذلك، وهم المعتزلة، ومنهم من لم يشترط وهم الجمهور.
ومنهم من فصل فقال: يشترط العلم بالضروريات، كالعلم بوجود الرب سبحانه وصفاته وما يستحقه والتصديق بالرسل وبما جاءوا به، ولا يشترط العلم بدقائقه.
وإليه ذهب الآمدي - فى الإحكام - قال : " فلا يشترط في المجتهد أن يكون متبحرا في علم الكلام كالمشاهير من المتكلمين ، بل أن يكون عارفا بما يتوقف عليه الإيمان ولا يشترط أن يكون مستند علمه في ذلك الدليل المفصل ، بل يكفى أن يكون عالما بأدلة هذه الأمور من جهة الجملة ، لا من جهة التفصيل "  .
ويرى الكتور القرضاوي  أن هذا العلم ليس بضروري للمجتهد في الفقه، وحسبه أن يكون مسلما صحيح العقيدة، وقد كان من أئمة السلف من ينكر "علم الكلام"، وهو مروي عن مالك والشافعي وأحمد، فرأي الجمهور هو الأولى.
على أنه لا يتصور أن يوجد مسلم عالم بالقرآن والسنة، لا يعرف أصول دينه بأدلته.
كيف والقرآن الحكيم حافل بروائع الأدلة والبراهين العقلية على وجود الله تعالى ووحدانيته واتصافه بكل كمال، وتنزهه عن كل نقص، وعلى صدق رسله، وعدالة حكمه وعلى إمكان البعث، وضرورة الجزاء..الخ ما هو مثبوت في آيات الكتاب العزيز؟
3 - معرفة فروع الفقه
كذلك اشترط بعض العلماء أن يكون المجتهد على معرفة بفروع الفقه، فذهب جماعة منهم الأستاذ أبو إسحاق والأستاذ أبو منصور إلى اشتراطه.
بينما ذهب الجمهور إلى عدم اشتراطه. فقالوا: "وإلا لزم الدور، قالوا: كيف يحتاج إليها ـ أي الفروع ـ وهو الذي يولدها بعد حيازته لمنصب الاجتهاد"؟  
قال الغزالي: "فأما الكلام و تفاريع الفقه، فلا حاجة إليهما، كيف يحتاج إلى تفاريع الفقه، وهذه التفاريع يولدها المجتهدون، ويحكمون فيها، بعد حيازة منصب الاجتهاد؟ فكيف تكون شرطا في منصب الاجتهاد، وتقدم الاجتهاد عليها شرط؟" ثم قال: "نعم إنما يحصل منصب الاجتهاد في زماننا بممارسته، فهو طريق تحصيل الدربة في هذا الزمان، ولم يكن الطريق في زمان الصحابة، ويمكن الآن سلوك طريق الصحابة أيضا".
وما قال الغزالي صحيح، فتحصيل الدربة، وتكوين الملكة، لا يتأتى إلا بالممارسة للفقه، ومطالعة ما ولده المجتهدون من قبل، ومعرفة مداركهم ومآخذ أقوالهم وطرائق اجتهادهم، وتنوع مشاربهم ومنازعهم في الاستنباط والاستدلال.
ولهذا كانت معرفة الفقه لازمة، وبخاصة مواضع الاختلاف فيه، وأسبابها، وأدلة كل منها، فهذا هو الذي يكون العقلية المتهيئة للاجتهاد.

وجوه الإجتهاد
من المعلوم من الدين بالضرورة أن جميع وجوه نشاط المسلم الفكرية والعقلية والقلبية ، المتعلقة بالجوارح يجب أن تكون محكومة بأحكام الإسلام ، فالإسلام ما هم إلا الانقياد التام ، والاستسلام الكامل لا حكام الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم .
وهذا لا يتم بطريق النص ، والاجتماع المستند إليه ولما كانت النصوص متناهية، والحوادث غير متناهية كان لابد من الاجتهاد فى طلب الحق .
اجتهاد العلماء فيما لا نص فيه يكون في ثمانية أقسام على ما ذكر الماوردي وتبعه الشوكاني وهى : كما قال الماوردي :

الاجتهاد بعد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينقسم إلى ثمانية أقسام:
أحدها:
ما كان الاجتهاد مستخرجا من معنى النص، كاستخراج علة الربا، فهذا صحيح عند القائلين بالقياس.
ثانيها:
ما استخرجه من شبه النص، كالعبد، لتردد شبهه بالحر في أنه يملك؛ لأنه مكلف، وشبهه بالبهيمة في أنه لا يملك؛ لأنه مملوك، فهذا صحيح، غير مدفوع عند القائلين بالقياس والمنكرين له، غير أن المنكرين له جعلوه داخلا في عموم أحد الشبهين.
ثالثها:
ما كان مستخرجا من عموم النص، كالذي بيده عقدة النكاح في قوله تعالى: {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ}  فإنه "يعم الأب والزوج والمراد به"* أحدهما، وهذا صحيح يتوصل إليه بالترجيح.
رابعها:
ما استخرج من إجماع النص كقوله في المتعة {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} 3 فيصح الاجتهاد في قدرة المتعة باعتبار حال الزوجين.
خامسها:
ما استخرج من أحوال النص كقوله في التمتع: {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ}  فاحتمل صيام السبعة إذا رجع في طريقه، وإذا رجع إلى أهله، فيصح الاجتهاد في تغليب إحدى الحالتين على الأخرى.
سادسها:
ما استخرج من دلائل النص، كقوله: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ}  فاستدللنا على تقدير نفقة الموسر بمدين، بأن أكثر ما جاءت به السنة في فدية الآدمي أن لكل مسكين مُدَّين، واستدللنا على تقدير نفقة المعسر بمد بأنه أقل ما جاءت به السنة في كفارة الوطء، أن لكل مسكين مدا.
سابعا:
ما استخرج من أمارات النص، كاستخراج دلائل القبلة لمن خفيت عليه من قوله تعالى: {وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ}  فيكون الاجتهاد في القبلة بالإمارات والدلائل عليها، من هبوب الرياح، ومطالع النجوم.
ثامنها:
ما استخرج من غير نص ولا أصل، فاختلف في صحة الاجتهاد، فقيل لا يصح حتى يقترن بأصل.
وقيل: يصح لأنه في الشرع أصل.

خطأ المجتهد وإصابته
الخطأ في الاجتهاد :
لمَّا كانَ الاجتهادُ تنزيلاً للقواعِدِ والعُمومَاتِ الشَّرعيَّةِ على المسائلِ المُعيَّنةِ بنظرِ المُجتهِدِ، فإنَّهُ مهمَا قويَتْ ملكَتُه وقُدرتُه فقولهُ غيرُ معصومٍ، فيجوزُ عليه الخطأُ، ومن أجلِ هذا وقعَ الاختلافُ بينَ الفُقهاءِ، إلاَّ أنَّهُ لما كانَ قصدُ المجتهدِ إصابَةَ الحقِّ من الدِّينِ، كانَ خطؤهُ مغفورًا، بلْ لجلالةِ قدْرِ الاجتهادِ فإنَّهُ لم يُجازَ بمُجرَّدِ العُذرِ في الخطإ، إنَّما أثيبَ على ما بذلَ من الجُهدِ في الاجتهادِ، كما قال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -:" إذا حكَمَ الحاكِمُ فاجتَهَدَ ثمَّ أصابَ فلهُ أجرانِ، وإذا حَكَم فاجتهَدَ ثمَّ أخطأَ فلهُ أجرٌ "
[متفقٌ عليه عن عمرِو بن العاصِ وأبي هريرَةَ].


تحرير محل النزاع : 
قبل أن نبين آراء العلماء وأدلته في هذه المسألة ، ينبغى أن نحرر أولا محل النزاع، ومحل الوفاق حتى يكون البحث عل بينة :
إن الأمور التي فيها الاجتهاد إما أن تكون قطعية أو ظنية : 
فإن كانت قطعية فالمخطئ آثم بلا خلاف ... لأن الحق فيها واحد ، فمن أصابه فهو الحق ، ومن أخطاء فهو المبطل ، سواء أكان مدرك ذلك عقليا محضا ، كحدوث العالم ، ووجود الصانع جل وعلا ، أم شرعيا مستندا إلى ثبوت أمر عقلي ، كعذاب القبر ، والصراط والميزان   . 
أما المسائل الظنية فهى محل الخلاف : منشأ الخلاف في هذا : هل لله تعالى في كل مسألة حكم معين ، من أصابه فهو المصيب ، ومن أخطأه فهو المخطئ ، أو أن الحكم متعدد  ؟ 
وللعلماء في هذه المسألة مذهبان : 
المذهب الأول: 
أن المصيب واحد، ومن عداه مخطئ ، وهو مذهب جمهور الأصوليين من أهلة السنة والجماعة .   
واستدل أصحاب هذا المذهب بما يأتي : 
أولا – بقول الله – تعالى – ( وداود وسليمان إذ يحكمان فى الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين * ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما .. )  . 
ومحل الشاهد في الآية : أن الله تعالى خص " سليمان " عليه السلام يفهم الحق في الواقعة المذكورة ، وهذا يدل على أن الحق فيها واحد
وقد اعترضت الإمام الغزالي على الاستدلال بهذه  الآية بعده اعتراضات ورد العلماء على هذه الاعتراضات . 

ثانيا – استدل الجمهور – أيضا على صحة مذهبهم بقول الرسول – صلى الله عليه وسلم - : " إذا حكم فاجتهد فأصاب فله أجران  وإذا حكم فاجتهد فأخطاء فله أجر واحد "   . 
ووجه الاستدلال بالحديث واضح ، وهو اشتماله على الخطأ والصواب في الاجتهاد ، وفي هذا دلالة علي أن المجتهد يخطئ ويصيب ، وأن الحق واحد ،  من أصابه فقد أصاب ، ومن أخطأه فقد أخطأ .   
ثالثا : الإجماع : الدليل الثالث للجمهور هو الإ جماع ، وهو من أقوى الأدلتة على مدعاهم ، فقد أجمع الصحابة _ رضي الله عنهم – على إطلاق لفظ " الخطأ " في الاجتهاد ، ولم ينكر بعضهم على بعض وهذا يدل على أن الحق واحد . 
والأمثلة كثيرة على ذلك منها : 
ما روي عن أبى بكر – رضي الله عنه - حين سئل عن الكلالة قال : " أقول فيه برأيي فإن يكن صوابا فمن الله و إن يكن خطأ فمني ومن الشيطان والله ورسوله منه بريئان "  

رابعا – المعقول : 
استدل الجمهور على مذهبهم بالمعقول فقالوا : إن القول بتصويب المجتهدين يفضى عند اختلافهم بالنفي والإثبات ، أو بالحل والحرمة في مسألة واحدة إلى الجمع بين النقيضين ، وهذا محال ، فما أفضي إلي المحال فهو المحال   . 

المذهب الثاني : 
أن كل واحد من المجتهدين مصيب ، وأن الحق متعدد ، فليس في الواقعة التي لا نص فيها حكم معين ، وإنما هو تابع لظن المجتهد وهو مذهب أبى بكر الباقلاني ، والغزالي في المستصفى ، وبعض المعتزلة ، وغيرهم  . 
واستدل أصحاب هذا المذهب بما يأتي : 
1.    بقول الله تعالى : في حق داود وسليمان – عليهما السلام : ( وكلا آتينا حكما وعلما ) .ووجه الدلالة – من الآية والرد عليه يعلم مما تقدم في استدلال الجمهور . 
2.    وبقوله – صلي الله عليه و سلم: " أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم "   .
ووجه الدلالة من الحديث : أنه –صلي الله عليه وسلم – ووجه الدلالة من الحديث : أنه – صلي الله عليه وسلم – جعل الاقتداء بكل واحد من أصحابه هدي ، مع اختلافهم في الأحكام نفيا وإثباتا ، فلو كان فيهم مخطئ لما كان الاقتداء به هدي . وأجيب عن هذا الاستدلال : بأن هذا الخبر ضعيف ، ولو سلم بصحة معناه ، فغاية ما يفيده هو الاقتداء بهم في الرواية عن النبي - صلي الله عليه وسلم – لا في الاجتهاد ، فليس في الحديث ما يدل على المدعي   . 
3.    كما استدلوا بأن الصحابة – رضي الله عنهم -  اتفقوا على تسويغ خلاف بعضهم لبعض ، من غير إنكار منهم على ذلك ، بل إن الخلفاء الراشدين كانوا يولون القضاة و الحكام مع علمهم بمخالفتهم لهم في بعض الأحكام ، ولم ينكر عليهم أحد ، فلو لم يكن كل مجتهد مصيبا لما ساغ ذلك من الصحابة ، كما لم يسوغوا ترك الإنكار على مانعي الزكاة وغير ذلك ، فثبت أن كل مجتهد مصيب . 

  وأجيب عن هذا : بأنه منقوض بما إذا كان في المسألة نص أو إجماع ولم يعلم به المجتهد بعد البحث التام ، فإن الحكم فيها معين ، ومع ذلك فالمجتهد مأمور بتباع ما غلب على ظنه .
  
وبهذه المناقشات يظهر ضعف أدلة المذهب الثاني، وبالتالي رجحان المذهب الأول ، وهو أن المجتهد بعد بذل الجهد مأجور ، فإن أصاب الحق فله أجران ، وإن أخطاء فله أجر واحد .  
قال المزني : أن الشافعي قال : لا يؤجر على الخطأ ، وإنما يؤجر على قصد الصواب .

أهمية الإجتهاد
وإذا كان الاجتهاد محتاجا إليه في كل عصر. فإن عصرنا أشد حاجة إليه من أي عصر مضى نظرا لتغير شئون الحياة عما كانت عليه في الأزمنة الماضية، وتطور المجتمعات تطورا هائلا، بعد الثورة التكنولوجية التي شهدها العالم، لهذا كان من الضرورات المعاصرة أن يعاد فتح باب الاجتهاد فيه من جديد، لأن هذا الباب فتحه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يملك أحد إغلاقه من بعده. ولا نعني بإعادته مجرد إعلان ذلك. بل ممارسته بالفعل.
وينبغي أن يكون الاجتهاد في عصرنا اجتهادا جماعيا في صورة مجمع علمي يضم الكفايات الفقهية العالية، ويصدر أحكامه في شجاعة وحرية، بعيدا عن كل المؤثرات والضغوط الاجتماعية والسياسية، ومع هذا لا غنى عن الاجتهاد الفردي، فهو الذي ينير الطريق أمام الاجتهاد الجماعي، بما يقدم من دراسات عميقة، وبحوث أصيلة مخدومة، بل إن عملية الاجتهاد في حد ذاتها عملية فردية قبل كل شيء.
والاجتهاد الذي نعنيه ينبغي أن يتجه أول ما يتجه إلى المسائل الجديدة، والمشكلات المعاصرة، يحاول أن يجد لها حلا في ضوء نصوص الشريعة الأصلية، ومقاصدها العامة، وقواعدها الكلية.
ومع هذا ينبغي أن يعيد النظر في القديم ليقومه (أي يعدله، ويعطيه القيمة) من جديد، في ضوء ظروف العصر وحاجاته.
ولا تقتصر إعادة النظر هذه على أحكام "الرأي" أو "النظر" وهي التي أنتجها الاجتهاد فيما لا نص فيه: بناء على أعراف أو مصالح زمنية لم يعد لها الآن وجود أو تأثير.
بل يمكن أن يشمل بعض الأحكام التي أثبتتها نصوص ظنية الثبوت كأحاديث الآحاد، أو ظنية الدلالة. وأكثر نصوص القرآن والسنة كذلك. فقد يبدو للمجتهد اليوم فهم فيها لم يبد للسابقين، وقد يظهر له رأي ظهر لبعض السلف أو الخلف، ثم هجر ومات، لعدم الحاجة إليه حينذاك، أو لأنه سبق زمنه، أو لعدم شهرة قائله، أو لمخالفته للمألوف الذي استقر عليه الأمر زمنا طويلا، أو لقوة المعارضين له، وتمكنهم اجتماعيا أو سياسيا.. أو لغير ذلك من الأسباب.
وأكثر من ذلك أن الاجتهاد الذي ندعو إليه لا ينبغي أن يقف عند حد الفروع الفقهية فحسب، بل ينبغي أن يتجاوزها إلى دائرة أصول الفقه نفسها، تكملة للشوط الذي بدأه الإمام الشاطبي في محاولة للوصول إلى أصول قطعية، وتتمة لما قام به الإمام الشوكاني من الترجيح و "تحقيق الحق من علم الأصول" على حد تعبيره، ولا ريب أن كثيرا من مسائل الأصول لم يرتفع فيها الخلاف، فهي في حاجة إلى التمحيص والموازنة والترجيح، وبعضها يحتاج إلى مزيد من التوضيح والتأكيد، وبعض آخر يحتاج إلى التفصيل والتطبيق، ومن ذلك تمييز السنة التشريعية من غير التشريعية، والتشريعية المؤقتة من التشريعية المؤبدة، وتمييز تصرف الرسول صلى الله عليه وسلم بمقتضى الإمامة والرياسة للأمة، من تصرفه بمقتضى الفتوى والتبليغ عن الله.
ومن ذلك: مناقشة موضوع الإجماع ـ وبخاصة السكوتي منه ـ ومدى حجيته وإمكان العلم به، وكثرة دعاوى الإجماع، مع ثبوت المخالف، وتحقيق القول في الإجماع الذي ينبني على مراعاة مصلحة زمنية لم تعد معتبرة اليوم.
ومثل ذلك: القياس والاستحسان والاستصلاح، ومتى يؤخذ بها ومتى لا يؤخذ وما ضوابط كل منها وحدود استخدامه.