الاثنين، 12 مارس 2012

موسوعة الفقه - باب الجنايات : التعزير

التعزير


1- تعريفه:
يأتي التعزير بمعنى التعظيم والنصرة، ومن ذلك قول الله سبحانه وتعالى: {لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه} أي تعظموه وتنصروه.
ويأتي بمعنى الاهانة: يقال عزر فلان فلانا، إذا أهانه زجرا وتأديبا له على ذنب وقع منه.
والمقصود به في الشرع:
التأديب على ذنب لا حد فيه ولا كفارة.
أي أنه عقوبة تأديبية يفرضها الحاكم على جناية أو معصية لم يعين الشرع لها عقوبة، أو حدد لها عقوبة ولكن لم تتوفر فيها شروط التنفيذ مثل المباشرة في غير الفرج، وسرقة مالا قطع فيه، وجناية لا قصاص فيها، وإتيان المرأة المرأة، والقذف بغير الزنى.
ذلك أن المعاصي ثلاثة أقسام:
1- نوع فيه حد، ولا كفارة فيه: وهي الحدود التي تقدم ذكرها.
2- ونوع فيه كفارة، ولا حد فيه.
مثل: الجماع في نهار رمضان، والجماع في الاحرام.
3- ونوع لا كفارة فيه ولا حد، كالمعاصي التي تقدم ذكرها، فيجب فيها التعزير.

.2- مشروعيته:
والاصل في مشروعيته ما رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي، والبيهقي، عن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده: «أن النبي صلى الله عليه وسلم، حبس في التهمة» صححه الحاكم.
وإنما كان هذا الحبس حبسا احتياطيا حتى تظهر الحقيقة.
وأخرج البخاري، ومسلم، وأبو داود، عن هانئ بن نيار أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تجلدوا فوق عشرة أسواط، إلا في حد من حدود الله تعالى».
وقد ثبت أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يعزر ويؤدب، بحلق الرأس والنفي والضرب، كما كان يحرق حوانيت الخمارين، والقرية التي يباع فيها الخمر.
وحرق قصر سعد بن أبي وقاص بالكوفة، لما احتجب فيه عن الرعية.
وقد اتخذ درة يضرب بها من يستحق الضرب، واتخذ دارأ للسجن، وضرب النائحة حتى بدا شعرها.
وقال الائمة الثلاثة: إنه واجب.
وقال الشافعي: ليس بواجب.

.3- حكمة مشروعيته والفرق بينه وبين الحدود:
وقد شرعه الإسلام لتأديب العصاة والخارجين على النظام، فالحكمة فيه هي الحكمة من شرعية الحدود التي سبق ذكرها في مواضعها.
إلا أنه يختلف عن الحدود من ثلاثة أوجه.
1- أن الحدود يتساوى الناس فيها جميعا، بينما التعزير يختلف باختلافهم.
فإذا زل رجل كريم، فإنه يجوز العفو عن زلته.
وإذا عوقب عليها فإنه ينبغي أن تكون عقوبته أخف من عقوبة من ارتكب مثل زلته، ممن هو دونه في الشرف والمنزلة.
روى أحمد، وأبو داود، والنسائي، والبيهقي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم، إلا الحدود».
أي إذا زل رجل ممن لا يعرف بالشر زلة، أو ارتكب صغيرة من الصغائر، أو كان طائعا وكانت هذه أولى خطاياه، فلا تؤاخذوه.
وإذا كان لا بد من المؤاخذة، فلتكن مؤاخذة خفيفة.
2- أن الحدود لا تجوز فيها الشفاعة بعد أن ترفع إلى الحاكم.
بينما التعازير يجوز فيها الشفاعة.
3- أن من مات بالتعزير، فإن فيه الضمان، فقد أرهب عمر بن الخطاب رضي الله عنه امرأة، فأخمصت بطنها، فألقت جنينا ميتا، فحمل دية جنينها.
وقال أبو حنيفة، ومالك: لا ضمان، ولا شئ، لأن التعزير والحد في ذلك سواء.
.4- صفة التعزير:
والتعزير يكون بالقول: مثل التوبيخ، والزجر، والوعظ، ويكون بالفعل، حسب ما يقتضيه الحال، كما يكون بالضرب، والحبس، والقيد، والنفي، والعزل والرفت.
روى أبو داود، أنه أتي النبي صلى الله عليه وسلم، بمخنث قد خضب يديه ورجليه بالحناء.
فقال صلى الله عليه وسلم: ما بال هذا؟ فقالوا: يتشبه بالنساء.
فأمر به فنفي إلى البقيع.
فقالوا: يا رسول الله، نقتله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «إني نهيت عن قتل المصلين».
ولا يجوز التعزير بحلق اللحية، ولا بتخريب الدور، وقلع البساتين، والزروع، والثمار، والشجر.
كما لا يجوز بجدع الانف، ولا بقطع الاذن أو الشفة أو الانامل، لان ذلك لم يعهد عن أحد من الصحابة.

.5- الزيادة في التعزير على عشرة أسواط:
تقدم حديث هانئ بن نيار، النهي في التعزير عن الزيادة على عشرة أسواط.
وقد أخذ بهذا، أحمد، والليث، وإسحق، وجماعة من الشافعية، فقالوا: لا تجوز الزيادة على عشرة أسواط التي قررها الشارع.
وذهب مالك، والشافعي، وزيد بن علي، وآخرون، إلى جواز الزيادة على العشرة، ولكن لا يبلغ أدنى الحدود.
وقالت طائفة: لا يبلغ بالتعزير في المعصية قدر الحد فيها.
فلا يبلغ بالتعزير على النظر والمباشرة حد الزنى، ولا على السرقة من غير حرز حد القطع، ولا على السب من غير قذف حد القذف.
وقيل: يجتهد ولي الأمر، ويقدر العقوبة حسب المصلحة وبقدر الجريمة.

.6- التعزير بالقتل:
والتعزير بالقتل أجازه بعض العلماء، ومنعه بعض آخر.
وقد جاء في ابن عابدين نقلا عن الحافظ بن تيمية: إن من أصول الحنفية، أن مالا قتل فيه عندهم، مثل القتل بالمثقل، وفاحشة الرجال، إذا تكررت، فللامام أن يقتل فاعله، وكذلك له أن يزيد على الحد المقدر إذا رأى المصلحة في ذلك.

.7- التعزير بأخذ المال:
ويجوز التعزير بأخذ المال، وهو مذهب أبي يوسف، وبه قال مالك.
قال صاحب معين الحكام: ومن قال: إن العقوبة المالية منسوخة،
فقد غلط على مذاهب الائمة، نقلا واستدلالا، وليس يسهل دعوى نسخها، والمدعون للنسخ ليس معهم سنة ولا إجماع، يصحح دعواهم إلا أن يقولوا: مذهب أصحابنا لا يجوز.
وقال ابن القيم: إن النبي صلى الله عليه وسلم، عزر بحرمان النصيب المستحق من السلب، وأخبر عن تعزير مانع الزكاة بأخذ شطر ماله.
فقال صلى الله عليه وسلم، فيما يرويه أحمد، وأبو داود، والنسائي: «من أعطاها مؤتجرا فله أجرها، ومن منعها فإنا آخذوها، وشطر ماله، عزمة من عزمات ربنا».

.8- التعزير من حق الحاكم:
والتعزير يتولاه الحاكم، لأن له الولاية العامة على المسلمين.
وفي سبل السلام: وليس التعزير لغير الإمام، إلا لثلاثة:
1- الأول الاب، فإن له تعزير ولده الصغير للتعليم، والزجر عن سيئ الاخلاق، والظاهر أن الأم في مسألة زمن الصبا، في كفالته، لها ذلك، والأمر بالصلاة، والضرب عليها، وليس للاب تعزير البالغ، وإن كان سفيها.
2- والثاني السيد، يعزر رقيقه في حق نفسه، وفي حق الله تعالى، على الاصح.
3- والثالث الزوج، له تعزير زوجته في أمر النشوز، كما صرح به القرآن، وهل له ضربها على ترك الصلاة ونحوها؟ الظاهر أن له ذلك إن لم يكف فيها الزجر، لأنه من باب إنكار المنكر،
والزوج من جملة من يكلف بالانكار باليد، أو اللسان، أو الجنان، والمراد هنا الأولان.اهـ.
وكذلك يجوز للمعلم تأديب الصبيان.

.9- الضمان في التعزير:
ولا ضمان على الاب إذا أدب ولده.
ولا على الزوج إذا أدب زوجته.
ولا على الحاكم إذا أدب المحكوم بشرط ألا يسرف واحد منهم، ويزيد على ما يحصل به المقصود.
فإذا أسرف واحد منهم في التأديب كان متعديا، وضمن بسبب تعديه ما أتلفه.