الكفالة
.تعريفها:
الكفالة معناها في اللغة: الضم، ومنه قول الله، عز وجل: {وكفلها زكريا}.
وفي الشرع عبارة عن ضم ذمة الكفيل إلى ذمة الاصيل في المطالبة بنفس أو دين أو عين أو عمل، وهذا التعريف لفقهاء الأحناف.
وعند غيرهم من الائمة يعرفونها بأنها ضم الذمتين في المطالبة والدين.
والكفالة تسمي: حمالة وضمانة وزعامة.
وهي تقتضي كفيلا وأصيلا ومكفولا له ومكفولا به.
فالكفيل هو الذي يلتزم بأداء المكفول به، ويجب أن يكون بالغا عاقلا مطلق التصرف في ماله رضايا بالكفالة فلا يكون المجنون ولا الصبي ولو كان مميزا كفيلا.
ويسمى الكفيل بالضامن والزعيم والحميل والقبيل.
والاصيل هو المدين وهو المكفول عنه، ولا يشترط بلوغه ولا عقله ولا حضوره ولا رضاه بالكفالة.
بل تجوز الكفالة عن الصبي والمجنون والغائب.
ولكن الكفيل لا يرجع على أحد من هؤلاء إذا أدى عنه، بل يعتبر متبرعا إلا في حالة ما إذا كانت الكفالة عن الصبي المأذون له في التجارة وكانت بأمره. والمكفول له هو الدائن. ويشترط أن يعرفه الضامن، لأن الناس يتفاوتون في المطالبة تسهيلا وتشديدا.
والاغراض تختلف بذلك، فيكون الضمان بدونه غررا. ولا تشترط معرفة المضمون عنه. والمكفول به هو النفس أو الدين أو العين أو العمل الذي وجب أداؤه على المكفول عنه، وله شروط ستأتي في موضعها.
.مشروعيتها:
والكفالة مشروعة بالكتاب والسنة والاجماع.
ففي الكتاب يقول الله تعالى: {قال لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله لتأتنني به}، وقوله، جل شأنه: {ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم}.
وجاء في السنة عن أبي أمامة أن الرسول، صلى الله عليه وسلم، قال: «الزعيم غارم» رواه أبو داود والترمذي وحسنه، وصححه ابن حبان.
ومعنى الزعيم: الكفيل. والغارم: الضامن. وقد أجمع العلماء على جوازها.
ولا يزال المسلمون يكفل بعضهم بعضا من عصر النبوة إلى وقتنا هذا، دون تكبر من أحد من العلماء.
التنجيز والتعليق والتوقيت:
وتصح الكفالة منجزة، ومعلقة، ومؤقتة.
فالمنجزة مثل قول الكفيل: أنا أضمن فلانا الان، وأكفله.
قال العلماء: إذا قال الرجل: تحملت أو تكفلت أو ضمنت، أو أنا حميل لك، أو زعيم أو كفيل أو ضامن أو قبيل، أو هو لك عندي أو علي أو إلي أو قبلي، فذلك كله كفالة.
ومتى انعقدت الكفالة كانت تابعة للدين في الحلول والتأجيل والتقسيط، إلا إذا كان الدين حالا واشترط الكفيل تأجيل المطالبة إلى أجل معلوم، فإنه يصح، لما رواه ابن ماجه عن ابن عباس أن النبي، صلى الله عليه وسلم: تحمل عشرة دنانير عن رجل قد لزمه غريمه إلى شهر، وقضاها عنه.
وفي هذا دليل على أن الدين إذا كان حالا وضمنه الكفيل إلا أجل معلوم صح، ولا يطالب به الضامن قبل مضي الاجل.
والمعلقة مثل: إن أقرضت فلانا فأنا ضامن لك، وكما جاء في الآية الكريمة قول الله تعالى: {ولمن جاء به حمل بعير}.
والمؤقتة مثل: إذا جاء شهر رمضان فأنا ضامن لك.
وهذا مذهب أبي حنيفة وبعض الحنابلة.
وقال الشافعي: لا يصح التعليق في الكفالة.
.مطالبة الكفيل والأصيل معا:
ومتى انعقدت الكفالة جاز لصاحب الحق أن يطالب الضامن والمضمون معا، كما جاز له أن يطالب أيهما شاء بناء على تعدد محل الحق، كما يرى جمهور العلماء.
.أنواع الكفالة:
والكفالة نوعان:
الأول: كفالة بالنفس.
الثاني: كفالة بالمال.
.الكفالة بالنفس:
وتعرف بضمان الوجه، وهي التزام الكفيل بإحضار الشخص المكفول إلى المكفول له.
وتصح بقوله: أنا كفيل بفلان أو ببدنه أو وجهه، أو: أنا ضامن أو زعيم ونحو ذلك، وهي جائزة إذا كان على المكفول به حق لادمي، ولا يشترط العلم بقدر ما على المكفول لأنه تكفل بالبدن لا بالمال.
أما إذا كانت الكفالة في حدود الله، فإنها لا تصح، سواء أكان الحد حقا لله تعالى كحد الخمر، أو كان حقا لادمي كحد القذف.
وهذا مذهب أكثر العلماء، لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: «لا كفالة في حد» رواه البيهقي بإسناد ضعيف وقال: إنه منكر.
ولان مبناه على الاسقاط والدرء بالشبهة، فلا يدخله الاستيثاق، ولا يمكن استيفاؤه من غير الجاني.
وعند أصحاب الشافعي تصح الكفالة بإحضار من عليه عقوبة لادمي كقصاص وحد قذف، لأنه حق لازم، أما إذا كان حدا لله فلا تصح فيه الكفالة.
ومنعها ابن حزم فقال: لا تجوز الضمانة بالوجه أصلا لا في مال ولا حد، ولا في شيء من الاشياء، لأن كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل.
ومن طريق النظر أن نسأل من قال بصحته عمن تكفل بالوجه فقط فغاب المكفول عنه ماذا تصنعون بالضامن بوجهه؟ أتلزمونه غرامة ما على المضمون؟ فهذا جور وأكل مال بالباطل، لأنه لم يلتزمه قط.
أم تتركونه؟ فقد أبطلتم الضمان بالوجه، أم تكلفونه طلبه؟ فهذا تكليف الحرج وما لا طاقة له به وما لم يكلفه الله إياه قط.
وأجاز الكفالة بالوجه جماعة من العلماء.
واستدلوا بأنه، صلى الله عليه وسلم، كفل في تهمة، قال: وهو خبر باطل، لأنه من رواية إبراهيم بن خيثم بن عراك، وهو وأبوه في غاية الضعف لا تجوز الرواية عنهما.
ثم ذكر آثارا عن عمر بن عبد العزيز وردها كلها بأنها لا حجة فيها، إذا الحجة في كلام الله ورسوله لا غير.
ومتى تكفل بإحضاره لزمه إحضاره فإن تعذر عليه إحضاره مع حياته أن امتنع الكفيل عن إحضاره غرم ما عليه، لقوله صلى الله عليه وسلم: «الزعيم غارم».
إلا إذا اشترط إحضاره دون المال، وصرح بالشرط لأنه يكون ألزم ضد ما اشترط، وهذا مذهب المالكية وأهل المدينة.
وقالت الأحناف: يحبس الكفيل إلى أن يأتي به أو يعلم موته، ولا يغرم المال إلا إذا شرطه على نفسه.
وقالوا: إذا مات الاصيل فإنه لا يلزم الكفيل الحق الذي عليه، لأنه إنما تكفل بالنفس ولم يكفل بالمال، فلا يلزمه ما لم يتكفل به.
وهذا هو المشهور من قول الشافعي.
وكذلك يبرأ الكفيل إذا سلم المكفول نفسه.
ولا يبرأ الكفيل بموت المكفول له بل تقوم ورثته مقامه في المطالبة بإحضار المكفول.
الكفالة بالمال:
والكفالة بالمال: هي التي يلتزم فيها الكفيل التزاما ماليا، وهي أنواع ثلاثة:
.1- الكفالة بالدين:
وهي التزام أداء دين في ذمة الغير.
ففي حديث سلمة بن الأكوع، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، امتنع من الصلاة على من عليه الدين، فقال أبو قتادة: صل عليه يا رسول الله وعلي دينه، فصلى عليه ويشترط في الدين:
أ- أن يكون ثابتا وقت الضمان كدين القرض والثمن والاجرة والمهر، فإذا لم يكن ثابتا فإنه لا يصح، فضمان ما لم يجب غير صحيح، كما إذا قال: بع لفلان وعلي أن أضمن الثمن، أو: أقرضه، وعلي أن أضمن بدله.
وهذا مذهب الشافعي ومحمد بن الحسن والظاهرية.
وأجاز ذلك أبو حنيفة ومالك وأبو يوسف، وقالوا بصحة ضمان ما لم يجب.
ب- أن يكون معلوما، فلا يصح ضمان المجهول، لأنه غرر، فلو قال: ضمنت لك ما في ذمة فلان، وهما لا يعلمان مقداره فإنه لا يصح.
وهذا مذهب الشافعي وابن حزم.
وقال أبو حنيفة ومالك وأحمد: يصح ضمان المجهول.
.2- كفالة بالعين أو كفالة بالتسليم:
وهي التزام تسليم عين معينة موجودة بيد الغير مثل: رد المغصوب إلى الغاصب وتسليم المبيع إلى المشتري. ويشترط فيها أن تكون العين مضمونة على الاصيل كما في المغصوب.
فإذا لم تكن مضمونة كالعارية والوديعة فإن الكفالة لا تصح.
.3- كفالة بالدرك:
أي بما يدرك المال المبيع ويلحق به من خطر بسبب سابق على البيع، أي أنها كفالة.
وضمانة لحق المشتري تجاه البائع إذا ظهر للمبيع مستحق، كما لو تبين أن المبيع مملوك لغير البائع أو مرهون.
رجوع الكفيل على المضمون عنه: وإذا أدى الضامن عن المضمون عنه ما عليه من دين رجع عليه متى كان الضمان والاداء بإذنه، لأنه أنفق ماله فميا ينفعه بإذنه. وهذا مما اتفق الائمة الأربعة عليه. واختلفوا فيما إذا ضمن عن غيره حقا بغير أمره وأداه.
وقال الشافعي وأبو حنيفة: هو متطوع، وليس له الرجوع عليه.
والمشهور عن مالك: أن له الرجوع به.
وعن أحمد: روايتان.
قال ابن حزم: لا يرجع الضامن بما أدى سواء بأمره أو بغيره أمره إلا أن يكون المضمون عنه استقرضه.
قال: وقال ابن أبي ليلى وابن شبرمة وأبو ثور وأبو سليمان بمثل قولنا. اهـ.
.من أحكام الكفالة:
1- ومتى عدم المضمون أو غاب، ضمن الكفيل، ولا يخرج عن الكفالة إلا بأداء الدين منه أو من الاصيل، أو بإبراء الدائن نفسه من الدين أو نزوله عن الكفالة، وله هذا النزول لأنه من حقه.
2- من حق المكفول له أي صاحب الدين فسخ عقد الكفالة من ناحية، ولو لم يرض المدين المكفول عنه أو الكفيل. وليس هذا الفسخ للمكفول عنه ولا للكفيل.