المساقاة
تعريفها:
المساقاة مفاعلة من السقي، وهذه المفاعلة على غير بابها.
وسميت بهذه التسمية لأن شجر أهل الحجاز أكثر حاجة إلى السقي لأنها تسقى من الابار، فسميت بهذه التسمية.
وهي في الشرع دفع الشجر لمن يقوم بسقيه ويتعهده حتى يبلغ تمام نضجه نظير جزء معلوم من ثمره.
فهي شركة زراعية على استثمار الشجر يكون فيها الشجر من جانب، والعمل في الشجر من جانب، والثمرة الحاصلة مشتركة بينهما بنسبة يتفق عليها المتعاقدان كالنصف والثلث ونحو ذلك.
ويسمى العامل بالمساقي، والطرف الاخر يسمى برب الشجر.
والشجر يطلق على كل ما غرس ليبقى في الأرض سنة فأكثر من كل ما ليس لقطعه مدة ونهاية معلومة، سواء أكان مثمرا أم غير مثمر.
وتكون المساقاة على غير المثمر نظير ما يأخذه المساقي من السعف والحطب ونحوها.
.مشروعيتها:
والمساقاة مشروعة بالسنة، وقد اتفق الفقهاء على جوازها للحاجة إليها، ما عدا أبا حنيفة الذي رأى أنها لا تجوز.
وقد استدل الجمهور من العلماء على جوازها بما يأتي:
1- روى مسلم عن ابن عمر أن النبي، صلى الله عليه وسلم، عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع.
2- وروى البخاري أن الانصار قالت للنبي، صلى الله عليه وسلم: اقسم بيننا وبين إخواننا النخيل.
قال: لا. فقالوا: تكفونا المؤونة ونشرككم في الثمرة؟ قالوا: سمعنا وأطعنا.
أي أن الانصار أرادوا أن يشركوا معهم المهاجرين في النخيل فعرضوا ذلك على الرسول، صلى الله عليه وسلم، فأبى، فعرضوا أن يتولوا أمره ولهم الشطر فأجابهم.
وفي نيل الاوطار: قال الحازمي: روي عن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، وعبد الله بن مسعود وعمار بن ياسر وسعيد بن المسيب ومحمد بن سيرين وعمر بن عبد العزيز وابن أبي ليلى وابن شهاب الزهري، ومن أهل الرأي أبو يوسف القاضي، ومحمد بن الحسن، فقالوا: تجوز المزارعة والمساقاة بجزء من الثمر أو الزرع قالوا: ويجوز العقد على المزارعة والمساقاة مجتمعين، فتساقيه على النخل وتزارعه على الأرض كما جري في خيبر.
ويجوز العقد على كل واحدة منها منفردة.
.أركانها:
والمساقاة لها ركنان:
1- الايجاب.
2- القبول.
وتنعقد بكل ما يدل عليها من القول أو الكتابة أو الاشارة ما دام ذلك صادرا ممن يجوز تصرفهم.
.شروطها:
ويشترط في المساقاة الشروط الاتية:
1- أن يكون الشجر المساقى عليه معلوما بالرؤية أو بالصفة التي لا يختلف معها، لأنه لا يصح العقد على مجهول.
2- أن تكون مدتها معلومة، لأنها عقد لازم يشبه عقد الايجار، وحتى ينتفي الغرر.
وقال أبو يوسف ومحمد: إن بيان المدة ليس بشرط في المساقاة استحسانا، لأن وقت إدراك الثمر معلوم غالبا ولا يتفاوت تفاوتا يعتد به.
وممن قال بعدم اشتراط هذا الشرط الظاهرية، واستدلوا بما رواه مالك مرسلا، أن الرسول، صلى الله عليه وسلم، قال لليهود: «أقركم ما أقركم الله».
وعند الأحناف أنه متى انتهت مدة المساقاة قبل نضج الثمر تترك الاشجار للعامل ليعمل فيها بلا أجر إلى أن ينضج.
3- أن يكون عقد المساقاة قبل بدو الصلاح، لأنها في هذه الحال تفتقر إلى عمل. أما بعد بدو الصلاح، فمن الفقهاء من رأى أن المساقاة لا تجوز، لأنه لا ضرورة تدعو إليها. ولو وقعت، لكانت إجارة لا مساقاة. ومنهم من جوزها في هذه الحال، لأنها إذا جازت قبل أن يخلق الله الثمر فهي بعد بدو الثمر أولى.
4- أن يكون للعامل جزء مشاع معلوم من الثمرة، أي يكون نصيبه معلوما بالجزئية: كالنصف والثلث، فلو شرط له أو لصاحب الشجر نخلات معينة أو قدرا معينا بطلت.
وقال في بداية المجتهد: واتفق القائلون بالمساقاة على أنه إن كانت النفقة كلها على رب الحائط وليس على العامل إلا ما يعمل بيده أن ذلك لا يجوز، لأنها إجارة بما لم يخلق.
ومتى فقد شرط من هذه الشروط انفسخ العقد وفسدت المساقاة، فإن كان قد مضى فيها المساقي ونما الشجر أو الزرع بعمله فله أجر مثله، ونماء الشجر أو الزرع لمالكه.
.ما تجوز فيه المساقاة:
اختلف الفقهاء فيما تجوز عليه المساقاة.
فمنهم من قصرها على النخل كداود، ومنه من زاد على النخل العنب كالشافعي، ومنهم من توسع في هذا كالأحناف، فعندهم تصح على الشجر والكروم والبقول وكل ما له أصول في الأرض ليس لقلعها نهاية معلومة، بل كلما جزت نبتت، وذلك كالكراث والقصب الفارسي.
وإذا لم تبين المدة وقع العقد على أول جز يحصل بعد العقد. وتصح أيضا على ما تتلاحق آحاده وتظهر شيئا فشيئا كالباذنجان.
ولو دفع شخص لاخر رطبة انتهى جذاذها على أن يقوم بخدمتها وسقيها حتى يخرج بذرها ويكون بينهما أنصافا جاز ذلك بلا بيان المدة.
وعند مالك أنها تجوز في كل أصل ثابت، كالرمان والتين والزيتون وما أشبه ذلك من غير ضرورة، وتكون في الاصول غير النابتة كالمقاثي والبطيخ مع عجز صاحبها عنها، وكذلك الزرع. وعند الحنابلة تجوز المساقاة في كل ثمر مأكول.
قال في المغني: وتصح المساقاة على البعلي من الشجر، كما تجوز فيما يحتاج إلى سقي، وبهذا قال مالك.
قال: ولا نعلم فيه خلافا.
وظيفة المساقي: ووظيفة عامل المساقاة - كما قال النووي: أن عليه كل ما يحتاج إليه في إصلاح الثمر، واستزادته مما يتكرر كل سنة: كالسقي وتنقية الأنهار وإصلاح منابت الشجر وتلقيحه وتنحية الحشيش والقضبان عنه وحفظ الثمرة وجذاذها ونحو ذلك.
وأما ما يقصد به حفظ الاصل ولا يتكرر كل سنة. كبناء الحيطان وحفر الأنهار فعلى المالك.
.عجز العامل عن العمل:
إذا وجد عذر يمنع العامل من العمل، كأن يمرض أو تصيبه عاهة أو يسافر سفرا اضطراريا فإن المساقاة تفسخ.
وهذا في حالة ما إذا كان الطرف الاخر قد اشترط عليه أن يعمل بنفسه.
فإذا لم يكن قد اشترط عليه هذا الشرط فإن المساقاة لا تنفسخ بل على العامل أن يقيم غيره مقامه وهذا عند الأحناف.
وقال مالك: إذا عجز العامل وقد حل بيع الثمر لم يكن له أن يساقي غيره، ووجب عليه أن يستأجر من يعمل.
وإن لم يكن له شيء استؤجر من نصيبه من الثمر.
وقال الشافعي: تنفسخ المساقاة بالعجز.
.موت أحد المتعاقدين:
إذا مات أحد المتعاقدين فإن كان في الشجر ثمر لم يبد صلاحه فلرعاية مصلحة الطرفين يستمر العامل أو ورثته على العمل حتى ينضج الثمر، ولو جبرا على صاحب الشجر أو ورثته، لأنه لا ضرر على أحد في ذلك، وليس للعامل أجرة في المدة التي بين انفساخ العقد ونضج الثمر.
وإذا امتنع العامل أو ورثته عن العمل بعد انتهاء المدة أو انفساخ العقد لا يجبرون عليه، ولكنهم إذا أرادوا قطع الثمر قبل نضجه فلا يمكنون منه، وإنما يكون الحق للمالك أو ورثته في أحد ثلاثة أشياء:
1- الموافقة على قطع الثمر وقسمته حسب الاتفاق.
2- إعطاء العامل أو ورثته من النقود قيمة ما يخص نصيبهم وهو مستحق القطع.
3- الانفاق على الشجر حتى ينضج الثمر ثم الرجوع على المساقي أو ورثته بما أنفق أو يأخذ به ثمارا من نصيبه. وهذا مذهب الأحناف.