الأحد، 25 مارس 2012

موسوعة العقيدة - أسماء الله الحسنى : الحكيم

الحكيم

 مع الاسم الرابع والعشرين من أسماء الله الحسنى والاسم هو اسم الحكيم.
 أيها القارئ الكريم، أسماء الله الحسنى كثيرة، وردت في الآثار الصحيحة أنها تسعة وتسعون اسماً، وأسماء الله كلها حُسنى، لأنَّ الله سبحانه وتعالى موجود وواحد وكامل وكل صفات الله عز وجل يمكن أن تتلخص في عبارات ثلاث، موجود، واجب الوجود، واحد في ذاته، واحد في صفاته، واحد في أفعاله، كامل كمالاً مطلقاً، ولكن بعض هذه الأسماء أقرب للعبد من بعضها الآخر، فأقرب أسماء الله الحسنى إلى العباد اسم الرب، لأنه ربهم، قال تعالى:
﴿وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48)﴾
(سورة الطور)
 ويعني هذا الحُكم حُكم المربي، حُكم الذي يعلم، وحُكم الرحيم، حُكم الحكيم، واسم الحكيم هو من أقرب الأسماء إلى الإنسان كذلك بالإضافة إلى اسم " الرب " كما بينت قبل أسطر قليلة.
 لماذا قدّمت هذه المقدمة ؟ لأنَّ الإنسان أحياناً يرى ما لا يُرضيه، إذ يسوق الله له ما لا يسره، وما لا يعجبه، فإما أن يسخط على ربه وعلى قضائه وقدره ؛ فهو الجهل المطبق، وإما أن يرضى عن ربه وعن قضائه وعن قدره فهو العلم السديد الرائع.
 ولابد من أن يعلم الإنسان أنه ما من شيء يقع في الكون منذ أن خُلق هذا الكون وحتى نهايته إلا بإرادة الله، لأنه إذا وقع شيء من دون إرادته إذاً فليسَ الله هو القهار وليس هو الجبار وليس هو القوي وليس هو الغني، ويكفي أن يقع شيء واحدٌ في الكون من دون إرادته حتى تتعطل أسماؤه الحُسنى إذاً، لا يقع في الكون الذي هو ملكه، ولا يقع في ملكه إلا ما قد أراده.
 وإني لأستميح القارئ الكريم عذراً لأن هذه الفكرة أعيدها كثيراً، ولأنَّ الله سبحانه وتعالى يعيد الحقائق الأساسية في القرآن كثيراً، وأنت تقرأ الفاتحة في كل صلاة، تقرؤها وتعيدها منذ أن كُلفت بالصلاة وحتى نهاية الأجل، وتكررها عشرات المرات يومياً في صلاتك.
﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)﴾
(الفاتحة)
 ما من شيء وقع في الكون إلا أراده الله، وإذا أراد الله شيئاً وقع وليسَ في الكون مسيطر إلا الله، هذا هو التوحيد، إذ ليس في الكون إلا يدٌ واحدة هي المسيطرة وهي الحكيمة وهي القديرة، ترفع، و تخفض، و تُعطي، و تمنع، وتُعز، وتُذل، و تَبسُط و تقبض.
 كل شيء وقع أراده الله وكل شيء أراده الله وقع، وإرادة الله متعلّقة بالحكمة، حتى يتضّح الأمر ؛ فقد يقول الإنسان شيئاً ليس قانعاً به إما بضغط، أو بإغراء، فإن قال كذا وكذا يرتقي، و أن يقل كذا وكذا مع الضغط عليه، فقد يكون قوله مجانباً للحِكمة، لأنه وقع في شِباك الإغراء أو في شِباك الإكراه، و الإنسان ضعيف بين الإغراء والإكراه، فتارةً يُكره وتارةً يُغرى، فإذا أُكره فَقَدَ الحِكمة، وإذا رغب فَقَدَ الحِكمة، إذاً ربما تصرف الإنسان تصرفاً غير حكيم لأنه قد ضُغط عليه أو أغريَّ بشيءٍ من حِطام الدنيا، وقد يتصرف الإنسان تصرفاً غير حكيم لأنه قد يكون جاهلاً، فالطيشُ والحُمق والخرقُ يأتي من الجهل، فأنت بين جهل وبين ضغط وبين إغراء تفقد الحِكمة، ففي حالات الجهل والضغط والرغبة كثيراً ما يجانب الإنسان الحِكمة ويفقدها.
 والجهل والإكراه والرغبة هذه حالات تستحيل على جلال الله عز وجل، فلا إله آخر يضغط، وكل رغبة وجهل وإكراه يغري لا اعتبار له.
 إذاً: أفعال الله سبحانه وتعالى كُلُها متعلّقِة بالحِكمة، والحِكمة عند ربنا عز وجل متعلّقة بالخير المُطلق.
 ولتأخذوا عني أيها القراء الكرام هذه الكلمات القليلة: إنَّ كلَّ شيٍء وقع أراده الله وإن كل شيءٍ أراده الله وقع، وإن أفعاله تتعلق بالحِكمة المُطلقة، وإن حِكمتَهُ المطلقة تتعلق بالخير المطلق، واللهِ لو أنّا فهمنا هذه الكلمات واستوعبناها وعقَلناها وعشنا معانيها لتلاشت كل الأحزان في حياتنا.
لكل شيء حقيقية، وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه، فالغلط مجاله بين البشر، أما في حق خالق البشر فهو يستحيل. والذي يبدو لك غلطاً وخطأً وظُلماً هو عند الله حِكمة بالغة، وإنني أضرب مثلاً:
فتاة نالت شهادة ثانوية وهي تبحث عن وظيفة، هناك مسابقة لوظيفة معلمة فتقدمت إليها، فطولبت بشهادة صحية فتوجهت إلى مستشفى حكومي لتفحص صدرها، فجاءت النتيجة أنها مصابة بمرض السل ! بكت وبكت وبكى من حولها، ومن حولها خافوا من العدوى فابتعدوا عنها وتركوها تأكل وحدها، وأعطوها أدوات خاصة بها، وتوجّسوا منها خيفة وازدادت بهذه العزلة ألماً إلى أن قررت أن تتوب إلى الله، وأن تصلي وأن تتحجب، ثم راجع أخوها المستشفى بعد حين، فإذا هم يعتذرون إذ هذه النتيجة ليست لها بل لغيرها، فهي سليمة! خطأ الموظف إذاً وظفه الله عز وجل كي تتوب هذه الفتاة.
 وهناك أخت كريمة تحضر معنا الدروس في جامع النابلسي، هكذا سمعت وعلمت أنها كانت معارةً إلى بلد نفطي للتدريس، واختصاصها رياضيات، عُيّنت في مدرسة في أطراف المملكة، والمديرة أمرتها أن تُدرّس تفسيراً وفقهاً، فقالت لها معتذرةً: اختصاصي رياضيات، فكيف تريدينني أن أدخل إلى صف ثالث ثانوي وأدرسهنَّ تفسيراً وفقهاً ؟ وأنا لا أفقه شيئاً من هذه الموضوعات، قالت لها: إما أن تدخلي وتدرسي هذه المواد أو نلغي عقدك، فدخلت هذه المدرسة، وفتحت كتاب التفسير، وأول آيات التفسير آيات الحجاب، ولم تكن الفتاة تؤمن بالحجاب فقرأت الآيات و قرأت التفاسير، فانهمرت عيناها بالدموع: اعتذرت من الطالبات، وقالت لهن دعنني هذه الساعة مع نفسي واقرأن ما بدا لكن، وكانت توبتها حينما أُجبرت أن تقرأ هذه الآيات وأن تُفسِّرها للطالبات، إذاً حُمقُ هذه المديرة وظفه الله عز وجل لصالح هذه المُدرِّسة.
 يعني كل شيء وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع، وإرادته متعلّقة بالحِكمة المطلقة، وحِكمته متعلّقة بالخير المُطلق، وهذه حادثةَ من حوادث، ولتعلم من قبل ومن بعد لو أن ورقة سقطت من شجرة فذلك لحِكمة بالغة.. فما قولنا فيما فوق هذه الحادثة، الظلم في النفوس فقط، والظالم سوط الله ينتقم به ثم ينتقم منه، ولذلك فكل قصة فيها عشرة فصول مثلاً، فقد نعرف فصلاً واحداً فلا يكفي، وقد نعرف فصلين أو ثلاثة أو أربعة وهذا لا يكفي، فلسنا مؤهلين أن نحكُم على هذه القصة إلا إذا عرفنا كل الفصول.
 إذاً: أقرب اسم من أسماء الله الحسنى إليك، اسم الرب واسم الحكيم وقد تتساءل: لماذا فلان يُعاني من هذه المتاعب في جسده ؟.. فقُلْ لحِكمةٍ بالغة ولا تخف، ولو كان لديك وقت طويل ونفَس طويل وبحث دقيق لمتابعة أمره لوجدت أنه ليس في الإمكان أبدع مما كان.
 قد يتساءل آخر: لماذا فلان كان عقيماً ؟ لحِكمة بالغة.. ولماذا فلان مات في سن مبكرة ؟ لحِكمة بالغة.. لماذا فلان عاش عمراً مديداً ؟ لحِكمة بالغة.. ولماذا فلان كان غنياً ؟ لحِكمة بالغة.. ولماذا فلان كان فقيراً ؟ لحِكمة بالغة.. فأنا أذكر كل هذا وأنا واثق مما أقوله، وأي شيء أعجبك أو لم يعجبك فقل لابد من حِكمة بالغة، لأنَّ الله سبحانه وتعالى لا يُمكن أن يتصرّف بلا حِكمة، لأنه عليم، ولأنه واحد ولأنه موجود ولأنه كامل.
 موجود واجب الوجود، فإذا قلت أين الله ؟.. فسؤالك يعني أنه غير موجود.. بل هو موجود.
﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42)﴾
(سورة إبراهيم)
 هو موجود وواحد، وليس مع وجوده وجود، وكامل، ومن كماله أنه حكيم... هذه مقدمة.
 وبعد، فكلمة الحكيم وردت في القرآن الكريم ثمانياً وثلاثين مرة، قال تعالى:
﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(27)﴾
(سورة لقمان)
 وكذلك فهناك بحث قائم بذاته يحسن بنا أن نلفت نظر القارئ إليه. فحينما تأتي الأسماء مثنى مثنى:
﴿ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾
﴿وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعاً حَكِيماً (130)﴾
(سورة النساء من الآية 130)
﴿وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (19)﴾
(سورة الفتح)
﴿ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾
﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10)﴾
(سورة الممتحنة)
﴿إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (6)﴾
(سورة يوسف)
﴿الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1)﴾
( سورة هود)
﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (10)﴾
(سورة النور)
﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)﴾
(سورة فصلت)
﴿إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51)﴾
(سورة الشورى )
 هكذا جاءت الأسماء في سياق الآيات القرآنية فأحذر أن تلتبس عليك الأمور، لأن هذا مزلق خطير ؛ مثل أن تقول حكيم لأنه عليم، فلا يمكن في علم التوحيد أن يُعلّق اسم على اسم، فحكيم لأنه حكيم، وعليم لأنه عليم، لا يفتقر اسم إلى اسم في أسماء الله الحسنى، واسع وحكيم، إذا قلت حكيم لأنه واسع، لا. ثم لا.. واسع لأنه واسع وحكيم لأنه حكيم.
 وكلمة حكيم وُصِف بها القرآن الكريم، قال تعالى:
﴿الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (1)﴾
(سورة يونس)
﴿يس (1) وَالْقُرْآَنِ الْحَكِيمِ (2)﴾
(سورة يس)
 وقال سبحانه:
 لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ
﴿كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164)﴾
(سورة آل عمران)
﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129)﴾
(سورة البقرة)
 وقال بعض العلماء في تفسير كلمة الحكمة: " إن الحِكمة إذا قرنت بكلمة الكتاب، فهي سنة رسول الله " وهذا أروع تفسير، وأدقّ تفصيل وأوضح تبيين هو كلام سيد المرسلين، والحِكمة أيضاً جُعلت أسلوباً في الدعوة إلى الله، قال تعالى:
﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)﴾
(سورة النحل آية 125)
 والحِكمة يمكن أن يؤتاها الإنسان، وأقول: لو أنَّ الله عز وجل آتاك أجمل امرأة في الأرض ولم يؤتِكَ الحِكمة لجعلتها أسوأ امرأة، ولو أعطاك مال قارون ولم يؤتِكَ الحِكمة لبُدِّد هذا المال ولكان حسرةً عليك يوم القيامة، ولو أعطاك صِحةً رائعة ولم يؤتِكَ الحِكمة لاستهلكت هذه الصحة في سفاسف الأمور، و لو أعطاك أولاداً نجباء ولم تكن حكيماً لكانوا زادك إلى النار. فأي شيء إذا أُعطيته من دون حِكمة كان حسرةً عليك يوم القيامة، ولهذا قال الله عز وجل:
﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269)﴾
(سورة البقرة)
 فأنت بالحِكمة يمكن أن تكون أسعد الناس بدخلٍ قليل، وبالحُمق تشقى بالدخل الكثير، وبالحِكمة تَسعَد بزوجة من الدرجة الخامسة، وبالحُمق تشقى بزوجة من الدرجة الأولى. بالحِكمة ترقى بأولادٍ ضِعاف، وبالحُمق تسفل بأولادٍ نجباء، نعم.. لا يكون الرفق في شيء إلا زانه، ولا يُنزع من شيء إلا شانه.
 لذلك أذكر وأكرر أن الله قد يؤتيك مال قارون وهو لا يحبك قال تعالى:
﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآَتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76)﴾
(سورة القصص)
 آتاه الله المال وهو لا يحبه، وقد تكون قوياً والله لا يحبك، قال تعالى:
﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4)﴾
(سورة القصص)
 إذاً: قد يؤتيك الله المال وهو لا يحبك، وقد يؤتيك الله القوة وهو لا يحبك، أما إذا أحبك فعلاً فسيؤتيك العلم والحِكمة، قال تعالى:
﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آَتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14)﴾
(سورة القصص)
 فأنت من المؤمنين إن شاء الله تعالى فانظر بماذا تفضّلَ الله به عليك، إن تفضّلَ الله عليكَ بالحِكمة والعلم فهذا العطاء من نوع عطاء الأنبياء، وإن زادكَ مالاً فالحمدُ لله، وإن زادك صحةً فالحمدُ لله، وإن زادكَ قوةً فالحمدُ لله، لكن الأصل أن تكون حكيماً عليماً.
 يقول الإمام الغزالي رحمه الله تعالى: " من عرف جميع الأشياء ولم يعرف الله عز وجل لا يُسمى حكيماً ".. " وهذا المعنى قائم بنفسي منذ أمد طويل"
 ولقد اجتمعت مرةً مع شخص يحمل شهادة الدكتوراه في التربية والدكتوراه في العلوم الفيزيائية، فحسبته جمع المجد من طرفيه دكتوراه في التربية، علوم إنسانية، ودكتوراه في العلوم الفيزيائية، وفي أثناء اللقاء أخبروني: أنه لا يصلي، وهو في الخمسين، والله الذي لا إله إلا هو سقط من عيني كما يسقط النجم إلى الأرض، أوكل هذا العِلم وأنتَ لا تُصلي ؟ فهذا الإله العظيم ألا يستحق أن تعبده ؟.
 يقول الإمام الغزالي: " من عرف جميع الأشياء ولم يعرف الله عز وجل لا يستحق أن يسمى حكيماً ".
 وأنا بدوري أُعبّر عن هذا المعنى بالشكل التالي، إن الذكاء ذكاءان، ذكاء جزئي وذكاء شمولي، فهذا من حيث الذكاء الجزئي طبيب متبحّر في العلوم دقيق الفهم لمّاح الحِكم، قوي الحافظة، ولكنه يعصي الله لأنه لم يُفكّر فيما بعد الموت، ولأنه لم يُفكّر فيمن خلقه، ولأنه لم يُفكّر في منهج هذا الخالق العظيم، ولأنه لم يطمح إلى مرضاة الله عز وجل، ولأنه لم يرَ عظمة الخلق ولم يرَ من خِلالها عظمة الخالق، فهو مدموغ بالغباء ولو كان من أذكى الأذكياء.
 إذاً حق أن نقول: هناك ذكاء جزئي يتعلق بالجزئيات، وهناك ذكاء شمولي يتعلّق بالكليات، فأنت إذا غفلت عن ربك وخرجت عن منهجه وانغمست في الشهوات، ولو كُنتَ في اختصاصك في القِمة، و في فرعك العلمي في الأوج، ولو حصَّلْتَ أعلى الشهادات، فإن دمغة الغباء سمتك الأولى.
 و الناس هو معروف يهنئ بعضهم بعضاً دائماً، فتهنئةٌ بشراء منزل، وتهنئة بنيل منصب، وتهنئة بنيل شهادة عليمة، وتهنئة بمولود، وتهنئة بزواج، وتهنئة بشراء مركبة، وتهنئة بسفرة ببعثة إلى خارج بلدك.. أما أنا فوالله لا أرى أن كلمة التهنئة تُقال على حقيقتها إلا إذا اصطلحتَ مع الله حقاً وصدقاً.
 كان بعض الشيوخ إذا رأى تلميذه قد اصطَلَحَ مع الله تماماً وأقبل عليه يقول له: هنيئاً لك يا ولدي.
﴿الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7)﴾
(سورة الإنفطار)
 كيف تنساه ؟ وهذا بعض العارفين: يقول " يا رب ماذا فقد من وجدك ؟ وماذا وجد من فقدك ؟ "، هذا كلام بليغ ! وكذلك يقولون: إذا كان الله معك فمن عليك، وإذا كان عليك فمن معك.. فهذا كلام أبلغ.
 والسؤال المطروح الآن هو: إذا تعلّمت علماً، فشرف المُتعلّم من شرف العِلم، ولو تصورّت إنساناً يقرأ في كتاب أصول سرقة البنوك مثلاً، فأنت تراه يقرأ كتاباً ويتعلّم ؛ ألا تحتقر هذا العلم ؟، ولو افترضناه كتاباً مؤلفاً حول طريقة تزوير العملة مثلاً وهو عاكف على هذا الكتاب ويدرسه بنهم وشغف، ويضع خطوطاً ويُلّخص فقراته ألا تحتقر هذا الجهد كله ؟ بلى، لأن هذا الموضوع دنيء وإجرامي.
 إذاً: شرف المتعلّم من شرف العِلم الذي يتعلّمه، وكلما ارتقى العِلم ارتقى المُتعلّم، فمن الناس من يتعلم القوانين المتعلّقة بالفيزياء، وهناك قوانين الكيمياء، وقوانين الفَلَك، وقوانين الجيولوجيا، وقوانين التاريخ، والظواهر التاريخية، وقوانين النفس، وقوانين علم النفس، وعلم الاجتماع، وعلم الذرّة، وعلم الفيزياء، وعلم الكيمياء، طبعاً الفيزياء صوت وحرارة وكهرباء ومغناطيس وضوء، والكيمياء عضوية ولا عضوية فهذه كلها علوم قد تسمو بصاحبها.
 فإذا كان المُتعلّم يعلو في نظر الناس كلما ارتقى علمُهُ، إذ يُقال لك فلان يحمل اختصاصاً نادراً، وفلان مثله، بينما خمسة آلاف حقوقي بلا عمل، فهذا حائز على شهادة الحقوق، والحقوق اختصاص رائع جداً، ولكن لكثرة الاختصاص ولعطالة أصحابه ربما رأيت هذا الفرع فرعاً سهلاً، وكلما كان الفرع أصعب منالاً وأعظم فائدةً، كان أجدى على صاحبه نفعاً، يطلب مثلاً ثمانين ألفاً بالشهر، فهو ذو اختصاص نادر.
 أما هذا الذي تعرف إلى الله فما حاله ؟ فهذا السؤال وجيه حقاً، إن الذي تعرف إلى بعض الحقائق عن بعض المخلوقات يرقى في نظر الناس، فكيف إذا كان موضوع المعرفة هو الله ؟ فمثلاً إذا قرأت شعراً لأحد الشعراء ودرست الشعر وحللته، العاطفة والخيال والأسلوب والأفكار الدقيقة وتسلسل الأفكار وعمقها وواقعيتها كنت مرموقاً عند أهل الاختصاص، فكيف إذا حللت كلام الله عز وجل، فلذلك كلما ارتقى اختصاصك ارتقت مكانتك، فمن اشتغل بغير الله لا يُسمى حكيماً.
 وما أكثر ما ذكرت أن كلَّ علم ممتع، وهناك عِلمٌ ممتع ونافع، وهناك عِلمٌ ممتع ونافع ومُسعد، إن العلم بالله وحده هو العِلم المُمتع النافع المُسعد، والاختصاص النادر هو العلم المُمتع النافع، وأيّ علم مُمتع، وأي كتاب إذا قرأته تستمتع به، لأن العلم ممتع، ونقل المعرفة عمل مقدّس، و كلما ارتقيت بهذه المعرفة إلى المستوى الذي يُرضي الله عز وجل كلما ارتفعت معه.
قال بعض العلماء: " من عرف الله كان كلامه مخالفاً لكلام غيره " وهل يمكن لإنسان يعرف الله أن يَسهرَ سهرةً إلى الساعة الواحدةُ ويكون الحديث خلالها عن الطعام مثلاً، فيستهلك خمس ساعات من عمره بدداً أو في لعب النرد أو في الشطرنج أو الطاولة، أو الحديث عن زيد أو عبيد، فمستحيل ذلك إلا عند صغار الهمم.
 لكن " من عرف الله عز وجل كان كلامه مخالفاً لكلام غيره "، كلامه مقدّس، كلامه في الكُليّات، وفي الأصول، و في الأهداف الكبرى، وكلامه في السمو.. وكل إناء بالذي فيه ينضح.
 كنت ضربت مثلاً، هناك أوعية تعبأ من أعلاها ولها صنبور في أسفلها، فأت لا تصدق أن يخرج من الصنبور سائل يخالف ما في هذا الإناء أبداً، فإن عبأته ماء يخرج من أسفله ماء وإن عبأته لبناً تجد لبناً، و إن عبأته ليموناً تلق ليموناً، وإن عبأته مثلاً ماء زهر، تجد ماء زهر، وإن عبأته ماء آسناً، خرج ماء آسناً فكل إنسان له منهل يَنهَلُ منه وله ما يَخرُجُ منه، والإنسان كلامه يتحدث عما فيه، ونفسه وعاء امتلأ.
 فإذا كانت ثقافة الإنسان حصاد مجلات وقصص ومسلسلات، وتكلم، فتسمع يقول لك: فلانة طُلقت، وفلانة خانت زوجها، ونحو ذلك إذ ليس عنده شيء آخر، بل كل معلوماته مورد هذا الإناء الذي عبأه من أخبار هؤلاء الساقطين والساقطات، فلو أراد أن يتحدث لما فاض إلا بما امتلأ.
 فلو أن الإنسان عبأ وعاءَهُ من أخبار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبأه من دقائق السُنّة المطهرة، ومن بطولات من عاصر النبي عليه الصلاة والسلام، وعبأ وعاءَهُ من العلم الشريف الذي يرقى بالإنسان، ثم قيل له تفضل وتكلّم، فلن يتكلّم إلا بالحكم والدُرر والقرآن والحديث والتفسير والموعظة الحسنة والحقائق العلمية المتألقة والمشاعر الرقيقة، والموقف النبيلة، ولن يصدر عنه إلا الدر واللؤلؤ، فهذا الذي قاله الأسلاف ملأ به وعاء عقله: وكل إناء بالذي فيه ينضح.
وأخطر ما في الموضوع من أين تنهل ؟ ومن أين تشرب ؟ وما الذي يدخل إلى أذنك ومنه إلى قلبك ؟ وما الذي يدخل من بصرك ومنه إلى قلبك، لأن السمع والبصر نافذتان، فما تقرأْ يعرفكَ ويدل عليك من أنت ؟ وما تسمعْ ؟ ينبّأ مَن أنت ؟ قُل لي من تُجالس أقُل لكَ من أنت؟ وقل لي من تصحب أقُل لكَ من أنت ؟ ومن تصادق أقل لك من أنت ؟ فالمرء على دين خليله، ومن شيخُك، أقُل لكَ من أنت ؟ فهؤلاء مناهل.
 وهناك منهل ماء صافٍ، ومنهل ماء معسل، ومنهل ماء مزهر، ومنهل ماء آسن، فإذا كان الإنسان حديثه ساقطاً، ومزاحه جنسياً رخيصاً، وتعليقاته لاذعة، وكلماته بذيئة، فطابعها طابع المجاري الآسنة. لأنه ينهل من مياه المجارير فإذا فاض بشيء فلن يخرج منه إلا ماء آسن تفوح منه رائحة الزِنى والغدر والخيانة والأثرة والاستعلاء والعنجهية والقسوة، ولذلك فالإنسان منهي أن يتحدث عن أمثال هؤلاء، لأنَّ الحديث عن المنحرفين يقبض القلب، وبينما الحديث عن الصالحين يُعطّر المجلس.
 فمن حكم النبي عليه الصلاة والسلام:
(( رأس الحكمة مخافة الله ))
 إن لم تخف الله عز وجل فأنت لا تعرف من الحكمة شيئاً.
 الكيّس العاقل من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني، فالعاجز يعيش لحظته، ويعيش حظوظه، وميوله، و رغباته، أما الكيّس فيعيش حياة ما بعد الموت يُعِدُّ لها منذ الآن.
 ما قلَّ وكفى خير مما كثُرَ وألهى، سألت إنساناً كيف وضعك؟ فقال: وسط الحمد لله، لقد أصابتنا دعوةُ مَن دعا علينا، قلت: خير فمن دعا عليك ؟ قال رسول الله، قلت: ما هذا الكلام معاذ الله ؟ قال: ألم يقل النبي عليه الصلاة والسلام:
((اللهم من أحبني فاجعل رزقه كفافاً ))
 قلت: والله هذا صحيح ومعك حق، فعلاً، النبي يقول:
((من أحبني فاجعل رزقه كفافاً ))
 يعني ما يكفيه لا ما يطغيه، ولا ما يلهيه، أجل، ما يكفيه، إذ غاية كل حاجاتك أن تكون صحيح البدن مكتفياً، تقطُن في بيت، الحاجات الأساسية فيه موفورة ! هذا هو الغِنى، أمّا أن تفهم الغِنى أن يزداد الرقم الذي تملكه، فهذا ليس هو الغِنى.
 قال عليه الصلاة والسلام:
(( من أصبح معافى في بدنهِ آمناً في سربه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها. ))
 كُن ورعاً تكن أعبدَ الناس، وكُن قانعاً تكُن أشكر الناس، ومن حُسِنِ إسلام المرء تركُهُ مالا يعنيه، والسعيد من وُعِظَ بغيره، والصمت حِكمة وقليلٌ فاعِلُهُ، والقناعة كنز لا ينفد، والصبر نصف الإيمان، واليقين الإيمان كله، وهذه كلها من حكمة النبي عليه الصلاة والسلام.
 والحقيقة هذه الحِكم مبذولةٌ بينَ أيدينا، فيمكن أن تشتري كتاباً في الحديث الشريف، فتجد الحكم كلها فيه ولكن بين أن تقتني الكتاب وتقرؤه شيء، وبين أن تعيش هذه الحِكمة شيء آخر، البطولة أن تعيش هذه الحِكم، و أن تطبقها إلى واقع و مشاعر ومواقف و سلوك.
 الآن نعود إلى اسم الحكيم بالشكل المنهجي، لاسم الحكيم معانٍ ثلاثة أساسية:
 المعنى الأول: اسم الحكيم على وزن فعيل، بمعنى مُفعل تقول جرح أليم بمعنى مؤلم، وفعيل بمعنى مُفعل، فحكيم بمعنى مُحكم ومعنى المُحكم المُتقن، والمتقن هو المقدِّر التقدير الصحيح.
 فلو أن إنساناً قص قطعة خشب مثلاً بأقل من اثني مليمتر فإنك تنزعج لأنها قصرت ولو كان تقديره حكيماً وصحيحاً لجاءت الصنعة مُحكمةً من كلمة مُحكم فهي متعلقة بالتقدير، وكلما دقَّ التقدير أُحكِمت الصنعة.
 تجد بعض الآلات غالية جداً ولا ترى فيها عيباً أبداً ولا نقصاً ولا لميلمتر واحد، فالآلات من الدرجة الخامسة، تراها ذات عيوب كثيرة، فيقال لك هذا النقص مثلاً لا يُؤثر، ونقصه مقبول، أو سلبيته طفيفة محتملة، فهذه ليست صنعة مُحكمة، إذ نرى الأجانب يأخذون عشرة أضعاف أو مائة ضعف عما نصنعه نحن وذلك لإتقان عملهم.
 حدثني أخ يعمل في المنسوجات، قال إن آلة استقدمناها من بلد غربي نبيع الثوب كله من إنتاجها بمئتي ليرة، والآلة نفسها في بلد آخر نشتري المتر الواحد بسبعمائة ليرة ! المتر الواحد من إنتاج هذه الآلة بسبعمائة ليرة وبينما الثوب بأكمله بمئتي ليرة والآلة واحدة، والفرق هو الإتقان.
 فلذلك معنى حكيم أي مُحكِم، ومعنى مُحكِم أي مُتقن، وأصل الإتقان من دقة التقدير، إذاً: ربنا عز وجل خلق كل شيء فقدره تقديراً قال تعالى:
﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49)﴾
(سورة القمر)
 وأنت عد إلى جسمك، فالدم الذي تنبض به عروقك فيه ملح بنسبة سبعة بالألف إلى ثمانية، إذا قلَّت النسبة عن هذا الرقم تنكمش الكريّات ويموت الإنسان، وإذا زادت تنفجر الكريات، من جعل نسبة الملح في الدم ثابتة ؟ الفضل لله عز وجل، إذ إن الكُلية إذا زادت نسبة الملح في الدم تفرز الزائد، وإذا قلّت تحتفظ وتدخر، يعني الكُلية هي التي تَزِن السائل الدموي أو البلازما بميزان دقيق.
 هناك هرمون التجلّط يُفِرزُهُ الكبد، وهرمون التمييع، من إفراز الهرمونين معاً، ومن ثبات النسبة بينهما ثباتاً دقيقاً تنشأ ميوعة الدم وسيولته وقد قيل لو زاد هرمون التجلّط عن الحد الذي رسمه الله عز وجل لأصبح الدم كالوحل في الأوردة والشرايين ولمات الإنسان، ولو زادت نسبة هرمون التمييع عن حدها الذي رسمه الله عز وجل لنزف دم الإنسان كله من ثقب دبوس.
 لي صديق توفي رحمه الله تعالى، زرته في المشفى، فوجدت أمام فمه لصاقات طبية لا أبالغ قرابة ثمانية سنتمتر، فقلت: خيراً إن شاء الله، قال عندي نقص في الصفائح الدموية، والصفائح الدموية تماماً مثل أحجار البناء، إذا حصل ثقب في البناء تسده، وهذا سببه رعاف أذهب معه الصفائح لديه، وكلما أزلت اللصاقات فالدم ينزف، إذ لم يبق في دمه صفائح دموية، وفي الميلمتر المكعب عادةًَ سبعمائة ألف صفيحة تقريباً، وهذه الصفائح تسد أي خرق في الأوردة.
 إذاً: ما هذه الحِكمة ؟ وهذه معلومات قديمة ؛ وإخوتنا الأطباء الذين يدرسون حديثاً، يعرفون أشياء مذهلة، إنها حكمة الله الخالق الباريء.
 وهناك زُمر نسيجية، أحدث رقم: ملياران ونصف مليار زُمرة نسيجية في العالم، ولا يوجد إلا إنسان واحد في الأرض له زُمرة نسيجية تُشبه زمرتك، وعلى النُّوَيَّة خمسة آلاف مليون معلومة عُرف منها حتى الآن ثمانمائة معلومة فقط ! من المورثات وهذه حكمة، فإذاً ما معنى حكيم ؟ الحكيم يعنى مُحكِم، ومُحكِم بمعنى مُتقن، والمُتقن هو الذي قدّرَ الشيء فأحسنَ تقديره، قال تعالى:
﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً (2)﴾
(سورة الفرقان)
 إذاً: معنى الحكيم الذي أحسن كل شيء خلقه، هذا معنى قول الله عز وجل:
﴿الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقاً مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3)﴾
(سورة الملك )
 وبعد، انظر تر النملة في أكمل وضع، و الذبابة بأكمل وضع، والفيل بأكمل وضع، والمجرّة بأكمل وضع، والذرّة بأكمل وضع، وأيّ مخلوق بأكمل وضع هذا معنى الحكيم، وهذا هو المعنى الأول، الحكيم المُحكم.
 وتفسير هذا الاسم:
﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7)﴾
(سورة السجدة)
﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (8)﴾
(سورة الانفطار)
﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)﴾
(سورة التين)
 هذا معنى الحكيم، وسِرُّ الحكيم:
﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً (2)﴾
(سورة الفرقان )
﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49)﴾
(سورة القمر)
 ويسألونك مثلاً: هل قست ضغط عينك ؟ ما ضغط العين ؟ إنه شيء مذهل، إذ بالعين سائل، وهذا السائل لا بد من أن تجدده، فكيف يتجدد ؟ يصب عليه مورد وله فتحة في أسفله، فإذا سُدت هذه الفتحة تحتقن العين، ويزداد ضغطها فتضيق لمعة الشرايين المغذية لها، وأطباء العيون يقيسون ضغط العين.
 والدِقّة بالغة جداً، فلقد حدثني أخ طبيب ؛ أنهم أثناء عمليات القلب المفتوح يعطون بوتاسيوم بِنِسَب دقيقة جداً فلو زادت لمات المريض فوراً وقال لي: لو كنا نقوم بعملية لمريض وشخصت عيناه ومات فقد يقال: هناك خطأ بالبوتاسيوم، أو هناك شوارد بالدم.
 الموضوعات لا أتحدث عنها حديثاً علمياً كأمثلة فقط، بل هناك دقائق بخلق الإنسان وهي أشياء فوق التصور. وهذا أول معنى من معاني الحكيم.
 المعنى الثاني: الحِكمة عبارة عن معرفة أفضل المعلومات بأفضل العلوم، فهناك عِلمٌ مُطلق، والإنسان مهما تعلّم فإنه يقف على شاطئ بحر العلم، قال تعالى:
﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (76)﴾
(سورة يوسف)
 مهما تعلّم العالم المؤمن وارتقى علمه فإنه يقول: لم تبتل بعد قدماي ببحر المعرفة، ومن علامة العالِم الحقيقي أنه متواضعٌ، وكلما ازداد علماً ازداد تواضعاً، والإمام الشافعي رحمه الله تعالى يقول: " كلما ازددت علماً ازددت علماً بجهلي" فمن هو العليم عِلماً مُطلقاً ؟ الله لا غيره، الحكيم تُطلق على ذي العِلم المُطلق: العِلم الذي لا يعتوره خلل ولا جهل ولا شائبة، وما من إنسان يدّعي أنه بلغ العلم المُطلق، حتى في الحِرَف والمِهَن، وحتى الأطباء والعُلماء والمُهندسون، يرتكبون أغلاطاً كبيرة جداً، أما العِلم المُطلق فهو لله عز وجل، ولهذا يقول الإمام الغزالي " لا يعرف اللهَ إلا الله ".
 المعنى الثالث: الحكيم هو الذي يتنزّه عن فِعل ما لا ينبغي، يعني هو الذي يضع الشيء المُناسب بالقَدَر المُناسب وفي الوقت المُناسب وبالمكان المُناسب، فهذا معنى الحكيم، إذ لا نستطيع أن ننطق بكلمة ولا حرف زيادة عما يجب، فأحياناً فنضع الشيء المُناسب ولكن بحجم غير مُناسب، وأحياناً أخرى نضع الشيء المُناسب بالقدْر المُناسب وفي وقتٍ غير مُناسب، وكذلك أحياناً نضع الشيء المُناسب بالقدر المُناسب وفي الوقت المُناسب و في مكان غير مُناسب، فالحكيم هو الذي يفعل ما ينبغي بالقدر الذي ينبغي وفي الوقت الذي ينبغي وبالمكان الذي ينبغي، فهذا هو الحكيم.
 وبعد، فما حظك أيها الإنسان من اسم الحكيم. أن الحكيم من الأسماء التي يمكن أن يتحلّى بها الإنسان انطلاقاً من الحديث الشهير:
(( تخلقوا بأخلاق الله ))
 فالمؤمن الحق حكيم، فحِكمَتُهُ من أين تأتي ؟ ومن أين يستقي حِكمَتَهُ ؟ من معرفته بالله.. فإن كان لديك آلة، معقدّة جداً و لديك تعليمات دقيقة عنها فأنت تكون حكيماً لو نفذت هذه التعليمات التي هي من عند الصانع، فالقضية سهلة جداً، و إذا قرأت القرآن وفهمته، وفهمت السُنّة المُطهرة فأنت بمجرد أن تُطبّق أمرَ الله عز وجل وأمرَ النبي فأنت حكيم، فمثلاً، غضُّ البصر حِكمة بالغة، فأنت إذا غضضتَ بصرك عن محارم الله فلابد من أن يبقى في حياتك امرأة واحدة، وليس مسموح لك غير زوجتك والحِكمة تقول إنك تُقبل على هذه الزوجة إقبالاً يجعل الود بينكما متنامياً، فلو كانت لك منافذ أخرى لنشأت في البيت بعض المتاعب الزوجية.
 وهناك نقطة مهمة جداً، وهي قاعدة في المنطق وهي: " الانتفاع بالشيء ليس أحد فروع العلم به ". فيمكن أن نأتي ببدوي ونعطيه سيارة من أحدث السيارات، وهو سائق ماهر، يتمتع بسرعتها وتكييفها وصوتها الناعم، وبكل ميزات هذه السيارة وهو لا يفقه شيئاً من أساليب صناعتها، و اليوم صار عند كل الناس أجهزة متقدمة كثيرة فالذي عنده مكيّف مثلاً هل يعرف مبدأ عمله ؟ إنه يكتفي بأن يكبس المفتاح ثم يقول لك: تكيّفنا، و الذي عنده براد هل يعرف مبدأ عمله ؟ ومن يركب طائرة وهي خلاصة علم البشرية كلها ؛ وكل من سافر فيها يقول لك حلقنا على ارتفاع أربعين ألف قدم وأكلنا طعاماً ساخناً، ورأينا الغيوم..  فالانتفاع بالشيء ليس أحد فروع العلم به، فأنت لمجرد أن تُطبّق أمرَ الله عز وجل سواء أعرفت حِكمَتَهُ أم لم تعرف ؟ أتعمقت في تحليلها أم لم تتعمق ؟ تقطف ثمارها كلها هذا الذي أريد أن أقوله لكم.. أَمَرَكَ بغضّ البصر فأطعت، وأَمَرَكَ أن تكون صادقاً، و الحِكمة كلها في الصدق، وكلما كنت صادقاً عند الناس ارتفع شأنك فشعرت بمكانة الرجل الصادق فأنت رأسُكَ مرفوع.
 ذكرت قصة فيما سبق، أعدتُها وكررتها مراراً لأن فيها عبرةً بالغةً وهي أن سائق سيارة رأى امرأة ملفعة بعباءة فأشارت إليه فوقف، والسيارة من سيارات الأجرة طبعاً، قالت له: خذني إلى المكان الفلاني وفي منتصف الطريق خلعت ما عليها، وأعطته مبلغاً بالعملة الصعبة كبيراً جداً، و قالت خذه واقض حاجتي، أخذ المبلغ الضخم وقضى حاجتها وحاجته، وأعادها إلى مكان الانطلاق، وأعطته رسالة، فقرأها وذهل، إذ هنأته على أنه أصبح عضواً في نادي الإيدز، إنها مصابة بهذا المرض الخبيث، وتريد أن تنتقم من الناس جميعاً، ومعها عملة مزورة أيضاً، فذهب ليبدل هذا المبلغ بالعملة المحلية، فوقع تحت قبضة العدالة ! فقولوا بربكم أيمكن لمؤمن أن يقع في هذا الفخ ؟ ذاك مستحيل، إنه يخاف من الله.. ولا بد من صرفها بصورة من الصور.
 فأنت حينما تُطبّق أمر الله حكيم، من دون لف أو مواربة أو تعقيدات، فالله أمرني ألا أكذب فلا أكذب، وألا أغش فلا أغش، أما تحليلات الغش: فهناك قانون اقتصادي، تروج به الدول الغنية بضاعتها فتعطي قروضاً للدول الفقيرة حتى ينشأ عندها قوة شرائية، ثم بعد ذلك تقع تلك الدولة تحت نير الديون للدول الكبرى فتستغلها أبشع استغلال لكن المسلم عندما يؤدي زكاة ماله، وكل غني يؤدي زكاة ماله كذلك، فينفرج الفقير ويصير ذا مال ويتمكن من أن يشتري قميصاً وبذلة وحذاء وحاجات زائدة وسيوسع على أهل بيته،دون أن يبتز أحداً أو يحمل أحداً ديوناً، ومن جهة أخرى عندما دفعت زكاة مالك قطفت كل ثمار الزكاة، فالقير صار بخير وأنت بخير ونلت ثواب الله الجزيل.
 مؤلف غربي اسمه " ألكسي كارليل " ألّفَ كتاباً (الإنسان ذلك المجهول ) وبعد بحث طويل وجد أن نظام البشر لا يصلح إلا بزوجة واحدة، شريطة أن يقصر الرجل، طرفه عليها أي أن يَغُضّ بصره، فأنت من دون تعمق ومن دون أن تقرأ الكتب، حينما تَغُضَّ بصرك ملتزماً بأمر الله تقطف كل ثمار هذه الحِكمة، فالإنسان يجب أن يكون حكيماً، وكيف يكون حكيماً ؟ يكفي أن يُطبّق أمر الله وأمر رسوله فقط.
 اسأل طبيباً فيحدثك عشر ساعات عن الاعتلال بالطعام والشراب، فالمؤمن من دون أن يفهم كل هذه التفصيلات، فهو يعرف قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(( نحن قومٌ لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع ))
 انتهى الأمر، هذا هو الطب الوقائي كله، إذاً يمكنك أن تقطف ثمار كل المعارف بلا تعمُق.. حينما تطبق أمرَ الله، إذاً مَن هو الحكيم ؟ هو الذي طبّق تعليمات الصانع، هذا هو الحكيم.
 أحياناً يكون له موقف ليس فيه تعليمات، إذ ينشأ ظرف ليس فيه نص آية ولا حديث حول هذا الموقف العارض، فالحِكمة تأتيك إلهاماً من الله. إذاً إما أن تكون الحكمة في أساسها نصاً قرآنياً أو حديثاً نبوياً تُطبِقُهُ فتغدو حكيماً وإما أن تكون الحِكمة إلهاماً يُلقى في قلبك، لأنك تطلب رضاء الله عز وجل، وتتكلم الكلام المُناسب في الوقت المُناسب، مع من يُناسبُ في المكان المُناسب: تعطي وتمنع، وتغضب وترضى، وتصالح أو لا تصالح، فهذه المواقف المتجددة والتي ليس لها بين النصوص نص واضح متعلّق بها، تصل من الملائكة حينما يلقون في روع الإنسان بعض الإلهامات قال تعالى:
﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ(7)﴾
(سورة القصص)
 هذا وحيُ إلهام وليس بوحي رسالة، فأحياناً يقول لك: لم ذهبت وأنت لا تعرف ؟ فالله عز وجل يسوق لك الخير الكثير من حيث لا تدري أو يرد عنك أذىً أو شراً من حيث لا تدري أيضاً، فهذه هي الحِكمة، فكن مع الله دائماً، فإن واجهت موقفاً ليس فيه نص لتتصرف فالله عز وجل يُلهِمُكَ الصواب، وهذا عين الذي قاله النبي عليه الصلاة والسلام:
((أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه))
 إذاً أنت تكون حكيماً باتباع أمر الله وأمر النبي، وحينما تشعر بانقباض أو انشراح فهذا نوع من إلهام الله عز وجل لك، والإنسان كلما كان أكثر إيماناً كان أكثر حِكمةً، والنبي عليه الصلاة والسلام كانت حِكمته من أعلى مستوى، لأنه قريب مباشرة من الله عز وجل، ومن الناس من يمشي في طريق مليءٍ بالحفر والأكمات، والحشرات المؤذية، وعلى جانبيه أشجار ثمارها يانعة، فلو أن لديه مصباحاً كاشفاً فهل يمكن أن يخطئ ؟ لا. إذ بالمصباح الكاشف يرى الحفرة فيتجنبها، ويرى الأكمة فيبتعد عنها، ويرى الثمرة فيأكلها ويرى الحشرة فيقتلها، فمن أين يأتي الحمق ؟ من العمى قال تعالى:
﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)﴾
(سورة الحج من الآية 46)
 إني لأرى أحياناً أن إنساناً ما يطلّق زوجته بِحُمق، وبِلا أسباب موجبة في ساعة غضب، وهذا عَمَى حقاً، فإذاً الحمق أساسه العَمَى وهو يُردى، والحِكمة أساسها البصيرة في القلب، ونتائجها تردي:
﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126)﴾
(سورة طه)
 كان أعمى في الدنيا، فنسي أمر الله فآل إلى زوايا النسيان والإهمال، أما نحن المؤمنين إن شاء الله، فحِكمتُنا في اتّباع القرآن الكريم، وفي اتّباع السنة المطهرة، وكلما كنا أكثر إخلاصاً وأكثر ورعاً واستقامةً ألهمنا الله رشدنا، " اللهم ألهمنا رشدنا وخذ بنواصيها للمواقف الحكيمة ".
 أخيراً، إليكم أيها القراء الكرام قصة لعلكم تعرفونها جميعاً، حصلت منذ خمسين سنة لإمام وخطيب جامع الورد، إذ رأى في المنام النبي عليه الصلاة والسلام، فقال له عليه الصلاة والسلام: قل لجارك فلان إنه رفيقي في الجنة، وجاره سمّان، وهو الخطيب والعالم فتمنى لو أنه بمكان هذا الجار، طرق باب جاره، ودخل عليه وقال له: لك عندي بشارة، ولكن والله لا أقولها لك إلا إذا أطلعتني على حقيقة أمرك وماذا فعلت حتى حللت هذه المنزلة عند الله عز وجل، فامتنع عن الإجابة وبعد إلحاح شديد، قال: لقد تزوجت امرأة وفي الشهر الخامس تبيّن لي أنها حامل وحملها في الشهر التاسع، فعلمت أنها قد زلّت قدمها، فكان بإمكاني أن أُطلِقَها وأن أفضحها، وأن أسحقها، وأنا محق في ذلك، والناس يقروني، فجئت بمولّدة، فولدت غلاماً، وحملته تحت عباءتي، ودخلت إلى جامع الورد بعد أن نوى الإمام صلاة الفجر ووضعت هذا الغلام خلف الباب، واقتديت بالإمام، فلما انتهينا من الصلاة بكى المولود، فتحلّق المصلون حوله واندسست معهم، قلت ما الخبر، قالوا: مولود، فقلت: هاتوه أنا أتكفله، فأخذته أمام أهل الحي على أنني قد تبنّيته ودفعه لأمه التي ولدته قبل ساعات. ومن بعد، فهذا تصرف أهل التقوى، وهذا تصرف أهل الحكمة. وإنه لرجل حكيم

محمد راتب النابلسى