الأحد، 25 مارس 2012

موسوعة العقيدة - أسماء الله الحسنى : الحق

الحق

 مع الاسم الخامس والعشرين من أسماء الله الحسنى والاسم هو اسم " الحق " وهذه الكلمة متُداولة بكثرة كثيرة، والله سبحانه وتعالى هو الحق، وكلامه هو الحق، ووعده هو الحق، ووعيده الحق، وأفعاله حق.
 وكلمة حق قبل أن نمضي في الحديث عنها لابد من ضرب الأمثلة: معك جهاز كهربائي، وبحاجة إلى طاقة كهربائية، توجهت إلى مأخذ كهربائي ووضعت فيه الشريط، فالآلة لم تتحرك، فهذا المأخذ ليس فيه كهرباء، فتوجهت إلى مأخذ آخر ووضعت فيه الشريط فدارت الآلة، أول مأخذ باطل، الثاني حق.. فما معنى الحق إذاً ؟..
 الشيء الموجود موجود، الحقيقة أن الله هو الحق، وإذا توجهت إلى غيره فلن تجد شيئاً بل سراباً في سراب، وعودٌ كاذبة، وأقوال فارغة، و كلمات طنانة، لكنها هراء وهواء، وإذا توجهت إلى الله عز وجل وجدت كل شيء، فأول معنى من معاني الحق الشيء الموجود، وأول معنى من معاني الباطل الشيء المعدوم، والإنسان إذا وعدك وعداً ونفّذَ وعده فوعده حق، فإن لم يُنفذ فوعده باطل، وإذا توهمت أن الجِنّ بإمكانهم أن يفعلوا كذا وكذا فهذا مجرد وهم، وفي الحقيقة أن الله سبحانه وتعالى ما أعطى الجن قوةً أبداً، فاعتقادك أن الجن بإمكانها أن تفعل وأن تؤذي وأن ترفع وأن تخلص فهذا اعتقاد باطل، لأنه لا يُطابق الحقيقة، وإذا قُلت مثلاً: فلان بإمكانه أن يفعل شيئاً خارقاً فلعلك مخطيء، إذ هو في الحقيقة عبد مثلك لا يستطيع أن يفعل شيئاً من ذلك، فقولُك باطل، فالشيء الموجود واعتقاد وجودِهِ والاعتراف بوجودِهِ، هذا هو الحق، والشيء المعدوم أن يتوهَّم الإنسان أن هذا الشيء موجود وهو ليس بموجوداً فهذا الوهم باطل، وأن تعتقد أن هذا الشيء موجود وهو غير موجود فهذا اعتقاد باطل، وإذا قلت إن هذا الشيء موجود وهو غير موجود فهذا قول باطل، والصواب أن الحق هو الموجود، والباطل هو المعدوم، والاعتقاد الحق حينما يوافق اعتقادُك الواقع فهو حق، وإذا خالف الواقع فهو باطل، والقول الحق حينما يوافق قولك الموجود فقولك حق، وحينما يخالف قولك الموجود فالقول باطل.
 وأخطر ما في الحياة أن تتجه إلى جهة لا تملك شيئاً، وأخطر ما فيها أيضاً أن تعتقد اعتقاداً غير صحيح ليس له مرتكز واقعي أبداً، وأخطر كلام تقوله أن تنطق بشيء لا يرتبط بالواقع، فما الذي ضيّعَ الناس ؟ الباطل، وقد تعتقد اعتقاداً وبعد سنين طويلة ينكشف للعالم كله أنه اعتقاد باطل، وأن هذا المبدأ غير صحيح، وأن هذا المبدأ ما حقق نفعاً للإنسان، بل زاده شقاءً.
 فإذا كنت مع الحق فأنت في سعادة كبيرة، لماذا ؟ لأنك مع الثابت ومع الموجود، وهذا ملخص الفكرة، أو هذه هي الخطوط العريضة لها.
 والشيء الموجود إما أن يكون واجب الوجود أو ممكن الوجود فالخالق واجب الوجود، فلابد من أن يكون موجوداً، ولا يُمكن إلا أن يكون موجوداً، والعقل لا يقبل هذه الدِقّة البالغة في الخلق من دون إلهٍ خالق، ومن دون إلهٍ مبدع، ومن دون إلهٍ مُصمم، أو إلهٍ حكيم، أو إلهٍ عليم أو إلهٍ قدير، فالموجود واجب الوجود، أما المُمكن فهو ما كان مُمكن الوجود، فنحن مثلاً مُمكن أن نكون أو لا نكون، ولا يكون وجودنا حقاً إلا إذا شاء واجب الوجود أن نكون، ولذلك ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.
﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22) ﴾
(سورة إبراهيم)
 وعدُ الشيطان باطل، وأحياناً الشيطان يخوفك، وتخويفه باطل وأحياناً يَعِدُكَ بالفقر ووعده باطل، و القضية ليست قضية فكرة تتعلمها بل القضية قضيةٌ مصيرية، فإن كان لك مبلغ في حلب كبير جداً، ولن تقبضه إلا من الساعة الثانية عشرة حتى الساعة الواحدة من يوم السبت، وهذا المبلغ إذا قبضته يحل كل مشكلاتك، فإن توجهت إلى المحطة، وركبت قطاراً يوصلك إلى حلب، وصلت إلى غايتك، لكنك قد تخطئ وأنت راكب في هذا القطار عشرات الأخطاء ولكن ما دام هذا القطار في طريقه إلى حلب وسوف تصل إلى هذه المدينة قبل الساعة الثانية عشرة، فأنت في الحق، أما إذا ركبت قطاراً متجهاً إلى درعا في مسار معاكس لمدينة حلب فهذا القطار باطل لأنه لن يوصلك إلى هدفك، إنه قطار ولكن يتجه بك إلى عكس هدفك، و أنا أحاول أن أبدد كل حيرة من أجل توضيح هذا الأمر لأنه دقيق وعميق جداً، وقد يحتاج الإنسان لتوضيح الحقائق إلى ضرب الأمثلة.
الله هو الحق، و هذا الكون لأنَّ الله خلقه هو حق، وكذلك لأنه موجود فهو حق و لكن هذا الشيء ممكن الوجود، فيمكن أن يكون ويمكن ألا يكون، لكن الله سبحانه وتعالى واجب الوجود، وأن تعتقد بوجوده فاعتقادُكَ حق، وأن تُقِرَّ بوجودِهَ فإقرارُكَ حق، وإذا اعتقدتَ بأنَّ زيداً من الناس بإمكانه أن ينفعك فاعتقادُكَ باطل، أو بإمكانه أن يضركَ فاعتقادُكَ باطل، وإذا قلت هذا فقولك باطل، فصار الموجود هو الحق، والاعتقاد بالوجود هو الاعتقاد الحق والإقرار بالوجود هو الإقرار الحق، وهذه الفكرة النيّرة تقودنا إلى فكرةٍ أخرى، بأنَّ الحق في الكون لا يتعدد، بل أن الحق واحد، لقولِهِ تعالى:
﴿فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (32) ﴾
(سورة يونس آية 32)
 فإن اعتقدتّ أحدٌ خِلاَف ما في هذا القرآن فهو بالدليل القطعي ضال، وعليه أن يقيل عثرة نفسه.
 و إذا اعتقد أن الأجل بحسب العناية بالصحة، والعناية بالصحة واجب، فإذا اعتقد أن الأجل متعلّق بذلك فهذا اعتقادٌ باطل، لأن الإنسان لا يموت إلا إذا انتهى أجله.
 أخٌ كريم من إخواننا الكرام حدثني قصة، فقال أنا وُلِدتُ في بيتٍ ولي عمان فوالدي له غرفة، وعمي له غرفة، وعمي الآخر له غرفة، وفي الساعة الرابعة من يوم الثلاثاء ولدت في غرفتنا و الغرفة الملاصقة لها هي غرفة عمي، وفيها زوجته، وقد أصيبت بمرض عضال خطير، وأستُدعي أربعة أطباء لمعالجتها، ومن غرائب المصادفات أن الأطباء الأربعة اتفقوا على أنها لن تعيش أكثر من ساعة. فأنا ولدت وكبرت وترعرعت ودخلت المدرسة، وتخرجت فيها وعملت مع والدي، وتوفي والدي، وتزوجت، وانتقلت من بيت إلى بيت إلى بيت، واشتريت آخر بيت وهو الذي أسكنه وأقيم فيه، وأصبح عمري خمسة وأربعين عاماً وجاءت زوجة عمي لتزورني قبل أيام. فرغم قول الأربعة أطباء أنها ستموت بعد ساعة، فلقد عاشت بعد ذلك خمسة وأربعين عاماً، إذاً كلام الأطباء باطل.
إن الطبيب له علم يدل بـه  إن كان للناس في الآجال تأخير
حتى إذا ما انتهت أيام رحلته  حار الطبيب وخانته العقاقيـر
***
 عزيزي القارئ ؛ هل تعرف من البطل ؟ البطل هو الذي يأتي اعتقادُهُ مطابقاً للواقع، ويأتي حديثه مطابقاً للواقع، وتأتي حركاته مطابقة لمنهج الله عز وجل، ولنا مثل في آلة غالية الثمن، معقدة التركيب، عظيمة النفع، وأنت حريص حِرصاً لا حدود له على أن تستعملها وَفْقَ تعليمات الشركة، فكيف بك وأنت المخلوق الأول ؟.
 إذاً: كلمة ( حق ) ذات شأن وخطر وإني لأتمنى على كل أخ أن يراجع نفسه وحقيقة أفكاره عن الدين ليتبين هل هي صحيحة ؟ وهل معتقداته صحيحة ؟ وهل تصوراته عن الله صحيحة ؟ وهل مُعتقده بالنبي عليه الصلاة والسلام صحيح ؟ وهل آراؤه في القضايا المعاصِرة صحيحة ؟ وما قيمة رأيك أنت ؟
 ذكرت ذات مرةً أنه قد جرت حرب أهلية في بلد مجاور ودامت أربعة عشر عاماً، وانتهت والحمد لله هذه الحرب الأهلية ويُمكن وقد مضى عليها زمن، أن تُفسر تفسيراً عربياً فنقول: هذا البلد أصبح ساحة صِراع للقِوى العربية، ويمكن أن تُفسر هذه الأحداث الدامية تفسيراً طائفياً، كما يمكن أن تُفسر تفسيراً دولياً، إنه مركز مالي قوي جداً نافَسَ مراكِزَ أُخرى، ويمكن أن تُفسر تفسيراً قرآنياً، دينياً، إلهياً، قال تعالى:
﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112)﴾
(سورة النحل)
 هذا التفسير الديني، تفسير خالق الكون لما حدث، فأي هذه التفاسير هو الحق ؟ إنه التفسير الديني.
 إذاً: إذا توجهت إلى تفسيرات أخرى فتكون في باطل،لقد حصل زلزال، فهُدمت مدينة بأكملها، هناك تفسير ساذج إذا يقال: إنه تصدع بالقشرة الأرضية أو التواءات داخلية، فهذا تفسير علمي، ولكن هذا التفسير لا يتناقض مع التفسير الديني، قال تعالى:
﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117)﴾
(سورة هود)
 فلن تكون بطلاً إلا إذا استطعت أن تتعرّف إلى الحق، وأن يكون اعتقادك حقاً، وأن يكون كلامُك حقاً، وأن تكون حركتُكَ حقاً.
 وإذا كنت تعاني من مشكلات، وأن تفسِّر هذه المعاناة بقلة الحظ، فهذا تفسير باطل، وهناك تفسير آخر أن تقول لي حُسّاد كثيرون رموني بحسدهم، وهذا تفسر باطل أيضاً، لأنَه لا يستطيع أحد أن يَضُرَّ أحداً، إلا إذا كان مستحقاً أو غافلاً، ولكن إذا قلت ما من عثرة، ولا اختلاج عرق، ولا خدش عود إلا بما قدمت أيديكم، وما يعفو الله عنه أكثر، فهذا التفسير حق، وأنت في اليوم الواحد أمام آلاف المقولات الباطلة، فالبطولة أن تتعرف إلى الحق وأن تعتقد الحق، وأن تَنطِق بالحق، ولن تكون على حق إلاّ إذا عرفته، ولن تعتقد به، ولن تَنطِق به إلا إذا عرفته، لذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام:
(( أصل الدين معرفة الله ))
 ومثلاً عن أصحاب الصنعات، فلو فرضنا إنساناً تصرّفَ في صنعته تصرُفاً خاطئاً، فنقول إن هذه الطريقة باطل، ولو أشاد إنسان بناء على الشاقول، فسوف نقول هذا البناء حق لأنه سيستمر، ولو أشاد بناء بلا شاقول فنقول هذا البناء باطل، لماذا ؟ لأنه سيسقط وينهار. فما هو الحق إذاً ؟ ؛ هو الشيء الموجود، ولكن يجب أن نضيف إلى ذلك شيئاً فعندما قال ربنا:
﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآَتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ(85)﴾
(سورة الحجر)
﴿أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ (8)﴾
(سورة الروم آية 8)
 وآية:
﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ(26)﴾
(سورة ص)
 الباطل: هو الشيء الزائل، والحق: هو الشيء الموجود الثابت و من معاني الحق الشيء الموجود الثابت، والآن سنضيف شيئاً، الموجود حق، أمّا الدرجة الأعلى، فواجب الوجود، والدرجة الأعلى كذلك فدائم الوجود، فواجب الوجود ودائم الوجود، وهناك أعلى من ذلك، ولا موجود آخر معه، إنه واحد في وجوده، ثم انتهينا إلى درجة أعلى: كامل في وجوده. فهو واجب ودائم وواحد وكامل، هذه حقائق ثابتة عن الله عز وجل.
 الله موجود، بل هو واجب الوجود، بل هو أبدي الوجود، لا شيء بعده، وهو واحد في وجوده، وكامل في وجوده. فإذا عرفته بهذه الصفات فقد عرفت كل شيء، وإن فاتتك هذه المعرفة فاتك كل شيء، والله ما حصَّلتَ شيئاً، ولو ملكت أموال الدنيا، أو ارتقيت إلى أعلى مكانة في الحياة، ولو حصلت كل الشهوات وما عَرَفَتَ الحق، فلست بشيء، لأنَّ وجودُكَ ليس ذاتياً، فلو كان وجودُكَ ذاتياً فليس هناك مانع، لكن وجودك مرتبط بواجب الوجود، فإذا شاء واجب الوجود وهو الله أن يُلغي وجودك فعندئذٍ تنهي أمرك كله.
 لقد كنا مدعوين إلى عيد مولد في أحد مساجد دمشق، والذي دعاني وقدم لي بطاقة الدعوة، أحد إخواننا الأكارم، فتوجهت إلى مكان الحفل، وفي مدخله رجال عديدون يقفون لاستقبال المدعوين، صافحتهم واحداً واحداً، وسألت الذي دعاني في الطريق، من الذي أشرف على هذا المولد، قال لي: عمي فلان والد زوجتي، قلت له أين عمك ؟، قال هو في الداخل فلما دخلت صحن المسجد، رأيت رجلاً مُكتمل الرجولة، يرتدي الثياب الأنيقة مورد الوجه نشيطاً، ولم أكن أعرفه من قبل، فرحّبَ بي ترحيباً حاراً، وأفاض، فدخلت إلى مكاني في الحفل، وكان أحد الإخوة الأكارم يلقي كلمة، وأثناء إلقاء كلمته، تحرك اثنان من المدعوين، فما فهمت لِمَ تحركا، ثم ألقيت كلمتي التي استغرقت عشرين دقيقة، وبعد أن أنهيت كلمتي، جاء رجل وهمس في أذني أن هذا الذي استقبلك في صحن المسجد قد توفي، وما استمع إلى كلمتك.
 لا تعجب فأنت ليس واجب الوجود بل أنت ممكن الوجود، والدليل واجب الوجود أنهى وجوده، بثانية، فقد كان ينتظر أن ألقي كلمة، فما استمع إليها، وبعد أن دخلت وقع ومات، و نحن والله لم نُصدّق، أُنهِيَ الحفل، وذهبنا إلى المستشفى، ودخلنا إلى غرفة العناية المشددة فإذا هو مسجى، قد فاضت روحه إلى بارئِها، فأنت ليس واجب الوجود بل ممكن الوجود، وأنت ليس حقاً، فالله هو الحق ولو كنت حقاً لسرى عليك قوله تعالى:
﴿فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (87) ﴾
(سورة الواقعة)
 نعم. إنني مدين، وكلنا مدينون.
 وإذا هطلت الأمطار عمت الفرحة وشملت العباد والبلاد، لكن لو أن السماء انحبست،فما مصيرنا، وما وجودنا ؟ إذ ستجف الآبار والأنهار، والنباتات تصير إلى الذبول واليبس، والسؤال الذي يطرح نفسه، فهل وجودنا ذاتي ؟ لا، نحن وجودنا متعلِّق بمشيئة واجب الوجود، وفي المطر، وفي كل شاردة وواردة، وفي كل صغيرة وكبيرة.
 وكم يكون هذا الإنسان غبياً إذا ظنَّ أنه موجود وأنه واجب الوجود وأنه يعمل وأنه يكسب المال، فهذا هو الباطل، وهو اعتقاد باطل، فأنت كُلما تعرفت إلى الله صَغُرَت نفسك في عينك وكَبُرَ في عينك الله سبحانه وتعالى، فمن هو المؤمن إذاً ؟ الذي لا يرى إلا الله.
﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾
(سورة الفتح)
﴿فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17)﴾
(سورة الأنفال)
﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾
﴿وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَات ِِوَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123) ﴾
(سورة هود)
﴿فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56)﴾
(سورة هود)
 قد تسأل ؛ لماذا يتكلم فلان بما ليس قانعاً به ؟.. لأنه لم ير أنَّ الله هو كل شيء، فلعله رأى الله عظيماً، كما رأى فلاناً عظيماً، فهو يرى أن زيداً وعُبيداً وفلاناً بإمكانهم أن يفعلوا و يرفعوا و يخفضوا، و ينفعوا و يضروا، و كلما نقص توحيدك ازداد شِركُك، فاعتقادك غير صحيح.
﴿فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56)﴾
 فالقضية أخطر بكثير من أننا استمعنا إلى محاضرة فذة معانيها مقنعة، مؤثرة، هادفة ثم تفرقنا إلى بيوتنا، إن جلل، فالأمر يتعلق بحياة أبدية، فهل أنت على حق وهل اعتقادُك حق، وهل تصوراتك حق، أو أفعالُك حق، ومواقِفُك حق، و هل أعطيت بالحق أم بالباطل؟ و هل منعت بالحق ؟ وغضبت بالحق ؟ و رضيت بالحق ؟.
 هناك غضب بالحق ورضى بالحق، وإعطاء بالحق، وصِلة به أو قطيعة، وحينما تعرف الحق أنه واجب الوجود وأنه أبدي الوجود وأنه واحد في وجوده، وكامل في وجوده، و لا موجود سِواه، وإليه المصير، فعندئذٍ تقطع كل العلائق مع أي كان، وتتجه إلى الخالق. فالقضية أخطر بكثير من أن الإنسان حضر مجلس علم، وأخطر بكثير من أنه صلى ركعتين ودفع ليرتين، لأن الأمر أمر مصير أبديٍّ، والقضية قضية حق أو باطل، قال تعالى:
﴿فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (32) ﴾
(سورة يونس)
 وشيء آخر ثم اعلم أيها القارئ العزيز أنك لو اعتقدت اعتقاداً ليس قطعياً، إذ سألك سائل: هل أنت مؤمن بالجنة ؟ فقلت: والله أغلب الظن أن هناك جنة، فهل علمت أن هذا اعتقاد باطل، ولن يغنيك شيئاً وهل أنت مؤمن أنَّ الله عز وجل سيسألك عن كل صغيرة وكبيرة ؟ فقلت: لن يُدقق، ولن يحاسبنا إلا على قدر عقولنا.. فهذا اعتقاد باطل أيضاً، وهل أنت مؤمن بقوله تعالى:
﴿أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (19) ﴾
(سورة الزمر)
 فالله سبحانه يخاطب النبي، أي يا محمد:
﴿أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (19) ﴾
 وقد تقول كما يقول بعضهم: لقد حكى لنا فلان حفظه الله ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لن يدخل الجنة حتى يُدخل كلَّ عصاة أمته، فنحن إذاً والحمد لله مصيرنا معروف، فهذا اعتقاد باطل وإن هي إلا أماني، وإن هم إلا يظنون. ولا بد من مراجعة حساباتك، إذ الإنسان أحياناً ومن خلال دروس في المساجد متقطعة، ومن خلال خُطب غير دقيقة، ومن خلال أقوال في جلسات غير صحيحة، فيتسرّب الباطل إلى ذهنه وعند ذلك سوف يتصرف بالباطل. فمثلاً لِمَ تغش يا فلان ؟ فيقول: أنا عندي أولاد والنفقات باهظة فماذا أفعل ؟ فهذا كلام باطل، إذ غاب عن ذهنه أن الله هو الرزاق ذو القوة المتين، وإن لكل حسنةٍ ثواباً ولكل سيئةٍ عِقاباً، فأولى بك وأجدر أن تُنقّح عقيدتك من كل غلط اتهم به الأنبياء:
﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24)﴾
(سورة يوسف)
 فتبادر إلى القول: هذا نبي ولن يقع في الزنا، وإن هذا اعتقاد باطل، وهو التفسير للآية باطل.
﴿ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا ﴾
 همت بجذبه فهَمَّ بدفعها، أو تقرأ: ولقد همت به وقف. ثم تقرأ: وهم بها لولا أن رأى برهان ربه، فهذا هو التفسير الحق، عن الأنبياء.
 الله عز وجل يلقي نوراً في قلب المؤمن يُريهِ الحق حقاً والباطل باطلاً، أما بعض التفاسير تورد أنه رأى أباه في المحراب فقال له إياك، فهذا لا يستقيم، فنحن نريد التفسير الحق.
﴿لَوْ شِئْنَا لَآَتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13)﴾
(سورة السجدة)
 فيجب أن تفهم القرآن فهم حق وليس فهم باطل، وأن تفهم كلام النبي فهم حق:
((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ ))
(صحيح مسلم)
 ماذا يعني بهذا الحديث ؟ هل تقترف الذنوب جزافاً ؟ ليس هذا هو المعنى... المعنى إذا بلغتم درجة لم تشعروا بذنوبكم فأنتم موتى، لذَهَبَ الله بكم فمن أمضى سهرة بالغيبة ونام مرتاحاً، فالنبي الكريم قال:
(( الغيبة أشد من الزنا ))
( رواه ابن أبي الدنيا والطبراني والبيهقي مرفوعا)
 فإذا ارتكب الإنسان المعاصي ولم يشعر بشيء فهو ميّت، أما المؤمن فيملأ الليل بالعمل الصالح، فيجب عليك أن تكون عقيدتك صحيحة، عن الله عز وجل، والله قال:
﴿يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّة﴾
(سورة آل عمران من الآية154)
 وهناك خلق كثير أكثر أفكارهم عن الله ورسوله مغلوطة، وأكثر تصوراتهم و معتقداتهم خاطئة، فمثلاً يقولون: إن رسول الله كان ماشياً في الطريق فطرق باب زيد، ففُتِحَ الباب، وبدت زوجته زينب من دون ثياب وقد وصل شعرها إلى أسفل ظهرها فأُعجب بها النبي وقال سبحان الله، سبحان مُقلّب القلوب !.. من قال لك إن هذه القصة صحيحة ؟ من قال هذا ؟ فهل نبي عظيم يفعل هذا ؟ فأنت إن كنت مؤمناً فلن تفعله، لذلك فهذه الخرافة باطلة، مدسوسة دساً على الإسلام ونبيه.
﴿وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ﴾
(سورة الحجر)
 ويزعم أحدهم أن امرأة حسناء صلّت بين الصحابة، وهل يعقل أن تصلي امرأة بينهم ؟ و هي وضيئة و حسناء، وبعضهم صلى خلفها ليرى محاسنها في أثناء الركوع والسجود وبعضهم صلى أمامها، فنزل قوله تعالى:
﴿ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ ﴾
 إنه تفسير باطل، وقول سوس والصحابة أعظم من ذلك، وهؤلاء أصحاب رسول الله، فأنت ينبغي أن تعرف الحق، وأن تعرف ما يليق بالحق، وأن تعرف أسماء الله الحُسنى وصفاته الفُضلى، ويجب أن تعرف ما يليق بالأنبياء..
 أما عن النبي داوود فيقولون: عنده تِسعَ وتسعونَ امرأة، وأحب زوجة أحد قوّاده، فقال قدموه قدموه في الحرب لعله يموت ونأخذ زوجته، فعاتبه الله عز وجل وقال: يا داوود أعرض عن الهوى، هذا تفسير غير صحيح، والصواب أن سيدنا داوود انشغل بعبادته عن حل مشكلات الخلق، فأرسل الله له ملكين تسورا المحراب، وافتعلا خصومة وسمع من الأول ولم يسمع من الثاني، وقال للأول متسرعاً: قد ظلمك، ليعود إلى مصلاه، فالهوى الذي نهي عنه هوى رفيع، هواه في الإقبال على الله عز وجل فيجب أن تُفسّر التفسير الذي يليق بالأنبياء، ويليق بهذا الدين العظيم، ونحن نريد أن نعتقد اعتقاداً صحيحاً، ونقول قولاً صحيحاً، وأن نُطبّق تطبيقاً صحيحاً لنكون على الحق.
 وأعود فأقول: الحق ؛ هو القول المُطابق للواقع بدليل، أنك إذاً لا تقبل كلاماً غير صحيح، لا يُطابق الواقع، إذ هناك دجالون كثيرون، يزخرفون القول فيدعون مثلاً أن هذه علاقتها مع زوجها سيئة، فيقولون لها، إنك تحتاجين إلى خروف أسود وأبيض، تذبحينه لكي يحبك، فهذا كلام باطل، كله دجل وكذب، وليعلم كل مسلم أن بين أظهرنا كتاب الله القرآن الكريم، فالنأخذ بما فيه، إذ به انتصر الصحابة وفتحوا الأمصار، ونشروا الإسلام، والبعض يدعون إلى الله عز وجل عن طريق ضرب الشيش مثلاً، فماذا أفاد المسلمين ؟ ما أفادوهم بل ضلّوهم، ولو أن مريضاً يشكو آلاماً مبرّحِة في المعدة، وزار طبيباً، فقال له انتظر، ونصب حبلاً في العيادة، وصعد يمشي عليه فرأى المريض أعمالاً خارقة، وهو مريض ويحتاج إلى دواء وعلاج، فماذا يستفيد إذا سار الطبيب على حبل وكان بهلواناً.
 سردت هذه الأمثلة وأطلت لأننا بحاجة إلى علاج، وإلى راحة نفسية وإلى توازن، وإلى سعادة و إلى حقيقة ثابتة لا تكشف الأيام أنها زائفة، ويمكن أن يعتقد المرء اعتقاداً ما إلى أمدٍ طويل وفي النهاية يظهر أن هذا الاعتقاد باطل، و لا أساس له من الصحة، وما سبَّبَ إلا دمار الإسلام والمسلمين، إذاً كلمة الحق، الله هو الحق.
 لابد من أن يعرف المسلم أن اعتقادكَ إذا كان مُطابقاً للواقع فهذا الاعتقاد حق وأنَّ قولَكَ إذا كان مُطابقاً للواقع فهذا حق.
 وما قولك إذا ركب أحدهم سيارة، فقيل له لمَ هذا الضوء وما فائدته، وهو ضوء صدر عن ساعة الزيت، فأجاب: إنه يتألّق ليُسليّك في الطريق، وليس له غاية أخرى، فهذا التفسير صحيح أم غلط ؟ وهل التصديق صحيح أم غلط ؟ وهل الكلام صحيح أم غلط ؟ كله غلط، لأنَّ هذا لو تألّق وبقيت ماشياً لاحترق المحرك، فيكلفك خمسين ألفاً، أما لو تألّق ووقفت مباشرةً فيُكلِفُكَ مائة ليرة فقط.
 يجب أن تكون معلوماتك، وتصوراتك، واعتقادك، ومواقفك، وعطاؤك ومنعك وصلتك وقطيعتك وغضبك وسرورك، كله بالحق، والنبي كان يمزح ولا يمزح إلا حقاً، فيمكن أن تمزح و لكن مزح حق، لا خدشاً لمشاعر إنسان، ولا تحقيراً لأحدٍ ولا تحقيراً لحِرفة أو مهنة، ويمكن أن تروي طُرفة ممتعة وأنت صادق وبحق، فالنبي كان يمزح، ولا يمزح إلا حقاً.
 كلمة " حق " أتمنى على الله عز وجل أن تكون واضحة، وبالقرآن وردت مئات المرات، والله هو الحق، أما معنى إحقاق الحق، وأنَّ كل ما سِوى الله لا وجود له إلا بالله، وفي أية لحظة إذا أراد الله لشيء أن يزول فإنه يزول، كن فيكون زُل فيزول، إذاً ما سِوى الله مُمكن الوجود وإذا وُجِدَ فبالله، وإذا استمر فبالله، وإذا انتهى فبالله، و هناك دعاء للنبي عليه الصلاة والسلام: "اللهم أنا بك وإليك ". موجز أنا بك: يعني قائم بك، والله سبحانه ماذا قال ؟ قال: قل اللهم مالك الملك، مالك الملك، وكل شيء يُمَلَّك فالله مالكه فعينك ملكه، وأنت ترى بها ما دام قد سمح لك أن ترى بها، وفي أية لحظة لو شاء أن تفقدها لفقدتها بلا سبب فالله حق.
 والسمع يُمَلَّك، والأصل أن الله مالكه، واللسان يملك، حدثني أخ قال لي: بمشفى الأمراض العقلية، هناك مهجع خطير جداً، رقم 6 هذا المهجع نزلاؤه كما خلقهم الله عز وجل، يمزقون كل ثيابهم، ويأكلون من نجاساتهم ودمائهم وشعورهم، أي شيء يوضع في هذا المهجع يُتلف، أقوياء البنية، لكن عقولهم معطّلة، فأنت لك مركز، ولك عمل، وتُتقن حرفة، وأنت قائم بالله، فلو أخذ ما أوهب انتهيت، وبيتك أنت عمرته، ورتبته وزيّنته فلو صار في عقلك خلل، فأهلك يطرقون أبواب المسئولين حتى يسمحوا لهم أن يضعوك في مستشفى الأمراض العقلية، ويتوسلون ويرجون. بينما كنت أنت الأب وأنت مالك البيت، وأنت الذي اشتريته ورتبته، لكنك الآن سلبت مل ما تملك، وفي أية لحظة قد يفقد الإنسان عقله، أو يفقد بصره، أو سمعه. و أنت عندك كليتان تعملان بانتظام، وإلى الآن لم يعرف الطب سبب هبوط وظائف الكليتين الفجائي، فجأةً تقف الكليتان عن العمل، فتصبح الحياة جحيماً، لا يُطاق، فيعرض على الطب كل أسبوع مرتين، وكل مرة سبع ساعات، مرة بهذه اليد ومرة بالأخرى، ومرة بالقدم، ويبقى بالمئة عشرون من حمض البول ( الأوريه ) بالدم، تُسبب لك مواقف عصبيّة صعبة ونرفزة وضيق نفس، أين آمالك، هل تملك كليتيك لا والله، وهل تملك دسام القلب لا والله، وهل تملك الشرايين التاجية وأن تبقى واسعة، وعندما تضيق تمشي مترين فتقع ولا تستطيع أن تُكمِل سيرك.
 قال لي أخ: كنت أصعد إلى الطابق الرابع بسهولة فصرت إلى الثالث أتعب ثم إلى الثاني، ثم إلى الأول، ثم بعد درجتين أتعب، أجريت له عملية بكلفة مليون وما نجحت، فهل أنت تملك شرايين قلبك؟ لستَ بمالِكِهِا، وهل تملِك البنكرياس لتعطيك الأنسولين بشكل منتظم ؟ إنك لا تملكه، وإذا قصّرَ بواجبه هرولت مستغيثاً. أدركوني. أدركوني.
 لي قريب في ريعان شبابه، أصيب بفقر الدم، وهو من أسرة غنية، وغذاؤه جيد والكريات ثلاثة ملايين بالميليمتر المكعب، كان يدرس الطب في الجامعة، إلى أن اكتشف أحدهم أنه يوجد خلل في الطِحّال، فأخذوا عينة إلى المخبر، فوجدوا الطِحال ليس مُقصِّراً.. بل يقوم بنشاط زائد، و الطحال مهمته إذا وجد كرية ميتة يحللها إلى هيموغلوبين وإلى حديد، فيرسل الحديد بطرود بريدية إلى نقي العظام ليُعاد تصنيعه مرةً ثانية، ويُرسل الهيموغلوبين إلى الكبد ليكون الصفراء فصفراء الكبد، وحديد نقي العظام أساسه تحلل كريات الدم الحمراء الميتة، فهذا الطِحّال نشيط بزيادة.. وكلما مات ميت أخذ كفنه فذهبَ إلى حي وقتله وأخذ ملابسه، هذا الطحال يقوم بنشاط زائد عن نشاطه الحقيقي، ووقضى الشاب لسوء عمل الطحال. بل قل انتهى أجله. والله حق.
 فأنت حياتك مرهونة بسلامة الطحال بحيث لا يزيد نشاطه والأنسولين لا ينقص والدسام ألا يخطئ والشريان ألا يضيق، والكلية ألا تقف، والأعصاب والعضلات، واعلم أن نقطة دم في الدماغ تسبب الشلل، وأنتَ لا تملِكُ شيئاً:
﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26)﴾
(سورة آل عمران)
 وأما عن وجودك أيها الإنسان وسعادتك، فأحياناً يعطيك الله الدنيا مع الانقباض، فكل المال ليس له قيمة، ولو أعطاك المال وسَلَبَ مِنكَ الطُمأنينة فحياتك في قلق، ولو أعطاك المال وسَلَبَ منك الصحة، أو الاستقرار والشعور بالأمن، فحياتك لا قيمة لها، قال تعالى:
﴿وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ(81)﴾
﴿الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82)﴾
(سورة الأنعام)
 أيها القارئ الكريم: أهم ما في حياتك أن تعرف الحقيقة ! ابتدأتُ الحديث معك أن لو كان لديك آلة وأنت مضطر لتشغيلها، وهي تحتاج إلى طاقة كهربائية، فتوجهت إلى مأخذ لا طاقة فيه، فهذا المأخذ باطل ثم توجهت إلى آخر فكان المأخذ الآخر صالحاً، إذاً هو حق، فالحق الشيء الموجود، بل هو واجب الوجود، و دائم الوجود، و واحد في وجوده، و كامل في وجوده، فهو واجب دائم واحد كامل، واعتقادك هذا حق، واعترافك هذا حق.
 لذلك أعود فأقول: إن ( الحق ) ؛ كل قول وافق الواقع بدليل، أما بلا دليل فصار تقليداً فإذا قال أحدهم أشهد أن لا إله إلا الله، فحقيقة الكلام حق، وما الدليل ؟ إنه لا يعرف، فهذا كلام بلا دليل، فالحق أن يأتي كلامك مطابقاً للواقع مع الدليل.
 وبعد، لو كان اعتقادكَ بالحق اعتقاداً غير قطعي، فلا قيمة له، قال تعالى:
﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2)﴾
(سورة البقرة)
﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15) ﴾
(سورة الحجرات)
 فلو كان في اعتقادك ارتياب، أو تردد، أو عدم قطع، أو كان اعتقادك بالشيء ثلاثين بالمئة فما دون فهذا اسمه وهم، وإن كان اعتقادك خمسين أو حول خمسين بالمئة فهذا اسمه شك، وإذا كان اعتقادك سبعين بالمئة فما فوق فهو ظن، ولو كان اعتقادك تسعين بالمئة فهذا أطلقوا عليه " غلبة ظن "، أمّا إذا كان مائة بالمائة، فهذا هو الحق و إيمانك بالجنة والنار والحساب لابد أن يكون قطعياً، وأن المُرابي سوف يَمحَقُ الله ماله وأن الزاني سوف يَفتقر، وأن الذي يُطلق بصره لا بد من أن يشقى في بيته، وأنَّ الذي له مال حرام سوف يُتلفه الله، وأن هناك وقفة بين يدي الله عز وجل، فإذا اعتقدت بهذه الأمور اعتقاداً قطعياً جازماً مائة في المائة، فأنت على حق، فالحق لا يتناسب معه الظن، ولا غلبة الظن ولا الشك ولا الوهم، قال المعري:
زعم المنجم والطبيب كلاهما لا  تحشر الأجساد قلت إليكمــــا
إن صح قولكما فلست بخاسر أو  صح قولي فالخسار عليكمـــا
***
 هذه عقيدة باطلة، وقولهم إذا كان هناك آخرة نجونا، وإن لم توجد فما خسرنا شيئاً، فهذا ليس ديناً، بل هو شك ؛ وعدم تصديق بكلام الله.
 الحق لا يتحمل وهماً ولا شكاً ولا ظناً ولا غلبة ظن، ولا يناسبه إلا القطع.
 أكرر: الحق هو كل قول مقطوع به، موافق للواقع، وأي قول خالف الواقع فهو باطل فيمكن أن تنفي عن الدين آلاف الأفكار، وآلاف المعتقدات الزائفة، وآلاف القصص الباطلة، وكل شيء خالف الواقع كذلك.. عزل سيدنا عمر سيدنا خالداً، هذا الذي خاض مائة معركة أو زهاءها وفي كل هذه المعارك كان منتصراً، ففي كثير من كُتب التاريخ يَقول مؤلّفوها: كان بينهما حزازات في الجاهلية، فلما صار خليفة شفى غليله وعزله ! أهكذا كان أصحاب رسول الله ؟! لو كانوا كذلك والله الذي لا إله إلا هو ما خرجوا من مكة، ولم يفتحوا مصراً واحداً.. وأنت تسمع تفاسير كثيرة جداً حول عزل عمر لخالد ولقد عثرت أخيراً على تفسير حق، جاء سيدنا خالد إلى سيدنا عمر، فقال له، يا أمير المؤمنين لِمَ عزلتني، فقال: والله إني أحبك يا أبا سليمان، فقال: ِلمَ عزلتني، فقال: والله إني أحبك، فقال: ِلمَ عزلتني، قال: والله ما عزلتك يا ابن الوليد إلا مخافة أن يُفتتن الناس بك، لكثرة ما أبليت في سبيل الله.
 " كاد الناس يظنون أنك أنت الذي تنصرهم، خفت على العقيدة، فأردت أن أريهم أنني لو عزلتك يبقى النصر ما دمتم مؤمنين هذا التفسير للحادثة يليق بسيدنا عمر، ويليق بسيدنا خالد، وهذا تفسير حق "
 وأحياناً تقرأ تفاسير للأحداث وتقرأ قصصاً غير صحيحة وغير معقولة، فتهتز بها الصورة المتألقة للصحابة الكرام، وهذا من عمل الشيطان وأهل الزيغ والباطل.
 إذاً: الحق لا يقبل الشك ولا الوهم ولا الظن ولا غلبة الظن، ولا يقبل إلا القطع.
 ونسمع من يقولون في زماننا: إن هذا الكلام واقعي إلى حد ما ! فقولهم: " إلى حدٍ ما " ليس حقاً، بل يحمل كل معاني الشك، وواقعي بالمائة ثمانين فليس حقاً، وواقعي بالمائة خمسين فليس حقاً، وواقعي نوعاً ما، فليس حقاً الحق واقعي مائة بالمائة، دائماً وأبداً.
 وهو ما كان مقطوعاً به، وموافقاً للواقع، وعليه دليل، ولو ألغي الدليل لصار تقليداً، ولو اعتقدت تقليداً فعقيدتك غير مقبولة.
 وإذا قبلنا التقليد بالعقيدة، كأن يقول لك إنسان: الله عز وجل ليس رحيماً وهذه الكوارث والمصائب والأمراض دليل على ذلك. فتقول صحيح وأنا سأقلدك الآن، فإذا كان يوم القيامة، فيقول لك الله عز وجل، لِمَ اعتقدت أنني غير رحيم تقول: يا رب أنا قلدت فلاناً هو قال كذلك فصدقته، فيقال لك: أين عقلك ؟ لذلك لا يمكن أن تقبل من الإنسان العقيدة بالتقليد، فلا تقبل بلا دليل ولا ترفض بلا دليل، بل عود نفسك المنهج العلمي، فإن حدثك أحد بقصة، فقل: ما مصدرها ؟ وإذا كنت ناقلاً فالصحة، إذا كنت مدعياً فالدليل، ولا يبنى شيء على أغلب الظن:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)﴾
(سورة الحجرات)
 الحق يحتاج إلى دليل، وإلى مطابقة للواقع وإلى قطع، فإذا استطعتَ أن تعمل مراجعة لِكُلّ أفكارِك وكُل مُعتقداتِك وكُل تصوراتِك حتى تجعل منها كلها مطابقة للواقع قطعيّة الثبوت وعليها دليل فأنت من الفائزين، وإن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم، كما قال عليه الصلاة والسلام:
(( يا ابن عمر دينك دينك إنه لحمك ودمك، خذ عن الذين استقاموا ولا تأخذ عن الذين مالوا ))
 فالله هو الحق، وكلامه هو الحق، والجنة حق، ومعنى حق موجودة، والنار حق، والحِساب حق، والعذاب حق، والصِراط حق والحوض حق، وغضُّ البصر حق، فما معنى حق ؟ أيْ لو طبقته عملياً لقطفت ثماره، والأمانة حق، فلو كنت أميناً لوثِقَ الناس بك فالأمانة غنىً، وأي شيء تُطَبِقُهُ، تقطِف ثِمارَهُ، فالوقت ثمين وغال والحياة لا تحتمل إلا التطبيق، وإن كنت من رواد المساجد، فإن لم تطبق ما تتعلم فلن تقطف شيئاً، وتكون كل حركاتك عشوائية، والتطبيق هو الجانب العملي. قال تعالى:
﴿وَقُلِ اعْمَلُوا﴾
 وهذا الكلام مؤداه خطير، فمؤداه أن تتعامل مع الدين تعاملاً جديّاً، فتصل إلى الغاية والهدف.
 ثم انظر ملياً فحينما تقول إن في الدار الآخرة أبدية والحياة الدنيا زائلة فهل عملك يتوافق مع اعتقادك ؟ قد يكون الاعتقاد حقاً ولكن التطبيق باطل، وهل تقبل من طبيب أن يقول لك، إيّاك والدخان فإنه سرطان في الرئة وضيق في الشرايين، وجلطة وهو يُدخن أمامك، فهذا كلامه باطل ولو كان يوقن بما يقول ما فعل هذا.
 إذاً: كلمة " حق " مدلولاتها كبيرة جداً، فالله هو الحق، ومعنى هو الحق ؛ لابد من أن يظهر الحق، وإن كنت على حق فلابُدَّ من أن ينصرك ولو بعد حين، أما إن كنت على باطل فلا بد من أن يّخذِلَك ولا بُدَّ من أن يَفضَحك، فكُنّ مع الحق أبداً، وإلاّ فهناكَ خذلان وفضيحة ولكن المشكلة، التي أتمنى من الله عز وجل أن تكون واضحة عِندَ كل مسلم، هي أن الله عز وجل يُرخي الحبل، ومعنى يرخي الحبل، أي يمهلك إلى أمد بعيد أن تفعل ما تشاء وأنت سالم، وتتصرف باختيارك، ولو عاجلك بالعقوبة عند كل خطيئة لاستقمت ولكن استقامتك ليسن عن حبٍ لله عندئذ، ولا عن طاعةٍ له، بل تستقيم خوفاً منه، وعندئذ أنت لست مخيّراً بل مسيّرٌ، و معنى مخيّر أي يمكنك أن تأكل مالاً حراماً وتستمتع به سنوات طويلة وبعدئذ تلق العقوبة المرة، وتنوء تحتها وقس على ذلك الشيء الكثير من الحرام.
 قال تعالى:
﴿كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7)﴾
(سورة التكاثر)
 كذلك إذا رأيت دخاناً وراء جدار فستحكُم مائة بالمائة أنه لا دُخان بِلا نار، ثم ذهبت إلى خلف الجدار، فرأيت لسان اللهب، فمشاهدة الدخان عِلمُ اليقين، وعندما وقعت عينك على ذات النار فهذا عين اليقين، فإن قربت يدك منها فلسعتك بحرارتها فهذا حق اليقين، الحق مائة في المائة وهو يقين، عِلمُ اليقين وعين اليقين وحقُ اليقين.
﴿ كَلا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ، لَتَرَوْنَ الْجَحِيمَ، ثُمَّ لَتَرَوْنَهَا عَيْنَ الْيَقِينِ ﴾
 إذاً لا بُدَّ من أن نتعرف إلى الحق، ولا بُدَّ من أن نعتقد حقاً وأن نقول حقاً وأن نسلُكَ المنهج الصحيح لنكون على حق، وحتى نستحق أن يرفعنا الله عز وجل، وحينما يُحِقّ الله الحق يسمح لعباده الطائعين أن يرفعهم، وليس سوى الله عز وجل قال:
﴿وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آَخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ(88)﴾
(سورة القصص)
 إذاً الملَخص الذي ينطق بالحق هو: يا رب ماذا فقد من وجدك وماذا وجد من فقدك وإذا كان الله معك فمن عليك، وإذا كان عليك فمن معك.
 وهناك في الكون حقيقة واحدة وهي الله، كل شيء يُقرِّبُكَ منها فهو حق، وكل شيء يُبعِدُكَ عنها فهو باطل، فعليك أن تعرف الله، وأن تعرف منهجه، وأن تُطبّقه، وهذا هو الحق، وما سِوى ذلك كله باطل، والمؤمن يرى بأم عينه، أن الباطل قد يصمد سبعين عاماً وبعدئذ يتهاوى كبيت العنكبوت، لأنه باطل فالفكرة باطلة والمبدأ باطل والتطبيق باطل. وإذا رأيت بأم عينك جداراً بُني بِلا شاقول، فالمهندس لابُدَّ قائلٌ: إن الجدار سينهار لا محالة، لأن بناءه باطل:
﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً (81) ﴾
(سورة الإسراء)
 إن الباطل من صفاته الثابتة أنه زَهَوق، وإن كان الاعتقاد باطلاً فهو زَهَوق، وإن كان السلوك باطلاً فهو زَهَوق