الإكراه
تعريفه:
الاكراه في اللغة: حمل الإنسان على أمر لا يريده طبعا أو شرعا، والاسم منه الكره.
وفي الشرع: حمل الغير على ما يكره بالوعيد بالقتل أو التهديد بالضرب أو السجن أو إتلاف المال أو الاذي الشديد أو الايلام القوي.
ويشترط فيه أن يغلب على ظن المكره انفاذ ما توعد به المكره.
ولافرق بين إكراه الحاكم أو اللصوص أو غيرهم.
قال عمر: ليس الرجل آمن على نفسه إذا أخفته أو أوثقته أو ضربته.
وقال ابن مسعود: ما من ذي سلطان يريد أن يكلفني كلاما يدرأ عني سوطا أو سوطين إلا كنت متكلما به.
وقال ابن حزم: ولا يعرف له من الصحابة مخالف.
.أقسام الإكراه:
الاكراه ينقسم إلى قسمين:
1- إكراه على كلام.
2- إكراه على فعل.
.الإكراه على الكلام:
والاكراه على الكلام لا يجب به شيء لأن المكره غير مكلف.
فإذا نطق بكلمة الكفر فإنه لا يؤاخذ. وإذا قذف غيره فلا يقام عليه الحد. وإذا أقر فلا يؤخذ بإقراره. وإذا عقد عقد زواج أو هبة أو بيع فإن عقده لا ينعقد. وإذا حلف أو نذر فإنه لا يلزم بشئ. وإذا طلق زوجته أو راجعها فإن طلاقه لا يقع ورجعته لا تصح والاصل في هذا قول الله سبحانه: {من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم}.
سبب نزول الآية:
والسبب في نزول هذه الآية ما ذكره ابن كثير في التفسير عن أبي عبيدة محمد بن عمار بن ياسر قال: أخذ المشركون عمار بن ياسر فعذبوه حتى قاربهم في بعض ما أرادوا فشكا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كيف تجد قلبك؟ قال: مطمئنا بالايمان.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن عادوا فعد».
ورواه البيهقي بأبسط من ذلك وفيه أنه سب النبي صلى الله عليه وسلم وذكر آلهتهم بخير، فشكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يارسول الله: ما تركت حتى سببتك وذكرت آلهتهم بخير. قال: كيف تجد قلبك؟ قال: مطمئنا بالايمان.فقال: «إن عادوا فعد».وفي ذلك أنزل الله تعالى {إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان}.
شمول الآية الكفر وغيره:
والآية وإن كانت خاصة بالتلفظ بكلمة الكفر إلا انها تعم غيره.
قال القرطبي: لما سمع الله عز وجل بالكفر به وهو أصل الشريعة عند الاكراه ولم يؤاخذ به حمل العلماء عليه فروع الشريعة كلها.
فإذا وقع الاكراه عليها لم يؤاخذ به ولم يترتب عليه حكم، وبه جاء الاثر المشهور عن النبي صلى الله عليه وسلم: «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه».
والخبر وإن لم يصح سنده فإن معناه صحيح باتفاق العلماء.
قاله القاضي أبو بكر بن العربي وذكر أبو محمد عبد الحق أن اسناده صحيح قال: وقد ذكره أبو بكر الاصيلي في الفوائد وابن المنذر في كتاب الاقناع ا.هـ.
العزيمة عند الإكراه على الكفر أفضل:
وإذا كان النطق بكلمة الكفر عند الاكراه رخصة فإن الافضل الاخذ بالعزيمة والصبر على التعذيب ولو أدى ذلك إلى القتل إعزازا للدين كما فعل ياسر وسمية.
وليس ذلك من إلقاء النفس إلى التهلكة بل هو كالقتل في الغزو كما صرح به العلماء.
وقد أخرج ابن أبي شيبة عن الحسن وعبد الرازق في تفسيره عن معمر أن مسيلمة أخذ رجلين فقال لاحدهما: ما تقول في محمد؟ قال: رسول الله. قال: فما تقول في؟ فقال: أنت أيضا، فخلاه. وقال للاخر: ما تقول في محمد؟ قال: رسول الله. قال: فما تقول في؟ فقال: أنا أصم. فأعاد عليه ثلاثا. فأعاد ذلك في جوابه فقتله. فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبرهما فقال: «أما الأول فقد أخذ برخصة الله تعالى. وأما الثاني فقد صدع بالحق فهنيئا له».
.الإكراه على الفعل:
والقسم الثاني الإكراه على الفعل وهو ينقسم إلى قسمين:
1- ما تبيحه الضرورة.
2- ما لا تبيحه الضرورة.
فالأول: مثل الاكراه على شرب الخمر أو أكل الميتة أو أكل لحم الخنزير أو أكل مال الغير أو ما حرم الله: فإنه في هذه الحال يباح تناول هذه الاشياء. بل من العلماء من يرى وجوب التناول حيث لم يكن له خلاص إلا به. ولا ضرر فيه لاحد.
ولا تفريط فيه في حق من حقوق الله والله تعالى يقول {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}.
وكذلك من أكره على إفطار رمضان أو الصلاة لغير القبلة أو السجود لصنم أو صليب فيحل له أن يفطر ويصلي إلى أي جهة ويسجد ناويا السجود لله جل شأنه.
والثاني: مثل الاكراه على القتل والجراح والضرب والزنا وإفساد المال.
قال القرطبي:
أجمع العلماء على أن من أكره على قتل غيره أنه لا يجوز له الاقدام على قتله ولا انتهاك حرمته بجلد أو غيره ويصبر على البلاء الذي نزل به ولا يحل له أن يفدي نفسه بغيره، ويسأل الله العافية في الدنيا والاخرة.
لاحد على مكره: ولو قدر أن رجلا استكره على الزنا فزنى فإنه لا يقام عليه الحد.
وكذلك المرأة إذا أكرهت على الزنا فانه لاحد عليها لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تجاوز عن امتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه».
ويرى مالك والشافعي وأحمد واسحاق وأبو ثور وعطاء والزهري: أنه يجب لها صداق مثلها.