الخميس، 15 مارس 2012

موسوعة الفقه - باب الدعاوى والبينات : السجن

السجن

السجن قديم وقد جاء في القرآن الكريم أن يوسف عليه السلام قال: {قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه}.
وذكر أنه دخل السجن ولبث فيه بضع سنين.
وقد كان السجن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى عهد الصحابة ومن بعدهم إلى يومنا هذا.
قال ابن القيم: الحبس الشرعي ليس هو الحبس في مكان ضيق.
وإنما هو تعويق الشخص ومنعه من التصرف بنفسه، سواء كان في بيت أو مسجد أو كان بتوكيل الخصم أو وكيله عليه وملازمته له.
ولهذا سماه النبي أسيرا كما روى أبو داود وابن ماجه عنا لهرماس بن حبيب عن أبيه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بغريم لي فقال لي: الزمه.
ثم قال: يا أخا بني تميم، ما تريد أن تفعل بأسيرك؟ وفي رواية ابن ماجه: ثم مربي في آخر النهار فقال: ما فعل أسيرك يا أخا بني تميم؟ ثم قال ابن القيم: وكان هذا هو الحبس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه.
ولم يكن محبس معد لحبس الخصوم.
ولكن لما انتشرت الرعية في زمن عمر بن الخطاب ابتاع بمكة دارا وجعلها سجنا يحبس فيها، ولهذا تنازع العلماء من أصحاب أحمد وغيرهم: هل يتخذ الإمام حبسا، على قولين: فمن قال: لا يتخذ حبسا، قال: لم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا لخليفة بعده حبس، ولكن يقومه أي الخصم بمكان من الأمكنة أو يقام عليه حافظ، وهو الذي يسمى الترسيم.
أو يأمر خصمه بملازمته كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ومن قال: له أي للإمام أن يتخذ حبسا قال: قد اشترى عمربن الخطاب من صفوان بن أمية دارا بأيعه آلاف وجعلها حبسا ا.هـ.

في السجن الأمن والمصلحة:
قال الشوكاني: إن الحبس وقع في زمن النبوة وفي أيام الصحابة والتابعين فمن بعدهم إلى الان في جميع الاعصار والأمصار من دون إنكار، وفيه من المصالح مالا يخفى لو لم يكن منها إلا حفظ أهل الجرائم المنتهكين للمحارم الذين يسعون في الاضرار بالمسلمين ويعتادون ذلك ويعرف من أخلاقهم ولم يرتكبوا ما يوجب حدا ولا قصاصا حتى يقام ذلك عليهم فيراح منهم العباد والبلاد، فهؤلاء إن تركوا وخلي بينهم وبين المسلمين بلغوا من الاضرار بهم إلى كل غاية.
وإن قتلوا كان سفك دمائهم بدون حقها، فلم يبق إلا حفظهم في السجن والحيلولة بينهم وبين الناس بذلك حتى تصح منهم التوبة، أو يقضي الله في شأنهم ما يختاره.
وقد أمرنا الله تعالى بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقيام بهما في حق من كان كذلك لا يمكن بدن الحيلولة بينه وبين الناس بالحبس، كما يعرف ذلك من عرف أحوال كثير من هذا الجنس ا.هـ.

.أنواع الحبس:
قال الخطابي: الحبس على ضربين: حبس عقوبة، وحبس استظهار فالعقوبة لا تكون إلا في واجب.
وأما ما كان في تهمة: فإنما يستظهر بذلك ليستكشف به عما وراءه.
وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم حبس رجلا في تهمة ساعة من نهار ثم خلى سبيله.
وهذا الحديث رواه بهزبن حكيم عن أبيه عن جده.

.ضرب المتهم:
ولا يحل حبس أحد بدون حق. ومتى حبس بحق يجب المسارعة بالنظر في أمره. فإن كان مذنبا أخذ بذنبه. وإن كان بريئا أطلق سراحه. ويحرم ضرب المتهم لما فيه من إذلاله وإهدار كرامته.
وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ضرب المصلين: أي المسلمين.
وهل يضرب إذا اتهم بالسرقة؟
فيه رأيان: فالرأي المختار عند الأحناف وعند الغزالي من الشافعية أن المتهم بالسرقة لا يضرب لاحتمال كونه بريئا. فترك الضرب في مذنب أهون من ضرب برئ.
وفي الحديث: «لأن يخطئ الإمام في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة».
وأجاز الإمام مالك سجن المتهم بالسرقة. وأجاز أصحابه أيضا ضربه، لاظهار المال المسروق من جهته، وجعل السارق عبرة لغيره من جهة أخري.
ومتى أقر في هذه الحال فإنه لاقيمة لاقراره لأنه يشترط في الاقرار الاختيار. وهنا إنما أقر تحت ضغط التعذيب.

.ما ينبغي أن يكون عليه الحبس:
وينبغي أن يكون الحبس واسعا. وأن ينفق على من في السجن من بيت المال وأن يعطى كل واحد كفايته من الطعام واللباس. ومنع المساجين مما يحتاجون إليه من الغذاء والكساء والمسكن الصحي جور يعاقب الله عليه.
فعن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت فدخلت فيها النار، لاهي أطعمتها وسقتها، إذ حبستها، ولاهي تركتها تأكل من خشاش الأرض».