حد السرقة
إن الإسلام قد احترم المال، من حيث انه عصب الحياة، واحترم ملكية الافراد له، وجعل حقهم فيه حقا مقدسا، لا يحل لاحد أن يعتدي عليه بأي وجه من الوجوه، ولهذا حرم الإسلام: السرقة، والغصب، والاختلاس، والخيانة، والربا، والغش، والتلاعب بالكيل والوزن، والرشوة، واعتبر كل مال أخذ بغير سبب مشروع أكلا للمال بالباطل.
وشدد في السرقة، فقضى بقطع يد السارق التي من شأنها أن تباشر السرقة، وفي ذلك حكمة بينة، إذ أن اليد الخائنة بمثابة عضو مريض يجب بتره ليسلم الجسم، والتضحية بالبعض من أجل الكل مما اتفقت عليه الشرائع والعقول.
كما أن في قطع يد السارق عبرة لمن تحدثه نفسه بالسطو على أموال الناس، فلا يجرؤ أن يمد يده إليها، وبهذا الأموال وتصان.
يقول الله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم}.
.حكمة التشديد في العقوبة:
والحكمة في تشديد العقوبة في السرقة دون غيرها من جرائم الاعتداء على الأموال هي ما جاء في شرح مسلم للنووي: قال القاضي عياض رضي الله عنه: صان الله الأموال بإيجاب القطع على السارق، ولم يجعل ذلك في غير السرقة، كالاختلاس، والانتهاب، والغصب، لأن ذلك قليل بالنسبة إلى السرقة، ولأنه يمكن استرجاع هذا النوع بالاستدعاء إلى ولاة الأمور، وتسهل إقامة البينة عليه، بخلاف السرقة، فإنها تندر إقامة البينة عليها فعظم أمرها، واشتدت عقوبتها، ليكون أبلغ في الزجر عنها.
.أنواع السرقة:
والسرقة أنواع:
1- نوع منها يوجب التعزير.
2- ونوع منها يوجب الحد.
والسرقة التي توجب التعزير، هي السرقة التي لم تتوفر فيها شروط إقامة الحد.
وقد قضى الرسول صلى الله عليه وسلم، بمضاعفة الغرم على من سرق ما لاقطع فيه: قضى بذلك في سارق الثمار المعلقة، وسارق الشاة من المرتع.
ففي الصورة الأولى، أسقط القطع عن سارق الثمر والكثر، وحكم أن من أصاب شيئا منه بفمه وهو محتاج إليه فلاشئ عليه، ومن خرج منه بشئ فعليه غرامة مثليه، والعقوبة، ومن سرق منه شيئا في جرينه فعليه القطع إذا بلغت قيمة المسروق النصاب الذي يقطع فيه.
وفي الصورة الثانية، قضى في الشاة التي تؤخذ من مرتعها بثمنها مضاعفا وضرب نكال وقضى فيما يؤخذ من عطنه بالقطع، إذا بلغ النصاب الذي يقطع فيه سارقه رواه أحمد، والنسائي، والحاكم، وصححه.
والسرقة التي عقوبتها الحد نوعان: الأول سرقة صغرى: وهي التي يجب فيها قطع اليد.
الثاني سرقة كبرى: وهي أخذ المال على سبيل المغالبة.
ويسمى الحرابة.
وقد سبق الكلام عليها قبل هذا الباب.
وكلامنا الآن منحصر في السرقة الصغرى.
.تعريف السرقة:
السرقة: هي أخذ الشئ في خفية يقال: استرق السمع، أي سمع مستخفيا.
ويقال: هو يسارق النظر إليه، إذا اهتبل غفلته لينظر إليه.
وفي القرآن الكريم يقول الله سبحانه: {إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين}.
فسمى الاستماع في خفاء استراقا.
وفي القاموس: السرقة، والاستراق، المجئ مستترا لاخذ مال الغير من حرز.
وقال ابن عرفة: السارق عند العرب، هو من جاء مستترا إلى حرز فأخذ منه ما ليس له.
ويفهم مما ذكره صاحب القاموس وابن عرفه، أن السرقة تنتظم أمورا ثلاثة:
1- أخذ مال الغير.
2- أن يكون هذا الاخذ على جهة الاختفاء والاستتار.
3- أن يكون المال محرزا.
فلو لم يكن المال مملوكا للغير، أو كان الاخذ مجاهرة، أو كان المال غير محرز، فإن السرقة الموجبة لحد القطع لاتتحقق.
المختلس والمنتهب والخائن غير السارق: ولهذا لا يعتبر الخائن، ولا المنتهب، ولا المختلس، سارقا، ولا يجب على واحد منهم القطع، وإن وجب التعزير، فعن جابر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليس على خائن، ولا منتهب، ولا مختلس قطع» رواه أصحاب السنن، والحاكم، والبيهقي، وصححه الترمذي، وابن حبان.
وعن محمد بن شهاب الزهري قال: إن مروان بن الحكم أتي بإنسان قد اختلس متاعا فأراد قطع يده، فأرسل إلى زيد بن ثابت يسأله عن ذلك، فقال زيد: ليس في الخلسة قطع رواه مالك في الموطأ.
قال ابن القيم: وأما قطع يد السارق في ثلاثة دراهم وترك قطع المختلس والمنتهب، والغاصب، فمن تمام حكمة الشارع أيضا، فإن السارق لا يمكن الاحتراز منه، فإنه ينقب الدور، ويهتك الحرز، ويكسر القفل، ولا يمكن صاحب المتاع الاحتراز بأكثر من ذلك، فلو لم يشرع قطعه لسرق الناس بعضهم بعضا، وعظم الضرر، واشتدت المحنة بالسراق، بخلاف المنتهب والمختلس فإن المنتهب هو الذي يأخذ المال جهرة بمرأى من الناس فيمكنهم أن يأخذوا على يديه ويخلصوا حق المظلوم أو يشهدوا له عند الحاكم، وأما المختلس فإنه إنما يأخذ المال على حين غفلة من مالكه وغيره فلا يخلو من نوع تفريط يمكن به المختلس من اختلاسه، وإلا فمع كمال التحفظ والتيقظ لا يمكنه الاختلاس فليس كالسارق، بل هو بالخائن أشبه.
وأيضا فالمختلس إنما يأخذ المال من غير حرز مثله غالبا، فإنه الذي يغافلك ويختلس متاعك في حال تخليك وغفلتك عن حفظه، وهذا يمكن الاحتراز منه غالبا، فهو كالمنتهب، وأما الغاصب فالأمر منه ظاهر، وهو أولى بعدم القطع من المنتهب، ولكن يسوغ كف عدوان هؤلاء بالضرب والنكال والسجن الطويل والعقوبة بأخذ المال.
.جحد العارية:
ومما هو متردد بين أن يكون سرقة أو لا يكون جحد العارية، ومن ثم فقد اختلف الفقهاء في حكم ذلك، فقال الجمهور: لا يقطع من جحدها، لأن القرآن والسنة أوجبا القطع على السارق، والجاحد للعارية ليس بسارق.
وذهب أحمد وإسحاق، وزفر، والخوارج، وأهل الظاهر، إلى أنه يقطع، لما رواه أحمد، ومسلم، والنسائي عن عائشة رضي الله عنها قالت: كانت امرأة مخزومية تستعير المتاع وتجحده، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها.
فأتى أهلها أسامة بن زيد رضي الله عنه فكلموه.
فكلم النبي صلى الله عليه وسلم فيها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «يا أسامة، لاأراك تشفع في حد من حدود الله عز وجل».
ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم خطيبا، فقال: «إنما هلك من كان قبلكم بأنه إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه، والذي نفسي بيده لو كانت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها». فقطع يد المخزومية.
وقد نَاصرَ ابن القيم هذا الرأي، واعتبر الجاحد للعارية سارقا بمقتضى الشرع.
قال في زاد المعاد: فإدخاله صلى الله عليه وسلم جاحد العارية في اسم السارق كإدخاله سائر أنواع المنكرات في الخمر، وذلك تعريف للامة بمراد الله من كلامه.
وفي الروضة الندية: أن الجاحد للعارية إذا لم يكن سارقا لغة فهو سارق شرعا، والشرع مقدم على اللغة.
قال ابن القيم في أعلام الموقعين: والحكمة والمصلحة ظاهرة جدا، فإن العارية من مصالح بني آدم التي لا بد لهم منها ولاغنى لهم عنها، وهي واجبة عند حاجة المستعير وضرورته إليها إما بأجرة أو مجانا، ولا يمكن الغير كل وقت أن يشهد على العارية، ولا يمكن الاحتراز بمنع العارية شرعا وعادة وعرفا، ولافرق في المعنى بين من توصل إلى أخذ متاع غيره بالسرقة وبين من توصل إليه بالعارية وجحدها، وهذا بخلاف جاحد الوديعة، فإن صاحب المتاع فرط حيث ائتمنه.
.النباش:
ومما يجري هذا المجرى من الخلاف: الخلاف في حكم النباش الذي يسرق أكفان الموتى، فذهب الجمهور إلى أن عقوبته قطع يده، لأنه سارق حقيقة، والقبر حرز.
وذهب أبو حنيفة، ومحمد، والاوزاعي، والثوري، إلى أن عقوبته التعزير، لأنه نباش، وليس سارقا، فلا يأخذ حكم السارق، ولأنه أخذ مالا غير مملوك لاحد، لأن الميت لا يملك، ولأنه أخذ من غير حرز.
.الصفات التي يجب اعتبارها في السرقة:
تبين من التعريف السابق أنه لابد من اعتبار صفات معينة في السارق والشئ المسروق، والموضع المسروق منه، حتى تتحقق السرقة التي يجب فيها الحد.
وفيما يلي بيان كل:
.الصفات التي يجب اعتبارها في السارق:
أما الصفات التي يجب اعتبارها في السارق حتى يسمى سارقا، ويستوجب حد السرقة، فنذكرها فيما يلي:
.1- التكليف:
بأن يكون السارق بالغا عاقلا، فلاحد على مجنون ولا صغير، إذا سرق، لأنهما غير مكلفين، ولكن يؤدب الصغير إذا سرق.
ولا يشترط فيه الإسلام، فإذا سرق الذمي أو المرتد، فإنه يقطع كما أن المسلم يقطع إذا سرق من الذمي.
.2- الاختيار:
بأن يكون السارق مختارا في سرقته، فلو أكره على السرقة فلا يعد سارقا، لأن الاكراه يسلبه الاختيار، وسلب الاختيار يسقط التكليف.
.3- ألا يكون للسارق في الشئ المسروق شبهة:
فإن كانت له فيه شبهة فإنه لا يقطع، ولهذا لا يقطع الاب ولا الأم بسرقة مال ابنهما لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «أنت ومالك لابيك».
وكذلك لا يقطع الابن بسرقة مالهما، أو مال أحدهما، لأن الابن يتبسط في مال أبيه وأمه عادة، والجد لا يقطع لأنه أب سواء أكان من قبل الاب أو الأم، ولا يقطع أحد من عمود النسب الاعلى والاسفل - أعني الآباء والاجداد - والابناء وأبناء الابناء.
وأما ذوو الارحام، فقد قال أبو حنيفة والثوري، لاقطع على أحد من ذوي الرحم المحرم، مثل العمة والخالة، والاخت، والعم، والخال، والاخ، لأن القطع يفضي إلى قطيعة الرحم التي أمر الله بها أن توصل، ولان لهم الحق في دخول المنزل، وهو إذن من صاحبه يختل الحرز به.
وقال مالك والشافعي، وأحمد وإسحق، رضي الله عنهم، يقطع من سرق من هؤلاء، لانتفاء الشبهة في المال.
ولا قطع على أحد الزوجين إذا سرق أحدهما الاخر، لشبهة الاختلاط وشبهة المال، فالاختلاط بينهما يمنع أن يكون الحذر كاملا، ويوجب الشبهة في المال.
وإذا لم يكن الحرز كاملا، وكانت الشبهة في المال يسقط القطع، وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي رضي الله عنهما في أحد قوليه وإحدى الروايتين عن أحمد رضي الله عنه.
وقال مالك والثوري رضي الله عنهما، ورواية عن أحمد رضي الله عنه وأحد قولي الشافعي رضي الله عنه: إذا كان كل واحد منهما ينفرد ببيت فيه متاعه، فانه يقطع من سرق من مال صاحبه لوجود الحرز من جهة ولاستقلال كل واحد منهما من جهة أخرى.
ولا يقطع الخادم الذي يخدم سيده بنفسه، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
قال: جاء رجل إلى عمر رضي الله عنه بغلام له.
فقال له: اقطع يده فإنه سرق مرآة لامرأتي.
فقال عمر رضي الله عنه: لا قطع عليه، وهو خادمكم أخذ متاعكم.
وهذا مذهب عمر، وابن مسعود.
ولا مخالف لهما من الصحابة.
ولا يقطع من سرق من بيت المال إذا كان مسلما، لما روي، أن عاملا لعمر رضي الله عنه كتب إليه يسأله عمن سرق من بيت المال فقال: لا تقطعه فما من أحد إلا وله فيه حق.
وروى الشعبي: أن رجلا سرق من بيت المال، فبلغ عليا فقال كرم الله وجهه: إن له فيه سهما، ولم يقطعه.
فقول عمر وقول علي فيهما بيان سبب عدم القطع على من سرق من بيت المال، لأن ذلك يورث شبهة تمنع إقامة الحد.
قال ابن قدامة: كما لو سرق من مال له شركة فيه.
ومن سرق من الغنيمة من له فيها حق، أو لولده أو لسيده، وهذا مذهب جمهور العلماء وروى ابن ماجه عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن عبدا من رقيق الخمس سرق من الخمس فرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقطعه.
وقال: «مال الله سرق بعضه بعضا».
ولا يقطع من سرق من المدين الماطل في السداد، أو الجاحد للدين، لأن ذلك استرداد لدينه، إلا إذا كان المدين مقرا بالدين وقادرا على السداد، فإن الدائن يقطع إذا سرق من المدين لأنه لا شبهة له في سرقته، ولا قطع في سرقة العارية من يد المستعير لأن يد المستعير يد أمانه، وليست يد مالك.
ومن غصب مالا وسرقه وأحرزه فسرقه منه سارق، فقال الشافعي وأحمد: لا يقطع، لأنه حرز لم يرضه مالكه، وقال مالك: يقطع، لأنه سرق مالا شبهة له فيه من حرز مثله.
وإذا وقعت أزمة بالناس، وسرق أحد الافراد طعاما فإن كان الطعام موجودا قطع، لأنه غير محتاج إلى سرقته، وإن كان معدوما لم يقطع، لأن له الحق في أخذه لحاجته إليه، وقد قال عمر رضي الله عنه: لا قطع في عام المجاعة، وروى مالك في الموطأ أن رقيقا لحاطب سرقوا ناقة لرجل من مزينة فانتحروها.
فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب، فأمر عمر كثير بن الصلت أن يقطع أيديهم، ثم قال عمر: أراك تجيعهم.
ثم قال: والله لاغرمنك غرما يشق عليك.
ثم قال للمزني: كم ثمن ناقتك؟ فقال المزني: كنت والله أمنعها من أربعمائة درهم.
فقال عمر: أعطه ثمانمائة درهم.
ويروي ابن وهب أن عمر بن الخطاب، بعد أن أمر كثير بن الصلت بقطع أيدي الذين سرقوا، أرسل وراءه من يأتيه بهم، فجاء بهم، فقال لعبد الرحمن بن حاطب: أما لولا أني أظنكم تستعملونهم وتجيعونهم حتى لو وجدوا ما حرم الله لأكلوه لقطعتهم، ولكن والله إذ تركتهم لأغرمنك غرامة توجعك.
الصفات التي يجب اعتبارها في المال المسروق:
وأما الصفات التي يجب اعتبارها في المال المسروق فهي:
.أولا: أن يكون مما يتمول ويملك ويحل بيعه وأخذ العوض عنه:
فلا قطع على من سرق الخمر والخنزير حتى لو كان المالك لهما ذميا لأن الله حرم ملكيتهما والانتفاع بهما بالنسبة للمسلم والذمي على السواء.
وكذلك لا قطع على سارق أدوات اللهو مثل: العود، والكمنج، والمزمار، لأنها آلات لا يجوز استعمالها عند كثير من أهل العلم، فهي ليست مما يتمول ويتملك ويحل بيعه، وأما الذين يبيحون استعمالها فيهم يتفقون مع من يحرمها في عدم قطع يد سارقها لوجود شبهة، والشبهات مسقطة للحدود.
واختلف العلماء في سرقة الحر الصغير غير المميز.
فقال أبو حنيفة والشافعي: لا قطع على من سرقه لأنه ليس بمال ويعزر وإن كان عليه حلي أو ثياب فلا يقطع أيضا، لأن ما عليه من الحلي تبع له وليست مقصودة بالاخذ.
وقال مالك: في سرقته القطع، لأنه من أعظم المال ولم يقطع السارق في المال لعينه، وإنما قطع لتعلق النفوس به، وتعلقها بالحر أكثر من تعلقها بالعبد.
وسارق العبد الصغير غير المميز يقطع، لأنه مال متقوم، وأما المميز فإنه لا يحد سارقه، لأنه وإن كان مالا يباع ويشترى فإن له سلطانا على نفسه فلا يعد محرزا.
وأما ما يجوز تملكه ولا يجوز بيعه، كالكلب المأذون في بيعه، ولحوم الضحايا، فقال أشهب، من المالكية: يقطع سارق الكلب المأذون باتخاذه، ولا يقطع في كلب غير مأذون باتخاذه.
وقال أصبغ من المالكية في لحوم الضحايا: إن سرق الاضحية قبل الذبح قطع، وإن سرقها بعد الذبح فلا قطع.
وأما سرقة الماء، والثلج، والكلا، والملح، والتراب، فقد قال صاحب المغني: وإن سرق ماء فلا قطع فيه.
قاله أبو بكر وأبو إسحاق لأنه مما لا يتمول عادة ولا أعلم في هذا خلافا.
وإن سرق كلا أو ملحا، فقال أبو بكر: لا قطع فيه لأنه مما ورد الشرع باشتراك الناس فيه، فأشبه الماء.
وقال أبو إسحاق بن شاملا: فيه القطع، لأنه يتمول عادة فأشبه التين والشعير.
وأما الثلج فقال القاضي: هو كالماء لأنه ماء جامد فأشبه الجليد، والاشبه أنه كالملح لأنه يتحول عادة فهو كالملح المنعقد من الماء.
وأما التراب فإن كان مما تقل الرغبات فيه كالذي يعد للتطيين والبناء فلا قطع فيه، لأنه لا يتمول، وإن كان مما له قيمة كثيرة كالطين الارمني الذي يعد للدواء أو المعد للغسيل به، أو الصبغ كالمغرة احتمل وجهين:
1- أحدهما لا قطع فيه لأنه من جنس ما لا يتمول فأشبه الماء.
2- فيه القطع، لأنه يتمول عادة، ويحمل إلى البلدان للتجارة فأشبه العود الهندي. وأما سرقة المباح الاصل كالاسماك والطيور. فإنه لا قطع على من سرقها ما لم تحرز فإذا أحرزت فقد اختلف فيها الفقهاء.
فمذهب المالكية، والشافعية يرى قطع سارقها لأنه سرق مالا متقوما من حرز.
وذهب الأحناف والحنابلة إلى عدم القطع لما روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الصيد لمن أخذه».
فهذا الحديث يورث شبهة يندرئ بها الحد.
وقال عبد الله بن يسار: أتي عمر بن عبد العزيز برجل سرق دجاجة، فأراد أن يقطعه، فقال له سالم بن عبد الرحمن: قال عثمان رضي الله عنه: لا قطع في الطير وفي رواية أن عمر بن عبد العزيز استفتى السائب بن يزيد فقال: ما رأيت أحدا قطع في الطير، وما عليه في ذلك قطع، فتركه عمر.
وقال بعض الفقهاء: الطير المعتبر مباحا هو الذي يكون صيدا سوى الدجاج والبط فيجب في سرقتها القطع لأنه بمعنى الاهلي.
وقال أبو حنيفة: لا يقطع في سرقة الطعام الرطب كاللبن واللحم والفواكه الرطبة ولا في سرقة الحشيش والحطب، ولا فيما يسرع إليه الفساد، وإن بلغت قيمة المسروق منه نصاب السرقة، لأن هذه الاشياء غير مرغوب فيها، ولا يشح مالكها عادة فلا حاجة إلى الزجر بالنسبة لها، والحرز فيها ناقص، ولقوله صلى الله عليه وسلم «لا قطع في تمر ولا كثر» ولان فيه شبهة المالكية، لوجود الشركة العامة، لقول الرسول: «الناس شركاء في ثلاثة: الماء، والكلا، والنار» ومما اختلف الفقهاء فيه سرقة المصحف، فقال أبو حنيفة لا يقطع من سرقة لأنه ليس بمال، ولان لكل واحد فيه حقا.
وقال مالك، والشافعي، وأبو ثور، وأبو يوسف من أصحاب أبي حنيفة وابن المنذر: يقطع سارق المصحف إذا بلغت قيمته النصاب الذي تقطع فيه اليد.
.ثانيا: والشرط الثاني الذي يجب توافره في المال المسروق أن يبلغ الشئ المسروق نصابا:
لأنه لا بد من شيء يجعل ضابطا لاقامة الحد، ولا بد وأن يكون له قيمة يلحق الناس ضرر بفقدها، فإن من عادتهم التسامح في الشئ الحقير من الأموال، ولهذا لم يكن السلف يقطعون في الشئ التافه.
وقد اختلف الفقهاء في مقدار هذا النصاب، فذهب جمهور العلماء إلى أن القطع لا يكون إلا في سرقة ربع دينار من الذهب، أو ثلاثة دراهم من الفضة، أو ما تساوي قيمته ربع دينار أو ثلاثة دراهم.
وفي التقدير بهذا حكمة ظاهرة، فإن فيها كفاية المقتصد في يوم، له ولمن يمونه غالبا، وقوت الرجل وأهله مدة يوم، له خطره عند غالب الناس لما روي عن عائشة رضي الله عنها: أن الرسول صلى الله عليه وسلم «كان يقطع يد السارق في ربع دينار فصاعدا» وفي رواية مرفوعا «لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدا». رواه أحمد ومسلم وابن ماجه.
وفي رواية أخرى للنسائي مرفوعا: «لا تقطع اليد فيما دون ثمن المجن».
قيل لعائشة: ما ثمن المجن؟ قالت: ربع دينار.
ويؤيده حديث ابن عمر في الصحيحين «أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع في مجن ثمنه ثلاثة دراهم» وفي رواية: «قيمته ثلاثة دراهم».
ومذهب الأحناف أن النصاب الموجب للقطع عشرة دراهم ولا قطع في أقل منها.
واستدلوا بما رواه البيهقي والطحاوي والنسائي عن ابن عباس وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده في تقدير ثمن المجن بعشرة دراهم.
وذهب الحسن البصري وداود الظاهري، إلى أنه يثبت القطع بالقليل والكثير عملا بإطلاق الآية، ولما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لعن الله السارق، يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الجمل فتقطع يده» وأجاب الجمهور عن هذا الحديث بأن الاعمش راوي هذا الحديث فسر البيضة ببيضة الحديد التي تلبس للحرب، وهي كالمجن، وقد يكون ثمنها أكثر من ثمنه.
والجمل كانوا يرون أن منه ما يساوي دراهم.
وربع الدينار كان يصرف بثلاثة دراهم وفي الروضة الندية قال الشافعي: وربع الدينار موافق لرواية ثلاثة دراهم وذلك أن الصرف على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم اثنى عشر درهما بدينار.
وهو موافق لما في تقدير الديات من الذهب بألف دينار.
ومن الفضة باثنى عشر ألف درهم.
وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أن النصاب الموجب للقطع هو عشرة دراهم أو دينار، أو قيمة أحدهما من العروض.
ولا قطع فيما هو أقل من ذلك، لأن ثمن المجن كان يقوم على عهد الرسول بعشرة دراهم، كما رواه عمرو بن شعيب عن ابنه عن جده.
وروي عن ابن عباس وغيره هذا التقدير.
قالوا: وتقدير ثمن المجن تبعا لهذا التقدير أحوط.
والحدود تدفع بالشبهات.
والاخذ به كأنه شبهة في العمل بما دونها.
والحق أن اعتبار ثمن المجن عشرة دراهم معارض بما هو أصح منه كما تقدم في الروايات الاخرى الصحيحة.
وقال مالك وأحمد في أظهر الروايات عنه: نصاب السرقة ربع دينار، أو ثلاثة دراهم، أو ما قيمته ثلاثة دراهم من العروض.
والتقويم بالدراهم خاصة.
والاثمان أصول لا يقوم بعضها ببعض.
وقد اعترض على القطع اليد في ربع دينار مع أن ديتها خمسمائة دينار، فقال أحد الشعراء: يد بخمس مئين عسجد وديت - ما بالها قطعت في ربع دينار؟ تناقض مالنا إلا السكوت له - ونستجير بمولانا من العار وهذا المعترض قد خانه التوفيق فإنه الإسلام قد قطعها في هذا القدر حفظا للمال، وجعل ديتها خمسمائة حفظا لها.
فقد كانت ثمينة حين كانت أمينة فلما خانت هانت ولهذا قيل: يد بخمس مئين عسجد وديت - لكنها قطعت في ربع دينار حماية الدم أغلاها، وأرخصها - خيانة المال فانظر حكمة الباري متى يقدر المسروق:
وتعتبر قيمة المسروق وتقديره يوم السرقة عند مالك.
والشافعية، والحنابلة.
وقال أبو حنيفة: يقدر المسروق يوم الحكم عليه بالقطع.
سرقة الجماعة:
إذا سرقت الجماعة قدرا من المال بحيث لو قسم بينهم لكان نصيب كل واحد منهم ما يجب فيه القطع فإنهم يقطعون جميعا باتفاق الفقهاء.
أما إذا كان هذا القدر من المال يبلغ نصابا، ولكنه لو قسم بين السارقين لا يبلغ نصيب كل واحد منهم ما يجب فيه القطع فإنهم اختلفوا في ذلك.
فقال جمهور الفقهاء: يجب أن يقطعوا جميعا.
وقال أبو حنيفة: لا قطع حتى يكون ما يأخذه كل واحد منهم نصابا.
قال ابن رشد: فمن قطع الجميع رأي العقوبة إنما تتعلق بقدر مال المسروق أي أن هذا القدر من المال المسروق هو الذي يوجب القطع لحفظ المال، ومن رأى أن القطع إنما علق بهذا القدر لا بما دونه لمكان حرمة اليد قال: لا تقطع أيد كثيرة فيما أوجب الشارع فيه القطع.
.ما يعتبر في الموضع المسروق منه:
وأما الموضع المسروق منه فإنه يعتبر فيه الحرز.
والحرز هو الموضع المعد لحفظ الشئ، مثل الدار والد كان والاصطبل والمراح، والجرين، ونحو ذلك.
ولم يرد فيه ضابط من جهة الشرع ولا من جهة اللغة وإنما يرجع فيه إلى العرف، واعتبر الشرع للحرز لأنه دليل على عناية صاحب المال به وصيانته له والمحافظة عليه من التعرض للضياع، ودليل ذلك ما رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سأله رجل عن الحريسة التي توجد في مراتعها، قال: فيها ثمنها مرتين وضرب نكال، وما أخذ من عطنه ففيه القطع إذا بلغ ما يؤخذ من ذلك ثمن المجن قال: يارسول الله فالثوب وما أخذ منها في أكمامها قال: «من أخذ بفيه ولم يتخذ خبنة فليس عليه شئ، ومن احتمل فعليه ثمنه مرتين وضرب نكال، وما أخذ من أجرانه ففيه القطع إذا بلغ ما يؤخذ من ذلك ثمن المجن» رواه أحمد والنسائي والحاكم وصححه وحسنه الترمذي.
وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا قطع في تمر معلق ولا في حريسة الجبل، فإذا أواه المراح أو الجرين فالقطع فيما بلغ ثمن المجن».
ففي هذين الحديثين اعتبار الحرز.
قال ابن القيم: فإنه صلى الله عليه وسلم أسقط القطع عن سارق الثمار من الشجرة وأوجبه على سارقه من الجرين.
وعند أبي حنيفة رحمه الله أن هذا لنقصان ماليته لاسراع الفساد إليه، وجعل هذا أصلا في كل ما نقصت ماليته بإسراع الفساد إليه إليه وقول الجمهور أصح، فإنه صلى الله عليه وسلم جعل له ثلاثة أحوال: حالة لا شيء فيها، وهي ما إذا أكل منه بفيه وحالة يغرم مثليه ويضرب من غير قطع، وهي ما إذا أخرجه من شجره وأخذه، وحالة يقطع فيها، وهو ما إذا سرقه من بيدره، سواء كان انتهى جفافه أم لم ينته، فالعبرة بالمكان والحرز لا بيبسه ورطوبته، ويدل عليه أنه صلى الله عليه وسلم أسقط القطع عن سارق الشاة من مرعاها، وأوجبه على سارقها من عطنها فإنه حرز. انتهى.
وإلى اعتبار الحرز ذهب جمهور الفقهاء.
وخالف في ذلك جماعة من الفقهاء ولم يشترطوا الحرز في القطع منهم: أحمد وإسحاق وزفر، والظاهرية، لأن آية {والسارق والسارقة} عامة وأحاديث عمرو بن شعيب لا يصلح لتخصيصها للاختلاف الواقع فيها.
ورد ذلك ابن عبد البر فقال: أحاديث عمرو بن شعيب العمل بها واجب إذا رواها الثقات.
.اختلاف الحرز باختلاف الأموال:
والحرز مختلف باختلاف الأموال، ومرجع ذلك إلى العرف فقد يكون الشئ حرزا في وقت دون وقت.
فالدار حرز لما فيها من أثاث، والجرين حرز للثمار، والاصطبل حرز للدواب، والمراح للغنم، وهكذا.
الإنسان حرز لنفسه: والإنسان حرز لثيابه ولفراشه الذي هو نائم عليه سواء كان في المسجد أم في خارجه.
فمن جلس في الطريق ومعه متاعه فإنه يكون محرزا به، سواء أكان مستيقظا أم نائما.
فمن سرق من إنسان نقوده أو متاعه قطع بمجرد الاخذ لزوال يد المالك عنه.
واشترط الفقهاء في النائم أن يكون المسروق تحت جنبه أو تحت رأسه واستدلوا بما أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجاه والنسائي والحاكم عن صفوان ابن أمية قال: كنت نائما في المسجد على خميصة لي فسرقت، فأخذنا السارق فرفعناه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر بقطعه، فقلت: يارسول الله أفي خميصة، ثمن ثلاثين درهما أنا أهبها له؟ قال: «فهلا كان قبل أن تأتيني» أي فهلا عفوت عنه ووهبت له قبل أن تأتيني.
وفي هذا الحديث دليل على أن المطالبة بالمسروق شرط في القطع، فلو وهبه المسروق منه إياه، أو باعه قبل رفعه إلى الحاكم سقط عن السارق.
كما صرح بذلك النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: «هلا كان قبل أن تأتيني به!؟».
.الطرار:
واختلفوا في الطرار.
فقالت طائفة: يقطع مطلقا سواء أوضع يده داخل الكم وأخرج المال أو شق الكم فسقط المال فأخذه.
وهو قول مالك، والاوزاعي وأبي ثور، ويعقوب، والحسن، وابن المنذر.
وقال أبو حنيفة، ومحمد بن الحسن، وإسحق: إن كانت الدراهم مصرورة في ظاهر كمه فطرها فسرقها لم يقطع، وإن كانت مصرورة إلى داخل الكم فأدخل يده فسرقها قطع.
.المسجد حرز:
والمسجد حرز لما يعتاد وضعه فيه من البسط والحصر والقناديل والنجف.
وقد قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم سارقا سرق ترسا كان في صفة النساء في المسجد ثمنه ثلاثة دراهم.
أخرجه أحمد، وأبو داود، والنسائي.
وكذلك إذا سرق باب المسجد أو ما يزين به مما له قيمة، لأنه مال محرز لا شبهة فيه.
وخالف الشافعية في قناديل المسجد وحصرها، فمن سرقها لا يقطع، لأن ذلك جعل لمنفعة المسلمين، وللسارق فيها حق.
اللهم إلا إذا كان السارق ذميا فإنه يقطع، لأنه لا حق له فيها.
السرقة من الدار:
اتفق الفقهاء على أن الدار لا تكون حرزا إلا إذا كان بابها مغلقا.
كما اتفقوا على أن من سرق من دار غير مشتركة في السكنى لا يقطع حتى يخرج من الدار.
واختلفوا في مسائل من ذلك ذكرها صاحب كتاب الافصاح عن معاني الصحاح فقال: واختلفوا فيما إذا اشترك اثنان في نقب دار فدخل أحدهما فأخذ المتاع وناوله الاخر وهو خارج الحرز وهكذا إذا رمى به إليه فأخذه.
فقال مالك والشافعي وأحمد: القطع على الداخل دون الخارج.
وقال أبو حنيفة: لا يقطع منهما أحد.
واختلفوا فيما إذا اشترك جماعة في نقب ودخلوا الحرز وأخرج بعضهم نصابا ولم يخرج الباقون شيئا ولم يكن منهم معاونة في إخراجه.
فقال أبو حنيفة وأحمد: يجب القطع على جماعتهم.
وقال مالك والشافعي: لا يقطع إلا الذين أخرجوا المتاع واختلفوا فيما إذا قرب الداخل المتاع إلى النقب وتركه فأدخل الخارج يده فأخرجه من الحرز.
فقال أبو حنيفة: لا قطع عليهما.
وقال مالك: يقطع الذي أخرجه قولا واحدا وفي الداخل الذي قربه خلاف بين أصحابه على قولين.
وقال الشافعي: القطع على الذي أخرجه خاصة.
وقال أحمد: عليهما القطع جميعا.
وذكر الشيخ أبو إسحاق في المهذب قال: وإن نقب رجلان حرزا فأخذ أحدهما المال ووضعه على بعض النقب وأخذه الاخر ففيه قولان: أحدهما أنه يجب عليهما القطع لانا لو لم نوجب عليهما القطع صار هذا طريقا إلى إسقاط القطع، والثاني: أنه لا يقطع واحد منهما كقول أبي حنيفة وهو الصحيح، لأن كل واحد منهما لم يخرج المال من الحرز.
وإن نقب أحدهما الحرز ودخل الاخر وأخرج المال ففيه طريقان، من أصحابنا من قال: فيه قولان كالمسألة قبلها ومنهم من قال: لا يجب القطع قولا واحدا لأن أحدهما نقب ولم يخرج المال والاخر أخرج من غير حرز.
بم يثبت الحد؟ وهل يتوقف على طلب المسروق منه؟: لا يقام الحد إلا إذا طالب المسروق منه بإقامته لأن مخاصمته المجني عليه ومطالبته بالمسروق شرط ويثبت الحد بشهادة عدلين أو بالاقرار ويكفي فيه مرة واحدة عند مالك والشافعية والأحناف لأن النبي صلى الله عليه وسلم قطع يد سارق المجن وسارق رداء صفوان، ولم ينقل أنه أمره بتكرار الاقرار.
وما وقع من التكرار في بعض الحالات فهو من باب التثبت.
ويرى أحمد وإسحاق وابن أبي ليلى أنه لا بد من تكراره مرتين.
.دعوى السارق الملكية:
وإذا ادعى السارق أن ما أخذه من الحرز ملكه بعد قيام البينة عليه بأنه سرق من الحرز نصابا فقال مالك: يجب عليه القطع بكل حال ولا يقبل دعواه وقال أبو حنيفة والشافعي لا يقطع وسماه الشافعي: السارق الظريف.
.تلقين السارق ما يسقط الحد:
ويندب للقاضي أن يلقن السارق ما يسقط الحد، لما رواه أبو أمية المخزومي أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بلص اعترف، ولم يوجد معه متاع.
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما إخالك سرقت؟ قال: بلى، مرتين أو ثلاثا رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي، ورجاله ثقات.
وقال عطاء: كان من قضى يؤتى إليهم بالسارق، فيقول: أسرقت؟ قل: لا.
وسمى أبا بكر وعمر رضي الله عنهما وعن أبي الدرداء.
أنه أتي بجارية سرقت فقال لها: أسرقت؟ قولي: لا.
فقالت: لا. فخلى سبيلها.
وعن عمر أنه أتي برجل سرق فسأله أسرقت؟ قل: لا.
فقال: لا فتركه.
....................................................
.عقوبة السرقة:
إذا ثبتت جريمة السرقة وجب إقامة الحد على السارق فتقطع يده اليمنى من مفصل الكف وهو الكوع لقوله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} ولا يجوز العفو عنها من أحد لا من المجني عليه ولا من الحاكم، كما لا يجوز أن تستبدل بها عقوبة أخرى أخف منها أو تأخير تنفيذها أو تعطيلها، خلافا للشيعة الذين يرون أن القطع يسقط عن السارق بعفو المجني عليه في السرقة وكذلك يرون أن للامام مع وجوب إقامة الحد أن يسقط العقوبة عن بعض الناس لمصلحة، وله تأخيرها عن بعضهم لمصلحة، وهذا مخالف لجماعة أهل السنة الذين يروون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: «تجافوا العقوبة بينكم، فإذا انتهي بها إلى الإمام فلا عفا الله عنه إن عفا» فإذا سرق ثانيا تقطع رجله، ثم إن الفقهاء اختلفوا فيما إذا سرق ثالثا بعد قطع يده ورجله.
فقال أبو حنيفة: يعزر ويحبس.
وقال الشافعي وغيره: تقطع يده اليسرى، ثم إذا عاد إلى السرقة تقطع رجله اليمنى ثم إذا سرق يعزر ويحبس.
حسم يد السارق إذا قطعت: وتحسم يد السارق بعد القطع، فتكوى بالنار، أو تتخذ أي طريقة من الطرق حتى ينقطع الدم فلا يتعرض المقطوع للتلف والهلاك.
فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بسارق قد سرق شملة فقالوا: يارسول الله، إن هذا قد سرق: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أخاله سرق»، فقال السارق: بلى يارسول الله.
فقال: «اذهبوا به فاقطعوه ثم احسموه، ثم ائتوني به»، فقطع فأتي به فقال: تب إلى الله قال: قد تبت إلى الله.
فقال: «تاب الله عليك» رواه الدار قطني، والحاكم، والبيهقي، وصححه ابن القطان.
.تعليق يد السارق في عنقه:
ومن التنكيل بالسارق والزجر لغيره، أمر الشارع بتعليق يد السارق المقطوعة في عنقه.
روى أبو داود والنسائي والترمذي: وقال حسن غريب، عن عبد الله بن محيريز قال: سألت فضالة عن تعليق يد السارق في عنقه: أمن السنة هو؟ فقال: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بسارق فقطعت يده، ثم أمر بها فعلقت في عنقه.
.اجتماع الضمان والحد:
إذا كان المسروق قائما رد إلى صاحبه، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «على اليد ما أخذت حتى تؤديه» وهذا مذهب الشافعي وأحمد وإسحاق.
فإذا تلف المسروق في يد السارق ضمن بدله، وقطع ولا يمنع أحدهما الاخر، لأن الضمان الحق الادمي، والقطع يجب لله تعالى، فلا يمنع أحدهما الاخر كالدية والكفارة.
وقال أبو حنيفة: إذا تلف المسروق فلا يغرم السارق لأنه لا يجتمع الغرم مع القطع بحال لأن الله ذكر القطع ولم يذكر الغرم.
وقال مالك وأصحابه: إن تلف، فإن كان موسرا غرم، وإن كان معسرا لم يكن عليه شئ.