السبت، 10 مارس 2012

موسوة الفقه - باب الزواج أو النكاح : عقد الزواج


عقد الزواج

الركن الحقيقي للزواج هو رضا الطرفين، وتوافق إرادتهما في الارتباط.
ولما كان الرضا ونوافق الارادة من الأمور النفسية التي لا يطلع عليها، كان لابد من التعبير الدال على التصميم على إنشاء الارتباط وايجاده.
ويتمثل التعبير فيما يجري من عبارات بين المتعاقدين.
فما صدر أولا من أحد المتعاقدين للتعبير عن ارادته في إنشاء الصلة الزوجية يسمى إيجابا، ويقال: أنه أوجب.
وما صدر ثانيا من المتعاقد الاخر من العبارات الدالة على الرضا والموافقة يسمى قبولا.
ومن ثم يقول الفقهاء: إن أركان الزواج الايجاب، والقبول.

.شروط الإيجاب والقبول:
ولا يحقق العقد وتترتب عليه الاثار الزوجية، إلا إذا توافرت فيه الشروط الاتية:
1- تمييز المتعاقدين: فإن كان أحدهما مجنونا أو صغيرا لا يميز فان الزواج لا ينعقد.
2- اتجاد مجلس الايجاب والقبول، بمعنى ألا يفصل بين الايجاب والقبول بكلام أجنبي، أو بما يعد في العرف إعراضا وتشاغلا عنه بغيره.
ولا يشترط أن يكون القبول بعد الايجاب مباشرة.
فلو طال المجلس وتراخى القبول عن الايجب، ولم يصدر بينهما ما يدل على الاعراض، فالمجلس متحد.
وإلى هذا ذهب الأحناف والحنابلة.
وفي المغني: إذا تراخى القبول عن الايجاب صح، ماداما في المجلس، ولم يتشاغلا عنه بغيره.
لان حكم المجلس حكم حالة العقد، بدليل القبض فيما يشترط القبض فيه، وثبوت الخيار في عقود المعاوضات.
فإن تفرقا قبل القبول بطل الايجاب، فانه لا يوجد معناه، فان الاعراض قد وجد من جهته بالتفرق، فلا يكون مقبولا.
وكذلك أن تشاغلا عنه بما يقطعه: لأن معرض عن العقد أيضا بالاشتغال عن قبوله.
روي عن أحمد، في رجل مشى إليه قوم، فقالوا له: زوج فلانا.
قال: قد زوجته على ألف.
فرجعوا إلى الزوج فأخبروه، فقال: قد قبلت، هل يكون هذا نكاحا.
قال: نعم.
ويشترط الشافعية الفور.
قالوا: فان فصل بين الايجاب والقبول بخطبة بأن قال الولي: زوجتك، وقال الزوج: بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، قبلت نكاحها، ففيه وجهان: أحدهما وهو قول الشيخ أبي حامد الاسفراييني، أنه يصح، لأن الخطبة مأمور بها للعقد، فلم تمنع صحته: كالتيمم بين صلاتي الجمع.
والثاني: لا يصح، لأنه فصل بين الايجاب والقبول.
فلم يصح.
كما لو فصل بينهما بغير الخطبة.
ويخالف التيمم فإنه مأمور به بين الصلاتين، والخطبة مأمور بها قبل العقد.
وأما مالك، فأجاز التراخي والسير بين الايجاب والقبول.
وسبب الخلاف، هل من شرط الانعقاد وجود القبول من المتعاقدين في وقت واحد معا؟ أم ليس ذلك من شرطه؟
3- ألا يخالف القبول الايجاب إلا إذا كانت المخالفة إلى ما هو أحسن للموجب، فانها تكون أبلغ في الموافقة.
فإذا قال الموجب: زوجتك ابنتي فلانة، على مهر قدره مائة جنيه، فقال القابل: قبلت زواجها على مائتين، انعقد الزواج، لاشتمال القبول على ما هو أصلح.
4- سماع كل من المتعاقدين بعضهما من بعض ما يفهم أن المقصود من الكلام هو إنشاء عقد الزواج، وإن لم يفهم منه كل منهما معاني مفردات العبارة، لأن العبرة بالمقاصد والنيات.

.ألفاظ الإنعقاد:
1- ينعقد الزواج بالالفاظ التي تؤدي إليه باللغة التي يفهمها كل من المتعاقدين، متى كان التعبير الصادر عنهما دالا على إرادة الزواج، دون لبس أو إبهام.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وينعقد النكاح بما عده الناس نكاحا بأي لغة ولفظ وفعل كان ومثله كل عقد.
وقد وافق الفقهاء على هذا بالنسبة للقبول، فلم يشترطوا اشتقاقه من مادة خاصة، بل يتحقق بأي لفظ يدل على الموافقة أو الرضا، مثل: قبلت، وافقت، أمضيت، نفذت.
أما الايجاب فإن العلماء متفقون على أنه يصح بلفظ النكاح والتزويج، وما اشتق منهما مثل: زوجتك، أو أنكحتك: لدلالة هذين اللفظين صراحة على المقصود.
واختلفوا في انعقاده بغير هذين اللفظين، كلفظ الهبة أو البيع أو التمليك أو الصدقة.
فأجازه الأحناف والثوري وأبو ثور وأبو داود.
لأنه عقد يعتبر فيه النية، ولا يشترط في صحته اعتبار اللفظ المخصوص، بل المعتبر فيه أي لفظ اتفق إذا فهم المعنى الشرعي منه: أي إذا كان بينه وبين المعنى الشرعي مشاركة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم زوج رجلا امرأة فقال: «قد ملكتكها بما معك من القرآن» رواه البخاري.
ولان لفظ الهبة انعقد به زواج النبي صلى الله عليه وسلم، فكذلك ينعقد به زواج أمته، قال الله تعالى: {يأيها النبي إنا أح للنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن} إلى قوله: {وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي}.
ولأنه أمكن تصحيحه بمجازه، فوجب تصحيحه، كايقاع الطلاق بالكنايات.
وذهب الشافعي وأحمد وسعيد بن المسيب وعطاء إلى أنه لا يصح إلا بلفظ التزويج أو الانكاح وما اشتق منهما، لأن ما سواهما من الالفاظ كالتمليك والهبة لا يأتي على معنى الزواج، ولان الشهادة عندهم شرط في الزواج، فإذا عقد بلفظ الهبة لم تقع على الزواج.

العقد بغير اللغة العربية:
اتفق الفقهاء على جواز الزواج بغير اللغة العربية إذا كان العاقدان أو أحدهما لا يفهم العربية.
واختلفوا فيما إذا كانا يفهمان العربية ويستطيعان العقد بها: قال ابن قدامة في المغني: ومن قدر على لفظ النكاح بالعربية لم يصح بغيرها، وهذا أحد قولي الشافعي.
وعند أبي حنيفة ينعقد، لأنه أتى بلفظه الخاص فانعقد به، كما ينعقد بلفظ العربية.
ولنا: أنه عدل عن لفظ الانكاح والتزويج مع القدرة فلم يصح كلفظ الاحلال.
فأما من لا يحسن العربية فيصح منه عقد النكاح بلسانه، لأنه عاجز عما سواه فسقط عنه: كالاخرس، ويحتاج أن يأتي بمعناهما الخاص بحيث يشتمل على معنى اللفظ العربي، وليس على من لا يحسن العربية تعلم ألفاظ النكاح بها.
وقال أبو الخطاب: عليه أن يتعلم، لأن ما كانت العربية شرطا فيه لزمه أن يتعلمها مع القدرة، كالتكبير.
ووجه الأول أن النكاح غير واجب، فلم يجب تعلم أركانه بالعربية كالبيع بخلاف التكبير.
فان كان أحد المتعاقدين يحسن العربية دون الاخر أتى الذي يحسن العربية بها، والاخر يأتي بلسانه.
فان كان أحدهما لا يحسن لسان الاخر احتاج أن يعلم أن اللفظة التي أتى بها صحبه لفطة الانكاح أن يخبره بذلك ثقة يعرف اللسانين جميعا.
والحق الذي يبدو لنا أن هذا تشدد، ودين الله يسر، وسبق أن قلنا: إن الركن الحقيقي هو الرضا.
والايجاب والقبول ما هما إلا مظهران لهذا الرضا ودليلان عليه.
فإذا وقع الايجاب والقبول كان ذلك كافيا، مهما كانت اللغة التي أديا بها.
قال ابن تيمية: إنه أي النكاح وان كان قربة، فانما هو كالعتق والصدقة، لا يتعين له لفظ عربي ولا عجمي.
ثم أن الاعجمي إذا تعلم العربية في الحال ربما لا يفهم المقصود من ذلك اللفظ، كما يفهم من اللغة التي اعتادها.
نعم لو قيل: تكره العقود بغير العربية لغير حاجة، كما يكره سائر أنواع الخطاب بغير العربية لغير حاجة، لكان متوجها.
كما روي عن مالك وأحمد والشافعي ما يدل على كراهية اعتياد المخاطبة بغير العربية لغير حاجة.
.زواج الاخرس:
ويصح زواج الاخرس باشارته إن فهمت كما يصح بيعه، لأن الاشارة معنى مفهم.
وإن لم تفهم إشارته لا يصح منه، لأن العقد بين شخصين، ولا بد من فهم كل واحد منهام ما يصدر من صاحبه.

.عقد الزواج للغائب:
إذا كان أحد طرفي العقد غائبا وأراد أن يعقد الزواج فعليه أن يرسل رسولا أو يكتب كتابا إلى الطرف الاخر يطلب الزواج.
وعلى الطرف الاخر - إذا كان له رغبة في القبول - أن يحضر الشهود ويسمعهم عبارة الكتاب أو رسالة الرسول، ويشهدهم في المجلس على أنه قبل الزواج.
ويعتبر القبول مقيدا بالمجلس.

.شروط صيغة العقد:
اشترط الفقهاء لصيغة الايجاب والقبول: أن تكون بلفظين وضعا للماضي، أو وضع أحدهما للماضي والاخر للمستقبل.
فمثال الأول: أن يقول العاقد الأول: زوجتك ابنتي.
ويقول القابل: قبلت.
ومثال الثاني: أن يقول الخاطب أزوجك ابنتي، فيقول له: قبلت.
وإنما اشترطوا ذلك، لأن تحقق الرضا من الطرفين وتوافق ارادتهما هو الركن الحقيقي لعقد الزواج، والايجاب والقبول مظهر أن لهذا الرضا كما تقدم.
ولابد فيهما من أن يدلا دلالة قطعية على حصول الرضا وتحققه فعلا وقت العقد.
والصيغة التي استعملها الشارع لانشاء العقود هي صيغة الماضي، لأن دلالتها على حصول الرضا من الطرفين قطعية.
ولا تحتمل أي معنى آخر بخلاف الصيغ الدالة على الحال أو الاستقبال، فانها لا تدل قطعا على حصول الرضا وقت التكلم.
فلو قال أحدهما: أزوجك ابنتي.
وقال الاخر: أقبل، فإن الصيغة منهما لا ينعقد بها الزواج، لاحتمال أن يكون المراد من هذه الالفاظ مجرد الوعد.
والوعد بالزواج مستقبلا ليس عقدا له في الحال، ولو قال الخاطب: زوجني ابنتك، فقال الاخر: زوجتها لك، انعقد الزواج، لأن صيغة زوجني دالة على معنى التوكيل، والعقد يصح أن يتولاه واحد عن الطرفين.
فإذا قال الخاطب: زوجني، وقال الطرف الاخر: قبلت، كان مؤى ذلك أن الأول وكل الثاني، والثاني أنشأ العقد عن الطرفين بعبارته.
اشتراط التنجيز في العقد:
كما اشترطوا أن تكون منجزة: أي أن الصيغة التي يعقد بها الزواج يجب أن تكون مطلقة غير مقيدة بأي قيد من القيود، مثل أن يقول الرجل للخاطب: زوجك ابنتي، فيقول الخاطب: قبلت.
فهذا العقد منجز.
ومتى استوفى شروطه وصح ترتبت عليه آثاره.
ثم أن صيغة العقد قد تكون معلقة على شرط، أو مضافة إلى زمن مستقبل أو مقرونة بوقت معين، أو مقترنة بشرط، فهي في هذه الاحوال لا ينعقد بها العقد واليك بيان كل على حدة:

.1- الصيغة المعلقة على شرط:
وهي أن يجعل تحقق مضمونها معلقا على تحقق شيء آخر بأداة من أدوات التعليق: مثل أن يقول الخاطب: أن التحقت بالوظيفة تزوجت ابنتك، فيقول الاب: قبلت، فإن الزواج بهذه الصيغة لا ينعقد، لأن انشاء العقد معلق على شيء قد يكون، وقد لا يكون في المستقبل.
وعقد الزواج يفيد ملك المتعة في الحال، ولا يتراخى حكمه عنه، بينما الشرط - وهو الالتحاق بالوظيفة - معدوم حال التكلم، والمعلق على المعدوم معدوم.
فلم يوجد زواج.
أما إذا كان التعليق على أمر محقق في الحال فان الزواج ينعقد، مثل أن يقول: إن كانت ابنتك سنها عشرون سنة تزوجتها.
فيقول الاب: قبلت.
وسنها فعلا عشرون سنة.
وكذلك إن قالت: إن رضي أبي تزوجتك، فقال الخاطب، قبلت، وقال أبوها في المجلس: رضيت.
إذ أن التعليق في هذه الحال صوري، والصيغة في الواقع منجزة.

.2- الصيغة المضافة إلى زمن مستقبل:
مثل أن يقول الخاطب: تزوجت ابنتك غدا أو بعد شهر: فيقول الاب: قبلت، فهذه الصيغة لا ينعقد بها الزواج، لا في الحال، ولا عند حلول الزمن المضاف إليه، لأن الاضافة إلى المستقبل تنافي عقد الزواج الذي يوجب تمليك الاستمتاع في الحال.

.3- الصيغة المقترنة بتوقيت العقد بوقت معين:
كأن يتزوج مدة شهر، أو أكثر، أو أقل فان الزواج لا يحل، لأن المقصود من الزواج دوام المعاشرة للتوالد، والمحافظة على النسل، وتربية الأولاد.
ولهذا حكم الفقهاء على زواج المتعة والتحليل بالبطلان، لأنه يقصد بالأول مجرد الاستمتاع الوقتي، ويقصد بالثاني تحليل الزوجة الأول.
وإليك تفصيل القول في كل منهما:
زواج المتعة: ويسمى الزواج المؤقت، والزواج المنقطع، وهو أن يعقد الرجل على المرأة يوما أو اسبوعا أو شهرا وسمي بالمتعة.
كأن لرجل ينتفع ويتبلغ بالزواج ويتمتع إلى الاجل الذي وقته.
وهو زواج متفق على تحريمه بين أئمة المذاهب.
وقالوا: انه إذا انعقد يقع باطلا واستدلوا على هذا:
أولا: إن هذا الزواج لا تتعلق به الاحكام الواردة في القرآن بصدد الزواج، والطلاق، والعدة، والميراث، فيكون باطلا كغيره من الانكحة الباطلة.
ثانيا: أن الأحاديث جاءت مصرحة بتحريمه.
فعن سبرة الجهني: أنه غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم في فتح مكة فأذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في متعة النساء.
قال: فلم يخرج منها حتى حرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي لفظ رواه ابن ماجه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم المتعة فقال: «يا أيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع، ألا وان الله قد حرمها إلى يوم القيامة».
وعن علي رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر، وعن لحوم الحمر الأهلية».
ثالثا: أن عمر رضي الله عنه حرمها وهو على المنبر أيام خلافته، وأقره الصحابة رضي الله عنهم وما كانوا ليقروه على خطأ لو كان مخطئا.
رابعا: قال الخطابي: تحريم المتعة كالاجماع إلا عن بعض الشيعة، ولا يصح على قاعدتهم في الرجوع في المخالفات إلى علي، فقد صح عن علي أنها نسخت.
ونقل البيهقي عن جعفر بن محمد أنه سئل عن المتعة، فقال: هي الزنا بعينه.
خامسا: ولأنه يقصد به قضاء الشهوة، ولا يقصد به التناسل، ولا المحافظة على الأولاد، وهي المقاصد الاصلية للزواج، فهو يشبه الزنا من حيث قصد الاستمتاع دون غيره.
ثم هو يضر بالمرأة، إذ تصبح كالسلعة التي تنتقل من يد إلى يد، كما يضر بالأولاد، حيث لا يجدون البيت الذي يستقرون فيه، ويتعهدهم بالتربية والتأديب.
وقد روي عن بعض الصحابة وبعض التابعين أن زواج المتعة حلال، واشتهر ذلك عن ابن عباس رضي الله عنه، وفي تهذيب السنن: وأما ابن عباس فانه سلك هذا المسلك في إباحتها عند الحاجة والضرورة، ولم يبحها مطلقا، فلما بلغه إكثار الناس منها رجع.
وكان يحمل التحريم على من لم يحتج إليها.
قال الخطابي: أن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: هل تدري ما صنعت، وبم أفتيت؟ قد سارت بفتياك الركبان، وقالت فيه الشعراء.
قال: وما قالوا؟ قلت: قالوا: قد قلت للشيخ لما طال محبسه - يا صاح هل لك في فتيا ابن عباس؟ هل لك في رخصة الاطراف آنسة - تكون مثواك حتى رجعة الناس؟ فقال ابن عباس: إنا لله وإنا إليه راجعون! والله ما بهذا أفتيت، ولا هذا أردت، ولا أحللت إلا مثل ما أحل الله الميتة والدم ولحم الخنزير، وما تحل إلا للمضطر، وما هي إلا كالميتة والدم ولحم الخنزير.
وذهبت الشيعة الإمامية إلى جوازه، وأركانه عندهم:
1- الصيغة: أي أنه ينعقد بلفظ زوجتك وأنكحتك ومتعتك.
2- الزوجة: ويشترط كونها مسلمة أو كتابية، ويستحب اختيار المؤمنة العفيفة، ويكره بالزانية.
3- المهر: وذكره شرط ويكفي فيه المشاهدة ويتقدر بالتراضي ولو بكف من بر.
4- الأجل: وهو شرط في العقد.
ويتقرر بتراضيهما، كاليوم والسنة والشهر، ولابد من تعيينه.
ومن أحكام هذا الزواج عندهم:
1- الاخلال بذكر المهر مع ذكر الاجل يبطل العقد، وذكر المهر من دون ذكر الاجل يقلبه دائما.
2- ويلحق به الولد.
3- لا يقع بالمتعة طلاق، ولا لعان.
4- لا يثبت به ميراث بين الزوجين.
5- أما الولد فإنه يرثهما ويرثانه.
6- تنقضي عدتها إذا انقضى أجلها بحيضتين، إن كانت ممن تحيض، فإن كانت ممن تحيض ولم تحض فعدتها خمسة وأربعون يوما.
تحقيق الشوكاني:
قال الشوكاني: وعلى كل حال فنحن متعبدون بما بلغنا عن الشارع، وقد صح لنا عنه التحريم المؤبد.
ومخالفة طائفة من الصحابة له غير قادحة في حجيته، ولا قائمة لنا بالمعذرة عن العمل به، كيف والجمهور من الصحابة قد حفظوا التحريم وعملوا به، ورووه لنا؟ حتى قال ابن عمر - فيما أخرجه عنه ابن ماجه باسناد صحيح -: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أذن لنا في المتعة ثلاثا تم حرمها، والله لا أعلم أحدا تمتع وهو محصن إلا رجمته بالحجارة».
وقال أبو هريرة فيما يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «هدم المتعة الطلاق والعدة والميراث» أخرجه الدار قطني، وحسنه الحافظ.
ولا يمنع من كونه حسنا كون في إسناده مؤمل بن اسماعيل، لأن الاختلاف فيه لا يخرج حديثه عن حد الحسن إذا انضم إليه من الشواهد ما يقويه كما هو شأن الحسن لغيره.
وأما ما يقال من أن تحليل المتعة مجمع عليه، والمجمع عليه قطعي، وتحريمها مختلف فيه، والمختلف فيه ظني، والظني لا ينسخ القطعي، فيجاب عنه: أولا: بمنع هذه الدعوى أعني كون القطعي لا ينسخه الظني فما الدليل عليها؟ ومجرد كونها مذهب الجمهور غير مقنع لمن قام في مقام المنع يسائل خصمه عن دليل العقل والسمع باجماع المسلمين.
وثانيا: بأن لانسخ بذلك الظني إنما هو لاستمرار الحل، والاستمرار ظني لا قطعي.
وأما قراءة ابن عباس وابن مسعود وأبي بن كعب وسعيد بن جبير {فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى}، فليست بقرآن عند مشترطي التواتر، ولا سنة لأجل روايتها قرآنا، فيكون من قبيل التفسير للاية، وليس ذلك بحجة.
وأما من لم يشترط التواتر فلا مانع من نسخ ظني القرآن بظني السنة كما تقرر في الاصول. انتهى
.العقد على المرأة وفي نية الزوج طلاقها:
اتفق الفقهاء على أن من تزوج امرأة دون أن يشترط التوقيت وفي نيته أن يطلقها بعد زمن، أو بعد انقضاء حاجته في البلد الذي هو مقيم به، فالزواج صحيح.
وخالف الاوزاعي فاعتبره زواج متعة.
قال الشيخ رشيد رضا تعلقا على هذا في تفسير المنار: هذا وإن تشديد علماء السلف والخلف في منع المتعة يقتضي مع النكاح بنية الطلاق، وإن كان الفقهاء يقولون: إن عقد النكاح يكون صحيحا إذا نوى الزواج التوقيت ولم يشترطه في صيغة العقد.
ولكن كتمانه إياه يعد خداعا وغشا.
وهو أجدر بالبطلان من العقد الذي يشترط فيه التوقيت الذي يكون بالتراضي بين الزوج والمرأة ووليها، ولا يكون فيه من المفسدة إلا العبث بهذه الرابطة العظيمة التي هي أعظم الروابط البشرية، وإيثار التنقل في مراتع الشهوات بين الذواقين والذواقات، وما يترتب على ذلك من المنكرات.
وما لا يشترط فيه ذلك يكون على اشتماله على ذلك غشا وخداعا تترتب عليه مفاسد أخرى من العداوة والبغضاء وذهاب الثقة حتى بالصادقين الذين يريدون بالزواج حقيقته، وهو احصان كل من الزوجين للاخر، واخلاصه له، وتعاونهما على تأسيس بيت صالح من بيوت الأمة.
.صيغة العقد المقترنة بالشرط:
إذا قرن عقد الزواج بالشرط، فإما أن يكون هذا الشرط من مقتضيات العقد أو يكون منافيا له، أو يكون ما يعود نفعه على المرأة، أو يكون شرطا نهى الشارع عنه.
ولكل حالة من هذه الحالات حكم خاص بها نجمله فيما يلي:

.1- الشروط التي يجب الوفاء بها:
من الشروط ما يجب الوفاء به، وهي ما كانت من مقتضيات العقد ومقاصده ولم تتضمن تغييرا لحكم الله ورسوله، كاشتراط العشرة بالمعروف والانفاق عليها وكسوتها وسكناها بالمعروف، وأنه لا يقصر في شيء من حقوقها ويقسم لها كغيرها، وأنها لا تخرج من بيته إلا باذنه، ولا تنشز عليه ولا تصوم تطوعا بغير إذنه، ولا تأذن في بيته إذا بإذنه، ولا تتصرف في متاعه إلا برضاه ونحو ذلك.

.2- الشروط التي لا يجب الوفاء بها:
ومنها ما لا يجب الوفاء به مع صحة العقد، وهو ما كان منافيا لمقتضى العقد كاشتراط ترك الانفاق والوطء أو كاشتراط أن لا مهر لها، أو يعزل عنها، أو اشتراط أن تنفق عليه، أو تعطيه شيئا، أو لا يكون عندها في الاسبوع إلا ليلة، أو شرط لها النهار دون الليل.
فهذه الشروط كلها باطلة في نفسها، لأنها تنافي العقد.
ولأنها تتضمن إسقاط حقوق تجب بالعقد قبل انعقاده، فلم يصح، كما لو أسقط الشفيع شفعته قبل البيع.
أما العقد في نفسه فهو صحيح، لأن هذه الشروط تعود إلى معنى زائد في العقد لا يشترط ذكره ولا يضر الجهل به، فلم يبطل، كما لو شرط في العقد صداقا محرما، ولان الزواج يصح مع الجهل بالعوض، فجاز أن ينعقد مع الشرط الفاسد.

.3- الشروط التي فيها نفع للمرأة:
ومن الشروط ما يعود نفعه وفائدته الى المرأة، مثل أن يشترط لها ألا يخرجها من دارها أو بلدها، أو لا يسافر بها أو لا يتزوج عليها ونحو ذلك.
فمن العلماء من رأي أن الزواج صحيح وأن هذه الشروط ملغاة ولا يلزم الزوج الوفاء بها.
ومنهم من ذهب الى وجوب الوفاء بما اشترط للمرأة، فان لم يف لها فسخ الزواج.
والأول مذهب أبي حنيفة والشافعي وكثير من أهل العلم، واستدلوا بما يأتي:
1- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «المسلمون على شروطهم، إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا».
قالوا وهذا الشرط الذي اشترط يحرم الحلال، وهو التزوج والتسري والسفر. وهذه كلها حلال.
2- وقوله صلى الله عليه وسلم: «كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وان كان مائة شرط». قالوا: وهذا ليس في كتاب الله لأن الشرع لا يقتضيه.
3- قالوا: إن هذه الشروط ليست من مصلحة العقد ولا مقتضاه، والرأي الثاني مذهب عمر بن الخطاب وسعد بن أبي وقاص ومعاوية وعمرو بن العاص وعمر بن عبد العزيز وجابر بن زيد وطاووس والاوزاعي واسحاق والحنابلة، واستدلوا بما يأتي:
1- يقول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود}.
2- وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «المسلمون على شروطهم».
3- روى البخاري ومسلم وغيرهما عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج».
4- روى الاثرم بإسناده: أن رجلا تزوج امرأة وشرط لها دارها، ثم أراد نقلها، فخاصموه إلى عمر بن الخطاب فقال لها شرطها مقاطع الحقوق عند الشروط.
5- ولأنه شرط لها فيه منفعة ومقصود، لا يمنع المقصود من الزواج فكان لازما كما لو شرطت عليه زيادة المهر.
قال ابن قدامة مرجحا هذا الرأي ومفندا الرأي الأول: أن قول من سمينا من الصحابة، لا نعلم له مخالفا في عصرهم، فكان اجماعا.
وقول الرسول عليه الصلاة والسلام: «كل شرط...الخ».
أي ليس في حكم الله وشرعه، وهذا مشروع، وقد ذكرنا ما دل على مشروعيته، على أن الخلاف في مشروعيته، ومن نفى ذلك فعليه الدليل.
وقولهم: إن هذا يحرم الحلال، قلنا: لا يحرم حلالا، وانما يثبت للمرأة خيار الفسخ أن لم يف لها به.
وقولهم: ليس من مصلحته، قلنا: لا نسلم بذلك.
فانه من مصلحة المرأة، وما كان من مصلحد العاقد كان من مصلحة عقده.
وقال ابن رشد: وسبب اختلافهم معارضة العموم للخصوص، فأما العموم فحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس فقال في خطبته: «كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، ولو كان مائة شرط».
وأما الخصوص، فحديث عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج».
والحديثان صحيحان، خرجهما البخاري ومسلم.
إلا أن المشهور عند الاصوليين القضاء بالخصوص على العموم، وهو لزوم الشروط.
وقال ابن تيمية: ومقاصد العقلاء إذا دخلت في العقود، وكانت من الصلاح الذي هو المقصود لم تذهب عفوا ولم تهدر رأسا، كالاجال في الاعواض، ونقود الاثمان المعينة ببعض البلدان، والصفات في المبيعات، والحرفة المشروطة في أحد الزوجين.
وقد تفيد الشروط ما لا يفيده الاطلاق، بل ما يخالف الاطلاق.
- الشروط التي نهى الشارع عنها:
ومن الشروط ما نهى الشارع عنها ويحرم الوفاء بها: وهي اشتراط المرأة عند الزواج طلاق ضرتها.
فعن أبي هريرة أن النبي عليه السلام: «نهى أن يخطب الرجل على خطبة أخيه أو يبيع على بيعه، ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفئ ما في صحفتها أو إنائها فإنما رزقها على الله تعالى» متفق عليه.
وفي لفظ متفق عليه: نهى أن تشترط المرأة طلاق أختها..وعن عبد الله بن عمرو أن رسول الله عليه السلام قال: «لا يحل أن تنكح امرأة بطلاق أخرى» رواه أحمد.
فهذا النهي يقتضي فساد المنهي عنه، ولأنها شرطت عليه فسخ عقده وإبطال حقه وحق امرأته، فلم يصح، كما لو شرطت عليه فسخ بيعه.
فان قيل: فما الفارق بين هذا وبين اشتراطها أن لا يتزوج عليها، حتى صححتم هذا، وأبطلتم شرط طلاق الضرة.
أجاب ابن القيم عن هذا فقال: قيل: الفرق بينهما أن في اشتراط طلاق الزوجة من الاضرار بها وكسر قلبها وخراب بيتها وشماتة أعدائها ما ليس في اشتراط عدم نكاحها ونكاح غرها، وقد فرق النص بينهما، فقياس أحدهما على الاخر فاسد.
ومعنى الحديث: نهي المرأة الاجنبية أن تسأل رجلا طلاق زوجته، وإن يتزوجها فيصير لها من نفقته ومعونته ومعاشرته ما كان للمطلقة.

.5- ومن صور الزواج المقترن بشرط غير صحيح:
زواج الشغار:
وهو أن يزوج الرجل وليته رجلا، على أن يزوجه الاخر وليته، وليس بينهما صداق، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا الزواج فقال: «لا شغار في الإسلام» رواه مسلم عن ابن عمر، ورواه ابن ماجه من حديث أنس بن مالك.
قال في الزوائد: اسناده صحيح، ورجاله ثقات، وله شواهد صحيح.
2- وعن ابن عمر قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشغار».
والشغار: أن يقول الرجل للرجل: زوجني ابنتك أو أختك، على أن أزوجك ابنتي أو أختي، وليس بينهما صداق رواه ابن ماجه.

.رأي العلماء فيه:
استدل جمهور العلماء بهذين الحديثين على أن عقد الشغار لا ينعقد أصلا وأنه باطل.
وذهب أبو حنيفة الى أنه يقع صحيحا، ويجب لكل واحدة من البنتين مهر مثلها على زوجها، إذ أن الرجلين سميا ما لا تصلح تسميته مهرا، إذ جعل المرأة مقابل المرأة ليس بمال.
فالفساد فيه من قبل المهر، وهو لا يوجب فساد العقد، كما لو تزوج على خمر أو خنزير.
فان العقد لا يفسخ، ويكون فيه مهر المثل.

.علة النهي عن نكاح الشغار:
واختلف العلماء في علة النهي: فقيل: هي التعليق والتوقيف، كأنه يقول «لا ينعقد زواج ابنتي حتى ينعقد زواج ابنتك».
وقيل: أن العلة التشريك في البضع، وجعل بضع كل واحدة مهرا للاخرى.
وهي لا تنتفع به، فلم يرجع إليها المهر، بل عاد المهر إلى الولي، وهو ملكه لبضع زوجته بتمليكه لبضع موليته.
وهذا ظلم لكل واحدة من المرأتين وخلاء لنكاحها عن مهر تنتفع به.
قال ابن القيم: وهذا موافق للغة العرب.