الأحد، 25 مارس 2012

موسوعة العقيدة - أسماء الله الحسنى : السميع

السميع

 مع الدرس الخامس والخمسين من دروس أسماء الله الحُسنى والاسم اليوم السميع، السميع بموجب ما ورد في الحديث الشريف، اسمٌ من أسماء الله الحُسنى، والله سبحانه وتعالى سميع: أي متّصف بالسمع لجميع الموجودات.
 الله عز وجل واجب الوجود ما سواه ممكن الوجود سميع لكل الموجودات، كل ما سواه يسمعه، دون حاسة كبني البشر دون آلة كبني البشر، هناك آلة تلتقط الأصوات، أو هناك حاسة تسمع الأصوات، الله جل جلاله، ليس كمثله شيء، وكل ما خطر ببالك فالله بخلاف ذلك، سميع من دون حاسة أو آلة، سميع لمن ؟ لكل الموجودات على الإطلاق.
 يقول بعض العلماء: " الله جل جلاله سميع ؛ أي لا يعزُب عن إدراكه مسموع وإن خفي"، قد يكون صوتاً في النفس، قد يكون حديث النفس للنفس، قد يكون خاطرة تَرِدُ على الخاطر، قد يكون تساؤلاً يرد على الفكر، تساؤلاً خاطراً، أي شيء يخفى على الناس لا يخفى على الله فالله سبحانه وتعالى سميع لا يعزُب عن إدراكه مسموع وإن خفي، فهو السميع بغير جارحة لذلك وسع سمعه كل شيء.
 بالمناسبة ؛ ربنا عز وجل حينما كان ينعى على المشركين أنهم يعبدون من دون الله أصناماً، كان يقول لهم:
﴿إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14) ﴾
(سورة فاطر)
 المعنى المخالف أنه من لوازم الإله الذي ينبغي أن تعبده أن يسمعك، من دون واسطة، أحياناً أنت تتكل على شخص مهم، إذا ناديته أجابك، إن سألته أعطاك، لك عنده مكانة كبيرة، لكنك أنت في بلدة وهو في بلدة، قال لك هذا رقم هاتفي، لو أن هذا الهاتف معطل ما استفدت شيئاً، تناديه فلا يسمعك، هو يحتاج إلى آلة ليسمعك بها، إذاً لا قيمة له، الإله الذي ينبغي أن تعبده، ينبغي أن يسمعك بلا آلة ولا حاسة، ينبغي أن يسمعك وأنت في أي مكان وفي آية حالة، ينبغي أن يسمعك إن جهرت وإن أسررت:
﴿إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً (3)﴾
(سورة مريم)
 حدثني أخ أنهى خدمته الإلزامية، وهو لا يملك درهماً واحد، بحث عن عمل فلم يجد، أعطته أخته قطعة حُلِي لها، فباعها واشترى بثمنها بطاقة طائرة، إلى بعض دول الخليج، وسافر إلى هناك، أقسم لي أنه وهو في الطائرة، وهو ساكت، حدث نفسه حديثاً نفسياً، قال في نفسه: والله لإن أكرمني الله بهذه السفرة لأبنينَّ لله مسجداً، أقسم بالله هذا الخاطر ما ذكره بلسانه.. أخذ الله بيده وعاد إلى بلده، وبنى مسجداً، وصليت أنا في هذا المسجد، قال: هذا المسجد استجابة لنداء خفي ما ذكرته بلساني:
﴿إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا ﴾
 أنت بإمكانك أن تنادي ربك، وأنت ساكت، وشفتاك ملتصقتان، ولا أحد يعلم بهذا النداء، هذا الإله الذي ينبغي أن تعبده، خواطرك مكشوفة دعاؤك مسموع طلبك ملبَّىً، استغفارك مغفور، توبتك مقبولة.
 سيدنا يونس أين نادى ربه ؟ في بطن الحوت، والحوت في عمق البحر وفي ظلمة الليل:
﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)﴾
(سورة الأنبياء)
 يسمعك، وأنت في بيتك وأنت في عملك، وأنت في طائرة، وأنت على ظهر سفينة، وأنت في أعماق الوادي، وأنت في غابة وحولك وحوش كاسرة، وأنت في أي وضع يسمعك، إن نطقت وإن سكت، إن ناجيته بخواطرك، وإن ناجيته بلسانك هو سميع مجيب.
 قال: هو السميع بغير جارحة، وقيل وسع سمعه كل شيء، هو الذي يسمع نداء المضطرين، هو الذي يجيب دعاء المحتاجين:
﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ (62) ﴾
(سورة النمل)
 هو الذي يجيب دعاء المحتاجين:
((عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَالا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ يُمْهِلُ حَتَّى إِذَا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلُ نَزَلَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ هَلْ مِنْ تَائِبٍ هَلْ مِنْ سَائِلٍ هَلْ مِنْ دَاعٍ حَتَّى يَنْفَجِرَ الْفَجْرُ ))
(صحيح مسلم)
 سميع، سميع في كل أحوالك:
﴿فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آَخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213) وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (216) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217) الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (220) ﴾
(سورة الشعراء)
 يراك ويسمعك ويعلم ما في نفسك.
 إذا تكلمت يسمعك، إن تحركت يراك، يراك حين تقوم، إن وقفت وسكت يعلم ما في نفسك، سميع بصير عليم، لا تحتاج إلى طلب، ولا إلى يمين، ولا إلى وثيقة، ولا إلى شاهد، ألك عند الله حاجة ؟ هذا قول سيدنا جبريل لسيدنا إبراهيم، قال: منك ؟ قال لا من الله، قال: علمه بحالي يغني عن سؤالي.
إذا كنت في كل حال معي  فعن حمل زادي أنا في غنى
***
 طالب ذكر لي أنه يحضّر دكتوراه في بلد غربي، وأستاذه صعب جداً، واختار موضوعاً عويصاً، وأمضى فيه أربع سنوات، ثم وصل البحث إلى طريق مسدود، فإن لم يفلح في متابعة البحث، يجد بحثاً في الرياضيات، في الفضاء الخارجي، فإن لم يصل هذا البحث إلى معادلة متوازنة فالموضوع كله مرفوض، ومضى له به أربع سنوات، قال لي: ضاقت نفسي في الإقامة بهذا البلد، وحينما تصورت أني سأعيد أربعة سنوات أخرى كبرُ الأمر عليّ. فجأة خر لله ساجداً، وقال يا رب، إن كنت تعلم أنني حضرت إلى هذه البلاد لأكتسب علماً أنفع به المسلمين وقد حرَمْتُ نفسي كل المنهيات، ما من بيت في هذه البلاد ويخلو من هذه المُلهِيات، حَرَمْتُ نفسي هذه الملهيات خجلاً من وجهك الكريم إن كنت عملتُ هذا العمل خالصاً لك فيسر لي هذا البحث، والله إنسان صادق هو الآن.
 فالله عز وجل ألهمه طريقة جديدة في حل هذه المعادلة، بعد حين وصل بها إلى التوازن، قال لي وأنا بين الطلاب في مكتبة الجامعة، لم أملك نفسي إلا أن خررت على الأرض ساجداً شاكراً لله عز وجل، حصَّل دكتوراه، والآن هو أستاذ في الجامعة عندنا.
 إلهٌ يقول لك: اُدعُني أستجب لك أنا أسمعك، أنت حينما تصلي ألا تقول سمع الله لمن حمده، يعني يا عبدي أنا أسمعك، فإذا قلت له ربنا لك الحمد والشكر والنعمة والرضى، ربنا لك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً بعدد خلقك، وهو يسمعك، الإله الذي ينبغي أن تعبده ينبغي أن يسمعك، لأنه أمَرَك أن تعبده، والعبادة دعاء، والدليل:
﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60)﴾
(سورة غافر)
 يعني الدعاء عبادة.
 إذاً هو الذي يسمع نداء المضطرين، يجيب دعاء المحتاجين يعين الملهوفين، يسمع حمد الحامدين، يسمع دعاء الداعين، يسمع دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، يسمع خطرات القلوب، يسمع هواجس النفوس، يسمع مناجاة الضمائر.
 الآن هناك نقطة دقيقة في الدرس حول اسم السميع، إنك كإنسان إن خاطبك واحداً وخاطبك آخر تقول له انتظر أنا إنسان واحد.. لكن خالق السماوات والأرض لو أن خمسة آلاف مليون إنسان الآن دعوه معاً لسمع دعاء كل واحد منهم.
 قال العلماء: " لا تمنعه إجابة دعاء شخص عن إجابة دعاء شخص آخر، لا يشغله سماع مخلوق عن سماع مخلوق آخر ".
 نحن إمكانيتنا محدودة، حتى إذا رجل تصور أنه هناك إنسان يستطيع أن يفعل أشياء عديدة في وقت واحد فهذا وهم، الإنسان في وقت واحد لا يستطيع إلا أن ينصرف إلى شيء واحد، ولكن الذي يبدو للناس من أن فلاناً يستمع ويتصل ويأمر وينهى في آن واحد، هذا عنده قدرة نادرة اسمها سرعة التنقل من جهة إلى جهة، أما الإنسان في وقت واحد لا يستطيع أن يستمع إلا إلى شيء واحد، إلا أن الله سبحانه وتعالى لا يشغله سماع دعاء عن دعاء، ولا إجابة دعاء عن دعاء ولو أن الخلق كلهم توجهوا إليه، يسمعهم جميعاً ويتوجه إليهم جميعاً، لكن الإنسان يتوهم أنه إذا ناجى ربه فربه لا يستمع إلا إليه، هذا خطأ لا يشغله دعاء عن دعاء ولا سماع دعاء عن دعاء ولا استجابة دعاء عن دعاء.
 يسمع كل نجوى، ولا يخفى عليه شيء في الأرض والسماء، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.. خائنة الأعين، كيف ؟ أوضح مثل طبيب بإمكانه أن ينظر إلى جسد المرأة لعلة العلاج، فلو شطحت عينه إلى مكان آخر ولا يستطيع أحد في الأرض أن يكشف هذه المخالفة لكن الله وحده يكشفها، أنت جالس في غرفة النوم وفي غرفة مظلمة خرجت جارتك من الشرفة، من يستطيع أن يعرف أنك تنظر إليها أو لا تنظر هي لا تراك أساساً، أنت في غرفة مظلمة وهي في الشرفة يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، خاطر قد يخطر لك.
 أحياناً إنسان يُجري عقد نكاح في بلد غربي وفق الشريعة الإسلامية تماماً، إيجابٌ، وقبول، ومهر وشاهدان، وعند القاضي، والأمر كله وفق قواعد الشرع، لكن في نفسه أنه بعد أن ينهي دراسته يطلقها، من يعلم ذلك، هل يستطيع القاضي أن يكشف هذه الحقيقة، ليس على نية التأبيد على نية التوقيت، الله يعلم خواطر الإنسان، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، والإنسان لما يعرف أنه مكشوف أمام الله خواطره مكشوفة، مناجاة ضميره مكشوفة، نواياه البعيدة مكشوفة، خطراته مكشوفة، عندئذ يستحي من الله، لذلك هنيئاً لمن أضمر الخير لكل الخلق:
﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)﴾
(سورة الشعراء)
 قال الإمام الرازي عن اسم السميع: " إن الله سبحانه وتعالى يسمع دعوات عباده، ويسمع تضرعاتهم إليه، ولا يشغله نداء عن نداء، ولا يمنعه إجابة دعاء عن دعاء، وقيل السميع هو الذي يسمع دعوتك عند الاضطرار، ويكشف محنتك عند الافتقار، ويغفر زلتك عند الاستغفار وقبل معذرتك عند الاعتذار ".
 واحد خرج من المسجد، أناس يجمعون مالاً لبناء مسجد آخر، قال لي والله معي مبلغ محدود لا أملك غيره، مئتا ليرة، هممت أن أضعه ثم قلت لا لا أملك غيره، لعلني أحتاج إليه قال لي: وقع في نفسي خطاب من الله، يعني يا عبدي حينما كنت تنفق هل قطعناك عن المال قال فاستحييت وألقيت المائتين في مكان التبرع، قال والله ما مضى ساعة أو ساعات إلا وجاءني مبلغ لم يكن يخطر على بالي إطلاقاً، هو لما امتنع شعر أن الله علم بامتناعه، شعر أن هذه الخاطرة ( أنا لا أملك غير هذا المبلغ فكيف أنفقه).
 بالمناسبة كي لا تعدُّوها حكماً شرعياً. الإنسان ليس مكلفاً أن ينفق كل ما يملك، دائماً نحن عندنا حكم شرعي وعندنا مواقف شخصية، نقطة دقيقة جداً من الله عز وجل قال:
﴿وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195)﴾
(سورة البقرة)
 قال المفسرون لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة إن أنفقتم كل أموالكم، ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة إن لم تنفقوا، فأنت هالِكٌ مرتين، هالكٌ إن أنفقت المال كله وهالِكٌ إن لم تنفق شيئاً، لكن هناك حالات خاصة ليست حكماً شرعياً إنما هي مواقف شخصية.
 الإنسان أحياناً يتعامل مع الله بطريق المؤاثرة، بطريقة البذل بطريقة التضحية، والله عز وجل لا يخيب رجاءه ولا يمنع عنه عطاءه، فإذا ذكرت هذه القصة لا لأدعوكم إلى أن تنفقوا كل أموالكم لا لكن الإنسان يجد موقفاً في أمس الحاجة إلى أن ينفق، وهو لا يملك إلا مبلغاً محدوداً، فإذا أنفقه ليحل مشكلة أخيه، مشكلة عويصة قد تكون، لكن هذه الحالات الاستثنائية، الله عز وجل يهيئ تعويضاً جزيلاً لهذا الذي آثر أخاه، لأن الله عز وجل قال:
﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(9)﴾
(سورة الحشر )
 السميع هو الذي أجاب دعوتك عند الاضطرار، وكشف محنتك عند الافتقار، وغفر زلتك عند الاستغفار، وقبل معذرتك عند الاعتذار ورحم ضعفك عند الذلة والانكسار.
 وقيل: السميع هو الذي يسمع المناجاة ويقبل الطاعات ويُقيل العثرات.
 الآن السميع صفة لله عز وجل، يكشف بها كمال موصوفاته الله عز وجل كامل، كمالاً مطلقاً، إذا وُجِد شخص أمامك، محترم شخصية، وسيم الوجه، جميل الصورة، طليق اللسان، كلما قلت له كلمتين قال: بالله ما سمعت ارفع صوتك.. ضَعُف سمعه أليس نقصاً في كماله.
 الله جل جلاله من لوازم كمال صفاته أنه سميع، لذلك نكشف بسمعه تعالى كمال صفاته، هذه الصفة تكشف حقائق المسموعات، كل شيء يُسمع أولا يُسْمَع الله جل جلاله يسمعه، انكشافاً تاماً ليس بأذن ولا جارحة، الله عز وجل نكشف نحن بصفة سماعه كمال ذاته، ويكشف الله بسمعه حالات كل مخلوقاته.
 مثلاً: مدير مدرسة، جالس في مكتبه بالإدارة، عنده ثلاثون شعبة وثلاثون مدرّساً، هل بإمكانه أن يستمع إلى كل مدرس ماذا يقول في هذه اللحظة، أحياناً يخرج من مكتبه ويدخل إلى أحد الصفوف، إذا دخل يسمع ما يقوله هذا المدرس.
 لكن لو فرضنا مثلاً، مدير وضع لَوَاقِطَ بكُلَّ شُعبة، بحيث إنه إذا أراد أن يستمع إلى ما يقوله فلان في هذه الشعبة، ضغط مفتاحاً يخرج صوت المدرس، نقول إن هذا المدير معلوماته أدق ومسيطر سيطرة جيدة على المدرسة، لكن هو نفسه المدير لو استمع إلى شعبة وضغط مفتاحاً آخر يضيع، هناك مسجلات فيها جهاز مضاعف، هل تستطيع أن تضع في كل جهاز شريط وتستمع إلى الاثنين، لا تستطيع، إن استمعت إلى هذا شوش عليك هذا، وإن استمعت إلى هذا شوش عليك هذا، الله عز وجل يسمع جميع خلقه في وقت واحد، هذا من كمال صفاته.
 العلماء قالوا: " إن صفة السميع زائدة على العلم "، كيف ؟ يعني من باب التوضيح فقط، ممكن أن تستمع إلى دقات قلب مريض، فإذا سمعت هذه الدقات علمت مقدارها وقوتها وشدتها، فأنت الآن تعلم حقيقة قلب هذا المريض، فالعلم واضح.
 لو أن هذا المريض له لغة غير عربية، وتكلم عن قلبه، وسمعت ما قال، سماعك لهذه اللغة غير علمك في وضع قلبه، لو أن المريض حدثك بلغته عن قلبه، فإن لم تكن أنت سميعاً، عِلْمك شيء وسماعك لما قاله عن قلبه شيء آخر، فلذلك العلماء قالوا "صفة السميع صفة زائدة على العلم "، الله عز وجل عليم وسميع وبصير.
 الله مُطلّع على قلب كل مخلوق، ولو أن هذا المخلوق دعا الله بلغة غريبة، إضافة إلى أن الله يعلم ما في قلبه، يسمع قوله في أي لغة.
 إذا سافر إنسان إلى بلد يجهل لغة أهلها، تراه ضائعاً لا يفهم شيئاً الصحف بهذه اللغة، المجلات بهذه اللغة، الإذاعة بهذه اللغة، كلام الناس بهذه اللغة، بالمطعم بهذه اللغة، لا يفقه شيئاً، فالإنسان إذا لم يسمع أو لم يفهم ما سمع، يضعف مركزه "كالأطرش " فمن كمال صفات الله أنه سميع، وسمعه زائد عن علمه، علمه شيء وسمعه شيء آخر.
 يعني إن الله عز وجل يدرك كل مسموع وإن خفي صوته، فهو سبحانه وتعالى يسمع سواء أكان السمع من قبيل الأصوات أو من قبل الألوان، كيف نفهمها هذه ؟
 الإنسان يسمع الأصوات فقط، فإذا لم يوجد صوت لا يوجد سمع، الأذن تلتقط الموجات الصوتية، هذه الموجات تصيب غشاء الطبل بالاهتزاز هذا الاهتزاز ينتقل إلى الأذن الداخلية فيسمع الإنسان ثم يُدرك ما سمع أما لو أن الذي أمامك بقي ساكتاً هل تسمع، هو واقف أمامك وهو ساكت لكن يقول في نفسه والله إني أحب فلاناً، هذا خاطر، الإله يسمع المسموعات ذوات الأصوات، كما يسمع ما خفي ومالا صوت له.
 الإمام الغزالي، يرى أن الله يسمع، لكن سمعه مُنزّه عن تغيير يعتريه عند حدوث المسموعات، غشاء الطبل ساكن فإذا سمع الإنسان صوتاً قوياً هذا الغشاء يهتز، ولولا هذا الاهتزاز لما سمع الصوت نقول لقد أصاب هذا الغشاء تغيير اعتراه حتى نقل الصوت، قال: الله جل جلاله مُنزّه عن هذا، يعني لا يسمع بتغيير يصيب سمعه، هذا شيء مستحيل أن يليق بالله عز وجل.
 والله سبحانه وتعالى مُقدّس عن أن يسمع بأذن أو آلة أو أداة والسمع في حقه جل جلاله عبارة عن صفة ينكشف بها كمال صفات المسموعات. الله عز وجل يكشف بسمعه أحوال خلقه جميعاً، من دون آلة ولا جارحة ولا اهتزاز ولا تغير يعتري سمع الله عز وجل.
 لذلك السميع برأي الإمام الرازي هو صاحب الانكشاف والتجلّي، الإنسان يضمر شيئاً، الله سميع: يكشف حال هذا المخلوق.
 السمع أحياناً له معانٍ أخرى، أحد العلماء قال ؛ للسمع أربعة معان في حق الله عز وجل:
 الأول: سمع الإدراك ويتعلق بالأصوات، يؤكد هذا المعنى قوله تعالى:
﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1)﴾
(سورة المجادلة)
 امرأة اشتكت إلى النبي، قالت: يا رسول الله إن زوجي تزوجني وأنا شابة ذات أهل ومال وأولاد، فما كبرت سني ونفر بطني وتفرق أهلي وذهب مالي، قال: أنت علي كظهر أمي، ولي منه أولاد، إن تركتهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إلي جاعوا، بكى النبي علي الصلاة والسلام، نزل قوله تعالى:
﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾
 هذا أول معنى من معان السماع، سماع الإدراك.
 المعنى الثاني: سماع الفهم " اسمع ما أقول " في التعبير الدارج يعني أفهم، يتكلم الإنسان، يؤكده قول الله تعالى:
﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (21) ﴾
(سورة الأنفال)
 السماع هنا معنى الإدراك، التفهم، الله عز وجل يعرف وضعك في أدق التفاصيل، يعرف ظروفك الصعبة، يعرف العقبات التي أمامك يعرف الصوارف التي تصرفك عن هذا الشيء، يعرف حجم التضحية سماع دعاءك " يا رب أنا مضطر، يا رب استجب لي " هذا كلام، لكن حجم اضطرارك يعرفه الله عز وجل، فالله عز وجل فضلاً عن أنه يسمع دعاءك كصوت يعلم حقيقة حالك كحال، فأول سماع سماع الصوت، السماع الثاني سماع الفهم.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104)﴾
(سورة البقرة)
 يعني افهموا.
 إذا رجل قال للآخر انتبه، على كتفك عقرب بصوت واضح ونقي نبرات حادة ورفع الصوت فالتفت إليه بهدوء وقال له أنا أشكرك على هذه الملاحظة وتلك النصيحة وأرجو الله سبحانه وتعالى أن يلهمني أن أشكرك عليه، ولم يبادر إلى رميه، أيكون سمع ما قيل له ؟.. هذا سمع ولم يسمع، سمع صوت لكن لم يفقه ما معنى عقرب، لو فهم لقفز ولصرخ، ما دام بقي هادئ والتفت بهدوء وشكرك معناها لم يسمع بمعنى لم يفهم، الصوت وصل إليه، فهناك سماع صوت وهناك سماع فهم:
﴿ وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ ﴾
 لم يفهموا.
﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5)﴾
(سورة الجمعة الآية 5)
 المعنى الثالث: سَمْع الإجابة وإعطاء ما سئل، كما في الدعاء المأثور " اللهم اسمع " يعني أجب وأعط ما سألتك.
 المعنى الرابع: القبول والانقياد، قال تعالى:
﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ﴾
(سورة المائدة 42)
 إذا رجلٌ قال لك: فلان أمانته ضعيفة، معقول.. طبعاً معقول.. لن أُعطيه شيئاً، أنت سمعته وصدقته، أحياناً تقول هذا الكلام غير مسموع لا أقبله، معنى سماعون للكذب منقادون له مصدقون له.
 فصار أول معنى سمََاع الصوت، المعنى الثاني الفهم والإدراك المعنى الثالث الاستجابة، المعنى الرابع الانقياد، كل هذه المعاني وردت في كتاب الله عز وجل فيما يتعلق بالسمع.
 يؤكد معنى أن السمع هو الاستجابة قول النبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء المأثور:
((عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ قَلْبٍ لا يَخْشَعُ وَمِنْ دُعَاءٍ لا يُسْمَعُ وَمِنْ نَفْسٍ لا تَشْبَعُ وَمِنْ عِلْمٍ لا يَنْفَعُ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَؤُلاءِ الأَرْبَعِ ))
(سنن الترمذي)
 يعني لا يُستجاب له.
((عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الأَصْوَاتَ لَقَدْ جَاءَتْ خَوْلَةُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَشْكُو زَوْجَهَا فَكَانَ يَخْفَى عَلَيَّ كَلامُهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا ﴾ الآيَةَ ))
( رواه البخاري)
 عندما قال النبي في الطائف بعد أن دعاهم فكذبوه، بعد أن استعانهم خذلوه بعد أن استنصرهم فلم ينصروه، بعد أن قال كفوا عني فآذوه أغروا به صبيانهم ضربوه بالحجارة، دميت قدماه، رفع يديه إلى السماء، قال يا رب:
(( اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس، يا رب المستضعفين وربي إلى من تكلني ؟ إلى عدو ملّكته أمري، أم إلى بعيد يتجهمني، إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي، ولك العُتبى حتى ترضى لكن عافيتك هي أوسع لي ))
 هذا هو دعاء الطائف، مشهور.
 في الإسراء، قال تعالى:
﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ(1)﴾
(سورة الإسراء الآية 1)
 بحسب السياق، يتوهم الإنسان ما دام معجزة انتقالاً مفاجئاً من مكة إلى بيت المقدس، السياق يقتضي أن يقول الله عز وجل، إن الله على كل شيء قدير، قال:
﴿ إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾
 يعني هذا الإسراء وذاك المعراج مكافأة لك وتكريماً لك، وتكريم السماء تعويضاً عن جفوة الأرض، لأن الله سمع دعاءك في الطائف، وجاء قوله تعالى:
﴿ إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾
 أحياناً الإنسان يدعو الله عز وجل، " يا رب إني ضعيف، إني مغلوب فانتصر"، يمضي سنة فالله ينصره، فكأن هذا النصر هو جواب الدعاء، فالإنسان يستخدم الدعاء.
 هناك نقطة مهمة، يجب أن توقن بفاعليَّة الدعاء، إله يقول لك ادعوني أستجب لكم، والدعاء مقبول والطلب معقول والهدف الآخرة أو السلامة من الفتن في الدنيا، فكل إنسان دعا الله عز وجل يسمعه ويستجيب له.
 اسم السميع ورد في كتاب الله في أربعين آية:
﴿فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137)﴾
(سورة البقرة )
﴿هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (38) ﴾
(سورة آل عمران)
﴿وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (13) ﴾
(سورة الأنعام)
﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200)﴾
(سورة الأعراف)
﴿أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (42)﴾
(سورة الأنفال الآية42)
﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)﴾
(سورة التوبة)
﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (61) ﴾
(سورة الحج)
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21)﴾
(سورة النور)
﴿مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (28) ﴾
(سورة لقمان)
 سميع، معكم أينما كنتم، في بيتك وفي أحرج الظروف، وفي أدق المواقف، وفي أحلك الليالي، وفي السماء وفي الأرض، بالطائرة في السفينة، تغوص في أعماق البحر، تصعد في أطباق الفضاء، في بيتك في بستانك في عملك.
 سمعت طبيباً جراحاً مشهوراً، أنه لا يُجري عملية جراحية إلا إذا توضأ وصلى ركعتين لله عز وجل وفي السجود يسأله التوفيق، واللهِ سمعت عن هذا الطبيب نجاحات صعب أن نصدقها، يجري جراحات عصبية في الدماغ، يعني بالدماغ غلطة بواحد بالأف بالميلمتر يصاب طبعاً جراحة مكبرة تحت المجهر، فهذا الطبيب لا يجري عملية إلا إذا صلى ركعتين وفي السجود يسأل الله التوفيق والنتائج رائعة.
 هكذا المؤمن يجب أن يكون، في كل أعماله، إذا عقد صفقة، قبل أن تشتري هذه الصفقة، قبل أن تُقدم على هذا العمل، قبل أن تلقي هذا الدرس، قبل أن تعقد هذا العقد قبل أن تتكلم. قُلْ: توكلتُ على الله، ادعُ الله.
﴿ إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾
 الآن دققوا في آداب المؤمن بالنسبة لهذا الاسم، من علم أن الله يسمع كل شيء، هل بإمكانه أن يلفظ كلمة نابية ؟
 يقول واحد عشت معه ثلاثين سنة ما سمعت منه كلمة نابية، شيء وارد ولا اسم عورة، ولا كلمة مغشوشة إطلاقاً، من أين جاء هذا الانضباط باللسان، من معرفة المؤمن أن الله يسمعه، لذلك من أدب المؤمن مع الله في الاسم السميع حفظ لسانه من الباطل إلا بخير، ومن عرف أن الله تعالى سميع كان من أدبه دوام المراقبة، ومطالبة النفس بالمحاسبة، وينبغي للعبد أن يعلم أن الله تعالى، لم يخلق له السمع إلا ليسمع كلام الله أولاً.
 أدب ثانٍ الآن، هذه الأذن، إلى الآن طريقة عملها الدقيق مجهولة، يعني اهتزاز وصل إلى طبلة الأذن، نقل هذا الاهتزاز عبر عظيمات السمع إلى الأذن الوسطى، ثم إلى الأذن الداخلية، ثم نقل العصب السمعي هذا الأثر إلى الدماغ ففهمت الكلام المسموع.
 شخص يحكي كلاماً هاماً، نعم.. صح.. يسمع، ينتقل الكلام إلى غشاء الطبل إلى الأذن الوسطى...إلى الدماغ، إذا كان نغم رائع تطرب، ضجيج تضجر، فما النغم وما الضجيج، معقول أن يكون عندك ذاكرة سمعية تعرف بها أصوات الناس جميعاً، الدليل على الهاتف، كلّما جاءتك مكالمة تعرف مَن المتكلم، مِن أول كلمة ! فلان.
 الإنسان نبرة صوته هوية، لا يوجد إنسان في الأرض نبرة صوته كإنسان آخر، أبداً، قزحية العين، ونبرة الصوت ورائحة الجلد وبلازما الدم، والبَنان، بصمة الإصبع، هذه هوية الإنسان، فأنت عندك ذاكرة، يقول لك بعض الحواسب تقرأ أربعمائة وخمسين مليون حرف، هذا صنع الإنسان، أنت يكون في حياتك مائتا شخص تعرفهم، أحياناً شخص تاركه من عشرين سنة تقول له فلان.. معناها سمعته، طيب هذه الأذن التي تلفت نظر العلماء في دقتها، في أذنين من أجل أن تعرف جهة الصوت، في عينين من أجل أن تعرف البعد الثالث، بعين واحدة بعد واحد، في العينين ترى العمق، في نغم في ضجيج في ذاكرة سمعية، يقول الأمام الغزالي:
 " ينبغي للعبد أن يعلم أن الله تعالى لم يخلق له هذا السمع إلا ليسمع كلام الله "، الذي يجلب آلة طحن لحم أغلى نوع في العالم ثمنها ثماني آلاف ليرة هذه للشخت أم للحم، بل للحم لا يليق أن تستعملها لأشياء رخيصة أو مبتذلة، كذلك الذي خلق الله سمعاً لا يليق به أن يسمع الغناء والكلام البذيء والغيبة والنميمة والإفك والبهتان، والكلام المنحط وذكر العورات، لا بل هذه الأذن ينبغي أن تستمع إلى الحق وإلى كلام الله عز وجل، " من استمع إلى قينة صُبَّ في أذنه الآنُك يوم القيامة " قيل وما الآنُك قال: الرصاص المذاب "..
 الله عز وجل أعطاك سمعاً أعطاك بصراً، أنتم تصدقون من باب حسن الظن بالله، أن إنسان له عين يغض بها عن محارم الله، تنهمر منها دمعتان من خشية الله، تظنون أن هذا الإنسان يمكن أن يرث عينه أم أن ترثه عينه، وفهمكم كفاية، " ومتعنا اللهم بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا ".
 فالإنسان المؤمن ترثه عينه، وأذنه وقوته وعقله، يعني يستمتع بسمعه إلى آخر لحظة في حياته، يستمع للحق، هذا السمع يجب أن يكون للحق، إذا كان في كلام باطل قال:
﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آَيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (68) ﴾
(سورة الأنعام)
 قم.. مجلس فيه غيبة، فيه كلام بذيء فيه كلام فارغ، فيه لغو:
((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مِنْ قَوْمٍ يَقُومُونَ مِنْ مَجْلِسٍ لا يَذْكُرُونَ اللَّهَ فِيهِ إِلا قَامُوا عَنْ مِثْلِ جِيفَةِ حِمَارٍ وَكَانَ لَهُمْ حَسْرَةً ))
(سنن أبي داوود)
 ينبغي أن تستمع إلى الحق، والعبد إذا تقرّب من ربه بالنوافل أحبه الله فأفاض على سمعه نوراً تنفذ به بصيرته،
((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ ))
(صحيح البخاري)
 صار في سمعه نور، كيف يعني ؟ يعني الباطل لا يسمعه، كلام بخلاف القرآن لا يسمعه، هذا الكلام غير مسموع لا أسمعه، غيبة يرفضها، صار في سمعه نوراً.
 جاء في بعض الأدعية " إلهي أنت السميع لحركات القلوب وخطرات النفوس، السميع لنداء المضطرين، المغيث لجميع المحتاجين، أشرِقْ على سمعي نوراً منك أسمع به تسبيح الكائنات في الأرض والسماوات ".
(( أعرف حجراً بمكة كما قال النبي كان يسلم عليّ وأسلم عليه ))
 امنحني قوةً روحية أسمع بها عهدك " ألست بربكم " إنك على كل شيء قدير.
الحمد لله رب العالمين
 اسم السميع من أدق الأسماء الإلهية، وهو من أقرب الأسماء إليك لأنك كلما ناجيته يسمعك ويستجيب لك، هذا اسم السميع، وينبغي أن تعلم أنه ليس هناك معرفة في الأرض تعلو على أن تعرف الله في أسمائه الحُسنى، ما من معرفة في الأرض أعظم وأجل وأدق وأخطر في حياتك من أن تعرف أسماء الله الحُسنى، وهذا اسم السميع