الظاهر والباطن
الحمد لله رب العالمين، مع الاسم الرابع والخمسين من أسماء الله الحُسنى، ومع الاسمين المجتمعين الظاهر والباطن وقد كان موضوع البحث السابق: الأول والآخر وهما اسمان مجتمعان أيضًا.
الظاهر والباطن اسمان من أسماء الله الحسنى، والظاهر في اللغة من الظهور، وهو بدوُّ الشيء الخفي، شيء خفي ظهر يُقال له ظاهر والظاهر أيضًا هو الغالب.
المعنى الأول من فعل: بدا أي ظهر، والمعنى الثاني الغالب من فعل غَلَب يغلب، قال تعالى:
﴿فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ (14)﴾
(سورة الصف)
أي أصبحوا غالبين والظاهر كذلك هو: الشيء الخارجي خلاف الباطن: الشيء الداخلي، نحن في مجال المعاني اللغوية الآن، والظهر: الركاب التي تحمل الأثقال على ظهورها، فلان عنده ظهر ؛ أي عنده دابة يحمل عليها، والظهير هو القوي، وفي الحديث:
((ما نزل من القرآن آية إلا ولها ظهر وبطن ))
الظهر لفظ الآية، والبطن تأويلها، هذه هي المعاني المتعددة التي يمكن أن تُستفاد من كلمة الظاهر.
لكنّ الظاهر، اسم من أسماء الله الحُسنى، فيقول العلماء أن يكون غالباً لخَلْقه، الله جل جلاله هو الغالب، هو القاهر، هو الفعّال لما يُريد، أمره هو النافذ، مشيئته هي المتحكمة، هو المهيمن، هو المسيطر، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، كل هذه المعاني مستفادة من كلمة ظاهر، ظهر على خلقه أي غلبهم، أمره هو النافذ بالقرآن الكريم آيات تؤكد هذا المعنى:
﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (4) ﴾
(سورة العنكبوت)
يعني: هل يمكن من الكافر أن يفعل شيئاً لم يرده الله ؟ لا يستطيع لأن الله هو الظاهر، هو الغالب، الكافر هل يستطيع أن يتفلت من قبضة الله ؟ لا يستطيع، لأن الله هو الظاهر، فإذا قلنا الله ظاهر بمعنى أنه غالب، مهيمن، مسيطر، أمره نافذ، فعال لما يريد، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وقد ورد هذا المعنى في قصة سيدنا يوسف عليه السلام، حينما وردت آية تشير إلى مغزى القصة، قال سبحانه:
﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21)﴾
(سورة يوسف)
فالإنسان قد يكون في دائرة لها مدير عام ولها معاون مدير، ولها موظفون ومكتب فني، ومكتب علاقات عامة فمن هو الرجل القوي في هذه الدائرة ؟ فيها واحد أمره هو النافذ وهو المدير العام، كذلك الله عز وجل -ولله المثل الأعلى- أمره وحده هو النافذ في الكون.
فمن طبيعتنا، إن وُجد في مكان، في تجمع، في دائرة، في مستشفى في معمل، رجلٌ هو القوي، هو المسيطر، أمره هو النافذ، الأنظار تتجه إليه، فالصفقات تُعقد معه، والقربات تُقدم إليه، لأنه لا يعنينا أي إنسان آخر لا يملك أن يفعل شيئاً، فكلمة الظاهر تعني الغالب المهيمن المسيطر، الفعال لما يريد، الذي تنفذ مشيئته، الذي لا يستطيع الكافر أن يتفلت من قبضته.
المعنى الثاني للظاهر: هو العالم بما ظهر، ظهرتُ على سره أي اطلعت على سره، الله عز وجل إضافة إلى قوته، وسيطرته وقدرته، وهيمنته، هو عليم بكل شيء، يتعلق علمه بكل ممكن، لذلك هو عالم بما ظهر.
الحقيقة أن الإنسان إن لم تكن لديه معلومات فهو ضعيف، يعني أحد أسباب القوة هي المعلومات الصحيحة، فلذلك الله عز وجل غالب بقوته مطلع بعلمه، ظاهر.
والمعنى الثالث لكلمة الظاهر: هو أن الله لكثرة البراهين الدالة عليه ولكثرة الدلائل التي تشير إليه ظاهر.. قيل يا إمام متى كان الله ؟ فقال الإمام علي، ومتى لم يكن ؟..
يعني الله عز وجل كل شيء يدل عليه، فأنتم أيها الإخوة القراء تلاحظون أن الهواء الذي نتنفسه لو قطع عنا لفقدنا حياتنا، ومع ذلك لا نراه، هو معنا نعيش بسببه، ومع ذلك لا نشعر بوجوده، فلذلك قالوا شدة القرب حجاب، وقال بعض العلماء: "الظاهر هو الذي ظهر فوق كل شيء وعلا عليه، وقيل عُرف بطريق الاستدلال العقلي ".
أحياناً الشيء قد تظهر عينه فتعرفه بحواسك الخمس، قد تغيب عينه وتبقى آثاره فتعرفه بعقلك، وعقلك يدلك على الشيء الذي خفيت عينه وبقيت آثاره، وكأنه أمامك.
فالعقل الذي أودعه الله في الإنسان، مع الكون الذي هو مظهر لوجود الله ولوحدانيته ولكماله، هذا العقل إذا أُعمل في الكون بدا الله جل جلاله للعقول، طبعاً لا يبدو للأبصار لقوله تعالى:
﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103)﴾
(سورة الأنعام)
ولكن الله جل جلاله بدا للعقول بشكل جلي.
وأحياناً كما تعلمون تقع قصة يتناقلها الناس، أحداث هذه القصة تشير إلى وجود الله، أحياناً يشعر الناس جميعاً أن هذا الشيء الذي حصل هو من فعل الله، يقولون إعجاباً أو تعظيماً لما حدث: " الله كبير " هناك أفعال لله عز وجل يفعلها دلالتها واضحة جداً، الناس على اختلاف أشكالهم وألوانهم ومشاربهم وانتماءاتهم وثقافاتهم، يشيرون إلى أن هذا فعل الله عز وجل.
وأحياناً لحكمة أرادها الله يظهر الأقوياء وكأنهم يفعلون ما يريدون، في هذا امتحان وفي ذاك امتحان، إذا ظهرت أفعال الله جلية واضحةً للناس فهذا شيء يُطمَئن النفوس، وشيء يُثبّتُ الإيمان في القلوب وأحياناً يبدو لنا أن زيداً أو عبيداً يفعل ما يريد، وكأنه يتصرف وحده، أيضاً هذا امتحان آخر، هذا امتحان لضعاف الإيمان، أحياناً يضعف إيمانهم فيقولون أين الله وأحيانًا تقع بعض أفعال الله عز وجل صارخةً جلية ً.
فمثلا مركبة فضائية أُتقنت إتقاناً خيالياً، أُمليَ عليها العد التنازلي مرات عديدة، سميت المتحدي، أطلقت بعد سبعين ثانية أصبحت كتلة من اللهب، العالم كله مؤمنهُ وكافره يشعر أن هذا فعل الله.
باخرة صُنعت في عام ألف وتسعمائة واثني عشر، وكتب عنها أن هذه الباخرة لا يستطيع القدر إغراقها، لأنها صنعت من طبقتين وهناك أبواب عرضية، فأي خلل أصاب جدارها الخارجي، فإقفال الأبواب الداخلية، يمنع تسرب الماء إليها، وضع في هذه الباخرة أجمل ما في العالم من أثاث ومن طنافس ومن ثريات ومن مسابح ومن مطاعم ومن ملاعب ومن مقاصف، ومن غرف من الدرجة الممتازة ورَكِب في هذه الباخرة أغنياء أوربا، رجال أوربا الأغنياء الأثرياء ونساؤهم، اتجهت في أول رحلة لها فيما أذكر من بريطانيا إلى بوسطن، وفي أول رحلة من رحلاتها ارتطمت بجبل ثلجي في عرض المحيط فغرقت وإنشطرت شطرين، وقبل سنتين فيما أذكر عُثر عليها في أعماق المحيط، لأن القدر لا يستطيع إغراقها حسب ما يدَّعون، أغرقها الله تعالى من أول رحلة.
أحياناً الإنسان يشعر أن فعل الله ظاهر، وأحياناً لحِكمة يريدها الله عز وجل يبدو فعل البشر أنه هو الحقيقة وأن الإنسان هو الفعّال، لكن الله سبحانه وتعالى هو الفعّال دائماً هذا ما يراه المؤمن، لكن ضعاف الإيمان إذا بدت قدرة الله صارخة يكتفون بأن يقولوا سبحان الله، وإذا بدت قدرة البشر خارقة يتزلزلون وينكمشون ويضعفون، لكن الحقيقة أنّ الظاهر هو الله جل جلاله الغالب على أمر الخلق.
الظاهر العليم بما بطن، والظاهر هو الذي ظهر فوق كل شيء وعلا عليه، وقيل عُرف بطريق الاستدلال العقلي مما ظهر لهم من آثار أفعاله وأوصافه.
يعني لو فرضنا مكواة كهربائية، وُضع شريطها في المأخذ الكهربائي فلم تسخن، الاحتمالات بالفكر ؛ ليس هناك كهرباء في البيت نظرتَ فإذا المصباح متألق فالمعنى أنّ تيار الكهرباء متّصل، تساءلَتْ يا ترى في المأخذ عطل ؟ جئت بآلة أخرى وضعتها في المأخذ فعملت هذه الآلة، فمن أين الخلل من المكواة جئت بشريط آخر وصلته بالمأخذ فعملت، أين الخلل حصراً في الشريط.
الفكر نفى انقطاع التيار عن البيت لوجود مصابيح متألقة، نفى أن يكون الخلل في المأخذ لاستعماله في آلة أخرى، نفى أن يكون الخلل بالمكواة لأنه عَملت بشريط آخر، إذاً الخلل محصور في الشريط، هذه محاكمة عقلية إلا أنه كأنك ترى هذا الحادث رأي العين، لشدة المنطقية والنتيجة الحتمية وكأن هذا الشيء ظاهر.
فالله سبحانه وتعالى بمحاكمة بسيطة تُوقِن أن الله موجود، أحياناً يفتح الإنسان آلة يرى فيها توصيلات، وصمَّامات، ولوحات توصيل. العقل لا يتصور دقتها، يعني لو قطعوا الإنسان المنطقي إرباً إرباً هل يصدق أن هذه الآلة صُنعت وحدها ؟..
قاموس لاروس من أضخم المعاجم في العالم موجود في مطبعة فيها حروف إفرنسية، فلو جئت بمتفجرة وفجرت المطبعة هل يعقل أن ينتج من تفجير هذه المطبعة قاموس لاروس ؟ المواد اللغوية مرتبة وفق الترتيب الأبجدي، ثم ضمن المادة الواحدة فروع المادة مرتبة وفق الترتيب الأبجدي، ثم ضمن الفرع الواحد الفعل الثلاثي فالرباعي فالمجرد فالمزيد المصدر الاسم اسم الفاعل اسم المفعول لو كان باللغة العربية مثلا.
بصراحة القول لو أنّ مطبعة بالحروف العربية وهي من أدق المطابع جئنا لها بورق وجئنا بحروف وجئنا بحبر وجئنا بمتفجرة وفجرنا المطبعة، هل يُعقل أن ينتج عن هذا الانفجار معجم المورد مثلاً، معجم القاموس المحيط، مختار الصحاح المواد مرتبة وفق أوائل الحروف كل الكلمات أُرجعت إلى الأصل الثلاثي المجرد ثم رُتِّبت، ثم بُدئ بالفعل الماضي فالمضارع فالأمر، فالمصادر كلها السماعية والقياسية، ثم المشتقات بدأت باسم الفاعل، اسم المفعول، اسم المكان، اسم الزمان، اسم الآلة، الصيغة المشبهة باسم الفاعل ثم الأمثلة من كتاب الله، من السنة، من الشعر، هل بِمَقدور الانفجار أن يفعل هذا ؟
ففي الخلق والكون أدق من ذلك بكثير، ولا من تفصيل فبالعين مائة وثلاثين مليون عصية ومخروط، والعصب البصري مؤلف من تسعمائة ألف عصب، لكل عصب ثلاثة أعمدة، وبالدماغ مائة وأربعين مليار خلية سمراء لم تُعرف وظيفتها بعد، وبالمعدة خمسة وثلاثون مليون غدة هاضمة، والأمعاء الدقيقة تتجدد كل ثمان وأربعين ساعة، والقلب يضخ في اليوم ثمانية أمتار مكعبة بدَسّامات وشرايين وأوردة، والغدة النخامية لا يتجاوَز وزنها نصف غرام تعطي اثني عشر أمراً هرمونياً، مسيطرة على كل غدد الجسم هذه وحدها، ماذا فعل الأب ؟ وضع الماء في رحم الأم وانتهى الأمر، من صنع هذا الحُوين وتلك البويضة، كيف انقسمت، كيف تشكلت الأجهزة ؟، محاكمة بسيطة جداً ترى الله وراء كل شيء، من أودع في هذا الإنسان الطباع ؟ من أودع فيه حسَّ الجوع ؟ وحس الشبع ؟ الرغبة إلى الطرف الآخر مَن ؟ هذا معنى اسم الظاهر، يعني يُعرف وكأنه ظاهر بالاستدلال العقلي، يعرف معرفة يقينية وكأنه ظاهر.
العوام لهم كلمة لطيفة، يقولون لك، الله عز وجل " لم يُر بالعين ولكن بالعقول عُرف"، بالعقل نرى الله عز وجل.
وقيل: هو الظاهر وجوده لكثرة دلائله، وهو البادي بالأدلة عليه فلا يمكن أن يجحده جاحد، لذلك يوم القيامة يقسم الذين جحدوه وأنكروا وجوده: أنّهم ما أشركوا، ولا كفروا، ولا جحدوا، اقرأ قوله تعالى:
﴿ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (23) انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ(24)﴾
(سورة الأنعام)
موضوع الجحود، جحود الله عز وجل، حالة مَرَضية شاذة نادرة عملية مكابَرة بالمحسوس، وهو الظاهر بحُجَجه الباهرة وبراهينه المنوعة، يعني الماء لو أنه على التبريد ينكمش شأنه شأن أي عنصر لما كانت حياة على الأرض، ولانعدمَت الحياة نهائيًّا
قال العلماء: لقد خلق الله كل الكائنات لتظهر آثار قدرته فيها، وهو سبحانه وتعالى ظاهر عليها من جميع الجهات، يقال إن هذه المشكلة لم نستطع أن نسيطر عليها، فالثقب في طبقة الأوزون حتى الآن لم يستطع البشر أن يسيطروا عليها، فيروس الإيدز حتى الآن البشر جميعاً، الدول العظمى بإمكاناتها المالية المذهلة، بعلمائها بمخابرها، ببحوثها، كل هذه الدول تقف مكتوفة اليدين أمام أضعف فيروس عُرف على وجه الأرض، لم نستطع أن نسيطر عليه، ولو تمكنوا من أن يسيطروا عليه لكلَّف علاج المريض الواحد أكثر من عشرة ملايين ليرة، لأن هذا الفيروس يحير، يغير شكله، يظهر وكأنه كرية بيضاء، عناصر الدفاع في الجسم تأنس به وكأنه واحد منها، فإذا دخل إليها دمرها جميعاً وهو أضعف خلق الله.
لذلك من أدق الكلمات وأوضحها أن يقال: الكون كله بما فيه ومن فيه مظهر لمظاهر أسمائه وصفاته وعلاماته، كل الكون يدل على الله، أبداً، كل الكون بمجراته، بالسماوات بالأرض بالنبات بالحيوان بالأطيار بالأسماك بالإنسان، بالطعام بالشراب، لذلك أكبر وظيفة للكون أن تتعرف إلى الله من خلاله، ولو لم تستفد منه، لكن الذي استفاد من هذا الكون ولم يتعرف إلى الله من خلاله ما حقق الهدف من وجوده.
وقيل في الاسم الظاهر: " هو المتجلي بأنوار هدايته وآياته، المتنزه بمعاني أسمائه وصفاته ".. هدايته واضحة، وآياته واضحة، أما أسماؤه وصفاته فالعقول تعجز عن إدراكها، فهو ظاهر بهدايته وآياته، باطن بأسمائه وصفاته.. مهما تحدثت عن أسماء الله الحُسنى، لا يعرف اللهُ إلا اللهُ، ولا الأنبياء، ولا سيد الأنبياء لا يستطيع أن يحيط بالله، أعلى معرفة على الإطلاق معرفة النبي، ألا إنها معرفة ولكنها ليسَت المعرفة المطلقة.. سبحانك لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك.. فالظاهر هدايته وآياته، والباطن أسماؤه وصفاته.
قال العلماء: لا ترى ذرة في الوجود إلا وهي ناطقة بوحدانية المعبود، ولا ترى فاضلاً متخلقاً بصفات الرجال إلا وتشهد عليه أنوار صفات الكبير المتعال.. كل الخير من الله، كل الكمال من الله، كل الأعمال الصالحة بتوفيق الله، بإلهام الله، مصدر الكمال في الكون هو الظاهر.
قالوا: الظاهر لا يخفى على كل متأمل، أيُّ إنسان أراد الحقيقة فالله يظهر له.
قالوا: هو الظاهر فلا يخفى على كل متأمل، الظاهر لعيون الأرواح والكون مملوء بالجمال محلى بالكمال، وكل شيء فيه ينادي أشهد أن خلاّقي ذو الجلال.. ظاهر.
العقبة أن تطلب معرفته فقط، أن تريد أن تصل إليه أن ينشأ في قلبك رغبة صادقة للوصول إليه هو ظاهر، لكن حب الدنيا يَعمي ويصم، الشهوات حُجُب، أما إذا أزيحت الشهوات فهو ظاهر..
صدقوني أيها الإخوة القراء الناس جميعاً وفي حالات كثيرة يرون أفعال الله صارخةً كالشمس في رابعة النهار، لأنه ظاهر.
فمثلا مرة هبَّت رياح عاتية على منطقة زراعية فدمرت ما يزيد عن مائة بيت زراعي، الناس جميعاً فيها على اختلاف مللهم ونحلهم ومشاربهم بفطرتهم، فالسيئ هو الذي دُمر بيته، والمستقيم هو الذي حفظه الله عز وجل، وكأن هذه الرياح مسيّرة، من أغرب الصدف أن بيتين متلاصقين، يعني جسم البيتين متصل، لأخوين من أم وأب، الأول صالح والثاني طالح، جاءت الرياح العاتية فقلعت بيت الطالح، وقلعت معه النباتات المحيطة به، والبيت الملاصق له نجا من الدمار.. فعل الله ظاهر.
أحياناً ترى أرضَين متجاورتين، الأولى قمحها نام نماءً رائعاً والثانية قمحها هزيل النماء، والتربة واحدة والنهر واحد، والزراعة فيها بشروط موحدة، ولكن هذا ينوي أن يعطي أولاد أخيه الأيتام من محصوله، فبارك الله له في محصوله، وهذا في نيته أن يأكل على صاحب الأرض بعض الغلة فدمر الله غلته، لأنه كما تروي القصة هناك علاقة سيئة بينه وبين من معه. فعل الله ظاهر.. محاكمة بسيطة تشعرك أن الله عز وجل ظاهر كأنك تراه، لذلك اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
قال العلماء: وأما الباطن، فهو المحتجب عن عيون خلقه، عن هذه العين فقط لشدة ظهوره قال تعالى:
﴿وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143)﴾
(سورة الأعراف)
الباطن محجوب عن عين الرأس، ظاهر لعين القلب.
بعض العلماء يقول: " إنه باطن من حيث إن كُنْه حقيقته غير معلوم للخلق "، يعني لا يستطيع الخلق مجتمعين أن يصلوا إلى كُنه حقيقته، هو باطن، لذلك قال بعض علماء التوحيد: " عين العلم به عين الجهل به وعين الجهل به عين العلم به ".
يعني إذا سُئلت عن ذات الله، فإذا قلت لا أدري فأنت العالم، وإن قلت أدري فأنت لا تعلم، لأن الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255)﴾
(سورة البقرة255)
هذا معنى الباطن، كنه حقيقته محجوبة عن الخلق.
معنى آخر ؛ باطن أي أن الأبصار لا تحيط به، كما قال تعالى: لا تدركه الأبصار.
المعنى الرابع ؛ باطن بأنه يعلم ما بطن، أنت كإنسان لك ما ظهر والله عز وجل يعلم ما ظهر وما بطن، والإنسان أحياناً يكون ممثلاً بارعاً، وقد ينطلي تمثيله على الأذكياء، هؤلاء الذين أتوا النبي صلى الله عليه وسلم وطلبوا منه سبعين داعية وعالماً ليُعَلّموا قومهم في بئر معونة، وأرسل النبي معهم سبعين صحابيًّا ليُعلموهم، وفي الطريق ذبحوهم، بقي النبي شهراً أو شهرين يدعو عليهم في الصلاة، النبي لا يعلم الغيب، والنبي له الظاهر، لكن الله يعلم الظاهر والباطن.
فأنت إذا لم تعرف الباطن لست مؤاخذاً، أحد أصحاب رسول الله في إحدى المعارك، كان على وشك أن يقتل مشركاً، فقال أشهد أن لا إله إلا الله فقتله، فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم غضب غضباً شديداً قال:
(( لِمَ فعلت هذا ؟ قال يا رسول الله قالها تُقيةً ولم يَقُلها إيماناً، فقال عليه الصلاة والسلام أشققت على صدره ؟ نحن نحكم بالظاهر والله يتولى السرائر ))
هذا موقف الإنسان الحقيقي أنت لك الظاهر.
معنى الباطن: أنه محتجب عن عيون خلقه.
باطن: إدراك كنهه مستحيل، باطن: الأبصار لا تحيط به، باطن يعلم ما بطن.
المعنى الرابع: باطن بمعنى أنه حَجَب الكافر عن معرفته ورؤيته وحجب المؤمنين في الدنيا عن رؤيته.
شيء عظيم المنال، الشيء الثمين ليس في متناول الأيدي، الجوهرة الثمينة موضوعة في صندوق محكم الإغلاق، فالله عز وجل باطن يعني عزيز، فالإنسان إذا لم يطلبه، ولم يطعه، وما جهد من أجل معرفته فلا يصل إلى شيء، الله عز وجل عزيز، سلعة الله غالية، هناك أشياء مبتذلة، كل إنسان يشتري قصة ويقرؤها، لكن ليس كل إنسان بإمكانه أن يصير دكتوراً، يحتاج إلى أكثر من عشرين سنة دراسة، أما أن يشتري قصة فممكن، أن يقيم حفلاً ممكن، وأن يشتري بيتًا ممكن، وأن يقوم بنزهة ممكن، هذا شيء مبتذل، لكن ليس كل إنسان يمكنه أن ينال دكتوراه ؟ فهذا يحتاج إلى جهد كبير.
وقيل: الباطن في حقيقة ذاته، فلا تدركها العقول أي حقيقة ذاته، ومع شدة ظهوره احتجب عن إدراك الحواس، وقيل تنزه في علو كبريائه فلا تحيط به بصائر المقربين الأطهار، وهو الظاهر بأسمائه وصفاته وأنوار آياته والباطن في حقيقة ذاته عن جميع مخلوقاته.
نحن في البحث السابق تحدثت عن الأول والآخر، وفي هذا البحث عن الظاهر والباطن، وليثق القارىء الكريم أن دراسة أسماء الله الحُسنى لا يعلو عليها شيء في الدين، إنك في أشرف مهمة وهي أن تعرف الله عز وجل لا يكفي أن تقول: " الله خلق السماوات والأرض " هذه معرفة بدائية يعرفها كل الخلق، ينبغي أن تعرف أسماءَه الحُسنى، وأذكركم دائماً بالحديث الشريف:
((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ))
(صحيح البخاري)
الإحصاء شيء والعد شيء آخر، الإحصاء فيه دراسة، أما العد عمل آلي، فمن قال: " هو الخالق البارئ المصور وعدَّها بنغم ممتع" ليس كمن أحصاها، فمن أحصاها فقد قصَد مجالس العلم أو قرأ كتبًا في معانيها وشروحها، أو عكف على التأمل فيها ليعرف الله عز وجل، ولاحظ الفكر والنظر في أرجاء الكون كلّه.
أكثر العلماء يرون وقد ذكرتُ هذا من قبل أنّه ينبغي أن نلفظ بالاسمين معاً، أن نقول الظاهر والباطن، وقد ورد الاسمان في القرآن الكريم معاً في سورة الحديد فقال تعالى:
﴿هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3) ﴾
(سورة الحديد)
وفي مفردات القرآن نجد أنّ الظاهر والباطن في صفات الله تعالى لا يُقالا إلا مزدوجين، كالأول والآخر، والظاهر قيل إشارة إلى معرفتنا البديهية بالله عز وجل، كل الناس في كل الأرض يقول لك ؛ الله، الله وفقه مثلاً أو ما وفقه. فقد يكون شخص عادي معرفته محدودة جداً، يرى شخصًا منحرفًا يتردّى فيقول: الله لم يوفقه، الله حطمه. فكلمة الله على كل لسان.
فقالوا: إشارة إلى معرفتنا البديهية، إن الفطرة تقتضي في كل ما نظر إليه الإنسان أنه تعالى موجود، المعرفة الفكرية تقتضي أنّ الله موجود وهذا الظاهر، وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله، لكن بعض العلماء قال: " مثل طالب معرفته مثل من طوَّف في الآفاق في طلبِ ما هو معه. ذهب إلى أقصى الدنيا شرقاً وغرباً يبحث عن شيء وهو معه "، فالله عز وجل ظاهر أما كلمة الباطن فهي توجب معرفته الحقيقية.
يعني المعرفة الظاهرة قد لا ترتبط باستقامة، شأنه شأن الناس جميعاً وربما كلمة الله يقولها الإنسان في اليوم ألف مرة، " الله يعطيك العافية " مثلاً، كلمة الله تدور على كل لسان، إلا أنّ الباطن تعني معرفة الله المعرفة الحقيقية التي تحملك على طاعته.
فالحقيقة أيها القارىء الكريم، مقياسك الدقيق فيما إذا كانت معرفتك بالله صحيحة وجيدة أو لا، التطبيق العملي فالمعرفة التي تحمل صاحبها على طاعة الله، هي المعرفة الحقيقية.
سيدنا الصديق قال: " العجز عن إدراك الإدراك إدراك "، يعني أن تصل إلى معرفة حقيقة الله هذا شيء مستحيل، فعجزك عن الوصول إليها أحد أنواع الإدراك، يعني أحد علامات الإدراك أن تقول لا أدري، إذا كان الموضوع متعلقًا بذات الله عز وجل.
قيل: ظاهر بآياته باطن بذاته، كلام لطيف، جميل جداً، لهذا النبي قال:
(( تفكروا في مخلوقات الله ولا تَتَفكَّروا في ذاته فتهلكوا ))
ظاهر لأنه محيط بالأشياء مدرك لها، باطن من أن يُحاط به.
يروى عن سيدنا علي كرم الله وجهه، أنه قال: " تجلى الله لعباده من غير أن يروه، وأراهم نفسه من غير أن يتجلى لهم، ومعرفة ذلك تحتاج إلى فهم ثاقب ".
أحياناً أراهم نفسه بعقولهم، أيُّ إنسان أَعمَل عقله بالكون وصل إلى الله ببساطة، وأحياناً يتجلى على قلوبهم بالسكينة من غير أن يروه، يتجلى عليهم ولا يروه، ويرونه بعقولهم ولا يتجلى عليهم، هذا معنى الظاهر والباطن عند الإمام علي كرم الله وجهه.
يقول الإمام الغزالي: كما ذكرت في البحث السابق لا يقبل العقل أن يكون الله ظاهراً مضافاً إلى شيء، وباطن مضافاً إلى الشيء نفسه، فهذا الشيء نفسه مثلاً يكون أول هذا وآخر هذا مستحيل، هو إما أنه هنا وإما أنه هناك، فإذا قلت أول هذا وآخر هذا وهذا واحد فقد وقع تناقض، العقل مفطور على مبدأ الهوية عدم التناقض، فلا بد من أن يكون أول شيئًا وآخر شيئًا آخر، وأيضاً هنا في الظاهر والباطن، ظاهر بالنسبة إلى شيء باطن بالنسبة إلى شيء آخر.
يعني ظاهر للعقول باطن مستحيل أن تدركه الأبصار.
قال بعضهم الله تعالى باطن إن طلبته عن طريق الحواس، لكنه ظاهر إن طلبته عن طريق العقول والاستدلال، ظاهر وباطن
يقول الإمام القشيري: " الظاهر في وصفه سبحانه وتعالى بمعنى القاهر "، ظهر فلان على فلان أي قدر عليه وقهره، "والباطن في وصفه عز وجل بمعنى العليم بخلقه المدبر لأحوالهم "، الظاهر للعقول السليمة بآياته وبراهينه ودلائل توحيده، والباطن المتعزز على القوم المحتجب عنهم حتى أنكروا وجودهم وجحدوه، ظاهر للعقول السليمة باطن متعزز عن القوم إن لم يدفعوا ثمن هذه الرؤيا.
قيل ظاهر بنعمته، باطن برحمته.
قيل ظاهر بالكفاية باطن بالغاية.
قيل ظاهر بالقدرة على كل شيء باطن عالم بحقيقة كل شيء.
قيل ظاهر لكل شيء بالدلائل اليقينية، الباطن عن مظاهر الجسمية، فسبحان من احتجب عن خلقه بنوره وخفي عليهم بشدة ظهوره.
هناك معنى لطيف جداً قال عنه العلماء، وهو أن قوله تعالى:
﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً﴾
(سورة لقمان 20)
الإنسان كثيرًا ما يتألم من المصيبة، وقد تكون المصيبة نعمة باطنة، النعمة الظاهرة ؛ المال، الصحة، الوجاهة، راحة البال، الأمن الطمأنينة، الزوجة الأولاد، هذه كلها نعم ظاهرة، ولكن هذه النعم الظاهرة لا ترقى بالإنسان، الحُزن خلاَّق، أما الراحة مَثبِّطة، الراحة والمورد والطعام والشراب وراحة البال، والأمن والطمأنينة، هذه لا تخلق عظماء.
فهناك كلمة رائعة جداً " الحزن خلاق " العبقريات أحياناً تتفجر بالأحزان، والهموم، فالله عز وجل له نعمتان.. ترى شخص في بحبوحة، كسول، بارد، مشاعره باردة، صلاته جوفاء، معرفته سطحية، اتصاله بالله شبه معدوم، صفاته غير مقبولة، تأتيه مصيبة مخيفة، يدعو الله، يلجأ إليه، يصلي قيام الليل يتوسل إليه، يبالغ في طاعته، يقدم صدقات، لولا هذه المصيبة ما تألق هذا التألق، لولا هذه المصيبة ما سعى إلى الله هذا السعي، لولا هذه المصيبة ما جدَّ إلى الله هذا الجد، فهذه المصيبة نعمة باطنة.
وكن مطمئنًا أيها القارىء الكريم، وأنا لا أبالغ إن شاء الله، أعتقد أن ثلثي رواد المساجد المصطلحين مع الله الذين أحبهم الله وأحبوه كان انطلاقهم إلى الله بسبب مصيبة ألمّت بهم فحملتهم على التوبة، فهذه نعم أم ليست نعماً ؟ بل نعم باطنة، قال تعالى:
﴿ أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾
احفظوا هذه الكلمة ؛ " الحزن خلاق " أحياناً ينشأ طفل يتيم، لا أب ولا مال، وله أخ قاس وضعه بعمل مرهق، وطالبه بدراسة متعبة والأستاذ من جهة يطالبه، وصاحب العمل من جهة أخرى والأب غير موجود والأخ يمنُّ بعطائه، فهذا الطفل قد يصبح عبقرياً.. وبالمقابل اُنظر إلى ولد آخر، كل شيء موفر له، الأكل الشرب، ترى صفاته النفسية خسيسة جداً، لأنه ما ذاق طعم الفقر، ذاق طعم الغنى وحده، فلذلك أيها القراء الكرام ؛ الله جل جلاله قال:
﴿ أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾
هذه الآية من أدق الآيات، وهي تبث الفرحة في قلب المؤمن يعني عليك ألا تتألم من المصيبة، لعل الفقر هو المنطلق إلى الله، لعل المرض هو سبب التوبة، لعل شبح هذه المصيبة سبب إقبالك على الله هذه نعمة باطنة، والله عز وجل إذا أراد أن يعالج الإنسان يعرف كيف يعالجه، يأتيه من مأمنه، يأتيه من مكان طمأنينته، من مكان قوته بل يأتيه من حيث لا يحتسب، لذلك:
﴿ أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾
فالظاهرة ما نقف عليها، والباطنة لا نعرفها، من هنا أشار قوله تعالى:
﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18)﴾
(سورة النحل)
النعم الظاهرة والباطنة لا تحصى.
قالوا: النعم الظاهرة النصر على الأعداء بالناس، والنعم الباطنة النصر على الأعداء بالخوف، فالله عز وجل أحيانا يسبغ عليك هيبة يخاف منك عدوك، أحياناً تكون قوياً فعلاً، فإما أن ينصرك بقوة ظاهرة وإما أن ينصرك بقوة باطنة.
وبعد فهذه كلمات واعية فالإنسان مظهر لاسم الظاهر، ومظهر لاسم الباطن فالإنسان بجسمه مظهر نور الظاهر، وبروحه مظهر نور الباطن.
ومتى أكثر العبد من ذكر اسم الباطن خشعت نفسه، وأدرك أنه عاجز بالكلية فيعطف عليه الحق، يعني كلما ذكرت اسم الباطن وافتقرت إليه عطف عليك الله عز وجل.
من أدعية النبي عليه الصلاة والسلام:
((عَنْ سُهَيْلٍ قَالَ كَانَ أَبُو صَالِحٍ يَأْمُرُنَا إِذَا أَرَادَ أَحَدُنَا أَنْ يَنَامَ أَنْ يَضْطَجِعَ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَوَاتِ وَرَبَّ الأَرْضِ وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ فَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ شَيْءٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ اللَّهُمَّ أَنْتَ الأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ وَأَغْنِنَا مِنَ الْفَقْرِ ))
(صحيح مسلم)