البيع : الجزء الثانى
.بيع الوفاء:
بيع الوفاء هو أن يبيع المحتاج إلى النقد عقارا على أنه متى وفى الثمن استرد العقار...وحكمه حكم الرهن في أرجح الاقوال عندنا.
.بيع الاستصناع:
والاستصناع هو شراء ما يصنع وفقا للطلب، وهو معروف قبل الإسلام.
وقد أجمعت الأمة على مشروعيته. وركنه الايجاب والقبول. وهو جائز في كل ما جرى التعامل باستصناعه.
وحكمه:
إفادة الملك في الثمن والمبيع.
وشروط صحته:
بيان جنس المستصنع ونوعه وصفته وقدره بيانا تنتفي معه الجهالة ويرتفع النزاع.
والمشتري عند رؤية المبيع مخير بين أن يأخذه بكل الثمن وبين أن يفسخ العقد بخيار الرؤية، سواء وجده على الحالة التي وصفها أم لا، عند أبي حنيفة ومحمد رضي الله عنهما.
وقال أبو يوسف: إن وجده على ما وصف فلا خيار له دفعا للضرر عن الصانع، إذ قد لا يشتري غيره المصنوع بما يشتريه به هو.
.بيع الثمار والزروع:
بيع الثمار قبل بدو الصلاح وبيع الزرع قبل اشتداد الحب لا يصح، مخافة التلف وحدوث العاهة قبل أخذها.
1- روى البخاري ومسلم عن ابن عمر: أن النبي، صلى الله عليه وسلم، «نهي عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها: نهى البائع والمبتاع».
2- وروى مسلم عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم «نهى عن بيع النخل حتى يزهو، وعن بيع السنبل حتى يبيض ويأمن العاهة نهى البائع والمشتري».
3- وروى البخاري عن أنس: أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: «أرأيت إن منع الله الثمرة، بم يأخذ أحدكم مال أخيه؟».
فإن بيعت الثمار قبل بدو الصلاح، والزروع قبل اشتداد الحب بشرط القطع في الحال، صح إن كان يمكن الانتفاع بها ولم تكن مشاعة، لأنه لا خوف في هذه الحال من التلف ولا خوف من حدوث العاهة.
فإن بيعت بشرط القطع ثم تركها المشتري حتى بدا صلاحها، قيل إن البيع يبطل، وقيل لا يبطل ويشتركان في الزيادة.
بيعها لمالك الاصل أو لمالك الأرض: هذا هو الحكم بالنسبة لغير مالك الاصل ولغير مالك الأرض، فإن بيعت الثمار قبل بدو صلاحها لمالك الاصل صح البيع، كما لو بيعت الثمرة قبل بدو الصلاح مع الاصل.
وكذلك يصح بيع الزروع قبل بدو الصلاح لمالك الأرض، لحصول التسليم بالنسبة للمشتري على وجه الكمال.
بم يعرف الصلاح؟
ويعرف صلاح البلح بالاحمرار والاصفرار.
أخرج البخاري ومسلم عن أنس أن النبي، صلى الله عليه وسلم،: «نهى عن بيع الثمرة حتى تزهو».
قيل لانس: وما زهوها؟ قال: تحمار وتصفار.
ويعرف صلاح العنب بظهور الماء الحلو واللين والاصفرار.
ويعرف صلاح سائر الفواكه بطيب الأكل وظهور النضج.
روى البخاري ومسلم عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم «نهى عن بيع الثمرة حتى تطيب».
ويعرف صلاح الحبوب والزروع بالاشتداد.
.بيع الثمار التي تظهر بالتدريج:
إذا بدأ صلاح بعض الثمر أو الزرع جاز بيعه جميعا صفقة واحدة، ما بدا صلاحه وما لم يبد منه، متى كان العقد واردا على بطن واحدة.
وكذلك يجوز البيع إذا كان العقد على أكثر من بطن وأريد بيعه بعد ظهور الصلاح في البطن الأول.
ويتصور هذا في حالة ما إذا كان الشجر مما ينتج بطونا متعددة كالموز من الفواكه، والقثاء من الخضروات، والورد من الازهار، ونحو ذلك مما تتلاحق بطونها، وإلى هذا ذهب فقهاء المالكية وبعض فقهاء الحنفية والحنابلة، واستدلوا على هذا بما يأتي:
1- أنه ثبت عن الشارع جواز بيع الثمر إذا بدا صلاح بعضه فيكون ما لم يبد صلاحه تابعا لما بدا منه، فكذلك ما هنا: يقع العقد فيه على الموجود ويكون المعدوم تبعا له.
2- أن عدم جواز هذا البيع يؤدي إلى محظورين:
أ- وقوع التنازع.
ب- وتعطيل الأموال.
أما وقوع التنازع، فإن العقد كثيرا ما يقع على المزاع الواسعة، ولا يتمكن المشتري من قبض البطن الأول من ثمارها إلا في وقت قد يطول ويتسع لظهور شيء من البطن الثاني، ولا يمكن تميزه من البطن الأول، فيقع النزاع بين المتعاقدين ويأكل أحدهما مال الاخر.
أما المحظور الثاني، فإن البائع قلما يتيسر له في كل وقت من يشتري منه ما يظهر من ثمره أولا فأول، فيؤدي ذلك إلى ضياع ماله.
وإذا كان ذلك كذلك فإنه يجوز البيع في هذه الصورة، والقول بعدم الجواز يوقع في الحرج والمشقة، وهما مرفوعان بقوله تعالى: {وما جعل عليكم في الدين من حرج}.
وقد رجح ابن عابدين هذا القول، وأخذت به مجلة الاحكام الشرعية.
.بيع الحنطة في سنبلها:
يجوز بيع الحنطة في سنبلها والباقلاء في قشره والارز والسمسم والجوز واللوز، لأنه حب منتفع به، فيجوز بيعه في سنبله كالشعير، والنبي، صلى الله عليه وسلم، نهى عن بيع السنبل حتى يبيض ويأمن العاهة، ولان الضرورة تدعو إليه فيغتفر ما فيه من غرر، وهذا مذهب الأحناف والمالكية.
.وضع الجوائح:
الجوائح جمع جائحة، وهي الافة التي تصيب الزروع أو الثمار فتهلكها دون أن يكون لادمي صنع فيها، مثل القحط والبرد والعطش.
وللجوائح حكم يختص بها.
فإذا بيعت الثمرة بعد ظهور صلاحها وسلمها البائع للمشتري بالتخلية ثم تلفت بالجائحة قبل أوان الجذاذ، فهي من ضمان البائع وليس على المشتري أن يدفع ثمنها، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم «أمر بوضع الجوائح» رواه مسلم عن جابر.
وفي لفظ قال: «إن بعت من أخيك ثمرا فأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ من ثمنه شيئا، بم تأخذ مال أخيك بغير حق؟».
وهذا الحكم في حالة ما إذا لم يبعها البائع مع أصلها أو لم يبعها لمالك أصلها أو يؤخر المشتري أخذها عن عادته، ففي هذه الحالات تكون من ضمان المشتري.
فإن لم يكن التلف بسبب الجائحة بل كان من عمل الادمي، فللمشتري الخيار بين الفسخ والرجوع بالثمن على البائع وبين الإمساك ومطالبة المتلف بالقيمة.
وقد ذهب إلى هذا أحمد بن حنبل وأبو عبيد وجماعة من أصحاب الحديث.
ورجحه ابن القيم قال في تهذيب سنن أبي داود: وذهب جمهور العلماء إلى أن الأمر بوضع الجوائح أمر ندب واستحباب، عن طريق المعروف والاحسان، لا على سبيل الوجوب والالزام.
وقال مالك بوضع الثلث فصاعدا، ولا يوضع فيما هو أقل من الثلث.
قال أصحابه: ومعنى هذا الكلام أن الجائحة إذا كانت دون الثلث كان من مال المشتري، وما كان أكثر من الثلث فهو من مال البائع.
واستدل من تأول الحديث على معنى الندب والاستحباب دون الايجاب: بأنه أمر حدث بعد استقرار ملك المشتري عليها، فلو أراد أن يبيعها أو يهبها لصح ذلك منه فيها.
وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن ربح ما لم يضمن.
فإذا صح بيعها ثبت أنها من ضمانه.
وقد نهى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن بيع الثمرة قبل بدو صلاحها.
فلو كانت الجائحة بعد بدو الصلاح من مال البائع لم يكن لهذا النهي فائة. اهـ.
.الشروط في البيع:
الشروط في البيع قسمان:
.القسم الأول: صحيح لازم.
القسم الثاني: مبطل للعقد.
فالأول: ما وافق مقتضى العقد، وهو ثلاثة أنواع:
1- شرط يقتضيه البيع، كشرط التقابض وحلول الثمن.
2- شرط ما كان من مصلحة العقد، مثل شرط تأجيل الثمن، أو تأجيل بعضه، أو شرط صفة معينة في المبيع، كأن تكون الدابة لبونا أو حاملا، وكأن يكون البازي صيودا فإذا وجد الشرط لزم البيع.
وإن لم يوجد الشرط كان للمشتري فسخ العقد لفوات الشرط.
يقول الرسول صلوات الله وسلامه عليه: «المسلمون على شروطهم».
وكان له أيضا أن ينقص من قيمة السلعة بقدر فقد الصفة المشروطة.
3- شرط ما فيه نفع معلوم للبائع أو المشتري، كما لو باع دارا واشترى منفعتها مدة معلومة كأن يسكنها شهرا أو شهرين.
وكذلك لو باع دابة واشترط أن تحمله إلى موضع معين.
لما رواه البخاري ومسلم، أن جابرا باع النبي، صلى الله عليه وسلم، جملا، واشترط ظهره إلى المدينة. متفق عليه.
وكذلك يصح أن يشترط المشتري على البائع نفعا معلو ما، كحمل ما باعه إلى موضع معلوم أو تكسيره
أو خياطته أؤ تفصيله.
وقد اشترى محمد بن مسلمة حزمة حطب من نبطي وشارطه على حملها، واشتهر ذلك فلم ينكر.
وهذا مذهب أحمد والاوزاعي وأبي ثور وإسحاق وابن المنذر.
وذهب الشافعي والأحناف إلى عدم صحة هذا البيع، لأن النبي، صلى الله عليه وسلم، نهى عن بيع وشرط.
ولكن هذا النهي لم يصح. وإنما نهى عن شرطين في بيع.
.القسم الثاني من الشروط:
الشرط الفاسد، وهو أنواع:
1- ما يبطل العقد من أصله، كأن يشترط على صاحبه عقدا آخر، مثل قول البائع للمشتري: أبيعك هذا على أن تبيعني كذا أو تقرضني.
ودليل ذلك قول الرسول، صلى الله عليه وسلم: «لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع». رواه الترمذي وصححه.
قال أحمد: وكذلك كل ما في معنى ذلك، مثل أن يقول: بعتك على أن تزوجني ابنتك أو على أن أزوجك ابنتي، فهذا كله لا يصح، وهو قول أبي حنيفة والشافعي وجمهور الفقهاء.
وجوزه مالك وجعل العوض المذكور في الشرط فاسدا، قال: ولا ألتفت الى اللفظ الفاسد إذا كان معلوما حلالا.
2- ما يصح معه البيع ويبطل الشرط، وهو الشرط المنافي لمقتضى العقد، مثل اشتراط البائع على المشتري ألا يبيع المبيع أو لا يهبه، لقوله صلى الله عليه وسلم: «كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط» متفق عليه.
وإلى هذا ذهب أحمد والحسن والشعبي والنخعي وابن أبي ليلى وأبو ثور.
وقال أبو حنيفة والشافعي: البيع فاسد.
3- ما لا ينعقد معه بيع، مثل: بعتك إن رضي فلان، أو إن جئتني بكذا. وكذلك كل بيع علق على شرط مستقبل.
بيع العربون:
صفة بيع العربون أن يشتري شيئا ويدفع جزءا من ثمنه إلى البائع.
فإن نفذ البيع احتسب من الثمن، وإن لم ينفذ أخذه البائع على أنه هبة له من المشتري.
وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى عدم صحة هذا البيع، لما رواه ابن ماجه أن النبي، صلى الله عليه وسلم، نهى عن بيع العربون. وضعف الإمام أحمد هذا الحديث، وأجاز بيع العربون لما رواه عن نافع بن عبد الحارث أنه اشترى لعمر دار السجن من صفوان بن أمية بأربعة آلاف درهم، فإن رضي عمر كان البيع نافذا، وإن لم يرض فلصفوان أربعمائة درهم.
وقال ابن سيرين وابن المسيب: لا بأس إذا كره السلعة أن يردها ويرد معها شيئا، وأجازه أيضا ابن عمر.
.البيع بشرط البراءة من العيوب:
ومن باع شيئا بشرط البراءة من كل عيب مجهول، لم يبرأ البائع - ومتى وجد المشتري عيبا بالمبيع فله الخيار لأنه إنما يثبت بعد البيع، فلا يسقط قبله.
فإن سمي العيب أو أبرأه المشتري بعد العقد برئ.
وقد ثبت أن عبد الله بن عمر باع زيد بن ثابت عبدا بشرط البراءة بثمانمائة درهم، فأصاب به زيد عيبا، فأراد رده على ابن عمر، فلم يقبله، فترافعا إلى عثمان فقال عثمان لابن عمر: تحلف أنك لم تعلم بهذا العيب. فقال: لا. فرده عليه، فباعه ابن عمر بألف درهم.
ذكره الإمام أحمد وغيره.
قال ابن القيم: وهذا اتفاق منهم على صحة البيع وجواز شرط البراءة، واتفاق من عثمان وزيد على أن البائع إذا علم بالعيب لم ينفعه شرط البراءة.
.الإختلاف بين البائع والمشتري:
إذا اختلف البائع والمشتري في الثمن وليس بينهما بينة فالقول قول البائع مع يمينه، والمشتري مخير بين أن يأخذ السلعة بالثمن الذي قال به البائع وبين أن يحلف بأنه ما اشتراها بثمن أقل.
فإن حلف برئ منها، وردت السلعة على البائع، وسواء أكانت السلعة قائمة أم تالفة.
وأصل ذلك ما رواه أبو داود عن عبد الرحمن بن قيس ابن الاشعث عن أبيه عن جده قال: اشترى الاشعث رقيقا من رقيق الخمس من عبد الله بعشرين ألفا، فأرسل عبد الله إليه في ثمنهم.
فقال: إنما أخذتهم بعشرة آلاف.
فقال عبد الله: فاختر رجلا يكون بيني وبينك.
قال الاشعث: أنت بيني وبين نفسك.
قال عبد الله: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا اختلف البيعان ليس بينهما بينة فهو ما يقول رب السلعة أو يتتاركان».
وقد تلقى العلماء هذا الحديث بالقبول.
وقال بعمومه الإمام الشافعي، وأن البائع والمشتري كما يتحالفان إذا اختلفا في الثمن فإنهما يتحالفان إذا اختلفا في الاجل أو في خيار الشرط أو في الرهن أو في الضمين.
.حكم البيع الفاسد:
البيع الصحيح ما وافق أمر الشارع باستيفاء أركانه وشروطه، فحل به ملك المبيع والثمن والانتفاع بهما.
فإذا خالف أمر الشارع لم يكن صحيحا بل يقع فاسدا باطلا.
فالبيع الفاسد هو البيع الذي لم يشرعه الإسلام، وهو لهذا ينعقد ولا يفيد حكما شرعيا ولا يترتب عليه الملك ولو قبض المشتري المبيع، لأن المحظور لا يكون طريقا إلى الملك.
قال القرطبي: كل ما كان من حرام بين ففسخ فعلى المبتاع رد السلعة بعينها، فإن تلفت بيده رد القيمة فيما له قيمة، وذلك كالعقار والعروض والحيوان، والمثل فيما له مثل من موزون أو مكيل من طعام أو عرض.
.الربح في البيع الفاسد:
ذهب الأحناف إلى أن المبيع بيعا فاسدا إذا قبض البائع الثمن وتصرفه فيه فربح فعليه فسخ البيع ورد الثمن للمشتري والتصدق بالربح لحصوله له من وجه منهي عنه ومحظور عليه بنص الكتاب.
.التسعير:
معناه: التسعير معناه وضع ثمن محدد للسلع التي يراد بيعها بحيث لا يظلم المالك ولا يرهق المشتري.
النهي عنه:
روى أصحاب السنن بسند صحيح عن أنس رضي الله عنه قال: قال الناس: يا رسول الله، غلا السعر فسعر لنا، فقال رسول الله: «إن الله هو المسعر، القابض الباسط الرازق. وإني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطالبني مظلمة في دم ولا مال».
وقد استنبط العلماء من هذا الحديث حرمة تدخل الحاكم في تحديد سعر السلع لأن ذلك مظنة الظلم، والناس أحرار في التصرفات المالية، والحجر عليهم مناف لهذه الحرية.
ومراعاة مصلحة المشتري ليست أولى من مراعاة مصلحة البائع.
فإذا تقابل الأمران وجب تمكين الطرفين من الاجتهاد في مصلحتهما.
قال الشوكاني: إن الناس مسلطون على أموالهم والتسعير حجر عليهم والإمام مأمور برعاية مصلحة المسلمين، وليس نظره في مصلحة المشتري برخص الثمن أولى من نظره في مصلحة البائع بتوفير الثمن، وإذا تقابل الأمران وجب تمكين الفريقين من الاجتهاد لانفسهم.
وإلزام صاحب السلعة أن يبيع بما لا يرضى به مناف لقول الله تعالى: {إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم}. اهـ.
ثم إن التسعير يؤدي إلى اختفاء السلع، وذلك يؤدي إلى ارتفاع الاسعار، وارتفاع الاسعار يضر بالفقراء، فلا يستطيعون شراءها، بينما يقوى الاغنياء على شرائها من السوق الخفية بغبن فاحش، فيقع كل منهما في الضيق والحرج ولا تتحقق لهما مصلحة.
.الترخيص فيه عند الحاجة إليه:
على أن التجار إذ ظلموا وتعدوا تعديا فاحشا يضر بالسوق وجب على الحاكم أن يتدخل ويحدد السعر صيانة لحقوق الناس، ومنعا للاحتكار، ودفعا للظلم الواقع عليهم من جشع التجار.
ولذلك يرى الإمام مالك جواز التسعير، كما يرى بعض الشافعية جوازه أيضا في حالة الغلاء.
كما ذهب إلى إجازته أيضا في السلع جماعة من أئمة الزيدية ومنهم: سعيد بن المسيب، وربيعة بن عبد الرحمن، ويحيى بن سعد الانصاري، كلهم يرون جواز التسعير إذا دعت مصلحة الجماعة لذلك...قال صاحب الهداية: «ولا ينبغي للسلطان أن يسعر على الناس، فإن كان أرباب الطعام يتحكمون ويتعدون في القيمة تعديا فاحشا، وعجز القاضي عن صيانة حقوق المسلمين إلا بالتسعير، فحينئذ لا بأس به بمشورة من أهل الرأي والبصر».
.الإحتكار:
تعريفه: الاحتكار هو شراء الشئ وحبسه ليقل بين الناس فيغلو سعره ويصيبهم بسبب ذلك الضرر.
.حكمه:
والاحتكار حرمه الشارع ونهى عنه لما فيه من الجشع والطمع وسوء الخلق والتضييق على الناس.
1- روى أبو داود والترمذي ومسلم عن معمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من احتكر فهو خاطئ».
2- وروى أحمد والحاكم وابن أبي شيبة والبزار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من احتكر الطعام أربعين ليلة فقد برئ من الله وبرئ الله منه».
3- وذكر رزين في جامعه أنه صلى الله عليه وسلم قال: «بئس العبد المحتكر: إن سمع برخص ساءه، وإن سمع بغلاء فرح».
4- وروى ابن ماجه والحاكم عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الجالب مرزوق، والمحتكر ملعون».
والجالب هو الذي يجلب السلع ويبيعها بربح يسير.
5- وروى أحمد والطبراني عن معقل بن يسار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من دخل في شيء من أسعار المسلمين ليغليه عليهم كان حقا على الله تبارك وتعالى أن يقعده بعظم من النار يوم القيامة».
.متى يحرم الاحتكار:
ذهب كثير من الفقهاء إلى أن الاحتكار المحرم هو الاحتكار الذي توفر فيه شروط ثلاثة:
1- أن يكون الشئ المحتكر فاضلا عن حاجته وحاجة من يعولهم سنة كاملة، لأنه يجوز أن يدخر الإنسان نفقته ونفقة أهله هذه المدة، كما كان يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم.
2- أن يكون قد انتظر الوقت الذي تغلو فيه السلع ليبيع بالثمن الفاحش لشدة الحاجة إليه.
3- أن يكون الاحتكار في الوقت الذي يحتاج الناس فيه إلى المواد المحتكرة من الطعام والثياب ونحوها.
فلو كانت هذه المواد لدى عدد من التجار - ولكن لا يحتاج الناس إليها - فإن ذلك لا يعد احتكارا، حيث لا ضرر يقع بالناس.
.الخيار:
هو طلب خير الأمرين من الإمضاء أو الإلغاء، وهو أقسام نذكرها فيما يلي:
.خيار المجلس:
إذا حصل الايجاب والقبول من البائع والمشتري وتم العقد فلكل واحد منهما حق إبقاء العقد أو إلغائه ماداما في المجلس أي محل العقد، ما لم يتبايعا على أنه لا خيار.
فقد يحدث أن يتسرع أحد المتعاقدين في الايجاب أو القبول، ثم يبدو له أن مصلحته تقتضي عدم إنفاذ العقد، فجعل له الشارع هذا الحق لتدارك ما عسى أن يكون قد فاته بالتسرع.
روى البخاري ومسلم عن حكيم بن حزام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما» أي أن لكل من المتبايعين حق إمضاء العقد أو إلغائه ماداما لم يتفرقا بالابدان، والتفرق يقدر في كل حالة بحسبها، ففي المنزل الصغير بخروج أحدهما، وفي الكبير بالتحول من مجلسه إلى آخر بخطوتين أو ثلاث، فإن قاما معا أو ذهبا معا فالخيار باق.
والراجح أن التفرق موكول إلى العرف، فما اعتبر في العرف تفرقا حكم به وما لا فلا.
روى البيهقي عن عبد الله ابن عمر قال: بعت من أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه مالا بالوادي بمال له بخيبر، فلما تبايعنا رجعت على عقبي حتى خرجت من بيته خشية أن يردني البيع، وكانت السنة أن المتبايعين بالخيار حتى يتفرقا. وإلى هذا ذهب جماهير العلماء من الصحابة والتابعين.
وأخذ به الشافعي وأحمد من الائمة وقالا: إن خيار المجلس ثابت في البيع والصلح والحوالة والاجارة وفي كل عقود المعاوضات اللازمة التي يقصد منها المال.
أما العقود اللازمة التي لا يقصد منها العوض مثل عقد الزواج والخلع فإنه لا يثبت فيها خيار المجلس.
وكذلك العقود غير اللازمة كالمضاربة والشركة والوكالة.
متى يسقط: ويسقط خيار الشرط بإسقاطهما له بعد العقد وإن أسقطه أحدهما بقي خيار الاخر. وينقطع بموت أحدهما.
خيار الشرط:
خيار الشرط هو أن يشتري أحد المتبايعين شيئا على أن له الخيار مدة معلومة وإن طالت إن شاء أنفذ البيع في هذه المدة وإن شاء ألغاه، ويجوز هذا الشرط للمتعاقدين معا ولاحدهما إذا اشترطه.
.والأصل في مشروعيته:
1- ما جاء عن ابن عمر أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: «كل بيعين لا بيع بينهما حتى يتفرقا إلا بيع الخيار».
أي لا يلزم البيع بينهما حتى يتفرقا، إلا إذا اشترط أحدهما أو كلاهما شرط الخيار مدة معلومة.
2- وعنه أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: «إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا وكانا جميعا، أو يخبر أحدهما الاخر فيتبايعا على ذلك فقد وجب البيع». رواه الثلاثة.
ومتى انقضت المدة المعلومة ولم يفسخ العقد لزم البيع.
ويسقط الخيار بالقول كما يسقط بتصرف المشتري في السلعة التي اشتراها بوقف أو هبة أو سوم لأن ذلك دليل رضاه.
ومتى كان الخيار له فقد نفذ تصرفه.
.خيار العيب:
حرمه كتمان العيب عند البيع: يحرم على الإنسان أن يبيع سلعة بها عيب دون بيانه للمشتري.
1- فعن عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: «المسلم أخو المسلم، لا يحل لمسلم باع من أخيه بيعا وفيه عيب إلا بينه» رواه أحمد وابن ماجه والدارقطني والحاكم والطبراني.
2- وقال العداء بن خالد: كتب لي النبي، صلى الله عليه وسلم،: «هذا ما اشتراه العداء بن خالد بن هوذه من محمد رسول الله اشترى منه عبدا أو أمة، لا داء، ولا غائلة، ولا خبثة، بيع المسلم من المسلم».
3- ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من غشنا فليس منا».
.حكم البيع مع وجود العيب:
ومتى تم العقد وقد كان المشتري عالما بالعيب فإن العقد يكون لازما ولا خيار له لأنه رضي به.
أما إذا لم يكن المشتري عالما به ثم علمه بعد العقد فإن العقد يقع صحيحا، ولكن لا يكون لازما، وله الخيار بين أن يرد المبيع ويأخذ الثمن الذي دفعه إلى البائع وبين أن يمسكه ويأخذ من البائع من الثمن بقدر ما يقابل النقص الحاصل بسبب العيب، إلا إذا رضي به أو وجد منه ما يدل على رضاه، كأن يعرض ما اشتراه للبيع أو يستغله أو يتصرف فيه.
قال ابن المنذر: إن الحسن وشريحا وعبد الله بن الحسن وابن أبي ليلى والثوري وأصحاب الرأي يقولون: إذا اشترى سعلة فعرضها للبيع بعد علمه بالعيب بطل خياره وهذا قول الشافعي.
.الإختلاف بين المتبايعين:
إذا اختلف المتبايعان فيمن حدث عنده العيب مع الاحتمال ولا بينة لاحدهما فالقول قول البائع مع يمينه، وقد قضى به عثمان.
وقيل: القول قول المشتري مع يمينه ويرده على البائع.
.شراء البيض الفاسد:
من اشترى بيض الدجاج فكسره فوجده فاسدا رجع بكل الثمن على البائع إذا شاء، لأن العقد في هذه الحال يكون فاسدا لعدم مالية المبيع، وليس عليه أن يرده إلى البائع لعدم الفائدة فيه.
.الخراج بالضمان:
وإذا انفسخ العقد وقد كان للمبيع فائدة حدثت في المدة التي بقي فيها عند المشتري فإن هذه الفائدة يستحقها.
فعن عائشة، رضي الله عنها، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال:
«الخراج بالضمان» رواه أحمد وأصحاب السنن وصححه الترمذي.
أي أن المنفعة التي تأتي من المبيع تكون من حق المشتري بسبب ضمانه له لو تلف عنده.
فلو اشترى بهيمة واستغلها أياما ثم ظهر بها عيب سابق على البيع بقول أهل الخبرة فله حق الفسخ، وله الحق في هذا الاستغلال دون أن يرجع عليه البائع بشئ.
وجاء في بعض الروايات: أن رجلا ابتاع غلاما فاستغله ثم وجد به عيبا فرده بالعيب فقال البائع: غلة عبدي.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «الغلة بالضمان» رواه أبو داود وقال فيه: هذا إسناد ليس بذاك.
.خيار التدليس في البيع:
إذا دلس البائع على المشتري ما يزيد به الثمن حرم عليه ذلك.
وللمشتري خيار الرد ثلاثة أيام، وقيل إن الخيار يثبت له على الفور.
أما الحرمة فللغش والتغرير، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «من غشنا فليس منا».
وأما ثبوت خيار الرد فلقوله صلوات الله وسلامه عليه فيما رواه عنه أبو هريرة:
«لا تصروا الإبل والغنم فمن ابتاعها فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها، إن شاء أمسك وإن شاء ردها وصاعا من تمر» رواه البخاري ومسلم.
قال ابن عبد البر: هذا الحديث أصل في النهي عن الغش وأصل في أنه أي التدليس لا يفسد أصل البيع، وأصل في أن مدة الخيار ثلاثة أيام، وأصل في تحريم التصرية وثبوت الخيار بها.
فإذا كان التدليس من البائع بدون قصد انتفت الحرمة مع ثبوت الخيار للمشتري دفعا للضرر عنه.
.خيار الغبن في البيع والشراء:
الغبن قد يكون بالنسبة للبائع، كأن يبيع ما يساوي خمسة بثلاثة.
وقد يكون بالنسبة للمشتري، كأن يشتري ما قيمته ثلاثة بخمسة.
فإذا باع الإنسان أو اشترى وغبن كان له الخيار في الرجوع في البيع وفسخ العقد، بشرط أن يكون جاهلا ثمن السلعة ولا يحسن المماكسة، لأنه يكون حينئذ مشتملا على الخداع الذي يجب أن يتنزه عنه المسلم.
فإذا حدث هذا كان له الخيار بين إمضاء العقد أو إلغائه.
ولكن هل يثبت الخيار بمجرد الغبن؟ قيده بعض العلماء بالغبن الفاحش، وقيده بعضهم بأن يبلغ ثلث القيمة، وقيده البعض بمجرد الغبن.
وإنما ذهبوا إلى هذا التقييد لأن البيع لا يكاد يسلم من مطلق الغبن، ولان القليل يمكن أن يتسامح به في العادة.
وأولى هذه الاراء أن الغبن يقيد بالعرف والعادة.
فما اعتبره العرف والعادة غبنا ثبت فيه الخيار، وما لم يعتبراه لا يثبت فيه.
وهذا مذهب أحمد ومالك، وقد استدلا عليه بما رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر، رضي الله عنهما، قال: ذكر رجل - اسمه حبان بن منقذ - للنبي صلى الله الله عليه وسلم أنه يخدع في البيوع، فقال: «إذا بايعت فقل: لا خلابة».
زاد ابن اسحاق في رواية يونس بن بكير وعبد الاعلى عنه: «ثم أنت بالخيار في كل سلعة ابتعتها ثلاث ليال، فإن رضيت فأمسك، وإن سخطت فاردد».
فبقي ذلك الرجل حتى أدرك عثمان وهو ابن مائة وثلاثين سنة، فكثر الناس في زمن عثمان، فكان إذا اشترى شيئا، فقيل له: إنك غبنت فيه، رجع، فيشهد له رجل من الصحابة بأن النبي، صلى الله عليه وسلم، قد جعله بالخيار ثلاثا، فترد له دراهمه.
وذهب الجمهور من العلماء إلى أنه لا يثبت الخيار بالغبن لعموم أدلة البيع ونفوذه من غير تفرقة بين ما فيه غبن وغيره.
وأجابوا عن الحديث المذكور: بأن الرجل كان ضعيف العقل، وإن كان ضعفه لم يخرج به عن حد التمييز، فيكون تصرفه مثل تصرف الصغير المميز المأذون له بالتجارة، فيثبت له الخيار مع الغبن، ولان الرسول، صلى الله عليه وسلم، لقنه أن يقول: لا خلابة، أي عدم الخداع، فكان بيعه وشراؤه مشروطين بعدم الخداع، فيكون من باب خيار الشرط.
.تلقي الجلب:
ومن صور الغبن تلقي الجلب، وهو أن يقدم ركب التجارة بتجارة فيتلقاه رجل قبل دخولهم البلد وقبل معرفتهم السعر، فيشتري منهم بأرخص من سعر البلد،
فإذا تبين لهم ذلك كان لهم الخيار دفعا للضرر، لما رواه مسلم عن أبي هريرة أن النبي، صلى الله عليه وسلم، نهى عن تلقي الجلب، وقال: «لا تلقوا الجلب، فمن تلقاه فاشترى منه فإذا أتى السوق فهو بالخيار».
وهذا النهي للتحريم في قول أكثر العلماء.
.التناجش:
ومنه أيضا التناجش، وهو الزيادة في ثمن السلعة عن مواطأة لرفع سعرها ولا يريد شراءها ليغر غيره بالشراء بهذا السعر الزائد.
وفي البخاري ومسلم عن ابن عمر: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النجش، وهو محرم باتفاق العلماء.
قال الحافظ بن حجر في فتح الباري: واختلفوا في البيع إذا وقع على ذلك، ونقل ابن المنذر عن طائفة من أهل الحديث فساد ذلك البيع، وهو قول أهل الظاهر ورواية عن مالك، وهو المشهور عند الحنابلة إذا كان ذلك بمواطأة المالك أو صنعه.
والمشهور عند المالكية في مثل ذلك ثبوت الخيار، وهو وجه للشافعية قياسا على المصراة، والاصح عندهم صحة البيع مع الاثم، وهو قول الحنفية. اهـ.
.الإقالة:
من اشترى شيئا ثم ظهر له عدم حاجته إليه.
أو باع شيئا بدا له أنه محتاج إليه.
فلكل منهما أن يطلب الاقالة وفسخ العقد.
وقد رغب الإسلام فيها ودعا إليها.
روى أبو داود وابن ماجه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أقال مسلما أقال الله عثرته» وهي فسخ لا بيع.
وتجوز قبل قبض البيع، ولا يثبت فيها خيار المجلس ولا خيار الشرط ولا شفعة فيها لأنها ليست بيعا.
وإذا انفسخ العقد رجع كل من المتعاقدين بما كان له، فيأخذ المشتري الثمن ويأخذ البائع العين المبيعة.
وإذا تلفت العين المبيعة أو مات العاقد أو زاد الثمن أو نقص فإنها لا تصح.
السلم:
تعريفه: السلم ويسمى السلف وهو بيع شيء موصوف في الذمة بثمن معجل، والفقهاء تسميه: بيع المحاويج، لأنه بيع غائب تدعو إليه ضرورة كل واحد من المتبايعين،
فإن صاحب رأس المال محتاج إلى أن يشتري السلعة، وصاحب السلعة محتاج إلى ثمنها قبل حصولها عنده لينفقها على نفسه وعلى زرعه حتى ينضج فهو من المصالح الحاجية.
ويسمي المشتري: المسلم، أو رب السلم.
ويسمى البائع: المسلم إليه.
والبيع: المسلم فيه، والثمن: رأس مال السلم.
.مشروعيته:
وقد ثبتت مشروعيته بالكتاب والسنة والاجماع.
1- قال ابن عباس، رضي الله عنهما،: أشهد أن السلف المضمون إلى أجل قد أحله الله في كتابه وأذن فيه.
ثم قرأ قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتهم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه}.
2- وروى البخاري ومسلم: أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قدم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين فقال: «من أسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم».
وقال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن السلم جائز.
.مطابقته لقواعد الشريعة:
ومشروعية السلم مطابقة لمقتضى الشريعة ومتفقة مع قواعدها وليست فيها مخالفة للقياس، لأنه كما يجوز تأجيل الثمن في البيع يجوز تأجيل المبيع في السلم، من غير تفرقة بينهما والله سبحانه وتعالى يقول: {إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه}.
والدين هو المؤجل من الأموال المضمونة في الذمة، ومتى كان المبيع موصوفا ومعلوما ومضمونا في الذمة، وكان المشتري على ثقة من توفية البائع المبيع عند حلول الاجل، كان المبيع دينا من الديون التي يجوز تأجيلها والتي تشملها الآية كما قال ابن عباس، رضي الله عنهما.
ولا يدخل هذا في نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع المرء ما ليس عنده، كما جاء في قوله لحكيم بن حزام: «لا تبع لا ليس عندك».
فإن المقصود من هذا النهي أن يبيع المرء مالا قدرة له على تسليمه، لأن مالا قدرة له على تسليمه ليس عنده حقيقة فيكون بيعه غررا ومغامرة.
أما بيع الموصوف المضمون في الذمة مع غلبة الظن بإمكان توفيته في وقته، فليس من هذا الباب في شئ.
.شروطه:
للسلم شروط لا بد من أن تتوفر فيه حتى يكون صحيحا وهذه الشروط منها ما يكون في رأس المال ومنها ما يكون في المسلم فيه.
شروط رأس المال:
أما شروط رأس المال فهي:
1- أن يكون معلوم الجنس.
2- أن يكون معلوم القدر.
3- أن يسلم في المجلس.
شروط المسلم فيه:
ويشترط في المسلم فيه:
1- أن يكون في الذمة.
2- وأن يكون موصوفا بما يؤدي إلى العلم بمقداره وأوصافه التي تميزه عن غيره، كي ينتي الغرر وينقطع النزاع.
3- وأن يكون الاجل معلوما.
وهل يجوز إلى الحصاد والجذاذ وقدوم الحاج إلى العطاء؟
فقال مالك: يجوز متى كانت معلومة كالشهور والسنين.
.اشتراط الأجل:
ذهب الجمهور إلى اعتبار الاجل في السلم، وقالوا: لا يجوز السلم حالا.
وقالت الشافعية: يجوز، لأنه إذ جار مؤجلا مع الغرر فجوازه حالا أولى.
وليس ذكر الاجل في الحديث لاجل الاشتراط بل معناه إن كان لاجل فليكن معلوما.
قال الشوكاني: والحق ما ذهبت إليه الشافعية من عدم اعتبار الاجل لعدم ورود دليل يدل عليه، فلا يلزم التقيد بحكم بدون دليل.
وأما ما يقال: من أنه يلزم مع عدم الاجل أن يكون بيعا للمعدوم، ولم يرخص فيه إلا في السلم، ولا فارق بينه وبين البيع إلا الاجل: فيجاب عنه بأن الصيغة فارقة، وذلك كاف.
لا يشترط في المسلم فيه أن يكون عند المسلم إليه: لا يشترط في السلم أن يكون المسلم إليه مالكا للمسلم فيه بل يراعى وجوده عند الاجل.
ومتى انقطع المبيع عند محل الاجل انفسخ العقد، ولا يضر انقطاعه قبل حلوله.
روى البخاري عن محمد بن المجالد قال: بعثني عبد الله بن شداد وأبو بردة إلى عبد الله بن أبي أوفى فقالا: سله هل كان أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، في عهد النبي، صلى الله عليه وسلم، يسلفون في الحنطة؟ فقال عبد الله: كنا نسلف نبيط أهل الشام في الحنطة والشعير والزيت في كيل معلوم إلى أجل معلوم.
قلت: إلى من كان أصله عنده؟ قال: ما كنا نسألهم عن ذلك.
ثم بعثاني إلى عبد الرحمن بن أبزي، فسألته فقال: كان أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، يسلفون على عهد النبي، صلى الله عليه وسلم، ولم نسألهم ألهم حرث أم لا.
.لا يفسد العقد بالسكوت عن موضع القبض:
لو سكت المتعاقدان عن تعيين موضع القبض فالسلم صحيح ولو لم يتعين الموضع لأنه لم يبين في الحديث.
ولو كان شرطا لذكره الرسول، صلى الله عليه وسلم، كما ذكر الكيل والوزن والاجل.
.السلم في اللبن والرطب:
قال القرطبي: وأما السلم في اللبن والرطب مع الشروع في أخذه فهي مسألة مدنية اجتمع عليها أهل المدينة. وهي مبنية على قاعدة المصلحة، لأن المرء يحتاج إلى أخذ اللبن والرطب مياومة ويشق أن يأخذ كل يوم ابتداء، لأن النقد قد لا يحضره، ولان السعر قد يختلف عليه، وصاحب النخل واللبن محتاج إلى النقد لأن الذي عنده عروض لا ينصرف له، فلما اشتركا في الحاجة رخص لهما في هذه المعاملة قياسا على العرايا وغيرها من أصول الحاجات والمصالح. اه.
.جواز أخذ غير المسلم فيه عوضا عنه:
ذهب جمهور الفقهاء إلى عدم جواز أخذ غير المسلم فيه عوضا عنه مع بقاء عقد السلم، لأنه يكون قد باع دين المسلم فيه قبل قبضه.
ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من أسلف في شيء فلا يصرفه إلى غيره».
وأجازه الإمام مالك وأحمد.
قال ابن المنذر: ثبت عن ابن عباس أنه قال: إذا أسلفت في شيء إلى أجل، فإن أخذت ما أسلفت فيه وإلا فخذ عوضا أنقص منه، ولا تربح مرتين رواه شعبة وهو قول الصحابي، وقول الصحابي حجة ما لم يخالف.
وأما الحديث ففيه عطية بن سعد وهو لا يحتج بحديثه.
ورجح هذا ابن القيم فقال - بعد أن ناقش أدلة كل من الفريقين -: فثبت أنه لا نص في التحريم ولا إجماع ولا قياس، وأن النص والقياس يقتضيان الاباحة.
والواجب عند التنازع الرد إلى الله وإلى الرسول، صلى الله عليه وسلم.
وأما إذا انفسخ عقد السلم بإقالة ونحوها.
فقيل: لا يجوز أن يأخذ عن دين السلم عوضا من غير جنسه.
وقيل: يجوز أخذ العوض عنه، وهو مذهب الشافعي واختيار القاضي أبي يعلى وابن تيمية.
قال ابن القيم: وهو الصحيح، لأن هذا عوض مستقر في الذمة فحازت المعاوضة كسائر الديون من القرض وغيره.
بيع الحيوان بلحم:
قال جمهور الائمة: لا يجوز بيع حيوان يؤكل بلحم من جنسه، فلا يجوز بيع بقرة مذبوحة ببقرة حيه يقصد منها الأكل، لما رواه سعيد بن المسيب أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، نهى عن بيع الحيوان باللحم رواه مالك في المطإ عن سعيد مرسلا وله شواهد.
قال الشوكاني: ولا يخفى أن الحديث ينتهض للاحتجاج بمجموع طرقه، وروى البيهقي عن أهل المدينة أن النبي، صلى الله عليه وسلم، نهى أن يباح حي بميت، ثم قال، أي البيهقي: وهذا مرسل يؤكد مرسل ابن المسيب.
.بيع الرطب باليابس:
ولا يجوز بيع الرطب بما كان يابسا إلا لاهل العرايا، وهم الفقراء الذين لانخل لهم، فلهم أن يشتروه من أهل النخل رطبا يأكلونه في شجره بخرصه ثمرا.
روى مالك وأبو داود عن سعد بن أبي وقاص أن النبي، صلى الله عليه وسلم، سئل عن بيع الرطب بالتمر، فقال: أينقص الرطب إذا يبس؟ قالوا: نعم. فنهى عن ذلك.
روى البخاري ومسلم عن ابن عمر، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزابنة.
أي يبيع الرجل ثمر حائطه بستانه إن كان نخلا بتمر كيلا. وإن كان كرما أن يبيعه بزبيب كيلا. وإن كان زرعا أن يبيع بكيل طعام. نهى عن ذلك كله.
وروى البخاري عن زيد بن ثابت: أن النبي، صلى الله عليه وسلم، رخص في بيع العرايا أن تباع بخرصها كيلا.
.بيع العينة:
بيع العينة نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه ربا وإن كان في صورة بيع وشراء.
ذلك أن الإنسان المحتاج إلى النقود يشتري سلعة بثمن معين إلى أجل، ثم يبيعها ممن اشتراها منه بثمن حال أقل فيكون الفرق هو فائدة المبلغ الذي أخذه عاجلا.
وهذا البيع حرام ويقع باطلا.
1- روى ابن عمر أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: «إذا ضن الناس بالدينار والدرهم وتبايعوا بالعينة واتبعوا أذناب البقر وتركوا الجهاد في سبيل الله أنزل الله بهم بلاء فلا يرفعه حتى يراجعوا دينهم».
أخرجه أحمد وأبو داود والطبراني وابن القطان وصححه.
وقال الحافظ بن حجر: رجاله ثقات.
2- وقالت العالية بنت أيفع بن شرحبيل: دخلت أنا وأم ولد زيد بن أرقم وامرأته على عائشة رضي الله عنها، فقالت أم ولد زيد بن أرقم: إني بعت غلاما من زيد بن أرقم بثمانمائة درهم نسيئة، ثم اشتريته بستمائة درهم نقدا، فقالت: بئس ما شريت وبئس ما اشتريت، أبلغي زيد بن أرقم: أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب.
أخرجه مالك والدارقطني.
هلاك المبيع قبل القبض وبعده:
1- إذا هلك البيع كله أو بعضه قبل القبض بفعل المشتري، فإن البيع لا ينفسخ، ويبقى العقد كما هو، وعليه أن يدفع الثمن كله لأنه هو المتسبب في الهلاك.
2- وإذا هلك بفعل أجنبي فإن المشتري بالخيار بين الرجوع على هذا الاجنبي وبين فسخ العقد.
3- ويفسخ البيع إذا هلك المبيع كله قبل القبض بفعل البائع أو بفعل المبيع نفسه أو بآفة سماوية.
4- فإذا هلك بعض المبيع بفعل البائع سقط عن المشتري من الثمن بقدر الجزء الهالك.
ويخير في الباقي بأخذه بحصته من الثمن.
5- أما إذا كان هلاك بعض المبيع بفعل نفسه فإنه لا يسقط شيء من ثمنه، والمشتري مخير بين فسخ العقد وبين أن يأخذ ما بقي بجميع الثمن.
6- وإذا كان الهلاك بآفة سماوية ترتب عليها نقصان قدره، فيسقط من الثمن بقدر النقصان الحادث، ثم يكون المشتري بالخيار بين فسخ العقد وبين أخذ الباقي بحصته من الثمن.
هلاك المبيع بعد القبض:
إذا هلك المبيع بعد القبض كان من ضمان المشتري.
ويلزم بثمنه إن لم يكن فيه خيار للبائع، وإلا فيلزم بالقيمة أو المثل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ