الأحد، 25 مارس 2012

موسوعة العقيدة - أسماء الله الحسنى : الرقيب

الرقيب

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللّهم لا علم لنا إلاّ ما علمتنا إنّك أنت العليم الحكيم، اللّهم علِّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علّمتنا وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه واجعلنا ممّن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصّالحين.
 أيّها الإخوة الكرام ؛ مع الدرس الثاني والأربعين من دروس أسماء الله الحُسنى و الاسم اليوم هو( الرقيب )، فالرقيب اسمٌ من أسماء الله الحُسنى إنَّ المؤمن إذا آمن بهذا الاسم، انعكس هذا الإيمان على سلوكه انعكاساً واضحاً صارخاً ؛ فأنت إذا شعَرت أنك مٌراقب فلابٌد من أن تنضبط، فشعور الإنسان بأنه مٌراقَب، ولو من جهة أرضية، ولو من إنسان من بني جلدته لكنه أقوى منه إذا كنتَ مراقَباً، فلا بد من أن تنضبط؛ فَكيف إذا أيقنت أن الله -جل جلاله -هو الرقيب ! قال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (1)﴾
(سورة النساء)
 أيها الإخوة: أحياناً تكون العَقَبة عقبة معرفة، لأن فطرة الإنسان تُعينه إذا عرف، فَحُب السلامة، وحُب الفوزِ والكسبِ في الإنسان، كافِيان يَحمله على طاعة الله فيما لو أيقن أن الله رقيبٌ عليه، فالمراقبة حال ذكره العلماء كثيراً ؛ هذا الحال يُشعِرك أن الله معك دائماً. قال عليه الصلاة والسلام:
(( أفضل إيمان المرء أن يعلم أن الله معه حيث كان ))
 قبل أن نتابع الحديث عن اسم الرقيب أريد أن أضع بين أيديكم مثلاً يوضح حقيقة هذه الأسماء ؛ أنت لو اِلتقيت عند صديق لك مع رجلٍ لا تعرفه تقول له: مَن الأخ الكريم ؟ يقول لك: فلان بن فلان، بِرَبَّك أن يذكر لك صديقك اسم هذا الرجل هل يكفي لكي تعرفه ؟ تشعر أنك سألت عنه كي تعرف كل شيء، قال لك اسمه. تقول له ماذا اسمك ؟ إلى أيِّ مستوى دراسي وصلت ؟ وتحب أن تعرف شيئاً عن ثقافته، أو عن اختصاصه، أو عن سِنِّه، أو عملِه، هل هو متزوج ؟ وكم ولد له ؟ و أين يسكن ؟ هنا يمكنك أن تعرفه ؟ لكن إذا قلت لك: إن الله - جل جلاله - خالق السماوات والأرض، فهذا لا يكفي ؛ فأنت تحب أن تعرف أسماءه وصفاته، فما من موضوعٍ يعلو على موضوع أسماء الله الحسنى، إذْ رأس الدين معرفة الله -عز وجل - ولكن كيف تعرفه ؟ هل تردد اسمه ؟ لا، أن تتعرف على أسمائه وصفاته الحسنى، فَلِذلك مشروعية هذا الدرس أنه لا يكفي أن تعرف أن الله خلق السماوات والأرض، إن هذه الحقيقة يعرفها كل الناس حتى الكفار، بل عُبّاد الأصنام بل حتى المجوس قال تعالى:
﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (61)﴾
(سورة العنكبوت)
﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (63)﴾
(سورة العنكبوت)
 فالمشكلة ليست أن تتعرف أن الله خلق السماوات والأرض، وإنما المشكلة أن تتعرف إلى أسماء الله الحُسنى ؛ فهذه هي مشروعية هذا الدرس الذي يُعد في الدعوة إلى الله كالرأس من الجسد.
 أولاً: الرقيب في اللغة بمعنى المُنتظر، قال تعالى:
﴿وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ (93)﴾
(سورة هود)
 " فارتقبوا " أي انتظروا فالرقيب هو المُنتظر. ورقيب القوم هو الحارس الذي يُشرف على مراقبة العدو. ورقيب الجيش طليعته. والرقيب هو الله الحافظ الذي لا يغيب عنه شيء، قال تعالى:
﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (1)﴾
(سورة النساء)
 إذا أيْقنت أن الله يعلم، حُلَّت كل مشكلتك ؛ ألم يقل الله –عز وجل-:
﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً (12)﴾
(سورة الطلاق)
 فالله اِختار من بين أسمائه اسمين فقال:
﴿ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾
 فإذا علمت أن الله يعلم، فَبِدافع فِطرتك، وبدافع حُبك لذاتك، وبِدافع رغبتك في السلامة والكسب والتفوُّق، تستقيم على أمره.
زرتُ مرةً مَحَلاً تجارياً كي أشتري بعض الحاجات فلم أجد رغبتي فقال لي صاحب المحل: حاجتك موجودة ولكن بالمستودع فذهبت معه إلى المستودع وكان في الطابق الرابع فوجدت محاسِباً يجلس إلى طاولة وأمامه كاميرا تذكرت ما رأيته في محل ذاك الشخص فإنني رأيت شخصاً يكتب، عندها عرفت أن هذا الشخص موظف عند صاحب هذا المحل وقد وضع صاحب المحل جهاز مراقبة عليه، فهذا العامل لا يستطيع أن يتحرك ولا أن يأكل ولا أن يتمطى لأنه مراقب من طرف هذا الشخص، يقولون الطريق مراقب، كنت في بعض البلاد المخالفة فيها بِخمس مئة درهم بِمعدل سبعة آلاف ليرة سورية، فالاهتمام بالغ جداً بالسرعة لأن قيمة المخالفة سبعة آلاف ليرة تقريباً، لو جاوز العدّاد التسعين لصارت المخالفة بسبعة آلاف، فالمراقبة هي التي تجعل الحذر.
 في الإدارات الحديثة صار البناءُ كله وِحدة صوتية ومرئية فَبِإمكان المدير أن يرى كل الموظفين، دخلت بعض المعامل السورية فوجدت كل الغرف بينها بِلَّوْر فقط فالمدير العام يرى كل الموظفين ؛ ولكن المراقبة من الإنسان شيء والمراقبة من الواحد الديان شيء آخر. لذلك بعض علماء القلوب أشاروا إلى حال المراقبة، المؤمن الراقي يشعر دائماً أن الله يُراقبه، وأنه تحت المراقبة قال تعالى:
﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14)﴾
(سورة الفجر)
 فالرقيب هو المُنتظر ؛ والرقيب هو الحارس ؛ ورقيب الجيش هو طليعته ؛ والرقيب هو الله تعالى الحافظ الذي لا يغيب عنه شيء. وفي الحديث الشريف::
(( اُرقبوا محمداً في آل بيته ))
 أيْ راقبوا وانتبهوا أن تُؤذوه في آل بيته واحفظوه فيهم ؛ والرقيب هو الخَلَف يُقال: نِعم الرقيب أنت لأبيك، هذه كلها معاني الرقيب ؛ والترقّب أي الانتظار، واِرتَقَبه رَصَده، والرقوب الدوام على وجه الحفظ يُقال: أرقَبت الشيء، أرقبه إذا راعيته وحفِظته، والرقيب من الناس الموكل بحِفظ المُتَرَقب له، ويقال للملك الذي يكتب الأعمال ويحفظ الأقوال هو رقيب، وفي القرآن الكريم:
﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)﴾
(سورة ق)
 والرقيب العليم، وراقَبْتَ الله إذا علِمت أنه مُطلّع عليك فَراعيْتَ حقه، هذا كل ما ورد في اللغة عن معنى الرقيب: فهو الذي ينتظر، والحارس، وطليعة القوم، الخَلَف، والمنتظر، والرَّاصْد، والراعي، والحافظ ؛ الله جل جلاله هو الرقيب ؛ والمَلَك المُوَكل بِكتابة الأعمال، وحِفظ الأقوال هو الرقيب.
 إذا قلنا: الله هو الرقيب ؛ فماذا تعني الله هو الرقيب ؟ بِمعنى الذي يعلم أحوال العِباد ويعُدّ أنفاسهم. والله الذي لا إله إلا هو وأنت مستلقٍ على فِراشك لو خَطر عليك خاطر أنَّ غداً سَأفعل كذا، يجب أن تؤمن وأن تعلم وأن تعتقد اِعتقاداً جازماً قطعيّاً، أن هذا الخاطر اِطَّلع الله عليه ولا يستطيع من العباد أن يفعل ذلك، إذْ لو أنك رأيت شخصاً مستلقِياً على فراشه لا يمكنك أن تقرأ أفكاره فهذا مستحيل. الله ستر لك أفكارك وأحوالك عن الناس. الناس لهم الظاهر لكن الله هو الخبير بالسرائر قال تعالى:
﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16)﴾
(سورة ق)
 مرةً ثانية أقول: إن هذا الاسم من أقرب الأسماء إليك ؛ إنك إن اعتقدت أنّ الله هو الرقيب فمن اللوازم القطعية للإيمان بهذا الاسم الاستقامة على أمره ؛ ومتى اِستقمت على أمره ؛ انتهى كل شيء لقوله تعالى:
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا ﴾
 فَيُمكن لهذا الاسم أن يكون سبب سعادتك الأبدية، آمنت أنه يراقبك، فاِستحييت منه، ولَزِمت أمره ؛ فَسَعِدت في الدنيا والآخرة. فقد يكون اسم الرقيب وحده سبب سعادة الدارين.
﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾
 فالمؤمن في بيته مُراقَبْ، وفي عمله مُراقَبْ، وهو يعالج المريض مُراقَبْ، وهو يَرِفع مذكرة للقاضي مُراقَبْ ؛ وكلما اقترب من الله ؛ شَعَر بالعِتاب أحياناً ؛ فمثلاً أنت محامٍ أتقنت عملك ودافعْت عن هذا المُوكِّل دِفاعاً قوياً، وراجَعت القوانين كلها ؛ عالجتَ هذا المريض معالجة مُتقنة أم أنك مستعجل، ومشغول ولم تُدقق في حساسيته والأدوية التي أخذها.
﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾
 تكلمت هذا الكلام فَهَل عرفت أبعاده ؟ فالإنسان كلما اِرتقى يَنشأ مع نفسه حساب دقيق. واللهِ الذي لا إله إلا هو لو أن الإنسان عرف الله حق المعرفة، لَحاسَب نفسه حساباً عسيراً لأنه تعالى مُطَّلِع عليك.
 يعني أقول لكم هذا ولو كان جزئياً ؛ إذا كان طبق فاكهة موضوعاً أمام جماعة من الناس أليس من تمام المراقبة أن تؤاثر أخاك وتجعل الحبَّة الكبيرة له لأنك تحت مراقبته في تفكيرك وحركتك، لكنَّ الله تعالى لطيف، أحياناً تمشي مع شخصٍ فَتَتَضايَق نفسك منه لكن الله معك دائماً دون أن يُزعِجك، وهو معك بِلُطْفه فَمِن أسمائه اللطيف، فهو معك في بيتك، وعملك، وسفرك، وحضرك، وفي خلوتك، وجلوتك، ومع زوجتك، وأولادك، وعند كل كلام تقوله معك يراقبك لكنه لطيف.
 الرقيب في حق الله ؛ هو الذي يعلم أحوالهم ويعد أنفاسهم ؛ وقيل: الحفيظ الذي لا يغفُل والحاضر الذي لا يغيب ؛ قد تملك معرفة بعض الأشخاص الأقوياء فَتَكون لديك أرقام هواتفهم وربما تقع في وقت حرِجٍ فإذا اِتصلت بِأحدهم يقال لك: سافر، وذاك هاتفه مقطوع لأسباب مالية، وأنت في أشد الحاجة إليه لكنك لو اِعتمدت على الله فهو دائماً معك في السرّاء والضرّاء، قل: يا رب يقلْ لك: لبَّيْك يا عبدي لن تحتاج بهذا وصْلاً أو قَسَماً أو مذكرة ولا شهادة، قال تعالى:
﴿وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (7)﴾
(سورة طه)
 اعبد الله كأنك تراه ؛ فإن لم تكن تراه فإنه يراك ؛ هذا مقام الإحسان فاسم الرقيب يرفعك إلى مقام الإحسان، اِعبد الله كأنك تراه ؛ فإن لم تكن تراه فإنه يراك والإنسان يستحي ؛ في كل أسرة من أُسَرِنا هناك كبير القوم متقدم في السن ومثقف أحياناً، ذو وجاهة ومعتدل وحليم، لو أن هذا الإنسان زارك في العيد، كيف تستقبله أبِالقميص الداخلي ؟ والله هناك أشخاص لا يستقبلون الضيوف إلا باللِباس الرسمي، يخجل حتى بِثياب البيت أن يستقبله، كيف تحدثه وكيف تجلس معه ؟ من عِلْية القوم، تجد أنك تراقب نفسك بالكلام ؛ وتنتقي أفضل الثياب، وتجلس جلسة مؤدَّبة فيها توقير، إذا كان كل هذا مع الإنسان فَكيف مع الواحد الديان ؟ فكلما اِرتقى مقام الإنسان دخل في حال المراقبة مع الله عز وجل ؛ فهو الحفيظ الذي لا يغفل والحاضر الذي لا يغيب، العليم الذي لا يعْرَبُ عنه شيء من أحوال خلقه، قال تعالى:
﴿يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ (18)﴾
(سورة الحاقة)
 الإنسان مكشوف ؛ إذْ لا يوجد شيء يمكنك أن تخفِيَه على الله -عز وجل -، أما عن البشر فأنت تخفي عنهم ألف شيءٍ وشيء، تخفي عنهم ألف شعور، وألف فكرة، وألف قضية، وألف سر، تبقى صامتاً ولا يعلم أحدٌ شيئاً عنك أحياناً، لكن تكلُّمك وصمتك عند الله سواء، وبَوْحك وكِتمانك عند الله سواء، إعلانك وإخفاؤك عند الله سواء لأنه رقيب.
 وقيل: الرقيب ؛ هو الذي يرى أحوال العباد ويعلم أقوالهم ؛ وقيل: الذي يراقب عباده، ويُحصي أعمالهم، ويحيط بِمَكنونات سرائرهم، ولا يغيب عنه شيء. هذا من معاني اسم الرقيب، والإنسان إذا تحقق من اسم الرقيب، كان في حالٍ آخر، يستحي من الله- عز وجل-،( النبي عليه الصلاة والسلام اشتغل عنده عامل فاغتسل عنده عُرياناً، خذ أَجَارتك لا حاجة لنا بك فإني أراك لا تستحيي من الله )فالإنسان يحفظ عَورته من أن يراها أحد وقد قرأت في بعض الكتب (حتى ولو كان وحده ) فكلما ارتفع الإنسان شعر أن الله معه وشعر بِمراقبة الله له.
 اسم الرقيب جاء في القرآن الكريم في ثلاثة مواطن: ففي فاتحة سورة النساء قال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (1)﴾
(سورة النساء)
 واللهِ الذي لا إله إلا هو لو لم يكن في القرآن الكريم إلا هذه الآية، لَكَفَتْ. هذا الأعرابي الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم: عظني ولا تُطِل فَتَلا عليه النبي هذه الآية:
﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ (8)﴾
(سورة الزلزلة)
 هذا الأعرابي قال: كُفيتُ يا رسول الله ؛ أيْ هذه الآية تكفيني مدى الحياة ؛ فالنبي تعجّب وقال: فَقُه الرجل أيْ: أصبح فقيهاً وما قال عليه الصلاة والسلام: فقِه لأن فقِه بمعنى عَرَف الحِكم أما فقُه بمعنى أصبح فقيهاً، فأي شيء جعل هذا الأعرابي فقيهاً، والله الذي لا إله إلا هو، أكاد أقول: إن هذه الآية وحدها تجعل الإنسان فقيهاً:
﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾
 هل تستطيع أن تكذب مع هذه الآية ؟ وهل تستطيع أن تُدلِّس ؟ وأن تغُشّ ؟ وأن تحتال ؟ وأن توهِم ؟ وهل تستطيع إيذاء الخلق؟
﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾
 إذا كنت مراقباً من قِبَل مخلوق تجد أنك تتجنب كل ما يؤدي للهلاك فَكَيف إذا كنت مراقباً من قِبَل الخالق ؟.
 مقام المراقبة قد يصل بك إلى سعادة الدارين الدنيا والآخرة. الآية الثانية في سورة المائدة جاءت على لِسان سيدنا عيسى -عليه وعلى نبِيِّنا أفضل الصلاة والسلام- قال تعالى:
﴿مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117)﴾
(سورة المائدة)
 فهذه الآية الثانية ؛ والآية الثالثة: في سورة الأحزاب قال تعالى:
﴿لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً(52)﴾
(سورة الأحزاب)
 تُروى قصة مشهورة ذكرها الإمام الرازي: أن أحد الشيوخ كان له جمْع من التلاميذ، وكان قد خصَّ واحداً منهم بالعناية الزائدة فَسَأله بقيةُ التلاميذ عن سبب ذلك من شدة غيرتهم من هذا التلميذ الصغير وقالوا له: لماذا تخصه بهذه العناية ؟ فقال: سَأبيِّن لكم ذلك ؟ أعطى لِكل واحدٍ منهم طائراً وقال له: اذبح هذا الطائر حيث لا يراك أحد ؛ فمَضى كل واحدٍ منهم إلى جهةٍ ثم رجع إلى شيخه وقد ذبح الطائر ما عدا ذلك التلميذ الصغير فقد رجع إلى شيخه والطائر في يده، وقال: أنت يا سيدي أمرتني أن أذبح الطائر حيث لا يراني أحد ولم أّجِد موضِعاً لم يرني الله فيه فالتفت الشيخ لِبقية التلاميذ وقال: مِن أجل هذا خصصته بِمزيدٍ من العناية

أما تستحي منا ويكفيك ما جرى ؟  أما تختشي من عُتْبنا يوم جمْعِنا
أما آن أن تقلِع عن الذنب راجِعا ً وتنظر ما به جاء وَعْدنا
فَيا خجلي منه إذا هو قال لي:  أيا عبدنا ما قرأت كِتابنا ؟
***
 فالمؤمن الصادق ؛ يرى أن الله معه، ويُراقبه، ويُحاسِبه فيَسْتحي منه، المحبون لله -عز وجل -لهم أحوال مع الله لا تُوصف، مناجاتهم له وتأدُّبهم معه فهناك من يتزيَّن قبل أن يُصلي لأنه سَيَقف -بين يدي -الله عز وجل -، أرى في بعض الأحيان أشخاصاً يصلون بالقميص الداخلي فهؤلاء لا يستحيون من الله حق الحياء ؛ يستحي أن يقابل إنساناً بِقميص داخلي فَكَيف يقابل الله -عز وجل -؟ فالأكمل أن ترتدي عباءة أو ثوباً فأنت بين يدي الله -عز وجل - فالعلماء قبل الآن كانوا يتزينون ويُرجِّلون شعورهم قبل أن يصلوا لأنهم سَيَقفون بين يدي الله -عز وجل -.
﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾
 ولدينا دليل قوي ؛ قال تعالى:
﴿يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31)﴾
(سورة الأعراف)
 أنا لا أقول هذا انتقاداً لأحد، لكنك تجده يأتي إلى المسجد بِأقَلّ ثياب عنده في حين أقل حفلة تجده يرتدي أجمل الثياب، المسجد بيت الله ويوم الجمعة عيد وأنت ضيفه، ومن السنة الاهتمام بهذا اليوم بهذا العيد.
 يُروى أن عبد الله بن عمر مرَّ بِغلام يرعى غنماً فأشار لإحدى الشياه وقال: بِعني هذه الشاة يا غلام، فأجاب الغلام: إنها ليست لي. فقال ابن عمر: قل لصاحب الغنم إن الذئب أكل واحدةً منها، فقال الغلام: فأين الله ؟ أقول تعليقاً على هذه القصة: إن هذا الغلام الراعي وضع يده على جوْهر الدين، ومسك جوهر الدين ولو أن ثقافته محدودة فهذا راعٍ وقد تجد إنساناً عنده مكتبة من أربعة جدران بحيث أنك تُذْهل وتقول: هذا عالم كبير فوا لله لو أكل دِرهماً حراماً فلا قيمة لكل هذا العلم ؛ وهذا البدوي الراعي الذي قال: أين الله ؟ نحن بِحاجة في هذه الأيام إلى أشخاص كهذا الراعي، بِحاجة إلى وَرَع، وإلى مسلم يقيم الإسلام حقيقةً ؛ إلى بيت مسلم، و زوج مسلم، و زوجة مسلمة، وأولاد مسلمين، وإلى صدق، وأمانة، وإخلاص بدون غش، ولا كذب، ولا تدليس، هذا النموذج وهو ساكت يُعدُّ أكبر داعية والذي يصيح في الناس صباحاً ومساءً يا أيها الناس اتقوا ربكم ؛ وهولا يتقي ربه ؛ هذا أكبر منفِّر ؛ فالإنسان المستقيم والملتزم والتقي ولو كان ساكتاً فهو أكبر داعية ؛ والفصيح المتكلّم، والمتحدث اللَّبِق؛ والخطيب المُسقع ؛ إن لم يكن ورِعاً، فهو أكبر منفِّر ؛ فالقضية عند الله في الصدق، والإخلاص، والتطبيق.
﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾
 هل يمكن لمؤمن يعمل خبازاً أن يدخل لِدورة المياه ولا يُغسِّل يديه ؟ المؤمن لا يفعل هذا لأن العجين سيُصبح خطراً للناس، الأمر الذي جعل المؤمن يتصرف هكذا هو الوازع الداخلي إن الله كان عليكم رقيب.
 أذكر أنني ألقيت في هذا المسجد درساً حول الأمانة وقلت: ليس الأمين الذي يؤدي ما عليه إذا كان هناك إيصال، أو سند، أو شهود، أو حساب ثابت، فهذا سلوك مدني لأنه إذا لم يؤدِّ فالطرف الآخر أقوى منه لوجود السند، ودعوى، وقضاء، وتشهير، أما الأمين عند الله ؛ فهو الذي يؤدي ما عليه من دون أن يكون مُداناً في الأرض ؛ والله جاءتني ورقة وأنا في هذا المسجد قال لي صاحبها: والله يا أستاذ أديت عشرين مليون ليرة لِورثَةٍ وهم لا يعلمون عن هذا المبلغ شيئاً، لأن الله رقيبٌ عليه ؛ هذا هو المؤمن ؛ مبلغ ضخم، وهناك آباء كثيرون أموالهم في سرٍّ لا يُعلِمون بها أولادهم ولا أزواجهم ؛ فإذا مات فجأةً مات معه السِّر ؛ هناك أُناس كثيرون يُعانون من هذا يقولون: مات أبونا ولا نعلم عن أموال أبينا شيئاً ؛ فالذي معهم أموال هؤلاء إذا كانوا من الذين فقهوا قوله تعالى:
﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾
 سيأتون لهم بالمال ويقولون هذا مال أبيكم.
 قال لي: والله يا أستاذ أدَّيت عشرين مليون ليرة لِورثَةٍ وهم لا يعلمون عن هذا المبلغ شيئاً ؛ هذا هو الإيمان، الإيمان يصنع المعجزات، لو أننا شعرنا أن الله رقيبٌ علينا لاستقامت حالُنا جميعاً ؛ هل يستطيع سمان مؤمن إذا وقعت فأرة في صفيحة زيت أن يبيع الصفيحة ؟ لا يستطيع ! هل تستطيع أن تُخفيَ عَيْب بضاعتك ؟
﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾
 هل يمكن أنْ تضع مادةً مُسرطنة لِغداء حتى ترفع ثمنها ؟ لا تستطيع، وهل تستطيع أن تضع هرمونات لِنَبْتة كي تكبر حتى تكون كبيرة الحجم ويكون سعرها غالياً ؟ هذه مادة مسرطنة لا يمكن اِستعمالها إلا تهريباً ؛ لو آمنا بهذا الاسم لأُلغِيَ الغش من حياتنا جميعاً ؛ وهل يستطيع المحامي أن يقدِّم مذكرة للقاضي وهو يعلم أن مُوَكِّله كاذب ؟ لا يستطيع.
﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾
 وهل يستطيع أن يرى الطبيب من المرأة موضعاً غير الموضع الذي تتألم منه المريضة ؟ إن الله كان عليكم رقيب، لقد رأيت أطباء ملتزمين يقومون بِوضع رداء فيه فتحة صغيرة على المريض كي يُشَخِّصوا موضع الألم فقط، هل تستطيع وأنت كمؤمن إذا كنت في بيتك وحيداً، وخرجت جارتك تنشر غسيلها بالشرفة المقابلة لك، وهي بثياب متبذلة، وهي في النور وأنت في الظل ولا يراك أحد ؛ هل تستطيع أن تنظر وأنت تتذكر قوله تعالى إن الله كان عليكم رقيباً.
 أخ معنا يعمل في دائرة ؛ واسمحوا لي أن أذكر قِصَّته كان له فُسْحة مدتها ساعة أو أقل، في آخر الشهر قدَّم إجازة بمدة ستة أيام لِرئيسه فقال: لقد استهلكت هذه الإجازة فقال: كيف ؟ قال: لأنني كنت أحضر كل يوم متأخراً تقريباً ساعة من الزمن فَجَمعت هذه الساعات فإذا هي بِمُعدَّل ستة أيام ؛ فاِندهش هذا الشخص من هذا النموذج وقال لي أخونا والله يا شيخ لما قَدِمت في الدرس القادم وجدته معي في درسك، هذه هي التربية الراقية ؛ تقديم طلب إجازة جعل المدير العام يحضر مجلس علم، هكذا الدين كلما كنت ورِعاً كلما اِزددت مراقبةً لله، وأقول لكم مرة ثانية: يمكنك أن تكون أكبر داعية في الأرض وأنت ساكت ؛ وذلك بِأمانتك ؛ واِستقامتك وإتقان عملك.
 هناك أطباء من إخواننا أجْروا عمليات معقدة جداً، وله قِسم بِثمن مجاني، وقِسم بِثمن باهظ، أسمع عنهم أن عِنايتهم بالفقراء لا تقِل شعرة عن عنايتهم بالذي سَيَدفع مئتي ألف على العملية، عنده الأمور مجانية وذلك لِفقر بعضهم ويَجري عملية السبْع أوثماني ساعات وهو واقف ويفتح القلب وغيرها من العمليات من دون مقابل وتلك بِمئتي ألف والعِناية واحدة ولإتقان واحد.
﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾
 وهل يمكن لِمدرس أن يترك التلاميذ من أجل قِلّة الأُجرة ؟ لا يمكن لذلك هذا الاسم يمكن أن يُطبّق في مليار حالة، إذا آمنتم أن الله رقيب فسَيَنعدم الغش والكذب ولا نظرة حرام، ولا ابتسامة،ولا إساءة...
 العلماء يرون أن المرقبة حال يصير العبد فيه يذكر الله بِقلبه ؛ لأن الله مُطلّعٌ عليه دائماً ؛ وشعور العبد أن الله مُطلّعٌ عليه دائماً ؛ هذا الحال اسمه حال المراقبة.
 سئل بعض القوم بمَ يستعين الرجل على غض بصره عن المحظورات ؟ فأنت إذا مشيت بالطريق بعض النساء يُبرزن أحسن ما في أجسامهن وتراهنّ عاريات من الطراز الأول، فكيف تغض بصرك ؟ قال: لِعلْمه أن رؤية الحق تعالى سابقة على نظره ؛ علمك أن الله يراقبك هذا أسبق من نظرك إلى الحرام ؛ فبِهذا تغض بصرك وتستحي من الله، وكثير من الإخوان لا يجتمعون مع امرأة في مصعد واحد، وينتظر للمرة الثانية أو يصعد الدرج ماشياً لأن المؤمن عفيف إن الله كان عليكم رقيباً.
 الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه ؛ فإن لم تكن تراه فإنه يراك. والله سبحانه وتعالى يقول:
﴿أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (14)﴾
(سورة العلق)
 ذكر الإمام الرازي أن حظ المؤمن من اسم الرقيب، المقولة القائلة " تخلقوا بأخلاق الله "، فَكَيف نتخلق بِهذا الاسم ؟ يقول: مراقبة العبد لنفسه أساسها أن يعلم أن الله مطلع على نواياه ودخائل قلبه، وأن يستحضر من مراقبة الله له أن الله تعالى معه دائماً، ويرْقبه في كل أحواله وحركاته وسكناته وقال: هذه المراقبة مفتاح كل خير، لأن العبد إذا أيقن أن الحق مراقِب لأفعاله، مبصر لأحواله، وسامع لأقواله، مطلع على ضمائره وخفاياه، خاف عقابه في كل حال، وهابه في كل مجال،عِلماً منه بأن الرقيب قريب، وهو الشاهد الذي لا يغيب، ولذلك قال الشيخ: إن الرقيب الذي هو من الأسرار قريب، وعند الاضطرار مجيب.
وقال بعضهم: الرقيب: هو المُطلّع على الضمائر، والشاهد على السرائر، والرقيب يعلم ويرى، ولا يخفى عليه السر والنجوى.
 وقال بعضهم: الرقيب: الحاضر الذي لا يغيب، بل رقابتُه قديمة مستمرة. ولهذا قيل: الرقيب الذي يسبق علمه جميع المحدثات وتتقدم رؤيته جميع المكونات.
 الإمام الغزالي في إحيائه حينما عقد بحثاً حول مقام المراقبة قال: " إن أدب المؤمن مع الله الرقيب ؛ أن يعلم أن الله رقيبه وشاهده في كل شيء، ويعلم أنّ نفسه عدوة له، وكذلك الشيطان اللعين، وهما ينتهِزان منه كل فُرصة حتى يحملاه على الغفلة والمخالفة ؛ لذلك يجب أن يأخذ حذره منهما، ويسد عليهما المنافذ والمداخل، حتى لا يقع في فخِّ واحدٍ منهما "، هذا هو رأي الإمام الغزالي في أدب المؤمن مع الله في اسم الرقيب.
 ومن أدب المؤمن في هذا المجال أن يراقب نفسه وحِسه وأن يترقّب أنفاسه ويجعل عمله خالصاً لِربه بِنِيَّة طاهرة في أعماله ويراقب ربه في أخيه فلا يُظهر عَيْبه.
 ويقول ابن عطاء الله السكندري عن اسم الرقيب: أفضل الطاعات مراقبة الله على الدوام وفي كل الأوقات.
 وقال أبو حفصِ: إذا جلستَ للناس فكُن واعظاً لِنفسك وقلبك ولا يغرنَّك اجتماعهم عليك ؛ فإنهم يراقبون ظاهرك والله رقيب على باطنك.
 قال عبد الله بن المبارك لِرَجل: راقب الله -تعالى -فقال: كيف ذلك ؟ قال: كن أبداً كأنك ترى الله -تعالى - فالدعاء النبوي الشريف يقول:
((اللهم اجعلنا نخشاك حتى كأننا نراك ))
 وبعضهم كان يدعو بِهذا الدعاء: إلهي أنت الرقيب لِحركات الأكوان، العليم بِخطوات قلوب الإنس والجان، أشرِقْ على قلبي بنور اسمك الرقيب، حتى تتزكى نفسي فَتَتَحلى بالتقريب، واِمنحني عيوناً تراقب نِعَمك الظاهرة، وتلاحظ أسرارك الباهرة.
 فَحَال المراقبة حال إذا وصلت إليه، أوْصلك إلى الجنة، وسعِدت في الدنيا والآخرة لأن من لوازم هذا الحال الاستقامة على أمره والاستقامة على أمر الله سبب الجنة